موت الدماغ ..رفع أجهزة الإنعاش الصناعي
لم تنشأ هذه المشكلة عندنا، ولكنها نشأت في بلاد متقدمة في العلم المادي، خاصة علم الطب، لكنها متنصلة من شرع السماء، متمردة على أحكام الدين، منحطة أخلاقيًا، فلا دين ليردعها، ولا خلق ليصونها.
وهي على ذلك من النوازل المستجدة التي لم يرد للفقهاء القدامى في شأنها نص، وقد صارت، في عصرنا، من المسائل المشكلة التي كثر في شأنها الخلاف، ونحاول في الصفحات التالية، إن شاء الله، تجلية صورة هذا الخلاف، والوصول إلى الرأي الأقرب للصواب، فيما نرى، بشأنها.
وسيكون موضوع حديثنا، إن شاء الله، منتظمًا في النقاط التالية:
ـ تعريف الموت وعلاماته عند الفقهاء والأطباء.
ـ مشكلة البحث ومحل النزاع.
ـ بيان مذاهب الفقهاء.
ـ الأدلة.
ـ الأسباب التي تدعو إلى إيقاف وسائل الإنعاش.
ـ الراجح.
ما هو الموت؟
أولًا: عند الفقهاء:
عرَّف الفقهاء الموت بأنه: صفة وجودية خُلقت ضدًا للحياة(1)، يزول بها قوة الإحساس والنماء والتعقل.
وقيل: هو عديم (2)الحياة عما من شأنه الحياة أو زوال الحياة (3)
أو هو: مفارقة الروح للجسد، وحقيقة هذه المفارقة خلوص الأعضاء كلها عن الروح، بحيث لا يبقى من أجهزة البدن فيه صفة حياتية.
فالموت وفقًا لهذا المعنى: هو همود حركات الجسم، وتوقف أعضائه عن النمو، وقابليته للتعفن والتحلل، لذهاب الروح منه.
قال النووي رحمه الله: الموت هو مفارقة الروح الجسد(4).
قال ابن القيم وابن رجب: الموت هو مفارقة الروح للبدن (5) وهكذا عرفه الحافظ ابن حجر(6)، وتتابع على هذا جمع من أهل العلم على تعريف الموت بمفارقة الروح للبدن.
فقال التويجري: «الموت: فراق الحياة بخروج الروح من الجسد» (7)
ولكن مفارقة الروح للبدن هي أمر غيبي غير مشاهد، كيف نعرف بأن روح هذا الإنسان قد فارقت بدنه؟
لذا فإن للموت علامات يعرف بها (8) منها توقف القلب عن العمل، وانقطاع التنفس، واسترخاء الأطراف والأعصاب، وسكون الحركة في البدن، وتغير لون البدن، وشخوص البصر، وعدم انقباض العين عند المسّ، وانخساف الصدغ، وميل الأنف، وانفراج الشفتين، وامتداد جلدة الوجه، وانعدام النبض، وغيبوبة سواد العين في البالغين، واسترخاء القدمين وعدم انتصابهما، وتقلص الخصيتين إلى أعلى في الذكر مع تدلِّي الجلدة، وبرودة البدن.
وليست هذه العلامات دالة بيقين على حدوث الموت عند الفقهاء؛ بل قد تظهر مثل هذه العلامات ولا يُقطَع بموت من ظهَرَت عليه، لخطأ في التشخيص أو نحو ذلك، ولهذا قال النووي: «فإن شك بأن لا يكون به علة، واحتمل أن يكون به سكتة، أو ظهرت أمارات فزع أو غيره، أخر إلى اليقين بتغيير الرائحة أو غيره (9) .
ثم إن الفقهاء قد ذكروا أنه لا يثبت موت الإنسان إلا بعد تحقق العلم اليقيني بالموت، فلا يحكم على أحد بالموت بالشك أو غلبة الظن؛ بل لا بد من اليقين، ولهذا نجد أن الفقهاء ينُصُّون على ذلك، قال الموفق ابن قدامة: «ويستحب المسارعة إلى تجهيزه إذا تيقن موته (10)
وفي (الإقناع) للخطيب الشربيني: «(ويلزم في الميت) المسلم غير الشهيد (أربعة أشياء) على جهة فرض الكفاية؛ الأول: (غسله) إذا تيقن موته بظهور شيء من أماراته؛ كاسترخاء قدم، وميل أنف، وانخساف صدغ، فإن شك في موته أخر وجوبًا» (11)
وقال ابن القيم: «إذا شك هل مات مورثه فيحل له ماله أو لم يمت؟ لم يحل له المال حتى يتيقن موته» (12)
فنجد أن الفقهاء ينصون على أنه لا بد من تيقن الموت، فلا يعتبر في ذلك الشك أو غلبة الظن.
وقد ثبت في صحيح مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الروح إذا قبض تبعه البصر» (13)
وعن شداد بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا حضرتم موتاكم فأغمضوا البصر؛ فإن البصر يتبع الروح» (14)
فشخوص بصر المحتضر علامة ظاهرة على قبض روحه، ومفارقتها لجسده.
وقد عدد بعض الفقهاء شيئًا من العلامات على موت المحتضر، فمن ذلك:
ما جاء في الحاوي الكبير: «فإذا أريد غسله لم يعجل به حتى يتحقق موته بعلامات تدل عليه: افتراق الزندين، واسترخاء العضدين، وميل الأنف، وتغيير الرائحة، وإن كان غريقًا أو حريقًا أو تحت هدم، أو مترديًا من علو فأحب أن ينتظر به اليوم واليومين، لأنه لا يؤمن أن يكون قد زال منه عقله فيثوب، فإذا علم موته على اليقين بودر بغسله» (15)
وفي شرح المقدمة الحضرمية: «(فإذا مات) أي: تحقق موته بظهور أماراته؛ كاسترخاء قدم، وامتداد جلدة الوجه، وميل الأنف، وانخلاع الكف (غمض عيناه) ندبًا» (16)
وفي حاشية الطحطاوي: «وعلاماته استرخاء قدميه، واعوجاج منخره، وانخساف صدغيه» (17)
وفي المغني: «وإن اشتبه أمر الميت اعْتُبِر بظهور أمارات الموت، من استرخاء رجليه، وانفصال كفيه، وميل أنفه، وامتداد جلدة وجهه، وانخساف صدغيه» (18)
ومن هذه النصوص وغيرها نستخلص علامات الموت عند الفقهاء، ومنها:
1- انقطاع النفس.
2- استرخاء القدمين مع عدم انتصابهما.
3- انفصال الكفين.
4- ميل الأنف.
5- امتداد جلدة الوجه.
6- انخساف الصدغين.
7- تقلص خصيتيه إلى فوق مع تدلي الجلدة.
8- برودة البدن (19) .
ثانيًا: عند الأطباء:
تتمثل أهم علامات الوفاة في الأمور التالية:
ـ فقد الحس والحركة، والغيبوبة العميقة.
ـ فشل التنفس التلقائي نهائيًا، ويختبر ذلك بفصل المريض عن جهاز التنفس الصناعي لمدة دقيقتين، وملاحظة أي محاولة ذاتية للتنفس.
ـ اتساع حدقتي العينين، وعدم استجابتهما للضوء.
ـ اختفاء الموجات الكهربائية الصادرة عن المخ في تخطيط المخ.
ـ هبوط الوظائف الحيوية للمخ وجذعه، وهذه يمكن الكشف عنها بأجهزة حديثة.
ـ توقف الدورة الدموية للمخ (20) .
مشكلة البحث ومحل النزاع:
اختلف العلماء والأطباء في المصابين بالغيبوبة الدماغية، الموضوعين على أجهزة الإنعاش؛ هل هم مرضى يرجى شفاؤهم فهم ضمن الأحياء؟ أم هم في عداد الموتى، ولا فائدة أصلًا في استمرارهم على أجهزة الإنعاش؟!
** فذهب فريق من الأطباء إلى أن من مات جذع مخه كليًا فإنه يعتبر ميتًا، إلا أنه ينبغي التأكد من موت جذع المخ، وذلك باتباع عدة خطوات لتشخيص موته دماغيًّا:
الأولى: أن يكون المصاب مغمًى عليه إغماءً كاملًا لا يمكن إفاقته منه، مع بيان ما إذا كان ثمة مرض أو إصابة في جذع المخ أو في كل المخ، وأنه لا يمكن معالجتها أو التخفيف منها.
الثانية: بيان سبب موت الدماغ إن كان نتيجة حادث، أو نزف داخلي في المخ، أو ورم، أو التهاب، أو نحو ذلك بالمخ.
الثالثة: عدم إمكان التنفس التلقائي، والاعتماد فيه على مساعدات التنفس.
الرابعة: عدم وجود سبب من أسباب الإغماء المؤقت، الناتجة عن تناول المسكرات أو المخدرات أو السموم، أو عن حالات الفشل الكُلَوِي أو الكبدي، أو اضطراب عمل الغدد المختلفة.
الخامسة: عمل رسم كهربائي للمخ؛ للتأكد من عدم وجود أية ذبذبة، والتأكد من عدم وجود دورة دموية بالدماغ بتصوير شرايين المخ.
وقد انعقدت ندوتان بالمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالكويت؛ الأولى عام 1985م عن "الحياة الإنسانية بدايتها ونهايتها"، والثانية عام 1996م عن "التعريف الطبي للموت" وكلتاهما اعتبرت الإنسان ميتًا إذا توقفت وظائف دماغه بأجمعها نهائيًّا، بما في ذلك جذع المخ، وهو ما قرره مجمع الفقه الإسلامي المنعقد بعمَّان، الأردن 1986م.
** وذهب فريق آخر من الأطباء إلى عدم اعتبار موت جذع المخ دليلًا على موت مريض الغيبوبة الدماغية؛ إذ يرى هذا الفريق أن المصابين بموت المخ هم في الحقيقة مرضى أحياء، مصابون بالغيبوبة العميقة أو إصابات الحوادث وليسوا أمواتًا، ودليل هذا عدم توقف أجهزة أجسامهم عن العمل؛ إذ يستمر عمل القلب والكبد والكليتين، ويقوم الجهاز الهضمي بوظيفته في الهضم والامتصاص، وتستمر جميع غدد الجسم بإفراز عصاراتها، بما في ذلك الغدة النخامية التي هي جزء من المخ، ويستمر إفراز هرمون النمو في أجسام هؤلاء المرضى، فيتحقق به وظيفته، كما ينمو الجنين المستكن في رحم المريضة بالغيبوبة الدماغية نموًا طبيعيًا حتى تتم ولادته، وتحتفظ أجسام هؤلاء بحرارتها الطبيعية كما هو الحال في غير المرضى بذلك، وقد ترتفع درجة حرارة أجسامهم كغير المرضى عند الإصابة بالبكتريا أو الفيروسات أو نحو ذلك، هذا بالإضافة إلى أن نجاح عملية نقل بعض الأعضاء؛ كالكبد، والقلب، والرئة، والكلية، والبنكرياس ونحوها، لا يتحقق إلا إذا أُخذت من إنسان حي، تعمل جميع أجهزة جسمه؛ كمرضى الغيبوبة الدماغية، ولا يستفاد بهذه الأعضاء إذا أُخذت من آدمي مات حقيقة بتوقف قلبه وتنفسه ودورته الدموية.
