الخطة الدعوية
تواجه الكثير من الدعاة مشكلةُ وضع خطة محكمة للعمل الدعوي؛ خطة تتسم بالواقعية وقابلية التنفيذ، والقدرة على دفع العمل للأمام بخطوات ملحوظة، والواقع يقول إن موضوع التخطيط هو موضوع قَلَّما يسأل عنه أحد، رغم أهميته البالغة في إدارة أي مجال، فما بالنا بمجال الدعوة إلى الله، المطالَبين فيه بالإحسان كما نحن مطالبون بالإحسان في عملنا الذي جعله الله سببًا في أرزاقنا واستمرارنا في الحياة.
ولأن موضوع التخطيط مهم لأي عمل كبير؛ لذا فإن تجاهله بين القائمين على الدعوة أصبح أمرًا مؤسفًا حقًّا؛ فالتخطيط يحتاج إلى خبرة إدارية وفنية عالية، وإلمام كامل بكل تفاصيل العمل، وتقدير جيد للإمكانات المادية والبشرية، والظروف المحيطة؛ سواءٌ الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية.
والتخطيط يحتاج إلى شخصية ذات فكر متميز، تستطيع أن تضع السياسات العامة للعمل، وتبلور الأفكار في برامج قابلة للتنفيذ، يتم إسقاطها في جداول تشغيل تنتظر كلمة البدء وإشارة التنفيذ.
وإذا كان العمل الدعوي عملًا مؤسسيًّا، فلا بد ألا يتم التخطيط بصورة منعزلة عن باقي لجان المؤسسة، بل يجب أن يكون مرتبطًا ومتناسقًا مع أفكار من حوله، فيأخذ من المستوى الأعلى الخطوط العامة، وينسِّق مع من يعمل حوله في ميدان العمل؛ لضمان التعاون وعدم التضارب، ثم يناقش المستوى الأدنى في وضع خطة العمل؛ حتى يتأكد من إمكانية التنفيذ على أرض الواقع.
تعريف التخطيط:
التخطيط هو التفكير المنظم اللازم لتنفيذ أي عمل، والذي ينتهي باتخاذ القرارات المتعلقة بما يجب عمله، ومتى يعمل وكيف، وما هي الإمكانات البشرية والمادية اللازمة لتنفيذه.
أو هو عملية وضع الأهداف وتوضيحها وتحويلها إلى أهداف مرحلية وإجرائية وكتابة برنامج زمني لتنفيذها.
ولا يخفى على كل داعية نذر نفسه لتحمل هذه الأمانة العظيمة مدى الحاجة إلى دعوة راشدة تنهض بهذه الأمة، وتستند إلى قواعد صلبة من كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهدي السلف الصالح.
ولا ريب أن من أهم السمات المطلوبة في الداعية إلى الله هي البصيرة بمفهومها الواسع، والتي تشمل غير العلم بموضوع الدعوة معاني أخرى كثيرة من أهمها: وجود الفهم الشامل لدى الداعية بأهداف دعوته ومقاصدها، وإدراكه للوسائل الشرعية التي ينبغي أن يسلكها لتحقيق هذه الأهداف، والتنبؤ بما قد يعترضه من عوائق ومشكلات، وهذا الوعي والإدراك لمثل هذه الأمور هو ما نسميه بلغة الإدارة: (التخطيط).
ماهية التخطيط:
لا شك أن كل داعية إنما يهدف من وراء دعوته إلى تحقيق جملة من الأهداف؛ إذن: فما هي أهدافه؟
ولديه العديد من الوسائل التي ينوي القيام بها: فما هي أفضل هذه الوسائل لتحقيق أهدافه؟
ويطمح لأن تتحقق أهدافه ومقاصده: فكيف تتحقق هذه الأهداف بالشكل المطلوب؟
ويرد في ذهنه العديد من العوائق والصعوبات عند رسم برامجه: فما السبيل لتلافي هذه المعوقات وتوقعها مسبقًا؟
إن هذه الخواطر والتساؤلات تبرز مسيس الحاجة إلى التخطيط في برامجنا الدعوية؛ لأن ضعف جانب التخطيط أحيانًا، وانعدامه في أحيان أخرى؛ أسهم في إضاعة الكثير من جهود الدعاة، وأضعف ثمار أعمالهم الدعوية، وأضحى الكثير من البرامج تنفذ لمجرد التنفيذ فقط، أو لتكون أرقامًا تضاف إلى أعداد البرامج المنفذة.
