logo

المشروع الاستراتيجي وأثره في حياة الداعية


بتاريخ : الأربعاء ، 25 ذو القعدة ، 1444 الموافق 14 يونيو 2023
بقلم : تيار الاصلاح
المشروع الاستراتيجي وأثره في حياة الداعية

إن الدعوة بحاجة إلى مراجعات وإلى إضافات يفرضها واقع العصر الذي كثرت متغيراته الإعلامية والاقتصادية والتقنية، وما كان بالأمس من الوسائل والطرائق صالحًا قد يكون غير مجدٍ اليوم، فقد تعددت صور الفساد، وأصبح أهل الشر والزيغ يبتكرون في طرائق الترويج لمنكراتهم؛ بل ويقدمون الدراسات التي تعزز من إمكاناتهم في التوسع والتمدد الفكري قبل التمدد الجغرافي، وإذا كان الأمر كذلك؛ فالواجب على المهتمين بالدعوة أن يستفيدوا من وسائل الإعلام بمختلف أنواعها، والسعي من خلالها لتقديم الدراسات والبحوث الجادة لطلبة العلم والمفكرين والدعاة؛ ليقدموا رؤاهم حول الأساليب الناجعة، والخطط التي تناسب عصرنا الحاضر.

إننا نجد الناس يصابون بالإحباط عندما يجدون الطريق الذي يقودهم إلى مستقبل واعد ولا يعرفون كيفية الوصول إلى نهايته، والمشكلة أن هؤلاء مع وجود الرغبة لديهم إلا أنهم بكل بساطة لا يعرفون كيف ومن أين يبدؤون؟ لذلك فإن أغلبهم يشعر بالضياع، وكلما بدأ في أمر توقف قبل إتمامه، وذلك لأنه يفتقد ميزة التخطيط الفعال لتحقيق أهدافه وإيجاد التوازن في حياته ما بين الواجبات والرغبات والأهداف.

قال عبد الله بن رواحة ليلة العقبة: اشترط لربك ولنفسك ما شئت، فقال: «أشترط لربي أن تَعبدوه ولا تُشركوا به شيئًا، وأشترط لنفسي أن تَمنعوني مما تمنعون منه أنفسَكم وأموالكم»، قالوا: فما لنا إذا نحن فعلنا ذلك؟ قال: «الجنة»، قالوا: ربِح البيع، ولا نقيل ولا نستقيل (1).

وأسعد بن زرارة من شباب الخزرج، المتوهج المتقد حماسًا وإخلاصًا، الممتلئ إيمانًا، الفيَّاض باليقين -يريد أن يحدد الأمر إلى أبعاده البعيدة، فقال: رويدًا يا أهل يثرب! إنا لن نضرب إليه أكباد المطي، إلا ونحن نعلم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن إخراجه اليوم مفارقة لجميع العرب وقتل خياركم، وأن تعضكم السيوف، فأما أنتم قوم تصبرون عليها إذا مستكم بقتل خياركم ومفارقة العرب كافة، فخذوه وأجركم على الله تعالى، وأمَّا أنتم تخافون من أنفسكم خيفة، فذروه، فهو عُذر لكم عند الله عز وجل فقالوا: يا سعد، أمِطْ عنا يدك، فوالله لا نذر هذه البيعة، ولا نَستقيلها، فقمنا إلىه رجلًا رجلًا، فبايعناه (2).

قال أبو الهيثم التيهان: يا رسول الله، إن بيننا وبين الرجال -يعني: اليهود- حبالًا؛ أي: عهودًا، وإنا قاطعوها، فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك، ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتَدَعنا؟ فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: «بل الدم الدم، والهدم الهدم» (3).

فانظر إلى أي مدى كان المسلمون الأوائل يراعون تقديرات الأمور وآثارها على المدى القريب والبعيد؟ وكيف يتعاملون مع المعلومات والبيانات؛ تمهيدًا لاتخاذ قرار خطير مثل البيعة للرسول صلى الله عليه وسلم؟

إن السمة المشتركة بين كل الناجحين هي قدرتهم على الموازنة بين الأهداف التي يرغبون في تحقيقها والواجبات اللازمة عليهم، وهذه الموازنة تأتي من خلال إدارتهم لذواتهم، وهذه الإدارة للذات تحتاج قبل كل شيء إلى التخطيط الجيد.

