logo

(2) الرد على شبهات القائلين بالبدعة الحسنة في الدين


بتاريخ : الخميس ، 17 رجب ، 1441 الموافق 12 مارس 2020
(2) الرد على شبهات القائلين بالبدعة الحسنة في الدين

الشبهة الأولى: حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة)). رواه مسلم.

وجه الشبهة: أن النبي شرع لأمته، بل ندبهم إلى السنة الحسنة في الدين، وما ذاك إلا تقرير للبدعة الحسنة!!

الجواب: من وجوه:

الوجه الأول: هذا زعم باطل، وفهم خاطئ، ويرجع ذلك إلى أنهم أخذوا الحديث وفصلوه عن مناسبته التي قيل فيها، وعن السبب الذي كان من أجله، شأنهم كمن قرأ الآية: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّين} ووقف عندها ولم يكمل نهايتها.

وبالرجوع إلى أصل الحديث، نجد أن سبب الحديث هو تصدق بعض الصحابة، بتوجيه من النبي على فقراء مضر، وذلك لشدة فقرهم وحاجتهم(1).

فما فعله الأنصاري إنما هو ابتداؤه الصدقة في تلك الحادثة، والصدقة مشروعة من قبل النص، فالصحابي هنا لم يأت ببدعة حسنة، وإنما أحيا سنة تركها الناس.

يبين ذلك، ويؤكده أن الرسول لم يقل من ابتدع بدعة حسنة، وإنما قال: "من سن سنة حسنة"، والسنة غير البدعة، السنة هي ما كان موافقًا للكتاب والسنة، موافقًا للدليل؛ فمن عمل بالسنة التي دل عليها الكتاب والسنة؛ يكون له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة؛ يعني: من أحيا هذه السنة وعلمها للناس وبينها للناس وعملوا بها اقتداءً به؛ فإنه يكون له من الأجر مثل أجورهم.

والغرض أنه ليس بمبتدع، وليس من الابتداع في شيء من ابتدأ عملا هو مشروع في الأصل، كـ: النصيحة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والصدقة، وغيرها، ليكون هو بمنزلة القدوة والداعية إلى هذا العمل.

 وليس من البدعة في شيء فعل ما كان وسيلة لعمل مشروع، مثل: اختراع وبناء الملاجئ والمستشفيات لإيواء اليتامى والبائسين، ومثل: المعاهد الدينية، والماء السبيل في الميادين العامة لشرب الناس، ومثل: جمعية الإسعاف، وغير ذلك.

وقد قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}.

هذا، وقد نبه العلماء إلى هذه المغالطة من هؤلاء المبتدعة في فهم هذا الحديث، وحذروا من فهمهم هذا لتسويغ البدع، قديما وحديثا(2).

الوجه الثالث: لا يمكن أن يكون معنى قوله:  صلى الله عليه وسلم: من سن في الإسلام سنةً حسنة أي من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة؛ لأن بهذا يكون معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: كل بدعة ضلالة: كل سنة ضلالة. فمن جعل هذا هو معنى ذاك فقد أبعد النجعة وحرف الكلم عن مواضعه.

الوجه الرابع: لو كان هذا الذي يفهمه الناس الفهم الصحيح للحديث لصار في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "فمن رغب عن سنتي فليس مني" تناقضا واضحا، وتحريضا على الإعراض عن السنة، وثناء منه على من رغب عن سنته.

فبينما يقول صلى الله عليه وسلم: "فعليكم بسنتي" داعيًا إلى التمسك بها والعض عليها بالنواجذ والقبض على الجمر يدعونا هنا إلى الأخذ بأي سنة يسنها من شاء من المسلمين لا بالتقيد بسنته وحده!.

الشبهة الثانية: ورد في الخبر عنه صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن، وما رآه المسلمون قبيحًا فهو عند الله قبيح". أخرجه أحمد وغيره.

الجواب: من وجوه:

الوجه الأول: أن هذا الأثر لا يصح مرفوعا، بل هو موقوف على ابن مسعود، فليس بحجة(3).

قال الشيخ الألباني: (إن من عجائب الدنيا أن يحتج بعض الناس بهذا الحديث على أن في الدين بدعةً حسنةً، وأن الدليل على حسنها اعتياد المسلمين لها!! ولقد صار من الأمرِ المعهود أن يبادر هؤلاء إلى الاستدلال بهذا الحديث عندما تثار هذه المسألة، وخفي عليهم أن هذا الحديث موقوف - أي على الصحابي - فلا يجوز أن يحتج به في معارضة النصوص المرفوعة - أي إلى النبي صلى الله عليه وسلم - القاطعة في أن كل بدعةٍ ضلالة i كما صح عنه)(4).

الوجه الثاني: أنه من حيث المعنى باطل لسببين:

الأول: أنه يناقض حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلهم في النار إلا واحدة"(5).. ثم خصها بمن كانوا على مثل ما كان عليه هو وأصحابه.

الثاني: أنه يقتضي كون العمل حسنًا عند بعض الناس يصح التقرب به إلى الله تعالى، قبيحًا عند البعض الآخر لا يصح التقرب به، وهذا الأثر يعمل به في ما لم يرد فيه نص من كتاب ولا سنة، كالإجماع، وخصوصًا إجماع الصحابة.

الوجه الثالث: على افتراض صلاحية الاحتجاجِ به، فإن المراد به إجماع الصحابة واتفاقهم على أمر، كما يدل عليه السياق.

ويؤيده استدلال ابنِ مسعودٍ به على إجماع الصحابة على انتخاب أبي بكر خليفةً، (حيث قال: "إن الله نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمد خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد، بعد قلب محمد، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه، يقاتلون على دينه، فما رأى المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن وما رأوا سيئًا، فهو عند الله سيئ"(6).

وروى الحاكم الجملة الأخيرة، وزاد: "وقد رأى الصحابة جميعًا أن يستخلفوا أبا بكر". وعليه؛ فاللام في "المسلمون" ليس للاستغراق كما يتوهمون، بل للعهد.

وسلمنا أنه للاستغراق، فليس المراد به قطعًا كل فردٍ من المسلمين، ولو كان جاهلًا لا يفقه من العلم شيئًا؛ فلا بد إذن من أن يحمل على أهل العلم منهم(7).

وعلى القول بأن الحديث يقصد به آحاد المسلمين أو بعضهم فيحمل لزوما على استحسان ما جرى به عرف من الأعراف التي تختلف باختلاف الزمان والمكان من باب القاعدة المجمع عليها: "العرف محكم"، لا فيما يخالف الشرع وينابذ السنة(8).

الوجه الرابع: كيف يستدل بكلام هذا الصحابي الجليل على تحسين شيء من البدع، مع أنه كان من أشد الصحابة نهيًا عن البدع وتحذيرًا منها، وهو القائل كما مر معنا: " اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم، عليكم بالأمر العتيق "(9).

الشبهة الثالثة: يقول البعض أن قول الرسول صلى الله عليه وسلم: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه؛ فهو رد i مخصص لحديث: كل بدعة ضلالة i ومبين للمراد منه؛ إذ لو كانت البدعة ضلالة بدون استثناء؛ لقال الحديث: من أحدث في أمرنا هذا شيئًا؛ فهو رد!! لكن لما قال: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه؛ فهو رد ؛ أفاد أن المحدث نوعان: ما ليس من الدين، بأن كان مخالفًا لقواعده ودلائله؛ فهو مردود، وهو البدعة الضلالة، وما هو من الدين، بأن شهد له أصل، وأيده دليل؛ فهو صحيح مقبول، وهو السنة الحسنة !!

الجواب:

معلوم من قواعد العلم ومبادئه أن روايات الأحاديث النبوية يفسر بعضها بعضًا، ويشرح بعضها ما غمض من بعضها الآخر. فهذه الرواية يوضحها ويزيل لبسها المتوهم فيها ما يلي:

أولًا: الرواية الأخرى للحديث نفسه، وهي: من عمل عملًا ليس عليه أمرنا؛ فهو رد. فهذا إيضاح جلي للرواية ذاتها، يكشف صورة العمل المحدث المردود، ويبين أنه كل عمل ليس عليه الدين؛ فهذا شامل للكيفية والصفة والهيئة إذا لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم.

إذ إعراب ليس عليه أمرنا أنها في محل نصبِ صفةٍ لـ عملًا، فصفة المحدَثِ أنه ليس عليه أمرُ النبي صلى الله عليه وسلم.

