التنمية البشرية: مفهومها، أهدافها، مقوّماتها، ومعوقاتها
أصبحت التنميّة البشرية من الأمور الأساسيّة التي تعتمد عليها أغلب المجتمعات المتطورة بهدف زيادة القدرات التعليميّة والخبرات العمليّة لمواطنيها لدفعهم وتشجيعهم على العمل المتواصل بكل جهدٍ ومحبة بعيدًا عن الشعور بالكسل أو العجز، فيما يلي سنُسلّط الضوء على مفهوم التنميّة البشريّة، أهدافها، مقوماتها، معوقاتها، وأهم النصائح التي يجب أن يُطبقها مدرب التنميّة البشريّة ليكون ناجحًا في مهنته.
مفهوم التنمية البشرية:
التنمية البشريّة هي العمليّة التي تركز على الإنسان وتسعى لتطوير مهاراتهِ وقدراتهِ ليصل بمجهودهِ الشخصي لمستوى معيشي جيّد، وكان للحروب العالميّة والآثار المُدمرة لها دورًا أساسيًا في ظهور مفهوم التنمية البشرية، التي ساعدت على إعادة تنمية المجتمع والتنمية الإدارية والثقافيّة والسياسيّة في البلدان كافةً. كما ويقوم تعريف التنمية البشرية على أنّ البشر هم الثروة الحقيقيّة للأمم، وأنّ التنمية البشرية هي عمليّة توسيع خيارات البشر، حيثُ أنّها لا تنتهي عند تكوين القدرات البشريّة كتحسين الصحة، وتطوير المعرفة والمهارات، بل تعتمد إلى أبعد من ذلك من حيث الانتفاع بها سواء في مجال العمل من خلال توفر فرص الإبداع، والتمتّع بوقت الفراغ، والاستمتاع باحترام الذات وضمان حقوق الإنسان، والمساهمة في النشاطات الاقتصادية والسياسيّة والثقافيّة والاجتماعيّة.
أهداف التنمية البشرية:
توفير الوسائل الضروريّة التي تُسهّل على الناس في المجتمع الواحد الحصول على فرص التعليم الصحيح، والعمل المستمر من أجل محو الجهل والأميّة في المجتمعات كافةً.
العمل من أجل الحدّ من ظاهرة البطالة والسعي للحصول على فرص عمل مناسبة في كل من المناطق الحضاريّة والمدن الكبيرة والمناطق الريفيّة البسيطة.
العمل من أجل تطوير الرعاية الصحيّة، وتقديم العون والمساعدة الصحيّة والطبية للأطفال والمحتاجين والمُسنين.
السعي وراء تحسين المستوى المعيشي للفرد، وتوفير جميع الاحتياجات الضروريّة له، والحد من انتشار الجوع، وزيادة معدلات التغذية.
تحسين ثقة الإنسان بنفسهِ، وشعورهِ بكفاءتهِ الذاتيّة، لتحسين صورتهِ عن ذاتهِ، وذلك ليشعر بالنمو والارتقاء الشخصي. تحسين مهارات الفرد الشخصيّة والمعرفيّة لرفع معنوياتهِ، وتأمين الاستقرار النفسي لهُ، والتعرف على مواهب الإنسان وتنميتها كالحفظ، الذاكرة، الرسم، فن الإقناع، فن الطهي، والفنون اليدوية.
تحسين أداء الفرد في العمل، وتدريبهِ على فن إتقان العمل، وذلك عن طريق تنمية الخبرات العمليّة لديهِ وصقلها.
استبدال المعتقدات الضّارة للإنسان بمعتقدات مفيدة، كالاعتقاد بأنك قادر على النجاح والتخلّص من الاعتقاد بأنّ النجاح صعب أو مستحيل.
استبدال العادات الضّارة بعادات مفيدة مثل المحافظة على الوقت، احترام المواعيد، الابتعاد عن التسويف، إتقان العمل، والتعاون مع الزملاء.
تنمية الصفات الإيجابيّة والحميدة في الإنسان كالصدق، الإيمان، الثقة بالنفس، حب العمل، الصبر، المثابرة، الرضا، هدوء الأعصاب، والكرم.
مقومات التنمية البشرية:
1- التعليم: لا يستطيع الإنسان أن يُحقّق النجاح والأهداف التي يحلم بها دون التعليم، حيث يُساهم التعليم في تذليل الصعوبات العديدة التي قد تواجهُ الإنسان، ويُسهّل له طريق الريادة والابتكار، لينجح في إثبات نفسهِ وقدراته في المجتمع الذي يعيش فيهِ.
2- التدريب: إنّ التدريب يُساهم وبشكلٍ فعّال في نقل المهارات والخبرات والأفكار والممارسات التقنية التي يتمتع بها الإنسان من المستوى النظري إلى المستوى التطبيقي، وهذا ما يُساهم في دفع الإنسان للعمل والابتكار والاحتراف، لإظهار كافة المهارات التي يمتلكها وصقلها للوصول إلى أهدافهِ كافةً.
