logo

الهوية الدعوية


بتاريخ : السبت ، 1 ربيع الآخر ، 1435 الموافق 01 فبراير 2014
بقلم : تيار الاصلاح
الهوية الدعوية

الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى واجبة علىكل مسلم، والسير في ذلك يقوم على الإصلاح والبناء بالحكمة مراعيًا السننالربانية وحدود الاستطاعة وأحوال المجتمع

 

وخصوصية الزمان والمكان وفقالقواعد الشرعية، مع اليقين أن طرائق العمل للإسلام ووسائل الدعوة إليهمتعددة، ولا حرج على من أخذ ببعضها دون بعض بناء على اجتهاد سائغ، والتعاون معكل من يعمل للإسلام واجب شرعي لا يمنع منه الاختلاف في بعض القضايا .

والدعوة هي الخط العريض الذي يحمِل كل المتنوّعات الفكريةالدينية للتيارات والجماعات الإسلامية؛ لأنها تحمل وعاء العلم والإرثالنبوي الذي هو العمود الفقري لكل الجماعات والتيارات؛ لذلك نجد أن الداعية يختلف عن مُرشِد الجماعة، ويختلف عن شيخ الطريقة، ويختلف عن أميرالجماعة، الداعية شاملٌ وينضوي الجميع تحت مظلته الفقهية والعلمية،فإذا خرج من دائرة الشمولية الواسعة أدخلناه في دائرة الحزبية الضيقة،وأدخلناه في مضمار المقارنات، وأصبح الداعية عبارة عن داعم للأجنداتالانتخابية.

وحين يندمج المجتمع المسلم مع مبادئ وأسس العقيدة الإسلامية ويمتثلها واقعًاومنهج حياة؛ يكون هذا المجتمع بهذه الصورة المفاهيميَّة معبِّرًا عن مصطلحالهوية الإسلامية، والهوية تقوم على أربعة أسس وعناصر(العقيدة ـ التاريخ ـاللغة ـ الأرض) فإن تكونت هذه العناصر الأربعة في الأمَّة المسلمة عبَّرتبمجموعها عن الهوية الإسلامية المقصودة(1).

 

وبقدر ما يأخذ المسلم منهويات الآخرين القبيحة من ناحية الأخلاق أو القيم والمبادئ؛ فإنَّه سيؤثر ذلكسلبًا على عقيدته وفكره وتحركاته وتوجهاته، كما قال الإمام ابن تيمية: »من شأنالجسد إذا كان جائعًا فأخذ من طعام حاجته استغنى عن طعام آخر، حتى لا يأكله إنأكل منه إلا بكراهة وتجشّم، وربما ضرّه أكْله، أو لم ينتفع به، ولم يكن هوالمغذي له الذي يقيم بدنه، فالعبد إذا أخذ من غير الأعمال المشروعة بعض حاجته،قلّت رغبته في المشروع وانتفاعه به، بقدر ما اعتاض من غيره، بخلاف من صرف نهمتهوهمته إلى المشروع؛ فإنه تعظم محبته له ومنفعته به، ويتم دينه، ويكملإسلامه«(2).

 

فالله تعالى يقول: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَالْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِوَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ وَلاتَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَامِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةًوَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُواالْخَيْرَاتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَاكُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ(48) وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَاللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْبَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَايُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَالنَّاسِ لَفَاسِقُونَ(49)} [المائدة: 48- 49].

 

»إن هذه الأمة هي وارثة الرسالات، وصاحبة الرسالة الأخيرة والدين الأخير، وصاحبة الوصاية والقوامة على البشرية بهذا الدين الأخير، ألا تتولى من يكفرون بهذا الدين ومن يتخذون فرائضه وشعائره هزوًا ولعبًا، إنما تتولى الله ورسوله، ولا تركن إلى ولاية غير المؤمنين بالله ورسوله، فإنما هي أمة بعقيدتها لا بجنسها، ولا بأرضها، ولا بموروثاتها الجاهلية، إنما هي «أمة» بهذه العقيدة الجديدة، وبهذا المنهج الرباني، وبهذه الرسالة الأخيرة، وهذه هي آصرة التجمع الوحيدة«(3).

 

إنَّ محافظة الأمة المسلمة على هويتها الإسلامية، والاعتزاز بهذا الدين العظيم؛ يولِّد لديها الشعور بأنَّها الأمَّة التي اصطفاها الله بين العالمينلخيريتها وسمو تشريعاتها، ولكنَّا وللأسف نرى أناسًا من المثقفين العرب وغيرهم ،يكفرون بهويتهم، وينقلبون على واقعهم الإسلامي بالهمز واللمز، بل ويذوبونفي المشروعات الغربيَّة المناهضة للمشروع الإسلامي، والتغريب هي القنطرة التيعبرت عليها العلمانية إلى الشرق، وهذا التغريب لم يكن لحظة انبهار؛ لأنالانبهار يزول سريعًا فتبدو الأشياء على حقيقتها، وإنما كان لحظة عمى وعمهٍحضاري، كان لحظة تعاقد تآمري(4).

 

لابد من الربط بين الأخلاق والنهضة والهوية الإسلامية للأمة؛ لأن هذه الهوية هي ما ستحرك العامل والصانع والفلاح والشرطي ورجل القانون والعالم، إلخ، هذه هي القوة الوحيدة الجامعة التي لا تحتاج إلى استيراد ولا إلى تبعية، وبالتالي فهي قوة مجمعة لعناصر الأمة وملهمة لها، وتحافظ على استقلالها وتفردها وثقتها بالنفس، ولأن قوة الهوية المتجانسة تكون دافعًا كافيًا للالتزام بالأخلاق، فلتطبيق الأخلاق لا يمكن أن تكون القوانين كافية، ولا يمكن أن يكون وراء كل مواطن شرطي يراقب أخلاقه، لابد أن يكون التصرف بأخلاق نابعًا من الاقتناع والإيمان بها، وليس هناك وسيلة لهذا أقوى من الوعي الجمعي واتحاد الهوية والهدف.

