logo

الخداع الدعوي


بتاريخ : الجمعة ، 5 رمضان ، 1437 الموافق 10 يونيو 2016
بقلم : تيار الاصلاح
الخداع الدعوي

الخداع: المكر والاحتيال، وإظهار خلاف الباطن، وأصله الإِخفاء، ومنه سمي الدهر خادعًا لما يخفي من غوائله، وسمي المِخْدع مِخْدعًا لتستر أصحاب المنزل فيه.

الخداع: هو جعل الآخرين يقتنعون بأمور ومعلومات غير صحيحة، أو ما يعرف بجزء من الحقيقة، وهو الأسلوب الذي تقوم به بعض الحيوانات لحماية نفسها.

وعرفه الراغب الأصفهاني بقوله: «الخداع إنزال الغير عما هو بصدده بأمر يبديه على خلاف ما يخفيه».

قال ابن القيم: «المخادعة هي الاحتيال والمراوغة بإظهار الخير مع إبطان خلافه، ليحصل مقصود المخادع»(1).

قال ابن تيمية: «فإذا كان الله تعالى قد حرم الخلابة وهي الخَدِيعَة، فمعلوم أنه لا فَرْق بين الخلابة في البيع وفي غيره؛ لأن الحديث إن عم ذلك لفظًا ومعنى فلا كلام، إن كان إنما قصد به الخلابة في البيع، فالخلابة في سائر العقود والأقوال، وفي الأفعال بمنزلة الخلابة في البيع، ليس بينهما فرق مؤثر في اعتبار الشارع، وهذا القياس في معنى الأصل؛ بل الخلابة في غير البيع قد تكون أعظم، فيكون مِن باب التشبيه وقياس الأولى»(2).

لكن استثني مِن الخداع إذا كان لمصلحة شرعية؛ كالحرب، والإصلاح بين الناس، فعن جابر بن عبد الله قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الحرب خَدْعَة»(3).

قال النووي: «واتفق العلماء على جواز خداع الكفار في الحرب، وكيف أمكن الخداع، إلا أن يكون فيه نقض عهد أو أمان فلا يحل، وقد صح في الحديث جواز الكذب في ثلاثة أشياء، أحدها: في الحرب؛ قال الطبري: إنما يجوز مِن الكذب في الحرب المعاريض دون حقيقة الكذب، فإنه لا يحل، هذا كلامه، والظاهر إباحة حقيقة نفس الكذب، لكن الاقتصار على التعريض أفضل»(4)، وقد استخدم الصحابة الخِدَاع في الحرب في مواقف عديدة.

قال الماوردي: «إن من قال ما لا يفعل فقد مكر، ومن أمر بما لا يأتمر فقد خدع، ومَن أسرَّ غير ما يظهر فقد نافق، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «المكر والخَدِيعَة والخيانة في النار»(5)، على أن أمره بما لا يأتمر مطرح، وإنكاره ما لا ينكره مِن نفسه مستقبح(6).

المخادعون الذين شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله، وأدخلوا في دين الله ما هو منه بريء، وأحدثوا فيه ما ليس لهم به علم، وأضافوا إليه ما لم ينزل به الله عليهم سلطانًا؛ فإذا دُعوا إلى الرجوع إلى الدين الحق، والوقوف عند حدود ما أنزل الله على رسوله قالوا: «وماذا علينا لو أضفنا، إن هي إلا زيادة في الخير؟» تبًّا لكم! وسحقًا لضلالكم! عليكم الوزر والإثم؛ لأنكم ادعيتم لأنفسكم حق التشريع الذي لا يكون إلا لله، وظننتم ظن السوء وكنتم قومًا بورًا.

الذين يأكلون أموال الناس بالباطل، ويحلون ما حرم الله، ويغرون الناس بالفساد، ويزينون لهم أن ينذروا لغير الله؛ ويلتمسوا الخير من غير الله، ويستدفعوا الضر بغير الله.