ثانيًا: أن تطبيق السلف وفهمهم - وهم القوم لا يشقى الآخذ بقولهم - لهذا الحديث لم يكن على هذا الوجه المستنكر، وإنما كان على الجادة الموافقة لأصول اللغة، وقواعد الاستدلال. ففي روايات كثيرة عنهم - رحمهم الله - تراهم يستنكرون أعمالًا مشروعة الأصل محدثة الكيفية والصفة، ويصفونها بالابتداع(10).

الشبهة الرابعة: قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه:"نعمت البدعة هذه"‏‏ رواه البخاري. فهذا يدل على تقسيم البدعة إلى حسنة ممدوحة، وسيئة مردودة!

الجواب من وجوه:

الأول: لو سلمنا جدلًا بصحة دلالته على ما أرادوا من تحسين البدع - مع أن هذا لا يسلم - فانه لا يجوز أن يعارض كلام رسول الله  صلى الله عليه وسلم القائل: "كل بدعةٍ ضلالة"، بكلام أحد من الناس، كائنا من كان.

قال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: "يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله، وتقولون: قال أبوبكر وعمر".

الثاني: أن عمر بن الخطاب قال هذه الكلمة حين جمع الناس على إمام واحد في صلاة التراويح، وصلاةَ التراويح ليست بدعةً في الشريعة، بل هي سنة بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله إياها في الجماعة؛  فقد صلاها في الجماعة في أول شهر رمضـان ليلتين، بل ثلاثا.

وقال: من قام مع الإمام حتى يَنصرف، فإنه يعدل قيام ليلةٍ(11). كما قام بهم حتى خشوا أن يفوتهم الفلاح.

وبهذا الحديث احتج احمد وغيره على أن فعلها في الجماعة أفضل من فعلها في حال الانفراد.

بل إن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يصلون التراويح في عهد عمر قبل أن يقول كلمته هذه، فقد روى البخاري ومالك وغيرهما عن عبد الرحمن بن عبد القاري قال: (خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة في رمضان إلى المسجد فإذَا الناس أوزاعًا متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصَلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحدٍ لَكان أمثل، ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعبٍ. ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارِئهم. قال عمر: "نعمت البدعة هذه".

الثالث: مفهوم البدعة الشرعية لا ينطبق على فعل عمر، وإنما أراد بقوله المذكور البدعة اللغوية، فالبدعة في الشرع لا تستخدم إلا في موضع الذم، بخلاف اللغة فإن كل ما أحدث على غير مثال سابق بدعة، سواء أكان محمودًا أو مذمومًا.

وعلى هذا حمل العلماء قول عمر، وبهذا الفهم فهموا؛ فقد قال الإمام ابن كثير- رحمه الله-: "البدعة على قسمين: تارة تكون بدعة شرعية؛ كقوله: كل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة وتارة تكون بدعة لغوية؛ كقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عن جمعه إياهم على صلاة التراويح واستمرارِهم: "نعمت البدعة هذه"‏(12).

وقال ابن رجب: "وأما ما وقع في كلام السلف من استحسان بعض البدع فإنما ذلك في البدع اللغوية لا الشرعية…" ثم ذكر رحمه الله قول عمر(13).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأما قول عمر: "نعمت البدعة هذه"‏‏ فأكثر المحتجين بهذا؛ لو أردنا أن نثبت حكمًا بقول عمر الذي لم يخالف فيه؛ لقالوا: "قول الصاحب ليس بحجةٍ!"، فكيف يكون حجةً لهم في خلاف قول رسول الله؟! ومن اعتقد أن قول الصاحب حجة؛ فلا يعتقده إذا خالف الحديث.  فعلى التقديرين: لا تصلح معارضة الحديث بقول الصاحب(14).

الشبهة الخامسة: ما فعله عثمان رضي الله عنه، من الأذان الثاني يوم الجمعة، وما ذاك إلا من قبيل البدعة الحسنة!!

الجواب من وجوه:

الأول: قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ"(15).

وما ذلك إلا لأن سنتهم كانت من فهم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنهم متبعون وليسوا مبتدعين؛ ولأنهم فهموا السنة في الجملة والتفصيل على وجه قد يخفى على غيرهم، فهم يعرفون الناسخ والمنسوخ من السنة، فاحتاج العلماء للنظر في عمل الخلفاء ليعرفوا السنة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الثاني: أن عثمان رضي الله عنه، لم يزد ولم ينقص عما ورد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ولم يخترع أذانًا وإنما كل ما فعله هو تغيير المكان لمجرد تعميم الإعلان لمن هم بعيدون عن المسجد على المكان الذي يسمى الزوراء، والذي هو مجاور للسوق، ويبعد عن المسجد نحو ألف ذراع؛ ليسمع أهل السوق الأذان نظرًا لاتساع العمران وكثرة السكان عما كان عليه الحال في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وكان الأذان الأول والثاني في وقت واحد وفي مكانين مختلفين.

الثالث: إنما  فعل عثمان ذلك لمصلحة، وهو أن الناس عندما كثروا؛ وتباعدت منازلهم عن المسجد؛ رأى هذا الأذان نافعًا لاتساعها وكثرة أهلها، فيدعوهم ذلك إلى الاستعداد، يدل على ذلك ما جاء في صحيح البخاري عن السائب بن يزيد أنه قال: "كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي صلى الله عليه وسلموأبي بكرٍ وعمر رضي الله عنهما. فلما كان عثمان رضي الله عنه وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء".

وقد نقل القرطبي عن الماوردي قوله: (فأما الأذان الأول فمحدث، فعله عثمان ليتأهب الناس لحضور الخطبة عند اتساع المدينة وكثرة أهلها)(16).

 فمن صرف النظر عن هذه العلة، وتمسك بأذان عثمان مطلقًا لا يكون مقتديا به، بل هو مخالف له حيث لم ينظر بعين الاعتبار إلى تلك العلة التي لولاها لما كان لعثمان ان يزيد على سنته عليه الصلاة والسلام وسنة الخليفتين من بعده.

ولهذا قال الإمام الشافعي: "وقد كان عطاء ينكر أن يكون عثمان أحدثه، ويقول: أحدثه معاوية، وأيهما كان فالأمر الذي كان على عهد رسول الله أحب إلي، فإن أذن جماعة من المؤذنين والإمام على المنبر، وأذن كما يؤذن اليوم أذان قبل أذان المؤذنين إذا جلس الإمام على المنبر كرهت ذلك له، ولا يفسد شيء من صلاته"(17).

ففعل عثمان يعتبر من المصلحة المرسلة، (والمصلحة المرسَلة في تعريف الأصوليين هي: "الأوصاف التي تلائم تصرفات الشارع ومقاصده، ولكن لم يشهد لها دليل معين من الشرع بالاعتبار أو الإلغاء، ويحصل من ربط الحكم بها جلب مصلحةٍ أو دفع مفسدةٍ عن الناس".

وسميت مرسلة؛ لعدم وجود ما يوافقها أو يخالفها في الشرع؛ أي: أرسلت إرسالًا وأطلقت إطلاقًا. والضابط الذي تتميز به المصلحة المرسلة من البدع المحدثة هو ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية: (والضابط في هذا- والله أعلم - أن يقال: إن الناس لا يحدثون شيئًا إلا لأنهم يرونه مصلحةً، إذ لو اعتقدوه مفسدةً؛ لم يحدثوه؛ فإنه لا يدعو إليه عقل ولا دين.

فما رآه الناس مصلحةً؛ نظر في السبب المحوج إليه: فإن كان السبب المحوج إليه أمرًا حدث بعد النبي لكن من غير تفريط منه؛ فهنا قد يجوز إحداث ما تدعو الحاجة إليه. وكذلك إن كان المقتضي لفعله قائمًا على عهد رسول الله، لكن تركه النبي صلى الله عليه وسلم لمعارضٍ زال بموته وأما ما لم يحدث سبب يحوج إليه، أو كان السبب المحوج إليه بعض ذنوب العباد فهنا لا يجوز الإحداث. فكل أمرٍ يكون المقتضي لفعله على عهد رسول الله موجودًا، لو كان مصلحةٍ ولم يُفْعَل: يُعْلم أنه ليس بمصلحةٍ. وأما ما حدث المقتضي له بعد موته من غير معصية الخالق؛ فقد يكون مصلحةً.. الخ)(18).

وخلاصةُ القول: أن "حاصل المصالح المرسلة يرجع إلى حفظ أمرٍ ضروري، أو رفع حرجٍ لازم في الدين".

وليست البدع - عند من يدعيها- هكذا بيقين؛ لأن المبتدع إنما يفعل البدع بقصد زيادة التقرب إلى الله وإن لم يكن هناك حاجة لإحداث ذلك الفعل.