ويرشد التخطيط الاستراتيجي إلى امتلاك الموارد وتخصيصها باتجاه تحقيق تلك الأولويات.

أهمية التخطيط ومميزاته:

ويمتاز التخطيط الاستراتيجي بعدة خصائص، لعل من أهمها:

- اختيار ما هو أفضل استجابة للظروف التي تشكل بيئة ديناميكية، وربما في بعض الأحيان عدائية.

- عملية منتظمة؛ حيث تدعو لإتباع عملية تم هيكلتها كما أنها تعتمد على البيانات.

- يتيح لك توجيه المستقبل وإدارته، وبذلك فلا يلزمك أن تظل قابعًا في مكانك إذا تم اتخاذ قرار ما بطريقة خاطئة، أو إذا ما لم يتم اتخاذ قرار صائب، فلربما تتغير الظروف الخارجية من حولك بالكلية.

- وسيلة للتفكير والتصرف من أجل عمل تغيير معين، فالعقلية الإدارية هي عقلية معنية بتحقيق الأهداف، وبذلك فهي لا تحصر نفسها في التفاصيل، كما أنها تقبل الالتزام بالتخطيط للمستقبل، ولا تكتفي بالانشغال بالوضع الذي تقف فيه حاليًا وحسب، ويعتبر تحويل الإطار الزمني للفرد من الوقت الراهن إلى المستقبل، ثم العودة إلى الوقت الراهن ثانية،... وهكذا، يعتبر ذلك بمثابة مهارة استراتيجية يمكن تعلمها والتأكيد عليها بالممارسة، فالعقل الاستراتيجي يتواكب مع التغيير، فهو ينتقل سريعًا من المشكلة إلى وصف العلاج الناجع لها، فهو يسعى للقيام بالتغيير.

- عملية مستمرة وعائدة، فلا يمكن أن تكون جهود الإدارة الاستراتيجية بمثابة نشاط لفترة زمنية واحدة أو لها بداية ونهاية، بل يجب أن تكون عملية مستمرة تتراكم فيها الخبرات، ويتم تطوير هذه الخبرات من خلالها، ولعل أحد الأسباب الرئيسية التي تفسر استمرارية عملية التخطيط الاستراتيجي هي استجابته للظروف الخارجية التي لا تتوقف أبدًا، ومن ثم فيجب أن تظل الخطط والأدوات التي يتم تنفيذ تلك الخطط بها في حالة تعديل وتنقيح مستمر.

- تشكل الإدارة الاستراتيجية إطارًا لتوجيه المراحل الأخرى للإدارة، ويتضمن ذلك التوجيه لبعض الوظائف الإدارية؛ مثل تصميم البرامج، ووضع الموازنات الخاصة بالبرامج، ووضع الهياكل، وتطوير الموارد البشرية، وتقييمها، كما توفر إرشادات لتوجيه الموارد والمهارات إلى النشاطات ذات الأولوية القصوى، أي أنه يتضمن اختيار أولويات محددة.

- الإدارة الاستراتيجية ليست عملية سهلة الأداء؛ بل هي عملية صعبة تتطلب بذل المزيد من الجهود، فهي تتطلب بذلك مجهود فكري وكثير من الانضباط والالتزام، كما أن الرغبة والمهارة مطلوبة لاختيار المسارات الزمنية للأداء بدلًا من الانتظار حتى وقوع الأحداث والأزمات التي تدفعنا إلى اتخاذ رد فعل مواجه بطريقة عقيمة.

وفي العديد من الأحيان، يكون الانتظار –بسبب عدم التأكد مما يجب علينا عمله– سببًا في تأخرنا للغاية عن اتخاذ إجراء فعال أو حتى تحملنا لنتائج سلبية كبيرة.

وبسبب الأهمية الكبيرة التي حظي بها التخطيط الاستراتيجي في الوقت الراهن، نجد أن الكثير من برامج تطوير الذات قد بدأت في تطبيق أساليبه لتحقيق التطوير الفردي والارتقاء المهاري (4).

فكر قبل أن تنجز!