وإذا تأملت في آثارها فلا تكاد تجد لها أثرًا في الواقع، أو أنها قد حققت الحد الأدنى من أهدافها، وبتتبع معظم السلبيات في الجهود الدعوية نجد أن الكثير منها يمكن إرجاعه إلى ضعف أو انعدام التخطيط.
وهذا لا يعني إغفال العوامل الأخرى؛ كسلامة المنهج، وإخلاص النوايا لدى العاملين، وغيرها، ولكن هذه الجوانب قد تكون معلومة لدى معظم الدعاة، وليست بخافية كما هو حال التخطيط الذي لا زال قليلًا أو شبه معدوم في واقع كثير من الدعاة أو الجهات العاملة في حقل الدعوة، ولا زالت الارتجالية والعشوائية والفوضى المالية والإدارية أحيانًا هي السمة البارزة في كثير من الأعمال الدعوية (1).
إيجابيات التخطيط:
ويمكن أن نبرز أهم ما يمكن أن يسهم به التخطيط للنهوض بالأعمال الدعوية والارتقاء بها حتى تحقق أهدافها بإذن الله تعالى، ثم بجهود الدعاة الصادقين المخلصين، وأبرز هذه الإيجابيات هي:
1- أن التخطيط يحدد أهداف الدعاة وغايات البرامج والمشروعات الدعوية، كما يفيد في حسن الأداء أثناء التنفيذ والتقويم الدقيق بعد ذلك، ولا زال هذا الأمر- وهو وضوح الهدف- غائبًا عن كثير من العاملين في الدعوة؛ فهو لا شك يدرك الهدف العام- وهو تبليغ دين الله- ولكنه قد يجهل الأهداف الخاصة لكل برنامج؛ مما يُوجِد في كثير من الأحيان سلبيات كثيرة على هذه البرامج.
2 ــ يساعد التخطيط في اختيار طرق الدعوة المناسبة والملائمة لكل داعية؛ بحسب قدراته وإمكاناته والمتوافقة مع طبيعة البرنامج والأهداف المرسومة له؛ وفي تحديد الرأي الأقرب للتقوى لكل برنامج، فأحيانًا قد يختار الداعية أساليب للدعوة لا تؤدي إلى نجاح البرنامج؛ إما لعدم مناسبتها لأهداف البرنامج، أو لطبيعة البرنامج وأهدافه، أو لعدم مناسبتها لإمكانات من يتولى تنفيذ البرنامج وقدراته الدعوية، أو أنها غير ملائمة لبيئة الدعوة أو نوع المدعوين وطبيعتهم، وقد (يجتهد) الداعية أحيانًا في اختيار وسيلة غير منضبطة بضوابطها الشرعية.
3 ــ يجعل من السهل التوقع لمعوقات البرنامج الدعوي التي قد يفاجأ بها الداعية أثناء أو قبل تنفيذ البرنامج، ويتم هذا بالاستفادة من المعلومات والبيانات التي يجمعها واضع الخطة الدعوية مما يجعله- بإذن الله- أكثر أمانًا وأقل عرضة للمفاجآت التي قد تُذهب جهوده أو تضعف ثمارها، إضافة إلى أنه يعالج الخطأ في الوقت المناسب وقبل أن يتراكم؛ فيمنع الرؤية وتصعب معالجته.
4 ــ يسهم التخطيط في ترتيب الأوليات لدى العاملين والقائمين على البرنامج الدعوي؛ مما يساعد في اختيار الأهم منها عند حدوث تضارب أو تداخل، أو عند الحاجة لتقديم برنامج على الآخر، أو إلغاء أحدهما، أو غير ذلك.