3- الثقافة: إنّ المخزون الثقافي في المجتمع يُساهم في دراسة سلوك الفرد حسب نوع الثقافة السائدة في مجتمعهِ، فالثقافة العامة تكمّل التعليم وهي حجر أساس لهُ، فالشاب المثقف مثلًا يكون مدركًا تمامًا لكل الأشياء التي يحتاجها والتي يقوم به، ولا يتصرف على الإطلاق بطريقةٍ عشوائيّة وغير مُنظمة، وعادةً ما يعتمد على خطة عمل تساعدهُ على تنفيذ أهدافهِ والسير في الطريق الصحيح في غضون أشهر محددة ووقت زمني معين.
4- الاهتمام بوسائل الحماية الاجتماعية: وهو من مقومات التنميّة البشرية الأساسيّة الذي يهتم برعاية الأحداث من النواحي النفسيّة، والصحيّة، والاجتماعيّة، لتوجيهم بشكلٍ صحيح ليُصبحوا مواطنين منتجين، وفاعلين، عن طريق إخراج الإمكانيات الكامنة داخلهم، والاستفادة منها بشكلٍ عملي لبناء مستقبل جديد وزاهر.
معوقات التنمية البشريّة:
1- المشاكل السياسيّة: تؤدي المشاكل السياسيّة لإعاقة عمليّة سير التنمية البشرية في المجتمعات العالميّة، وذلك نتيجة الآثار السلبيّة لهذهِ المشاكل كالحروب، الحصار الاقتصادي، وغياب الأمان والاستقرار النفسي للإنسان.
2- المشاكل الاقتصادية: تؤثر الأوضاع الاقتصادية السيئة على سير التنمية البشرية وانتشارها في المجتمعات العالمية، وذلك بسبب الفقر، وتدهور البُنى التحتيّة، وانتشار البطالة، وقلة فرص العمل.
3- المشاكل الصحيّة: وهي المشاكل التي تتسبّب في تدهور الحالة الصحيّة للإنسان، نتيجة الحروب السياسيّة والاقتصادية، كالتعرض لسوء التغذية، وانتشار العديد من الأمراض الخطيرة والأوبئة التي يصعب القضاء عليها.
4- المشاكل التعليميّة: إنّ غياب التعليم والمؤسسات التعليميّة يؤثر سلباً على نجاح عمليّة التنمية البشرية في المجتمعات كافةً، وذلك لأنّ التنميّة تعتمد على تعليم الإنسان وتزويدهِ بالمعرفة.
5- المشاكل الثقافيّة والاجتماعية: إنّ معاناة المجتمع من بعض المشاكل الثقافيّة والاجتماعية يعيق وبشكلٍ كبير من نجاح التنمية البشرية ومن أداء دورها الصحيح، وذلك بسبب نشوب الخلافات بين أبناء المجتمع الواحد، بالإضافة لانتشار الجهل والتعصب الفكري.
المراحل التاريخيّة للتنميّة البشريّة:
1- المرحلة الكلاسيكيّة، بعد الحرب العالميّة الثانيّة: وفي هذهِ الفترة ارتبطت التنمية البشرية مع العديد من المفاهيم الأخرى كالتنميّة الاقتصادية، وفيها اهتمّ العلماء بدراسة الوضع الاقتصادي لزيادة الناتج القومي للبلاد وتطوير المعيشة ورفع دخل الفرد، وهنا ظهرت النظرية الكلاسيكيّة في الاقتصاد، هذهِ النظرية التي اعتمدت على آراء بعض العلماء المهمين في ذلك الوقت مثل آدم سميث، توماس مالتوس، ديفيد ريكاردو. وتنص هذهِ النظرية على أنّ السكان ورؤوس الأموال هما المكونان الأساسيان اللذان يُساهمان في الوصول إلى التنميّة الاقتصادية، وهنا أصبح الطابع الاقتصادي مؤثرًا بشكلٍ واضح على التنمية البشرية، وفي أواخر الستينات اتجهت التنمية البشرية للاهتمام بتنفيذ مجموعة من السياسات التي تهدف لتقليل الفقر، وتوزيع الدخل بين الأفراد بشكلٍ عادل.
2- مرحلة الفترة الزمنيّة من السبعينات إلى التسعينات: وفي هذهِ المرحلة أصبح التأثير الاجتماعي في التنمية البشرية أكبر بكثير من التأثير الاقتصادي، وعملت المجتمعات الغربية على تحقيق تطورات كبيرة في معيشتها، ولكنها لم تساهم أو تهتم بتحقيق السعادة للناس بشكلٍ عام. ولكن ومع حلول سنة 1970، عملت الأمم المتحدة على إعادة دراسة وتعريف مفهوم التنميّة البشرية وأهدافها، وتوصلّت في النهايّة إلى مجموعة من الحقائق والمعلومات المهمة وهي أن التنمية البشرية تهدف إلى تحقيق الرفاهيّة للإنسان وتوفير العديد من الفوائد للمجتمع، كما وتهدف إلى بثّ العدالة وتحقيقها عن طريق توزيع الناتج القومي على الجميع، ليشعر الناس بالاستقرار والسعادة النفسيّة.