حيث تضع أهدافك في برنامج عملي قابل للتنفيذ ورسم صورة واضحة للمستقبل، وتحديد الخطوات الفاعلة للوصول إلى هذه الصورة، وكيف نتعامل مع الزمن ونختار الأولويات التي تساعدنا على التفريق بين المهم والأهم، والعمل العاجل المهم، والمهم وليس بعاجل، وهذا أمر يعين على النجاح وعلى سلامة الدعوة.

وتأمل وصية الصديق حين أوصى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقوله: واعلم أن لله عملًا في الليل لا يقبله في النهار، وأن لله عملًا في النهار لا يقبله في الليل، فحين تبدأ في التخطيط فلا تخلط بين الأعمال، واجعل لكل وقت وحال ما يناسبه من العمل، فإن الله عز وجل جعل النهار للضرب في الأرض والكسب، وجعل الليل للقيام والمناجاة.. وللصحة عمل، ولحال المرض عمل آخر، فلا تكن كحاطب الليل، بل حدد أولوية العمل على ضوء جدواه وواقعيته وأهميته.

المبادئ والإرشادات العامة في التخطيط:

1- لا تباشر التخطيط إلا بعد الحصول على قدر كاف من الراحة والهدوء واعتدال المزاج والشعور بالثقة وعدم القلق والتوتر أو الإحباط؛ لأن التخطيط يحتاج منك إلى جميع قواك الذهنية، نم تفكير وتذكر وخيال كما يحتاج إلى صفاء النفس.

2- توافر المعلومات عن الواقع القائم وعن العمل الذي تسعى لإقامته وإيجاده، فلا بد من الإلمام بالواقع وتوليفه كما هو عليه من غير زيادة ولا نقصان؛ لأن الواقع سيكون منطلقًا للمستقبل الذي تخطط له، والمراد هنا واقع العمل الذي تريد التخطيط له وتطويره وإنجازه لا واقع الحياة كلها.

3- تحديد الأهداف المرجوة من العمل الذي تخطط له.

4- معرفة وحصر ما تحتاج إليه من وسائل وإمكانات بشرية ومادية لتنفيذ خطتك وتحقيق أهدافك ومعرفة ما هو موجود منها وما هو المتاح الآن؟ وكيف يمكن إيجاده؟

5- تحديد زمان ومكان تنفيذ العمل وإنجازه، ويجب أن يكون تحديد هذين العنصرين واضحًا وضوحًا لا لبس فيه، فإن لم يتم ذلك فستبقى الخطة ناقصة حتى يتم استكمال ذلك.

6- تحديد من يقوم بتنفيذ العمل؛ إما بتحديد عينه أو شخصه، سواء كان فردًا أو مجموعة.

أثر غياب التخطيط الدعوي:

ولقد كان من نتائج غياب البعد الزمني في تفكير الدعاة:

1- الابتعاد عن الأعمال المنتجة العميقة الأثر والتي تحتاج إلى وقت وجهد في القيام بها، ولا تظهر آثارها في الزمن القريب، والعناية أكثر بالأعمال سريعة الأثر وقريبة النتائج، وهي مهما علا شأنها لا يسوغ أن تكون بحال هي الميدان الوحيد الذي يفكر فيه الدعاة.

2- غياب الرؤية البعيدة والنظر الاستراتيجي العميق للواقع، وعدم دراسة المتغيرات التي تحكمه واتجاهاتها، مما يوقع المجتمعات الإسلامية أمام المفاجآت، ويحرمها من التنبؤ المسبق بالمشكلات، ومن ثم الإعداد لها ومواجهتها، وذلك واجب ينبغي أن يقوم بأعبائه الدعاة إلى الله عز وجل.

3- التسرع في التقويم والحكم على كثير من الجهود الدعوية التي ربما لا تظهر آثارها في الزمن القريب المنظور، وترتب على ذلك اعتبار الابتلاءات التي تصيب الدعوة دلائل فشل وإخفاق، وافتراض ثبات الأوضاع القائمة بكل متغيراتها وظروفها.