5 ــ يُحدث التخطيط كثيرًا من الانسجام والتناسق بين أعمال الداعية، مما يمنع الازدواجية والتضارب في أعماله وبرامجه؛ فلا تضيع بفعل ذلك كثير من الجهود والأوقات التي يمكن استغلالها لتنفيذ برامج أخرى.
6 ــ يعمل التخطيط على توفير كثير من النفقات المالية والجهود البشرية التي توضع في غير موضعها بسبب ضعف التخطيط أو انعدامه مما يساعد على استثمار هذه الجهود والنفقات لإقامة برامج دعوية أخرى.
ولا شك أن عدم وجود تصور واضح للميزانيات المتوقعة لتنفيذ البرنامج هو من آثار ضعف التخطيط.
7 ــ يفيد التخطيط في تحديد مواعيد زمنية تضبط بدء الأنشطة وانتهاءها؛ وهذا يجعل الداعية قادرًا على تقويم أعماله ومدى التزامه بالمدة الزمنية المحددة لتنفيذها، وكذلك في حسن التوقيت لإقامة البرامج ومنع التضارب مع أنشطة أخرى.
8 ــ يفيد التخطيط في التجديد في الأساليب والوسائل الدعوية وفي البعد عن الرتابة والتمسك بالأساليب التقليدية؛ مع التمسك بثوابت المنهج الصحيح في الدعوة.
9 ــ يفيد التخطيط في التنسيق بين العاملين أو الجهات الدعوية في الساحة الدعوية بأشكال مختلفة؛ سواء في التنسيق في توزيع المواقع الجغرافية، أو التخصص في البرامج الدعوية، أو غير ذلك، كما يفيد في منع التكرار في البرامج، ويحول دون إضاعة الجهود أو إغفال برامج أخرى قد تكون الحاجة إليها أكثر.
10 ــ يفيد التخطيط في تقويم الواقع الدعوي في المواقع المختلفة التي تنفذ فيها الخطط الدعوية، وفي تحديد مواطن الضعف في الخطة أو في أسلوب التنفيذ ليتم تلافيها في الخطط القادمة؛ وهذا مما يؤكد أهمية التخطيط في أنه يساعد في عدم تكرار الأخطاء التي ترتكب، وفي عمل مراجعات شاملة في نهاية كل خطة دعوية ليتم تقويم النتائج والنسب المتحققة من أهدافها وأبرز سلبياتها وإيجابياتها.
11 ــ يجعل من السهل على الداعية أن يحصر حاجاته من البرامج والأنشطة والخطط اللازمة لتوجيه مسار الدعوة بالشكل الصحيح.
12 ــ يسهم في معرفة مواضع الضعف في القوى البشرية؛ ومن ثَمَّ في تحديد البرامج التدريبية اللازمة للارتقاء بالكفايات الدعوية من كافة الجوانب العلمية والإدارية والقيادية.
13 ــ يساعد التخطيط القائمين على الأعمال الدعوية في وضع معايير وأسس لمتابعة أداء الدعاة والعاملين في البرامج، ومدى تحقيقهم لأهداف البرنامج.
14 ــ يفيد التخطيط في تحديد مهام العاملين في البرنامج الدعوي أو الخطة الدعوية عمومًا، وطريقة أدائهم؛ مما يساعد على إدارتهم وتوجيههم بالطريقة المناسبة لتحقيق الأهداف المطلوبة.
15 ــ يزيد التخطيط من فاعلية وإنتاجية المديرين للبرامج أو الخطط الدعوية؛ فما دام أن التخطيط يساعد في وضع الأهداف بشكل واضح ومحدد فإنه كذلك يساعد القائمين عليه في اتخاذ القرارات المناسبة التي تحكمها الأهداف الموضوعة للخطة الدعوية.
16 ــ يساعد التخطيط في استغلال الفرص الدعوية، حيث يفيد في الإعداد المبكر وحسن التوقيت للبرامج وجمع المعلومات الخاصة بالبرامج؛ وخصوصًا مواعيد إقامتها، وتحديد ذلك مسبقًا والإعداد الجيد له.