الشبهة السادسة: إقرار رسول الله صلى الله عليه وسلم لأفعال كثير من الصحابة، مع ما فيها من إحداث في الدين وزيادة على التشريع، ولا معنى لذلك إلا كون هذه الأفعال من البدعة الحسنة، وأنها مأذون بها شرعا!. ومن ذلك:

  • إقراره لعمرو بن العاص حين صلى بالصحابة وهو جنب بالتيمم، وذلك لبرودة الجو وخشيته على نفسه، وعندما سأله صلى الله عليه وسلم قال: ذكرت قول الله عز وجل: {وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}.
  • وحديث الصحابي الذي كان يقرأ بسورة الصمد في كل ركعة وإقرار الرسول له على ذلك.
  • وإقراره أيضا للصحابي الذي رقى بالفاتحة.
  • وإقرار رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لبلال، لصلاته ركعتين بعد كل وضوء.
  • وإقراره للصحابي الذي عطس وقال: الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى.
  • ولإقراره لخبيب لما صلى ركعتين قبل أن يقتل.

فما دام رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد أقر صنيعهم، فلنا أن نفعل سننًا حسنة في الإسلام، يحصل بها مزيد من الثواب والأجر، والترغيب في الطاعات.

الجواب:

لا يصح قياس فعل الصحابة فى العصر النبوى وقت نزول الوحى على فعلهم بعد انقطاع الوحى، فالوحى كان يقر بعض ما يفعلونه، وأحيانًا لا يقر بعض ما يفعلونه، فكيف بمن بعدهم؟ وهم أعلم الناس بسنة النبى صلى الله عليه وسلم!

 وما كانوا يفعلونه وقت نزول الوحى، وأقره الوحى هذا دليل على أنه من الشرع ألهمهم الله فعله، وأقرهم النبى على فعلهم.

أما غير الصحابة، فمن أين يعلم إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لما أحدثوه وقد مات؟ ومع أنه قد أخبر قبل موته أن كل بدعة في الدين مردودة؟.

 هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فلئن كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أقر فعل خبيب وبلال في الصلاة بعد كل وضـوء، فإنه لم يقر البراء بن عازب على خطئه في الدعاء الذي علمه إياه النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: {آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت) ‏‏فقال البراء: "فجعلت أستذكرهن: وبرسولك الذي أرسلت"، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( وبنبيك الذي أرسلت}(19).

ولم يقر النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن مظعون على التبتل وسماه رهبنة.

ولم يقر الصحابة الذين سألوا عن عبادةِ النبي صلى الله عليه وسلم فلما أخبروا به، كأنهم تقالوه، فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم؟ قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا؛ فأنا أصلي الليل أبد، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبد، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: {أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟! أما والله؛ إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي؛ فليس مني}(20).

يقول عبد الفتاح أبو غدة، بعد ذكره لقصة خبيب بن عدي: (قال العلامة القسطلاني في "إرشاد الساري" (5/165): "وإنما صار فعل خبيب سنةً، لأنه فعل ذلك في حياة الشارع واستحسنه".

وقال أيضًا (5/261): "وإنما صار ذلك سنةً، لأنه فعل في حياته فاستحسنه وأقره".

وقال أيضًا (6/314): "واستشكل قوله: "أول من سن"، إذ السنة إنما هي أقوال رسول الله وأفعاله وأحواله، وأجيب بأنه فعلهما في حياته واستحسنهما" انتهى كلام القسطلاني.

ثم قال أبو غدة: وواضح من حديث أبي هريرة وقصة قتل خبيب فيه: "أن لفظ (السنة) ولفظَ (سن) معناه: الفعل المشروع المتبوع في الدين، وعلى هذا فلا يصح لمتفقهٍ أن يستدل على سنية صلاة الركعتين عند القتل، بأن الحديث جاء فيه لفظ "سن"، فتكون صلاتهما سنةً مستحبةً، لأن حكم السنية لصلاة ركعتين هنا استفيد من دليلٍ آخر خارج لفظ "سن" بلا ريب وهو إقرار الرسول لفعله)(21).

وعلى ما سبق، فإن ما أحدثه بعض الصحابة من أمور تعبدية إنما أصبح سنة بإقرار الرسول صلى الله عليه وسلم لا بمجرد فعل الصحابة.

والخلاصة: أن أما ما جاء عن الصحابة رضي الله عنهم من فعلهم بعض العبادات التي لم تشرع من قبل، الجواب عنه من وجوه:

الأول: أن الدين لم يكمل وقتئذ.

الثاني: أن ما فعلوا في هذا الحين يعتبر اجتهادا منهم، وقد انقطع بورود النص ولا اجتهاد مع النص.

الثالث: أن حسن ما فعلوا أو قبحه موقف في أمر النبي صلى الله عليه وسلم، فإن أجاز لبعضهم فقد منع عن بعض أخرين

الرابع: أن من سنته الإقرار ولا يكون إلا لفعل الصحابة فإن وافق فعلهم مراد الشرع أقر لهم وإلا فلا؛ وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم انقطع بموته.

الشبهة السابعة: تقسيم البدع إلى حسنة وقبيحة، ليس بمحدث، وإنما قال به علماء أجلاء، منهم: الإمام الشافعي، والعز بن عبد السلام والسيوطي، وغيرهم.

الجواب:

إن تقسيم البدع إلى حسنة وقبيحة، تقسيم لا مستند له في الشرع، وكيف يكون له أصل وهو ينافي صريح القرآن وصحيح الأحاديث؟!، وذلك كما في الأدلة التي سبق أن ذكرناها في تحريم البدع والابتداع في الدين.

فتلك الأدلة الصحيحة جاءت كلها بذم البدع مطلقًا، ولم تقسم البدع إلى بدع حسنة مستحبة و إلى بدع سيئة مكروهة.

ويبقى أن كلام هؤلاء الأعلام، إن ثبت عنهم، يحتمل التأويل(22)، كما يحتمل الخطأ، وكل يؤخذ من قوله ويرد عليه إلا المعصوم، وكلام الناس يحتج له لا به.

فقول الشافعي إن صح لا يصح أن يكون معارضًا أو مخصصًا لعموم حديث رسول الله. والشافعي نفسه - رحمه الله - نقل عنه أصحابه أن قول الصحابي إذا انفرد ليس حجة، ولا يجب على من بعده تقليده، ومع كون ما نسب إلى الإمام الشافعي فيه نظر بدليل ما في "الرسالة "‏(23)، فكيف يكون قول الشافعي حجة، وقول الصحابي ليس بحجة؟

وكيف يقول الشافعي رحمه الله بالبدعة الحسنة وهو القائل: "من استحسن فقد شرع". والقائل في "الرسالة": "إنما الاستحسان تلذذ". وعقد فصلًا في كتابه "الأم"‏ بعنوان: "إبطال الاستحسان"(24).

لذلك؛ من أراد أن يفسر كلام الشافعي- رحمه الله - فليفعل ضمن قواعد وأصول الشافعي، وهذا يقتضي أن يفهم أصوله، وهذا الأمر مشهود في كل العلوم، فمن جهل اصطلاحات أربابها جهل معنى أقاويلهم، وأبعد النجعة في تفسيرها.

إن المتأمل في كلام الشافعي- رحمه الله - لا يشك أنه قصد بالبدعة المحمودة البدعة في اللغة، وهذا واضح في احتجاج الشافعي- رحمه الله - بقول عمر رضي الله عنه، وعلى هذا الأصل يفسر كلام الشافعي، وأنه أراد ما أراده عمر بن الخطاب أي: البدعة اللغوية لا الشرعية؛ فإنها كلها ضلالة؛ لأنها تخالف الكتاب، والسنة، والإجماع، والأثر.

ثانيا: أن هذا - أي بذم البدع مطلقًا - هو ما فهمه الصحابة رضي الله عنهم؛ كما ذكرناه في قول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال:" كل بدعةٍ ضلالة وإن رآها الناس حسنة". وقال عبد الله بن مسعود: "أيها الناس! إنكم ستحدثون ويحدث لكم، فإذا رأيتم محدثة؛ فعليكم بالأمرِ الأول".

فكلاهما أخذ معنى (البدعة) على عمومه، دون تفريق بين ما يسمى بدعة حسنة أو بدعة سيئة! وهو الذي لا ينبغي سواه.

