logo

تعدد الزوجات ..


بتاريخ : الأحد ، 13 رمضان ، 1442 الموافق 25 أبريل 2021
تعدد الزوجات ..

تمهيد:

الحمد لله الذي أباح لعباده الزواج مثنى وثلاث ورباع، والصلاة والسلام على خير من طبق هذا التشريع وأفضل من عدل فيه، أمّا بعد:

فإنّ الله لا يشرع شيئاً إلاّ وفيه الصلاح والنفع للخلق، ومن ذلك تعدد الزوجات، فقد شرعه الله عز وجل وأباحه لحكم باهرة وغايات نبيلة وأهداف سامية، تطهيراً للمجتمع من الفساد، وأماناً من القلق وحفظاً للحياة، كي تبقى سليمة من أدران الأمراض ونتن الفواحش والآثام، ذلك أن ّ زيادة عدد النساء بلا أزواج مدعاة لانتشار الفسق والفجور والفاقة والأمراض الجسمية والنفسية.

وليتصور كل واحد أخته أو ابنته فاتها قطار الزوجية لسبب من الأسباب، أو ليتصور حال تلك الأرملة أو المطلقة التي كان من قدر الله تعالى عليها أن تصبح كذلك فمن سيقدم على الزواج من تلك النساء، لولا أن الله شرع التعدد؟! هل سيقدم عليهن شاب في مقتبل عمره؟؟

ولتتصور كل زوجة نفسها مكان المرأة المحرومة التي لم تجد زوجاً لتعرف مدى المعاناة التي تعانيها تلك المرأة المحرومة!!

إنّ من الإنصاف والعدل والمساواة وتحكيم العقل أن تفكر المرأة في أختها من بني جنسها وفي مصيرها وواقعها المؤلم الذي تعيشه، وما فعلت ذنباً تستحق بموجبه هذه العقوبة القاسية وهي حرمانها من الزوج والعائل والولد، سوى أنّها كانت ضحية أختها المتزوجة وأنانيتها!!

فضلاً عن المخاطر والمفاسد التي قد تنشأ من بقائها بلا زوج ولا معيل إذ قد تضطرها الظروف وتلجئها الحاجة إلى ارتكاب الإثم والفاحشة فتهدر بذلك كرامتها وتضيع إنسانيتها وتبيع بعضها بأرخص الأثمان على مذبح الفاقة والحاجة؟!

لقد أباح التعدد لمصلحة المرأة في عدم حرمانها من الزواج، ولمصلحة الرجل بعدم تعطل منافعه، ولمصلحة الأمة بكثرة نسلها، فهو تشريع من حكيم خبير، لا يطعن فيه إلاّ من أعمى الله بصيرته بكفر أو نفاق أو عناد.

بل لا نعدو الحقيقة لو قلنا: إن التعدد إنما شرع لصالح المرأة قبل أن يكون لصالح الرجل، وليس فيه أدنى ظلم للمرأة كما يظنّه البعض، فالذي شرع التعدد هو الله سبحانه وتعالى الذي يقول في الحديث القدسي: «يا عبادي إنّي حرمت الظلم على نفسي وجعلته بنيكم محرماً فلا تظالموا».[1]

أيمكن أن يحرم الله الظلم ثم يبيح التعدد وفيه ظلم للمرأة؟ لا يمكن ذلك أبداً!

والتعدد من الناحية الكونية ضرورة؛ لأن الله قدّر بحكمته تعالى أن من علامات الساعة أن تكثر النساء ويقل الرجال حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد كما في صحيح البخاري، وهو أمر ملاحظ في الحياة وفي نسب المواليد، هذا من حيث أصل الخلقة، فضلا عن ارتفاع الفرق بعد ذلك بين الرجال والنساء بسبب موت الرجال في الحروب.

وإذا أضيف إلى ذلك عدد المطلقات والأرامل فيقينا أنه لو اقتصر كل رجل على امرأة واحدة ستبقى أعداد كبيرة من النساء بلا زواج!

فكان من رحمة الله بالمرأة أن شرع التعدد.

ولا يحس بهذا إلا من ابتليت بفقد زوجها واشتدت حاجتها إلى من يقوم عليها أو على أولادها أو هما معا.

ثم من النساء من تقوم حاجتها برجل متزوج أكثر من واحدة، بل قد تتضرر لو كان زوجها مقتصرا عليها، وهذا مشاهَد لمن له معرفة بالواقع.

وهو أيضا من رحمة الله بالرجل؛ لأن من الرجال من لا تكفيه امرأة واحدة حسيا أو معنويا أو لا تسعده، وهو لا يود طلاقها.

ونظرة في أحوال النصارى في مصر تبين مأساتهم في هذا الصدد، وهكذا الغربيون الذين يتزوج الرجل منهم واحدة ويعاشر من شاء بعد ذلك في الحرام!

فنفس التطلع لأكثر من امرأة ليس مما يعاب به الرجل، وليس هو مقتصرا على المسلمين أو المتدينين؛ وإنما الاختلاف في صفة تحقيق هذا التطلع؛ هل يكون في الحرام أم في الحلال.

نعم؛ من الرجال من يقتصر على واحدة ويكتفي بها، لكن الكلام ليس على كل فرد فرد؛ بل على المجموع، وفيه ما ذكرته[2].

التعدد ليس عند المسلمين وحدهم:

ولسنا- نحن المسلين- وحدنا الذين نرغب في التعدد ونطالب به، بل حتى الدول الكافرة بدأت الآن تطالب فيه وتدعوا إلى تطبيقه بعدما رأت ما حل بمجتمعاتها من فساد وانحراف نتيجة كثرة النساء العشيقات حتى أثر ذلك على بعض مجتمعات تلك الدول فضعف نسلها وقلت مواليدها قلة تهدد بالانقراض.

ونتيجة لذلك فقد صرح من يعرف شيئاً عن الديانة الإسلامية منهم بتمني الرجوع إلى تعاليمها المرضية وفضائلها الحقيقية ومنها التعدد، بل إنّ بعض المثقفات من نساء الإفرنج صرحن بتمني تعدد الزوجات للرجل الواحد لكي يكون لكل امرأة قيّم وكفيل من الرجال تركن وتأوي إليه وليزول بذلك البلاء عنهم وتصبح بناتهم ربات بيوت وأمهات لأولاد شرعيين.

 يقول الكاتب الإنجليزي (برتراندرسل):

 "إنّ نظام الزواج بامرأة واحدة وتطبيقه تطبيقاً صارماً قائم على افتراض أنّ عدد أعضاء الجنسين متساو تقريباً، ومادامت الحالة ليست كذلك فإنّ في بقائه قسوة بالغة لأولئك اللاتي تضطرهن الظروف إلى البقاء عانسات"[3].

أسباب كراهية النساء للتعدد:

تقول د. رقية المحارب، في مقال جميل لها، بعنوان: (لماذا خشين التعدد؟):

قالت إحداهن:" لا أتخيل أنّ زوجي يمكن أن يحبني ويحب أخرى في آن، والرسالة التي أفهمها من زواجه بأخرى أنّه لا يحبني إذ إنّه لا يمكن أن يحب الرجل أكثر من واحدة ".

ترى عامة النّساء أنّ زواج شريك حياتها من أخرى مصيبة كبيرة، وتعتبره كابوساً ينغص عليها سعادتها، ويظل هاجسًا بغيضًا تحاول التخلص من مجرد التفكير فيه. ولعل بعض الرجال يستغربون عظيم قلق المرأة، وشديد رغبتها في استفرادها بزوجها، ورد فعلها العنيف أحياناً عند علمها بمجرد عزم زوجها على التعدّد.

طرحت هذا السؤال "لماذا تخشين التعدّد؟" على عدد من النساء المختلفات في مستوياتهن الاجتماعية والثقافية فكان الجواب متباينًا تباين اختلاف مكانتهن في المجتمع.

قالت إحداهن:" لا أتخيل أنّ زوجي يمكن أن يحبني ويحب أخرى في آن، والرسالة التي أفهمها من زواجه بأخرى أنّه لا يحبني إذ إنّه لا يمكن أن يحب الرجل أكثر من واحدة ".

قالت الثانية:" أمّا أنا فأشعر أنّ الزوجة الثانية سوف تقاسمنا عيشنا وسوف يؤثر هذا على توفر ما أطلبه ويطلبه أولادي ".

والثالثة عبرت عن خشيتها من كلام النّساء من أقارب وزميلات واعتقادهم أنّها مقصرة في حقه وسوف تتحول العلاقة بينها وبين زوجها إلى مادة دسمة لأحاديثهن ولن تحظى بالاحترام في قلوبهن لهذا السبب.

أما الرابعة فأرجعت عدم ترحيبها إلى الغيرة الشديدة حيث أنّها لا تتحمل أبدًا أن يهتم زوجها بأخرى.

والخامسة جعلت التعدد والحيف وجهين لعملة واحدة فحيثما ذكر التعدد هبت ريح الظلم وسوء المعاملة.

والسادسة قررت أنّ الرجل لا يمكن أن يعدل مهما بذل من جهود لأن الله عز وجل يقول: {وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ} [النساء:129]، ومادام لن يطيق العدل فعليه الاقتصار على واحدة استجابة لله عز وجل في قوله: {... فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً..} [النساء:3] وخاصة لرجال زماننا خاصة مع غياب التقوى وخشية الله تعالى.

هذه آراء مجموعة قليلة من النّساء جمعتني بهنّ جلسة قصيرة لعل عند غيرهن هموم وأشجان أخرى وأسباب غير ما ذكر. وأقف وقفة عجلى مع كل واحدة منهن محاولة المناقشة الهادئة وصولاً إلى وضع يجعل موضوع التعدد في إطاره الصحيح.

فأقول: إن الأولى حكمت على الرجل بمنظارها وهو أنّ المرأة لا يمكن أن تحب رجلين في آن وعاطفتها توزع بين زوجها واولادها لا غير، أمّا الرجل فإنّه يمكن أن يحب أكثر من واحدة وقد زين الله لهم حب النّساء فطرة حيث يقول تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء..} [آل عمران:14]، ولذا فإن الأصل في المرأة أن تحب رجلاً واحداً وتصبر عن الرجل لكّن الرجل في الغالب لا يصبر عن المرأة.

أمّا الثانية فإنّ تخوفها ناتج من أسباب ثلاثة: أولها ضعف التوكل على الله تعالى، والثاني السمعة السيئة والقصص التي تعبر عنها بعض من مرت بتجربة التعدد، والثالث تخويف النّساء بعضهن بعضاً من التعدد وأن النتيجة ستكون كارثة عليها وعلى أولادها.

وفي حالة المرأة الثالثة فإن المسألة لا تعدو أن تكون في تعزيز الثقة بالنفس وعدم الاهتمام بآراء الناس فالإنسان ينبغي أن يفكر بعقله ويعيش وفق المبادئ الصحيحة التي ارتضاها هو لا بما يريد الآخرون.

والرابعة فغيرتها لها أصل من الطبع والفطرة ولكّن ينبغي أن تهذب فلا توصل إلى محرم من غيبة أو فتنة أو نميمة أو كذب، وعلى قدر كظمها لغيظها ومجاهدتها لغيرتها واتخاذها للأسباب التي تخفف من حدة ما تجد من الغيرة على قدر ما يهبها الله اطمئناناً ورضى بهذا الأمر.

والخامسة ترى شبح الظلم ماثلاً أمام عينيها وتفكر بعقل غيرها وتتمثل حياة زميلتها أو قريبتها التي مرت بهذا الأمر وتجزم أنّها سوف تعاني كما عانت تلك. وكم سمعت من قصص مؤلمة عن نساء اشتركن مع أزواجهن في بناء بيت ولمّا تمّ البناء فاجأها بالزواج من أخرى وهذه حالات واقعية وإن كانت قليلة، أو تلك التي أقرضت زوجها مبلغاً من المال فإذا به يتزوج بأخرى دون مقدمات وتمهيد، فليس غريباً أن تصاب بالصدمة ويكون رد فعلها قوياً.