حتى عم الفساد، واستشرى الشر، وقامت للشرك دولة تناهض دولة التوحيد، فإذا قام من يدعو الناس إلى الحق، رأوا الخطر على راحتهم ودعتهم من دعوته، إنهم يظلون وادعين هانئين لا يحركون يدًا ولا يعملون عملًا، ويأتيهم طعامهم رغَدًا من كل مكان، ما دام في الأمة جهلاء أغبياء غافلون يشركون بالله تعالى، ويدعون غيره، وينسبون النفع والضر إلى أسماء سموها هم وآباؤهم ما أنزل الله بها من سلطان، ويضرعون إلى ثياب وأخشاب، يطوفون من حولها، ويتمسحون بها ويناجونها، ويشكون إليها بثهم وحزنهم؛ وهم يحسبون أنهم يسمعونهم إذ يدعون، أو ينفعونهم أو يضرون، إنهم ألفوا آباءهم ضالين، فهم على آثارهم يهرعون.

المخادعون الذين حشوا أذهان العامة بالأوهام والخرافات وهم يحسبون أنهم على شيء؛ فإذا نبههم المصلح إلى أن ما يقولون ليس من الحق في شيء تنكروا له، وقلبوا له حماليقهم، وأصابهم داء الضرائر؛ فأوغروا العامة والسفهاء لينالوا من المصلح ويسلقوه بألسنة حداد؛ ذلك بأن هذه الأوهام والخرافات هي مبلغهم من العلم، فإذا اتضح أنها زائفة وثبت أنها باطلة فقد تجردوا من كل ما يملكون؛ لذلك يأبون إلا الحرص على هذه الأباطيل، وإذاعتها في الناس، ومحاربة الحق الذي يظهر زيفها، والحق منتصر في النهاية ولو كره المبطلون(7).

الخداع جزء من النفاق:

إن النفاق يعتمد على ثلاث خصال، وهي: الكذب القولي، والكذب الفعلي وهو الخداع، ويقارن ذلك الخوف؛ لأن الكذب والخداع إنما يصدران ممن يتوقى إظهار حقيقة أمره، وذلك لا يكون إلا لخوف ضر أو لخوف إخفاق سعي، وكلاهما مؤذن بقلة الشجاعة والثبات والثقة بالنفس وبحسن السلوك، ثم إن كل خصلة من هاته الخصال الثلاث الذميمة توكد هنوات أخرى، فالكذب ينشأ عن شيء من البله؛ لأن الكاذب يعتقد أن كذبه يتمشى عند الناس؛ وهذا من قلة الذكاء؛ لأن النبيه يعلم أن في الناس مثله وخيرًا منه، ثم البله يؤدي إلى الجهل بالحقائق وبمراتب العقول، ولأن الكذب يعود فكر صاحبه بالحقائق المحرفة، وتشتبه عليه مع طول الاسترسال في ذلك، حتى إنه ربما اعتقد ما اختلقه واقعًا، وينشأ عن الأمرين السفه؛ وهو خلل في الرأي وأفن في العقل، وقد أصبح علماء الأخلاق والطب يعدون الكذب من أمراض الدماغ.

وأما نشأة العجب والغرور والكفر وفساد الرأي عن الغباوة والجهل والسفه فظاهرة، وكذلك نشأة العزلة والجبن والتستر عن الخوف، وأما نشأة عداوة الناس عن الخداع فلأن عداوة الأضداد تبدأ من شعورهم بخداعه، وتعقبها عداوة الأصحاب؛ لأنهم إذا رأوا تفنن ذلك الصاحب في النفاق والخداع داخلهم الشك أن يكون إخلاصه الذي يظهره لهم هو من المخادعة، فإذا حصلت عداوة الفريقين تصدى الناس كلهم للتوقي منه والنكاية به، وتصدى هو للمكر بهم والفساد ليصل إلى مرامه، فرمته الناس عن قوس واحدة، واجتنى من ذلك أن يصير هزأة للناس أجمعين(8).

أقسام الخداع:

ينقسم الخداع إلى قسمين: خداع محمود، وخداع مذموم، يقول ابن القيم: «فإن كان بحق فهو محمود، وإن كان بباطل فهو مذموم، ومِن النوع المحمود قوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: «الحرب خَدْعَة»(9).

ومِن النوع المذموم قوله في حديث عياض بن حمار، الذي رواه مسلم في صحيحه: «أهل النار خمسة»، وذكر منهم رجلًا «لا يصبح ولا يمسي إلَّا وهو يخادعك عن أهلك ومالك»(10)، وقوله تعالى: {يُخَادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ} [البقرة:9]، وقوله تعالى: {وَإِن يُرِيدُواْ أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ} [الأنفال:62].

