logo

الخط الفاصل بين الأزمة والفرصة


بتاريخ : الخميس ، 22 ربيع الآخر ، 1441 الموافق 19 ديسمبر 2019
الخط الفاصل بين الأزمة والفرصة

كل الأزمات تقع في الوقت غير المناسب؛ أي في الوقت الذي يجب ألا تقع فيه، وهناك مقولة مشهورة لـ"هنري كيسنجر" حينما كان وزيرًا للخارجية الأمريكية حين قال: «يجب ألا تقع أزمة جديدة الأسبوع المقبل؛ لأن جدول أعمالي ممتلئ تمامًا»، وهذا تقريبًا ما حدث عند احتراق فندق "العنوان" في دبي ليلة رأس السنة، حين اندلعت النيران قبل بدء الاحتفالات بثلاث ساعات فقط.

فهل واجهتك أزمة شخصية أو عائلية أو عملية، وظننت أنك غير قادر على مواجهتها؟ مثلما لا توجد أزمات بلا أسباب لا توجد أيضًا أزمات بلا حلول، وأتذكر أنني قرأت مقالًا قديمًا يتحدث عن تعقيد الحلول عندما تتفاقم وتتعدد المشكلات، ومما جاء فيه أن الفرد يستطيع التعامل بسهولة مع مشكلة واحدة، أما إذا تنازعته مشكلتان فسيحاول توزيع جهوده بينهما، فإذا احتدمت ثلاث أزمات فقد يفقد السيطرة على إدارة الموقف، ويصاب بالتوتر والارتباك.

وما ينطبق على الأفراد ينطبق على المؤسسات والمجتمعات، ترك المشكلات تتراكم والأزمات تتفاقم يزيد من صعوبة التعامل معها؛ لأن الأزمات تتوالد، ثم تتصاعد، وقد تتحول إلى فوضى؛ ولذلك فإن الإدارة الفعالة للأزمات تبدأ بالاستعداد لها قبل وقوعها، ووضع سيناريوهات للتعامل مع أي منها وكل منها، وهذا ما لاحظه العالَم في أزمة فندق دبي؛ كانت هناك استجابة سريعة في الإخلاء والإطفاء والإيواء، وكان هناك تناغم بين الإعلام الرسمي والإعلام الأمني والإعلام العالمي، وبين خدمات الإسعاف وإدارة الاحتفالات.

النقطة الحرجة في اتخاذ أي قرار عمومًا، وفي الأزمات خصوصًا، هي لحظة اتخاذ القرار، في مثل هذا الموقف على القائد أن يحدد لحظة الحسم، ويوازن بين أن يتخذ القرار بسرعة أو يتخذه ببطء، وفي أزمة فندق دبي تم التعامل مع أزمتين في ذات الوقت: إطفاء الفندق أولًا، واستمرار احتفالات السنة الجديدة ثانيًا، الأزمة الأولى تتعلق بحياة الناس وأحزانهم، والثانية تتعامل مع مدركات الناس وأفراحهم؛ ولذا لم يتم الإعلان عن استمرار الاحتفالات السنوية التي ينتظرها العالم إلا بعد إخلاء الفندق تمامًا، وبدء عمليات إخماد النيران، وإزاحة الخطر المحتمل على حياتهم، والأهم من هذا وذاك التأكد من عدم وجود وفيات بين نزلاء الفندق وضيوف دبي.

عندما تحتدم الأزمات لا يُعوِّل القائد الفعال على خطط الطوارئ التي أعدها، وإنما على فاعلية تنفيذها، كما لا يُعوِّل على الأدوات والإمكانات التي يمتلكها، وإنما على طريقة استخدامه لها؛ ولهذا فإن الصينيين يكتبون كلمة "أزمة" بخطين أو شكلين متقاطعين: أحدهما يعني "خطر"، والثاني يعني "فرصة"، فكل أزمة تحمل في طياتها أخطارًا محتملة، وفرصًا سانحة، وفي هذا يقول الفيلسوف الإنجليزي "بول برونتون" المفتون بأسرار الحياة وأسرار الشرق: «عندما ننجح في اجتياز الأزمات الصعبة فإن الحياة تكافئنا بمزيد من التعلم، والنضج، وقوة الشخصية، والتراكم المعرفي، والإبداع، والوعي الإنساني».

لقد تمكنت القيادة الحاسمة في دبي من تحويل الأزمة إلى عدة فرص:

أولها: النجاح في التعامل مع المشكلات على الهواء مباشرة والعالم ينظر وينتظر، وبفضول يتفرج.

وثانيها: تلك اللمسات الإنسانية من المسئولين والمواطنين والمقيمين، الذين بدءوا يعرضون خدماتهم لاستضافة نزلاء الفندق المضارين في بيوتهم.

وثالثها: أن بدأت البلديات والسلطات، بمختلف هيئاتها، بإعادة النظر في أكواد البناء، وتغيير مواصفات المواد المستخدمة في تصفيح وتسليح المباني الشاهقة من الخارج، كما تم تحديد الشهر واليوم والساعة التي سيتم فيها إعادة افتتاح الفندق للضيوف، بديكوراته ومواصفاته الجديدة.

كلنا نحتاج إلى أزمات لكي ندرك جوهر ذواتنا ومعاني أهدافنا وسعة أحلامنا ومدى أمانينا، ولكن لا يدرك الحد الحقيقي الفاصل بين الأزمة والفرصة إلا من يعيش لحظاتها ويختبر تداعياتها.

______________