الدعوة الفردية بالطرق العصرية
الدعوة الفردية هي الأساس الأول في تربية الناس على دين الله تعالى في واقعنا المعاصر، وذلك برغم شيوع الدعوة العامة في كل مكان، ودخولها تقريبًا كل بيت اليوم عبر الوسائل الحديثة، إلا أن ثم مقومات تحملها الدعوة الفردية تميزها عن الدعوة العامة في ميادين التربية والتزكية، ومجالات التعليم والتلقي.
فأهم مقومات الدعوة الفردية معايشة الفرد حياته الخاصة، لتصبغها الدعوة الفردية بعد ذلك بصبغة إسلامية خالصة، وهذا ما لا يتحقق كاملًا بالدعوة العامة عبر الكتاب أو حتى الخطبة والمحاضرة.
فالخطاب الدعوي العام عادة لا يلامس أحوال كل الناس المتغايرة والمتباينة، كما أنه كثيرًا ما لا يُفهم على وجهه، أو يَصعب فهمه أصلًا على بعض المدعوين، والدعوة إلى الله عز وجل وإن كانت أهدافها وغايتها كلها واحدة في كل الناس، إلا أن وسائلها وأشكالها تتغير وتتشكل حسب مقتضى الواقع وحال الناس.
وكل هذا بعكس الدعوة الفردية؛ فإنها معنية فقط بشخص واحد، ذي قدرات واحدة، تراعيها وتنميها، كما أن الدعوة الفردية هي المترجم الحقيقي للواقع التنظيري للدين والشرع، إلى واقع عملي منهجي في حياة الناس.
ومما يظهر لنا فضل الدعوة الفردية اليوم وتميزها في كثير من الأحيان على الخطاب الدعوي العام، ما نراه من هداية كثير من الشباب والتزامهم بالمنهج الصحيح بسببها وحدَها.
وتتلخص أهمية الدعوة الفردية فيما يلي:
1- أن الدعوة الفردية تنعم بالحرية المطلقة في كل الأحوال والظروف فلا تتعرض للتضييق أو المنع.
2- أنها تحدث صلة بين المدعو والداعية مما يهيأ المدعو للاستجابة، ولا شك أنه أكثر من الدعوة الجماعية، وهذه الصلة القوية يمكن أن تهيأ المدعو للاستجابة بشكل أكثر.
3- أنها تتيح للمدعو الاستفسار عما يريد وطلب التوجيه المباشر في أمر من أموره، لأن الداعية مواجه له مباشرة.
4- أن الدعوة الفردية أبلغ وأعمق في التربية؛ لأنها في الحقيقة توجه مركز؛ بل إن التربية هي ثمرة الدعوة الفردية؛ لأنها تحيط بحياة المدعو.
5- الدعوة الجماعية تأثيرها وقتي، ومن ثم نحتاج إلى الدعوة الفردية لمتابعة جهود الدعوة العامة، نعم قد يكون الخطيب خطيبًا جيدًا مؤثرًا، فيتأثر السامع لكن تأثره هذا وقتي، ولذا نحتاج إلى من يتابعه، ولا شك أن من يتابعه سيكون ممن يمارس الدعوة الفردية.
6- عن طريق الدعوة الفردية، يمكن للداعية أن يتدرج في توصية المدعو، فيعطيه في كل وقت ما يناسبه في الدعوة.
7- يمكن عن طريق الدعوة الفردية الوصول إلى من لم تصله الدعوة العامة؛ إما لعدم رغبته في ذلك، وإما لأن ظروفه لا تسمح له بذلك.
8- أن الدعوة الفردية يمكن القيام بها في كل مكان وأي وقت، فيمكن أن يقوم بها الطالب والمدرس والموظف والعامل وغيرهم؛ لأنها في الغالب لا تحتاج إلا إلى وقت قصير، يمكن أن تمارس الدعوة الفردية وأنت تدير أعمالك.
