فن التواصل والاتصال
أنت الآن على موعد مع مهارة من أهم المهارات التي تتعلمها في حياتك، ويتوقف عليها جزء كبير من فاعليتك وتأثيرك ونجاحك في الحياة؛ إنها مهارة الاتصال مع الآخرين.
لقد نجحت البشرية في الحقبة الأخيرة من الزمان في تطوير آلات الاتصال؛ من هاتف فاكس وجوال وإنترنت وغيرهم، حتى سمي عصرنا هذا الذي نعيش فيه بـ(عصر الاتصالات)، وتطورت الحياة البشرية كثيرًا بتطوير وسائل الاتصال، وهكذا ستتطور حياتك كثيرًا إذا طورت أدوات اتصالك أنت مع الآخرين.
التعامل مع الناس فن من أهم الفنون؛ نظرًا لاختلاف طباعهم، فليس من السهل أبدًا أن نحوز على احترام وتقدير الآخرين، وفي المقابل من السهل جدًا أن نخسر كل ذلك، وكما يُقال: الهدم دائمًا أسهل من البناء.
فإن استطعت توفير بناء جيد من حسن التعامل، فإن هذا سيسعدك أنت في المقام الأول؛ لأنك ستشعر بحب الناس لك، وحرصهم على مخالطتك.
الإنسان اجتماعي بطبعه، يحب تكوين العلاقات وبناء الصداقات، فمن حاجات الإنسان الضرورية حاجته للانتماء، ومن الفطرة أن يكون الإنسان اجتماعيًا.
والفطرة السليمة ترفض الانطواء والانعزال، وترفض أيضًا الانقطاع عن الآخرين.
والفرد مهما كان انطوائيًا فإنه يسعى لتكوين علاقات مع الآخرين وإن كانت محدودة، ويصعب، وربما يستحيل، عليه الانكفاء على الذات والاستغناء عن الآخرين، كما قال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)} [الحجرات:13].
تعريف فن التواصل مع الآخرين:
يقول الدكتور إبراهيم الفقي رحمه الله: «الاتصال كالوميض، مهما كان الليل مظلمًا فهو يضيء أمامك الطريق دائمًا».
أما الدكتور عوض القرني في كتابه (حتى لا تكون كَلًا)، فقال عن الاتصال: «سلوك أفضل السبل والوسائل لنقل المعلومات والمعاني والأحاسيس والآراء إلى أشخاص آخرين؛ والتأثير في أفكارهم وإقناعهم بما تريد، سواء كان ذلك بطريقة لغوية أو غير لغوية».
تعريف أخر: هي نشاط إنساني، يؤدي إلى التواصل بين البشر، الغرض منه تبادل المعلومات، وهو نشاط ذو طبيعة خاصة؛ لأنه متواصل غير منقطع، لا يمكن إعادته، كما لا يمكن محوه أو عكسه.
ومما سبق نستنتج ثلاث نتائج أولية:
1- أن الاتصال يحتوي على صلة؛ أي: علاقة بينك وبين من تتصل به.
2- أن الاتصال يقتضي البلاغ، وهو توصيل ما تريده إلى الآخرين بصورة صحيحة.
3- أن الاتصال يعني الاتحاد، وهو الاتفاق والانسجام مع الآخرين.
تجربة توضيحية:
دائرة الاتصال:
تعالوا نحاول معًا، باستخدام مهارات الاتصال الفعال عن طريق الكتابة، أن نرسم وسيلة إيضاح تساعدنا على تخيل مسارات المعلومات أثناء التواصل مع الآخرين ومعوقاتها.
الأدوات المطلوبة:
ورقة مقاس a4، ومجموعة ألوان، وقلم رصاص.
خطوات التنفيذ:
1- ابدأ الرسم باستخدام القلم الرصاص على عرض الورقة، ارسم دائرة في حجم قبضة يدك في الطرف الأيمن من الورقة، ولوِّنها باللون الأزرق مثلًا، واكتب بداخلها: أنا.
2- ثم ارسم دائرة مماثلة لها في الحجم في الطرف الأيسر من الورقة، ولونها باللون الأحمر، واكتب فيها: هو.
3- الآن ارسم خطًّا منحنيًا يخرج من قمة الدائرة الزرقاء الخاصة بك، ليصل إلى قمة الدائرة الحمراء الخاصة بالآخر، وارسم عليه أسهمًا صغيرة تبين اتجاهه من اليمين إلى اليسار، ثم اكتب فوقه بخط واضح: إرسال.