وحق لهؤلاء أن يقفن هذا الموقف الذي ربّما لا يقبله بعض الرجال ويطالبون المرأة أن تتقبل ظلمهم وجورهم، وتعلن ترحيبها بالزوجة الأخرى دون أن تعبر عن رفضها للأسلوب الذي تمّ به الأمر.

هذا من جهة ومن جهة أخرى فإنّ بعض النّساء عندما تساهم مع زوجها في مصاريف السكن والمعيشة فإنّها بذلك تحصل على ضمان بأنّه لن يتزوج بغيرها فتكون النتيجة أن تقصر في حقوقه ولا تكترث بالعناية بالرصيد العاطفي بينهما، وتنسى أنّ الرجل الذى يحتاج إلى معونة زوجته في بناء بيته يحتاج أيضا إليها في بناء السكينة، ويحتاج إلى حنانها، إلى تدليله، إلى احترامه وتقديره، إلى التجمل له، والاستعداد لاستقباله، فإذا لم يجد ذلك منها تطلع لغيرها، فالمرأة الذكية هي التي تملأ قلب زوجها حبا وتشبعه حنانا، ولا تكترث بتكثره من المال أو المتاع لأنّه سيكون على حسابها إذا قصرت فيما ذكرت.

أمّا السادسة فاحتجت بما لا يحتج به، إذ العدل الذي لا يستطاع في الآية هو العدل القلبي، وليس العدل في العطاء كما جاء ذلك في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله يقسم بين نسائه فيعدل، ثم يقول: «اللّهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك»، قال ابن كثير: " يعني القلب، هذا لفظ أبي داود، وهذا إسناد صحيح ". ولو أكملت الآية لوجدتها تدل على ذلك {فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} [النساء:129].

 قال ابن كثير:" أي إذا ملتم إلى واحدة منهنّ فلا تبالغوا في الميل بالكلية فتبقى هذه الأخرى معلقة ". وذكر حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وأحد شقيه ساقط»[4].

قال ابن الجوزي: " لن تطيقوا أن تسووا بينهنّ في المحبّة التي هي ميل الطباع لأنّ ذلك من كسبكم {ولو حرصتم} على ذلك، {فلا تميلوا} إلى التي تحبون في النفقة والقسم "[5].

وقال ابن العربي:" أخبر سبحانه أن أحدًا لا يملك العدل بين النساء، والمعنى فيه تعلق القلب لبعضهن أكثر منه إلى بعض، فعذرهم فيما يكنون، وأخذهم بالمساواة فيما يظهرون "[6].

وقد بسط العلماء مسائل النفقة على الزوجات فعلى كل من أراد الزواج أن يتعلم الواجبات التي عليه حتى لا يقع في الظلم[7].

لتعدد الزوجات في الإسلام شروط:

وهذا التشريع الإسلامي بتعدد الزوجات شأنه شأن بقية التشريعات؛ له ضوابط وشروط، وليس مطلقا بحيث يشرع للرجل التعدد متى شاء ذلك؛ ولكون الأمر متعلقا به حق زوجه الأولى ومن ستأتي عليها فكان لابد فيه من قيود ليست هينة.

وقد اتفق الفقهاء على جواز التعدد ومشروعيته، وعلى كفر وردة من أنكر مشروعية التعدد؛ لأنه بذلك ينكر منصوصا عليه في القرآن والسنة، معروفا من دين المسلمين بالضرورة، وعليه عملهم طيلة أكثر من أربعة عشر قرنا.

كما اتفقوا على أن لإباحة التعدد شروطا، هي: العدل بين الزوجات، والاستطاعة المادية والجسدية، وعدم تجاوز الحد الأقصى للتعدد، وهو الأربع، وعدم الجمع بين من لا يجوز الجمع بينهن، وهما المرأة وأختها، والمرأة وعمتها أو خالتها.

هل الأصل في الزواج هو التعدد؟ أو الأصل عدم التعدد؟

لكنهم اختلفوا في أن الأصل في الإسلام هل هو التعدد؟ أو أن الأصل عدمه، وأن التعدد إنما يكون فقط لحالات وظروف خاصة؟ على قولين، لكل منهما رأيه واجتهاده، ودليله على ما ذهب إليه. وهو ما نوضحه فيما يلي:

الاتجاه الأول: الأصل هو التعدد، وعدم التعدد هو الاستثناء.

ومن القائلين به:

الشيخ محمد أبو زهرة، والدكتور عبد الفتاح إدريس، والشيخ يوسف البدري([8])، والدكتورة ماجدة محمود هزاع([9]).

يقول الشيخ محمد أبو زهرة:

«تقييد تعدد الزوجات بدعة دينية ضالة لم تقع في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، ولا في عصر الصحابة، ولا في عصر التابعين»[10].

ويقول دكتور عبد الفتاح إدريس أستاذ الشريعة والقانون بجامعة الأزهر:

 "التعدد في الزواج هو الأصل لمشروعية النكاح لقوله تعالى: ( وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا، وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً )، وعدم التعدد هو الاستثناء وذلك إذا انعدمت شروط التعدد[11].

الاتجاه الثاني: الأصل عدم التعدد، والاستثناء هو التعدد؛ ولا يكون إلا لشيء يقتضيه، كأن تكون الزوجة مسنة أو عقيمًا، أو يكون الرجل شديد الشهوة لا تكفيه الواحدة ولا تعفه.

ومن القائلين به:

الدكتور يوسف القرضاوي([12])، والدكتور محمد الشحات الجندي([13])، والشيخ جمال قطب([14]).

ومن العلماء من يتحاشى ذكر أصل في هذه المسألة، وكأن ذلك اكتفاء بما جاء من آيات وأحاديث في التعدد، دون تعرض من أهل العلم لذكر ما هو الأصل في ذلك.

لكن ربما أشعر كلام بعضهم بأن الأصل هو الاكتفاء بواحدة.

ومن هؤلاء: الشيخ مصطفى العدوي[15]، والدكتور حسام الدين عفانة.

 يقول: د/ حسام الدين عفانة:

ومع كون تعدد الزوجات من المباحات إلا أني أختار الاكتفاء بزوجةٍ واحدةٍ لمن لم يكن عنده حاجةٌ للتعدد، لأنه مقلقٌ للبال ومغيرٌ للأحوال، ومثيرٌ للمشكلات والإحن والضغائن، وخاصةً أن ثقافة التعدد الشرعي غائبةٌ عند كثيرٍ من الرجال والنساء في مجتمعنا المحلي،

قال الصيمري من أصحابنا إلا أن المستحب أن لا يزيد على واحدةٍ لاسيما في زماننا هذا[16]، أي في زمان الصيمري، فإذا كان الاقتصار على واحدةٍ هو المستحب في زمان الصيمري الذي توفي سنة 405 هجرية فما بالك بزماننا نحن!؟

وقال المرداوي الحنبلي:

ويستحب أيضاً أن لا يزيد على واحدة، إن حصل بها الإعفافُ على الصحيح من المذهب... وجمهور الأصحاب استحبوا أن لا يزيد على واحدة[17].

وقال الشيخ العثيمين:

وعلى هذا فنقول: الاقتصار على الواحدة أسلم، ولكن مع ذلك إذا كان الإنسان يرى من نفسه أن الواحدة لا تكفيه ولا تعفه، فإننا نأمره بأن يتزوج ثانية وثالثة ورابعة، حتى يحصل له الطمأنينة، وغض البصر، وراحة النفس[18]اهـ.

الأدلة:

أولًا: أدلة الاتجاه الأول:

الدليل الأول:

قول الله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} [النساء:3].

وجه الاستدلال:

حيث عبَّر الله تعالى بلفظ: {مَا طَابَ}؛ وهو لفظ يُفهَم منه إحلال الله ذلك للرجال في الأصل، قال الطاهر بن عاشور: «ومعنى ما طاب: ما حسن، بدليل قوله: {لَكُمْ} ويفهم منه: أنه مما حل لكم؛ لأن الكلام في سياق التشريع»([19]).

 وقد بدأ الله تعالى بالتعدد لأنه الأصل، ثم جعل الاقتصار على واحدة استثناءً من هذا الأصل في حالة عدم تحقق العدل.

نوقش:

ليس في الآية دليل على ما ادعيتم، وذلك لأن الله تعالى لم يبدأ الكلام بإحلال التعدد؛ بل بدأ تعالى بالكلام عن اليتيمة التي تحت ولاية الرجل فيطمع في مالها، فيريد الزواج بها ولا يعطيها حقوقها من صداق وغيره، فنهى الله تعالى عن ذلك، وقال لهم: لا تتزوجوا يتيمة تظلمونها، ولكم أن تتزوجوا ما شئتم غيرها.

فعن عروة بن الزبير أنه سأل عائشة رضي الله عنها عن قول الله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا} إلى: {وَرُبَاعَ} [النساء:3]، فقالت: «يا ابن أختي، هي اليتيمة تكون في حجر وليها تشاركه في ماله، فيعجبه مالها وجمالها، فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها، فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن، ويبلغوا بهن أعلى سنتهن من الصداق، وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن»([20]).

وفي البخاري مختصرًا عن عائشة قالت: «اليتيمة تكون عند الرجل وهو وليها، فيتزوجها على مالها، ويسيء صحبتها، ولا يعدل في مالها، فليتزوج ما طاب له من النساء سواها، مثنى وثلاث ورباع».

وقال ابن كثير: «وقوله: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى...} أي: إذا كان تحت حجر أحدكم يتيمة وخاف ألا يعطيها مهر مثلها، فليعدل إلى ما سواها من النساء، فإنهن كثير، ولم يضيق الله عليه»([21]).

أجيب:

لو كان كما ذكرتم لقال الله: فانكحوا ما طاب لكم من غير هؤلاء اليتامى، ولا كتفى بذلك من غير داع لذكر المثنى والثلاث والرباع.

فضلا عن كون المقام – كما هو ظاهر من السياق – مقام امتنان، وإنما يمتن الله على عباده بما هو خير لهم، وبما يعلم أن فيه مصلحتهم، وحل مشاكلهم.

ولا تعارض بين هذا المعنى، وبين ما ذكرتم من اعتراض بسبب نزول الآية.

الدليل الثاني:

الاقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ الثابت قطعيا أنه عدد.

وعن سعيد بن جبير قال: قال لي ابن عباس: «هل تزوجت؟»، قلت: لا، قال: «فتزوج؛ فإن خير هذه الأمة أكثرها نساءً»([22]).

وجه الاستدلال:

واضح في أن أفضل الرجال أكثرهم زوجات.

قيل معنى قول ابن عباس: خير أمة محمد من كان أكثر نساءً من غيره ممن يتساوى معه فيما عدا ذلك من الفضائل.

وقيل: مراد ابن عباس بالخير: النبي صلى الله عليه وسلم، وبالأمة: أخصاء أصحابه، وكأنه أشار إلى أن ترك التزويج مرجوح؛ إذ لو كان راجحًا ما آثر النبي صلى الله عليه وسلم غيره[23].

نوقش:

 إنما عدد النبي لمصلحة قد لا تكون موجودة في غيره، إذ كان يفعل ذلك لمصلحة تبليغ الدين ونشر الدعوة، عن طريق زوجاته، إذ إنهن سيطلعن على ما لا يطلع عليه غيرهن من أحداث تجري في بيوته، فيحصل من ذلك تبليغ الأحكام التي لا يطلع عليها الرجال.

وهناك أيضا مصالح أخرى تتعلق بتوثيق الروابط بينه وبين غيره من عائلات قريش بالمصاهرة، فيكسب بذلك أنصارا للدين، ويكون سببا في إسلام الكثيرين.