9- الدعوة الفردية تكسب الداعية خبرة ومعرفة بأحوال الناس، وأيضًا تكسر الحاجز الوهمي الذي يضعه الداعية بينه وبين الآخرين.
10- الدعوة الفردية تدفع من يعمل بها إلى العلم والعمل، وإلى أن يكون قدوة صالحة لغيره؛ لأنه ما دام يريد أن يدعو هذا الشخص فيجب أن يظهر أمامه بهذه الصفات.
11- الدعوة الفردية تتيح للداعية أن يطبق ما تعلمه من مفاهيم الصبر والتحمل والإيثار؛ لأنه سيتعامل مع هذا المدعو فيحتاج إلى صبر ويحتاج إلى تحمل وكظم للغيض؛ لأنه ربما يواجه من هذا المدعو أشياء يحتاج إلى الإيثار إلى التضحية، هذه الأمور يمكن أن يطبقها في أرض الواقع بعد ما كانت مفاهيم ذهنية فقط (1).
12- إن هذا الموضوع أوشك أن ينسى في أرض الواقع، وأصبح شيئًا نظريًا يذكر للعلم به.
13- ضعف الدعوة العامة الجماعية في هذا الوقت، مما أبرز أهمية الدعوة الفردية.
14- عن طريق الدعوة الفردية بدأت دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم ولمدة ثلاث سنوات حتى كوَّن قاعدة صلبة من الرجال المخلصين.
15- الوسائل الحديثة التي أصبحت في متناول الجميع التواصل على مدار اليوم.
ولا يعني هذا تفضيل الدعوة الفردية على الدعوة العامة؛ بل لكل من الدعوتين خصائصه وميزاته، والغرض هنا بيان حاجتنا للدعوة الفردية كحاجتنا للدعوة العامة.
ميزات الدعوة الفردية:
الحقيقة أن للدعوة الفردية ميزات كثيرة يجدر بنا أن نعرفها في هذا المقام ما دمنا نتكلم عن الدعوة الفردية ومن هذه المميزات:
1- أن الدعوة الفردية تنعم بالحرية المطلقة في كل الأحوال والظروف فلا تتعرض للتضييق.
2- أنها تحدث صلة بين المدعو والداعية.
3- أنها تتيح للمدعو الاستفسار عما يريد، من أمور خاصة به أو بأسرته.
4- أن الدعوة الفردية يمكن القيام بها في كل مكان وفي أي وقت مع الوسائل الحديثة.
5- الدعوة الفردية تكسب الداعية خبرة ومعرفة بأحوال الناس، وأيضًا كسر الحاجز الوهمي الذي يضعه بعض الداعين وبين الآخرين.
مراحل الدعوة الفردية:
1- مرحلة التعارف وإنشاء العلاقات:
بعد أن يراقب الداعية الشخص الذي يريد أن يدعوه مدة، ويتبيَّن له أنه مناسب، وأن دعوته لا تُزاحم دعوة مَن هو أقرب منه، ومَن تتوافر فيه عوامل نجاحٍ أكثر، يبدأ في إنشاء علاقة وصداقة معه، ويسعى ويجتهد في أن تكون هذه العلاقة طيِّبة ووطيدة، ولا بد أن يرى المدعو خلال هذه المدة من الداعية، ما يدعو إلى استمرار العلاقة والصداقة.
وينبغي للداعية ألا يتعجَّل بالكلام والتوجه في هذه المرحلة، وأن يكون فيها مستمعًا لا متكلمًا؛ حتى يتسنَّى له فَهْم جوانب شخصية المدعو، ومداخل نفسيَّته.
والأفضل للداعية أن يغضَّ الطرف عن سقطات الشخص الذي يدعوه في هذه المرحلة، إلا إذا كانت مما لا يَحسُن السكوت عنه، فإنه عندئذٍ يُنكر بلُطف وإيجاز.