17 ــ يفيد التخطيط في جعل البرامج والخطط أكثر شمولية وتكاملًا؛ ويلاحظ أثر ذلك في جهود بعض الدعاة أو الجهات الدعوية؛ حيث تركز على شرائح معينة من المجتمع، أو على موضوعات وجوانب معينة في برامجها، وتهمل غيرها؛ بينما التخطيط يجعل للعمل الدعوي والجهود الدعوية سمة الشمولية في طروحاتها وبرامجها.
18 ــ يساعد التخطيط على استمرار الجهود الدعوية؛ فكثيرًا ما تتوقف الأنشطة وتتعطل البرامج بسبب حدوث المفاجآت كانقطاع الدعم، أو سوء التنفيذ، أو سوء التوقيت، ولعدم وضع بدائل لهذه الحالات الطارئة (2).
عناصر التخطيط:
أولًا: التنبؤ: احرص على دقة التنبؤ، وأن تكون المعلومات المطروحة من خلاله حديثة، وذات فائدة مباشرة وممكنة الإدراك وسهلة الفهم، لأن الخطط تعتمد على درجة كبيرة من المعلومات.
ثانيًا: تحديد الأهداف: بعد أن قمت بتحديد الفكرة العامة للنشاط أو البرنامج جاء دور تحديد الأفكار، ويشترك في الأهداف المراد تحديدها:
1- أن تتفق الأهداف مع قيم ومبادئ مجتمعنا الإسلامي ويمكن تحقيقها بواقعية.
2- أن تكون الأهداف واضحة وغير متعارضة مع أهداف أخرى، ومفهومة لمن يتولى التنفيذ.
ثالثًا: قواعد وتعليمات:
أن تكون القواعد والتعليمات التي تنظم أوجه النشاط:
1- مرنة.
2- واضحة.
3- مستمرة.
ويراعى أثناء وضع الخطة إمكانية التعاون والتنسيق وعدم التضارب مع اللجان الدعوية الأخرى.
إن وضع الخطط في العمل الدعوي غالبًا ما يتم بصورة عشوائية تعتمد على الفكر الشخصي ورغباته، والتي ربما لا تسير في اتجاه واحد مع الأهداف المطلوبة من المستوى الأعلى، وهو أمر ضد العمل الجماعي، ولا يعرفه العمل المؤسسي الناجح.
كما أن هناك من يضع الوسائل أولًا ثم يحدد عليها الأهداف؛ وليس العكس، وهو خطأ ينسف عملية التخطيط من أساسها، ويجعلها عملًا عشوائيًّا بلا معنى.
من يضع الخطة؟
الشخص الذي سيقوم بوضع الخطة، لا بد أن تتوافر فيه المواصفات التالية:
1- أن يكون على درجة كبيرة من الفهم والوعي بالأفكار الرئيسية للمؤسسة.
2- أن يكون على دراية بأهداف العمل في قسمه الدعوي؛ المستوى الأعلى.
3- أن يكون من الخبرة بحيث يستطيع تحديد أهداف اللجنة أو العمل؛ بناءً على تقدير جيد ودراسة سليمة عن الإمكانات البشرية والمادية المتاحة له في الوقت الحالي، والتي تتناسب مع الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لبلده.
وإذا توافر هذا الشخص يمكن البدء في وضع الخطة المطلوبة، والتي سنوجز خطواتِ وضعها في الأسطر التالية:
خطوات وضع خطة لعمل ما:
1- استيعاب أهداف المستوى الأعلى (القسم التابع له اللجنة).
2- وضع الأهداف المطلوبة للجنة لمدة معينة، على أن يكون الهدف واضحًا ومحددًا ويمكن قياسه، أي ينبغي أن يكون هناك معيار واضح للتحديد بدقة، بنسبة كم في المائة إذا تم تحقيق النجاح في هذا الهدف.
3- أن يكون الهدف مناسبًا للفترة الزمنية المحددة له، فأحيانًا يدفع الحماس بعض المشرفين إلى أن يصوغوا أهدافًا غير واقعية على الإطلاق، فربما يضع المشرف هدفًا في عام يتطلب تحقيقه خمس سنوات، وربما يضع آخر في خمس يتطلَّب تحقيقه عشرين، والمشكلة أن المشرفين يكتشفون بعد ممارسة العمل فعليًّا أن هذه الأهداف ما كانت إلا أحلامًا من الصعب جدًّا تحقيقها على أرض الواقع، فيتحول الحماس إلى إحباط وعدم ثقة في الخطة ومن وضعها؛ بل وعملية التخطيط نفسها.
