فر من الضغوط فرارك من الأسد
في تجربة تربوية أجريت على مجموعة مصطفاة من أفضل الطلبة، كانوا يدرسون في معهد أمريكي لتخريج القضاة، طلبوا منهم إجراء بحث، وتعمدوا أن يكون إنجاز هذا البحث محتاجًا إلى عشرة أيام على أقل تقدير، لكنهم سمحوا لهم بيومين فقط، وسمحوا لهم بالاطلاع على ما يشاءون من مراجع في المكتبة، وأخفوا عنهم أمر كاميرات التصوير التي كانت تراقبهم.
انطلق الطلبة في المكتبة يحاولون إنجاز المستحيل, لكنهم سرعان ما أدركوا استحالة المحاولة، وإزاء هذا الظرف غير الطبيعي نسي الطلبة ما تعلموه, وتراجعت قيمهم وإحساس كل منهم بالآخر، فراح كل واحد منهم يسارع بالكشف في المراجع، ليس لإكمال بحثه؛ بل لتمزيق الصفحات المطلوبة في البحث وإخفائها حتى لا يستطيع زملاؤه الوصول إليها، لقد أدرك كل واحد منهم استحالة النجاح، فتحولت مهمته إلى منع الآخر من النجاح.
وخلصت التجربة إلى أنه إذا وضعت إنسانًا سويًا؛ بل متميزًا، في ظروف عسيرة أو حرجة، فمن المحتم أن تكون تصرفاته غير طبيعية!
الطريق من هنا:
- بسّط حياتك بدلًا من البحث والنظر في طرق لضغط مهام يومك؛ كي تنجز الكثير مما لا تستطيع عمله في الأربع والعشرين ساعة، تَخَلَّ عن بعض التزاماتك غير المهمة، واسأل نفسك بكل تجرد: ما هو الواجب عليَّ المبادرة لفعله؟ وما الذي يُمكنه الانتظار وتأجيل القيام به؟ وما هو الذي لا يلزمني أداؤه أصلًا؟
- حاول أن تنتدب غيرك في المنزل والعمل للقيام ببعض الواجبات أو المهام المطلوبة منك، وحاول أن تُجزّئ الأعمال الكبيرة أو المعقدة إلى مراحل، وأن تنجز الأعمال الواحد تلو الآخر، بدلًا من القيام بمجموعة منها في نفس الوقت.
- عش ليومك الذي أنت فيه، ولا تحاول أن تعالج مشاكل حياتك كلها في يوم واحد، إنك تستطيع أن تفعل أشياء كثيرة خلال اليوم إذا ركزت تفكيرك عليها، ولم توزع فكرك في أحداث الماضي أو المستقبل.
- حاول دائمًا أن تكيف نفسك وفقًا لما هو كائن، بدلًا من أن تحاول تكييف ما يحيط بك وفقًا لما تريد أن يكون.
- لا تتوقع المتاعب، فمن الناس من يتوقع المتاعب قبل وقوعها، فهو دومًا يعتقد أن هناك خطأً سيقع منه، أو مرضًا أو نائبة ستحل به.
- كن دومًا جاهزًا، بمعنى أن تُرتب برامجك اليومية مسبقًا، وبشكل مرن قابل للتغير بكل راحة، والأهم أن تضع في ذهنك وبرنامجك مساحة للمفاجآت، سواء كانت من نوع متطلبات العمل وواجبات الأسرة أو من نوع العارض الصحي أو غيره.
- تقبل الخسارة، وهي خصلة من الصعب على الكثيرين التحلي بها، لكنها قد تكون ضرورية لاستمرار التفاعل مع الحياة وديمومة العطاء، فَفَقْد أمر يجب ألا يكون عائقًا عن إنجاز أمور أخرى، وخسارة شيء لا تعني فقد كل شيء.
- اضبط سلوكك وتفاعلك، وخاصة في لحظات التوتر والإجهاد، الأهم أن تتعلم كيف تكون منتجًا في لحظات قد ييأس البعض فيها، دون أن يزيد هذا من توترك وإجهادك، والأساس في هذا، بالإضافة إلى التوكل على الله سبحانه وتعالى، والثقة بقدرات النفس، تهيئة النفس لوضع الإيجابيات فوق الأفكار السلبية.
- من الأفكار غير العقلانية، التي تستثير لدينا التوتر والمشاكل النفسية والاجتماعية، فكرة السيطرة، التي تتمثل في بحثنا الدائم عن منافسات ومقارنات مع الآخرين يجب أن تكون لنا فيها الغلبة والسيطرة والتميز، على نمط «... لنا الصدر دون العالمين أو القبر»، ونمط «... ويشربُ غيرنا كدرًا وطينا».
- خصِّصْ وقتًا يوميًا للاسترخاء، تكون فيه مع نفسك، ولو لبضع دقائق يومية، أثناء زحمة العمل أو القيام بالواجبات الأسرية، وخاصة حينما تشعر أن عضلاتك بدا عليها التوتر والشد والإجهاد.
- مارس هواية محببة لديك، فالشخص الذي لا يلهو ولا يستجم مطلقًا، ويكرس كل وقته لعمله قد يعجب بنفسه أول الأمر، لا سيما حين يجد من يعجبون بتفانيه في العمل، ويصفونه بأنه (دينامو)، ولكن هذا الدينامو لا يلبث قليلًا حتى تضعف حركته ويفقد قوته، ويضطر إلى التوقف عن العمل، وقد يطول توقفه عشرات الشهور، ريثما تتجدد قواه، وتواتيه القدرة على استئناف المسير.
- لا تفرط في الإجازات، سواء الأسبوعية أو السنوية، واجعل منها وسيلة لتصفية الذهن وراحة الجسم فقط، فليس المقصود بالراحة الانغماس في الكسل والخمول؛ بل الاسترخاء الذي يجدد النشاط، ومما أثبتت الدراسات الطبية الفسيولوجية دوره في راحة البدن والذهنِ ممارسةُ الأنواع المتوسطة القوة من الرياضة البدنية، ولا أفضل في هذا الشأن من رياضة المشي، والابتعاد قليلًا عن مناخ العمل، حتى لو كان التواصل معه عبر الهاتف.
- اضحك وامرح باعتدال، ولا تغفل البتة عن أهمية الابتسامة والفرحة في حياتنا، ولا تنس أن أطباء القلب والأعصاب يكتشفون كل يوم شيئًا صحيًا جديدًا حول تأثير الفرحة والانشراح على القلب، والأوعية الدموية، وهرمونات الغدد الصماء، وسلام العضلات وعمل أجزاء الدماغ، وحفظ الذاكرة وغيرها.
- خذ كفايتك من النوم الليلي، ولا تدخل إلى السرير إلا حينما تجد الرغبة لديك في النوم، وإذا لم تخلد إلى النوم خلال ربع ساعة من التقلب على السرير، فقم واعمل أي شيء آخر خفيف، كالقراءة مثلًا، حتى يغلبك النعاس، ولا تنسَ أن المشروبات المحتوية على الكافيين وحتى بعض أنواع أدوية معالجة الصداع تسبب الأرق.
- ليس لديك مقدرة على تغيير الماضي، استفد من تجاربه، ولا ترهق نفسك بأثقاله، ولا تكن حبيسه، فما فات مات، لا الحزن يعيده، ولا التحسر يحييه.
- ثق بأن الله تعالى معك، ومن كان الله عز وجل معه فلن يخاف من أي مخلوق، ولا يفوتك أن تستمتع بكل ما هو جميل، وأن تحب كل ما هو جدير بالحب.
_____________
منتديات الإسلام اليوم