والداعية الماهر هو الذي يستطيع أن يُنشئ هذه العلاقة دون أن يشعر المدعو بقصْده -قدر الطاقة- وعلى قدر ما تكون العلاقة تلقائية، ولها سببٌ واقعي موجود أصلًا، أو مُخترَع بمهارة، على قدر ما يتفتَّح لها قلب المدعو، ولا يجد فيها حرَجًا.
وقد ينتاب المدعوَّ في هذه المرحلة بعضُ المشاعر؛ مثل: التوجُّس، والحذَر؛ فينبغي أن يكون في الداعية ما يُطَمْئِن، ويَبعث على الهدوء ما أمكن.
وقد أسهمت وسائل التواصل في تيسير هذا الجانب لدى الداعية، فيستطيع التعرف على الداعية وإنشاء علاقة معه دون أن يحدث توجس أو ريبة.
2- مرحلة إيقاظ الفطرة وتحريك الإيمان الكامن في النفس:
وذلك يكون بالتذكير بقدرة الله، وبديع صُنعه، وعظيم إنعامه، وربوبيَّته على عباده، ويكون بالترغيب والترهيب، وكثرة الحديث عن مصير الإنسان ومآله، وعن اليوم الآخر والبعث، والحساب والجزاء، والجنة والنار.
وفي هذه المرحلة يدفع الشخص إلى الالتزام بشعائر الإسلام؛ كالصلاة، وحضور الجماعة في المسجد، وبر الوالدين، وصلة الأرحام... إلخ.
كما يقوم الداعية في هذه المرحلة بنهي صاحبه عن الذنوب والمعاصي المعروفة الظاهرة عليه، وأن يَلتزم في ذلك بفقه الأولويَّات عند التزاحُم، وعليه كذلك أن ينظر إلى ما يحتاجه المدعو في هذه المرحلة من قضايا التوحيد والإيمان التي تَصِح بها عقيدته، فيُعلِّمه إياها.
ويمكن أن يستعين في هذه المرحلة بالرسائل الصغيرة التي تتميَّز بالسهولة والشمول، وحلاوة العبارة وقوة التأثير؛ مثل: (الكَلِم الطيِّب- تزكية النفوس- جلسة على الرصيف- أُريد أن أتوب ولكن... إلخ).
وكذلك الأشرطة التي تركِّز على الترغيب والترهيب، والتذكير بالآخرة، وهناك من المواقع والصفحات الالكترونية التي تسهل على الداعية انجاز أكبر كم من المهمة دون تعب أو عناء.
وليَحذر الداعية في هذه المرحلة أن يُحدِّثه عن الدعوة والدعاة، وقضايا الأُمة الكبيرة، أو أن يستعجلَ عليه باصطحابه إلى الدروس العامة أو اللقاءات.
أما المشاكل التي قد تَعرض له في هذه المرحلة، فمنها:
1- منازعة صُحبة الشر وقُرناء السوء للداعية فيمَن يدعوه.
2- الفتور والتثاقل.
3- القلق من جهة الأهل بسبب تردُّد الداعية عليهم.
فليكن الداعية على دِراية بهذه المشكلات المتوقعة؛ ليَعد لمواجهتها، ومساعدة المدعو على التغلُّب عليها.
3- مرحلة الدفع نحو الالتزام الكامل:
وذلك بالحث على تقوى الله في كلِّ ما أمَر ونهى، وتحقيق العبودية لله عز وجل بمعناها الشامل العميق.
ويمكن للداعية في هذه المدة أن يَخرج به من نطاق العلاقة الثنائية إلى نطاق أوسع، بتوسيع دائرة معارفه مع أهل الدعوة، واصطحابه إلى الدروس العامة، وخُطَب الدعاة، وغير ذلك، وينبغي بذْل كل المحاولات لعزْله عن رُفقاء السوء، وسَلْخه من مجتمع الرذيلة.
ويمكن للداعية في نهايات هذه المرحلة أن يَطرق بعض القضايا المهمة طرْقًا خفيفًا؛ تمهيدًا للمرحلة التالية، ويحاول أن يُلقي الضوء على مخالفات الواقع لشرع الله عز وجل.