وقد أجمع السلف الصالح على ذمها وتقبيحها والهروب عنها وعمن اتسم بشيء منها، ولم يقع منهم في ذلك توقف ولا استثناء، فهو - بحسب الاستقراء - إجماع ثابت يدل دلالة واضحة على أن البدع كلها سيئة ليس فيها شيء حسن).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (إن المحافظة على عموم قول النبي: كل بدعةٍ ضلالة‏‏ متعين وأنه يجب العمل بعمومه)(25).

ثالثا: أن معرفة البدعة المدعى حسنها متعذرة، لأن الأمر قد يكون ظـاهره طاعة وهو معصية وقد يكون الأمر بالعكس وقد يحسن كثير من العقول بمجر دها أن تصلي الظهر خمسًا عند النشاط والرغبة في مناجاة الله ويحسن أن تصلي ركعة عند التعب والإعياء وتراكم الأشغال وهكذا يقال في سائر الفروض.

فيقال لمحسني البدع أنتم في حاجة شديدة أن تميزوا البدعة الحسنة من القبيحة، ونحن على اتفاق أنه ليس كل ما ظـاهره طـاعة يكون في الواقع طـاعة، ولا كل ما ظـاهره معصية يكون في الواقع معصية، وغـاية الأمر أن يكون هذا المحدث المبتدع دائرًا بين أن يكون حسنا مثابا عليه، وأن يكون قبيحًا معاقبًا عليه، وإذا كان كذلك فلا يجوز أن تدعوا أنه من القسم الأول إلا بدليل خارج، والدليل إذا كان من الكتاب؛ أو السنة الصحيحة؛ أو الإجماع؛ فما هو من البدعة، فظهر أن القول بالبدعة الحسنة باطل لتعذر معرفتها.

وسر البرهان أننا نقول لمن أشار إلى عمل محدث وقال هذه بدعة حسنة: من أين عرفت أنها حسنة ولعلها قبيحة؟

وكم نشاهد من الأعمال ما نظنه حسنًا وهو قبيح، فمثلًا ما يدريك لولا ما جاء في "صحيح مسلم "عن عقبة بن عامر أنه قال: ( ثلاث ساعاتٍ كان رسول الله ينهانا أن نصلي فيهن، أو أن نقبر فيهن موتانا؛ حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب i أن الصلاة بعد صلاة الفجر وقبل غروب الشمس وفي وقت الظهيرة غير جائزة؟

وما يدريك لولا ما جاء في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "أول ما فرضت الصلاة ركعتين، فأقرت صلاة السفر و أتمت صلاة الحضر" أن إتمام الصلاة في السفر غير جائز، وأن الفاعل لذلك معذب؟. وقد قال بتعذيبه كثير من العلماء.

وما يدريك لولا قول الرسول بعد أن توضأ ثلاثًا ثلاثًا: (هكذا الوضوء، فمن زاد علَى هذا فقد أساء وظلم ( أن الزيادة في الوضوء كأن يغسل المتوضئ خمسًا لا تجوز.

وما يدريك لولا ما جاء في صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله قال: (ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجداi أن قراءة القرآن في الركوع والسجود غير جائزة بل مكروهة؛ والإمام أبو حنيفة قائل بذلك؟ وكثير في الشريعة ما نظنه طاعة يثاب عليه وهو معصية يعاقب عليه وكذلك العكس).

رابعا: أن كثيرًا من الذين قالوا بالبدع الحسنة قد أنكروا أعمالا في ظاهرها الحسن، بل إنك لتجد أحد العلماء يقول في بدعة ما أنها حسنة تجد عالمًا آخر وهو ممن يقول بالبدع الحسنة ينكرها أشد الإنكار(26).

خامسا: يستلزم من القول بالبدع الحسنة لوازم سيئة جدا:

أحدها: أن تكون هذه البدع المستحبة - حسب زعمهم - من الدين الذي أكمله الله لعباده ورضيه لهم.

وهذا معلوم البطلان بالضرورة، لأن الله تعالى لم يأمر عباده بتلك البدع، ولم يأمر بها رسول الله، ولم يفعلها ولا فعلها أحد من الخلفاء الراشدين ولا غيرهم من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان، وعلى هذا فمن زعم أنه توجد بدع حسنة في الدين فقد قال على الله وعلى كتابه وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم بغير علم.

الثاني: أن يكون النبي وأصحابه رضي الله عنهم قد تركوا العمل بسنن حسنة مباركة محمودة، وهذا مما ينزه عنه رسول الله، وأصحابه رضي الله عنهم.

الثالث: أن يكون القائمون بالبدع الحسنة المزعومة قد حصل لهم العمل بسنة حسنة مباركة محمودة لم تحصل للنبي، ولا لأصحابه رضي الله عنهم، وهذا لا يقوله من له أدنى مسكة من عقل و دين(27).

الشبهة الثامنة: الاستدلال بالأدلة العامة الآمرة بفعل الخير والتزود من الطاعات والمجازاة على النيات، مثل قوله تعالى: (وافعلوا الخير لعلكم تفلحون)، (وسارعوا إلى مفغرة من ربكم)، "إنما الأعمال بالنيات"، ونحو ذلك.

الجواب:

قال الإمام الشاطبي ردًا على من يستدل بالأدلة العامة على خلاف فهم السلف والدعاء إلى العمل به على غير الوجه الذي مضوا عليه في العمل به ما ملخصه: "لو كان دليلًا عليه؛ لم يعزب عن فهم الصحابة والتابعين ثم يفهمه هؤلاء، فعمل الأولين كيف كان مصادم لمقتضى هذا المفهوم ومعارِض له، ولو كان ترك العمل.

فما عمل به المتأخرون من هذا القسم مخالف لإجماعِ الأولين، وكل من خالف الإجماع؛ فهو مخطئ، وأمة محمد لا تجتمع على ضلالةٍ، فما كانوا عليه من فعلٍ أو تركٍ؛ فهو السنة والأمر المعتبر، وهو الهدى، وليس ثم إلاَ صواب أو خطأ فكل من خالف السلف الأولين؛ فهو على خطأ، وهذا كافٍ …

ومن هنالك لم يسمع أهل السنة دعوى الرافضة: أن النبي نص على علي أنه الخليفة بعده؛ لأن عمل كافة الصحابة على خلافه دليل على بطلانه أو عدمِ اعتباره؛ لأن الصحابة لا تجتمع على خطأ.

وكثيرًا ما تجد أهل البدعِ والضلالة يستدلون بالكتاب والسنة؛ يحملونهما مذاهبهم، ويغبرون بمشتبهاتهما على العامة، ويظَنون أنهم على شيء"(28).

ثم قال: "فلهذا كله؛ يجب على كل ناظر في الدليل الشرعي مراعاة ما فهم منه الأولون، وما كانوا عليه في العمل به؛ فهو أحرى بالصواب، وأقوم في العلم والعمل"(29).

وقال الإمام الحافظ ابن عبد الهادي رحمه الله: (ولا يجوز إحداث تأويل في آيةٍ أو سنةٍ لم يكن على عهد السلف ولا عرفوه ولا بينوه للأمة؛ فإن هذا يتضمن أنهم جهِلوا الحق في هذا، وضلوا عنه، واهتدى إليه هذا المعترض المستأخر)(30) اهـ.

وقال الإمام ابن القيم - رحمه الله - "إن إحداث القول في تفسير كتاب الله الذي كان السلف والأئمة على خلافه يستلزم أحد أمرين: إما أن يكون خطأ في نفسه، أو تكون أقوال السلف المخالفة له خطأ ولا يشك عاقل أنه أولى بالغلط والخطأ من قول السلَف "(31).

فإذا وضحت هذه القاعدة ظهر لك أي الفريقين أهدى في المثال الذي صدرنا لك الكلام به! إذ ذاك الدليل العام لم يجرِ عليه عمل السلف رضي الله عنهم أو فهمهم؛ استدلالًا به على الجماعة في غيرِ الوارد؛ كالفرائض أو التراويح ونحوهما. فهو جرى- إذًا - على جزءٍ من أجزاء عمومه لا على جميع أجزائه.

ومثال تطبيقي على ذلك: عن مجاهد؛ قال:" كنت مع ابن عمر، فثوب رجل في الظهرِ أو العصر، فقال: اخرج بنا؛ فإن هذه بدعة" ‏! و"‏معنى التثويب: هؤلاء الَذين يقومون على أبواب المساجد، فينادون: الصلاة؛ الصلاة"‏(32).

فلو جاء أحد قائلًا: هل من ضيرٍ على من ذكر بالصلاة والله يقول: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ - الذريات:55؟!

لما قبل قوله، بل رد عليه فهمه، إذ لم يفهم السلف رضي الله عنهم من هذه الآية هذا الإطلاق وهذا العموم، ومعلوم عن ابن عمر رضي الله عنهما شدة اتباعه، ودقة التزامه.

