logo

تصدعات تربوية


بتاريخ : الاثنين ، 25 جمادى الأول ، 1436 الموافق 16 مارس 2015
بقلم : تيار الاصلاح
تصدعات تربوية

تبقى حالة الطفل ماثلة أمام المربي حين تربيته، كما تتجلى حالة المريض أمام الطبيب حين معالجته، يراعي حالته ومقدرته ومزاجه؛ فيكون أثر التربية أتم وأعظم ثمرة، وهذا هو أساس معاملة الكبار مع الصغار، ويختلف أسلوب التعامل مع الطفل من شخص لآخر، ومن طفل لطفل، ومن وقت لآخر، وسنستعرض بعض الأساليب الخاطئة في التعامل مع الطفل، التي أصابت التربية بصدع عظيم وشرخ كبير، لنتجنبها قدر المستطاع، ومن هذه الأساليب:

 

التربية المادية والنعيم الزائد:

 

أبناؤنا كيف نربيهم؟ ربيناهم تربية مادية، وهيَّأناهم تهيئة مادية، فجعل الواحد همَّه في زخرف من زخارف الدنيا، هيَّأنا لهم كل مادة، لكنا لم نرب أرواحهم، ثم نرجو نجاتهم، فوالله ما مثلنا إلا كقول القائل:

 

                     ألقاه في الماء مكتوفًا وقال له   إياك إياك أن تبتل بالماء

 

هناك تربية أعلى من المادة؛ تربية روحية قيمية، ذكرها الله تعالى وهو يبين الحيثية الحقيقية لخَلْق الإنسان، فهو لم يُخلق لمادته فحسْب، ولكن لرسالة أسمى، خلق ليعرف القيم والرب والدين، وأن يعمل لحياة أخرى غير هذه الحياة المادية، فقال تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ} [الكهف:1].

 

إن من أخطر الأدواء التي تودي بحياة الأمة الترف، إنه داءٌ عضال، ومقتٌ ووبال، يقتل النخوة، ويقضي على البطولة، ويخمد الغيرة، ويفرز الوهن، ويكبت المروءة، ويضعف الهمة، ويفرز غثاءً متسكعًا، يعيش بلا عقل ولا علم ولا تفكير.

 

همه ما يأكله، وقيمته ما يخرجه، يذكر اليوم وينسى الغد، أشباحٌ بلا أرواح، جسومٌ بلا رءوس، والسبب الترف بغير ما هدف.

 

سقطت فئةٌ من شباب الأمة في أوحال المسكرات والمخدرات، وعلى رأس الأسباب الترف، قال الله تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} [الإسراء:16].

 

ها هي فاطمة رضي الله عنها، ريحانة رسول الله صلى الله عليه وسلم، اشتكت ما تلقى من أثر الرحى، فقد جرت بها حتى أثرت في يدها، واستقت بالقربة حتى أثرت في نحرها، وقمت البيت حتى أثرت في هيئتها، اشتكت يوم أُتي النبي صلى الله عليه وسلم بسبي؛ علها تعطى منهم من يخدمها، بلا هلعٍ، ولا طمعٍ، ولا جزعٍ، ولا جشع، عجبًا لأمرها! بل لأمر المؤمن! «إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له»(1)، إنها ابنة المجد!

 

كان صلى الله عليه وسلم لا يخشى على أمته الشدة والفقر، فيقول كما صح عنه في المتفق عليه: «والله ما الفقر أخشى عليكم! ولكن أخشى أن تبسط لكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم»(2)، ينبه صلوات الله وسلامه عليه إلى أن الاستقامة على الدين غالبًا لا تكون مع حياة الترف والسرف؛ لأن هذا النوع من الحياة يورث القلوب قسوةً وجفاءً، وقلَّ من يشكر عند الرخاء(3).

