logo

الدعاة وضياع الأهداف


بتاريخ : السبت ، 29 جمادى الآخر ، 1439 الموافق 17 مارس 2018
بقلم : تيار الاصلاح
الدعاة وضياع الأهداف

هناك مشكلات تحيط بالصحوة الإسلامية، وهذه المشكلات تؤخر مسيرتها، وتشغلها بقضايا ما كانت لتنشغل بها، وأخطر هذه القضايا غياب الهدف المرحلي الذي يجب أن يعمل دعاة الإسلام لتحقيقه، والفرقة والنزاع، وعدم إدراك المنهج الكبير الذي ينبغي القيام به، وهو إقامة منهج العبودية الحقة لله رب العالمين.

يقول الله عز وجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]، ويقول في آية أخرى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:162]، ويقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى»(1).

إن هذه الآيات وهذا الحديث الشريف، كل ذلك يرسم حياة المسلم ويضع له الهدف، وهو الذي أوضحه الله لملائكته عندما خلق آدم؛ حيث قال الله لهم: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة:30].

لكن عندما يعيش الفرد دون رؤية واضحة لحياته، ودون هدف يسير عليه؛ يكون عرضة لكل شيء، وإهمال كل شيء، فقيمة الإنسان بالعمل والإنجاز والعطاء والسعي والتفكير والتطوير، من هنا يثبت الإنسان إنسانيته ودوره في الوجود، قيمة الفرد بالقيام بواجباته نحو نفسه، وتطويرها ذهنيًا وفكريًا بالعلم والمعرفة.

هناك اختيارات وواجبات حسب الأولوية، المهم التوازن بينها، بحيث يكون الفرد سعيدًا في كل ما يقدمه وينجزه، ومن هنا يأتي الإبداع الروحي والنفسي والعقلي في كل مجال يذهب إليه؛ لذا مهم أن يكون هدفنا في الحياة واضحًا لنشاهد الطريق الصحيح ونسير عليه، فلا فراغ يقتلنا، ولا سلبية الآخرين تتحكم بنا، ولا أهواء النفس تسيطر علينا، هنا يستطيع الفرد أن يعيش الحياة بتوازن، وهذا يجعله يعيش في حالة الوعي والنضج المعرفي في الحياة(2).

أسباب ضياع الأهداف:

أولًا: عدم وضوح الهدف:

الأهداف الواضحة تتيح للفرد أن يتجاوز العقبات والعراقيل، ويُنجِز في وقت قصير أضعافَ ما ينجزه غيرُه في وقت أطول؛ ذلك أن المرء بلا هدف إنسان ضائع، فهل نتصور قائد طائرة يُقلِع وليس عنده مكان يريد الوصول إليه، ولا خارطة توصله إلى ذلك المكان؟ أين ينتهي به الطيران؟ ربما ينفَدُ وَقودُه، وتَهوِي طائرته وهو يفكر: إلى أين سيذهب، وأين المخطط الذي يوصله إلى وجهته؟!

يقول أحد كبار رجال الأعمال: «إن التركيز الشديد على هدفٍ معين هو العامل الحاسم في النجاح، سواءٌ في أمور المال أم فيما سواه»، ويُضِيف قائلًا: «هناك شرطان للنجاح المتألق: أن تحدد لنفسك ما تريده بالضبط، وأن تعلَمَ الثمن الذي يجب دفعه، وتكون مستعدًّا لدفعه».

ثانيًا: عدم تعلم تحديد الأهداف:

أغلبُ الناس يتركون حياتَهم تنساق بلا هدف؛ لذلك لا يحقِّقون نجاحًا ذا بال، والذين يعرفون قيمة تحدِّي الأهداف تعلَّموا ذلك؛ إما من أُسَرِهم، وإما صادَفوا مُربِّيًا فاضلًا، أو أستاذًا يدركُ قيمةَ ذلك، ففتَح عيونَهم عليه، والمؤسف أن هذا الأمر لا يُعلَّم في المدارس أو الجامعات؛ فقد يمتد تعليمُ المرء إلى ما يزيد على (16) عامًا دون أن يتلقى فيها ساعة واحدة مخصصة للحديث عن (وَضْع الأهداف وسُبُل تحقيقها).