ومن المشاكل التي قد يتعرَّض لها الداعية في هذه المرحلة:
1- استمرار القلق من جهة الأسرة وتجدُّده.
2- ثقلة الأرض، التي تعوق الارتفاع والتحليق في آفاق الالتزام.
4- مرحلة الدفع لحمْل همِّ الإسلام والتهيئة لحمل راية الدعوة إلى الله:
يستمر الداعية في هذه المرحلة في تفهيم صاحبه الواقعَ الذي تعيشه الأمة، ومخالفة هذا الواقع لشرع الله، ويتوسَّع معه شيئًا فشيئًا، ويتدرَّج معه في عملية زرْع الاهتمام بأمر الإسلام في صدره، ثم يُفهمه أن الإسلام يتطلَّب منا البذل والتضحية في سبيله.
ويستعين الداعية في هذه المرحلة بالكتب والكتيِّبات، والمجلات والأشرطة والمحاضرات، التي تكشف الواقع وتُعرِّيه، وتبيِّن ما فيه من زَيفٍ وعَوار.
وكذلك يستعين بالخُطب والأشرطة الحماسية، وكُتب السِّيَر والمغازي، بغرض إلهاب حماسته، واستجاشة مشاعره، وينبغي للداعية أن يفتح لصاحبه قنوات العمل التي تُلائم قدراته، وتُواكب المرحلة التي يمرُّ بها، وتَنسجم مع معدل الشحن المعنوي الذي يَبثه فيه.
وهناك مواقع متخصصة في هذا الجانب مما يسهل على الداعية عمله ودعوته.
ومن الأعمال التي يمكن للمدعو أن يقوم بها في هذه المرحلة:
1- إصلاح بيته ودعوة إخوته، وأخواته وأقاربه إلى الالتزام بشعائر الإسلام وطاعة الله تعالى.
2- الالتزام بحضور دروس العلم، والجد والعزيمة في التعلُّم، والتفقُّه، والحفظ.
3- التأثير العام في مكان عمله؛ بإقامة صلاة الجماعة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر... إلخ.
أما عن المشاكل المصاحبة لهذه المرحلة، فمنها:
1- البُطء في فَهم بعض القضايا المهمة، والمتعلقة بالواقع المخالف لشرْع الله.
2- تفجير أسئلة وقضايا من قِبَل المدعو، يكون في الإجابة عنها نوعٌ من الاستعجال.
3- الإرجاف في الوسط الذي يعيش فيه الداعية.
5- مرحلة الربط بالدعاة والدفع للعمل الدعوي الرشيد الحكيم:
وفي بدايتها يرجح جانبُ الصقل والتربية وتعميق الفَهم، على الجانب الحركي، ثم يتواكبان بعد ذلك، وقد تظهر بعض المشاكل المتعلقة بالعمل الدعوي؛ مثل: شُبهة بدعيَّة العمل الجماعي، والتعصُّب، والولاء والبراء على أساس جماعة بعينها، وغير ذلك؛ فينبغي التفطُّن إلى ما يظهر على الساحة من هذه الأفكار، ووقاية المدعو منها (2).
وحتى تؤتي الدعوة الفردية ثمارها؛ فلا بد من مراعاة عدة أمور مهمة:
أولًا: وضوح الهدف:
فالدعوة الفردية تشمل العصاة الشاردين عن طريق الله عز وجل كما تشمَل الملتزمين المتخبطين في متاهات العلم والعمل، كما تشمل أصحاب التوجهات الفكرية الخاطئة، وربما المذاهب الضالة القديمة أو الحديثة.
وكل صنف من هؤلاء يحتاج لأن تحدد له أهداف وغايات خاصة، بحيث يكون تحقيق هذه الأهداف علامة نجاح أو إخفاق في الدعوة الفردية مع المدعو.