 قال ابن حجر العسقلاني: « وكان (صلى الله عليه وسلم)، مع كونه أخشى الناس لله وأعلمهم به، يكثر التزويج لمصلحة تبليغ الأحكام التي لا يطلع عليها الرجال»([24]).

أجيب:

لا مانع من وجود مصالح كهذه في حق غيره صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله تعالى: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة.

الدليل الثالث:

أوامر النبي صلى الله عليه وسلم بتكثير الأمة، وهي كثيرة منها:

ما روته عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «النكاح من سنتي، فمن لم يعمل بسنتي فليس مني، وتزوجوا، فإني مكاثر بكم الأمم»([25]).

وعن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أصبت امرأة ذات حسب وجمال، وإنها لا تلد، أفأتزوجها؟ قال: «لا»، ثم أتاه الثانية فنهاه، ثم أتاه الثالثة فقال: «تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم»([26]).

وعن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالباءة، وينهى عن التبتل نهيًا شديدًا، ويقول: «تزوجوا الودود الولود، إني مكاثر الأنبياء يوم القيامة»([27]).

وجه الاستدلال:

حيث أمر النبي صلى الله عليه وسلم أمته بالعمل على زيادة عددها وتكثير سوادها، ومقتضى ذلك أن يكون الأصل هو التعدد؛ لأنه أنجع وأسرع في تكثير الأمة.

نوقش:

إنما المقصود من هذه الأحاديث وغيرها حث من ترك التزوج أن يتزوج، لا الأمر بالتعدد، ولا أمر المتزوج أن يتزوج بأخرى، بدليل ما أوردتم في رواية أنس: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالباءة، وينهى عن التبتل نهيًا شديدًا».

وبدليل حديث أبي أمامة: «تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة، ولا تكونوا كرهبانية النصارى»([28]).

كذلك ما رواه عبد الله بن عمرو قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ائذن لي أن أختصي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خصاء أمتي الصيام»([29]).

أجيب:

هذا خلاف المنصوص عليه في الأحاديث من ذكر التعدد، وهو تأويل متكلف، وبغير داع، وأنتم بذلك قد ألغيتم دلالة جزء من النصوص النبوية وعطلتموها عن معناها، لا لشيء إلا ليوافق رأيكم.

وإلا فالمباهاة بتكثير الذرية، لا شك يدخل في مقتضاه وأسبابه: التعدد، دخولا أوليا، كأصل الزواج تماما.

فحمل هذه الأحاديث على التزوج مع طرح إرادة مدلولها الصريح، وهو التعدد، تحكم   بغير دليل.

الدليل الرابع:

أنه فعل النبي صلى الله عليه وسلم، والله عز وجل لا يختار لنبيه إلا الأكمل والأفضل، وهو القائل: «حبب إلي من الدنيا: النساء، والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة»([30])، فقد عدَّد الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ بل ومعظم الأنبياء عليهم السلام عدَّدوا.

قال ابن قدامة في معرض مفاضلته بين التخلي للعبادة والتزوج:

 «وهذا حث على النكاح شديد، ووعيد على تركه يقربه إلى الوجوب، والتخلي منه إلى التحريم، ولو كان التخلي أفضل لانعكس الأمر، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج، وبالغ في العدد، وفعل ذلك أصحابه، ولا يشتغل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلا بالأفضل، ولا تجتمع الصحابة على ترك الأفضل والاشتغال بالأدنى»([31]).

نوقش:

فعله صلى الله عليه وسلم، كان لحكم ومصالح معينة، قد لا توجد في غيره من حالات، وكذلك فعل أصحابه؛ فقد كانت لهم ظروف اقتضت ذلك؛ فقد عاشوا حياتهم في حروب تحصد الرجال فتبقى الأرامل والأيتام في حاجة إلى من يعولهن، كما أنه ليس في عمل أحد حجة علينا إلا عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد بينَّا وجهه.

أجيب:

قد أجبنا على دعوى اختصاص استحباب التعدد بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأن الأصل عدم الخصوصية، إلا فيما زاد على الأربع نسوة.

وأما دعوى أن الصحابة إنما عددوا لظروف الحرب ونحوها، فنقول لهم: هذه الظروف هي الظروف الغالبة في المجتمع المسلم، ومن يقرأ آخر سورة المزمل يعرف ذلك جيدا.

وتعطيل الجهاد في بعض صوره الآن، لا يؤثر على أصل الحكم الشرعي، ولا يغيره. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن الناظر في أحوال المسلمين المعاصرة، خاصة بعد الثورات الشعبية في كثير من بلدان المسلمين، وتكالب الأعداء من الداخل والخارج عليهم، وإعلان الحرب على الإسلام بدعوى الحرب على الإرهاب، كل ذلك، وما ترتب عليه من قتل وتشريد للمسلمين، يجعلنا نعيش في أوضاع مشابهة إلى حد كبير لأحوال من سبقونا.

الدليل الخامس:

أن الله عز وجل جعل للرجل من أهل الجنة في الجنة اثنتين من الحور العين، فإن كان شهيدًا فإن له اثنتين وسبعين منهن، وهذه إشارة قوية إلى أن ما يناسب الرجال هو التعدد.

نوقش:

لا تقاس الدنيا على الآخرة، ولا يقاس ما في الدنيا على ما في الجنة؛ فلكل مقاييس مختلفة، قال ابن عباس: «ليس في الجنة شيء يشبه ما في الدنيا إلا الأسماء»([32]).

والرجل في الجنة يعطى من القوة ما لم يعطه في دنياه.

وليس في الجنة غيرة ولا تباغض ولا تشاحن، كذلك ليس هناك تكليف؛ فلا يطالب الرجل بالعدل بين زوجاته، ولا يقع في الجنة جور ولا ظلم، أما التعدد في الدنيا فمظنة ذلك.

الدليل السادس:

عن أنس رضي الله عنه قال: لأحدثنكم حديثًا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يحدثكم به أحد غيري: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويكثر الجهل، ويكثر الزنا، ويكثر شرب الخمر، ويقل الرجال، ويكثر النساء حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد»([33]).

وجه الاستدلال:

أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن زمان يكون للرجل الواحد خمسين امرأة، وهذا يقتضي أن يكون له منهن أكثر من زوجة.

نوقش:

كونه لهم قيمًا لا يقتضي بالضرورة أن يكون معددًا؛ فقد يكن كلهن أخواته وعماته وخالاته وأمه...، ولا يكون له منهن إلا زوجة واحدة، أو لا زوجة له أصلًا.

ومع ذلك نقول: أن الحديث يتكلم عن حالة استثنائية، وهي من النوادر؛ لذا فهي من علامات الساعة، لا أن هذا هو الأصل، ونحن لا نقول بتحريم التعدد، كلا؛ بل نقول بجوازه في ظروف وأحوال وضرورات تقتضيه، لا أنه هو الأصل.

الدليل السابع:

أن في الزواج منافع ومصالح ومقاصد شرعية كثيرة؛ كالتعارف والارتباط بين المسلمين، وتكثير الأمة، وما كان كذلك حري أن يكون هو الأصل، وما سواه الاستثناء.

الدليل الثامن:

التسري؛ فقد أباح الإسلام التسري بالجواري غير محدود بعدد، فقال تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء:3]، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون:5-6].

وقد تسرى الرسول صلى الله عليه وسلم بمارية القبطية، والتي ولدت له إبراهيم، وكذلك تسرى الصحابة رضي الله عنهم.

فإباحة الله عز وجل للتسري بالجواري، بدون عدد محدد، يُشعر بأن الأصل في الإسلام التعدد - وإن قُيد هذا التعدد في الزواج بأربع فقط، ولم يقيد في التسري - لما فيه من سد حاجة الرجال، وكذلك قضاء وطر النساء، اللائي في الغالب قد يتعطلن عن أزواج، أو يكثر عددهن عن الرجال، وهو ما يناسب التعدد.

نوقش:

قياسكم الحرائر على الجواري قياس مع الفارق؛ إذ لا يشترط العدل بين الجواري، وليست للسُّرِّيَّة نفس حقوق الحرة؛ بل يمكن للسيد بيع سريته ما لم تلد منه، إلى غير ذلك من الفروق.

أجيب:

نعم، توجد فروق ولا شك بين الأمرين، لكنها لا تأثير لها فيما نحن بصدده؛ إذ كلامنا إنما هو في أصل حاجة الرجل الفطرية للنكاح، وقدرته الخلقية على التعدد، وفي سد حاجة غيره بهذا النكاح، سواء كن حرائر أو إماء، فهذا وذاك لا فرق فيهما بين الحرة والأمة.

الدليل التاسع:

أن التعدد هو الذي يتماشى مع فطرة الرجل وطبيعته، كما أن فيه مصالح كثيرة تتعطل بتركه، ثم هو الذي تحصل معه استقامة الأمور، وتقل معه الانحرافات، والعلاقات الآثمة.

 والناظر إلى المجتمعات غير الإسلامية، ومن سار على دربهم من مجتمعات المسلمين، ممن حرموا التعدد على أنفسهم، بقانون أو بغير قانون، يرى مصداق ذلك، وهو أنهم قد وقعوا في جرائم كثيرة، وسلبيات خطيرة جراء منع التعدد؛ منها: اتخاذ العشيقات والأخدان، وتفشي الاغتصاب، وكثرة أولاد الزنا، وازدياد العنوسة، وغير ذلك.

ثانيًا: أدلة المذهب الثاني:

الدليل الأول:

قول الله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} [النساء:3].

مع قوله سبحانه: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء:129].

وجه الاستدلال:

حيث قرر تعالى في الآية الثانية، أن العدل بين الزوجات متعذر، لا يستطيعه أحد مهما حرص عليه، فإذا انضاف إلى هذا قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً}، في الآية الأولى، فكيف يكون التعدد هو الأصل!! بل يكون الاقتصار على واحدة هو الأصل.

نوقش:

أولًا: العدل المخوف من عدم تحققه في أول سورة النساء؛ {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً}، غير العدل الذي لا يستطاع هنا؛ فالأول عدل مادي، والأخير عدل قلبي.

فأما العدل المادي؛ في المبيت والنفقة... فهذا الذي يجب العدل فيه، وأما الميل القلبي من حب وما يستتبعه من جماع فلا يؤمر بالعدل فيه؛ لأن ذلك غير مستطاع، وهذا هو المقصود في الآية الأخيرة.

فهذا النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أعدل الخلق، يحب عائشة فوق حبه لباقي نسائه صلى الله عليه وسلم؛ فلما سأله عمرو بن العاص رضي الله عنه: أي الناس أحب إليك؟ قال: «عائشة»([34]).

وقد اشتهر ذلك حتى لقد أدركه عمر، وقاله لابنته حفصة: «لا يغرنك أن كانت جارتك هي أوضأ منك، وأحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم»([35]).

فلو كان العدل بينهن في الحب والميل القلبي واجبًا لاستجاب صلى الله عليه وسلم لمطلبهن.

ثانيًا: ما كان الله عز وجل ليبيح شيئًا في آية؛ {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}، ثم يمنعه في آية أخرى! ولو شاء الله عز وجل منعه، لمنعه من البداية في وضوح وجلاء، ككل ما حرم الله تعالى ومنع، كقوله عز من قائل: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة:221]، {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء:22].

الدليل الثاني:

عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من رزقه الله امرأة صالحة، فقد أعانه على شطر دينه، فليتق الله في الشطر الثاني»([36]).

وجه الاستدلال:

حيث جعل صلى الله عليه وسلم تمام سنة النكاح بالتزوج بواحدة صالحة، ولم يذكر تعددًا لإتمام نصف الدين، "ويبقى الشطر الثاني وهو شهوة البطن فأوصاه بالتقوى فيه، لتكمل ديانته وتحصل استقامته"([37]).