ومن ثَمَّ، فإنه إذا صلحت أجزاء هؤلاء المرضى للنقل إلى مريض آخر فلا يمكن القول بأن المنقول منهم موتى؛ بل أحياء وإن طالت غيبوبتهم؛ ولذا فينبغي معالجتهم منها بدلًا من الإجهاز عليهم بحجة عدم إمكان شفائهم(21) .
وتبعًا لاختلاف الأطباء في تقرير موت مرضى الغيبوبة الدماغية من عدمه، وهم أهل الذكر في ذلك، اختلف الفقهاء كذلك، ولو توحدت كلمة الأطباء، على موته أو على حياته، ما اختلف الفقهاء.
وقبل أن نعرض آراء الفقهاء في هذه النازلة يحسن بنا أن نفرق بين ثلاث حالات للمريض تحت جهاز الإنعاش.
الحالة الأولى: عودة أجهزة المريض؛ من التنفس وانتظام ضربات القلب...، إلى حالتها الطبيعية، وحينئذ يقرر الطبيب: رفع الجهاز، لتحقق السلامة وزوال الخطر.
الحالة الثانية: التوقف التام للقلب والتنفس، وعدم القابلية لآلة الطبيب، وحينئذ يقرر الطبيب موت المريض تمامًا بموت أجهزته من الدماغ والقلب، ومفارقة الحياة لهما، ويقرر رفع الجهاز لتحقق الوفاة.
الحالة الثالثة: فيها تقوم بالمريض علامات موت الدماغ من: الإغماء، وعدم الحركة، وعدم وجود أي نشاط كهربائي في رسم المخ، لكن بواسطة العناية المركزة وقيام أجهزتها عليه، كجهاز التنفس، وجهاز ذبذبات القلب، لا يزال القلب ينبض، والنفس مستمر.
ومعلوم أنه بمجرد رفع الآلة عن المريض، في هذه الحالة، يتوقف القلب والنفس تمامًا.
فأما في الصورتين الأولى والثانية، فلا ينبغي الخلاف في جواز رفع أجهزة الإنعاش لسلامة المريض في الأولى، وتحقق موته في الثانية.
وأما الصورة الثالثة: فهي محل البحث والنظر والخلاف(22)0
بيان مذاهب الفقهاء
المذهب الأول:
مرضى الغيبوبة الدماغية، أو من تشخص حالتهم على أنها موت لجذع المخ، أحياء على وجه الحقيقة.
من القائلين به: الدكتور عبد الفتاح إدريس (23) ،والدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد (24) ، ود. وسيم فتح الله(25) ، ود. عبد الحليم منصور، والدكتور محمد المختار المهدي، وإليه ذهب المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي، ولجنة الفتوى بوزارة الأوقاف الكويتية، وهو منسوب إلى الشيخ عبد العزيز بن باز، وهو قول فضيلة الشيخ جاد الحق علي جاد الحق (26) .
المذهب الثاني:
مرضى الغيبوبة الدماغية موتى (لموت جذع المخ).
من القائلين به: الشيخ عطية بن محمد سالم (27)،مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق من منظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد بعمان الأردن 1986م.
انعقدت ندوتان بالمنظمة الإسلامية للعلوم الطبيبة بالكويت الأولى عام 1985م عن "الحياة الإنسانية بدايتها ونهايتها" والثانية عام 1996م عن "التعريف الطبي للموت" وكلتاهما اعتبرت الإنسان ميتًا إذا توقفت وظائف دماغه بأجمعها نهائيًّا، بما في ذلك جذع المخ (28) ،
وكذلك ذهب العديد من الفقهاء والأطباء المعاصرين، ومنهم: د. أحمد شرف الدين, د. محمد علي البار, د.محمد أيمن صافي وغيرهم, إلى جواز رفع أجهزة الإنعاش عن المريض في هذه الحالة (29).
الأدلة:
أولًا: أدلة المذهب الأول:
القائل باعتبار مرضى الغيبوبة الدماغية أحياء.
الدليل الأول:
قول الله تعالى: {قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} [الجاثية:26]، وقوله سبحانه: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة:28].
وجه الاستدلال:
حيث قرر الله عز وجل أن الموت ضد الحياة ونقيضها، والنقيضان لا يجتمعان؛ فمريض الغيبوبة الدماغية إما أن يكون حيًا وإما أن يكون ميتًا، ولا يمكن الحكم بموته؛ لظهور كثير من علامات الحياة عليه؛ كنبض القلب، والتنفس، وحرارة الجسم...
نوقش:
تلك العلامات ليست أصيلة في ميت جذع المخ؛ بل هي بفعل الأجهزة الطبية المتصلة به، فلو نزعت لانتهى أمره.
أجيب:
هذه الأجهزة نوع من أنواع العلاج المؤقت، التي قد يرجع بعدها المريض إلى الحياة الطبيعية، كمن دخل في إغماء ثم أفاق بعد حين.
الدليل الثاني:
قول الله تعالى: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا (9) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10) فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (11) ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (12)} [الكهف:9-12].
وجه الاستدلال:
حيث ظل أصحاب الكهف أكثر من ثلاثمائة سنة في سبات عميق، ثم أعادهم الله إلى الحياة الطبيعية، فكذلك ربما عاد مريض الغيبوبة الدماغية إلى حياته الطبيعية.
نوقش:
أولًا: هذا أمر خارق للعادة من كرامات الأولياء، لا يصح القياس عليه.
ثانيًا: كذلك فلا حجة فيه؛ أنهم كانوا نائمين؛ بل ويتقلبون في نومهم هذا، بنص الآية: {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ} [الكهف:18]، والنائم حي بلا خلاف، وجميع أجهزته صحيحة، تعمل بلا حاجة إلى أجهزة طبية، بعكس من مات جذع مخه.
الدليل الثالث:
قول الله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الزمر:42].
وجه الاستدلال:
حيث يبين الله حال الأرواح، كما قال القرطبي: «يريد الأرواح في قول جماعة من أهل التأويل» (30) فعند الموت يمسك الله الروح فلا يرسلها إلى الجسد فيحدث الموت، فعلق الله تعالى حكم الموت على إمساك الروح، ومريض الغيبوبة الدماغية لم تمسك روحه بعد، ولا عبرة بموت عضو من الأعضاء في الحكم بالموت، ما دامت الروح في الجسد.
نوقش:
من الأعضاء من لا تستقيم الحياة بدونه، فتلفه يؤدي لا محالة إلى تلف الجسد كله، ومن تلك الأعضاء المخ، فإذا تلف حكمنا بموت صاحبه.
أجيب:
بقاء الجسد سليمًا لم يتحلل، محتفظًا بدرجة حرارته لم يبرد، والدم جاريًا لم يتجمد...، دليل قوي على سريان الحياة فيه.
الدليل الرابع:
قول الله تعالى: {فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ {83} وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ {84} وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ {85} فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ {86} تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الواقعة:83-87].
وجه الاستدلال:
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: «يقول تعالى: {فلولا إذا بلغت} أي: الروح، {الحلقوم} أي: الحلق، وذلك حين الاحتضار» (31).
فعلق الموت على خروج الروح من الجسد، وعلق عودتهم إلى الحياة على ما لا يستطيعونه وهو رد الروح إلى ذلك الجسد، وهذا كله بيِّن في تعلق الموت بمفارقة الروحِ الجسدَ لا غير (32).
نوقش:
نوافقكم، لكن مفارقة الروح للبدن هي أمر غيبي غير مشاهد، وما يعرف إلا بعلاماته وآثاره، ومن أبرز تلك الآثار التي يعرف بها الموت: موت جذع المخ.
الدليل الخامس:
حديث البراء بن عازب الطويل وفيه: «إن العبد المؤمن...، ثم يجيء ملك الموت عليه السلام حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الطيبة، اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، قال: فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من فِيِّ السقاء...
وإن العبد الكافر...، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الخبيثة، اخرجي إلى سخط من الله وغضب، قال: فتفرق في جسده، فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول » (33)
وجه الاستدلال:
حيث بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الروح قد تنتشر في كامل الجسد كما في حال العبد الكافر، كما أنها قد تنحاز في جزء من الجسد كما يشير إليه حال العبد المؤمن، حيث اجتمعت روحه عند مخرجها بسهوله وسلاسة.
فالشاهد أن إمكان تفرق الروح أو انحيازها في الجسد دليل على أن تلف جزء من الجسد، بحيث لا يعود صالحًا لتعلق الروح به، لا يستلزم مفارقة الروح لكامل الجسد، وفي مسألتنا فلو فرض موت الدماغ فإن ذلك لا يستلزم مفارقة الروح لكامل الجسد، وليس هناك ما يمنع من دوام تعلق الروح بالجسد منحازة لغيره من الأعضاء، وقد دل دليل الشرع على إمكان ذلك، ولا مانع له في العقل، وبهذا يبطل التلازم الموهوم بين تلف الدماغ والموت(34).
نوقش:
من المقطوع به أن من الأعضاء ما لا يمكن أن تقوم حياة بدونه، وبلا شك فإن من تلك الأعضاء المخ.
الدليل السادس:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بينا رجل يمشي، فاشتد عليه العطش، فنزل بئرًا، فشرب منها ثم خرج، فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال: لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي، فملأ خفه، ثم أمسكه بفيه، ثم رقي، فسقى الكلب، فشكر الله له، فغفر له»، قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم أجرًا؟ قال: «في كل كبد رطبة أجر» (35)
وجه الاستدلال:
وهذا الحديث جاء في سقيا البهائم فيدخل فيه الإنسان من باب أَولى، والشاهد فيه أن أجر السقي إنما يكون للأحياء، فليس لسقي الأموات معنى يتعلق به الأجر، ومعلوم أن المريض المستوفي لمعايير موت الدماغ لا تزال أعضاؤه رطبة حية، ومن هذه الأعضاء الكبد، فدل الحديث على أن من كان كبده حيًا رطبًا فإنه محل لتعلق حصول الأجر بالإحسان إليه بالسقيا، وهذا لا يكون إلا في الأحياء(36).
نوقش:
هي حياة موهومة، لا تستقل بذاتها؛ بحيث إذا رفعت أجهزة الإنعاش عن صاحبها مات في الحال.
