logo

المهارات الحياتية الاجتماعية في الإسلام


بتاريخ : الاثنين ، 27 ربيع الآخر ، 1444 الموافق 21 نوفمبر 2022
بقلم : د. ماجد بن سالم حميد الغامدي
المهارات الحياتية الاجتماعية في الإسلام

لَم تُجمِع المؤسسات والدراسات التربوية على تصنيف معيَّن للمهارات الحياتية، إلاَّ أنه من خلال تتبُّع هذه المهارات واختلاف مجالاتها وعمومها؛ ولأن تحديد المهارة لمجتمع ما أو فردٍ معيَّن يعود إلى ما يناسب إمكاناته واحتياجاته - يُمكن أن تصنَّف المهارات الحياتية إلى أربعة مجالات:

المجال الأول: المهارات الحياتية الاجتماعية.

المجال الثاني: المهارات الحياتية العلمية.

المجال الثالث: المهارات الحياتية الصحِّية.

المجال الرابع: المهارات الحياتية البيئيَّة.

المهارات الحياتية الاجتماعية:

وتشتمل على عددٍ من المهارات الفرعية، منها: حُسن التعامل مع الآخرين، والتسامح مع الآخرين، والتعاون مع الآخرين، وإقامة العلاقات الشخصية الحسَنة، والتواصل الاجتماعي، والتعاطف الاجتماعي، والتعايش الاجتماعي، وتحمُّل المسؤولية، وأدب الحوار.

المهارات الحياتية الاجتماعية في الإسلام:

جاء الإسلام في وقتٍ فرَغت قلوب الناس فيه من معاني الرحمة والتعاون، كان يأكل قَوِيُّهم ضعيفَهم، ويستغلُّ غنيُّهم فقيرَهم، فعمل على القضاء على منابع الشرِّ، وإزالة الحواجز التي قطعتْ ما بين الناس من صِلات التراحُم والتعاون، وأخَذ يَبني المجتمع بناءً واحدًا مُتماسك الأطراف، وكان أوَّل ما اتَّخذه من ذلك إيجابًا الحثّ على التعاون والتراحُم، فشدَّد في تحريم الرِّبا والرِّشوة، بعد أن حرَّم الشُّحَّ، وأوْجَب الزكاة.

لقد حثَّ الدين الإسلامي الحنيف على حُسن التعامل مع الآخرين، بنصِّ القرآن والسُّنة بأكمل وأشمل العبارات، بأسلوب مُرَاعٍ لحاجات الناس واختلاف خصائصهم، وتنوُّع نفسيَّاتهم، فقد قال - تعالى -: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل: 125].

وقال - عليه الصلاة والسلام -: ((خَيْرُ الناس أحسنُهم خُلُقًا))، ويقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((المؤمن يأْلَف ويُؤْلَف، ولا خَيْرَ فيمَن لا يأْلَف ولا يُؤْلَف, وخيرُ الناس أنفعهم للناس)).

فقال الله - تعالى -: ﴿يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [الحجرات: 11].

وكان - عليه الصلاة والسلام - يُحْسِن التعامُل مع الناس، فكان إذا قامَ الليل لا يُزْعِج النائمَ أثناء عبادته، وإنَّما كان يؤْنِس اليَقظان، وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يَطْرُق باب بيته قبلالدخول إليه، وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - ضحَّاكًا في بيته؛ تقول زوجات الرسول- صلى الله عليه وسلم -: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيته هاشًّا، باشًّا، وكانضحَّاكًا في بيته، وكان يجلس معنا يحدِّثنا ونحدِّثه، فإذا أُذِّن للصلاة كأنَّه لا يعرفُنا ولانعرفه"، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إيَّاكم والجلوس في الطُّرقات))، قالوا: يا رسولالله، ما لنا من مجالسنا بدٌّ؛ نتحدَّث فيها، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((فإذاأبيتُم إلاَّ المجلس، فأعطوا الطريق حقَّه))، قالوا: وما حقُّ الطريق يا رسول الله؟ قال: ((غَضُّ النظر، وكَفُّ الأذى، ورَدُّ السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر))؛ أخرَجه البخاري.

وجاء النهي في الإسلام عن اللمْز والغمْزِ، قال - تعالى -: ﴿وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [الحجرات: 11].

وورَد النهي عن الغِشِّ في التعامل؛ فقال - تعالى -: ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ﴾ [المطففين: 1 - 3]، والآيات في ذلك كثيرة جدًّا.

وفي الأمر بتحمُّل المسؤولية ومراقبة النفس يقول الله - عزَّ وجلَّ -: ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ﴾ [الإسراء: 36].

فحقيق بالعبد الذي يعرف أنه مسؤولٌ عمَّا قاله وفعَلَه، وعمَّا استعَمَل به جوارحه التي خلَقها الله لعبادته، وجاء في الحديث قوله - عليه الصلاة والسلام -: ((كلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤول عن رعيَّته))؛ رواه البخاري، ومسلم.

وأمر سبحانه بالأدب في الحوار والدعوة، فقال - سبحانه -: ﴿وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل: 125]، فقد حثَّت الآية على الالتزام بقواعد الخطاب والتحاور.

ويقول - تعالى - في مدْح المعرضين عن القول الباطل: ﴿وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ﴾ [القصص: 55].

وقال - تعالى - في ذَمِّ المجادلين بغير عِلْمٍ ولا بُرهان: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ﴾

[الحج: 8]، ويقول - عز وجل -: ﴿وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ﴾ [لقمان: 19].