نوقش:

ليس المقام هنا مقام بيان إفراد أو تعدد؛ بل المراد بيان النعمة والمنة بجنس الزوجات الصالحات، والحرص على التزوج بالصالحات، لا أن الأصل الاقتصار على الواحدة.

ومن باب المجاراة نقول: إن كانت المرأة الصالحة (الواحدة) خيرًا، فالاثنتان خيران، والثلاثة ثلاثًا...

الدليل الثالث:

عن المسور بن مخرمة أن علي بن أبي طالب خطب بنت أبي جهل، وعنده فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما سمعت بذلك فاطمة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت له: إن قومك يتحدثون أنك لا تغضب لبناتك، وهذا علي ناكحًا ابنة أبي جهل، قال المسور: فقام النبي صلى الله عليه وسلم، فسمعته حين تشهد ثم قال: «أما بعد، فإني أنكحت أبا العاص بن الربيع، فحدثني فصدقني، وإن فاطمة بنت محمد مضغة مني، وإنما أكره أن يفتنوها، وإنها والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله عند رجل واحد أبدًا»، قال: فترك علي الخطبة([38]).

وجه الاستدلال:

أن النبي صلى الله عليه وسلم اعترض على علي بن أبي طالب، زوج ابنته، عندما أراد التعدد، ولو كان التعدد أصلًا لما منعه صلى الله عليه وسلم منه.

نوقش:

النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنعه من التعدد، وإنما منعه من الزواج من امرأة بعينها، وذلك لاعتبارات أخرى لا علاقة لها بالإفراد أو التعدد قد بينها صلى الله عليه وسلم بقوله: «لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله»؛ فكيف تجتمع بنت فرعون الأمة مع بنت رحمة الأمة صلى الله عليه وسلم؟!

وكيف يمنع صلى الله عليه وسلم عليًا من التعدد وهو نفسه قد عدَّد؟! وهو القائل: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»([39]).

بل قد جاء في بعض ألفاظ الحديث في الصحيحين دليل على ما نقول، حيث قال صلى الله عليه وسلم: «وإني لست أحرم حلالًا، ولا أحل حرامًا».

الدليل الرابع:

إذا كان التعدد مظنة الميل والجور والتحريش بين النساء؛ فإن الاقتصار على واحدة أسلم للذمة، وأبعد من الجور، وأهدأ لقلب الزوجة، وأصون للأولاد عن التناحر الذي قد يشربوه من أمهاتهم.

كذلك فهو أخف مؤنة على الرجل، وأعون له على التخلي للعمل وللعبادة...، وما كان شأنه كذلك فهو أنسب وأحق أن يكون الأصل.

نوقش:

ما ذكرتم من عيوب للتعدد ما هي إلا قطرات صغيرة تغرق في بحار فضائله، لا تعكر له ماءً، ولا تغض من قدر ما فيه من لآلئ، وما من عاقل يكره الزهور من أجل شوكة يستطيع تفاديها! أو يرفض اللآلئ لأنه يستثقل مؤنة فتح الصدفة التي تحويها!

وكذا ما ذكرتم من مميزات للاقتصار على واحدة، فما هي إلا حبات رمال تدفن في كثبان من رمال من عيوبه ومثالبه، وهل من عاقل يترك البحر ويخوض بركة من وحل ليبحث عن درهم فيها؟!

ثم نقول: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم غافلًا عما ذكرتم حتى يسقط في (جحيم) التعدد، ويحرم نفسه من (نعمة) الاقتصار على واحدة؟!!

الدليل الخامس:

أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى زهرة شبابه مع خديجة رضي الله عنها؛ خمسة عشر عامًا، ولم يعدد، ثم بعد الخمسين من عمره عدد، وما فعل إلا لأسباب دعوية حتمت ذلك.

من هنا يظهر أن الأصل هو الاقتصار على واحدة، وأن التعدد هو الاستثناء الذي لا يكون إلا لأسباب تقتضيه.

نوقش:

إنما ترك صلى الله عليه وسلم الزواج مع خديجة رضي الله عنها لاعتبارات ليس لها علاقة بالتعدد، منها عرفانه صلى الله عليه وسلم بجميلها، ورفعًا لقدرها حيث واسته ورافقته وساندته.

ويمكن أن يقال: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نشأ يتيمًا، وشب فقيرًا غير مستطيع لمؤنة الزواج، وإنما كانت خديجة هي من طلبت الزواج منه صلى الله عليه وسلم، ولقد كان صلى الله عليه وسلم يعمل في مالها، وما كان للنبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوج من مال زوجته أخرى.

فلما ماتت رضي الله عنها، ووسع الله على نبيه صلى الله عليه وسلم تزوج وعدَّد.

الدليل السادس:

أن الله عز وجل عندما خلق أبا البشرية آدم عليه السلام، خلق له زوجة واحدة؛ هي حواء، ولو كان الأصل في الإسلام التعدد لخلق الله عز وجل له أكثر من زوجة، خاصة وقد كان التناسل وتكثير النسل مطلوبًا بشدة، وقد كان الرجل من بطن يتزوج بالبنت من البطن الأخرى.

فلو كان الأصل التعدد، لكان أحرى أن يُعدد آدم عليه السلام؛ لتكثير النسل، ولأن زواج المولود من أم بالمولودة من أم أخرى أولى من تزوجه من المولودة من نفس الأم.

فلما لم يُعدد آدم، مع وجود الداعي والحافز، عُلم أن الأصل هو الاقتصار على واحدة.

نوقش:

أولًا: إنما خلقت حواء على خلاف العادة، من ضلع آدم عليه السلام، وما كان على خلاف العادة لا يقاس عليه ولا يحتج به.

ثانيًا: اقتصر على حواء فقط لتكون أمًا واحدة للبشرية، كما أن آدم أب واحد للبشرية، فيتحقق قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} [الحجرات:13]، وقوله تعالى: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [الزمر:6].

الراجح:

بعد أن استعرضنا أدلة كل فريق على ما ذهب إليه، نستطيع أن نقول:

أولا: لا تخلو أدلة القول الثاني من تكلف في الاستدلال، ولذلك لم يسلم شيء منها من المناقشة والاعتراض، مما يوهنها، وربما يسقط الاستدلال بها.

ثانيا: مع قوة ووضوح أدلة القول الأول، بما يترجح به على القول الثاني، إلا إننا لا نستطيع إطلاق القول بأن الأصل هو التعدد.

بل الصحيح أن يقيد ذلك بغلبة الظن بتحقق المصالح المرجوة بالتعدد، وعدم غلبة المفاسد.

وإنما ينظر في ذلك لظروف كل شخص، وما يحيط به من متغيرات وأحوال؛ فمن كان التعدد أفضل بالنسبة له؛ لقدرته المادية والجسدية، ووثوقه من إقامة العدل بينهن، ونحو ذلك من أسباب، فالتعدد في حقه هو الأصل.

ومن كان الأفضل له الاقتصار على واحدة؛ لعدم قدرته أو لخشيته من الجور، أو لغير ذلك من الظروف، فالأصل في حقه الإفراد.

ففي هذا القول توسط في المسألة، كما أن فيه تجنب الجزم بقول معين بغير دليل؛ إذ إن المسألة – كما ظهر لنا – تعتمد على الاستنباط والاجتهاد، وليس فيها نص قطعي صريح الدلالة على ما هو الأصل.

ويمكن القول: إن الأصل هو التعدد لمن تتحقق معه مصلحة التعدد، والأصل هو ترك التعدد لمن لا يرجى معه تحقق هذه المصلحة.

وهذا أيضا هو اختيار طائفة من علمائنا المعاصرين.

يقول ابن جبرين: «ولكن بكل حال، الأحوال تختلف، والقدرات تختلف، فمن وثق من نفسه بأنه يعدل بين المرأتين أو الثلاث أو الأربع، ويعطي كل واحدة حقها؛ فإن الأصل في حقه أن يعدد»([40]).

وقال الشيخ صالح الفوزان: «وأما هل الأصل التعدد أو عدمه؟ فلم أر في كلام المفسرين، الذين اطلعت على كلامهم، شيئًا من ذلك، والآية الكريمة تدل على أن الذي عنده الاستعداد للقيام بحقوق النساء على التمام فله أن يعدد الزوجات إلى أربع، والذي ليس عنده الاستعداد يقتصر على واحدة، أو على ملك اليمين»([41]).

هذا؛ وإن الإقدام على التزوج بالثانية أو الثالثة أو الرابعة تعتريه الأحكام التكليفية الخمسة، تمامًا كما تعتري الإقدام على الزيجة الأولى.

فيكون التعدد واجبًا:

على من لا تعفه من معه من زوجة أو زوجات، ويخشى على نفسه الوقوع في الزنا إذا لم يتزوج بأخرى، وكان قادرًا، ولم يخف الجور والميل.

ويكون التعدد مندوبًا:

إذا لم يكن للرجل رغبة فيه ولا حاجة إليه، ولكنه أرد به فعل مستحب؛ كتكثير النسل، أو إعالة أرملة، أو كفالة يتيم، وكان قادرًا، ولم يخف الجور والميل.

ويكون التعدد مكروهًا:

إذا لم تكن له إليه حاجة، وكان عليه قادرًا، لكنه سيمنعه من مستحبات هي أعم نفعا من التعدد، كتعليم ودعوة الناس إلى الله، وكالجهاد في سبيل الله.

وكذلك يكون التعدد مكروهًا إذا كان سيؤدي إلى طلاق الزوجة السابقة، وتشتت الأسرة. 

ويكون التعدد حرامًا:

إذا لم يخش الوقوع في الزنا، وكان عاجزًا ماديًا أو جسديًا، أو علم من نفسه أنه يظلم أو يجور إن عدَّد.

ويكون التعدد مباحًا:

لمن ليست له حاجة إليه، مع قدرته عليه، وعدم خوفه من الجور، ولم يرج فعل مستحب، ولم يعطله عن مستحب.

مسائل هامة في قضية تعدد الزوجات:

المسألة الأولى: حكم كراهية المرأة للتعدد؟ وهل يدخل ذلك في كراهية ما أنزل الله؟

من المعروف أن غيرة المرأة على زوجها، وحبها أن تستأثر به دون غيرها، من أم وزوجة، وغيرهما أمر فطري، وقد كانت عائشة رضي الله عنها، وهي من هي في الفضل تغار على رسول الله، مع علمها بأنها أفضل نسائه صلى الله عليه وسلم، فكيف بغيرها؟

إذن ليست القضية في الغيرة، ولكن المشكلة أن الكراهية لحكم من أحكام الشريعة يعد كفرًا؟ فقد نص العلماء على أن من نواقض الإسلام العشرة: من أبغض شيئاً مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولو عمل به، واستدلوا بقوله تعالى: (ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم). فهل هذا من ذاك؟

الجواب: فرق أهل العلم بين أمرين الأول: أن يكره المسلم أصل الحكم الشرعي، وقد يتبع تلك الكراهية عملا، كالاعتراض عليه ومنع تطبيقه في الواقع، وبين أن يقر بالحكم الشرعي ويرضى به من جهة صدوره عن الله، لكنه يكرهه باعتبار ما يترتب عليه من ضرر أو أذى نسبي له.

قالوا: ففرق كبير بين كره الحكم وكره المحكوم به؛ فكره الحكم ذاته هو الذي يخشى على صاحبه من إحباط عمله، وقد يخرجه من دائرة الإيمان، أما كره المحكوم به فيرجع إلى النفس البشرية وجبلتها التي جبلها الخالق عليها.

وهذا كما أن المسلم يكره الحرب والقتال لما فيه من قتل، وجراح، وترميل للنساء، وتيتيم للأطفال، لكنه يعترف به كشريعة لازمة على المسلمين، ويؤمن أنه ذروة سنام الإسلام.