 

الحماية الزائدة:

 

يعني قيام أحد الوالدين، أو كلاهما، نيابة عن الطفل بالمسئوليات التي يفترض أن يقوم بها الطفل وحده، حيث يحرص الوالدان، أو أحدهما، على حماية الطفل والتدخل في شئونه؛ فلا يتاح للطفل فرصة اتخاذ قراره بنفسه، وعدم إعطاءه حرية التصرف في كثير من أموره، أو الدفاع عنه عندما يعتدي عليه أحد الأطفال.

 

وقد يرجع ذلك بسبب خوف الوالدين على الطفل؛ لاسيما إذا كان الطفل الأول أو الوحيد، أو إذا كان ولد وسط عديد من البنات، أو العكس، فيبالغان في حمايته وتدليله.

 

وهذا الأسلوب، بلا شك، يؤثر سلبًا على نفسية الطفل وشخصيته، فينمو الطفل بشخصية ضعيفة غير مستقلة، يعتمد على الغير في أداء واجباته الشخصية، وعدم القدرة على تحمل المسئولية ورفضها، إضافة إلى انخفاض مستوى الثقة بالنفس وتقبل الإحباط.

 

كذلك نجد هذا النوع من الأطفال، الذي تربى على هذا الأسلوب، لا يثق في قراراته التي يصدرها، ويثق في قرارات الآخرين، ويعتمد عليهم في كل شيء، ويكون نسبة حساسيته للنقد مرتفعة، حتى مرحلة متقدمة من العمر يفترض أن يعتمد فيها الشخص على نفسه.

 

وتحصل له مشاكل في عدم التكيف مستقبلًا؛ بسبب أن هذا الفرد حرم من إشباع حاجته للاستقلال في طفولته؛ ولذلك يظل معتمدًا على الآخرين دائمًا.

 

الإهمال:

 

يعني أن يترك الوالدان الطفل دون تشجيع على سلوك مرغوب فيه، أو الاستجابة له وتركه دون محاسبته على قيامه بسلوك غير مرغوب، وقد ينتهج الوالدان، أو أحدهما، هذا الأسلوب بسبب الانشغال الدائم عن الأبناء، وإهمالهم المستمر لهم.

 

والأبناء يفسرون ذلك على أنه نوع من النبذ والكراهية والإهمال؛ فتنعكس بآثارها سلبًا على نموهم النفسي.

 

ويصاحب ذلك أحيانًا السخرية والتحقير للطفل، فمثلًا عندما يقدم الطفل للأم عملًا قد أنجزه وسعد به تجدها تحطمه وتنهره، وتسخر من عمله ذلك، وتطلب منه عدم إزعاجها بمثل تلك الأمور التافهة، كذلك الحال عندما يحضر الطفل درجة مرتفعة ما في أحد المواد الدراسية؛ لا يُكافأ ماديًا ولا معنويًا، بينما إن حصل على درجة منخفضة تجده يُوبَّخ ويُسخَر منه، وهذا، بلا شك، يحرم الطفل من حاجته إلى الإحساس بالنجاح، ومع تكرار ذلك يفقد الطفل مكانته في الأسرة، ويشعر تجاهها بالعدوانية وفقدان حبه لهم.

 

وعندما يكبر هذا الطفل يجد في الجماعة التي ينتمي إليها ما ينمي هذه الحاجة، ويجد مكانته فيها، ويجد العطاء والحب الذي حُرِم منه، وهذا يفسر، بلا شك، هروب بعض الأبناء من المنزل إلى شلة الأصدقاء؛ ليجدوا ما يشبع حاجاتهم المفقودة هناك في المنزل.

 

وتكون خطورة ذلك الأسلوب المتبع، وهو الإهمال وعدم إشباع حاجات الطفل الفسيولوجية والنفسية، أكثر ضررًا على الطفل في سني حياته الأولى؛ لحاجة الطفل للآخرين، وعجزه عن القيام بإشباع تلك الحاجات.

 

ومن نتائج اتباع هذا الأسلوب في التربية ظهور بعض الاضطرابات السلوكية لدى الطفل؛ كالعدوان والعنف، أو الاعتداء على الآخرين، أو العناد، أو السرقة، أو إصابة الطفل بالتبلد الانفعالي، وعدم الاكتراث بالأوامر والنواهي التي يصدرها الوالدان(4).