وحجتكم منقوضة بما إذا حفظنا جسد الميت في ثلاجة، أو كبسولة مبردة، أو حنطنا جسده، فبقي الجسد بحاله لم يتغير، فهل نقول: بقاء الجسد على حالة بدون طروء تغيير دليل على كون صاحبه حيًا؟!
الدليل السابع:
عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا» (37)
وجه الاستدلال:
كون المريض يُكتب له عمله دليل على عدم حلول أجله؛ فمن المعلوم أن الميت ينقطع عمله بمجرد موته بثلاث استثناءات؛ عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» (38)، وليس واحد من هذه الاستثناءات متوافرًا فيمن مات دماغه، ولا شك أن من مات دماغه ينطبق عليه وصف المرض المُقعِد عن العمل، فيجري عليه عمله لأنه حي يرزق، وإنما ينقطع عمل الميت.
والحاصل في هذا الدليل أننا نسأل الخصم: هل من مات دماغه يجري القلم بما كان يعمل من عمل وهو صحيح مقيم أم لا؟ فلا بد من نعم أو لا؛ فإن أجابوا بنعم دل ذلك حتمًا على أن من مات دماغه حي؛ لأن الميت لا عمل له إلا ما استثناه النص، وهذا ليس منه، وإن أجابوا بلا كان تحكمًا محضًا، وقلنا لهم: أين الدليل على استثناء من مات دماغه من عموم حديث: «إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا»؟!، ولا دليل لهم على الاستثناء إلا دعوى الموت، وهذا مردود لأنه من باب رد المختلف فيه إلى المختلف فيه وهو غير ملزم لنا، وهذا الدليل قوي جدًا في نقض دعوى موت من مات دماغه (39)
نوقش:
بل قام الدليل على أنها حياة موهومة، وأنه في حكم الميت؛ وذلك بذهاب مظاهر الحياة عنه كلية، والتي توهم حياته، فور رفع أجهزة الإنعاش الصناعي عنه.
الدليل الثامن:
عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس، اتقوا الله وأجملوا في الطلب؛ فإن نفسًا لن تموت حتى تستوفي رزقها وإن أبطأ عنها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، خذوا ما حل، ودعوا ما حرم» (40).
وجه الاستدلال:
وموضع الشاهد في قوله صلى الله عليه وسلم: «فإن نفسًا لن تموت حتى تستوفي رزقها»، فهذا خبرٌ عن الصادق المعصوم صلوات الله وسلامه عليه يخبر عن ارتباط الرزق بالحياة، واستيفاؤه مع حلول الأجل، فالرزق مكتوب على حد الحياة وينقطع بالموت، فليس من ميت إلا وقد انقطع رزقه في الدنيا، فالرزق إنما يكون للأحياء، وأنت تشاهد المريض في حالة موت الدماغ وهو يُغذى بالسوائل المغذية، بل وبالغذاء المحضر بشكله السائل، والذي يُعطى عبر الأنبوب المَعِدِي، أو عبر الوريد، وجسده يتقبل الغذاء ويستقلبه (41) .
فهذا المريض يُرزق، والرزق لا يكون بعد الموت، فلو كان ميتًا كما يزعم أصحاب القول المعارض لتناقض دليل الشرع، الذي يدل على أن الرزق يُستوفى في الحياة وينقطع بالموت، وحاشا دليل الشرع أن ينخرم، وحاصل هذا أن الذي يُرزق الماء والغذاء حي لم يمت(42) .
نوقش:
المقصود من الحديث حث المسلم على طلب الرزق من الحلال، وألا ينفطر قلبه كمدًا أو تتقطع كبده قلقًا على رزقه، فإنه آتيه لا محالة، وهو مستوفيه كله، لن يحرم منه شيئًا.
قال المناوي: «(أيها الناس اتقوا الله وأجملوا في الطلب): ترفقوا في السعي في طلب حظكم من الرزق؛ (فإن نفسًا لن تموت حتى تستوفي رزقها): {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الزخرف:32]، (وإن أبطأ عنها) فهو لا بد يأتيها، فلا فائدة للانهماك والاستشراف، والرزق لا ينال بالجد ولا بالاجتهاد؛ وقد يكدح العاقل الذكي في طلبه فلا يجد مطلوبه، والغر الغبي يتيسر له ذلك المطلوب، فعند تلك الاعتبارات يلوح لك صدق قول الشافعي:
ومن الدليل على القضاء وكونه بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق» (43).
ويؤيد ذلك أن الميت، المتفق على موته، يُرزق كفنًا يستر عورته، وقبرًا يواري جسده، ومعلوم أن الرزق ليس فقط هو الطعام والشراب؛ بل الملبس رزق، والمسكن رزق...، ولم يقل أحد أنه حي لأنه رزق بهذا!!
فليس الرزق دليلًا على حياة من المرزوق، فقد يرزق الميت كما يرزق الحي.
الدليل التاسع:
عن الحسن جندب بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزع، فأخذ سكينًا فحز بها يده، فما رقأ الدم حتى مات، قال الله تعالى: بادرني عبدي بنفسه، حرمت عليه الجنة» (44)
وجه الاستدلال:
هذا الرجل كانت به جراحة تتهدد حياته، وكانت القرحة التي تسد هذا الجرح هي المانعة من النزيف القاتل، وهذا الوصف بالإضافة إلى قول الله تعالى: (بادرني عبدي بنفسه) يدل على أن هذا الرجل كان مشرفًا على الموت، وأن حياته كانت معلقةً على سببٍ ماديٍ دقيقٍ غير مستقر، هذا بالإضافة إلى شدة ما عاناه من الألم الذي دفعه إلى استعجال الموت(45)، فلما نكأ هذا الجرح حصل النزف القاتل وترجحت كفة الموت، ومناط الحكم هنا هو مبادرة العبد إلى إزالة السبب الذي تعلقت به الحياة في هذا الوضع الحرج (وهي القرحة التي كانت تسد النزيف).
وعليه نُخرِّج مسألة الميت دماغيًا، الذي تعتمد حياته، في وضعها الحرج، على هذه الأجهزة التي تقوم بوظيفة التنفس، بحيث يكون وقف هذه الأجهزة من جنس فعل الرجل الذي نكأ الجرح؛ إذ لا يلبث أن يموت في الغالب على تفاوت في المدة والسرعة، والحكم المستفاد هنا هو تحريم تعاطي نزع السبب الذي تعلقت به حياة من شارف على الموت، وهذا يدل على أن حياة من شارف على الموت حياة معتبرة، مهما كانت متعلقة ومعتمدة على أسباب ضعيفة، وهذا لا يتفق البتة مع الحكم بالموت على من مات دماغه، وبقيت علامات الحياة فيه قائمة بفعل الأجهزة؛ إذ إن صورة موت الدماغ من هذا الوجه تدخل في صورة ما ورد فيه حكم الحديث كما لا يخفى، ولو كان مَن في هذه الصورة في حكم الأموات لما تعلق بها الوعيد (46) .
نوقش:
قياسكم رفع أجهزة الإنعاش عمن مات دماغه على من حز يده فمات، قياس مع الفارق من عدة أوجه:
أولًا: من حز يده به حياة متحققة؛ فهو يتحرك ويتألم ويمسك بالسكين ويحز به يده، أما من مات دماغه فليس في قدرته شيء من ذلك؛ بل لا يستطيع فتح عينه أو غلقها، ولا أن ينطق بكلمة، أو يرفع ذراعًا، أو يلتقم لقمة...!
ثانيًا: الحديث يتكلم عن منتحر استعجل الموت، وهو حي، لعدم احتماله الألم، ومن مات دماغه لا يستطيع لنفسه ضرًا ولا نفعًا ولا حركة، فلا يتصور منه انتحار أصلًا.
ثالثًا: تخريجكم حال الطبيب الذي يرفع أجهزة الإنعاش عمن مات دماغه على من حز يده فانتحر لا يتأتى؛ فالطبيب لا يقصد قتلًا ولا ضررًا ولا قطع سبب لحياة...، كلا؛ بل لا يرفع تلك الأجهزة إلا وقد تحقق من موت من مات جذع مخه.
فلم تكن بمن مات جذع مخه حياة مستقرة أصلًا لكي يسلبها من يرفع عنه الأجهزة.
الدليل العاشر:
عن أبي هريرة قال: اقتتلت امرأتان من هذيل، فرمت إحداهما الأخرى بحجر، فقتلتها وما في بطنها، فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن دية جنينها غرة عبد أو وليدة، وقضى بدية المرأة على عاقلتها، وورثها ولدها ومن معهم، فقال حمل بن النابغة الهذلي: يا رسول الله، كيف أغرم من لا شرب ولا أكل، ولا نطق ولا استهل، فمثل ذلك يطل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما هذا من إخوان الكهان»، من أجل سجعه الذي سجع (47).
وجه الاستدلال:
والشاهد في الحديث قول أحد العاقلة: «يا رسول الله، كيف أغرم من لا شرب ولا أكل، ولا نطق ولا استهل، فمثل ذلك يُطل»، فهذا الجنين ليست فيه العديد من علامات الحياة المعتادة، ومع ذلك حكم فيه بالدية، فدل على أن حياة الجنين معتبرة مع كونها حياة ناقصة، وأن الاعتداء عليها غير جائز ويوجب الدية، وإذا نظرنا إلى ما بقي من علامات الحياة عند الجنين، الذي لم يشرب ولم يأكل ولم ينطق ولم يستهل (48) ‘ ليست هذه العلامات إلا دوران الدم في جسده ونبض قلبه؛ بل إن التنفس المعهود بالرئتين غير موجود أصلًا عند الجنين الغارق في ماء السلى (49) .
فإذا نظرنا إلى الميت دماغيًا، المتعلق بأجهزة التنفس الصناعية، وجدنا من علامات الحياة عنده ما لا يقل عن علامات الحياة عند الجنين؛ بل وجدنا أكثر من ذلك؛ كالتنفس الرئوي، والحركة العضلية، وهذا مع مراعاة الفارق المرجح للميت دماغيًا، وهو أن موت الدماغ عنده طارئ على شخص كامل الحياة، في حين أن حياة الجنين تحتمل النقصان إن كان الجنين الوارد في الحديث قبل نفخ الروح، فإذا كانت حياة الجنين على أقل حدٍ يحتمله الحديث معتبرة شرعًا، فكيف يقال إن حياة الميت دماغيًا غير معتبرة أو يقال إنه ميت، فالحاصل إذًا أن الميت دماغيًا لا تزال فيه من علامات الحياة ما يدل على اعتبار حياته شرعًا، وعلى بطلان الحكم بموته (50)
نوقش:
قياسكم حياة من مات دماغه على حياة الجنين قياس مع الفارق أيضًا؛ فالغالب الراجح في الأجنة اكتمال الحياة واستقرارها فيهم، ونسبة قليلة؛ بل نادرة، من يموت أو لا يكتمل من الأجنة.