ومثل ذلك: كراهة المرأة لوجود مزاحمة لها، فإن هذا أمر طبعي، لأنها ستنازعها زوجها، لكن فرق بين كراهة فرض الله للقتال، وكراهة النفس للقتال، وبين كراهة تشريع الله للتعدد، وكراهة النفس لوجود الضرة. فما فرضه الله وشرعه يحب دينا وقربة، ولو كان الفعل المفروض مكروها للنفس شاقا عليها.

على أنه كلما كمل إيمان العبد أصبحت هذه المكروهات محبوبة له طبعا، كما هي محبوبة له شرعا.

والمذكور في نواقض الإسلام إنما هو كراهة ما أنزل الله، وكراهة تشريعه.

قال ابن القيم رحمه الله: "وليس من شرط الرضى ألا يحس بالألم والمكاره بل ألا يعترض على الحكم ولا يتسخطه ولهذا أشكل على بعض الناس الرضى بالمكروه وطعنوا فيه وقالوا: هذا ممتنع على الطبيعة وإنما هو الصبر وإلا فكيف يجتمع الرضى والكراهية وهما ضدان.

والصواب: أنه لا تناقض بينهما وأن وجود التألم وكراهة النفس له لا ينافي الرضى كرضى المريض بشرب الدواء الكريه ورضى الصائم في اليوم الشديد الحر بما يناله من ألم الجوع والظمأ ورضى المجاهد بما يحصل له في سبيل الله من ألم الجراح وغيرها"[42].

وفي مسألتنا يقول الشيخ ابن عثيمين:

غيرة المرأة على زوجها أمر جبلي فطري ولا يمكن أن يقال للمرأة لا تغاري على زوجك، وكراهة الإنسان الشيء وإن كان مشروعاً لا يضره ما دام لم يكره مشروعيته، قال الله تعالى: (كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم).

والمرأة التي عندها غيرة لا تكره أن الله أباح لزوجها أن يتزوج أكثر من واحدة، لكن تكره الزوجة معها، وبين الأمرين فرق ظاهر.اهـ.

فالحاصل أنه إذا رضي المسلم بحكم الله، وأذعن له، ولم يرفضه، ولم يعترض عليه، فهذا هو الواجب، ولا يضره لو كانت نفسه تكره الفعل طبعا.

ويلزم المؤمنة أن ترضى بتشريع الله للتعدد، وتعتقد أن فيه الحكمة والصلاح، وألا تكره هذا الحكم والتشريع وإن كانت نفسها تكره وجود الضرة المزاحمة لها، ككراهة الإنسان للقتال، وكراهة نفسه لما يخرجها عن الراحة والدعة كالوضوء بالماء البارد للفجر، والصوم في شدة الحر، ونحو ذلك مما فيه مشقة، لكن يقهرها العبد بمحبته لله، ورضاه واستسلامه لشرعه، ولهذا صح عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (حُفَّتْ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ، وَحُفَّتْ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ)[43].

وعلى ما سبق؛ فلا ينكر على المرأة التي تكره أن يأتي لها زوجها بامرأة أخرى تشاركها مشاعره، وإنما تنصح بالصبر والرضا والتقوى.

المسألة الثانية: حكم الطعن في التعدد، وحكم سن قوانين تجرم التعدد وتحرمه

أجمع العلماء على ردة من أنكر شيئاً من كتاب الله أو كرهه. وقد أشرنا إلى ذلك في المسألة السابقة.

وعلى ذلك؛ فهؤلاء الذين ينكرون التعدد أو يرون فيه ظلماً أو هضماً للمرأة، أو يكرهون هذا التشريع، من العلمانيين، وغيرهم، لا شك في كفرهم ومروقهم من الدين، لقوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد: 9].

والتعبير بحبوط العمل لا يكون في حق المسلمين، بل يكون في حق غيرهم من الكفار، كما بينه العلماء.

فالحذر كل الحذر من هؤلاء المتلاعبين بدينهم، الذين يشوهون قضية التعدد ويخوفون النّاس منها، ويتحدثون كثيراً عن سلبياتها دون الإيجابيات، كما أنهم ينادون بمنع الزواج بثانية، إلا بإذن الزوجة الأولى، وفي ظروف خاصة، وهذا المنع وهذا التقييد كلاهما ما أنزل الله به من سلطان.

وللأسف فقد نص قانون إحدى الدول العربية، على قريب من ذلك، وأنه لا يجوز الزواج بأكثر من واحدة إلا بإذن القاضي ويشترط لإعطاء الإذن تحقق الشرطين التاليين:

الأول: أن يكون للزوج كفاية مالية لإعانة أكثر من واحدة.

الثاني: أن تكون هناك مصلحة مشروعة من هذا التعدد.

 ثم استثنى من الحصول على إذن القاضي الحالات التالية:

  • إذا كانت المرأة الثانية أرملة.
  • ب – إذا كانت مطلقته فأراد إعادتها لذمته.

ويتبادر إلى الأذهان في هذا المقام سؤال: ما حكم ذلك؟ وماذا يفعل المسلم حيال هذه القوانين الباطلة الظالمة إذا أراد أن يعدد؟

وللجواب عن ذلك نقول:

أولا:

لابد أن نعلم أن من المتفق عليه بين علماء المسلمين أن تبديل شرع الله، اعتقادا أن هذا الشرع لا يناسب المسلمين، أو أن شرع غيره أفضل منه، أو أن في شرع الله ظلم وإجحاف، أو تخلف ورجعية، أو أنه يجوز لهم مخالفة شريعة رب الأرباب، وأنهم لا يلزمهم العمل بها، من المتفق عليه أن هذا كفر أكبر مخرج من الملة.

 ومما يؤسف له أن من الصور المعاصرة لهذا الكفر - والواقعة في بعض بلاد المسلمين -  أن يتجرأ حثالة من البشر ويقترحون قوانين وضعية تحظر تعدد الزوجات، قائلين: ولماذا لا تعدد المرأة مثلها مثل الرجل، أو لماذا لم يحرم على الرجل التعدد مثله مثل المرأة، وينادون بالمساواة المزعومة.

وإذا كان الأمر كذلك، فلا حرج على المسلم في مخالفة هذه القوانين الوضعية، بل مخالفتها هو الأصل والواجب، مع النظر في المفاسد المترتبة على مخالفته للقانون.

وإذ يختار المرء المخالفة، فإنه يضطر إلى عدم توثيق عقد الزواج، ليخرج من طائلة المسائلة القانونية، وهذا أيضا لا حرج فيه، لكن – كما سبق – عليه الموازنة بين المصالح والمفاسد، في التعدد والحالة هذه، أو تركه.

ثانيا:

وأما إذا كان الحاكم مسلما، والقضاء شرعيا، فإنه قد يتصور في بعض الحالات، أوفي بعض الأوقات، وعلى سبيل الاستثناء لا الأصل، إقرار نحو هذا القانون في حق البعض، لا في حق الجميع.

ويكون من باب القاعدة الشرعية القاضية بأن للإمام الحق في تقييد المباح، لظروف معينة، ويزول هذا التقييد بزوالها.

أما أن يكون ذلك أصلا ثابتا، وشرعا لازما فلا، وإن صيغ بما ظاهره الصلاح ومراعاة العدل ورفع الظلم، لكنه مكر الليل والنهار، والله خير الماكرين.

ونظير هذا الكيد للمسلمين، في القانون السالف الذكر، أيضا ما ورد في وثيقة حقوق المرأة الفلسطينية:

"للمرأة الحق في الحصول على تعويض عن الطلاق التعسفي، ومنحها الحق في طلب التفريق القضائي عند وجود المبرر لذلك، مثل إصابة الرجل بالعقم أو بمرضٍ مزمن أو عدم قدرته على مباشرة حياته الزوجية أو تعدد زوجاته".

والمتأمل في هذا الكلام، يجد أن هذه الوثيقة جعلت تعدد الزوجات من أسباب طلب الطلاق، وهذا مخالفٌ للشرع مخالفةً واضحةً وصريحةً، وهو ردٌّ واضحٌ للأحكام الشرعية المنصوصة في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

والحقيقة أن المراد من هذه الوثيقة إنما هو منع التعدد، لكنهم استخدموا أسلوب ملتويا، يمثل ضغطا على الرجال، وتهديدا لهم بخراب بيوتهم، إذا هم فكروا – مجرد تفكير- في التعدد.

وهذه الوثيقة لا تعتبر الإسلامَ من مرجعيتها أو من مصادرها، بل تجعل مرجعيتها مجموعةً من الأنظمة والقوانين الوضعية، مثل المواثيق الدولية الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة، ومنظمة العمل الدولية ومنظمة العمل العربية والقانون الأساسي الفلسطيني.

وبالتالي فهذه الوثيقة ما هي إلا انسلاخٌ من الدِّين واعتداءٌ على ثوابته، وتغريبٌ للمرأة المسلمة، ويحرم شرعاً العمل بها أو الرضا بمضامينها.

المسألة الثالثة: حكم سن قوانين تلزم بالتعدد

في مقابل ما ذكرناه آنفا، من وضع قوانين محادة لشرع الله، تمنع وتجرم التعدد، فإن بعض البلدان ترغب مواطنيها في التعدد، فتجعل لهم مزايا أو تقدر منح وعطايا، ومنهم من قد تجبر مواطنيها القادرين على الزواج بأكثر من امرأة، على التعدد، وذلك لمقاصد وأغراض صحيحة، كقلة عدد رعاياها، مع احتياجها للأيدي العاملة، أو لكثرة النساء فيها على الرجال، ونحو ذلك، وفي الغالب تعينهم على تكاليف الزواج، وتيسر لهم سبيله.

فما حكم ذلك الصنيع؟

أما الترغيب في التعدد، وجعل العطاءات عليه، فلا حرج في ذلك، بل هو الأصل، كما مر بنا، خاصة إذا وجدت اعتبارات تدعو إليه.

وأما الإلزام بذلك، فهو موضع نظر واجتهاد، والظاهر أن هذا جائز بشرط وجود الحاجة الفعلية لذلك، على أن يرجع في تقدير تلك الحاجة إلى أهل العلم وأهل الحل والعقد في تلك البلدة.

ويكون هذا من باب القاعدة الشرعية المعروفة: تصرف الإمام على الرعية منوط بمصلحتها.

المسألة الرابعة: هل يجوز اشتراط الزوجة في العقد عدم التعدد، وإلا فلها حق فسخ العقد؟

الأصل في عقد الزواج هو الديمومة والاستمرار، ولكن إذا اشترطت الزوجةُ في العقد ألا يتزوج زوجها ثانيةً، فيلزم الوفاءُ بالشرط، وإن أبى زوجها فلها الحق أن تطلب من القاضي الفراق، وهذا مذهب الإمام أحمد، وهو قول المحققين من أهل العلم، واختاره ابن تيمية وابن القيم.

قال ابن قدامة رحمه الله: " إذا اشترط لها أن لا يخرجها من دارها أو بلدها، أو لا يسافر بها، أو لا يتزوج عليها: فهذا يلزمه الوفاء به، فإن لم يفعل فلها فسخ النكاح، روي هذا عن عمر وسعد بن أبي وقاص وعمرو بن العاص رضي الله عنهم "[44].

وقال الشيخ ابن عثيمين: " إذا اشترطت ألا يتزوج عليها فإن هذا يجوز. وقال بعض العلماء: إنه لا يجوز؛ لأنه حجر على الزوج فيما أباح الله له، فهو مخالف للقرآن: (فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ) النساء/3، فيقال في الجواب على ذلك: هي لها غرض في عدم زواجه، ولم تعتد على أحد، والزوج هو الذي أسقط حقه، فإذا كان له الحق في أن يتزوج أكثر من واحدة، أسقطه، فما المانع من صحة هذا الشرط؟

ولهذا؛ فالصحيح في هذه المسألة ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله من أن ذلك الشرط صحيح"[45].   

