logo

تحمل المسئولية


بتاريخ : الجمعة ، 25 رجب ، 1441 الموافق 20 مارس 2020
بقلم : أحمد السيد كردي
تحمل المسئولية

أولًا: أهمية تحمل المسئولية:

تحمل المسئولية يجعل عقلك أكثر هدوءًا، ويعطيك رؤية واضحة؛ لأنه يهدئ من انفعالاتك، ويتيح لك فرصة التفكير الإيجابي البناء، وبالفعل فإن تحملك المسئولية غالبًا ما يعطيك رؤية لما يجب أن تفعله لحل تداعيات موقف ما.

كلما توليت مسئوليات أكثر كلما كنت أكثر تحكمًا، كلما كنت أكثر حرية؛ لأن لديك حرية أن تتخذ قراراتك بنفسك.

تعني المسئولية كونَ الفرد مكلفًا بأن يقوم ببعض الأشياء، وبأن يُقدم عنها حسابًا إلى غيره، ويَنتُج عن هذا التحديد أن فكرة المسئولية تشتمل على علاقة مزدوجة من ناحية الفرد المسئول بأعماله، وعلاقته بمن يحكمون على هذه الأعمال.

المسئولية هي المقدرة على أن يُلزم الإنسان نفسه أولًا، والقدرة على أن يفي بعد ذلك بالتزامه بواسطة جهوده الخاصة، قال تعالى: {أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى} [القيامة:26].

يمارس كل فرد منا، من ذكر وأنثى، في مجتمعه مجموعة من المسئوليات التي يفرضها عليه مكان وجوده وقدراته، ومقدار معرفة الفرد لمسئولياته وفهمه لها، ثم حِرصه على تحقيق المصلحة والفائدة المرجوة منها يجعل المجتمع متعاونًا فعالًا، تسوده مشاعر الانسجام والمودة بين أفراده.

قررت الشريعة الإسلامية مبدأ المسئولية الشاملة في المجتمع الإسلامي، وحملت كل فرد فيه مجموعة من المسئوليات التي تتفق وموقعه وقدراته، ويُعد الحديث الآتي أصلًا من أصول الشريعة التي تقرر مبدأ المسئولية الشاملة في الإسلام.

عن عبد الله بن عمر بن الخطاب أنه سمع الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته؛ الإمام راعٍ ومسئول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده ومسئول عن رعيته، وكلكم راعٍ ومسئول عن رعيته».

عكس تقبل المسئولية هو البحث عن الأعذار، ولوم الناس ولوم الأشياء التي تحدث لك في حياتك، وبما أن كل شيء نفعله هو من قبيل العادة، فإذا اعتاد الإنسان البحث عن الأعذار فهو يعتاد في نفس الوقت تجنب المسئولية.

إذا استطاع هذا الإنسان أن يضع هدفًا لنفسه فهو يرفقه فورًا بعذر احتياطي في حالة صعوبة تحقيق الهدف، أو احتياجه لقدرات ذاتية أعلى، أو مثابرة أكثر مما كان يعتقده، وبمجرد أن تسير الأمور بضعف تخرج الشخصيات غير المسئولة بأعذارها لتحافظ على مظهرها أمام الناس، ولكن هذا الأسلوب لن ينفعها على المدى الطويل.

القدرة على تحمل المسئولية تختلف من شخص لآخر، يجدها خبراء التنمية بنسب مختلفة بين الأشخاص، وتظهر بوضوح في العمل أو تحمل الرجل أعباء بيته، فبعضهم يفتقر إلى الشجاعة والجرأة لمواجهة الأزمات؛ بل إن الأمر يتحول أحيانًا إلى خوف مرضي، وينسحب دون اتخاذ أي قرار.

وتشير بعض الدراسات أن هناك أشخاصًا يولدون ولديهم حساسية مفرطة من الضغوط التي تواجه كلًا منا، ويظهر ذلك عند تعرضهم لمواقف يجبرون فيها على المواجهة وتحمل المسئولية، فيتملكهم التوتر والقلق الشديد، ولا يجدون حلًا لهذه المواقف إلا بالهروب، الأمر الذي يجعلهم دائمًا في قفص الاتهام نظرًا للتخاذل الدائم عن مسئوليتهم.

وهذا السلوك يحلله علماء النفس بأنه ناتج من رغبة مثل هذا الشخص في إخفاء عيوبه ونقاط ضعفه، التي لا يرى في نفسه شيئًا سواها، هذه الصفة تزداد سوءًا إذا اتصف بها الرجل الذي يلقي بحمل المسئولية كاملة على زوجته ليبقى هو بعيدًا عن ضغوط الأسرة، ولا يُعتمد عليه في أي شيء.