أما من مات جذع مخه فالغالب الراجح فيهم أن مآلهم إلى اختفاء تلك العلامات التي توهم حياتهم، وممن تحقق موت مخهم لم يعد أحد منهم إلى الحياة الطبيعية أبدًا، إلا ما سمعنا عن حالات نادرة، إن تحقق صحتها، فهي لا تعدو إلا أن تكون أمرًا نادرًا لا يقاس عليه.
واحتجاجكم بوجوب الغرة بقتل الجنين لا يسلم لكم؛ فإن جميع ما يتلف الإنسان مضمون عليه، ولو كان من الحيوانات أو الجمادات، فمن هدم دارًا أو كسر آلة... فهي مضمونة عليه، وليس ضمان الشيء إذا أُتلف دليل على حياة ذلك الشيء.
الدليل الحادي عشر:
عن بريدة قال: ...ثم جاءته امرأة من غامد من الأزد، فقالت: يا رسول الله، طهرني، فقال: «ويحك، ارجعي فاستغفري الله وتوبي إليه»، فقالت: أراك تريد أن ترددني كما رددت ماعز بن مالك، قال: «وما ذاك؟»، قالت: إنها حبلى من الزنى، فقال: «آنت؟»، قالت: نعم، فقال لها: «حتى تضعي ما في بطنك»، قال: فكفلها رجل من الأنصار حتى وضعت...(51)
وجه الاستدلال:
أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخَّر إقامة حد الزنا، وهو الرجم، على هذه المرأة بسبب الجنين الذي في بطنها، ويبدو من سياق القصة أن هذا الحمل كان في مراحله المبكرة؛ إذ لم يكن ظاهرًا على المرأة حتى أخبرت به، وهذا يرجح أنه قبل الأشهر الأربعة الأولى، حيث لا يظهر أمر الحبلى للناس بعد، وهذا في الغالب يوافق فترة ما قبل نفخ الروح، حيث تكون حياة الجنين أقرب إلى الحياة النباتية، وحتى لو فرض أنه بعد نفخ الروح فإن أهلية الجنين أهلية ناقصة، وحياته حياة ناقصة، ومع ذلك اعتبر الشرع حياته حياة معتبرة، لها حرمة تؤخر من أجلها إقامة حدود الله تعالى...
فإذا نظرنا إلى من مات دماغه فلا يَقِل، في أدنى حالاته، عن الحياة النباتية، باعتراف من يرون الحكم بموته، ويفسرون الظواهر الحيوية فيه بالحياة النباتية، كما أنه من جهة الأهلية، أعني أهلية الوجوب، كامل الأهلية، وهو بهذا أرفع وأعلى شأنًا من الجنين ناقص الأهلية، فإذا كان الجنين، في حياته النباتية وبأهليته الناقصة، محترمًا شرعًا، فمن باب أولى أن يكون المريض الذي مات دماغه، وبقيت فيه علامات الحياة النباتية، مع استصحاب أهلية الوجوب الكاملة عنده، حيث لا دليل على انخرامها، إن هذا المريض أولى أن يكون محترمًا شرعًا أيضًا، بحيث لا يجوز الاعتداء عليه برفع أجهزة التنفس عنه مما يؤدي إلى موته (52) .
نوقش:
قد سبق الرد على قياسكم من مات جذع مخه على الجنين بأنه قياس مع الفارق...
أما قولكم أن من مات جذع مخه كامل الأهلية، فلا نوافقكم عليه؛ بل هو ميت منخرم الأهلية، والدليل على انخرام أهليته هو موته؛ فإن الميت ليس له أهلية وجوب ولا أهلية أداء.
الدليل الثاني عشر:
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تطبب ولم يعلم منه طب قبل ذلك فهو ضامن» (53)
وجه الاستدلال:
الحديث هنا للعموم، بدليل قوله (مَن) وهي من صيغ العموم، فكل من مارس شيئًا من التطبيب والعلاج يدخل في حكم التضمين، هذا عند وقوع الخطأ الطبي قصدًا أم خطأً، فمن أصيب بموت الدماغ يبقى على أجهزة الإنعاش وفي قسم العناية المركزة مدة من الزمن، وهو في هذا كله تحت العناية الطبية، وعرضة لشتى أنواع التطبيب والعلاج والممارسات الطبية، مع ما في ذلك من احتمال وقوع الخطأ الطبي، فلو أن من حكم بموت دماغه تعرض لخطأ طبي قاتل؛ كأن يحقن بجرعة زائدة من البوتاسيوم أو المورفين خطأً، فصورة المسألة هنا صورة قتل خطأ في الأصل.
فإما أن يُقال: إن هذا قتلٌ خطأ، وتترتب عليه الدية والكفارة، أو لا، فإن قيل بالأول، وهو ما يقتضيه عموم الحديث، كان ناقضًا للحكم بموت من مات دماغه؛ إذ لا يتصور وقوع جناية القتل على ميت، وإذا قيل بالثاني، وهو لازم قول من يحكم بالموت على من مات دماغه، فلا دية ولا كفارة، ويكون الخطأ الطبي هدر، وهذا معارض لعموم الحكم بالتضمين على من أخطأ في المعالجة الطبية، فضلًا عما فيه من تضييع حقوق المريض وأوليائه، وواضح أن القول الثاني بيِّن البطلان والفساد، والحاصل أن القول بإسقاط حقوق الميت دماغيًا على من قتله خطأً قول فاسد، وإذا فسد اللازم فسد الملزوم (وهو الحكم بالموت على من مات دماغه) وهو المراد (54)
نوقش:
اشترط الحديث في تضمين الطبيب شرطًا وهو: «ولم يعلم منه طب قبل ذلك»؛ قال المناوي: «أي من تعاطى الطب ولم يسبق له تجربة «فهو ضامن» لمن طبه بالدية إن مات بسببه؛ لتهوره بالإقدام على ما يقتل بغير معرفة» (55)
وقال السندي: «قوله: «من تطبب» أي: تكلف في الطب فهو ضامن لما تلف بفعله، قال الموفق: إن من تعاطى فعل الطب، ولم يتقدم له بذلك سابقة تجربة فتلف فهو ضامن» (56) .
ويؤيد ذلك ما جاء في رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: «من تطبب ولم يكن بالطب معروفًا... » (57)
فهذا هو من يضمن دون سواه؛ وهو الطبيب الجاهل الذي يجري تجارب بغير علم ولا خبرة على المرضى، أما الأطباء الذين يحكمون بموت من مات جذع مخه فإنهم لا ينقصهم علم ولا خبرة، فقد قال المناوي أيضًا في مكان آخر: «ولفظ التفعل(58) يدل على تكلف الشيء والدخول فيه بكلفة؛ ككونه ليس من أهله، «فهو ضامن» لمن طبه بالدية إن مات بسببه؛ لتهوره بإقدامه على ما يقتل، ومن سبق له تجربة وإتقان لعلم الطب بأخذه عن أهله، فطب وبذل الجهد الصناعي فلا ضمان عليه» (59)
وهذا كله على فرض وقوع الخطأ، لكننا لا نقول بأن الحكم بوفاة من مات جذع مخه هو خطأ قد وقع؛ بل إنه عندنا هو الحق والصواب.
الدليل الثالث عشر:
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: مرضت مرضًا، فأتاني النبي صلى الله عليه وسلم يعودني وأبو بكر وهما ماشيان، فوجداني أغمي علي، فتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم ثم صب وضوءه علي فأفقت، فإذا النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، كيف أصنع في مالي، كيف أقضي في مالي؟ فلم يجبني بشيء حتى نزلت آية الميراث (60) .
وجه الاستدلال:
ترجم الإمام البخاري رحمه الله لهذا الحديث بقوله (باب عيادة المغمى عليه)، قال الإمام العيني في شرح الحديث: «هذا باب في بيان عيادة المغمى عليه، من: أغمي، بضم الهمزة، من الإغماء وهو الغشي، وهو تعطل جل القوى المحركة والحساسة؛ كضعف القلب، واجتماع الروح كله إليه، واستفراغه وتخلله، وقيل: فائدة هذه الترجمة أن لا يعتقد أن عيادة المغمى عليه ساقطة الفائدة لكونه لا يعلم بعائده» (61)
ووجه الدلالة أن من مات دماغه داخل في تعريف المغمى عليه في عرف الشرع وفي عرف الطب، وحديث عيادة المغمى عليه يبين صحة عيادة المغمى عليه، وهو يفيد عند النظر والتدبر بطلان القول بموت من مات دماغه، فيقال فيمن مات دماغه: هل تجوز عيادته ويؤجر عليها العائد أم لا؟ فلا بد من نعم أو لا؛ فإذا كان الجواب: لا، فقد خصصوا منطوق الحديث بدون مخصص ولا دليل، واستثنوا بدون حجة، فلم يبق إلا نعم، وهو ما يشير إليه الحديث صراحةً؛ لأن لفظ المغمى عليه يشمل من كان في غيبوبة لكون دماغه تالفًا ميتًا، وعندها نقول: كيف تصح عيادة من تسمونه ميتًا شرعًا ويثاب العائد عليها؟ وهل تكون عيادة المريض إلا للأحياء(62) ..!
نوقش:
هناك فرق كبير بين المغمى عليه وبين من مات دماغه؛ فالأول مريض من المعهود أن يرجع إلى وعيه ويفيق، أما الثاني الذي مات جذع مخه فهو كمن قطعت رقبته وما زال ذراعه أو رجله يتشنج بحركة ميكانيكية لا تفيد حياة، فتأمل الفرق بينهما!
وأما قولكم: (وهل تكون عيادة المريض إلا للأحياء)، فنقول: إن من يأتي إلى من مات دماغه لا يقال عنه أنه قد عاد مريضًا؛ بل يقال: دخل على ميت، وقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم، نعم؛ كما زار النبي صلى الله عليه وسلم مرضى، فقد دخل على موتى.
فعن خارجة بن زيد بن ثابت أن أم العلاء، امرأة من الأنصار بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخبرته أنهم اقتسموا المهاجرين قرعة، قالت: فطار لنا عثمان بن مظعون، وأنزلناه في أبياتنا، فوجع وجعه الذي توفي فيه، فلما توفي غسل وكفن في أثوابه، دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: رحمة الله عليك أبا السائب، فشهادتي عليك لقد أكرمك الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وما يدريك أن الله أكرمه»، فقلت: بأبي أنت يا رسول الله، فمن يكرمه الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما هو فوالله لقد جاءه اليقين، والله إني لأرجو له الخير، ووالله ما أدري وأنا رسول الله ماذا يفعل بي»، فقالت: والله لا أزكي بعده أحدًا أبدًا (63) .