إننا اليوم بحاجة ماسة إلى إعادة النظر في طريقة تفكيرنا، وإعطاء الأمور وقتها الذي تستحقه ما يؤمل معه أن تنتقل الدعوة إلى مواقع ومساحات كانت قد حرمت منها، وأن تتسع النظرة ويبعد الأفق (5).

إيجابيات التخطيط وأثره في حياة الداعية:

ويمكن أن تبرز أهم ما يمكن أن يسهم التخطيط في النهوض بالأعمال الدعوية والارتقاء بها حتى تحقق أهدافها بإذن الله تعالى ثم بجهود الدعاة الصادقين المخلصين، وأبرز هذه الإيجابيات هي:

1- أن التخطيط يحدد أهداف الدعاة وغايات البرامج والمشروعات الدعوية، كما يفيد في حسن الأداء أثناء التنفيذ والتقويم الدقيق بعد ذلك، ولا زال هذا الأمر –وهو وضوح الهدف– غائبًا عن كثير من العاملين في الدعوة، فهو لا شك يدرك الهدف العام –وهو تبليغ دين الله– ولكنه يجهل الأهداف الخاصة لكل برنامج؛ مما يوجد في كثير من الأحيان سلبيات كثيرة على هذه البرامج، وأي عمل دعوي يجب أن ينتهي إلى ثلاث نتائج «حفظ العقيدة، أداء الفريضة، اجتناب الكبائر».

2- يساعد التخطيط في اختيار طرق الدعوة المناسبة والملائمة لكل داعية بحسب قدراته وإمكاناته المتوافقة مع طبيعة البرنامج والأهداف المرسومة له، وفي تحديد الرأي الأقرب للتقوى لكل برنامج، فأحيانًا قد يختار الداعية أساليب للدعوة لا تؤدي إلى نجاح البرنامج؛ إما لعدم مناسبتها لأهداف البرنامج، أو لطبيعة البرنامج وأهدافه وقدراته الدعوية، أو أنها غير ملائمة لبيئة الدعوة أو نوع المدعوين وطبيعتهم، وقد يجتهد الداعية أحيانًا في اختيار وسيلة غير منضبطة بضوابطها الشرعية.

3- يجعل من السهل التنبؤ بمعوقات البرنامج الدعوي التي يفاجأ بها الداعية أثناء أو قبل البرنامج، ويتم هذا بالاستفادة من المعلومات والبيانات التي يجمعها واضع الخطة الدعوية مما يجعله أكثر أمانًا وأقل عرضة للمفاجآت التي قد تذهب جهوده أو تضعف ثمارها، إضافة إلى أنه يعالج الخطأ في الوقت المناسب، وقبل أن يتراكم فيمنع الرؤية وتصعب معالجته.

4- يسهم التخطيط في ترتيب الأولويات لدى العاملين والقائمين على البرنامج الدعوي، مما يساعد في اختيارهم الأهم منها عند حدوث تضارب أو تداخل، أو عند الحاجة لتقديم برنامج آخر أو إلغاء أحدهما أو غير ذلك.

5- يحدث التخطيط كثيرًا من الانسجام والتناسق بين أعمال الداعية مما يمنع الازدواجية والتضارب في أعماله وبرامجه، فلا تضيع بفعل ذلك كثير من الجهود والأوقات التي يمكن استغلالها لتنفيذ برامج أخرى.

6- يعمل التخطيط على توفير كثير من النفقات المالية والجهود البشرية التي توضع في غير موضعها بسبب ضعف التخطيط أو انعدامه، مما يساعد على استثمار هذه الجهود والنفقات لإقامة برامج دعوية أخرى، ولا شك أن عدم وجود تصور واضح للميزانيات المتوقعة لتنفيذ البرنامج هو من آثار ضعف التخطيط.

7- يفيد التخطيط في تحديد مواعيد زمنية تضبط بدء الأنشطة وانتهاءها، وهذا يجعل الداعية قادرًا على تقويم أعماله ومدى التزامه بالمدة الزمنية المحددة لتنفيذها، وكذلك في حسن التوقيت لإقامة البرامج، ومنع التضارب مع أنشطة أخرى.

8- يفيد التخطيط في التجديد في الأساليب والوسائل الدعوية، وفي البعد عن الرتابة والتمسك بالأساليب التقليدية؛ مع التمسك بثوابت المنهج الصحيح في الدعوة.