ووضوح الهدف للداعية في الدعوة الفردية مع المدعو مانع من الانزلاق في التشعب المشتت، ومانع كذلك من التخبط المنهجي، وسبب رئيس في كسْب ثقة المدعو الذي يلحظ ثبات المنهج ووضوح أهدافه.
ووضوح الهدف مهم كذلك عند المدعو؛ إذ يعمق عنده فهمَ عمله في الحياة وفهم وظيفته الشرعية، كما أن وضوح الهدف عند المدعو يعلقه بالمنهج الدعوي مباشرة، لا بالأشخاص الحاملين للمنهج.
ثانيًا: فهم أولويات الدعوة وتقديمها:
لدى كل شخص مدعو أولويات يجب أن تقدم وأن يعنى بها قبل غيرها، وهذه الأولويات تختلف من مدعو إلى آخر، حسب قربه أو بعده عن الله وعن منهجه، لكن في النهاية لا بد أن يراعى جيدًا أن الشريعة وحدها هي التي تحدد حجم القضايا والمسائل.
وفهم أولويات الدعوة في المدعو يرجع لأمرين:
1- فهم أولويات الشريعة فهمًا صحيحًا، فلا يقدم الداعية ما أخرته الشريعة، ولا يؤخر ما قدمته، ولا بد كذلك أن يلم الداعية بفقه المصالح والمفاسد؛ لأنه حتمًا سيتعرض في دعوته الفردية لمسائل عدة تقتضي إعمال هذا الفقه.
2- الإحاطة الجيدة بحال المدعو، فلا يغفل الداعية جوانب القصور في المدعو، أو لا يلحظ جوانب الإجادة عنده، فإحاطة الداعية بحال المدعو كفحص الطبيب للمريض: إن أخطأ تشخيصه، أخطأ علاجه ولا بد.
ثالثًا: اختيار الطرق المناسبة للمدعو في النصح أو المعالجة، أو حتى المتابعة:
كل شخصية لها معالمها وخصائصها، والنفوس تختلف كاختلاف البصمات، وما يصلح مع عمرو، ربما لا يصلح لزيد، وهذا يبعث الداعية على ضرورة فهم النفس التي يتعامل معها في الدعوة الفردية، فليس شيء أنجح في عملية الدعوة الفردية من فهم الداعية لنفس المدعو، واختيار الأنسب له في الأسلوب وفي الطريقة.
فمن النفوس ما لا يصلح لها إلا المتابعة المتباعدة والنصح الطفيف، ومنها ما يحتاج للنصح المتتابِع، ومن النفوس ما لا تقبل العنف والشدة بحال، ومنها ما ينفع معها الزجر والتوبيخ في بعض الأحيان، وهكذا تختلف الأنفس فتختلف طرق الإرشاد والتقويم.
ومن هذا الباب اختلفت أساليب النبي صلى الله عليه وسلم في تربية أصحابه، ومعالجة أنفسهم، وتصحيح مفاهيمهم وأخطائهم.
رابعًا: الاستفادة من تجارب أهل الخبرة ممن سلك هذا الطريق:
من الطبيعي أن يستفيد الإنسان من تجاربه السابقة في الدعوة الفردية، لكن ليس هذا كل الخير؛ بل من الضروري أن نستفيد من تجارِب إخواننا الذين سبقونا، وإخواننا الذين يعملون في الساحة الدعوية معنا.
وبالاستفادة من تجارب من حولنا نكتسب خبرات أكبر تؤهلنا لقيادة رشيدة في عملية الدعوة الفردية، وسؤال أهل الخبرة ومشاورة الإخوان والقرناء في الدعوة علامة على صفاء القلوب ووجود الإخلاص، وليس أحد منا إلا ويخفى عليه أكثر مما يظهر له، وإنما يمتنع عن الاستفادة ممن حوله مَن رأى فيما عنده الكمال.
