logo

فشل فيل


بتاريخ : السبت ، 11 ذو القعدة ، 1435 الموافق 06 سبتمبر 2014
فشل فيل

عندما كان عمره شهرين وقع الفيل الأبيض الصغير في فخ الصيادين في إفريقيا، وبيع في الأسواق لرجل ثري يملك حديقة حيوانات متكاملة، وبدأ المالك على الفور في إرسال الفيل إلى بيته الجديد في حديقة الحيوان، وأطلق عليه اسم "نيلسون"، وعندما وصل المالك مع نيلسون إلى المكان الجديد، قام عمال هذا الرجل الثري بربط أحد أرجل نيلسون بسلسلة حديدية قوية، وفي نهاية هذه السلسلة وضعوا كرة كبيرة مصنوعة من الحديد والصلب، ووضعوا نيلسون في مكان بعيد عن الحديقة، شعر نيلسون بالغضب الشديد من جراء هذه المعاملة القاسية، وعزم على تحرير نفسه من هذا الأسر، ولكنه كلما حاول أن يتحرك ويشد السلسلة الحديدية كانت الأوجاع تزداد عليه، فما كان من بعد عدة محاولات إلا أن يتعب وينام، وفي اليوم التالي يستيقظ ويفعل نفس الشيء لمحاولة تخليص نفسه، ولكن بلا جدوى حتى يتعب ويتألم وينام.

 

 

 ومع كثرة محاولاته، وكثرة آلامه وفشله قرر نيلسون أن يتقبل الواقع، ولم يحاول تخليص نفسه مرة أخرى، على الرغم أنه يزداد كل يوم قوة وحجمًا، لكنه قرر ذلك، وبهذا استطاع المالك الثري أن يروض الفيل نيلسون تمامًا.

 

وفي إحدى الليالي عندما كان نيلسون نائمًا ذهب المالك مع عماله، وقاموا بتغيير الكرة الحديدية الكبيرة لكرة صغيرة مصنوعة من الخشب، مما كان من الممكن أن تكون فرصة لنيلسون لتخليص نفسه، ولكن الذي حدث هو العكس تمامًا.

 

فقد تبرمج الفيل على أن محاولاته ستبوء بالفشل، وتسبب له الآلام والجراح، وكان مالك حديقة الحيوانات يعلم تمامًا أن الفيل نيلسون قوي للغاية، ولكنه كان قد تبرمج بعدم قدرته، وعدم استخدامه قوته الذاتية.

 

وفي يوم زار فتى صغير مع والدته الحديقة، وسأل المالك:

 

هل يمكنك يا سيدي أن تشرح لي كيف أن هذا الفيل القوي لا يحاول تخليص نفسه من الكرة الخشبية؟

فرد الرجل: بالطبع أنت تعلم يا بني أن الفيل نيلسون قوي جدًا، ويستطيع تخليص نفسه في أي وقت، وأنا أيضًا أعلم هذا، ولكن المهم هو أن الفيل لا يعلم ذلك، ولا يعرف مدى قدرته الذاتية.

 

ما المستفاد من هذا المثل؟

 

معظم الناس تبرمج منذ الصغر على أن يتصرفوا بطريقة معينة، ويعتقدوا اعتقادات معينة، ويشعروا بأحاسيس سلبية معينة، واستمروا في حياتهم بنفس التصرفات تمامًا مثل الفيل نيلسون، وأصبحوا سجناء في برمجتهم السلبية، واعتقاداتهم السلبية التي تحد من حصولهم على ما يستحقون في الحياة.

 

فنجد نسب الطلاق تزداد في الارتفاع، والشركات تغلق أبوابها، والأصدقاء يتخاصمون، وترتفع نسبة الأشخاص الذين يعانون من الأمراض النفسية، والقرحة، والصراع المزيف، والأزمات القلبية.

 

كل هذا سببه عدم تغيير الذات، وعدم الارتقاء بالذات.

 

حتمي ولا بد:

 

إن التغيير أمر حتمي ولا بد منه، فالحياة كلها تتغير، والظروف والأحوال تتغير، حتى نحن نتغير من الداخل، فمع إشراقة شمس يوم جديد يزداد عمرك يومًا، وبالتالي تزداد خبراتك وثقافاتك، ويزداد عقلك نضجًا وفهمًا، ولكن المهم أن توجه عملية التغيير كي تعمل من أجل مصلحتك أكثر من أن تنشط للعمل ضدك.

 

إن الفيل نيلسون كمثال، تغير هو نفسه فازداد حجمًا وازداد قوة، وتغيرت الظروف من حوله فتبدلت الكرة الحديدية الكبيرة إلى كرة خشبية صغيرة، ومع ذلك لم يستغل هو هذا التغيير ولم يوجهه، ولم يغير من نفسه التي قد أصابها اليأس ففاتته الفرصة التي أتته كي يعيش حياة أفضل.

 

إن الله تعالى قد دلنا على الطريق إلى الارتقاء بأنفسنا، وتغيير حياتنا إلى الأفضل، فقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد:11].

 

فكل واحد منا من الممكن؛ بل من السهل، أن يتغير للأفضل، وكلما زاد فهمك لنفسك وعقلك أكثر كلما سهل عليك التغير أكثر، لكن من المهم أن تتذكر دائمًا أن التغيير يحدث بصفة مستمرة، وأنك إن لم تستطع أن توجه دفة التغيير للأفضل فستتغير للأسوأ، قال تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ} [المدثر:37].