وتلعب خبرة القائمين على وضع الخطة على القدرة على تحديد الهدف خلال فترة زمنية مناسبة له، فلا يضعون هدفًا يحتاج إلى عام في شهرين أو العكس.
4- بعد النجاح في تحديد الهدف بدقة وخلال فترة زمنية مناسبة؛ يتم تقسيم الهدف إلى أهداف مرحلية، كل ربع سنة مثلًا، إذا كان الهدف لمدة عام؛ بحيث يمكن تتبع مسار تحقيق الهدف كل فترة زمنية قصيرة، فتتمكن اللجنة من تفادي السلبيات إذا وجدت قصورًا في تحقيق الهدف، أو تحاول تحسين كفاءة العمل بتطوير بعض الأساليب والوسائل المؤدية لتحقيقه.
5- وضع الوسائل المناسبة لتحقيق الهدف.
إلى هنا يكون وضع الخطة قد انتهى، لتبدأ بعدها مرحلةً أخرى هي مرحلة التنفيذ والمتابعة، وهو موضوع آخر يعاني منه العمل الدعوي أيضًا (3).
تحديد الأهداف:
لقد تعلمنا من الشرع ألا يقوم الإنسان بعمل إلا بعد أن يسأل نفسه أولًا: لماذا هذا العمل؟ فإن كان لله مضى فيه وإن كان لغير الله توقف.
هذا يعني أن من البصيرة ألا ينساق الداعية وراء الخاطر الأول؛ فيقوم بأي عمل وإن كان ظاهره حسنًا؛ وإنما لا بد أن يمحص أفكاره ليحررها من شوائب التفكير، ومن استيلاء العاطفة أو الهوى أو التقليد على العقل، بمعنى أنه لا ينشغل بالوسيلة قبل تحديد الهدف.
الأهداف هي ببساطة تعنى الإجابة على سؤال: ماذا أريد؟ أو ماذا يجب أن يتم؟ وأين أريد أن أصل؟
لماذا تحديد الأهداف أولًا:
- تحديد الأهداف هو تحديد أين أريد أن أذهب؟ فإذا لم يحدد الإنسان ذلك أولًا فيمكن أن يضل، ويمكن أن يتشعب في كل طريق؛ فيصبح جهده ضائعًا، وهذا ما يحدث بالفعل في العمل العشوائي الغير مخطط له؛ فتسمع جعجعة ولا ترى طحنًا، وترى جموعًا تعمل وتجتهد وتعرق بلا ثمرة؛ بل ثمرة مشتتة متفرقة.
- تحديد الأهداف مسبقًا يفيد في جنى ثمار الأعمال، وهذا الجني قد يسهل بمجرد التنسيق بين الأعمال، ربما في الوقت فقط، بحيث نقول: ما دام هدفنا هو كذا فعلينا أن نقدم هذا العمل على ذاك، ونبدأ بهذا ثم يليه ذاك ليجني ثمرته.
- تحديد الأهداف يمنع تضارب الأعمال؛ فكل الأعمال في الخطة تدور حول أهداف واحدة، وبالتالي هي منسجمة مع بعضها، أما العمل بغير خطة فما يبنيه عمل قد يهدمه آخر.
- تحديد الأهداف يمكننا من قياس نجاح العمل في النهاية، فتحقيق الهدف هو معيار النجاح ونسبته، وبالتالي يمنع الخلاف حول هل نجحنا أم فشلنا؟ كما يمنع الإحباط، وكذلك الغرور أو أي آثار للتقدير الخاطئ.
كيف أحدد الأهداف؟
تحديد الهدف هو المرحلة الأصعب في التفكير في مجال الدعوة والعمل الإسلامي؛ لذلك لا بد من وجود ما يعين على تحديد هذه الأهداف مثل:
1ـ الأهداف العليا والسياسات والاستراتيجيات التي تحددها الجهة العليا (الجماعة- الحزب- الجمعية) مثلًا.