 

التفرقة:

 

ويعني عدم المساواة بين الأبناء جميعًا، والتفضيل بينهم بسبب الجنس، أو ترتيب المولود، أو السن أو غيرها، فيتعامل الكبار أحيانًا مع الإخوة بدون عدل؛ فيفضلون طفلًا على طفل؛ لذكائه، أو جماله، أو حسن خلقه الفطري، أو لأنه ذكر، مما يزرع في نفس الطفل الإحساس بالغيرة تجاه إخوته، ويعبر عن هذه الغيرة بالسلوك الخاطئ، والعدوانية تجاه الأخ المدلل؛ بهدف الانتقام من الكبار، وهذا الأمر حذرنا منه الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال: «اتقوا الله واعدلوا في أولادكم»(5).

 

 وهذا، بلا شك، يؤثر على نفسيات الأبناء الآخرين وعلى شخصياتهم؛ فيشعرون الحقد والحسد تجاه هذا المفضل، وينتج عنه شخصية أنانية، يتعود الطفل أن يأخذ دون أن يعطي، ويحب أن يستحوذ على كل شيء لنفسه، حتى ولو على حساب الآخرين، ويصبح لا يرى إلا ذاته فقط، والآخرين لا يهمونه، وينتج عنه شخصية تعرف مالها ولا تعرف ما عليها، تعرف حقوقها ولا تعرف واجباتها(6).

 

 الصرامة والشدة:

 

الحزم مطلوب في المواقف التي تتطلب ذلك، أما العنف والصرامة فيزيدان تعقيد المشكلة وتفاقمها؛ حيث ينفعل المربي فيفقد صوابه، وينسى الحِلْم وسعة الصدر؛ فينهال على الطفل معنِفًا وشاتمًا له بأقبح وأقسى الألفاظ، وقد يزداد الأمر سوءًا إذا قرن العنف والصرامة بالضرب.

 

وهذا ما يحدث في حالة العقاب الانفعالي للطفل، الذي يُفِقْدُ الطفل الشعور بالأمان والثقة بالنفس، كما أن الصرامة والشدة تجعل الطفل يخاف ويحترم المربي في وقت حدوث المشكلة فقط (خوف مؤقت)، ولكنها لا تمنعه من تكرار السلوك مستقبلًا.

 

وقد يعلل الكبار قسوتهم على أطفالهم بأنهم يحاولون دفعهم إلى المثالية في السلوك والمعاملة والدراسة، ولكن هذه القسوة قد تأتي برد فعل عكسي؛ فيكره الطفل الدراسة، أو يمتنع عن تحمل المسئوليات، أو يصاب بنوع من البلادة، كما أنه سيمتص قسوة انفعالات عصبية الكبار فيختزنها، ثم تبدأ آثارها تظهر عليه مستقبلًا من خلال أعراض (العصاب)، الذي ينتج عن صراع انفعالي داخل الطفل.

 

وقد يؤدي هذا الصراع إلى الكبت والتصرف المُخِل (السيئ)، والعدوانية تجاه الآخرين، أو انفجارات الغضب الحادة التي قد تحدث لأسباب ظاهرها تافه(7).

 

الدلال الزائد والتسامح المفرط:

 

هذا الأسلوب في التعامل لا يقل خطورة عن القسوة والصرامة، فالمغالاة في الرعاية والدلال سيجعل الطفل غير قادر على تكوين علاقات اجتماعية ناجحة مع الآخرين، أو تحمل المسئولية ومواجهة الحياة؛ لأنه لم يمر بتجارب كافية ليتعلم منها كيف يواجه الأحداث التي قد يتعرض لها، ولا نقصد أن يفقد الأبوان التعاطف مع الطفل ورحمته، وهذا لا يمكن أن يحدث؛ لأن قلبيهما مفطوران على محبة أولادهما، ومتأصلان بالعواطف الأبوية الفطرية لحمايته، والرحمة به، والشفقة عليه، والاهتمام بأمره.