وينبغي أن يُعلم أن الزوج إذا أخل بهذا الشرط: لم تطلق زوجته بمجرد ذلك، بل يثبت لها الحق في فسخ النكاح، فإما أن تفسخ، وإما أن تتنازل عن الشرط وترضى بما فعل الزوج، وتبقى زوجة له.

قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: "من الشروط الصحيحة في النكاح: إذا شرطت عليه أن لا يتزوج عليها، فإن وفّى، وإلا فلها الفسخ ؛ لحديث: ( أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ )[46].

ومن العلماء أيضا من أجاز لها أن تشترط عليه مبلغا من المال إذا عدد، فقد جاء في التزامات الحطاب المالكي: أن الزوجة إذا اشترطت على زوجها في عقد النكاح أنه إذا تزوج عليها يلزم بدفع مبلغ كذا من المال إليها صح الشرط، ووجب الوفاء به، وإن تزوج عليها لزمه دفع المال المشروط إليها[47].

المسألة الخامسة: حكم طلب الطلاق بسبب زواج الرجل عليها

وأما إذا لم تشترط الزوجة في العقد على زوجها ألا يتزوج عليها، ثم تزوج عليها بعد العقد، فإنه ليس لها أن تطلب الطلاق بمجرد زواجه من ثانية.

وقد ذكر العلماء الأحوال التي يجوز فيها للمرأة طلب الطلاق، وليس من هذه الأحوال أن يتزوج عليها أخرى، لأن التعدد مشروع بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ولأن التعدد حقٌ مشروعٌ للزوج بشروطه كما سبق.

وقد ثبت عن ثوبان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أيما امرأةٍ سألت زوجها طلاقاً من غير بأسٍ، فحرامٌ عليها رائحةُ الجنة»[48].

ومعنى قوله «من غير بأس»: أي من غير شدةٍ تلجئها إلى سؤال المفارقة. وقوله «فحرامٌ عليها رائحةُ الجنة» أي ممنوعٌ عنها، وذلك على نهج الوعيد والمبالغة في التهديد أو وقوع ذلك متعلقٌ بوقتٍ دون وقت أي لا تجد رائحة الجنة أول ما وجدها المحسنون[49].

وقال الحافظ ابن حجر: الأخبار الواردة في ترهيب المرأة من طلب طلاق زوجها محمولةٌ على ما إذا لم يكن بسبب يقتضى ذلك لحديث ثوبان...، ولحديث أبي هريرة مرفوعا: المنتزعات والمختلعات هن المنافقات[50].

 ومع هذا، فقد قرر الفقهاء أنه يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق إذا كانت حياتها منغصةً مع زوجها، ويسيء لها ولا يعاشرها بالمعروف، وُيلحق بها الأذى والضرر، فيجوز لها حينئذ أن تطلب من زوجها أن يطلقها، فإن رفض وامتنع، فلها أن ترفع الأمر للقاضي الذي يجوز له أن يطلقها إذا ثبت لديه صحة دعواها.

ولا يكون لها هذا الحق إلا إذا لحقها ضررٌ فعلي، معنوي أو مادي.

قال الدردير المالكي:

ولها أي للزوجة التطليق على الزوج بالضرر، وهو ما لا يجوز شرعاً كهجرها بلا موجبٍ شرعيٍ، وضربها كذلك وسبها وسب أبيها... لا بمنعها من حمامٍ وفرجةٍ وتأديبها على ترك صلاةٍ أو تسرٍ أو تزوج عليها، ومتى شهدت بينةٌ بأصل الضرر، فلها اختيار الفراق[51].

المسألة السادسة: هل يشترط إعلام الزوج زوجته الأولى بأنه يريد أن يعدد، أو إذنها له؟

شرع الإسلام للزوج الزواج من أربع زوجات إذا كان قادرا على العدل بينهن، قال تعالى: فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا {النساء:3}.

فاشترط لذلك العدل، ولم يشترط رضا الزوجة الأولى أو علمها ونحو ذلك.

ومع ذلك، فربما يكون الأحسن أن يخبرها، ويمهد لها بذلك، وأن يطيب خاطرها بكلام طيب أو بهدية، ونحوها، كي يهيئها لهذا الأمر الذي يشق عليها غالبا، ولكي تستقيم لهما الأمور فيما بعد.

المسألة السابعة: أحكام يجب مراعاتها عند تعدد الزوجات

يثور لدى من يريد التعدد، أو من له أكثر من زوجة بعض المسائل التي قد لا يعرف لها جوابا، ولا يتيسر من يسأله عنها. وفيما يلي نعرض لأهم هذه التساؤلات، ثم نجيب عليها من كلام الأئمة الفقهاء.

 فمن هذه التساؤلات:

  1. كيف يعدل الرجل بين زوجاته؟ وكيف يسوي بينهن في النفقة؟
  2. هل يلزم التسوية بين الزوجات في الجماع والحب؟ أو أن العدل يقتصر على المبيت فقط؟
  3. هل يجوز للرجل السفر بإحدى زوجاته دون رضا الأخريات؟ وهل يختلف الحكم إن كان السفر من أجل العلاج أو طلب العلم؟ وهل يقضي للأخريات إذا رجع من السفر أم لا؟ 
  4. هل يجوز للرجل الدخول أو المكوث عند واحدة من زوجاته في يوم الأخرى؟ وهل يجوز أن يجامعها في يوم ضرتها؟ وهل يباح الخروج للنزهة مع إحدى زوجاته في يوم الأخرى؟
  5. هل يجوز الذهاب إلى الزوجة الثانية في نوبة الأولى بسبب إيذاء الأولى وسوء خلقها؟
  6. وهل يجوز لمن زهد في زوجته ان يشترط عليها ان تعفيه من النفقة او الجماع أو يعدد؟ أو أن هذا يكون من خيانة العشرة وقلة الوفاء لها؟

 

ونجيب عن ذلك فيما يلي:

أولا: العدل بين الزوجات هو أن تعطي لكل حقها من النفقة والمسكن ونحو ذلك، ومن العدل كذلك القسم بينهن في المبيت، ولا يشترط عليه أن يعدل بينهن في الجماع، لكن لا يجوز له أن يترك التلذذ بواحدة لتتوفر لذته للأخرى، وأما القسم في المحبة فهذا ليس في مقدور البشر، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك".

ثانيا: بالنسبة للسفر بإحدى الزوجات، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سافر أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها سافر بها، ولا فرق بين السفر للعلاج أو طلب العلم، فلا بد من إذن الزوجات إذا أراد السفر بواحدة منهن دون القرعة. ولا قضاء عليه حينئذ إذا رجع من السفر للاتي لم يخرج بهن[52].

ثالثا: يجوز للرجل الدخول على زوجته في يوم ضرتها، لكن لا يمكث عندها كثيراً، قالت عائشة: كان النبي صلى الله عليه وسلم ما من يوم إلا ويطوف علينا جميعاً امرأة امرأة فيدنو ويلمس من غير مسيس، حتى يفضي إلى التي هو يومها فيبيت عندها.

أما الخروج للنزهة مع إحدى زوجاته في غير ليلتها فلا ينبغي، لأنه جور على صاحبة الليلة.

فالعدل الواجب يكون في المبيت، والنهار يدخل في القسم تبعا لليل، فلا يجوز لك الدخول على الزوجة في غير نوبتها، والبقاء عندها نهاراً، إلا لحاجة.

قال الحجاوي: وكذا يحرم دخوله نهارا إلى غيرها، إلا لحاجة[53].

وقال ابن قدامة: وأما الدخول في النهار إلى المرأة في يوم غيرها، فيجوز للحاجة من دفع النفقة، أو عيادة، أو سؤال عن أمر يحتاج إلى معرفته، أو زيارتها لبعد عهده ونحو ذلك[54]. اهـ.

رابعا: جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم جامع مارية في بيت حفصة وهي غائبة، علماً بأن مارية ليست زوجة لأنها مما ملكت اليمين، وطبعاً يوجد فرق كبير بين الجنسين، لكن إذا كان اليوم يوم التي جامعها في بيت الأخرى، وكان البيت ملكاً له، فالأظهر جواز ذلك، وإن كان الأولى تركه إذا كان لكل واحدة بيت وفراش، لما علم من شدة الغيرة بين الضرائر.

خامسا: لا يسوغ أن تبقى في بيت الزوجة الثانية في غير نوبتها، لكون بيتها أكثر هدوءا، أو كونها أحسن استقبالاً لك، وتفاهماً معك، لكن إذا رضيت الزوجة الأولى بأن تبقى في بيت الثانية نهاراً في نوبتها، فلا حرج عليك حينئذ، وإذا رجعت وطالبت بحقها، فلها ذلك، ولا يجوز لك ترك المبيت عندها في نوبتها، إلا إذا رضيت بذلك، أو نشزت عليك، فيسقط حقها من القسم حينئذ.

قال ابن قدامة: فإن قسم لإحداهما، ثم جاء ليقسم للثانية، فأغلقت الباب دونه، أو منعته من الاستمتاع بها، أو قالت: لا تدخل علي، أو لا تبت عندي، أو ادعت الطلاق، سقط حقها من القسم، فإن عادت بعد ذلك إلى المطاوعة، استأنف القسم بينهما ولم يقض الناشز؛ لأنها أسقطت حق نفسها[55].

سادسا: إذا خافت المرأة من زوجها أن ينفر عنها، أو يعرض عنها، فلها أن تسقط حقها أو بعضه، من نفقة أو كسوة، أو مبيت، أو غير ذلك من الحقوق عليه، وله أن يقبل ذلك منها فلا جناح عليها في بذلها ذلك له، ولا عليه في قبوله منها ; ولهذا قال تعالى: (فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا) ثم قال (والصلح خير) أي: من الفراق. ولهذا لما كبرت سودة بنت زمعة عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على فراقها، فصالحته على أن يمسكها، وتترك يومها لعائشة، فقبل ذلك منها وأبقاها على ذلك.

عن ابن عباس قال: خشيت سودة أن يطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، لا تطلقني واجعل يومي لعائشة. ففعل، ونزلت هذه الآية: (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزًا أو إعراضًا) الآية، قال ابن عباس: فما اصطلحا عليه من شيء فهو جائز.

وفي الصحيحين، من حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: لما كبرت سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لها بيوم سودة.

وروى البخاري عن عائشة: (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزًا أو إعراضًا) قالت: الرجل تكون عنده المرأة، ليس بمستكثر منها، يريد أن يفارقها، فتقول: أجعلك من شأني في حل. فنزلت هذه الآية[56].

الخاتمة: (النتائج والتوصيات):

يمكن أن نخلص من هذا البحث إلى النتائج والتوصيات التالية:

  1. جواز التعدد مقرر شرعا، ولو لم يكن بالزوجة عيب في خلقها أو خلقتها أو شيء متعلق بالإنجاب وغير ذلك، وتقييد التعدد بهذه القيود مخالفة للشرع وتحريم لما أحل الله وتضييق لما وسعه، وهو الحكيم الخبير الرحيم بعباده العالم بمصالحهم.
  2. في تعدُّد الزَّوجات ما لا يخفى من الحكم الجليلة، ومن ثَمَّ؛ أباح الإسلام للرَّجُل الزواج بأكثرَ من واحدةٍ إلى أربع نسوة، بشرْط أن تتوفَّر قدرته الماليَّة والبدنيَّة، وبشرْط ألاَّ يَخشى عدَم العدْل إذا جَمع بين أكثرَ من امرأة.
  3. كراهية التعدد أمرٌ طبعي في النساء، وليس عيبا ولا قدحا في دين المرأة أن ترفض زواج زوجها عليها، وفرق بين كراهية نفس التشريع وبين كراهية المرأة أن يتزوج عليها زوجها.
  4. للمرأة على الصحيح من أقوال الفقهاء - أن تشترط الطلاق في العقد لو تزوج عليها زوجها.
  5. للتعدد ضوابط وشروط، كما أن له توابع وتبعات، والواجب على الرجل أن يقدر ذلك جيدا قبل أن يعدد.
  6. التعدد يختلف حكمه، ويفصل فيه بحسب حال الشخص؛ فقد يجب، وقد يستحب، وقد يحرم، وقد يكره، وقد يباح.
  7. الأفضل لمن خاف عدم العدل، أن يقتصر على واحدة، وكذلك الفقير وطالب العلم ومن تكثر مشاغله، أو يعلم من نفسه عدمَ رجحان العقل أو ضيقَ الصدر، ومن لم تمس حاجته للتعدد.
  8. حرب الإعلام أدت إلى تشويه قضية التعدد في أذهان العامة، مستغلين أخطاء بعض المعددين، وهذا غالبا بسبب سوء الفهم وسوء التطبيق، وأما التشريع نفسه فكله حكمة ورحمة.
  9. ليس من المروءة كثرة حديث الرجل أمام زوجه عن التعدد وتهديدها به.
  10. يتعلق بالتعدد أحكام وضوابط يجب على المعدد أن يتعلمها، لكيلا يقع منه جور أو ظلم، ولكي تستقيم الأمور، وتنضبط الأحوال.