وتبادل الخبرات، ومذاكرة أحوال المدعوِّين، والحلول المطروحة في دعواتهم - خيرُ مُعِينٍ على إنجاز الأهداف الدعويَّة.
خامسًا: الانطلاقة الربانية:
وأعني بالانطِلاقة الربانية في الدعوة: صحة النية، وصدق الطلب والمقصد من ورائها، وحسن التوكل على الله تعالى فيها، واليقين في وعْد الله بنصر الدنيا وأجر الآخرة، وسائر أعمال القلوب الواجبة والمستحبة.
وهذه المعاني الإيمانية هي سبب التوفيق الحقيقي، وإهمالها سبب الخذلان والإخفاق في كل المجالات الدعوية، كما أن وجودها مصحح لسلوكيات الدعاة في دعوتهم، فالمخلص دائمًا يتحرى رضا الله في أفعاله، والمتوكل متعلق القلب بالله تعالى وحده، والمتيقن دائم الثقة في موعود الله عز وجل.
ولولا هذه المقامات القلبيَّة، لفسدت أحوال الداعي إلى الله تعالى وتشعبت به المطالب الدنيوية عن دعوته، ولولا هذه الأعمال القلبية كذلك، لوقعت الفتن بين أصحاب الدعوة الإسلامية جميعًا، كما وقعت بين بعضهم (3).
كيفية الدعوة الفردية:
لا بد من التنبيه إلى أن الناس يختلفون، فمنهم الغافل اللاهي، ومنهم من هو أفضل حالًا، وإن كان عليه بعض التقصير، ومنهم من هو ملتزم ولكن التزامه أجوف، وغير ذلك من الأًصناف، ولذا فإن لكل واحد من هؤلاء طريقة قد لا تسلك مع الآخر؛ لأنهم درجات، فالأول قد يحتاج إلى شيء قد لا يحتاجه الثاني... وهكذا، ونحن هنا سنفترض أن المدعو هو أدنى الدرجات، وهو الإنسان الغافل اللاهي، وسنذكر مراحل الدعوة معه، وأما غيره فينظر ما يناسبه من المراحل ويبدأ بها، وهذه المراحل هي:
1- عقد الصلة بينك وبينه: بحيث تصادقه وتحسن إليه، وتسأل عنه إذا غاب عنك، وتبدي له اهتمامك به، وتهديه هديه إن تيسر لك، وتطلب منه أن يزورك في البيت.
2- تقوي إيمانه بطريق غير مباشر: مثلًا تتحدث معه في موضوع معين فتحاول أن تربطه بالدين، تنتهز أي فرصة لتقوي إيمانه كأن تكونًا مثلًا تتحدثان عن متوفى تعرفانه، فتربط هذا بحسن الخاتمة أو سوئها.
3- تحاول أن تقوي إيمانه بطريق مباشر: كأن يهدي إليه كتيبًا أو شريطًا فيه ترقيق للقلب، أو فيه سيرة رجل صالح أو فيه قصص ترقق القلب.
4- تحاول ربطه برفقة طيبة: تعينه على الخير والاستمرار في هذا الطريق ولا بد أن تتابعه.
5- تحاول توسيع مفهوم الإسلام عنده إلى ما هو أشمل من أداء الصلاة والصوم والحج، بحيث يعرف أن الإسلام يشمل نواحي الحياة المختلفة..
6- تشجيعه على القيام بالعمل للإسلام والدعوة إليه، وكما قلت: هذه المراحل قد تحتاجها كلها وقد لا تحتاج لبعضها، وبإمكانك أن تتجاوز مرحلة إلى غيرها أو تضيف مرحلة لم نذكرها إذا تطلَّب الأمر ذلك.
عقبات في طريق الدعوة الفردية:
تواجه الدعوة الفردية عقبات لا بد من بيانها حتى نكون على بينة، منها:
1- الخجل: حيث يخجل الداعية من محاولة عَقْد الصلة بمن لا يعرفهم، خشية ألا يقابلوه بترحيب.