ويمكن تدريبُ الصغار على (فن تحديد الأهداف) في سنٍّ مبكرة، فيضع الوالدان لهم أهدافًا سهلة من واقعهم، ويشجعانهم على تحقيقها؛ كالاستيقاظ في ساعة معينة، أو حفظ بعض السور من القرآن الكريم، أو عدد من الأحاديث النبوية الشريفة، أو حفظ بعض القصائد، أو قراءة بعض الكتب، أو إتقان بعض أنواع الرياضة المفيدة؛ كالسباحة، والجري، وما إلى ذلك.

ثالثًا: الخوف من النقد:

ولعل من أسباب الإعراض عن تحديد الأهداف، بعد الجهل بأهميتها، الخوفَ من عدم احترام الآخرين لأهدافنا ونقدهم لها، وهنا يمكننا أن نأخذ بالحكمة القائلة: استعينوا على إنجاح حوائجكم بالكتمان، فلا نُحدِّث عن أهدافنا إلا من يدرك قيمتها، ويشجِّعُنا على المُضي قُدمًا في سبيل تحقيقها.

رابعًا: الخوف من الإخفاق:

إن أكثر الناس لا يدركون أهمية الإخفاق في التمهيد للنجاح، إن النجاح الكبير يسبِقُه، في الغالب، إخفاقٌ كبير، وقد قام الباحث (نابليون هل) بمقابلة أكثر من (500) شخص حققوا درجات عالية من النجاح، فوجدهم جميعًا، بلا استثناء، قد حققوا النجاح بعد مواجهة الإخفاق، ولكنهم قرروا أن يمشوا خطوةً أخرى بعد الإخفاق، فنالوا ما يُريدون.

إن أعظَمَ مخترعٍ في العصر الحديث، توماس إديسون، (أخفق عشرة آلاف مرة) في تجاربه على المصباح الكهربائي قبل أن ينجح في اختراعه! سأله أحد الصحفيين قائلًا: «يا سيد إديسون، لقد أخفقتَ حتى الآن خمسة آلاف مرة في اختراع المصباح الكهربائي، فلماذا تُصرُّ على المضيِّ قدمًا في تجارِبِك؟»، فأجابه: «لقد أخطأتَ أيها الشاب، لقد نجحتُ في اكتشاف خمسة آلاف طريقة لا توصلُني إلى ما أريد».

خامسًا: البقاء في منطقة الأمان:

أغلب الناس يفضِّلون البقاءَ في (منطقة الأمان)، ومن أجل ذلك يقبَلون وَضْعَهم الحاليَّ ولا يفكرون بالتغيير، بينما أغلب الذين يحقِّقون نجاحًا ذا بال يخرجون من هذه المِنطقة، ويقبَلون بحدٍّ معقولٍ من المجازفة، إن التغيير أمر لا مفرَّ منه، لكنَّ أكثر الناس يخافون منه، وفي الوقت نفسه يتمنَّوْن أن يتحقق لهم ما يريدون، والحكمة تقتضي منا أن نقبَل بالتغيير ما دام أمرًا لازمًا، وأن نجعَلَه تحت سيطرتنا قَدْرَ المستطاع، ولأجل ذلك يجب أن تكون عندنا أهداف واضحة.

سادسًا: عدم اكتشاف منطقة التفوق:

لكل إنسان ناحية معينة يستطيع أن يتفوق فيها، وواجبه نحو نفسه أن يكتشف هذه الناحية ويستغلها أحسن استغلال.