 

ولكن هذه العاطفة تصبح أحيانًا سببًا في تدمير الأبناء، حيث يتعامل الوالدان مع الطفل بدلال زائد وتساهل، بحجة رقة قلبيهما وحبهما لطفلهما؛ مما يجعل الطفل يعتقد أن كل شيء مسموح، ولا يوجد شيء ممنوع؛ لأن هذا ما يجده في بيئته الصغيرة (البيت)، ولكن إذا ما كبر وخرج إلى بيئته الكبيرة (المجتمع) وواجه القوانين والأنظمة التي تمنعه من ارتكاب بعض التصرفات، ثار في وجهها، وقد يخالفها دون مبالاة، ضاربًا بالنتائج السلبية المخالفة عرض الحائط.

 

إننا لا نطالب بأن ينزع الوالدان من قلبيهما الرحمة؛ بل على العكس، فالرحمة مطلوبة، ولكن بتوازن وحذر(8).

عدم الثبات في المعاملة:

 

فالطفل يحتاج أن يعرف ما هو متوقع منه؛ لذلك على الكبار أن يضعوا الأنظمة البسيطة، واللوائح المنطقية، ويشرحوها للطفل، وعندما يقتنع فإنه سيصبح من السهل عليه اتباعها، ويجب مراجعة الأنظمة مع الطفل كل فترة ومناقشتها، فلا ينبغي أن نتساهل يومًا في تطبيق قانون ما ونتجاهله، ثم نعود اليوم التالي للتأكيد على ضرورة تطبيق نفس القانون؛ لأن هذا التصرف قد يسبب الإرباك للطفل، ويجعله غير قادر على تحديد ما هو مقبول منه وما هو مرفوض، وفي بعض الحالات تكون الأم ثابتة في جميع الأوقات بينما يكون الأب عكس ذلك، وهذا التذبذب والاختلاف بين الأبوين يجعل الطفل يقع تحت ضغط نفسي شديد، يدفعه لارتكاب الخطأ.

 

اختلاف وجهات النظر في تربية الطفل بين الأم والأب؛ كأن يؤمن الأب بالصرامة والشدة، بينما تؤمن الأم باللين وتدليل الطفل، أو يؤمن أحدهما بالطريقة الحديثة والآخر بالطريقة التقليدية(9).

التربية بالوراثة:

 

قد نرى تصدعات عظيمة في تربية الأطفال ونشأتهم، وهذا يرجع إلى اعتماد الأب والأم في التربية على الطرق التي تربوا عليها، فمثلما تجد في الأب والأم تصدعات في التربية تجد أيضًا هذه التصدعات في الابن؛ بل إن هذه التصدعات تزداد أكثر عند الابن؛ لأن مع اختلاف ثقافات الأجيال لا بد وأن يتطور شكل التربية، بحيث يوازي التغييرات المستحدثة.

 

فالتربية بالوراثة مشكلة تربوية، فهناك افتقار حاد للتجديد التربوي، والآباء والأمهات يستسهلون ولا يطورون أنفسهم من أجل أبنائهم.

 

والآباء الذين لم يسلموا بالمهارات التربوية ليس بوسعهم أن يربوا أبناءهم، أو يسقونهم عصير خبراتهم، فهم يربون كما تربوا، ويكررون مع أبنائهم نفس الأخطاء التي كان آباؤهم يقترفونها معهم، ويتعاملون مع التربية كإرث لا كمسئولية ودور يجب أن يهيئوا له(10).

 

الاهتمام بالمظاهر فحسب:

 

فكثير من الناس يرى أن حسن التربية يقتصر على الطعام الطيب، والشراب الهنيء، والكسوة الفخمة، والدراسة المتفوقة، والظهور أمام الناس بالمظهر الحسن، ولا يدخل عندهم تنشئة الولد على التدين الصادق والخلق الكريم(11).