2- كثرة الانشغال بأي أمر من الأمور، سواء كان أمرًا دنيويًّا كالاشتغال بأمور الدراسة والوظيفة.. أو كان أمرأ أخرويًا كأن يكون منشغلًا بالأعمال الدعوية الأخرى.
3- عدم الصبر والتحمل من قبل الداعية: وذلك لأن هذا العمل يحتاج إلى صبر وقوة تحمل حتى يؤدي ثماره.
4- أن الدعوة الفردية تحتاج إلى نفسية طيبة، وتعامل من نوع خاص قد لا يجيده كل شخص.
5- أنها في الحقيقة تحتاج إلى وقت طويل حتى تؤتي ثمارها، فليس في يوم وليلة تبني فردًا متكاملًا.
الصفات المطلوبة في الداعية الذي يمارس الدعوة الفردية:
1- الإخلاص: ليكن قيامك بهذا العمل خالصًا لله عز وجل.
2- الصلة بالله تعالى: كثرة العبادة من قبل الداعية، والاستعانة به وطلب العون منه والتوفيق والسداد.
3- العلم: لا بد من العلم في الدعوة حتى لا يكون ضررها أكبر من نفعها.
4- الصبر: لا بد من الصبر في الدعوة، ولا بد من الصبر على الأذى والعقبات.
5- الحكمة: بأن تنزل الأشياء منازلها، فليس من الحكمة أن تريد من المدعو أن ينقلب عن حاله في يوم وليلة.
6- أن يتخلق بالأخلاق الفاضلة حتى يكون قوله أقرب إلى القبول: لا بد أن يكون صادقًا لا يكذب، متواضعًا بعيدًا عن الكبر.
7- أن يكون قدوة صالحة في كل شيء حتى في الأعمال الدنيوية المباحة، فالاجتهاد في الدراسة مطلوب، وينبغي أن تكون قدوة في هذا المجال.
8- الرفق: ما كان في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه، لا بد للداعية أن يرفق بمن يدعوه حتى يتقبل منه الحق.
فكرة جميلة:
تتلخص في أن يحاول كل واحد منا أن يبدأ الدعوة الفردية مع شخص جديد يحدده من الآن، ويضع له مدة معينة يكون فيها قد استطاع بتوفيق الله قد ضم هذا الشخص إلى قافلة الملتزمين، ويجعل هذا الأمر بمثابة الاختبار له حتى يحدد مدى نجاحه فيه من الآن، ابدأ بهذا الأمر، حدد شخصًا واحدًا، ضعه في ذهنك، سجله في ذاكرتك، ومن الآن ابدأ العمل مع هذا الشخص، وحدِّد مدة ثلاثة أشهر، أو ستة أشهر أو سنة كاملة، ثم اعمل مع هذا الشخص بكل ما تستطيع من جهد بالطرق التي سبق عرضها مع مراعاة ما ينبغي مراعاته..
لو عمل كل واحد منا هذا الشيء كم سيكون عدد الملتزمين بعد عام واحد، لا شك أنه سيتضاعف، وبعد عامين أو ثلاثة أو أربعة لا شك أن العدد سيكون مفرحًا جدًا، حتى لو افترضنا أن نصفهم قد انتكس أو نصفهم لم يفد معه هذا العمل.
وتذكر أن هذا الشخص سيكون في ميزان حسناتك إذا أخلصت العمل لله سبحانه وتعالى، وربما يصوم وأنت مفطر، وربما يقوم وأنت نائم، وربما يجاهد وأنت عند أهلك، فيكون لك مثل ما عمل دون أن ينقص من أجره شيئًا (4).
----------
(1) وسائل ومميزات في الدعوة الفرد/ موقع مداد.
(2) مراحل الدعوة الفردية، مع تصرف يسير.
(3) حتى تؤتي الدعوة الفردية ثمارها/ شبكة الألوكة.
(4) الدعوة الفردية/ شبكة المسلم.