ومِن النوع المحمود خداع كعب بن الأشرف وأبي رافع، عدوي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، حتى قُتلا، وقتل خالد بن سفيان الهذلي.

ومِن أحسن ذلك خَدِيعَة معبد بن أبي معبد الخزاعي لأبي سفيان وعسكر المشركين حين همُّوا بالرُّجوع ليستأصلوا المسلمين، وردَّهم مِن فورهم.

ومِن ذلك خَدِيعَة نعيم بن مسعود الأشجعي ليهود بني قريظة، ولكفار قريش والأحزاب، حتى ألقى الخُلْف بينهم، وكان سبب تفرُّقهم ورجوعهم، ونظائر ذلك كثيرة»(11).

فالداعية إلى الله مؤتمن على دعوته، ومؤتمن على من يدعوهم، وبموجب هذه الأمانة فإن الله جل وتعالى سائله عن حفظه لهذه الأمانة أو ضياعها، وحين يغش الداعية إلى الله في دعوته فإنه يموت ميتة من مات وهو غاش لرعيته، قال صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد يسترعيه الله رعية؛ ثم يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة»(12).

أهلك في بيتك، الناس من حولك، رعية تحتك أنت أيها الداعية، ترعاهم بالدعوة والتعليم والتبليغ، فهل رعيت هذه الرعية حق الرعاية؟!

مظاهر الخداع الدعوي:

1- عدم الصدق في تحمل مهمة الدعوة إلى الله:

والتخاذل عن واجبات الدعوة المنوطة به، فهي دعوة بالوراثة، لا أكثر ولا أقل، يهمه فيها أن يسبق اسمه وسم (الداعية)!

2- عدم وضوح المنهج منذ البداية (العشوائية والارتجالية):

وأقصد بالمنهج طريقة السير القائمة على الدراسة المتأملة للكتاب والسنة، والمعرفة بالسنن الإلهية والتخطيط الواقعي في تحقيق أهداف الدعوة.

بل أعظم من ذلك: عدم التزام الدعوة المنهجية في ذاته، فلا يسعى إلى تربيتها وتزكيتها والرقي بها في منهجية واقعية، تتحقق نتائجها بإيجاد أسبابها ومقدماتها.

والسبب في هذا المظهر أحد أمرين:

1- عدم اقتناعه بالمنهجية.         2- عدم معرفته بالمنهجية أصلًا.

3- الدعوة من أجل الإغراق في المنهجية:

فهي منهجية جامدة (الورع اليابس)، فهو لا يدعو إلا لينتقي، ولا يربي إلا ليصطفي!

على أن الدعوة إلى الله جل وتعالى ينبغي أن تكون لإقامة الحجة على الناس، وتبليغهم دين الله جل وتعالى، والخروج بهم من الظلمات إلى النور.

4- عدم الفهم الجيد للعمل قبل الانطلاق:

يقول قائلهم: «لا يلزم فهم العمل؛ بل يُفهم العمل أثناء التنفيذ»، وحين يكون الداعية غاش في دعوته فأنى يستجاب له(13).

الدين بثوابته ومبادئه وقيمه لا يقبل التشكيك أو التقليل أو حتى المزايدة، ولا يصح من عاقل مسلم أن ينال منه، أو الإساءة إليه؛ فهو دين الله الذي ارتضاه لعباده إيمانًا واحتسابًا، وطمعًا في رضوانه وجنته، ولكن التديّن، كسلوك بشري لتطبيق تعاليم الدين، هو الذي يختلف من شخص إلى آخر؛ بحسب العقول والعواطف والمرجعيات الدينية والثقافية لكل زمان ومكان، وهذا الفارق بين الدين والتديّن جعلنا نراجع (مسيرة التديّن) في مجتمعنا، والتحولات الفكرية التي واكبتها، إلى جانب العلاقة بين التديّن والنفاق، وتحديدًا التمظهر بشكل الدين بينما النفس متناقضة بين ما تؤمن به وما تفعله خوفًا من الآخرين، وربما أسوأ من ذلك تضليلهم بالكذب والغش والخداع باسم الدين.