9- يفيد التخطيط في التنسيق بين العاملين أو الجهات الدعوية في الساحة الدعوية بأشكال مختلفة؛ سواء في التنسيق في توزيع المواقع الجغرافية أو التخصص في البرامج الدعوية أو غير ذلك، كما يفيد في منع التكرار في البرامج، ويحول دون إضاعة الجهود، أو إغفال برامج أخرى قد تكون الحاجة إليها كثيرة.

10- يفيد التخطيط في تقويم الواقع الدعوي في المواقع المختلفة التي تنفذ فيها الخطط الدعوية، وفي تحديد مواطن الضعف في الخطة أو في أسلوب التنفيذ ليتم تلافيها في الخطط القادمة، وهذا مما يؤكد أهمية التخطيط؛ في أنه يساعد في عدم تكرار الأخطاء التي ترتكب، وفي عمل مراجعات شاملة في نهاية كل خطة دعوية، ليتم تقويم النتائج والنسب المتحققة من أهدافها، وأبرز سلبياتها وإيجابياتها.

11- يجعل من السهل على الداعية أن يحصر البرامج والأنشطة والخطط اللازمة لتوجيه مسار الدعوة بالشكل الصحيح.

12- يسهم في معرفة مواضع الضعف في الطبيعة البشرية؛ ومن ثم تحديد البرامج التدريبية اللازمة للارتقاء بالكفايات الدعوية من الجوانب العملية والإدارية والقيادية كافة.

13- يساعد التخطيط القائمين على الأعمال الدعوية في وضع معايير وأسس لمتابعة أداء الدعاة والعاملين في البرامج ومدى تحقيقهم لأهداف البرنامج.

14- يفيد التخطيط في تحديد مهام العاملين في البرنامج الدعوي أو الخطة الدعوية عمومًا، وطريقة أدائهم، مما يساعد على إدارتهم وتوجيههم بالطريقة المناسبة لتحقيق الأهداف المطلوبة.

15- يزيد التخطيط من فاعلية وإنتاجية المديرين للبرامج أو الخطط الدعوية، فما دام أن التخطيط يساعد في وضع الأهداف بشكل واضح ومحدد؛ فإنه كذلك يساعد القائمين عليه في اتخاذ القرارات المناسبة التي تحكمها الأهداف الموضوعة للخطة الدعوية.

16- يساعد التخطيط في استغلال الفرص الدعوية؛ حيث يفيد في الإعداد المبكر وحسن اختيار التوقيت للبرامج وجمع المعلومات الخاصة بالبرامج؛ وخصوصًا مواعيد إقامتها وتحديد ذلك مسبقًا والإعداد الجيد لها.

17- يفيد التخطيط في جعل البرامج والخطط أكثر شمولية وتكاملًا، ويلاحظ أثر ذلك في جهود بعض الدعاة أو الجهات الدعوية؛ حيث تركز على شرائح معينة من المجتمع أو على موضوعات وجوانب معينة في برامجها، وتهمل غيرها، بينما التخطيط يجعل للعمل الدعوي والجهود الدعوية سمة الشمولية في أطروحاتها وبرامجها.

18- يساعد التخطيط على استمرار الجهود الدعوية، فكثيرًا ما تتوقف الأنشطة وتتعطل البرامج بسبب حدوث المفاجآت؛ كانقطاع الدعم، أو سوء التنفيذ، أو سوء التوقيت، ولعدم وضع بدائل لهذه الحالات الطارئة.

معوقات التخطيط:

1- الجهل بالتخطيط وعدم معرفة أهميته في الحياة، فتجد بعض القرارات مبنية على إحساس فطري بتلبية حاجات إنسانية معينة.

2- عدم معرفة كيفية التخطيط. أي عدم توافر المهارات اللازمة لعمل ذلك.

3- عدم القناعة بالتخطيط والشعور بأنه مضيعة للوقت، وأنه عديم الفائدة، وأنه قيود تضعها على نفسك.

4- عدم توافر الطموح وعدم التطلع الحثيث للأفضل، والقناعة بالوضع الحالي أو الحالة الراهنة.