ومثال آخر وقد مر معنا فيما سبق: وهو ما رواه الترمذي، والحاكم وغيرهما عن نافع أن رجلًا عطس إلى جنب ابن عمر رضي الله عنهما، فقال: الحمد لله، والسلام على رسوله قال ابن عمر: "وأنا أقول: الحمد لله والسلام على رسول الله وليس هكذا علمنا رسول الله، علمنا أن نقول: الحمد لله على كل حالٍ "‏ فقد أنكر ابن عمر رضي الله عنهما على هذا الرجل مع أن عموم قولِ الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)- الأحزاب:56 تدخل فيه تلك الصلاة ولكن، ما هكذا فهمها الصحابة فمن بعدهم وما هكذا طبقها السلف الصالح رضي الله عنهم، وفهمهم أولى، ومرتبتهم أعلى.

ورحم الله الإمام الأوزاعي حيث قال: "اصبر نفسك على السنة، وقف حيث وقف القوم، وقل بما قالوا، وكف عما كفوا عنه، واسلك سبيل سلفك الصالح؛ فإنه يسعك ما وسعهم".

وعليه نقول: "الحذر الحذر من مخالفة الأولين! فلو كان ثَمَّ فضل ما؛ لكان الأولون أحق به، والله المستعان")(33).

الشبهة التاسعة: يقول البعض: إن ترك الرسول للفعل لا يدل على التحريم إلا إذا جاء في ذلك دليل صريح، فكيف يحتج على إنكار البدع الحسنة، بحجة أن الرسول لم يفعل ذلك؟!!

الجواب:

أولًا: أن الله تعالى قال فيما امتن به على عباده: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِينًا) المائدة:3 ، وفي هذه الآية دليل على أنه لا يجوز إحداث البدع لأنها ليست من الدين الذي أكمله الله تعالى لهذه الأمة في حياة نبيها ورضيه لهم.

ثانيًا: أن رسول الله قال: ‏"إن بني إسرائيل تفرقت على ثنتتن وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاثٍ وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدةً i قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي"(34).

وهذا الحديث يدل على أن إحداث البدع لا يجوز لأنها من الأعمال التي لم يكن عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم).

ثالثًا: "من المقرر عند ذوي التحقيق من أهل العلم أن كل عبادةٍ مزعومةٍ لم يشرعها لنا رسول الله بقوله، ولم يتقرب هو بها إلى الله بفعله، فهي مخالفة لسنته. لأن السنة على قسمين: سنة فعلية، وسنة تركية. فما تركه من تلك العبادات؛ فمن السنة تركها. ألا ترى مَثلًا أن الأذان للعيدين ولدفن الميت مع كونه ذكرًا وتعظيمًا لله عز وجل لم يجز التقرب به إلى الله عز وجل، وما ذاك إلا لكونه سنة تركها رسول الله.

وقد فهم هذا المعنى أصحابه، فكثر عنهم التحذير من البدع تحذيرًا عامًا؛ كما هو مذكور في موضعه"‏.

ذلك، وأصل قاعدة (السنة التركية) مأخوذ من عدة أدلةٍ؛ منها: حديث الثلاثة نفر الذين جاؤوا إلى أزواج رسول الله يسألون عن عبادة الرسول … الخ، وقد ذكرناه فيما سبق.

فقد أنكر الرسول عليهم، ورد فعلهم، مع أن أصل العبادات التي أرادوا القيام بها مشروعة، ولكن لما كانت الكيفية والصفة التي قام بها هؤلاء الثلاثةُ في هذه العبادات (متروكةً) في تطبيق رسول الله وغير واردةٍ فيه، أنكر ذلك عليهم.

فهذه ترجمة عملية منه لقوله: من عمل عملًا ليس عليه أمرنا (ولم يقل من عمل عملًا عليه نهينا) فهو رد. فهذا عمل مشروع الأصل، لكن ليس عليه أمر النبي وهديه، فهو مردودٌ على صاحبه، غير مقبول منه.

وخلاصة القول: "إن الترك - مع حرصه عليه السلام على إحراز فضيلة النفل - دليل الكراهة" ‏كما قاله الإمام العيني(35).

ومن أمثلة ذلك: ما سبقت الإشارة إليه في أول هذا المبحث: الأذان لصلاة العيد: فالأذان مشروع في أصله، لكن لم يفعله رسول الله ولا أصحابه، وتركوه، فتركهم له سنة يجب اتباعهم فيها. وكذا الأذان للاستسقاء والجنازة ونحوهما. فمن فعل من التعبديات والقربات ما تركوه؛ فقد واقع البدعة، وتلبس بها.

قال الحافظ ابن رجب: "... فأما ما اتفق السلف على تركه؛ فلا يجوز العمل به؛ لأنهم ما تركوه إلا على علم أنه لا يعمل به"(36). فتمام اتباع السنة يكون بترك ما وَرَدَ تركه، وفعل ما وَرَدَ فعله، وإلا فباب البدعة يفتح؛ عياذًا بالله تعالى.

ولابن القيم - رحمه الله - تفصيل بديع ماتع فيما نقله الصحابة رضي الله عنهم لتركه؛ قال رحمه الله :"أما نقلهم لتركه؛ فهو نوعان، وكلاهما سنة: أحدهما: تصريحهم بأنه ترك كذا وكذا ولم يفعله؛ كقوله في شهداء أحد: "ولم يغسلهم، ولم يصل عليهم"؛ وقوله في صلاة العيد: "لم يكن أذان، ولا إقامة، ولا نداء"، وقوله في جمعه صلى الله عليه وسلم بين الصلاتين: "ولم يسبح بينهما ولا على إثر واحدةٍ منهم"‏... ونظائره. والثاني: عدم نقلهم لما لو فعله؛ لتوفرت هممهم ودواعيهم، أو أكثرهم أو واحد منهم، على نقله، فحيث لم ينقله واحدٌ منهم ألبتة، ولا حدث به في مجمعٍ أبدًا؛ عُلم أنه لم يكن…".

ثم ذكر رحمه الله عدة أمثلةٍ على ذلك منها: تركه التلفظ بالنية عند دخول الصلاة، وترك الدعاء بعد الصلاة على هيئة الاجتماع … وغير ذلك، ثم قال: "… ومن ها هنا يعلم أن القول باستحباب ذلك خلاف السنة؛ فإن تركه سنة كما أن فعله سنة، فإذا استحببنا فعل ما تركه؛ كان نظير استحبابنا ترك ما فعله، ولا فرق ")(37).

_________________

(1) روى الإمام مسلم من حديث جرير بنِ عبد الله رضي الله عنه قال:" كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر النهار؛ قال: فجاءه قوم حفاةً عراة مجتابي النمار أو العباء متقلدي السيوف. عامتهم من مضر، بل كلهم من مضر. فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلملما رأَى بهم من الفاقة. فدخل ثم خرج. فأمر بلالا فأذن وأقام فصلى ثم خطب فقال: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ [النساء:1[ إلى آخر الآية ] إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا[ والآية الَتي في الحشر:]اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ[ ]الحشر:18[ تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره، حتى قال: ( ولو بشق تمرةٍ، قال: "فجاء رجل من الأنصار بصرةٍ كادت كفه تعجز عنها بل قد عجزت. قال: ثم تتابع الناس. حتى رأيت كومين من طعام وثياب. حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل كأنه مذهبة، فقال رسول الله: من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها، وأجر من عمل بها بعده من غيرِ أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنَة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده. من غير أن ينقص من أوزارهم شيء.

(2) ومن ذلك ما ذكره الشاطبي - رحمه الله، حيث يقول: "ليس المراد بالحديث: الاستنان بمعنى الاختراع، وإنما المراد به العمل بما ثبت بالسنة النبوية، وذلك لوجهين:

أحدهما: أن السبب الذي جاء لأجله الحديث هو الصدقة المشروعة؛ بدليل ما في "صحيح مسلم" ... ووجه ذلك: (أن كل ما فعله الأنصاري إنما هو ابتداؤه بالصدقة في تلك الحادثة، والصدقة مشروعة من قبل بالنص أفترون هذا الصحابي أتى ببدعة حسنة؟!. وحث عليها - أي على الصدقة - الرسول صلى الله عليه وسلم في القصة نفسها. وعليه فالسنة الحسنة هي إحياء أمر مشروع لم يعهد العمل به بين الناس لتركهم السنن).