 

وصايا هامة في قضية التعدد:

ونحب أن نختم هذا البحث بوصايا هامة حول هذا الموضوع، نوجهها للمرأة التي ترضى بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا ورسولا، كما نوجهها لكل مؤمن بعدالة رب العالمين، محب لهذه الشريعة أن تسود، وللخير أن يعم المسلمين، ولحكم الله أن يعلو، (ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون).

الوصية الأولى: يا نساء المسلمات اعتدلن في الغيرة

فنحن لا نطالب المرأة أن لا تغار على زوجها وترضى أنّ زوجة أخرى تشاركها فيه، فذلك أمر طبيعي وفطري لا يمكن سلامة النفوس منه، لكن ما نريده من الزوجة الأولى هو أن لا تدفعها هذه الغيرة الغريزية إلى أن تقف أمام رغبة الزوج في الزواج من أخرى أو المكر والكيد بشتى الوسائل لتحقيق إخفاق هذا الزواج والضغط على الزوج ليطلق الأخرى، أو التصرف بطريقة تجبر الزوجة الأخرى على الاحساس بأنّها متطفلة، وأنّها قد سرقت زوجاً من زوجته وأباً من أطفاله وبيته مّما يدفعها إلى الانسحاب وطلب الطلاق أو الشعور بالخزي بسب موافقتها على الزواج من متزوج.

 كذلك ينبغي أن تعرف كل واحدة حدود ما أباح الله وأن تحذر تعدي هذه الحدود معتذرة بما فطرها عليه من خصال الأنوثة، ولتكن الغيرة الفطرية أيّتها الأخت الزوجة الأولى دافعاً لك لإرضاء الله أولاً ثم إرضاء الزوج ثانياً بموافقته والابتعاد عما يثير غضبه وحزنه كي تستأثري بمودته وحبه ورحمته، فأنت بزواجك منه لم تمتلكيه إلى الأبد.

 أمّا اتخاذ المواقف المناقضة لذلك والنافية للشرع وادعاء المحبة للزوج فلا تعود عليك إلاّ بخلافات زوجية لا تنتهي وحياة أسرية قلقة لا تستقر، وخنق للزوج وإثارة لحفيظته وإيغار لصدره، وكل ذلك ينحت من الحب المستقر في القلب ويضفي على المودة والرحمة ظلالاً قاتمة ويحيل السكن إلى بيت للعنكبوت، ولك في أمهات المؤمنين زوجات النبي صلى الله عليه وسلم والصحابيات الجليلات أكبر قدوة في ذلك، فقد عدد النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك الخلفاء الراشدون وعدد كبير من الصحابة ولم يعلم عن أحد من تلك النّساء غضب أو اعتراض على التعدد أو كره له أو هروب من المنزل أو طلب للطلاق بسببه كما هو الحال عند بعض نساء هذا الزمن مّمن قل علمهن وضعف إيمانهن.

الوصية الثانية: أيتها المسلمة: إياك والأنانية، ولا ترضين لأختك ما لا ترضينه لنفسك

إنّنا إذا تكلمنا عن التعدد وطالبنا فيه فإنّنا نطالب بالتعدد بامرأة مسلمة مسكينة عاطلة لم تجد زوجاً وتبحث عن نصف أو حتى ربع زوج، لكن بعض النّساء المتزوجات لا يرغبن ذلك، بل لسان حالهن يقول: "اتركوها تجلس بدون زوج حتى لو كانت مسلمة، اتركوها تموت محرومة لا تأخذ مني زوجي"، هذه هي الأنانية، هذا هو عدم الشعور بالرحمة للمسلمات، ذلك نتيجة العاطفة والرغبة القلبية دون نظر ولا اعتبار للمصالح الشرعية التي تضمنها التعدد، فهل من الخير أن تتمنع بعض النّساء مع أزواجهن وتبقى الأغلبية محرومات من عطف الرجل والعائل؟

وما هي الجريمة التي ارتكبنها حتى يطبق عليهن هذا العقاب الصارم من أناس فقدوا العطف والرحمة، إنّ هذه إلاّ أنانية في النّساء المتزوجات ومن يجاريهن من الرجال الأزواج الذين أسرتهم زوجاتهم فلا يدورون إلاّ في فلكهن ولا ينظرن إلاّ بمنظارهم، وإلاّ فما الذي يضير المرأة المتزوجة أن يضم إليها زوجها زوجة ثانية وثالثة ورابعة، مادام قادراً على النفقة عليهن والعدل بينهن في كل شيء، أهو حب الزوج وعدم القدرة على الصبر عنه وهي التي تصبر عنه أيّاماً طويلة في سفره وعند غيابه عن البيت؟!

أهو التملك والاستئثار به؟! أم هو الحسد والأنانية فقط؟!

لتتصور كل زوجة نفسها مكان المرأة المحرومة التي لم تجد زوجاً لتعرف مدى المعاناة التي تعانيها تلك المرأة المحرومة!.

إنّ من الإنصاف والعدل والمساواة وتحكيم العقل أن تفكر المرأة في أختها من بني جنسها وفي مصيرها وواقعها المؤلم الذي تعيشه، وما فعلت ذنباً تستحق بموجبه هذه العقوبة القاسية وهي حرمانها من الزوج والعائل والولد، سوى أنّها كانت ضحية أختها المتزوجة وأنانيتها!

فضلاً عن المخاطر والمفاسد التي قد تنشأ من بقائها بلا زوج ولا معيل إذ قد تضطرها الظروف وتلجئها الحاجة إلى ارتكاب الإثم والفاحشة فتهدر بذلك كرامتها وتضيع إنسانيتها وتبيع بعضها بأرخص الأثمان على مذبح الفاقة والحاجة؟

الوصية الثالثة: يا معشر النساء: انتبهن لما يدبر لكن

يجب تنبيه النساء المسلمات إلى الدور المفسد الذي تقوم به الجمعيات النسوية المدعومة غربياً في إفساد أحوال الأسرة المسلمة في كثيرٍ من جوانب الحياة، ومنها محاربةُ قضية تعدد الزوجات، وتشجيع النساء على طلب الطلاق في حال حصول التعدد.

فلا ينسقن وراء هذه الدعوات المغرضة، ولا يركضن وراء أصحاب تلك النوايا الخبيثة، بدون وعي منهن، وبدون علم بما يراد لهن من سوء وشر.

وليكن معلوما لديكن أن ما يحصل الآن من ممارسات سيئة من قبل بعض الأزواج المعددين ينبغي ألا تحسب على التعدد وإنّما تحسب عليهم وحدهم.

 وهؤلاء هم الذين أساءوا للتعدد وجعلوا منه بعبعاً مخيفاً لكثير من النّساء، لأنّ الرجل لو عدل مع زوجاته لسعدن بذلك ولا نتفت المشاكل، فأكثر النّساء يكرهن التعدد لأنّ أزواجهن لم يعدلوا معهن.

 فالخطأ ليس بالتشريع وإنّما الخطأ في التطبيق، ولو أنّ الرجال إذا تزوجوا عدلوا لاستقامت الحياة وقلت المشاكل ورضي الجميع، ولربّما دعت النّساء إلى التعدد.

وإذا كان هناك من لا يعدل بين زوجاته فهذه قضية تحتاج إلى علاج يستأصل الداء ويداوي السقم، لكن استئصال الداء لا يكون بمنع التعدد الذي فيه الكثير من الفوائد.

وهل يقول عاقل بإلغاء التعامل بين النّاس تجنباً للمشكلات التي يقوم بها البعض مّمن فسدت أخلاقهم وفقدوا السجايا الحميدة، وإذا كانت إساءة قسم من هؤلاء الجهلة قد تحققت في أمر تعدد الزوجات فإنّ هذه الإساءة لا تعد شيئاً يذكر إذا نظرنا إلى الفوائد العظيمة التي نجنيها من هذا النظام الرباني، وإلى المفاسد الكبيرة التي تنجم عن تركه.

الوصية الرابعة: ضرورة الوعي بهذه القضية ففي ذلك خير كبير للمسلمين، وحل لكثير من مشاكلهم

وإذ قد تبين لنا أهمية التعدد وحاجة المجتمع إليه، فمن ثم وجب الاهتمام به والكتابة عنه كثيراً وتعاون للجميع لتأصيله والترغيب به رجاء تصحيح ما راج بين المسلمين من تصور خاطئ عن تعدد الزوجات، واعتباره عند البعض ظلماً للمرأة وهضماً لحقها وخيانة لها، ولا سيما والحاجة اليوم ماسة لذلك وغداً ستكون أشد حاجة.

وهناك ثلاث جهات تستطيع بإذن الله تبني هذا الموضوع والتوعية به والدعوة إليه، وهي:

1- وسائل الإعلام بجميع مجالاتها:

وذلك بالكتابة عنه وإعداد الدراسات والندوات التي تعالج هذا الموضوع، وأيضاً رفض ومقاطعة كل ما يتعارض معه من خلال ما يكتب في الصحف أو يعرض في المسلسلات والأفلام ونحوها.

2- المدارس والهيئات التعليمية:

وذلك بإدراج هذا الموضوع ضمن المناهج الدراسية في المراحل المتقدمة وجعله ضمن إحدى المواد الإسلامية لكي تتعرف الطالبات على أهميته وفوائده وينشأن على عدم كراهيته والخوف منه.

3- أئمة المساجد:

وذلك بالحديث عنه وعن فوائده وعن حاجة بعض النّساء إليه في خطب الجمعة وفي الأحاديث اليومية بين حين وآخر، أو في أحاديث رمضان عندما يكون هناك حضوراً نسائياً كبيراً.

فإنّها إذا تضافرت الجهود وتعاون الجميع في هذا الموضوع فإنّه سيصبح بإذن الله أمراً عادياً ومألوفاً بين النّاس كما كان في المجتمعات السابقة فيسهل بذلك التعدد بالنسبة للرجال وتخف وطأته على النّساء، وتتحصن المحرومات ويُقضى على العوانس والأرامل والمطلقات ويسعد الجميع بإذن الله[57].

إنّ مجتمعنا بحاجة ماسة إلى قنوات توجيه تساهم في توعية الرجل إلى كيفية تسيير حياته الزوجية معدّدًا كان أو غير ذلك، وكذلك تعتني بتثقيف المرأة أنّ تعدد زوجها ليس بالضرورة علامة على عدم حبّه لها أو تقصيره في حقّها، وألاّ تهتم بكلام الآخرين مادامت في حياتها سعيدة، ومادام زوجها قائماً بالواجبات الشرعية على أحسن وجه.