من المؤسف أن ترى أناسًا يمضون شطرًا كبيرًا من حياتهم وهم في مجال متواضع، قانعون بالدونية، لا يبذلون جهدهم للرقي والتقدم، إن الذي يسعى للتفوق في المجال الصحيح الذي يناسبه لا يتفوق فحسب؛ بل إن طاقته الإنتاجية وصحته النفسية تتحسنان أيضًا، لكن من ينظر في المرآة فيرى أمامه شخصًا عاديًا في كل شيء، ليست له أدنى مزية، كيف يشعر بتقدير ذاته؟ إنني ما لم أعلم أن هناك مجالًا واحدًا، على الأقل، أستطيع التفوق فيه، فلا يمكن أن أحترم نفسي وأعطيها حقها اللازم من التقدير.

سابعًا: ما يسمى بـحقل الألماس:

سبب هذه التسمية قصة مشهورة عن مزارع إفريقي عادي، عمل في مزرعته إلى أن تقدم به العمر، وذات يوم سمع هذا المزارع أن بعض الناس يسافرون بحثًا عن الألماس، والذي يجده منهم يصبح غنيًا جدًا؛ فتحمس للفكرة، وباع حقله، وانطلق باحثًا عن الألماس.

ظل الرجل ثلاثة عشر عامًا يبحث حتى أدركه اليأس ولم يحقق حلمه، فألقى نفسه في البحر ليكون طعامًا للأسماك، غير أن المزارع الجديد الذي كان قد اشترى حقل صاحبنا بينما كان يعمل في الحقل وجد شيئًا يلمع، ولما التقطه وجده قطعةً صغيرة من الألماس، فتحمس، وبدأ يحفر وينقب بجد واجتهاد، فوجد ثانية وثالثة! يا للمفاجأة، فقد كان تحت حقله منجم ألماس.

إن العجوز بحث عن الألماس في كل مكان ولم يبحث في حقله، ولعله وجد ألماسة فلم يلق لها بالًا؛ لأن الألماسة لا تصبح جميلةً إلا بعد القطع والتشكيل والصقل، ومغزى القصة أن سر التفوق قد يكون أقرب إلى أحدنا من موضع قدميه، لكننا لا ننتبه إليه، ثم إن الموهبة كقطعة الألماس، لا تخلب النظر إلا بعد القطع والصقل؛ لذا فحينما يريد المرء وضع أهدافًا له كي يسعى إلى تحقيقها، عليه أن ينظر فيما عنده، ولا يرحل إلى آخر الدنيا بحثًا عن هدف جدير بالتحقيق.

ثامنًا: عدم توازن الأهداف مع الشخصية:

لكي يكون هناك توازن في الأهداف ناجم عن شخصية متوازنة، يحتاج المرء إلى أن يكون له هدف واحد، على الأقل، يندرج تحت كل من اللياقات الست، فإذا حققه انتقل إلى سواه.

ومن المهم ألا تكون الأهداف متناقضة، فلا يجوز، مثلًا، أن يكون هدفي قضاء نصف وقتي في التسلية واللعب، والتفوق في العمل في الوقت نفسه، كذلك يجب أن تكون أهدافنا قابلةً للتحقيق؛ فلا نضع هدفًا خياليًا مستحيل التحقيق، نقضي العمر في الجري وراءه، ولا ندركه(3).

تاسعًا: الاضطراب في تحديد الأهداف:

أسباب عديدة كانت وراء عدم اهتمام أفراد المؤسسة الدعوية بالتخطيط للأعمال داخل المؤسسة، أهمها: عدم تحديد الأهداف بما يتناسب مع الطاقة الموجودة والإمكانات المتاحة، وعند البدء في العمل يفاجأ بأن الأهداف المطلوبة لا يمكن أن تتحقق بالطاقات الموجودة ولا الإمكانات المتاحة، بالإضافة إلى عدم التوقف ومراجعة الخطة، والارتكان فقط إلى الحماسة المتوفرة للخطة دونما تخطيط، وأيضًا بناء الخطة على حقائق وهمية أو عاطفية وليس على دراسات على أرض الواقع، والتقييم الخاطئ لطاقات بعض الأفراد، وبالتالي يظهر الضعف عند التطبيق.