فالأهداف لا بد أن تكون أولًا خادمة أي محققة للأهداف العليا، وأن تكون متماشية مع السياسات والاستراتيجيات غير متعارضة معها.
2ـ الواقع والمعطيات في مجال العمل: هذا الواقع هام جدًا ومؤثر رئيسي في تحديد الأهداف، فلا بد أن يكون مرصودًا ماثلًا أمام واضع الهدف في صورة معلومات محددة، فإذا كنا سنضع خطة للدعوة مثلًا فلا بد من تحديد ما يلي:
1- قدراتي الدعوية من حيث: عدد الخطباء والمحاضرين ومستوياتهم واستعدادهم للدعوة، وعدد المساجد التي أعمل فيها، وتصنيف هذه المساجد ـ
2- المستهدفين بالدعوة؛ من حيث عاداتهم وتقاليدهم، وقبولهم للدعوة من عدمه، والقضايا التي تشغلهم، والقضايا التي يحتاجونها.
3- المعادين للدعوة، الذين يتوقع وقوفهم في مواجهتها، وماهي إمكانياتهم وقدراتهم؟ وما هي أفكارهم وعقائدهم؟
4- ثم أحدد من هم الذين يمكن الاستعانة بهم؟ وما نوع هذه الاستعانة الممكنة؟ وحجمها؟
أهمية رفع الواقع:
إن أهمية تحديد الواقع قبل وضع الخطة هو:
1- أن الخطة ستتأتى نابعة من هذا الواقع غير متعارضة معه، ومن فوائد ذلك أنها ستحمينا من عادة التقليد والاقتباس للوسائل التي قد نراها في أماكن أخرى جيدة مغرية لنا بتقليدها فتعجبنا؛ بينما هي غير مجدية في واقعنا وقد تكون ضارة.
2- رصد الواقع قد يضطرنا لوضع أهداف بعينها خادمة وممهدة للخطة الفعلية للدعوة.
3- العامل الرئيسي في تحديد الهدف هو ثقافة واضع الهدف، وتجاربه وخبراته في الحياة، وتصوراته وطموحاته وتطلعاته للمستقبل، وما يحب أن يرى الأمور عليه، أي أن واضع الهدف لا بد أن يعصف ذهنه ويسترجع كل معلوماته حول الموضوع الذي بصدده، فلا يعتقد أن الأهداف ستوضع وحدها بمجرد وجود الأهداف العليا والمعطيات الواقعية، وإلا ما كان هناك فرق بين خطة وخطة.
فلا بد لمن يريد وضع الهدف أن يتخيل ويتصور للمستقبل المنشود، وقد تكون لديه صورة نموذجية يريد الوصول إليها فلا بأس؛ بشرط أن تمحص هذه الصورة من حيث قابليتها للتحقيق وموافقتها للواقع، وليس معنى موافقتها للواقع يعنى الاستسلام له، وإلا فما فائدة الدعوة إذا كانت لن تغير من الواقع شيئًا، وإنما المطلوب أن نتأكد أن هذا الهدف ممكن الوصول إليه، ربما بعد وضع أهداف أخرى بجواره مساعدة له أو قبله.
شروط الأهداف:
حتى يكون الهدف محققًا لمهمته في الخطة يشترط له أن يكون:
- مرتبطًا بالأهداف العليا غير متعارض معها.
- واقعيًا ممكنًا غير مستحيل.
- واضحًا محددًا غير مبهم ولا مائع.
- يمكن قياسه بأعداد وأرقام أو مستويات.
- قابل للتغيير أي مرن.
- مقيدًا بوقت، أي له مدة زمنية محددة وفترة يفترض أن يتم خلالها وينتهي بانتهائها (4).
***
_______________
(1) التخطيط في خدمة الدعوة إلى الله/ أرشيف ملتقى أهل التفسير.
(2) التخطيط في خدمة الدعوة إلى الله/ صيد الفوائد.
(3) كيف نضع خطة العام الدعوية؟ إخوان أونلاين.
(4) كيف تعد خطة عمل؟/ الجماعة الإسلامية.