الداعية والثقة بالله
من المسلمات العسكرية أن الانتصار وليد الروح المعنوية العالية، وأنه لا قيمة لأي جيش، مهما كان عدده وعتاده، إذا كانت معنوياته منهارة.
فالثقة بالله وقدرته ونصره تجعلك مقدامًا لا تهاب، ثابتًا لا تتردد، واعلم أن الناس لا يمتثلون لمتردد، ولا يستجيبون لجبان، واعلم أن سلاح الثقة الذي يمنحه لك الإيمان له ثمرة تدل عليه، ونتيجة يقتضيها، ومظهر مؤثر في القلوب، وحد ماضٍ قاطع لا يقف أمامه أي إغراء، ولا يثلمه أي تهديد أو ترهيب.
إنه سلاح الصراحة، والصدع بالحق، والوضوح في الدعوة، وعدم المجاملة في الدين، فيجب عليك أن تصدع بالحق صدعًا كما صدع به رسولك الكريم، وقدِّمه للناس كما تعلمته من ربك ورسولك صلى الله عليه وسلم، ولا تتنازل عن شيء منه صغيرًا أو كبيرًا، قليلًا أو كثيرًا.
الأمر كله لله:
الأمر كله لله، والقوة كلها لله، والتدبير كله لله، والرزق كله بيد الله.
إن النصر من عند الله، لتحقيق قدر الله، وليس للرسول صلى الله عليه وسلم ولا للمجاهدين معه في النصر من غاية ذاتية، ولا نصيب شخصي، كما أنه ليس له ولا لهم دخل في تحقيقه، وإن هم إلا ستار القدرة تحقق بهم ما تشاء! فلا هم أسباب هذا النصر وصانعوه، ولا هم أصحاب هذا النصر ومستغلوه! إنما هو قدر الله يتحقق بحركة رجاله، وبالتأييد من عنده، لتحقيق حكمة الله من ورائه وقصده.
وبذلك يرد أمر الناس، طائعهم وعاصيهم، إلى الله، فهذا الشأن شأن الله وحده سبحانه، شأن هذه الدعوة، وشأن هؤلاء الناس معها، طائعهم وعاصيهم، سواء، وليس للنبي صلى الله عليه وسلم، وليس للمؤمنين معه إلا أن يؤدوا دورهم، ثم ينفضوا أيديهم من النتائج، وأجرهم من الله على الوفاء، وعلى الولاء، وعلى الأداء.
إن أحدًا ليس له من الأمر من شيء، لا في نصر ولا في هزيمة، إنما الطاعة والوفاء والأداء هي المطلوبة من الناس، وأما الأمر بعد ذلك فكله لله، ليس لأحد منه شيء، ولا حتى لرسول الله، فهي الحقيقة الأصيلة في التصور الإسلامي.
وإقرارها في النفوس أكبر من الأشخاص، وأكبر من الأحداث، وأكبر من شتى الاعتبارات(1).
الافتقار إلى الله:
{يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15)} [فاطر:15].
قال التستري: إن الله تعالى لما خلق الخلق حكم لعباده بالفقر إليه، وهو الغني، فمن ادعى الغنى حجب عن الله عز وجل، ومن أظهر فقره إليه أوصل الله فقره بغناه، فينبغي للعبد أن يكون مفتقرًا إليه في السر، منقطعًا عن غيره، حتى تكون عبوديته محضة؛ إذ العبودية المحضة هي الذل والخضوع.
فقيل له: وكيف يفتقر إليه؟ قال: إظهار الفقر في ثلاث: فقرهم القديم، وفقرهم في حالهم، وفقرهم في موت أنفسهم من تدبيرهم، ومن لم يكن كذلك فهو مدّعٍ في فقره، وقال: الفقير الصادق الذي لا يسأل ولا يرد ولا يحبس(2).
عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال: «... يا عبادي، إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئًا، يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئًا، يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، يا عبادي، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه»(3).
قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: «صفة أولياء الله عز وجل ثلاثة أشياء: الثقة بالله تعالى في كل شيء، والفقر إليه في كل شيء، والرجوع إليه من كل شيء»(4).
وقال الواسطي: «من استغنى بالله لا يفتقر، ومن تعزز بالله لا يذل، وقال الحسين: على مقدار افتقار العبد إلى الله يكون غنيًا بالله، وكلما ازداد افتقارًا ازداد غنًى».
وقال يحيى: «الفقر خير للعبد من الغنى؛ لأن المذلة في الفقر، والكبر في الغنى، والرجوع إلى الله بالتواضع، والذلة خير من الرجوع إليه بتكثير الأعمال»(5).