وعن عائشة، بسند ضعيف، قالت: «جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى عثمان بن مظعون وهو ميت، فكشف الثوب عن وجهه وبكى، ثم قبل ما بين عينيه» (64)
وما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله الصديق أبو بكر رضي الله عنه؛ فعن عائشة أيضًا قالت: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر عند امرأته، ابنة خارجة بالعوالي، فجعلوا يقولون: لم يمت النبي صلى الله عليه وسلم، إنما هو بعض ما كان يأخذه عند الوحي، فجاء أبو بكر، فكشف عن وجهه وقبل بين عينيه وقال: «أنت أكرم على الله أن يميتك مرتين... » (65).
الدليل الرابع عشر:
الاستصحاب وقاعدة: (اليقين لا يزول بالشك)؛ وبيان ذلك: أن الأصل هو الحياة، والمرض بالغيبوبة الدماغية طارئ عليه، فتستصحب الحياة الأصلية، خاصة أن الحياة ثابتة بيقين، وطروء الموت مشكوك فيه، فنأخذ باليقين وندع الشك.
نوقش:
أولًا: إننا لا نقول بإزالة اليقين بالشك؛ بل نؤكد أن اليقين لا يزول إلا بيقين مثله، وعليه فلا نقول بموت إلا من أجمع الأطباء على موت جذع مخه تمامًا، موت لا يعود بعده إلى عمل ولا حركة، وعندها يزول اليقين بيقين مثله لا بشك.
ثانيًا: إنما تستصحب الحال الأصلية ما لم تتحول هذه الحال إلى غيرها بيقين، فإذا تحولت بيقين فلا معنى للتمسك باستصحابها.
ثالثًا (66) :إن حدث شيء مما تدعون فهو خطأ في التشخيص، قد يحدث مثله في العلامات التي يعرف بها الموت التي ذكرها الفقهاء قديمًا، ثم إن الحكم بموته حكمٌ بغلبة الظن، وهو معمول به كالحكم بموت المفقود.
الدليل الخامس عشر:
استمرار ظهور علامات الحياة عليهم، ومؤشرات ذلك ما يلي:
1ـ خلايا أجسام هؤلاء المرضى تظل حية متجددة نامية؛ لاستمرار عمل هرمون النمو، وإن حرارة هذه الأجسام تظل في معدلات حرارة غير المرضى بالغيبوبة، وهذا دليل على استمرار حياتهم على وجه اليقين. (67)
2ـ أن هؤلاء المرضى لا تتوقف أجهزة أجسامهم عن عملها توقفًا لا رجعة بعده، بل إن هذه الأجهزة تظل في عملها بنفس كفاءة ما قبل الغيبوبة، ومساعدة الأجهزة الطبية لأجهزة الجسم في عملها لا يترتب عليه الحكم بموت هؤلاء؛ لأن هذه الأجهزة الطبية لا تعيد الحياة إلى جسم ميت (68).
3ـ الميت دماغيًا حاله في الحقيقة ظاهرها يدل على الحياة، فالميت دماغيًا قلبه ينبض والدورة الدموية تعمل عنده، وجميع أعضاء البدن، ما عدا الدماغ، تقوم بوظائفها؛ كالكبد، والكلى، والبنكرياس، والجهاز الهضمي، والنخاع الشوكي، وغير ذلك، كل هذه الأجهزة تعمل لدى الميت دماغيًا، وتقوم بوظائفها، إنما فقط الذي تعطل عنده هو الدماغ، ولذلك فإن الميت دماغيًا يتبول، ويتغوط، ويتعرق فيخرج منه العرق، وحرارة جسمه ربما تكون مستقرة كحرارة الحي، أي سبع وثلاثين درجة تقريبًا، وربما تضطرب إما بارتفاع أو انخفاض، وهذا يدل على الحياة في بدنه، وقد يصاب بالرعشة، وقد يصاب بخفقان القلب، وبارتفاع الضغط أو بانخفاضه؛ بل قد يتحرك حركة يسيرة؛ كحركة أطراف اليدين أو القدمين (69) .
نوقش:
كل ما تتحدثون عنه إنما هو كحركة المذبوح؛ حركة آلية عفوية لا إرادية، فلم تصدر بها إشارة من مخ، ولا نبعت من إرادة بشرية واعية، فهي لا تدل على حياة قائمة أصلًا؛ بل لمثل هذا حكم الميت.
يقول الزبيدي: «(قوله: ومن استهل بعد الولادة سمي وغسل وصلي عليه) قال في النهاية: استهل، بفتح التاء على بناء الفاعل؛ لأن المراد به رفع الصوت، واستهلال الصبي: أن يرفع صوته بالبكاء عند ولادته، أو يوجد منه ما يدل على الحياة؛ من تحريك عضو، أو صراخ، أو عطاس، أو تثاؤب، أو غير ذلك مما يدل على حياة مستقرة.
ولا عبرة بالانتفاض، وبسط اليد وقبضها؛ لأن هذه الأشياء حركة المذبوح، ولا عبرة بها، حتى لو ذُبح رجل فمات أبوه وهو يتحرك لم يرثه المذبوح؛ لأن له في هذه الحالة حكم الميت » (70)
وقال الماوردي وهو يتكلم عن عطايا المرض: «والقسم الثاني: حال المعاينة، وحشرجة النفس، وبلوغ الروح التراقي، فلا يجري عليه فيها حكم قلم، ولا يكون لقوله حكم؛ لأنه في حكم الموتى وإن كان يتحرك حركة المذبوح، وكذلك من شق بطنه، وأخرجت حشوته لا يحكم بقوله ووصيته في هذه الحالة وإن كان يتحرك أو يتكلم؛ لأن الباقي منه كحركة المذبوح بعد الذبح» (71)
وفي الحاوي أيضًا: «قال الشافعي رحمه الله: "ولو قطع مريئه وحلقومه، أو قطع حشوته فأبانها من جوفه، أو صيره في حال المذبوح، ثم ضرب عنقه آخر، فالأول قاتل دون الآخر".
قال الماوردي: وهذا صحيح إذا كانت جناية الأول قد أتت على النفس بقطع حلقومه أو مريئه أو قطع حشوته، فهو في حكم الميت؛ لانتقاض بنيته التي تحفظ حياته، ولا حكم لما بقي من الحياة؛ لأنها تجري مجرى حركة المذبوح، التي لا ينسب معها إلى الحياة، وتجري مجرى الاختلاج » (72)
وحول من يعتبر شهيد حرب ومن لا يعتبر يقول القزويني: «لو جرح في القتال ومات بعد انقضائه ففي ثبوت حكم الشهادة قولان...»، وبعد أن عرضهما قال: «وللقولين شرطان:
أحدهما:... أن يقطع بموته من تلك الجراحة، فأما إذا توقع بقاؤه فمات بعد انقضاء القتال فليس بشهيد بلا خلاف.
والثاني: أن تبقى فيه حياة مستقرة ثم يموت بعد انقضاء القتال، فأما إذا انقضى القتال وليس به إلا حركة المذبوح فهو شهيد بلا خلافر» (73)
وفي الشرح الكبير لابن قدامة: «وإن ألقته حيًا (أي: الجنين) فجاء آخر فقتله، وكانت فيه حياة مستقرة، فعلى الثاني القصاص إذا كان عمدًا، أو الدية كاملة، وإن لم تكن فيه حياه مستقرة؛ بل كانت حركته كحركة المذبوح، فالقاتل هو الأول، وعليه الدية كاملة» (74)
ونصوص الفقهاء في ذلك كثيرة لا تنحصر، وحاصلها: أنه لا عبرة بمثل تلك الحياة الغير مستقرة التي هي أقرب للموت منها للحياة، فما بالك ونحن نقول بموت من مات جذع مخه.
الدليل السادس عشر:
إذا كان الموت صفة وجودية خلقت ضدًا للحياة، والموت والحياة لا يجتمعان في بدن واحد في آن واحد، فإن مرضى الغيبوبة الدماغية إما أن يوصفوا بالموت أو بالحياة، ووصفهم بأنهم أموات ينقضه استمرار مظاهر الحياة في أبدانهم على النحو الذي بيناه، ولا يسوغ الحكم بموت إنسان وبدنه حي يقبل الغذاء والدواء، وتظهر عليه آثار تقبل ذلك؛ من نمو وغيره، والأعضاء البشرية لا تستجيب لوسائل الحياة إلا إذا كانت حية، فالحياة البدنية هي المعتبرة لا الحياة الإدراكية؛ إذ هذه الأخيرة مناط التكاليف الشرعية، وانتفاؤها بالغيبوبة لا يعني موت صاحبها إن توافرت لبدنه مظاهر الحياة، ومن ثَمَّ فيتعين وصف هؤلاء المرضى بأنهم أحياء لم تفارق أرواحهم أبدانهم؛ لوجود دلائل بقائها فيها (75)
نوقش:
ننازعكم في أن به حياة معتبرة؛ بل، كما وضحنا توًا، ما هي إلا كحياة المذبوح، وحركته لا عبرة ولا وزن لها.
وأما قولكم بتقبله للغذاء ونموه به، فلو صح ذلك فليس بدليل على حياة؛ وذلك أنا لو وضعنا قطعة من خشب يابس (ميتة) في مستنقع ماء لتقبل الماء وامتصه؛ بل لزاد حجمه به وتغيَّر شكله، فهل هذا دليل على حياة تلك القطعة اليابسة من الخشب؟!
بل الإنسان نفسه إذا غرق في البحر ومات، ولم يُخرج منه، فإنه يمتص الماء ويزيد حجمه به، ولا يقول عاقل أن هذا دليل أنه ما زال حيًا! مع فارق واحد وهو أن الغريق يتحلل جسده؛ لأنه لم يوضع على أجهزة تحفظ عليه دمًا سائلًا في عروقه، ونَفَسًا يدخل ويخرج من رئتيه.
الدليل السابع عشر:
العلم التجريبي يتقدم كل يوم ويأتي بالجديد، وما كان من الأمراض لا علاج له بالأمس، أصبح له الآن علاج، فلا نستبعد أبدًا أن يُكتشف علاج ناجع لمرضى الغيبوبة الدماغية تجعل شفاءهم ممكنًا، وتثبت، بما يقطع كل شك، أنهم أحياء لم تفارق أرواحهم أجسادهم.
"وتجري الآن أبحاث ناجحة في الغرب لعلاجهم، سواء عن طريق التنفس الصناعي أو العلاج الدوائي، وهو ما أكدته الجمعية الأمريكية لطب الحالات الحرجة، وأعلنه الأطباء في بوسطن، وقد أكدت بعض الأبحاث الطبية التي أُجريت على كثير من المرضى، الذين تم تشخيص حالاتهم كموتى جذع المخ، أن الحياة الطبيعية قد عادت إلى نسبة غير قليلة منهم، ونظرًا لإمكان عودة هؤلاء إلى الحياة الطبيعية فإن البروتوكولات المختلفة لتشخيص موت المخ اتفقت على عدم جواز تطبيق مفهومه على الأطفال؛ لقدرة أبدانهم على استعادة وظائف المخ وإن طال زمن غيبوبتهم، وهذا يدل على بطلان مفهوم موت المخ كعلامة على الموت (76) .