نصائح يجب أن يُطبقها مدرب التنمية البشرية:
1- العقل المُنفتح: يجب على مدرب التنمية البشرية أن يتمتع بعقليّة منفتحة وقادرة على تقبل الطرف الآخر، واستيعاب الآراء المختلفة التي قد يُصادفها في حياتهِ اليوميّة، ويكون هذا عن طريق اطلاعهِ على كل القضايا التي تدور في المجتمع المحلي الذي يعيش فيه والمجتمع العالمي، لينجح في الحكم على المواقف المختلفة بشكلٍ صحيح بعيدًا عن الحدة والانفعالية.
2- التمتّع بالثقافة العامة: من الضروري أن يتمتّع مدرب التنمية البشرية بثقافةٍ عامة وواسعة، ويكون هذا عن طريق الاطلاع المستمر والدائم على مختلف العلوم والمواضيع الأدبيّة، والسعي وراء تحليلها وتكوين رؤية معرفيّة واضحة حيالها، كما ويجب عليه أن يحرص على القراءة والمطالعة، والسعي وراء حضور مختلف الندوات الأدبيّة والثقافيّة التي تزودهُ بالكثير من المعلومات المهمة.
3- الثقة بالنفس: وهي من أهم الصفات التي يجب أن تتوافر في مدرب التنمية البشرية لكي يكون ناجحًا ومتألقًا في مهنتهِ هذهِ، حيث أنّ الثقة بالنفس تنعكس وبشكلٍ إيجابي على حضورهِ أمام الآخرين ومدى تقبلهم لكل الأفكار والنصائح التي يُوجهها لهم، ولكن على مدرب التنمية البشريّة أن ينتبه لضرورة ألّا تتحوّل هذه الثقة إلى غرورٍ قد يُدمر كل محاولاتهِ في بناء جسر متين وإيجابي للتواصل الفعّال مع الآخرين.
4- تنمية المهارات الشخصيّة: يجب أن تتوافر في مدرب التنميّة البشرية مجموعة من المهارات الشخصيّة التي تساعده على النجاح والتألق في مهنتهِ، كالقدرة على الاستمتاع بساعات العمل، تقديم المساعدة والنصائح الإيجابيّة للآخرين، القدرة على الاستماع لمشاكل الناس وإيجاد الحلول المناسبة لها، امتلاك مهارات التواصل البناء مع الآخرين، النظرة الإيجابيّة حيال كل أمور ومستجدات الحياة، القدرة على التفاؤل والابتعاد عن التشاؤم، والسعي وراء إحداث تغيير إيجابي في حياة طلابهم.
5- المشاركة في الأعمال التطوعيّة: تُعزز الأعمال التطوعيّة من قدرة مدرب التنمية البشرية على العمل بجهدٍ ومثابرة بعيدًا عن الشعور بالملل، كما وتُعزز من قدراتهِ على الدخول في المجتمع ومشاكلهِ والمساهمة في معالجتها، لهذا يجب على مدرب التنمية البشريّة أن يتطوع للاهتمام بمجالات مختلفة، كالتعليم، الصحة، المياه، الصرف الصحي، تحسين مستوى معيشة الإنسان، والسعي وراء زيارة الجمعيات الخيريّة والسؤال عن أحوال الفقراء والمحتاجين وبث الروح الإيجابيّة في نفوس كل الأشخاص الذين يُقابلهم.
6- الحصول على المؤهلات التعليميّة اللازمة: من الضروري أن يحصل مدرب التنمية البشرية على بعض المؤهلات والتخصصات العملية اللازمة له في عمله ويجب أن تكون في مجال الأعمال التجاريّة، الموارد البشريّة، العلوم الاجتماعية، ومجالات التدريب والتطوير، بالإضافة لإتقان علوم الحاسوب وتكنولوجيا المعلومات التي تلعب دورًا أساسيًا في نجاحهِ وقدرتهِ على أداء عملهِ بشكلٍ صحيح.
7- التحلّي بالصبر: إنّ الصبر هو السر وراء نجاح مدرب التنمية البشريّة في عملهِ، وذلك لأنّ هذهِ الأنواع من الأعمال تتطلب من الإنسان التعامل مع أنواع مختلفة من الشخصيات والعقول التي تحتاج إلى صبر طويل لتتأقلم مع الأفكار المهمة التي تُطرح عليها، لهذا فإنّ مدرب التنمية البشريّة الذي يفتقد لصفة الصبر سيفشل حتمًا في تحقيق النجاح والتقدم في هذه المهنة.
المصدر: موقع النجاح.