 

فإذا أردنا النهضة الأخلاقية للشرق، فعلينا العمل على إعادة بناء المؤسسات الأربع: التعليم والإعلام والمؤسسات الأهلية والحكومة الرشيدة، ويكون المنبع هوية الحضارة الإسلامية وروحها، ويكون الاتجاه نحو نهضة الشرق، وتكون الأخلاق هي التطبيق العملي والواقعي في الحياة اليومية لكل من يعيش هذا المشروع(5).

 

يقول الأستاذ محمد قطب: وأول ما نبدأ به من هذا الجهد،هو تصحيح منهج التلقي... من أين نتلقى فهمنا لهذا الدين؟ من كتاب الله وسنةرسوله صلى الله عليه وسلم وسيرة السلف الصالح رضوان الله عليهم؟ أم مما دخل علىهذا الفهم الواضح المستقيم من أفكار دخيلة ومنحرفة، بتأثير عوامل متعددة فيأثناء المسيرة الطويلة للأمة الإسلامية، واحتكاكها الدائم بأخلاط من المذاهب،وأخلاط من الأفكار؟‍، فإذا صححنا منهج التلقي، وصححنا بناء على ذلك ما انحرف فيحس المسلمين المتأخرين من مفاهيم الإسلام الرئيسية، بقيت علينا مهمة أخرى لاتقل خطرًا، هي مهمة التربية على المفاهيم الصحيحة لهذا الدين، والتربية هيالجهد الحقيقي الذي ترجى معه الثمرة، ولكنه لن يؤت ثمرته حتى يقوم على أساسهالصحيح(6).

إنَّ اليابانيين حين ضربتهم أمريكا بالقنبلة النوويةودمَّرت ناجازاكي وهيروشيما، رأوا أنَّ من أسباب ضعفهم عدم قدرتهم على مواجهةالأمريكان، وقلَّة المعلومات التقنيَّة التي لديهم؛ فأرادوا تحقيق المناعةواستقطاب المعلومات التي يجهلونها، فأرسلوا البعثات للتعلم في بلاد الغرب والنهلمن علومهم الطبيعية، حتى يرجعوا إلى اليابان وينقلوا إلى أرضها تلك التجاربالغربية الطبيعية؛ فتنهض دولتهم، وحين بعثت أول بعثة يابانية إلى دول الغربرجعوا إلى بلادهم متحللين من مبادئهم، ذائبين في الشخصية الغربية، فما كان مناليابانيين إلاَّ أن أحرقوهم جميعًا على مرأى من الناس في طوكيو، ليروا عاقبةمن تنكر لأمته وقيمه، ولم يرعَ المسئولية التي أنيطت به، وبعد ذلك أرسلاليابانيون بعثة أخرى، وأرسلوا معها مراقبًا يراقبهم أولاَّ فأول، من ناحيةثباتهم على عقيدتهم وخصوصياتهم البوذية، ومراقبة انهماكهم في استقطاب واجتذابالمعلومات التي يجهلونها لينقلوها في واقع بلادهم، وتمضي الأيام وتكون اليابانمن أكبر الدول التقنية في العالم أجمع، بل والمنافسة والمسابقة لأمريكاوأوروبا في كثير من التخصصات التقنية.

إن الذين يملكون هذه الهوية يعرفون الهويات الأخرى التي تحيط بهم، فهم يعرفون الجاهلية العربية التي عاصرتهم، وعرفوا من خبرتهم وتجاربهم الأمم الأخرى من يهود ونصارى، كما عرفوا هذه الأمم من خلال وصف القرآن الكريم لليهود والنصارى وللعرب الجاهليين.

 

الهوية الإسلامية هي التي دعت إلى الصدق والأمانة والوفاء بالعهود والوعود، وجعلت الوفاء بالعهد دينًا، وجعلت الصدق من البر الذي يهدي إلى الجنة، والكذب من الفجور الذي يهدي إلى النار.

 

استقلالية الهوية أمر مهم وخطير ينبغي أن نغرسها في نفوس أبنائنا وبناتنا مع حليب أمهاتهم، بل قبل ذلك نغرسها في نفوس الآباء والأمهات لينقلوها إلى الأبناء، لا يمكن المحافظة على استقلالية الهوية دون معرفة هذه الهوية بالتفصيل من أصغر سلوك إلى أكبر قضية في الأمة، وهي الحكم الذي يعيشون في ظله، وأصغر الأشياء التي لا تبدو مهمة ولكنها جزء من الهوية أن يبدأ الإنسان ارتداء النعلين باليمين(7).

 

___________________________________________

(1) هل الهوية الإسلاميَّة في خطر؟!خباب بن مروان الحمد، صيد الفوائد.

(2) اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم، (1/ 543).

(3) في ظلال القرآن، (2/ 380).

(4) الإسلام بين التنوير والتزوير  د. محمد عمارة، (ص: 97) .

(5)الأخلاق ودورها في نهضة الأمة، أ.د. خالد عمارة، موقع يقظة فكر.

(6) مفاهيم ينبغي أن تصحَّح، (ص:13 - 14).

(7) هوية الأمة الإسلامية بين الاستقلال والتبعية، د.مازن بن صلاح مطبقاني، صيد الفوائد.