نوقش: العلم التجريبي مهما تقدم، ومهما تعددت اكتشافاته فإنه لن يتوصل يومًا ما أبدًا إلى إحياء الموتى؛ فهي من خصائص الله وحده، ولطالما قال الله تعالى عن نفسه: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى} [الحج:6]، {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الشورى:9]، {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الأحقاف:33].
ونحن نقول: أن من مات جذع مخه فقد مات حقًا، فكيف يرد إليه العلم، مهما تقدم، الحياة؟!
ثانيًا: أدلة المذهب الثاني:
القائل بموت مريض الغيبوبة الدماغية، إذا تحقق من موت جذع مخه.
الدليل الأول:
من مات دماغه قد زالت عنه الحياة؛ لأن المخ عضو لا تبقى الحياة بدونه، وهذا العمل الظاهر على جسده، أي: عمل القلب والرئتين، لا ينسب للمريض، وإنما للأجهزة، فهي حركة لا إرادية؛ كحركة المذبوح الذي لا يقتل قاتله وإنما يعزر؛ لأنه لم يقتل شخصًا به حياة مستقرة، وكما لو خرج البول منه.
وقد قال بعض الفقهاء: الطفل ولو بال لا يعتبر حيًا إذا لم يستهل صارخًا.
وقال الأطباء: العضو قد يعمل لساعات وهو منفصل عن صاحبه، وقد يقطع الرأس ويبقى الدم يتدفق من عروقه، أي: القلب، ولا يدل ذلك على حياة صاحبه، وكبقاء حياة الأنسجة فإنها لا تموت بموت صاحبها مباشرة، وهو ما عبر عنه الفقهاء قديمًا بقولهم: آثار الحياة الغريزية (77) .
نوقش:
أولًا: إنما نقول عن عضو أنه (مات، ولا تقوم الحياة بدونه) إذا ما أُبين وانفصل عن حي، فساعتها نعلم بيقين أنه قد مات، لكن وهو متصل بالبدن، وبهذا البدن مظاهر حياة من نبض وتنفس ونمو... فكيف نقول بموته؟! بل هو إلى الحياة أقرب، أو على الأقل يثور شك كبير في أنه ما يزال حيًا، ولا نستطيع أن نقدم على إزهاق نفس احتمال حياتها قائم؛ بل مترجح.
ثانيًا: نفس الكلام يقال عن المثال الذي ضربتم عن القلب الذي ينبض دمًا بعدما قطع رأسه، فمثل هذا القلب قد عُلم بيقين أنه قد مات لا محالة، وهذا بخلاف القلب الذي لم يقطع رأسه؛ بل جسده سليم تبدو عليه أمارات لحياة، فقياسكم مع الفارق.
ثالثًا: أما قياسكم على الطفل الذي شرط فيه أن يستهل صارخًا، فقياس مع الفارق أيضًا؛ فمن مات دماغه كان حيًا بيقين، فلما أصابته الغيبوبة الدماغية شككنا في موته، ويقين حياته لا يزول بالشك في موته، ولذا حكمنا بحياته.
بخلاف الجنين فالأصل فيه العدم، فكان لا بد من أن يقوم الدليل اليقيني على حياته.
الدليل الثاني:
أن هذا الذي مات دماغه إما أن يكون ميتًا وإما أن يكون حيًا، فإن كان ميتًا فلا شك في جواز نزع أجهزة الإنعاش عنه.
وإن كان حيًا فلا شك أيضًا في أنه يعاني من آلام مبرحة، ويعاين سكرات شديدة قد طالت فترتها عليه، والسبب في تطويلها هو تلك الأجهزة التي تعمل على حفظ البنية، وتكون النهاية المشاهدة لا محالة إلى موته.
وعليه: فإن في نزع هذه الأجهزة عنه راحة له، ورحمة به، وتيسيرًا عليه.
نوقش:
أولًا: الأنفس والأرواح ليست ملكًا لنا حتى نتصرف فيها بالمنع والمنح؛ بل هي ملك من خلقها وحده، يمسكها متى شاء، ويرسلها متى شاء.
ثانيًا: لا نوافقكم في أنه يعاني من الآلام والسكرات؛ بل هو كالمغمى عليه، والمغمى عليه كالنائم لا يشعر بشيء، ولا يعاني من شيء، إلا ما كان من أحلام يراها كما يراها النائم.
ثالثًا: على فرض صدقكم في معاناته من آلام، فإننا لسنا أرحم به ممن خلقه وممن ابتلاه بما هو فيه؛ بل الله سبحانه وتعالى أرحم به من أهل الأرض جميعًا، ففي حديث عمر بن الخطاب أنه قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبي، فإذا امرأة من السبي تبتغي، إذا وجدت صبيًا في السبي أخذته، فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار؟» قلنا: لا، والله، وهي تقدر على أن لا تطرحه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لله أرحم بعباده من هذه بولدها» (78)
وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «جعل الله الرحمة مائة جزء، فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءًا، وأنزل في الأرض جزءًا واحدًا، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق، حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها، خشية أن تصيبه» (79)
رابعًا: بأي منطق نقول أن القتل رحمة؟! بل القتل جرم شنيع، واعتداء على نفس عصمها الله وحرمها.
قال البهوتي: «(ولا يجوز قتلها)؛ أي: البهيمة، (ولا ذبحها للإراحة)؛ لأنها مال ما دامت حية، وذبحها إتلاف لها، وقد نهي عن إتلاف المال، (كالآدمي المتألم بالأمراض الصعبة) ، أو المصلوب بنحو حديد؛ لأنه معصوم مادام حيًا» (80) .
الدليل الثالث:
هذا المبتلى بموت جذع المخ، على فرض عدم موته حقيقة، فإنه ميئوس منه ومن شفائه، وقد وقفت الأسباب المادية كلها عاجزة عن علاجه أو تحسين حالته.
فإنه (لا خلاف بين الأطباء في أن مريض جذع المخ لا يمكن أن يعود للحياة المستقرة مرة أخرى، فمن المبادئ الأساسية في علم الأمراض العصبية بصفة عامة أن خلايا المخ لا يمكن أن تتجدد إذا تلفت؛ بل إن جميع أعضاء الجسم يمكن الاستغناء عنها أو استبدالها، بينما لا يمكن استبدال مخ الإنسان، ولا يخطر ذلك على بال أحد؛ بل إن جميع أطراف الجسم يمكن أن تبتر ويظل الإنسان موجودًا، حتى بعد استئصال نصف المخ (أحد النصفين الكرويين) Hemispherectomy، وهي جراحة نادرة، تجرى أحيانًا في بعض حالات الصرع في الأطفال.
وقد قامت المؤسسات الطبية في بريطانيا بمتابعة 700 حالة، شخصت موت المخ، طبقًا للبروتوكولات أو الشروط الموضوعة، فلم تعش منها حالة واحدة) (81)
فالأولى، والحالة هذه، ألا نهدر أموالًا وأوقاتًا في رعاية حالة ميئوس من شفائها بأسبابنا المادية.
نوقش:
أولًا: عدم رجاء برء المرض لا يبيح استعجال الموت ومباشرة أسبابه، كما تقدم في الأدلة من حديث الذي نكأ جرحه.
ثانيًا: أن هذه العلة إن صلحت في الاعتبار، وإيجاب التصرف بناء عليها لفتح ذلك بابًا عظيمًا من المفاسد؛ إذ كم من الأمراض المزمنة التي لا يرجى برؤها ولا شفاؤها وهي دون موت الدماغ، فهلا أبحنا الإجهاز على هؤلاء برفع أجهزة التنفس عنهم، وباستقطاع أعضائهم، كما يُفعل بموتى الدماغ، طردًا لهذه العلة!(82)
الدليل الرابع:
التكلفة المادية: فإن التكاليف العلاجية للمصابين بموت الدماغ باهظة جدًا؛ بسبب ما يحتاج إليه من أجهزة وعاملين متخصصين في وحدة العناية المركزة؛ مما قد تصل معه المصاريف إلى عشرات بل مئات الألوف، وذلك في مقابل معالجة غير مجدية من جهة شفاء المرض وبرئه.
فليس من المصلحة، وليس من المجدي هدر هذه الأموال الطائلة من أجل حالات فردية، في حين أن إنفاق هذه الأموال في مصارف صحية أخرى يعود على باقي الأفراد والمجتمع بفوائد كثيرة ملموسة لا يمكن إنكارها؛ كأن تنفق في برامج الرعاية الأولية، وعلاجات الأمراض السارية القابلة للشفاء بإذن الله، ونحو ذلك (83)
نوقش:
هذه الشبهة خارجة عن محل النزاع، فمحل النزاع هو كون موت الدماغ مرادفًا للحكم بالموت شرعًا.
أما عن المصروفات الباهظة فإن الصيغة المقترحة للتعامل مع حالات موت الدماغ تتمثل فيما يلي:
1ـ التوقف في العلاج عند الحد الذي وصل إليه الفريق الطبي ساعة تشخيص موت الدماغ، وعدم تكثيف أو زيادة العلاج عن ذلك (84 )عملًا بمبدأ جواز ترك العلاج لا سيما في حالات مرض الموت، أو المرض الذي لا يرجى برؤه.
2ـ عدم إصلاح أو إعادة ما قد يتعطل تلقائيًا من وسائل العلاج التي يتلقاها المريض؛ فلو تعطل جهاز، أو خرج أنبوب التنفس من موضعه، أو انقطع دواء ما فلا يُصار إلى إعادته؛ عملًا بمبدأ عدم تكثيف العلاج.
3ـ الاستمرار في إمداد الجسد بالغذاء والماء حتى لا يُقتل المريض صبرًا.
4ـ التوقف عن إجراء الفحوصات التشخيصية وغيرها من التقويمات التي لا تفيد المريض في شيء.
وهكذا فإن هذه الصيغة لا تشتمل على تعاطي أي سبب من الأسباب المفضية للموت بالمباشرة، وفيها إعمال للأدلة الدالة على الندب إلى العلاج، وذلك باستصحاب الأسباب العلاجية السابقة لساعة تشخيص موت الدماغ، والأدلة الدالة على جواز ترك العلاج في مرض الموت، وذلك بالتوقف عن تعاطي ما لا طائل منه من أسباب علاجية مستأنفة، يحكم الأطباء المختصون بعدم جدواها.
ومن الجدير بالذكر أن هذا التدبير المذكور غالبًا ما لا تستمر معه الحياة لفترة طويلة، مما يدرأ شبهات الاعتذار بالمعاناة الطويلة للمرضى، والتكلفة المادية التي قد ترهق الأموال العامة للمسلمين (85) .