عاشرًا: الخلط بين الأهداف الكبرى والأهداف المرحلية:

ومن الأسباب أيضًا عدم تقسيم الأهداف الكبرى إلى أهداف مرحلية ليسهل تحقيقها؛ بل يقوم بخلط الجميع معًا أو تركها من غير تقسيم؛ مما يجعلها صعبة التحقيق، وعدم تعيين جهة تنفيذ؛ بل يتركز العمل على المؤسسة بشكل عام، أو على بعض القياديين فيها، وتجاهل وضع سياسات للخطة يجعلها تسير من غير ضوابط؛ الأمر الذي يتسبب في كثير من الاجتهادات التي تضعف العمل أو تجهضه كليًا، فضلًا عن عدم وجود فترات تقييم مرحلية، يجعل من الصعب تدارك السلبيات(4).

طريقة مقترحة لتحقيق الأهداف:

هناك طريقة ناجحة في تحقيق الأهداف، تم التأكد من نجاحها في مئات الحالات، طريقة إذا اتبعتها تحقق لك في سنة واحدة ما لا يحققه غيرها في سنوات، بفضل الله وحسن توفيقه، وتتكون هذه الطريقة من الخطوات التالية:

1- الرغبة:

ابدأ برغبة قوية صادقة، يجب أن يكون هدفك مرغوبًا جدًا عندك، ونابعًا من داخلك، لا أن يكون رغبة يريدها غيرك لك.

2- الثقة:

ولِّد في نفسك الثقة الكاملة بأنك ستحصل على هدفك إن شاء الله، دون شك أو ريب؛ لأن عقلك الواعي إذا صدَّق أهدافك تصديقًا كاملًا فإن عقلك الباطن (أو لا شعورك) سيصدق تلك الأهداف؛ وبالتالي يوجه سلوكك نحو تحقيقها، ولتكن أهدافك واقعية، فمثلًا: إذا كان وزنك (100) كجم، فلا يكن هدفك الأول إنقاص (30) كجم منها، ابدأ بـ (5) كجم، ثم انتقل إلى الخمسة الأخرى، ولكن لا تجعل هدفك سهلًا جدًا؛ لأن التحدي ضروري لإيجاد الدافع لبذل الجهد.

3- اكتب أهدافك:

كتابة الأهداف على ورقة أمر كبير الأهمية؛ فهو مثل كتابة برنامج (الكومبيوتر) يدخل العقل الباطن، اكتب الهدف بكل تفصيلاته الممكنة؛ فإذا كنت تريد الحصول على بيت جميل فلا تكتب: أريد بيتًا جميلًا، ولكن اكتب، مثلًا: أريد بيتًا فيه ست غرف، في حي راق، له حديقة، وشرفة واسعة، وإطلالته جديدة، و...

لقد قال المتخصصون في علم نفس الأهداف: «إن الهدف إذا لم يكتب هو رغبة وليس هدفًا».

4- حدد منفعتك من تحقيق هدفك:

اكتب كل المنافع التي ستحصل عليها إذا تحقق هدفك، فإذا ظهر أن المنافع قليلة فإن سعيك لتحقيق الهدف سيكون ضعيفًا، أما إذا كانت كثيرةً مهمة فإن الهدف يصبح ذا جاذبية لا تقاوم.

5- حدد أين أنت الآن وأين تريد الوصول:

فإذا كنت تريد أن تخفض من وزنك، فتأكد من وزنك الحالي، وحدد كم تريد أن تصب في المرحلة التالية.

6- حدد موعدًا لبلوغ الهدف:

فهذا يساعدك على أن يكون هدفك قابلًا للقياس؛ فأنت لن تحقق نجاحًا يذكر حتى تعرف عدد الخطوات التي يجب عليك اتخاذها، وكم قطعت منها، وكم بقي عليك.

7- حدد العقبات التي عليك أن تجتازها:

إذا لم يكن هناك عقبات فليس ما تبحث عنه هدفًا؛ بل مجرد نشاط وحركة، وستلاحظ أن العقبات التي كانت تبدو كبيرة ستبدو أصغر بعد أن تكتبها.