(ويدل على هذا حديث: من أحيا سنة من سنتي فعمل بها الناس؛ كان له مثل أجر من عمل بها لا ينقص من أجورهم شيئًا، ومن ابتدع بدعة فعمل بها، كان عليه أوزار من عمل بها لا ينقص من أوزار من عمل بها شيئًاi رواه ابن ماجه).

مع ملاحظة أن النبي صلى الله عليه وسلم أضاف السنة إليه فقال: من سنتي i بينما أطلق الكلام في البدعة فقال: ومن ابتدع بدعة، ولم يقل بدعة سيئة.

الوجه الثاني: أن قوله: من سن في الإسلام سنةً حسنةً ومن سن في الإسلام سنةً سيئةً i لا يمكن حمله على الاختراع من أصلٍ؛ لأن كونها حسنةً أو سيئةً لا يعرف إلا من جهة الشرع؛ لأن التحسين والتقبيح مختص بالشرع، لا مدخل للعقل فيه وهو مذهب جماعة أهل السنة، وإنما يقول به المبتدعة - أعني: التحسين والتقبيح بالعقل.

فلزم أن تكون "السنة" في الحديث: إما حسنةً في الشرع، وإما قبيحةً بالشرعِ، فلا يصدق إلا على مثل الصدقة المذكورة وما أشبهها من السنن المشروعة.

وتبقى السنة السيئة منزلةً على المعاصي التي ثبت بالشرعِ كونها معاصي؛ كالقتل المنبه عليه في حديث ابن آدم، حيث قال صلى الله عليه وسلمكما في صحيح البخاري ومسلم:P لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها، لأنه أول من سن القتل  ( وعلى البدع، لأنه قد ثبت ذمها والنهي عنها بالشرع‏).

(3) قال الزيلعي في "نصب الراية" (4/133) نقلًا من "اللمع" للسحيباني (ص28): "غريب مرفوعا، ولم أجده إلا موقوفا على ابن مسعود" . وقال ابن الجوزي في "الواهيات" (رقم452):"هذا الحديث إنما يعرف من كلام ابن مسعودٍ". وقال ابن عبد الهادي كما في "كشف الخفاء" للعجلوني (2/188): "(وروي) مرفوعًا عن أنس بإسنادٍ ساقطٍ، والأصح وقفه على ابن مسعودٍ". وقال ابن القيم في "الفروسية" (ص61):"ليس من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يضيفه إلى كلامه من لا علم له بالحديث، وإنما هو ثابت عن ابن مسعودٍ")( 1 ). وقال الألباني في "السلسلة الضعيفة" (2/17):"لا أصل له مرفوعًا، وإنما ورد موقوفًا على ابن مسعود".

(4) "السلسة الضعيفة"‏ (2/17).

(5) وهو مروي عن الصحابة: أنس بن مالك وأبي هريرة وأبي الدرداء وجابر وأبي سعيد الخدري.

(6) أخرجه أحمد (1/379).

(7) انظر: سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة (2/ 18).  ومما يؤكد ما ذكرناه، ويزيده وضوحًا الأمور التالية:1 - أنه قد بوب له جماعةٌ من أهل الحديث في "باب الإجماع" .2 - استدل به كثير من العلماء على الإجماع: فقال ابن كثير: "وهذا الأثر فيه حكايةُ إجماعٍ عن الصحابة في تقديم الصديق، والأمر كما قاله ابن مسعودٍ. وقال ابن القيم في الفروسية (ص60) بعد إيراده، ردًا على المستدلين به: "في هذا الأثر دليل على أن ما أجمع عليه المسلمون ورأوه حسنًا؛ فهو عند الله حسن، لا ما رآه بعضهم! فهو حجة عليكم". وقال ابن قدامة في "روضة الناظر"(ص86): "الخبر دليل على أن الإجماع حجة، ولا خلف فيه".

وقال الشاطبي في "الاعتصام" (2/655):(إن ظاهره يدل على أن ما رآه المسلمون بجملتهم حسنًا؛ فهو حسنٌ، والأمة لا تجتمع على باطلٍ، فاجتماعهم على حسن شيءٍ يدل على حسنه شرعًا؛ لأن الإجماع يتضمن دليلًا شرعيًا"). وقال الإمام ابن حزم في "الإحكام في أصول الأحكام" (6/197): بعد ان ذكر اثر ابن مسعود رضي الله عنه:(فهذا هو الإجماع الذي لا يجوز خلافه لو تيقن، وليس ما رآه بعض المسلمين أولى بالاتباع مما رآه غيرهم من المسلمين، ولو كان ذلك لكنا مأمورين بالشيء وضده، وبفعل شيء وتركه معًا، وهذا محال لا سبيل إليه) اهـ. وقال العز بن عبد السلام في "فتاوى العز بن عبد السلام"(ص379): "إن صح الحديث عن رسول الله ، فالمراد بالمسلمين أهل الإجماع" اهـ. وعلى ما سبق، نقول لمن استدل بهذا الأثر على أن هناك بدعة حسنة: هل تستطيع أن تأتي ببدعة واحدة أجمع المسلمون على حسنها؟!! إن هذا من المستحيل ولا شك، فليس هناك بدعة أجمع المسلمون على حسنها ولله الحمد.

(8) ولذلك استدل البعض بالحديث على قاعدة اعتبار العرف والعادة، وهذه الأخيرة صحيحة بضوابطها المقررة، لكن الاحتجاج بالحديث على تقرير ذلك فيه نظر والله أعلم (انظر العرف والعمل في المذهب المالكي 59 فما بعدها). انظر: البراهين على ألا بدعة حسنة في الدين، (أبو معاذ السلفي)، منتدى السنة الصحيحة وعلومها.(نت).

(9) رواه الدارمي في سننه (211). وانظر: الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة 1/ 551).

(10) البراهين على ألا بدعة حسنة في الدين.(نت).

(11) رواه أبو داود (1375)، الترمذي (806)، النسائي (1364)، ابن ماجه (1327)، وصححه الألباني في الإرواء (447).

(12) عند تفسير الآية (117) من سورة البقرة

(13) جامع العلوم والحكم (ص233).

(14) اقتضاء الصراط المستقيم (2/95)، والخلاصة: أن غاية ما في هذا تسمية عمر تلك بدعةً، مع حسنها، وهذه تسمية لغوية لا تسمية شرعية، وذلك أن البدعة في اللغة تعم كل ما فعل ابتداءً من غير مثالٍ سابقٍ، وأما البدعة الشرعية؛ فما لم يدل عليه دليل شرعي. فالمراد بقول عمر ذلك البدعة اللغوية لا البدعة الشرعية؛ لأن عمر قال ذلك بمناسبة جمعه الناس على إمام واحد في صلاة التراويح، وصلاة التراويح جماعة قد شرعها الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ حيث صلاها بأصحابه ليالي، ثم تخلف عنهم خشية أن تفرض عليهم[انظر: "صحيح البخاري" (2/252) من حديث عائشة رضي الله عنها، وبقي الناس يصلونها فرادى وجماعات متفرقة، فجمعهم عمر على إمام واحد كما كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الليالي التي صلاها بهم، فأحيا عمر تلك السنة، فيكون قد أعاد شيئًا قد انقطع، فيعتبر فعله هذا بدعة لغوية لا شرعية؛ لأن البدعة الشرعية محرمة، لا يمكن لعمر ولا لغيره أن يفعلها، وهم يعلمون تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من البدع. انظر: البراهين على ألا بدعة حسنة في الدين.

(15) رواه أحمد (17144)، أبو داود (4607). وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (6/ 526) ح (2735).

(16) تفسير القرطبي (18/100).

(17) الأم (1/224).

(18) اقتضاء الصراط المستقيم (2/101).

(19) ‏‏رواه البخاري (2710)، مسلم (247).

(20) رواه البخاري. وسبق تخريجه.

(21) البدعة الشرعية، على موقع المكتبة الشاملة.