4- ثم ارسم خطًّا منحنيًا آخر يخرج من قاعدة دائرة الآخر ليصل إلى قاعدة دائرتك، وارسم عليه أسهمًا صغيرة تبين اتجاهه من اليسار إلى اليمين، ثم اكتب تحته بخط واضح: استقبال.
5- ارسم خطًّا متقطعًا مستقيمًا يصل بين دائرتك ودائرة الآخر من المنتصف، ارسمه عريضًا في شكل قوالب طوب، ولوِّنها بألوان كئيبة لا تحبها، واكتب داخل كل واحدة منها إحدى هذه الكلمات: معوقات، إزعاج، تشويش، ضوضاء، حواجز، سلبيات... إلخ.
الشكل النهائي:
بيضاوي كبير، في كل طرف منه دائرة ذات لون مختلف، وفي وسطه صف متقطع من قوالب الطوب، يصل بين منتصفي الدائرتين.
اكتب على لوحتك عنوانًا كبيرًا: دائرة الاتصال.
تعالوا الآن لنشرح هذه الدائرة المهمة التي نستعملها يوميًا مئات المرات دون أن ندري.
ببساطة شديدة، كل واحد منا عندما يريد أن يتواصل مع إنسان آخر يكون عنده فكرة معينة، أو رسالة يريد توصيلها له، فيبدأ في تشفير ما يريد قوله إلى اللغة المفهومة بينهما، سواء منطوقة أو غير منطوقة، كالإشارات والنظرات، ثم يستخدم وسائل اتصال متعددة حتى يرسل هذه الرسالة المشفرة من دائرته إلى دائرة الشخص الآخر.
وعندما تصل الرسالة المشفرة إلى الآخر فإنه يقوم بعملية فك الشفرة؛ أي: فهم الرسالة وتحليلها، ثم يعيد إرسال رد فعل للمرسل في صورة رسالة جديدة، وتستمر دائرة الاتصال ما بين إرسال واستقبال، ورد فعل، ثم رد فعل مقابل، وهكذا إلى ما لا نهاية (نظريًا).
ولكن بالطبع هذه هي الصورة المثالية، وما يحدث في الواقع أنه في معظم الأحيان توجد معوقات أو حواجز تُحْدِث تشويشًا على عملية الاتصال الفعال.
من أهم أمثلة هذه الحواجز: النظرة السلبية المسبقة للآخر، وهو ما يسمى (قولبة)؛ أي: وضع الناس في قوالب جامدة معدَّة مسبقًا، طبقًا لظروف خاصة تم تعميمها على مجموعة من الناس، وإصدار أحكام مسبقة عليهم، مثال: كل الأسبان مصارعي ثيران، أو القرويون بسطاء ومن السهل خداعهم، أو المسلمون إرهابيون!، مع أن كل تلك الأفكار غير صحيحة على أرض الواقع، والتعامل من خلالها لا شك يشكل معوقًا للاتصال الفعال.
مما سبق نستفيد عدة نقاط هامة:
1- لو تعاملنا مع الناس من خلال صورة مسبقة، لم نكونها بناءً على رسائلهم أو ردود أفعالهم الحقيقية، فلا يمكن أن يتم أي نوع من التواصل الفعال؛ لأن هناك تشويشًا على فهمنا، بالضبط كما لو كنا لا نتحدث نفس اللغة، الصحيح أن نبدأ التواصل في حالة من الحياد، ونجتهد في تفسير ما يَرِد إلينا من الرسائل على الوجه الصحيح، ثم نرسل رد الفعل تبعًا لذلك.
2- الشكل المثالي لدائرة الاتصال ذو طرفين، كل واحد منها مرسل ومستقبل في الوقت نفسه باستمرار، أما الشكل المتبع في نظم التدريس عندنا فيلغي الجزء السفلي من الرسم، الخاص برد الفعل، ويصبح نوعًا قاصرًا من التواصل غير الفعال يسمى (اتصال من طرف واحد)، وهو غير فعال؛ لأنه يلغي مصدرًا هامًا للمعلومات عن مستوى استيعاب المتلقي، واستعداده للمزيد من عدمه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: كتاب (فن التواصل مع الآخرين)، لمحمد هشام أبو القمبز.