الدليل الخامس:
أن من المرضى، ممن يحيون حياة متحققة مستقرة، من تتوقف حياتهم على كلى أو فص من الكبد تنقل إليهم...، وهذه الأعضاء لا تصلح للنقل إلا إذا نقلت ممن مات دماغه، فإن تأخر ذلك وانقطع عنها الدم فسد أغلبها بعد دقائق قليلة.
نوقش:
ليس دم من مات دماغه بأقل عصمة من دم المرضى الذين تتحدثون عنهم، ومن المعلوم أن من القواعد الفقهية قاعدة: (الضرر لا يُزال بالضرر)؛ فلا يزال ضرر المرض عن مريض بإحداث ضرر في مريض آخر، واضطرار المريض لا يُبطل حق الغير.
فبأي حق يستبيح الطبيب وغيره كشف عورة هذا المريض، وتقطيع جسده، وانتزاع أعضائه، ولقد قال المعصوم صلى الله عليه وسلم: «كسر عظم الميت ككسره حيًا» (86)
بل إن من أُكره على قتل غيره استنقاذًا لحياته هو لا يجوز له قتل الغير؛ لأن حرمة الغير لست بأقل من حرمته، وعصمة دم الغير ليست بأقل من عصمة دمه، قال الإمام ابن حزم رحمه الله: «والإكراه على الفعل ينقسم قسمين:
أحدهما: كل ما تبيحه الضرورة؛ كالأكل والشرب، فهذا يبيحه الإكراه؛ لأن الإكراه ضرورة، فمن أكره على شيء من هذا فلا شيء عليه؛ لأنه أتى مباحًا له إتيانه.
والثاني: ما لا تبيحه الضرورة؛ كالقتل، والجراح، والضرب، وإفساد المال، فهذا لا يبيحه الإكراه، فمن أكره على شيء من ذلك لزمه القَوَد والضمان؛ لأنه أتى محرمًا عليه إتيانه» (87)(88)
الراجح:
في البداية لا بد أن يعترف المرء بخطورة هذا الأمر الذي نحن بصدده؛ فإن القول بأن موت جذع المخ هو الموت الحقيقي، مهما ظهرت على المصاب به من علامات للحياة، يترتب عليه رفع أجهزة الإنعاش عنه، وإخماد أنفاس تدخل وتخرج ولو صورة...
إذًا فالقول بأنه حي أيسر على نفس المفتي وأحوط للمصاب، وموافق لاتفاق الأطباء أن تلف خلايا المخ لا يُعوض، ولا تنمو بدلًا منها خلايا جديدة...، لكن هذا القول يترتب عليه مشقة كبيرة على أهل المصاب؛ مشقة نفسية ومادية ومعنوية، ويترتب عليه كذلك عبء كبير على الدولة؛ كالنفقات الباهظة، وكتوفير غرفة عناية مركزة كاملة تكون حكرًا على مريض واحد مددًا قد تطول...
وكل ذلك ونحن نوقن تمامًا أن مَن رَأَيْنا، ممن مات جذع مخهم حقًا، لم يعد أحد منهم إلى الحياة ثانية أبدًا، ولكن "هذه الحقيقة ما زالت محل خلاف بين الأطباء، وعلاماتها أو جلها ظنية ولم تكتسب اليقين بعد، وأن قاعدة الشرع: أن اليقين لا يزول بالشك، وأن الشرع يتطلع إلى إحياء النفوس وإنقاذها، وأن أحكامه لا تبنى على الشك، وأن الشرع يحافظ على البنية الإنسانية بجميع مقوماتها، ومن أصوله المطهرة المحافظة على: الضروريات الخمس، ومنها: المحافظة على النفس.... (89)
وعليه فإننا نجد أنفسنا في أشد الحرج حين نحكم برفع أجهزة الإنعاش عن مصاب تظهر عليه علامات للحياة؛ يخرج منه النفس ويدخل، ينبض قلبه، يستجيب بعض الاستجابات (الفحوصية) لبعض أنواع العلاجات! نتحرج لأننا نعلم أن جميع تلك المظاهر ستخمد تمامًا بمجرد رفع الأجهزة عنه.
وإننا نتحرج أيضًا أن نحكم بحياته؛ فنوقع أهله ومن حوله في مشقة بالغة بدون فائدة ولا جدوى، في الغالب الأعم، خاصة وأن من مات مخه قد يظل أسابيع؛ بل شهورًا، بل سنين، تحت هذه الأجهزة، تظهر عليه علامات لحياة!
لذا، فإننا نجد أنفسنا مضطرين إلى التفريق بين حالتين (90) للمصاب بموت جذع المخ:
الحالة الأولى: أن يكون المصاب قد وُضِع تحت أجهزة الإنعاش فعلًا، فظهرت عليه علامات الحياة من نبض وتنفس...
فمثل هذا نقول بحرمة نزع هذه الأجهزة عنه؛ لما يظهر عليه من علامات الحياة، ولأن الصورة صورة قتل متعمد، وهذا هو الأحوط في حالته، متبعين في علاجه "مبدأ عدم تكثيف العلاج" المشار إليه.
الحالة الثانية: ألا يكون قد وضع تحت تلك الأجهزة، وقد حكم الأطباء الأكفاء الثقات بموت جذع مخه وتلف خلاياه، اللهم إلا إذا كان المصاب بموت جذع المخ أنثى حامل، وما زالت المؤشرات تدل على حياة الجنين، فنرى أنه يجب وضعها تحت أجهزة الإنعاش صيانة لحياة الجنين.
فهذا نقول بجواز عدم وضعه أصلًا تحت أجهزة الإنعاش، وذلك استنادًا إلى حقيقتين:
الأولى: ما اتفق عليه الأطباء من أن خلايا المخ غير متجددة، وأنها إذا تلفت جميعها فقد مات المصاب قطعًا.
الثانية: ما تقرر في الشرع من جواز ترك التداوي، وأدلة ذلك كثيرة منها:
ما رواه الشيخان من حديث عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى، قال: هذه المرأة السوداء، أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أصرع، وإني أتكشف، فادع الله لي، قال: «إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك»، فقالت: أصبر، فقالت: إني أتكشف، فادع الله لي أن لا أتكشف، فدعا لها (91)
قال ابن حجر العسقلاني شارحًا: «وفي الحديث فضل من يصرع، وأن الصبر على بلايا الدنيا يورث الجنة، وأن الأخذ بالشدة أفضل من الأخذ بالرخصة لمن علم من نفسه الطاقة، ولم يضعف عن التزام الشدة، وفيه دليل على جواز ترك التداوي... » (92)
وفي الصحيحين أيضًا عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفًا بغير حساب، هم الذين لا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون»(93).
فقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم من يدخلون الجنة بغير حساب بأنهم: «لا يسترقون»، وفي رواية في الصحيحين أيضًا: «ولا يكتوون»، فمدحهم بتركهم التداوي توكلًا على الله.
حتى لقد قال الإمام أبو عبد الله المازري: احتج بعض الناس بهذا الحديث على أن التداوي مكروه، ومعظم العلماء على خلاف ذلك(94)
وفي شرح ابن ماجه: «والمدح على تركه(95) في حديث: «لا يسترقون ولا يكتوون»: للأولوية، وبيان التوكل والرضاء بالقضاء...، وبالجملة: هذا صفة الأولياء المعرضين عن الأسباب، لا يلتفتون إلى شيء من العلائق، وتلك درجة الخواص، والعوام رخص لهم التداوي والمعالجات، ومن صبر على البلاء وانتظر الفرج من الله بالدعاء كان من جملة الخواص، ومن لم يصبر رخص له في الرقية والعلاج والدواء؛ ألا ترى أنه قَبِل من الصديق جميع ماله وأنكر على آخر في مثل بيضة الحمام ذهبًا (96) والأدلة على ذلك كثيرة.
وهذا التفريق يجمع بين أدلة الفريقين، ويُعمل النصوص والقواعد التي نقلاها، ويصون حرمة النفس البشرية، ويرفع العبء والحرج عن أهل المصاب وعن الدولة.
وهو ما ترتاح إليه النفس، ويطمئن إليه القلب، والله أعلم بالحق.
([1]) انظر: شرح التلويح على التوضيح، لسعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني (2/353)، الناشر: مكتبة صبيح بمصر، ورد المحتار على الدر المختار، لابن عابدين (2/189)، الناشر: دار الفكر، بيروت، الطبعة الثانية، 1412هـ/1992م.
([2]) كذا في الأصل، ولعل المراد: (عدم)، وانظر: أسنى المطالب، لزكريا الأنصاري (1/64).
([3]) انظر: شرح التلويح على التوضيح (2/353).
([4]) تحرير ألفاظ التنبيه، للنووي، المحقق: عبد الغني الدقر، الناشر: دار القلم، دمشق، الطبعة الأولى، 1408هـ.
([5]) شفاء العليل، لابن القيم، ص92، الناشر: دار المعرفة، بيروت، الطبعة 1398هـ/1978م، وجامع العلوم والحكم، لابن رجب الحنبلي (2/356)، المحقق: شعيب الأرنئوط، إبراهيم باجس، الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة السابعة، 1422هـ/2001م.
([6]) فتح الباري شرح صحيح البخاري، لابن حجر العسقلاني (11/346)، الناشر: دار المعرفة، بيروت، 1379هـ.
([7]) موسوعة الفقه الإسلامي، لمحمد بن إبراهيم بن عبد الله التويجري (2/717)، الناشر: بيت الأفكار الدولية، الطبعة الأولى، 1430 هـ/2009 م.
([8]) انظر استشارة بعنوان: موت الدماغ من منظور إسلامي، أ.د عبد الفتاح إدريس، موقع أون إسلام.
([9]) روضة الطالبين وعمدة المفتين، للنووي (2/98)، تحقيق: زهير الشاويش، الناشر: المكتب الإسلامي، بيروت، دمشق، عمَّان، الطبعة الثالثة، 1412هـ/1991م.
([10]) المغني، لابن قدامة (2/337)، الناشر: مكتبة القاهرة، تاريخ النشر: 1388هـ/1968م.
([11]) الإقناع، للخطيب الشربيني (1/199)، المحقق: مكتب البحوث والدراسات، الناشر: دار الفكر، بيروت.
([12]) بدائع الفوائد، لابن قيم الجوزية (3/273)، الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان.
([13]) رواه مسلم (كتاب الكسوف، باب في إغماض الميت والدعاء له إذا حضر).
([14]) رواه ابن ماجه (كتاب الجنائز، باب ما جاء في تغميض الميت)، ومسند البزار (مسند شداد بن أوس)، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (1092).