فقد أمرَه أن يقتصدَ في صوْته أيضًا، وهذا أدبٌ من الآداب التي يلتزم بها المحاور والمجادل، فلا يرفع صوتَه إلا بقدْر الحاجة.

ويقول - تعالى - آمرًا عبادَه بالتعاون فيما بينهم في شؤون الدِّين والدنيا: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [المائدة: 2]، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((انْصُر أخاك ظالِمًا أو مظلُومًا))، فقال رجلٌ: يا رسولَ الله، أَنْصُرُه إذا كان مظلُومًا، أفرأَيت إذا كان ظالِمًا كيف أنصُرُه؟ قال: ((تحجُزه، أو تَمْنَعه من الظُّلْم، فإن ذلك نَصْرُه))؛ رواه البخاري.

ويدل على ذلك المعنى قول الله - تعالى -: ﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [العصر: 3]، والآيات والأحاديث الدالة على معنى التعاون بين الناس كثيرة جدًّا.

وجاء الإسلام معزِّزًا لمهارة التسامح بين الناس، فجاء نبيُّنا محمد - صلى الله عليه وسلم - بدين الحنيفيَّة السَّمْحة، دين التسامح والمحبَّة والأخلاق العظيمة، والتسامح خُلُق الإسلام كدينٍ منذ أن خَلَق الله الأرض ومَن عليها؛ قال - تعالى -: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: 128].

وجاء في الحديث الشريف قولُه - عليه الصلاة والسلام -: ((ألا أنبِّئُكم بما يشرف به الله البُنيان، ويرفع الدرجات))، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((تَحْلُم عمَّن جَهِل عليك، وتعفو عمَّن ظَلَمك، وتُعطي مَن حَرَمك، وتَصِل مَن قَطَعك)).

وكان متسامحًا حتى مع أعدائه الذين ناصَبُوه العداء، كان متسامحًا إلى حدِّ العفو عن أَسْراهم واللطف بهم، والإحسان إليهم، فها هو أثناء عودته من الطائف، وبعد أن أَدْمَوْه وأغْرَوا به سُفهاءَهم وغِلْمانهم، وبعد أن طرَدوه من قريتهم، وأساؤوا معامَلته، يأتيه ملك الجبال، يقول: مُر يا محمد، فيقول رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لعلَّ الله يُخْرِج من أصلابهم مَن يعبده وينصر هذا الدين))، لقد كان ملك الجبال ينتظر منه إشارة ليُطبق عليهم الأخْشَبَيْن، ويُغْرقهم في ظُلمات الأرض، فلا ينجو منهم أحدٌ، ولكن الرحمة التي في قلبه، وخُلُق التسامح الذي تربَّى عليه، دَفَعه إلى الاعتذار من ملك الجبال، وقال قولَته الشهيرة التي تنمُّ عن مسؤوليَّة عظيمة وخُلُق فاضل.

وقال - تعالى -: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ﴾ [البقرة: 219].

وفي التواصُل مع الآخرين، فإن الإسلام دينُ التواصل؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: ((أوثقُ عُرَى الإيمان الحبُّ في الله والبُغض في الله))، ومع عِظَم شأن الصِّلة، فإنَّ كثيرًا من الناس مُضَيِّعون لهذا الحقِّ، مُفَرِّطون فيه، فمِن الناس مَن لا يعرف قَرَابته بصِلةٍ بالمال أو بالجاه.

إنَّ مسألة التواصُل بين المسلمين أكبرُ وأشمل، ودائرة التعارُف بينهم لا بدَّ وأن تكون أوسعَ، وقد بيَّن الله الحِكمةَ مِن خَلْق الناس في قوله: ﴿يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [الحجرات: 13].

وفي التعاطُف بين المسلمين، جاء الحديث الصحيح المشهور عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: ((تَرَى المؤمنينَ في تراحُمهم وتوادِّهم وتعاطُفهم، كمَثَل الجسد، إذا اشتكى منه عضو، تداعَى له سائر الجسد بالسَّهر والحُمَّى))؛ رواه البخاري.

بل قد ضَرَب الصحابة - رضي الله عنهم - أرْوَع الأمثلة في التطبيق العملي للتعاطُف والتراحُم؛ عن أنس - رضي الله عنه - قال: "قَدِم عبدالرحمن بن عوف، فآخَى النبي - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري، فعرَض عليه أن يُناصِفَه أهلَه ومالَه، فقال عبدالرحمن: بارَك الله لك في أهلك ومالك، دُلَّني على السوق"؛ رواه البخاري.

المصادر:

أبو حامد الغزالي؛ إحياء علوم الدين، ج1، دار القلم، بيروت.

عمران، تغريد وآخرون (2001)؛ المهارات الحياتية، القاهرة، مكتبة زهراء الشرق.

الغامدي، ماجد بن سالم (2011م)؛ فاعلية الأنشطة التعليمية في تنمية المهارات الحياتية في مقرَّر الحديث لطلاب الصف الثالث المتوسط بمدينة الرياض، دراسة ماجستير، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

هدى سعد الدين (2007م)؛ المهارات الحياتية المتضمنة في مقرَّر التكنولوجيا للصف العاشر ومدى اكتساب الطلبة لها.

http://www.islam-qa.com/ar/ref/110508

http://www.islamtoday.net/t2882.html •

• http:// www.almoslim.net/node/83541

المصدر: موقع الألوكة