 

الصدع المدرسي:

 

إن المدرسة في بعض المجتمعات العربية ضحية لتخلفها، عاجزة عن التأثير في المجتمع، فاشلة في تشكيل اتجاهات التلاميذ وتوجيه سلوكياتهم، وفي تكوين وجدان تجاه الأشياء، ولعل ما يمكن ملاحظته، في البدايات الأولى من عمر التلاميذ بالمدارس، ميل الكثيرين منهم إلى الأنانية وحب إثبات الذات، وهما طرفان لمسار حياتي طويل، سيتضمن كل القيم والمفاهيم المخالفة تمامًا للقيم الحقيقية لحقوق الإنسان، وسيكون من السلبية ألا يتم تقويم السلوكيات في السنوات الأولى، هذا على افتراض أن القائمين على هذه العملية قد تلقوا تكوينًا مناسبًا يؤهلهم لها؛ إذ لن تستطيع إقناع الآخرين بعقيدة أو مذهب، أو حتى بفكرة، إذا كانت أوضاعنا لا تجعلنا قدوة(12).

 

صدع المعلم:

 

إننا نشعر بكم كبير من التوتر، وبأقصى درجات الألم، عندما نلمس ضعفًا جسيمًا في شخصية المعلم، الأمر الذي يؤدي إلى تصدع العملية التربوية والتعليمية.

 

فالمعلم حجر الزاوية في تنشئة الناشئة، ويلعب دورًا فائق الأهمية في تنمية القدرات والمهارات؛ العلمية والعملية والأخلاقية، للناشئة، فليس كل متمدرس مؤهلًا ليكون مدرسًا، فالعملية التعليمية تحتاج إلى النابهين والموهوبين، الذين يحدثون نقلة نوعية في العقول والقلوب، ويدفعون طلاب العلم للجرأة المحتشمة، والتمرن على التفكير المنطقي، وعلى الخلق والإبداع، متخطين الأساليب الممجوجة والكسيحة، التي تؤدي في نهاية المطاف إلى التبلد الذهني، وتوطيد مداميك القيم التربوية والتعليمية الصلدة؛ ومن ثم الوقوع في شرنقة التصلب.

 

إن هناك زمرًا من المعلمين والمعلمات، أصحاب عقول وأكف وضمائر نظيفة، لا يحتاجون إلى شهادات وتصفيق وجوقة دعائية، قد أفلحوا في الولوج إلى الأفئدة والضمير الجمعي، وتركوا الألسن تحكي مآثرهم وبصماتهم المعتبرة, ولديهم رصيد ثقافي ورصانة علمية, ويمتلكون الشجاعة الأدبية في الاعتراف ببؤر الضعف، وبالهنات والخروم والأخطاء (إن وجدت).

 

لقد خاطب الشيخ والمعلم الجليل سعيد النورسي طلبته قائلًا: "إن أستاذكم ليس معصومًا من الخطأ؛ بل من الخطأ الاعتقاد أنه لا يخطئ، إنني مستعد لقبول أية حقيقة كانت يفرضها الحق، وإن كنت أجهلها ولا أعرفها فأقبلها وأضعها على العين والرأس ولا أناقشها, وإن كانت مخالفة لأنانية النفس الأمارة"(13).

 

الصدع داخل المحاضن التربوية:

 

إن المتأمل لواقع محاضننا التربوية اليوم ليجد ما يندى له الجبين، ويحز في الصدر الحزين؛ مما شاع وانتشر من تحزب وفرقة داخل المحضن، وهذا ما يعتبره البعض بداية نخر في العملية التربوية، وهو مما يساعد على حصول التصدع والانقسام داخل المحضن.

 

في السابق كان الفرد يجد في المشرف القدوة الحسنة والناصح، والتعامل الجميل، ويجد منه الكلام الرصين، والآراء الحصيفة، والرزانة في أمور شتى.

أما اليوم فنكاد نقول أنها اندثرت، أو تلاشت بعض الشيء، أو أنه قد وُجد من المشرفين من لا يأبه بذلك، ولا يلقي لها بالًا، بحجج منها: أن الزمان قد تغير، أو أن الأجيال قد تبدلوا، ولم يعلم أولئك أن هناك ثوابت لا يمكن أن تتغير، لا يعني أنها قد نزلت تنزيلًا، لكن تركها يعني حصول قصور وخلل في العملية التربوية، وهو ما نلاحظه اليوم.