ثانيًا: أقوال في تحمل المسئولية:

- ما يجب أخذه على محمل الجد هو مسئوليتنا وليس أنفسنا.

- بيتر اوستينوف: «المسئولية هي الاستعداد التام لأي شخص للنهوض بالأعباء الموكلة إليه بأقصى قدراته».

- «إن الالتزام هو جوهر المسئولية، بمقتضاها يحاسب المرء على أدائه لالتزاماته».

- مايكل كوردا: «الميزة الوحيدة التي تجمع بين الناجحين في العالم تكمن في قدرتهم على تحمل المسئولية».

- «لا تنتظر أن توهب لك القيادة؛ بل تدرب وتعلم كيف تتحمل المسئولية».

- بيتر دراكر: «لعل الدرس الأكثر أهمية هو أن المنصب لا يعطي امتيازًا أو يمنح قوة، وإنما يفرض مسئولية».

- «عامل من أنت مسئول عنهم كما تحب أن يعاملك من هو مسئول عنك».

- «القائد هو ذلك الرجل الذي يتحمل المسئولية، فهو لا يقول غُلب رجالي وإنما يقول غُلبت أنا، فهذا هو الرجل حقًا».

- «مع كل حق مسئولية، فلماذا لا يتذكر الناس إلا حقوقهم؟».

- سيجموند فرويد: «معظم الناس لا يريدون الحرية حقًا؛ لأن الحرية ينطوي عليها مسئولية، ومعظم الناس خائفون من المسئولية».

- «تَحمَّل المسئوليةَ الكاملة في كل نواحي حياتك، وتوقف عن لوم الآخرين واختلاق الأعذار».

- أحمد الأميري: «من السهل أن نتفادى مسئولياتنا، ولكن لن نستطيع أن نتفادى النتائج المترتبة على ذلك».

- ناصر العمر: «إن كثيرًا من الذين يكررون عبارة: لا أستطيع، لا يشخصون حقيقة واقعة يعذرون بها شرعًا، وإنما هو انعكاس لهزيمة داخلية للتخلص من المسئولية».

- أفلاطون: «الشخص الصالح لا يحتاج القوانين لتخبره كيف يتصرف بمسئولية، أما الشخص الفاسد فسيجد دائمًا طريقة ما للالتفاف على القوانين».

- «لقد آن لكل شخص أن يتحمل مسئوليته، ويدخل في كل حساب أو يسقط من كل حساب».

- «ليس من مسئولية أثقل حملًا من موهبة عظيمة».

ثالثًا: لتحقيق النجاح في تحمل المسئولية:

وحتى تحقق نجاحًا في تحمل المسئولية لا بد من الالتزام بشروطها، وهي:

(1) الفهم والإخلاص:

فلا يؤدي المهمة بنجاح إلا من فهم طبيعتها ومقصدها وعلاقتها بغيرها من المهام، واستحضر العقبات التي يمكن أن تحول دون أدائها، وأعد نفسه لها إعدادًا متكاملًا، وكان مقتنعًا تمامًا بأحقية ما يقوم به، والصدق والإخلاص في تأدية الواجب حتى نهايته، وموقف الإخلاص يستلزم من الموظف الجديد (وغيره) عدة أمور، هي:

* الاستمرارية والتواصل مهما كانت السلوكيات من حوله.

* التكامل بين النية والفعل، وانضواء الموظف بجميع مكوناته في أهداف وجوده المستمدة من الإطار الإسلامي للحياة.

* العلم بما يقوم به، فلا يمكن أن يتحمل المسئولية جاهل بها.

* التدرج، فالإخلاص جهد بشري، يتعثر الموظف وينهض مرارًا وتكرارًا حتى يصل إلى الكمال فيه، وهذا يحتاج إلى التدرج.

* الأمانة باعتبارها رعاية لحق الله عز وجل، وأداء للفرائض والواجبات، وهذا يتطلب عدم الخيانة وحفظ الحقوق، خاصة وأن المنزلقات والشهوات وطبائع النفوس غالبة في ظل مجتمعات أو بيئات غير مواتية، ولهذا يقول ابن القيم في الفوائد: «العمل بغير إخلاصٍ ولا اقتداءٍ كالمسافر يملأ جرابه رملًا ينقله ولا ينفعه».

(2) التخطيط وتنظيم الجهود والإمكانيات:

لماذا هذا مهم؟

* لوضوح الرؤية وتحديد الهدف، ولاستخدام مواردك وإمكانياتك أفضل استخدام.