حركات مخادعة:

يقول المستشرق بيرنارد لويس عن الحركة الإسماعيلية الباطنية التي نشأت في أواسط القرن الثاني الهجري: «إنها من أشد الحركات سرية وتنظيمًا في التاريخ الإسلامي خصوصًا، والإنساني عمومًا، وإن الماسونية قد أخذت تنظيماتها السرية منها، وقد تشعبت من هذه الحركة لاحقًا الدولة الفاطمية (297هـ)، والحركة القرمطية، وحركة الحشاشين في القرن الخامس الهجري، التي دوخت العالم الإسلامي والشرق بالاغتيالات باسم الدين.

ولقد أثبتت الدراسات التاريخية الجادة لاحقًا بأن الحركة الإسماعيلية الباطنية ذات جذور مجوسية فارسية، والتي نذرت نفسها لهدم الإسلام بشتى السبل الفكرية والعسكرية! وباسم الإسلام، وبخطط بالغة الدقة والخبث والذكاء.

والحركة القرمطية هي الجناح العسكري للإسماعيلية الباطنية، وقد اتخذت شعارات دينية براقة؛ لتمرير أقذر مخطط؛ بهدف إرجاع مجد الديانات الفارسية الغابرة؛ كالمانوية والزرادشتية والمزدكية، وكان هدم ركن الحج، الذي يجمع المسلمين في مكان واحد وزمان واحد، من أهم الأهداف التي سعوا لتدميرها؛ فكانت قوافل الحج هدفًا مركزيًا لهم، واستباحة الكعبة وتجريدها من قدسيتها أهم الأهداف التي سعوا إليها.

وكان الخداع والتدليس أهم سمات هذه الحركة، فرأس هذه الحركة هو حمدان بن الأشعث الملقب بـ(قرمط)، وكان داعي الدعاة ورأس الحركة، ويتظاهر بأنه أكار وينسج الخوص ويأكل من كسب يده، ويكثر من الصلاة، واستطاع هو وأتباعه الذين يتلقون تعليماتهم من (طالقان) في فارس من جذب الطبقات الفقيرة والفلاحين؛ بحجة إقامة دولة العدل الإلهي، تحت راية سوداء كتب عليها: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} [القصص:5]، وتحت راية إرجاع الحق لأهله، والدعوة للأئمة من آل البيت من نسل إسماعيل بن جعفر الصادق (ت 138ه)، عاث القرامطة فسادًا في الأرض؛ فنهبوا وقتلوا الحجيج، وأخذوا الضرائب والخمس من أتباعهم؛ بحجة أن الجميع في هذه الدولة لا حاجة لهم بالأموال الموجودة، كون العالم بأكمله سيكون لهم، وأن كل إمام فاطمي يحتكمون إليه هو نموذج للمهدي المنتظر، الذي سيملأ الأرض عدلًا ورخاءً بعد أن ملئت ظلمًا وجورًا، وحتى الأطفال ممن هم دون الثانية عشرة استغلوهم بأبشع الأعمال وسموهم بـ(العرفاء).

لقد كان الحلاج (ت 309ه) أشهر دعاة القرامطة تحت غطاء التصوف الحلولي، والذي أعدم بسبب ثبوت التهمة عليه، والغريب أنهم كانوا يستعيدون الألقاب الإسلامية ويطبقونها عليهم، فكانوا يطلقون على أنفسهم (المؤمنون المنصورون بالله)، رغم تأكيد كل المصادر على إباحيتهم ومشاعتهم للنساء، وكانت لهم ليلة كل سنة تسمى بليلة (المحبة والألفة)، يختلط بها الرجال بالنساء، وبعد أن يطفئوا الأنوار ويشفي كل منهم غليله بما يعثر عليه، وهو ما اتفقت عليه كل المصادر التاريخية التي تحدثت عنهم، وما زالت بعض رواسب هذه الحركة تمارس هذه الطقوس؛ كالنصيرية في سورية!