(22) الإمام الشافعي أو غيره من اهل السنة يقصدون البدعة في اللغة، وليس الإحداث في الدين، ويدل على هذا أن الإمام الشافعي نفسه يقول: "وهذا يدل على أنه ليس لأحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول إلا بالاستدلال، إلى أن قال: ولا يقول بما استحسن، فإن القول بما استحسن شيء يحدثه لا على مثال سبق". (الرسالة 504). وفي هذا يقول ابن رجب: "فكل من أحدث شيئًا ونسبه إلى الدين، ولم يكن له أصل من الدين يرجع إليه، فهو ضلالة والدين بريء منه، وسواء في ذلك مسائل الاعتقادات أو الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة، وأما ما وقع في كلام السلف من استحسان بعض البدع، فإنما ذلك في البدع اللغوية لا الشرعية. فمن ذلك قول عمر رضي الله عنه لمّا جمع الناس في قيام رمضان على إمام واحد في المسجد، وخرج ورآهم يصلون كذلك، فقال: "نعمت البدعة هذه ". (جامع العلوم والحكم ص 252). وقال الشاطبي في معرض رده على المستحسن للبدع بقول عمر رضي الله عنه، فقال: "إنما سماها بدعة باعتبار ظاهر الحال من حيث تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتفق أن لم تقع في زمان أبي بكر رضي الله عنه، لأنها بدعة في المعنى" (الاعتصام 1/195. ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "كل ما لم يشرع من الدين فهو ضلالة، وما سمي بدعة، وثبت حسنه، بأدلة الشرع فأحد الأمرين فيه لازم، إما أن يقال ليس ببدعة في الدين، وإن كان يسمى بدعة من حيث اللغة كما قال نعمت البدعة هذه". (مجموع الفتاوى 10/471 ـ 22/ 234).

وكيف يذهب هؤلاء السادة العلماء إلى ما ذهب إليه المتأخرين، وهؤلاء العلماء كان عندهم قاعدة أن الأصل فى العبادات الحظر والمنع، والمتقرر عند أهل السنة والجماعة أن العقول لا تستقل بإدراك المشروع على وجه التفصيل ولذلك احتاجت البشرية إلى إرسال الرسل وإنزال الكتب، حتى يعرفوا الناس بشرائعهم العقدية والعملية علـى وجــه التفصيـل فبعث الله الرسل وأنزل الكتب، ولولا الله ثم الرسل لما عرفت البشرية ما يجوز التعبد به لله، وما لا يجوز على التفصيل أبدًا، والشريعة لا تتلقى إلا من قبل الرسول، فلا يجوز التعبد لله إلا بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فلا يجوز لأحدٍ أن يخترع من عند نفسه قولًا أو فعلًا ويقول هذا عبادة ، فالعبادة لا تثبت إلا بدليل شرعي، ولا تدخل للعقل في تأسيسها أبدًا فالحلال ما أحله الله ورسوله، والحرام ما حرمه الله ورسوله، والدين ما شرعه الله ورسوله، فمن ادعى في فعل أو قولٍ أنه عبادة طالبناه بالدليل المثبت لها، فلا تتلقى العبادات إلا من قبل الشرع، وبذلك تعلم حقيقة العبادة وحقيقة البدعة. انظر: الرد على شبهات من قسم البدعة إلى حسنة وسيئة/ نت.

(23) للشافعي (ص597- 598).

(24) انظر الرسالة: (ص507)، الأم‏ (7/293- 304).

(25) "مجموع الفتاوى" (10/370).

(26) والأمثلة على ذلك كثيرة، منها:1- العز بن عبد السلام وهو من أشهر من قال بتقسيم البدع إلى بدع حسنة وبدع سيئة يقول في كتاب الفتاوى (ص392): (ولا يستحب رفع اليد في القنوت كما لا ترفع في دعاء الفاتحة، ولا في الدعاء بين السجدتين، ولم يصح في ذلك حديث، وكذلك لا ترفع اليدان في دعاء التشهد؛ ولا يستحب رفع اليدين في الدعاء إلا في المواطن التي رفع فيها رسول الله صلى الله عليه وسلميديه، ولا يمسح وجهه بيديه عقيب الدعاء إلا جاهل، ولم تصح الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلمفي القنوت، ولا ينبغي أن يزاد على صلاة رسول الله في القنوت بشيء ولا ينقص) اهـ. وقال في "الترغيب عن صلاة الرغائب الموضوعة"(ص7- 8): (فإن الشريعة لم ترِد بالتقرب إلى الله تعالى بسجدةٍ منفردةٍ لا سبب لها، فإن القرب لها أسباب، وشرائط، وأوقات، وأركان، لا تصح بدونها. فكما لا يتقرب إلى الله تعالى بالوقوف بعرفة ومزدلفة ورمي الجمار، والسعي بين الصفا والمروة من غير نسكٍ واقعٍ في وقته بأسبابه وشرائطه؛ فكذلك لا يتقرب إليه بسجدةٍ منفردةٍ، وإن كانت قربةً، إذا لم يكن لها سبب صحيح. وكذلك لا يتقرب إلى الله عز وجل بالصلاة والصيام في كل وقتٍ وأوانٍ، وربما تقرب الجاهلون إلى الله تعالى بما هو مبعد عنه، من حيث لا يشعرون) اهـ. وهذا الكلام صدر من العز بن عبد السلام - رحمه الله - أثناء إنكاره لصلاة الرغائب المبتدعة؛ وقد أنكر هذه الصلاة بالإضافة إلى العز بن عبد السلام كثير من العلماء القائلين بالبدعة الحسنة مثل الإمام النووي في "فتاوى الإمام النووي" (ص57) وعبد الله الغماري في "حسن البيان في ليلة النصف من شعبان"؛ مع العلم أن بعض العلماء قال باستحبابها مثل ابن الصلاح وأبو حامد الغزالي في "الإحياء" وأبو طالب المكي في "قوت القلوب" وعدوها من البدع الحسنة. وقال أيضًا العز بن عبد السلام كما في "فتاوى العز بن عبد السلام" (ص289): (ومن فعل طـاعة لله تعالى، ثم أهدى ثوابها إلى حي؛ أو ميت لم ينتقل ثوابها إليه إذ ] وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى[ ]النجم:39[ فإن شرع في الطاعة ناويًا أن يقع عن ميت لم يقع عنه إلا فيما استثناه الشرع كالصدقة: والصوم، والحج) انتهى كلامه، ومعروف أن كثيرًا من العلماء قالوا بجواز إهداء كثير من الطاعات للأموات وإن لم يرد دليل على ذلك وإنما قياسًا على ما ورد!. وقال أيضًا في (ص197- 199): (أما مسألة الدعاء فقد جاء في بعض الأحاديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عَلم بعض الناس الدعاء فقال في أوله:( قل اللهم إني أقسم عليك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة وهذا الحديث إن صح فينبغي أن يكون مقصورًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه سيد ولد آدم، وأن لا يقسم على الله تعالى بغيره من الأنبياء والملائكة والأولياء لأنهم ليسوا في درجته، وأن يكون هذا مما خُص به تنبيهًا على علو درجته ومرتبته) انتهى كلامه رحمه الله. وكثير ممن قلده في تقسيم البدع تجده يخالفه في هذه المسألة! فيقول بجواز الإقسام على الله بغير النبي صلى الله عليه وسلم مع العلم أن الراجح عدم جواز ذلك مطلقًا.

2- الإمام أبو شامة - رحمه الله - أنكر في "الباعث على إنكار البدع والحوادث" كثيرًا من بدع الجنائز مثل قول القائل أثناء حمل الجنازة: استغفروا له غفر الله لكم، كما أنكر أن يكون للجمعة سنة قبلية (ص258- 304)، وأنكر كذلك صلاة الرغائب (ص138- 196)، وأنكر كذلك صلاة ليلة النصف من شعبان (ص134- 138)، ومع كل ذلك قال (ص95) بأن الاحتفال بالمولد النبوي يعتبر بدعة حسنة!!.

3- وأما الإمام النووي - رحمه الله - وهو من القائلين بتقسيم البدع، فقد قال في"المجموع" (8/102):(قال الشيخ أبو محمد الجويني: رأيت الناس إذا فرغوا من السعي؛ صلوا ركعتين على المروة. قال: وذلك حسن، وزيادة طاعة، ولكن لم يثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذا كلام أبي محمد!! وقال أبو عمرو بن الصلاح: ينبغي أن يكره ذلك؛ لأنه ابتداء شعار، وقد قال الشافعي- رحمه الله -: ليس في السعي صلاة. ثم قال النووي - وهذا الذي قاله أبو عمرو أظهر، والله أعلم) اهـ.

وقال أيضًا في "الأذكار" (ص136): (قال الشافعي وأصحابنا رحمهم الله يكرهون الجلوس للتعزية؛ قالوا: يعني بالجلوس لها: أن يجتمع أهل الميت في بيتٍ ليقصدهم من أراد التعزية، بل ينبغي أن ينصرفوا في حوائجهم، ولا فرق بين الرجال والنساء في كراهة الجلوس لها.. الخ).