([15]) الحاوي الكبير، للماوردي (3/7)، المحقق: الشيخ علي محمد معوض، الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1419هـ/1999م.
([16]) شرح المقدمة الحضرمية، لابن باعلي باعشن الدوعني الرباطي الحضرمي (1/447)، الناشر: دار المنهاج للنشر والتوزيع، جدة، الطبعة الأولى، 1425 هـ/2004م.
([17]) حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح، لأحمد بن محمد بن إسماعيل الطحطاوي الحنفي (1/558)، المحقق: محمد عبد العزيز الخالدي، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1418هـ/1997م.
([18]) المغني، لابن قدامة (2/337).
([19]) انظر مجلة: مجمع الفقه الإسلامي، موضوع: أجهزة الإنعاش (3/150).
([20]) من مقال بعنوان: الموت الدماغي، نقلًا عن موقع: بلا حدود للعلوم والتكنولوجيا.
([21]) مستفاد من: موت الدماغ من منظور إسلامي، أ.د عبد الفتاح إدريس.
([22]) انظر بحث بعنوان: (أجهزة الإنعاش وحقيقة الوفاة بين الفقهاء والأطباء)، د. بكر بن عبد الله أبو زيد، نقلًا عن موقع: صيد الفوائد.
([23]) أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، انظر مقال فضيلته بعنوان: (موت الدماغ من منظور إسلامي)، نقلًا عن موقع: أون إسلام.
([24]) انظر بحث فضيلته بعنوان: (أجهزة الإنعاش وحقيقة الوفاة بين الفقهاء والأطباء).
([25]) انظر بحث فضيلته بعنوان: (تهافت موت الدماغ)، وقد ذكر فيه أكثر من أربعين دليلًا على تهافت دعوى الحكم بالموت على من تعطل دماغه إلى غير رجعة.
([26]) انظر مسألة: (موت جذع المخ)، للدكتور عبد الحليم منصور، على حسابه في الفيسبوك.
([27]) انظر: شرح بلوغ المرام، لعطية بن محمد سالم، وهو عبارة عن دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية.
([28]) انظر: استشارة بعنوان: (موت الدماغ من منظور إسلامي)، أ.د عبد الفتاح إدريس، نقلًا عن موقع: أون إسلام.
([29]) من بحث بعنوان: (حكم رفع أجهزة الإنعاش عن مريض موت الدماغ)، محمد إبراهيم أبو العيش، الجامعة الإسلامية، غزة.
([30]) تفسير القرطبي (البقرة: 44).
([31]) تفسير ابن كثير (الواقعة: 83).
([32]) بحث: (تهافت موت الدماغ)، د. وسيم فتح الله.
([33]) رواه أحمد (مسند الكوفيين، حديث البراء بن عازب)، ومصنف ابن أبي شيبة (كتاب الجنائز، في نفس المؤمن كيف تخرج ونفس الكافر؟)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزياداته (1676).
([34]) تهافت موت الدماغ، د. وسيم فتح الله.
([35]) رواه البخاري (كتاب المساقاة، باب فضل سقي الماء)، ومسلم (كتاب السلام، باب فضل ساقي البهائم المحترمة وإطعامها).
([36]) تهافت موت الدماغ.
([37] ) رواه البخاري (كتاب الجهاد والسير، باب يكتب للمسافر مثل ما كان يعمل في الإقامة).
([38]) رواه مسلم (كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته).
([39]) تهافت موت الدماغ.
([40]) رواه ابن ماجه، واللفظ له (كتاب التجارات، باب الاقتصاد في طلب المعيشة)، وابن حبان (كتاب الزكاة، باب ما جاء في الحرص، ذكر الزجر عن استبطاء المرء رزقه مع ترك الإجمال في طلبه)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزياداته (2742).
([41]) واستقلاب الغذاء معناه: معالجة الجسد له بحيث يتحول من صيغته التي أخذها الجسد إلى عناصره التي تمكن الجسد من الاستفادة منه، وهذا ما لا يتم في الجيف والأجساد الميتة، فتأمل.
([42]) تهافت موت الدماغ.
([43]) فيض القدير، للمناوي (3/159).
([44] ) رواه البخاري (كتاب أحاديث الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل).
([45]) وفي هذا رد صريح على التذرع بشبهة رفع المعاناة عن هؤلاء المرضى، هذا إذا سلمت دعوى المعاناة.
([46]) تهافت موت الدماغ.
([47]) رواه البخاري (كتاب الطب، باب الكهانة)، ومسلم، واللفظ له (كتاب القسامة، باب دية الجنين).
([48]) لم يستهل؛ أي: لم يصرخ، وهذا يدل على عدم تنفسه.
([49]) السلى: هو غشاء الرحم المعروف بالأجنبية بـ (الأمنيوس)، ويعرف سائل السلى بالأجنبية بالسائل الأمنيوسي.
([50]) تهافت موت الدماغ.
([51]) رواه مسلم (كتاب الحدود، باب من اعترف على نفسه بالزنى).
([52]) تهافت موت الدماغ.
([53]) رواه النسائي (كتاب القسامة، صفة شبه العمد، وعلى من دية الأجنة)، وأبو داود (كتاب الديات، باب فيمن تطبب بغير علم فأعنت)، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (635).
([54]) تهافت موت الدماغ.
([55]) التيسير بشرح الجامع الصغير، للمناوي (2/410)، الناشر: مكتبة الإمام الشافعي، الرياض، الطبعة الثالثة، 1408هـ/1988م.
([56]) حاشية السندي على سنن ابن ماجه، لأبي الحسن السندي (2/348)، الناشر: دار الجيل، بيروت، بدون طبعة.
([57]) سبل السلام، للصنعاني (2/363)، الناشر: دار الحديث.
([58]) يقصد: التطبب.
([59]) فيض القدير، للمناوي (6/106)، الناشر: المكتبة التجارية الكبرى، مصر، الطبعة الأولى، 1356هـ.
([60]) رواه البخاري (كتاب المرضى، باب عيادة المغمى عليه).
([61]) عمدة القاري شرح صحيح البخاري، لبدر الدين العيني (21/213)، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت.
([62]) تهافت موت الدماغ.
([63]) رواه البخاري (كتاب التعبير، باب رؤيا النساء).
([64]) المخلصيات، لأبي طاهر المخلص (1/297)، المحقق: نبيل سعد الدين جرار، الناشر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لدولة قطر، الطبعة الأولى، 1429هـ/2008م، ومعجم ابن الأعرابي (3/994)، تحقيق وتخريج: عبد المحسن بن إبراهيم بن أحمد الحسيني، الناشر: دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1418هـ/1997م.
([65]) رواه ابن ماجه (كتاب الجنائز، باب ذكر وفاته ودفنه صلى الله عليه وسلم)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه (1627).
([66]) حكم رفع أجهزة الإنعاش عن مريض موت الدماغ، محمد إبراهيم أبو العيش.
([67]) مسألة موت جذع المخ، للدكتور عبد الحليم منصور.
([68]) من حوار بعنوان: (موتى جذع المخ أحياء، ونزع الأجهزة عنهم قتل عمد)، لمحمد سيد، منشور في صحيفة المدينة: www.al-madina.com
([69]) من مقال: (فقه النوازل (23) موت الدماغ وأحكامه الشرعية)، لسعد بن تركي الخثلان.
([70]) الجوهرة النيرة، لأبي بكر الزبيدي (1/110)، الناشر: المطبعة الخيرية، الطبعة الأولى، 1322هـ، وانظر: درر الحكام شرح غرر الأحكام، للملا خسرو، الناشر: دار إحياء الكتب العربية، ورد المحتار (2/227).
([71]) الحاوي الكبير، للماوردي (8/309).
([72]) الحاوي الكبير، للماوردي (12/44).
([73]) فتح العزيز بشرح الوجيز، لعبد الكريم بن محمد الرافعي القزويني (5/155)، الناشر: دار الفكر.
([74]) الشرح الكبير على متن المقنع، لابن قدامة المقدسي (9/546)، الناشر: دار الكتاب العربي للنشر والتوزيع.
([75]) من حوار بعنوان: (موتى جذع المخ أحياء، ونزع الأجهزة عنهم قتل عمد)، لمحمد سيد، منشور في صحيفة المدينة: www.al-madina.com
([76]) انظر: استشارة بعنوان: (موت الدماغ من منظور إسلامي)، أ.د. عبد الفتاح إدريس.
([77]) انظر: بحوث لبعض النوازل الفقهية المعاصرة.
([78]) رواه البخاري (كتاب الأدب، باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته)، ومسلم (كتاب التوبة، باب في سعة رحمة الله تعالى).
([79]) رواه البخاري (كتاب الأدب، باب جعل الله الرحمة مائة جزء)، ومسلم، واللفظ له (كتاب التوبة، باب في سعة رحمة الله تعالى).
([80]) كشاف القناع عن متن الإقناع، للبهوتي الحنبلي (5/495)، الناشر: دار الكتب العلمية.
([81]) مسألة موت جذع المخ، للدكتور عبد الحليم منصور.
([82]) تهافت موت الدماغ.
([83]) نفس المصدر السابق.
([84]) وهذا المسلك متداول حديثًا في عرف المهنة، وهو ما يعرف بالعلاج غير التصعيديNon escalation therapy.
([85]) تهافت موت الدماغ.
([86]) رواه ابن ماجه (كتاب الجنائز، باب في النهي عن كسر عظام الميت)، وأبو داود (كتاب الجنائز، باب في الحفار يجد العظم)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه (1616).
([87]) المحلى بالآثار، لابن حزم، دار الفكر، بيروت (7/203).
([88]) تهافت موت الدماغ.
([89]) أجهزة الإنعاش، وحقيقة الوفاة بين الفقهاء والأطباء.
([90]) المصدر السابق.
([91]) رواه البخاري (كتاب المرضى، باب فضل من يصرع من الريح)، ومسلم (كتاب البر والصلة والآداب، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض).
([92]) فتح الباري شرح صحيح البخاري، لابن حجر العسقلاني (10/115)، الناشر: دار المعرفة، بيروت، 1379هـ.
([93]) رواه البخاري (كتاب الرقاق، باب: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق:3])، ومسلم (كتاب الإيمان، باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب ولا عذاب).
([94]) المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، للنووي (3/90)، الناشر: دار إحياء التراث العربي بيروت، الطبعة الثانية، 1392هـ.
([95]) أي: التداوي.
([96]) شرح سنن ابن ماجه، مجموع من 3 شروح: 1- مصباح الزجاجة، للسيوطي، 2- إنجاح الحاجة، لمحمد عبد الغني المجددي، 3- ما يليق من حل اللغات وشرح المشكلات، لفخر الحسن بن عبد الرحمن الكنكوهي، ومنه هذا النقل (1/245)، الناشر: قديمي كتب خانة، كراتشي.