 

فهو إما صعود أو هبوط، إما تقدم أو تأخر، إما علو أو نزول.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: كيف أغير من نفسي؟، كيف أتحسن للأفضل؟

 

شروط التغيير الثلاثة:

 

الشرط الأول: فهم الحاضر:

 

الفرصة الخاصة بالتغيير لا يمكن أن تتواجد إلا في وقتك الحاضر، وهذا يعني أن الشرط الأول من أجل تحقيق تغيير مُجْدٍ هو أن ترى بوضوح أين توجد الآن؟ وفي هذه اللحظة؟

 

لا تُخْفِ نفسك بعيدًا عن الحقيقة الراهنة، فإذا كانت هناك بعض المظاهر التي لا تعجبك، فبوسعك أن تبدأ بتخطيط كيفية تغييرها، لكنك لو تظاهرت بعدم وجودها فلن تقوم بتغييرها أبدًا؛ ولذا، فكن صريحًا مع نفسك، منصفًا في رؤيتك لها على وضعها الحالي.

 

الشرط الثاني: لا تؤرق نفسك بالماضي:

 

إن الامتعاض بالأخطاء والهموم التي جرت بالأمس أمر مفهوم، لكن من الخطأ أن تسمح للماضي أن يكون سجنًا لك، وبذلك فإن الشرط الثاني للتغيير المثمر هو المضي بخفة بعيدًا عن الماضي، إن الماضي بنك للمعلومات، يمكنك أن تعلم منه، لكنه ليس بالشَّرَك الذي يسقطك في داخله.

 

فخذ ما تشاء من الماضي من فوائد وخبرات ومعلومات، لكن إياك أن تعيش في الماضي، أنت الآن شخص جديد، أقوى بكثير من الماضي، وأفضل بكثير من الماضي، واستفدت من أخطاء الماضي، فكيف تعيش فيه؟

 

الشرط الثالث: تقبل الشك في المستقبل:

 

قال تعالى: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ} [النمل:65].

وقال تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً} [الجن:26].

 

إن المستقبل بالنسبة لنا أمر غيبي، لا ندري ما الذي سيحدث فيه، ولكن هذا لا يعني ألا نضع الأهداف، وألا نخطط لمستقبلنا، هذا لا يعني ألا نتوقع ولا نتقبل الشك فيما قد يحدث لنا وللعالم حولنا؛ لنكون على أهبة الاستعداد له، فعلينا الأخذ بالأسباب المتاحة لنا، فكي نحقق تغييرًا مثمرًا فإننا بحاجة إلى ترك مساحة للمجهول المشكوك فيه.

 

حياة وأمل:

 

كان همام في قمة السعادة حينما أيقظته والدته لكي يستعد لسفره لأداء العمرة، وكان همام الذي يعيش في جمهورية مصر العربية، والذي قد بلغ من العمر أربعة عشر عامًا، سيركب الباخرة مع أهله للنزول في ميناء جدة.

 

مضى الوقت سريعًا، وبدأت السفينة في الإبحار، وفي ذلك الوقت كانت العائلة في المطعم تتناول الغداء، واستغل همام انشغال الجميع، وذهب إلى سطح السفينة ليشاهد ويتمتع بمنظر البحر.

 

وذهب همام إلى نهاية السفينة، وبدأ ينظر إلى أسفل، وانحنى أكثر من اللازم، وكانت المفاجأة؛ وَقَع همام في البحر، وأخذ يصرخ ويطلب النجدة ولكن دون جدوى، وأخيرًا كان هناك أحد المسافرين، وهو رجل في الخمسينات من عمره، فسمع صراخ همام، وبسرعة ضرب جهاز الإنذار، ورمى نفسه في المياه لإنقاذ همام.

 

تجمع المسافرون، وهرول المتخصصون، وبسرعة ساعدوا الرجل وهمام، وتمت عملية الإنقاذ، ونجا همام من موت محقق.

 

وعندما خرج من المياه ذهب همام إلى والديه، واعتذر عما صدر منه، وأخذ يبحث عن الرجل الذي أنقذه حتى وجده واقفًا في ركن من الأركان، وكان ما زال مبللًا بالمياه، جرى إليه واحتضنه وقال: «لا أعرف كيف أشكرك؛ لقد أنقذت حياتي من الغرق».

 

فرد الرجل عليه قائلًا: «يا بني، أتمنى أن حياتك تساوي إنقاذها».

 

هل فهمت هذا المثل جيدًا؟

والآن دعني أسألك: هل حياتك تساوي إنقاذها؟

هل تريد أن تترك بصمات نجاحك في الدنيا؟

هل قررت أن تتغير للأفضل، وأن ترتقي في حياتك؟

هل نويت أن تتقرب إلى الله، وتحرص على محبته ورضاه؟

هل اشتريت الجنة التي خلقت لتسكن فيها؟

 

ابدأ من اليوم في تغيير نفسك، ونعلم أنك قد تفكر في ميلك إلى إجراء العديد من التغييرات لكنك لا تعرف من أين تبدأ؟ لا تحاول أن تجرب عمل الكثير مرة واحدة، حدد أي التغييرات التي عليك القيام بها أولًا؟ فلأن تضيء شمعة واحدة خير من أن تلعن الظلام ألف مرة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: موقع: مفكرة الإسلام.