4 - وأما السيوطي- رحمه الله - فقد أنكر في كتابه "الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع" الصلاة في المساجد المبنية على القبور! وكذلك إيقاد السرج على القبور والمزارات (ص134) وأنكر صلاة الرغائب (ص166) وأنكر الاجتماع للعزاء (ص288) وأنكر التلفظ بالنية قبل الصلاة (ص295) وغير ذلك من البدع مع أنه قرر في كتابه هذا بأن البدع تنقسم إلى بدع حسنة وبدع سيئة!.

5 - محمد متولي الشعراوي المفسر المصري أنكر رفع الصوت بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان كما يفعله كثير من المؤذنين في كثير من البلاد الإسلامية فقد وجه إليه سؤال، كما في "الفتاوى"(ص487): (جرت العادة في معظم المساجد أن يؤذن المؤذن وعقب الانتهاء من الآذان يقول: الصلاة والسلام عليك يا سيدي يا رسول الله جهرًا، فهل الصلاة على الرسول جهرًا عقب الآذان هي من صلب الآذان أم أن هذه زيادة عما ورد نرجو الإفادة؟

ج: هذا حب لرسول الله ؛ لكن أنت تحبه بمشقة، هو قال: إذا سمعتم المؤذن وانتهى من اذانه فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي. وللمؤذن وللذي سمع نصلي عليه في سرنا، لكن المؤذن ليس له أن يوجد شيئًا بصوت الأذان الأصيل وبلهجة الأذان الأصلية؛ حتى لا يفهم الناس أن ذلك من صلب الأذان) انتهى كلامه، وفي المقابل نجده يقول بجواز الاحتفال بالمولد النبوي (ص544-545)!.

6 - أما حسنين محمد مخلوف مفتي الديار المصرية سابقًا فيقول بمشروعية رفع الصوت بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلممن قبل المؤذنين بعد الأذان في كتابه "فتاوى شرعية وبحوث إسلامية". (ص265-267)؛ مع أنه قال في (ص290) جوابًا على سؤال: هل في الشريعة الغراء صلاة تسمى صلاة الشكر؟: (لم يرد في الكتاب ولا في السنة نص يفيد مشروعية هذه الصلاة لا فرادى ولا جماعة. وأمر العبادات يقتصر فيه على ما ورد عن الشارع، ولا سبيل فيه إلى القياس، ولا مجال فيه للرأي، وإنما الذي أثر عن النبي السجود لله تعالى شكرا إذا أتاه ما يسره أو بُشر به.. الخ).

فظهر بهذه النقول أنه لا يوجد ضابط معين يميز بين البدعة الحسنة - المزعومة - والبدعة السيئة؛ حتى عند القائلين بهذا التقسيم، ولا يسلم الشخص من الوقوع في هذا الاضطراب إلا بمتابعة السنة وترك الابتداع في الدين قال عبد الله القصيمي في كتابه "شيوخ الأزهر والزيادة في الدين" (20- 21): (خاطبت يوما شيخًا من شيوخ الأزهر الذين يقولون: إن في الدين بدعة حسنة؛ قلت له: ما الفاصل بين البدعة الحسنة والبدعة القبيحة الذي يعتمد عليه المسلم فيأخذ الحسن ويترك القبيح؟ فامتقع لونه وقال (وليته ما قال): البدعة الحسنة هي الجائزة دينًا، والقبيحة هي الممنوعة دينًا! قلت له: ما صنعت شيئًا، بأي شيء نعرف الجائزة والممنوعة؟ وهو سؤالي. فامتقع أكثر وقال: الجائزة هي الحسنة، والممنوعة هي السيئة!! قلت له: هذا هو الدور الممنوع لدى المعممين كافة، إذ لا نعرف الحسن إلا بكونه حلالًا، ولا الحلال إلا بكونه حسنًا، ولا القبيح إلا بكونه حرامًا، ولا الحرام إلا بكونه قبيحًا. ثم نشط عقله من عقاله وقال: البدعة الحسنة التي لا ضرر فيها، والقبيحة هي ذات الضرر. قلت له: ما تقصد بالضرر؟ أتقصد ضرر الدنيا أم ضرر الدنيا والأخرى، أم ضرر الأخرى فحسب؟ إن قصدت الأول: فأي ضرر في أن نصلي الظهر خمسًا والمغـرب أربعًا والفجر ستًا وأن نجعل السجود في الصلاة قبل الركوع، والركوع قبل القيام، والقيام قبل الجلوس، والتشهد قبل الاستفتاح، وأن نصوم شعبان بدل رمضان إذا خفنا أن لا يدركنا رمضان أو يشغلنا شاغل، وأن نصوم في الليل؟ هل في واحدة من هؤلاء ضرر دنيوي تراه؟ لا ضرر سوى مخالفة الشرع. وإن قصدت الثاني والثالث فما العلامة أن هذه الحادثة فيها ضرر علينا في الدار الآخرة وعقاب لفاعليها؟ هذا وأنت من الذين ينفون التقبيح والتحسين العقليين، فانتهى هنا. والنهاية أن من لم يأخذ بظواهر هذه الأخبار تحير وقال أقوالًا باطلة). انظر: البراهين على ألا بدعة حسنة في الدين والرد على شبه المخالفين- جمع وإعداد/أبي معاذ السلفي. (نت)، وانظر: ملتقى أهل الحديث، تحت عنوان: تقسيم البدعة إلى خمسة أقسام.

(27) انظر: كشف البدع، والرد على (اللمع) – حوار هادئ مع الأستاذ محمد حسين.(نت).

(28) الموافقات (3/72).

(29) الموافقات (3/77).

(30) "الصارم المنكي في الرد على السبكي‏ (ص318).

(31) الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة (2/128).

(32) رواه أبو داود في سننه (رقم 538) بسند حسن.

(33) يستدل كثير من الناس بالنصوص العامة لتسويغ بدعهم، والتدليل على واقعهم! وهذا خطأ كبير، يناقض قاعدة مهمةً في علم الأصول، سيأتي تقريرها - بعد -. فمثلًا: لو أن عددًا من الناس قَدِموا مسجدًا للصلاة فيه، فما أن دخلوا؛ حتى اقترح أحدهم عليهم أن يصلوا تحية المسجد جماعة!! فجابهه بعض أصحابه بالإنكار والرد!! فاستدل عليهم المقترِح بحديث صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل()!! فافترقوا رأيين!! بعضهم وافق على هذا الاستدلال، والبعض الآخر خالف؛ لأن هذا الدليل إنما مورده في غير هذا المقام! فما هو القول الفصل؟ قال الإمام ابن تيمية في "مقدمة في أصول التفسير" (ص8-9): (يجب أن يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلمبين لأصحابه معاني القرآن كما بين لهم ألفاظه، فقوله تعالى:] وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ - النحل:44 يتناول هذا وهذا، وقد قال أبو عبد الرحمن السلمي حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن - كعثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما - أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلمنا القرآن و العلم جميعًا. ولهذا كانوا يبقون مدة في حفظ السورة. وقال أنس: كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جلَّ في أعيننا. وأقام ابن عمر على حفظ البقرة عدة سنين - قيل ثمان سنين - ذكره مالك. وذلك أن الله تعالى قال: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ). ص:29[وقال: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ) - النساء:82 وقال)أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْل)المؤمنون: 68[. وتدبر الكلام بدون فهم معانيه لا يمكن. وكذلك قال تعالى)إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)يوسف:2، وعقل الكلام متضمن لفهمه ومن المعلوم أن كل كلام فالمقصود منه فهم معانيه دون مجرد ألفاظه، فالقرآن أولى بذلك. وأيضًا فالعادة تمنع أن يقرأ قوم كتابًا في فن من العلم كالطب والحساب ولا يستشرحوه، فكيف بكلام الله الذي هو عصمتهم وبه نجاتهم وسعادتهم وقيام دينهم ودنياهم؟). انظر: البراهين على ألا بدعة حسنة في الدين والرد على شبه المخالفين- جمع وإعداد/أبي معاذ السلفي. (نت).

(34) رواه الترمذي. ت شاكر (5/ 26)، ح (2641)، وحسنه الألباني، كما في صحيح الجامع (2/ 944).

(35) إعلام أهل العصر، ‏للعظيم آبادي (ص95).

(36) انظر: فضل علم السلف (ص31).

(37) انظر: إعلام الموقعين عن رب العالمين (2/ 281)، وللشيخ العلامة الشنقيطي مبحثًا ماتعًا في أن الترك فعل؛ فهذا يؤكد أن الترك سنة‏، إذ تعريف السنة أنها: "ما وَرَدَ عن النبي صلى الله عليه وسلم من قولٍ أو فعلٍ أو تقريرٍ أو صفةٍ ". انظر: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (6/ 48)، وما بعده.