8- حدد المعلومات اللازمة للوصول إلى الهدف:

إن أغلب الأهداف، في عصرنا الحاضر، يحتاج تحقيقها إلى معرفة جيدة، قد تكون المعرفة اللازمة موجودةً في الكتب، أو في السوق، أو لدى بعض الأشخاص، أو تستطيع الحصول عليها من (الإنترنت).

9- حدد الناس الذين تحتاج إلى مساعدتهم لتحقيق الهدف:

ربما تستطيع الاستعانة بأحد للوصول إلى هدفك، فلماذا لا تطلب مساعدته؟ قد يكون فردًا، أو هيئة، أو جمعية، أو شركة.

وفي هذا الصدد تذكر أن الحياة أخذٌ وعطاءٌ، فإذا كان بإمكانك أن تقدم شيئًا لمن تطلب مساعدته فافعل، اسأل نفسك: ماذا أستطيع أن أعطي الآخرين قبل أن يعطوني؟ إن العظماء على مدار التاريخ يعطون أكثر مما يأخذون، لكن أغلب الناس، مع الأسف، يريدون أن يحصلوا على ما ينفعهم بأقل قدر ممكن من البذل والعطاء، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته»(5)، فكن في حاجة الناس ييسر الله عليك أمورك، ويكن في حاجتك.

10- ارسم خطة عمل:

ضع خطة عمل مستفيدًا من النقاط التي سبق ذكرها، اكتب النشاطات التي ستقوم بها، ورتب الأولويات، وحدد الوقت اللازم، ثم عدل الخطة كلما تقدمت في التنفيذ، أو حصلت على معلومات جديدة، أو ظهرت لك أخطاء، أو قامت في وجهك عقبات جديدة، إن الذين يحققون أعلى درجات النجاح لديهم دائمًا خطة تحدد العمل على مدى الأيام والأسابيع والشهور.

11- تصور أن هدفك قد تحقق:

تخيل بوضوح أن هدفك قد تحقق فعلًا وكأنك تراه على شاشة التلفاز، كرر ذلك كثيرًا، فمقدار تحقق الهدف يكون بمقدار وضوح صورته في ذهنك(6).

التخطيط وتحديد الهدف وأثرهما في حياة الداعية:

يتطلب العمل الدعوي دائمًا التخطيط الجيد لتحقيق الأهداف المنشودة منه، بدلًا من الشروع في عمل مشاريع دون رؤية واضحة، تنتهي إلى الفشل المحتوم والارتباك وعدم تحقيق الأهداف، وهي مشكلة خطيرة منتشرة في حقلنا الدعوي، فأعمال كثيرة تضيع هباءً بسبب آفة ضعف التخطيط.

والتخطيط ما هو إلا عملية لتجميع المعلومات، وافتراض توقعات في المستقبل من أجل صياغة النشاطات اللازمة لتحقيق الهدف.

تغلب على العثرات:

ويرى الكثيرون أن التخطيط هو نوع من ارتكاب الخطأ على الورق؛ أي: قبل الشروع في التنفيذ، وبالتالي من يفشل في التخطيط فهو يخطط للفشل؛ لذلك مطلوب من الدعاة والمربين أن يغرسوا في أنفسهم ويعلموا الآخرين أهمية التخطيط للأعمال؛ حيث إن ضعف التخطيط داخل المؤسسة الدعوية يسبب حالة من الارتباك وضياع الهدف؛ نتيجة عدم قدرة المتربي على توقع العثرات والمنعطفات والطرق التي تعترض طريقه أثناء محاولته الوصول لهدفه، أما إذا استطاع المرء التخطيط جيدًا، وأن يستقي من المعلومات المتاحة له توقعات تساعده في التغلب على تلك العثرات، فإن رؤيته تتضح أكثر لطريقه؛ ومن ثَم يصل إلى هدفه.