كما إنّه من المهم أن تنظر المرأة التي اختار زوجها أن يعدد إلى الحياة نظرة إيجابية، وتحاول أن تهيئ وسائل السعادة وهي كثيرة.

وإنّ المؤمل بالرجل الذي يعزم على التعدّد أن يتلطف في إخبار زوجته، وأن يختار الأوقات المناسبة، وأن يعلم أنّ الأمر ليس هيناً على المرأة مهما بلغت من مكانة، وأن يبالغ لاسيما في الأيّام الأولى من زواجه من إظهار ألوان المودة للأولى وإشعارها بأنّ مكانتها في ازدياد، وأنّ زواجه من أخرى لا يعني بحال موقفاً منها ولا انصرافاً عنها.

كما أنّ على من عدّد أن يتجنب كافة أنواع الظلم بالكلمة أو بالتقصير في النفقة أو البخل أو غير ذلك، وأن يدرك الرجل المعدّد أنّ استهانته بالعدل قد يتسبب في انتكاسة المرأة الصالحة وتركها لطريق الخير ويتحمل هو نتائج هذا الأمر[58].

وفق الله الجميع لما يحب ويرضى، والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 


([1]) رواه مسلم.

([2]) انظر: محمد الأزهري الحنبلي- موقع الألوكة، ومقال بعنوان: إنها امرأة مغفلة.

([3]) انظر مقال: التعدد نعمة وليس نقمة - موقع طريق الإسلام - بتصرف - هذا؛ قد ذكر العلامة محمد الأمين الشنقيطي في "أضواء البيان" طرفًا من الحِكَم الباهرة لتعدُّد الزوجات عند قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9]، حيث قال: "ومِن هَدْي القرآن للتي هي أقوم: إباحتُه تعدُّدَ الزوجات إلى أربع، وأن الرجل إذا خاف عدم العدل بينهن، لزمه الاقتصار على واحدة، ولا شك أن الطريق التي هي أقومُ الطرق وأعدلها هي إباحة تعدد الزوجات؛ لأمور محسوسة يعرفها كلُّ العُقَلاء: منها: أن المرأة الواحدة تحيض وتمرض وتنفس إلى غير ذلك من العوائق المانعة من قيامها بأخص لوازم الزوجية، والرجل مستعدٌّ للتسبب في زيادة الأُمة، فلو حُبِس عليها في أحوال أعذارها، لعطلت منافعه باطلاً في غير ذنب. ومنها: أن الله أجرى العادة بأن الرجال أقلُّ عددًا من النساء في أقطار الدنيا، وأكثر تعرضًا لأسباب الموت منهن في جميع ميادين الحياة، فلو قُصِر الرجل على واحدة، لبقي عدد ضخم من النساء محرومًا من الزواج، فيضطرون إلى ركوب الفاحشة؛ فالعدول عن هدي القرآن في هذه المسألة من أعظم أسباب ضياع الأخلاق، والانحطاط إلى درجة البهائم في عدم الصيانة، والمحافظة على الشرف والمروءة والأخلاق، فسبحان الحكيم الخبير! {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} [فصلت: 1]. ومنها: أن الإناث كلَّهن مستعدات للزواج، وكثير من الرجال لا قدرة لهم على القيام بلوازم الزواج؛ لفَقْرِهم، فالمستعدون للزواج من الرجال أقل من المستعدات له من النساء؛ لأن المرأة لا عائق لها، والرجل يعوقه الفقر، وعدم القدرة على لوازم النكاح، فلو قصر الواحد على الواحدة، لضاع كثير من المستعدات للزواج أيضًا بعدم وجود أزواج، فيكون ذلك سببًا لضياع الفضيلة وتفشي الرذيلة، والانحطاط الخُلقي، وضياع القيم الإنسانية - كما هو واضح - اهـ. باختصار بسيط.

([4])  تفسير ابن كثير تفسير ابن كثير ت سلامة (2/ 430).

([5]) (زاد المسير 2/219).

([6]) (شرح الترمذي 5/80).

([7]) نقلا عن موقع لها أون لاين.

([8]) عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بمصر. انظر مقال بعنوان: تعدد الزوجات هو الأصل، نقلًا عن موقع: شبكة الأخبار العربية (محيط).

([9]) رئيس قسم الفقه المقارن بكلية الدراسات الإسلامية. انظر مقال بعنوان: تعدد الزوجات هو الأصل، نقلًا عن موقع: شبكة الأخبار العربية (محيط).

([10]) انظر: كتاب: فضيلته: (تنظيم الأسرة وتنظيم النسل) - نقلًا عن بحث بعنوان: (الفقه الإسلامي وأثره في بناء المجتمع "فقه الأسرة أنموذجًا"، نقلًا عن بحث بعنوان: (الفقه الإسلامي وأثره في بناء المجتمع "فقه الأسرة أنموذجًا")، للدكتور علي جميل خلف، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، جامعة ديالى بالعراق، كلية العلوم الإسلامية، عن موقع: http://islamic.uodiyala.edu.iq.

([11]) انظر مقال بعنوان: تعدد الزوجات هو الأصل، نقلًا عن موقع: شبكة الأخبار العربية (محيط). وبذلك أيضا جاءت الفتوى في موقع: فتاوى واستشارات الإسلام اليوم (12/ 162)؛ ففيها: الأصل في الزواج التعدد؛ لقوله تعالى: "وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا" [النساء:3]، فدلت الآية على أن الأصل هو التعدد، وهذه القضية ثابتة شرعاً وعقلاً. اهـ.

([12]) انظر ما تكرر في عدة مواضع على موقع فضيلته.

([13]) رئيس قسم الشريعة بكلية الحقوق جامعة حلوان، وعضو مجمع البحوث الإسلامية، وانظر: تعدد الزوجات هو الأصل.

([14]) رئيس لجنه الفتوى بالأزهر الأسبق، انظر: مقال: رأي العلماء في مسألة تعدد الزوجات، نقلًا عن موقع: الشبكة الوطنية الكويتية.

([15]) راجع فتوى صوتية لفضيلته على موقع اليوتيوب.

([16]) المجموع 16/137.

([17]) الإنصاف 12/204.

([18]) الشرح الممتع 10/119- نقلا عن شبكة يسألونك.

([19]) تفسير التحرير والتنوير، للطاهر بن عاشور التونسي (النساء:3).

([20]) رواه البخاري، واللفظ له (كتاب: الشركة، باب: شركة اليتيم وأهل الميراث)، ومسلم (كتاب: التفسير).

([21]) تفسير القرآن العظيم، لابن كثير (النساء:3).

([22]) رواه البخاري (كتاب: النكاح، باب: كثرة النساء).

([23]) انظر: فتح الباري، لابن حجر العسقلاني (9/114)، الناشر: دار المعرفة، بيروت، 1379هـ، رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، قام بإخراجه وصححه وأشرف على طبعه: محب الدين الخطيب، عليه تعليقات العلامة: عبد العزيز بن عبد الله بن باز.

([24]) السابق.

([25]) رواه ابن ماجه (كتاب: النكاح، باب: ما جاء في فضل النكاح)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2383).

([26]) رواه أبو داود (كتاب: النكاح، باب: النهي عن تزويج من لم يلد من النساء)، والحاكم (كتاب: النكاح)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزياداته (2940).

([27]) رواه أحمد (مسند المكثرين من الصحابة، مسند أنس بن مالك)، والطبراني في الأوسط (باب: الميم، من اسمه: محمد)، وصححه الألباني في التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (4017).

([28]) رواه البيهقي في السنن الكبرى (كتاب: النكاح، باب: الرغبة في النكاح)، ومسند الروياني (أبو غالب عن أبي أمامة)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1782).

([29]) رواه أحمد (مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن عمرو بن العاص)، والطبراني في المعجم الكبير (باب: العين، عبد الله بن عمرو بن العاص)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1830).

([30]) رواه أحمد (مسند المكثرين من الصحابة، مسند أنس بن مالك)، والحاكم (كتاب: النكاح)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزياداته (3124).

([31]) المغني، لابن قدامة (7/5)، والشرح الكبير على متن المقنع، له أيضًا (7/336)، الناشر: دار الكتاب العربي للنشر والتوزيع، أشرف على طباعته: محمد رشيد رضا صاحب المنار.

([32]) صفة الجنة، لأبي نعيم الأصبهاني، واللفظ له (1/147)، المحقق: علي رضا عبد الله، الناشر: دار المأمون للتراث بدمشق سوريا، والبعث والنشور، للبيهقي (1/210)، تحقيق: الشيخ عامر أحمد حيدر، الناشر: مركز الخدمات والأبحاث الثقافية، بيروت، الطبعة: الأولى، 1406هـ/1986م.

([33]) رواه البخاري (كتاب: النكاح، باب: يقل الرجال ويكثر النساء).

([34]) رواه البخاري (كتاب: أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لو كنت متخذًا خليلًا")، ومسلم (فضائل الصحابة، باب: من فضائل أبي بكر الصديق).

([35]) رواه البخاري (كتاب: المظالم والغصب، باب: الغرفة والعلية المشرفة وغير المشرفة).

([36]) رواه الحاكم (كتاب: النكاح)، والطبراني في المعجم الأوسط (باب: الألف، من اسمه أحمد)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1916).

([37]) التيسير بشرح الجامع الصغير، للمناوي القاهري (2/419) بتصرف بسيط، الناشر: مكتبة الإمام الشافعي الرياض، الطبعة: الثالثة، 1408هـ/1988م، و فيض القدير شرح الجامع الصغير، للمناوي أيضًا (6/137)، الناشر: المكتبة التجارية الكبرى مصر، الطبعة: الأولى، 1356هـ.

([38]) رواه البخاري (كتاب: أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، باب: ذكر أصهار النبي صلى الله عليه وسلم)، ومسلم، واللفظ له (فضائل الصحابة، باب: فضائل فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم).

([39]) رواه البخاري (كتاب: الإيمان، باب: من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، ومسلم (كتاب: الإيمان، باب: الدليل على أن من خصال الإيمان أن يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه).

([40]) نقلًا عن الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله، شرح كتاب: النكاح من صحيح البخاري (باب: كثرة النساء).

([41]) نقلًا عن موقع: الإسلام سؤال وجواب، فتوى بعنوان: هل يتزوج الثانية وله حاجة ملحة وقد يؤدي لطلاق الأولى؟

([42]) انتهى من "مدارج السالكين" (2/175).

([43]) رواه البخاري (6487) ومسلم (2823) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه.

([44]) انظر: المغني (9/483).

([45]) "الشرح الممتع" (5/243).

([46]) انظر: الاسلام سؤال وجواب.

([47]) نقلًا عن موقع دار الإفتاء المصرية، من فتوى بعنوان: الربح الناتج عن شرط جزائي في العقد حلال، المفتي: الشيخ أحمد هريدي، 13 يونية 1986م.

([48]) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة والحاكم، وقال الترمذي: حديث حسن، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني.

([49]) تحفة الأحوذي 4/307-308.

([50]) فتح الباري 9/402. وحديث أبي هريرة المذكور، رواه أحمد والنسائي، وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني.

([51]) الشرح الكبير 2/345. وانظر: فتاوى: د/ حسام الدين عفانة ().

([52]) انظر: فتاوى اللجنة الدائمة - 1 (19/ 200).

([53]) الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل (3/ 246).

([54]) المغني لابن قدامة (7/ 307).

([55]) المغني لابن قدامة (7/ 307)، وانظر: فتاوى الشبكة الإسلامية (13/ 4704).

([56]) انظر: تفسير ابن كثير للآية من سورة النساء. وحديث ابن عباس رواه أبو داود والترمذي.

([57]) انظر: التعدد نعمة وليس نقمة - المصدر: موقع وذكر الإسلامي، وكذلك موقع طريق الإسلام.

([58]) انظر: مقال د. رقية المحارب - موقع لها أون لاين.