* لتحقيق التكامل والتنسيق مع الغير، ولتحديد الأولويات بما يتفق مع الاحتياجات.

* للسيطرة على المشكلات التي قد تعترض التنفيذ، ولتقليل المخاطر المتوقعة.

لذا لا بد من أسئلة:

- أين أنا الآن؟ وما هو وضعي الحالي؟

- أين أريد أن أكون؟ وما هي طموحاتي المستقبلية؟

- كيف سأبلغ تلك المرحلة؟ وما هي الوسائل المطلوبة؟

- كيف أعرف أنني حققت ما أصبو إليه؟

هذه النظرة المستقبلية التي يضعها التخطيط هي ما يختلف فيه الإنسان عن باقي المخلوقات التي تعيش ليومها، ودون إمكانية التفكير بغيرها، فالموظف الجديد، الإنسان، الذي يمارس التخطيط يثبت قابليته لحمل وامتلاك الصفات الإنسانية المتميزة، والذي يخطط للمستقبل يثبت أيضًا جدارته وصلاحيته لنيل وسام الأصلح والأقدر على الاستمرار والبقاء.

وانظر إلى ما رواه سعد بن معاذ: «بعثني رسول الله إلى اليمن قاضيًا، فقلت: (يا رسول الله، ترسلني وأنا حديث السن ولا علم لي بالقضاء؟)، فقال: (إن الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك، فإذا جلس الخصمان فلا تقضين حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء)»، قال: «فما زلت قاضيًا»، أو «ما شككت في قضاء بعد» [رواه أبو داود].

انظر، هو يخشى من تحمل المسئولية لصغر السن وعدم العلم بالمهمة، فيوضح له الرسول الطريق: كن مع الله، ثم كيفية أداء المهمة حتى تنجح.

(3) الممارسة الميدانية:

التخطيط من أجل التخطيط لا يصلح، الاحتراف النظري لا العملي لا يصلح ولا يميز صاحبه، حتى تتحمل المسئولية وتلتزم بها لا بد من الاحتراف المهني، والذي يعطي الخبرة الميدانية، فتجد المحترفين يتحملون المسئولية وفي أي وقت ومكان، دائمًا جاهز للانطلاق، دائمًا موجود حيث توجد الأزمات والمشكلات، يجد حلولًا لها وبعبقرية.

فهذا خالد بن الوليد تمرس على العمل الحربي منذ صغره، فلم يدخل معركة وتحمل مسئوليتها إلا وانتصر فيها، دائمًا يجد الحلول العبقرية عندما تشتد الأمور، فتجده يُخرج المسلمين من مؤتة سالمين بعد أن تحمل مسئولية القيادة بعد استشهاد القادة الثلاثة، ثم يأخذ خبرات عديدة من حروب الردة تفيده أكثر عند تحمل مسئولية أكبر في الفتوحات، وهذا ما حدث عندما قرر أبو بكر الصديق أن يولي خالد بن الوليد أمر قيادة الجيوش في الشام؛ حيث القدرة العسكرية الفائقة، وحسم الأمور والدهاء والحيلة والإقدام، وصاحب تجربة طويلة في القتال فكان سيف الله.

(4) المتابعة والتقويم:

لماذا عليك تحمل المسئولية والنجاح في تحملها؟

للتغيير للأحسن، ولاستمرار الأمور واستقرارها، وللمستقبل، وللإنجاز، وليس تحمل المسئولية لـ:

التبرير أو الفوضى أو التلهي.

ولهذا يقول عز وجل: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مسئولونَ} [الصافات:24]؛ أي احبسوهم عند الصراط فهم مسئولون عن جميع أقوالهم وأفعالهم التي صدرت منهم.

(5) الاستمرار على أداء الأعمال:

متى تعرف أنك مسئول؟

إذا كنت مستمرًّا على النشاط المطلوب في جدية في جميع الظروف والأحوال، وعلامة الصدق والدوام على الفعل، فإذا ما أُعطيت لك مسئولية ما فاعلم أن صفات الشخص المسئول هي:

* القدوة، حيث حفظ التوازن والتوسط والسير الحثيث.

* الحكمة في استعمال السلطة إن أُعطيت له.

* معرفة ما له فيطالب به وما عليه فيقوم به.

* حسن الظن واستبشار المستقبل بدون أحلام العاجزين أو مخاطرة المتهورين.

* قبول المساءلة والنقد، فكثرة الوفاق من النفاق، وكثرة الخلاف شقاق، ولا مسئولية بغير مساءلة.

* لا أمانة من غير أداءٍ مسئولٍ يؤمن بالاختلاف.