ومشكلة ضعف التخطيط من المشكلات المنتشرة داخل المؤسسة الدعوية، ومظاهرها عديدة وجلية للجميع، فأهمها عدم تحقيق الأفراد للأهداف المنوطة بهم، وانتشار الفوضى وعدم الدقة في أداء الأعمال، وعدم معرفة العاملين داخل الحقل الدعوي بكثير من آليات الأعمال المنوطة بهم، وما هو ضروري وما هو غير ذلك.

بالإضافة إلى أن معظم الأهداف المرحلية وسائلها واحدة وتقليدية، وعدم تحديد الدعاة أهداف وغايات البرامج والمشروعات الدعوية، وعدم وضوح الهدف لكثير من العاملين في الدعوة؛ فهو لا شك يدرك الهدف العام؛ وهو تبليغ دين الله، ولكنه قد يجهل الأهداف الخاصة لكل برنامج دعوي؛ مما يؤدي، في كثير من الأحيان، إلى التأثير السلبي عليها، وتذهب بفوائد تلك البرامج الدعوية.

وعدم التجديد في الأساليب والوسائل الدعوية، والتمسك بالأساليب التقليدية، وعدم ترتيب الأوليات والأولويات لدى العاملين والقائمين على البرنامج الدعوي؛ مما يساعد في اختيار الأهم منها عند حدوث تضارب أو تداخل، أو عند الحاجة لتقديم برنامج على الآخر، أو إلغاء أحدهما، أو غير ذلك.

وعدم توفير كثير من النفقات المالية والجهود البشرية التي توضع في غير موضعها بسبب ضعف التخطيط أو انعدامه، ولا شك أن عدم وجود تصور واضح للميزانيات المتوقعة لتنفيذ البرنامج هو من آثار ضعف التخطيط، وضعف التنسيق بين العاملين أو الجهات الدعوية في الساحة الدعوية، سواء في التنسيق في توزيع المواقع الجغرافية، أو التخصص في البرامج الدعوية.

وحل مشكلة ضعف التخطيط لدى الأفراد داخل المؤسسة الدعوية يتطلب أولًا التوكل على الله، والاعتقاد الجازم بأنه هو القادر على كل شيء، وبذل جميع الأسباب الممكنة، ووضع خطة مشتملة على أهداف رئيسة، وكل هدف رئيس يقسم إلى أهداف مرحلية، وكذا وضع هدف كمي محدد، وتعيين المنفذ لكل هدف، وتحديد وسائل لكل هدف مرحلي، ووضع مدة زمنية لتحقيق الهدف، وكذلك القيام بدراسات واستفتاءات من داخل المؤسسة وخارجها، وعمل مسح للبقعة الجغرافية المراد العمل فيها لمعرفة جميع الإمكانات المتاحة، ونقاط الضعف والقوة في الداخل والخارج، وتقييم الخطط القديمة، والاستفادة من جوانب القوة والضعف فيها.

والمتابعة الدائمة من القيادة لوحدات المؤسسة؛ للتأكد من تطبيق الخطة، واستدراك النواقص التي تحول دون تحقيقها، ومراجعة الخطة بين مدة وأخرى، وتقسم الخطة إلى مرحلتين أو ثلاث؛ لتقييم كل مرحلة على حدة، وإضافة المستجدات على الساحة، والاستفادة من خطط المؤسسات المشابهة في عملها، والمعرفة الدقيقة لجميع الطاقات الموجود، وتحديد قوة كل طاقة على حدة، ووضع البديل لكل منفذ كإجراء وقائي(7).

__________________

(1) أخرجه البخاري (1).

(2) غياب الهدف عرضة للعبث، صحيفة الشرق (العدد:915).

(3) فن تحديد الأهداف وتحقيقها، شبكة الألوكة.

(4) التخطيط الدعوي ضرورة للنجاح، موقع: بصائر.

(5) أخرجه مسلم (2580).

(6) التخطيط أول خطوات النجاح، ص31–32.

(7) التخطيط الدعوي ضرورة للنجاح، موقع: بصائر.