في عام (317ه) وفي يوم التروية (الثامن من ذي الحجة) دخلوا الكعبة، وأعملوا السيف بأهلها، وقتلوا كل من كان بالحرم الشريف، وسرقوا نفائس الكعبة، وكسروا الحجر الأسود ونقلوه إلى عاصمتهم هجر، وردموا بئر زمزم بالجثث، واستهزءوا بالمسلمين، وقالوا لهم: لو كان هذا البيت آمنًا لحماه ربه، واتهموا المسلمين بعبادة الحجر الأسود، وأنهم مشركون، وأنهم جاءوا ليخلصوهم من عبادة الأوثان! وخرج قائدهم أبو طاهر الحفازي وهو ينشد:

لو كان هذا البيت لله ربنا       لصب النار من فوقنا صبًا

ويستهزأ بالأحياء ويقول: أين الطير الأبابيل؟ أين الحجارة من سجيل؟

لقد انطلت هذه الخدع على السذج والمغفلين، وشاركهم اللصوص والقتلة، وكان من ورائهم عقول شريرة تدير الأمور بذكاء وخبث رهيبين، لذلك عندما دخل محمد بن محمد الحسن اليماني في أواسط القرن الخامس الهجري في الدعوة الإسماعيلية الباطنية، كتب في كتابه الشهير (الدعوة لآل محمد)، بعد أن اكتشف حقيقتهم، بأن هؤلاء القوم لا يعملون إلا لهدم الدين باسم الدين، وأن غايتهم البعيدة إرجاع المجد المجوسي الماضي، حيث أراد الجنابي لاحقًا أن ينصِّب شابًا فارسيًا اسمه الأصفهاني على أنه المهدي المنتظر، ولكن محاولته باءت بالفشل، ومسألة ارتباط القرامطة بالجذر الفاطمي الإسماعيلي لا غبار عليه، فعندما أرجعوا الحجر الأسود بعد 22 عامًا من سرقته قالوا: «أخذناه بأمر ولا نرجعه إلا بأمر»(14).

إن الخداع في أمور الدين والسياسة أمر تنتهجه الدول والطوائف الدينية من أجل تسويق سياسات أو تحقيق منتفعات، وذلك لما للدين والسياسة من توافق في استهداف الجماهير والتأثير عليهم، وللدين أثر عظيم في شحذ الطاقة الروحية، ودفعها للارتقاء، وتوجيه مسيرة الفرد، فلا ينفك السياسيون يستخدمون أية وسيلة لتحقيق التأثير المطلوب، فجعلوا الدين وسيلة وليس غاية في ذاته، أصبح مطية وليس امتثالًا لأوامر إلهية، ومنظومة تشريعية تقيم العدل وتحمي الحقوق، وترشد العقول إلى صحيح السبيل، خاصة حينما تهب عليها عواصف التيه الهوجاء من كل مكان(15).

آثار الخداع وأضراره:

الخداع له آثار وأضرار تعود على المخادع نفسه، وعلى المجتمع الذي من حوله، ومن هذه المضار:

1- أن الخداع دليل على ضعف إيمان صاحبه.

2- الخداع سبب من أسباب الفرقة بين المسلمين.

3- أنه طريق موصل للنار.

4- أنه صفة مِن صفات المنافقين.

5- يتسبب في أكل أموال الناس بالباطل.

6- يولد ضعف الثقة بين أفراد المجتمع.

7- المخادع يكون منبوذًا عند الناس.

8- الخداع يولد الشحناء والبغضاء بين الناس.

9- أن الخداع يترتب عليه نقض المواثيق والعهود بين الناس(16).

_________________

(1) إغاثة اللهفان (1/ 340).

(2) الفتاوى الكبرى (6/ 155).

(3) أخرجه البخاري (3030)، ومسلم (1739).

(4) شرح النووي على صحيح مسلم (12/ 45).

(5) أخرجه الحاكم (8795).

(6) أدب الدنيا والدين، ص77.

(7) أعداء المصلحين، موقع: الألوكة.

(8) التحرير والتنوير (1/ 281).

(9) أخرجه البخاري (3030)، ومسلم (1739).

(10) أخرجه مسلم (2865).

(11) إغاثة اللهفان (1/ 386).

(12) أخرجه مسلم (142).

(13) الغش الدعوي، موقع: صيد الفوائد.

(14) هدم الدين باسم الدين، د. سنان أحمد.

(15) في فلسفة الخداع، د. حامد أنور.

(16) آثار الخِدَاع، موقع: الدرر السنية.