* التعاون مع الجميع، وعدم الاستهانة بأي رأي.

* إتقان فن البدايات، وجودة الخطوة الأولى الموفقة، فمن صحت بدايته أشرقت أنوار نهايته.

* لقد ضيعت المسئولية وفشلت فيها إذا ما كنت:

* جاهلًا فيها ومرتجلًا.

* فوضويًّا وغير منضبط في المواقف الحرجة.

* عنيدًا مغلاقًا.

* متسلطًا تؤمن بالشخصنة.

* مُسوفًا طويل الأمل.

* كسولًا.

* غضوبًا.

* جبانًا يائسًا.

* مقلدًا وسلبيًا للآخرين.

* مترددًا منتظرًا غير مبادر.

* لا تدرك أن المسئولية فهم وإنجاز.

رابعًا: خطوات نحو تحمل المسئولية:

وإذا كنت تريد خطوات تمكنك من تحمل المسئولية، كشخص مسئول يعتمد عليك الآخرين، عليك الحرص على التالي:

* حدد تمامًا كل ما يتعلق بأمور المسئولية التي يجب عليك تحملها، سواء كان الأمر يتعلق بدراستك أو مهنتك أو أحدث ما وصلت إليه من التقدم، وفي نفس الوقت احرص على تنمية قدرتك على تحمل الأعباء.

* تعرف على الواجبات التي لا بد أن تشارك الآخرين فيها، وهيئ نفسك لكي تكون مستعدًا لتولي المسئوليات الأكبر في أي لحظة.

* قم بإعداد نفسك ذهنيًا ونفسيًا وجسديًا لتحمل المسئوليات الجسيمة، تمامًا كما تتحمل المسئوليات الصغرى والبسيطة.

* ابحث دائمًا عن المهام الجادة المتشعبة حتى تكتسب خبرة واسعة في تحمل المسئوليات المتعددة.

* قم بتأدية ما يطلب منك من عمل جاد، سواء كان صغيرًا أو كبيرًا، بكل ما لديك من جهد وقوة.

* اقبل النقد الموضوعي المخلص، وامتلك شجاعة الالتزام بمبادئك.

* الشجاعة الأدبية تساعدك على تحمل كامل مسئوليات حالات الفشل التي قد تقع فيها على درب تحقيق هدفك الإيجابي الحيوي.

* واجه نفسك وكن صادقًا معها، يمكنك تحمل المسئولية الكاملة لقراراتك وتصرفاتك وتوجيهاتك للآخرين الذين تحمل مسئوليتهم على كتفيك.

تحمل المسئولية يجعل عقلك أكثر هدوءًا، ويعطيك رؤية واضحة؛ لأنه يهدئ من انفعالاتك، ويتيح لك فرصة التفكير الإيجابي البناء، وبالفعل فإن تحملك المسئولية غالبًا ما يعطيك رؤية لما يجب أن تفعله لحل تداعيات موقف ما.

على سبيل المثال، أم تشتكي من أبنائها، إذا سألت نفسها بدلًا من هذه الشكوى: لماذا وصل الحال إلى ذلك، لوجدت أن الأبناء يفعلون ما هو انعكاس لتصرفها معهم من البداية، والحل ليس في الشكوى، ولكن في البحث عن السبب ومعالجته من الأم نفسها.

لو أن الإنسان سأل نفسه عن سبب الأحداث الخارجية لوجد أن الكثير منها انعكاس لشيء فعله أو يفعله، وسيكتشف أنه بالفعل مسئول عن قدر كبير مما يحدث من حوله بعد أن أضاع وقته يلقي باللوم على الآخرين.

تحكي قصة عن عامل بناء أتى في وقت الراحة ليأكل، فوجد أن معه شطيرة سردين، فغضب وظل يشتكي بصوت عالٍ للكل: أنا أكره السردين، وفي اليوم التالي تكرر نفس الشيء، وظل العامل يشتكي بصوت عال من السردين، ثم تكرر ذلك في اليوم الثالث حتى ضاق به زملاؤه، فقالوا له: قل لزوجتك أنك تكره السردين كي لا تعطيه لك، فنظر إليهم العامل وقال: أنا لست متزوجًا، وأنا الذي أصنع الشطائر بنفسي.

الكثير منا يضع نفسه في هذا الموقف، فهو يشتكي من الظروف التي هي، ربما بالكامل، نتاج ليديه وبيده إصلاحها، هل هذا صحيح بالنسبة لك؟ ابحث في حياتك وعلاقاتك واسأل نفسك أي الأجزاء تنطبق على حالة هذا العامل.

_______________

موقع: كنانة أُن لاين