لقد كان الرعيل الأول من المشرفين هم من أعطى هذا العمل التربوي الاحتسابي جل تفكيرهم، وكامل اهتمامهم؛ فكان الهم الدعوي يسري في دمائهم.

 

فمن كان هذا تفكيره واهتمامه ألا تكاد أن تجزم بخروج أجيال ذوي تربية صالحة حسنة، ستؤتي أكلها بعد حين بإذن الله؟ لا أن يخرج جيل ذو تربية هشة رقيقة، لا تثبت أمام متغيرات الزمن وفتنه، وهو السائد هذه الأيام، فخروج جيل مثل هؤلاء غير مستغرب، في ظل وجود مربين لا هم لهم إلا التنزه والرحلات.

فهذا ناتج إما لوجود بعض القصور في تربيتهم من الأساس، أو أنهم غير مؤهلين لهذه المهمة؛ لذا، المتربي سيكون نسخة من ذاك المربي؛ وبالتالي سيكون الحال كالسلسلة؛ لتصبح تلك المحاضن في يوم من الأيام، إن لم تعالج المشكلة، بؤرة فساد بعد أن كانت بيئة تربوية صالحة(14).

إرشادات للتربية الناجحة:

 

- التركيز على القدوة السلوكية كوسيلة من وسائل التربية.

 

- استخدام الضرب كبديل أخير في حالة استنفاذ جميع وسائل الإقناع والتفاعل النفسي والحوار؛ لأن الضرب يؤدي إلى نتائج سلبية، والعنف يولد عنفًا مضادًا.

 

- إشعار الطفل بالثقة، وبأنه أهل للإنجاز والعطاء، فإذا أصر على شيء غير متاح يمكن إقناعه بالبدائل، وتحبيبه فيها.

 

- عدم تسفيه أسئلة الأطفال مهما كانت خيالية أو محرجة أو تافهة؛ حتى لا يشعر بالتحقير.

 

- احترام تفكير الطفل وعقله، حسب سنه، وعدم إجباره على أن يفكر مثل الكبار.

 

- تنمية القدرة على الاختيار عند الصغير باصطحابه لشراء ملابسه ولعبه، واقتراح أماكن مختلفة للنزهة ليفاضل بينها، مع الحذر من أن يستخدم هذا الحق في غير مكانه؛ مثل الذهاب إلى الامتحان أو عدم الذهاب(15).

 

 

__________________________________________________

(1) رواه مسلم (2999).

(2) رواه البخاري (3158)، ومسلم (2961).

(3) من محاضرة: النعيم لا يدرك بالنعيم، للشيخ علي القرني.

(4) الأساليب الخاطئة في تربية الأبناء، وآثارها على شخصياتهم، د. محمد بن علي شيبان العامري، مؤسسة مهارات النجاح للتنمية البشرية.

(5) رواهمسلم (1623).

(6) أضرار الأساليب الخاطئة في تربية الطفل، موقع: مصطفى حسني.

(7) أخطاء في تربية الأبناء، منتدى: الأسرة والحياة.

(8) أربعة أخطاء في تربية الأبناء، مجلة: معرفة السنن والآثار.

(9) الأنماط السلبية في تربية الطفل، موقع: صيد الفوائد.

(10) تربية الآباء والأمهات قبل الأبناء، مركز النور.

(11) الأساليب الخاطئة في تربية الأبناء، وآثارها على شخصياتهم.

(12) المدرسة هي المجال الحيوي لتنمية ثقافة حقوق الإنسان، مجلة: المعرفة، العدد:171، ص64.

(13) بديع الزمان سعيد النورسي، محمد الصاوي، مجلة: المعرفة، العدد:111، ص151.

(14) بتصرف من: تصدعات تربوية، موقع: حلقات.

(15) بتصرف من: الأساليب الخاطئة في تربية الأبناء، وآثارها على شخصياتهم.