5- الشعور بالضياع، فهناك الملايين من البشر يعيشون في هذه الحياة بلا أهداف واضحة، وليس هناك اتجاه يضبط إيقاع تصرفاتهم، فتجدهم يدورون في حلقات مفرغة، ويقعون ضحايا للأهواء والمصالح الآنية وقصور الرؤية، والتخبط.

6- الاستسلام للأمور العاجلة والغرق في تفاصيلها وجعلها كل شيء في الحياة، وعدم التفريق بين المهم والأهم.

7- الخوف من المجهول والركون إلى المعلوم، فعملية التخطيط تحتاج إلى التخيل والتصور واستشراف المستقبل وصورته وما يجب أن يكون، والحقيقة أن التخطيط لا يخلو من عنصر المخاطرة (6).

تراود كثيرًا من الدعاة أفكارٌ دعوية وحلول تربويَّة، لكنها ما تَلبث أن تُصبح طَيَّ النسيان، أو مكانها في الأدراج بين قصاصات الأُمنيات؛ وذلك لأن الحاجات المُلِحَّة التي تتطلَّبها الدعوة كثيرة، وعند تزاحمها يُقَدَّم الشخص الأكثر أهميَّة على ما هو دونه، فمثلًا: الحاجة إلى الإصلاح العَقَدي والتربية القرآنية النبويَّة، وتصحيح الكثير من التصوُّرات والمفاهيم المغلوطة في أوساط المجتمعات، كلُّ ذلك له الأولويَّة القُصوى، ويُقَدَّم على أيِّ شيء آخرَ، لكن إذا قَسَّمنا أهدافنا إلى قريبة المدى وأخرى بعيدة المدى، قد لا نجد حَرَجًا في أن نجمعَ بين هذه الأفكار الإصلاحية مع تلك الأولويَّات المنهجيَّة الأساسية، ومِن ثَمَّ نستطيع أن نَنسجَ الخُطط ونؤلِّف بين الأهداف، ثم نُنشئ الأدوات والبرامج التي تحوِّل هذه المطالب إلى واقع حياتي ملموسٍ، ولو بعد حين طويل (7).

فالمشروع الاستراتيجي الحقيقي للمسلم، والذي يجب الحرص عليه، والعناية والاهتمام به، والتخطيط لأجله؛ هو مشروع السير إلى الله والدار الآخرة، التي سيخلُدُ فيها أبد الأبدين، وهو ما نحاول التعريف به في هذه الكلمات: فكرة المشروع: مشروع ذاتي إيماني يقوم به الشخص على سياسة نفسه وتربيتها، والسير بها إلى الله والدار الآخرة، عبر برامج وأنشطة متنوعة، وأعمال وعبادات مشروعة.  

1- الهدف العام: تحقيق العبودية لله رب العالمين.  

2- الأهداف التفصيلية:

1- نَيل رضا الله تعالى.  

2- الثبات على الدين حتى الممات.  

3- تقوى الله تعالى على كل حال وبحسب الاستطاعة.  

3- وسائل تحقيق المشروع:

1- المحافظة على الطاعات.  

2- ترك المعاصي. 

3- المحافظة على قراءة القرآن الكريم يوميًّا.  

4- التزود من النوافل باستمرار.  

4- الفترة الزمنية للمشروع: من بداية مرحلة البلوغ إلى خروج الروح من الجسد.  

5- الفئة المستهدفة: كل مسلم بالغ عاقل.  

6- احتياجات المشروع:

1- عزيمة صادقة ونية خالصة.  

2- رفقة صالحة.  

3- تعلُّم ما لا يَسَعُ المسلم جهله (8).  

____________

(1) دلائل النبوة لأبي نعيم الأصبهاني (ص: 308).

(2) عيون الأثر (1/ 192).

(3) أخرجه أحمد (15798).

(4) التخطيط الاستراتيجي/ صيد الفوائد.

(5) الدعاة والبعد الزمني الغائب/ إسلام ويب.

(6) فن التخطيط وأثره في حياة الداعية/ در الإسلام.

(7) البعد الاستراتيجي في مسيرة الدعوة/ موقع الألوكة.

(8) المشروع الاستراتيجي لكل مسلم/ مركز الوفاق الإنمائي.