الحركة النسوية في الميزان
النسوية هي حركة عالمية ضد التشريعات الربانية وضد كل شيء، فهي قائمة على الفكر الليبرالي؛ وهو الحرية المطلقة للمرأة في جميع الممارسات ومساواتها مع الرجل في كل الحقوق، وهذه الفكرة تناقض مبدأ العبودية لله والاستسلام لشرعه والانقياد له بالطاعة بفعل أوامره واجتناب نواهيه، قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 162]، والمرأة التي تريد الحرية التي لا ضابط لها إلا القانون الوضعي، فهذه متمردة على شرع الله لأنها تريد حكم الجاهلية.
الفكر النسوي مضاد للمبادئ الإسلامية التي أنزلها الله في كتابه وأخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم: من التفريق بين الرجل والمرأة في الأحكام الشرعية، والتمييز بين الجنسين في الخصائص، فكل جنس له حقوق تلائم طبيعته ووظائفه، وقد منح الشارع الرجل صلاحيات لتحقيق المصلحة وحفظ الحقوق كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6]، وقوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} [البقرة: 282]، وقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11]، والأحاديث الصحيحة الواردة في هذا المعنى كثيرة.
نشأت الحركة النسوية في الغرب قبل أكثر من قرن، تطالب بالاعتراف بأن للمرأة حقوقًا وفرصًا مساوية للرجل، وقد كانت في الأساس تهدف إلى منح المرأة الحقوق الأساسية من التعليم والعمل التي حرمت منها في المجتمع الغربي قبل الثورة الصناعية، ثم تطورت فكرتها إلى المطالبة بالمساواة بالرجل في جميع الحقوق السياسية والاقتصادية والجنسية والفكرية ومماثلته في كل شيء.
ثم تسللت هذه الحركة إلى المجتمعات العربية إبان الاستعمار، وحققت مكاسب خطيرة؛ من نشر الثقافة الغربية، وضعف الولاء للإسلام، ونزع الحجاب، وانتشار الانحلال، والتشكيك في الثوابت الدينية، والهجوم على القدوات الحسنة في المجتمع الإسلامي تحت شعار العمل الحقوقي والنشاط الاجتماعي، وكان ذلك عن طريق إنشاء الجمعيات النسوية، ورسالة الفن الهابط والحركات الماسونية.
وقد نصح العلماء الربانيون الأمة في تلك الفترة قال العلامة المحدث أحمد شاكر: نريد أن نحفظ أعراض المسلمين، وأن نحارب ما أحدث (النسوان) وأنصار (النسوان) من المنكرات الإباحية والمجون والفجور والدعارة، هؤلاء (النسوان) الـلائي ليس لهن رجال، إلَّا رجال (يُشْبِهْنَ) الرجال!! هذه الحركة النسائية الماجنة، التي يتزعمها المجددون وأشباه المجددين، والمخنثون من الرجال، والمترجلات من النساء، التي يهدمون بها كل خلق كريم، يتسابق أولئك وهؤلاء إلى الشهوات، وإلى الشهوات فقط.
نريد أن ندعو الصالحين من المؤمنين، والصالحات من المؤمنات: الذين بقي في نفوسهم الحفاظ والغيرة ومقومات الرجولة، واللاتي بقي في نفوسهن الحياء والعفة والتصوُّن- إلى العمل الجدِّي الحازم على إرجاع المرأة المسلمة إلى خدرها الإسلامي المصون، إلى حجابها الذي أمر الله به؛ طوعًا أو كرهًا (1).
هذه الحركة النسائية الماجنة، التي يتزعمها المجددون وأشباه المجددين، والمخنثون من الرجال، والمترجلات من النساء، التي يهدمون بها كل خلق كريم، يتسابق أولئك وهؤلاء إلى الشهوات، وإلى الشهوات فقط.
من هنا كانت البداية:
استلمت هدى شعراوي من قاسم أمين عصى الحراك النسوي؛ حيث أقنعت الجامعة المصرية عام 1908 بتخصيصي قاعة للمحاضرات النسوية، كما أنها دعت إلى خلع غطاء الوجه على غير المألوف في ذلك العصر، وأسست "الاتحاد النسائي المصري" عام 1923م، وفي عام 1966م أصبح اسمه "جمعية هدى شعراوي"، وكانت السيدة شعراوي عضوًا في "الاتحاد النسائي العربي" وإضافة إلى نشاطه النسوي فإن هذا الاتحاد كان يدعو للقومية العربية ويدافع عن قضايا العربية عمومًا إرضاءً للسلطة الحاكمة، والفلسطينية خصوصًا استخفافًا بالشعوب الساذجة.
وبعدها بدأت المنظمات والجمعيات النسوية تتأسس في الوطن العربي في كل بلد على حدا؛ ففي الأردن تأسس اتحاد المرأة الأردني عام 1945م، بهدف التصدي لأي شكل من أشكال التمييز ضد المرأة، وتعزيز مكانة المرأة الأردنية ودورها في المجتمع، وتمكينها من ممارسة حقوقها.
وفي عام 1953م تأسس "نادي البحرين للسيدات" برئاسة الليدي بلجريف، زوجة المستشار البريطاني، التي اختارت نخبة من سيدات الطبقات العليا المتعلمات أعضاء في النادي الذي هدف إلى القيام بالأعمال الخيرية ومساعدة الفقراء والمحتاجين وتعليم النساء بعض المهارات كالطبخ والخياطة.
وقد تأسس الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية عام 1965م، وهو تنظيم شعبي ديمقراطي يمثل المرأة الفلسطينية في جميع أماكن وجودها، وقاعدة من قواعد منظمة التحرير الفلسطينية، ويهدف إلى تعبئة وتنظيم طاقات المرأة الفلسطينية أينما كانت، والنضال من أجل تحقيق مساواة المرأة بالرجل في الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والربط بين قضية التحرير الاجتماعي للمرأة وقضية النضال من أجل التحرير الوطني.
أهداف الحركة النسوية:
- تعزيز الاعتقاد بعدم وجود فروقٍ بين الذكور والإناث، وأن الذكر مماثلٌ للأُنثى في الخصائص العقليةِ والنفسية، وزرع مصطلح “النوع” Gender لتأكيد هذا المفهوم في البنية الاجتماعية والفكرية للمجتمع، وذلك بإقرار الشذوذ، والقضاء على الزواج التقليدي بين الرجل والمرأة، وإقرار الزواج من الجنس الواحد، وتقويض الأسرة الطبيعية، ويضاف إلى ذلك كله تغيير التشريعات وتوحيدها للجنسين، واعتبار أن الأسرة والأُمومة والزواج التقليدي من أسباب قهْر المرأة.
- تسعى الحركة النسوية– عبر تكريس مفهوم الضحية– إلى تأكيد أن المرأة ضحية للهيمنة الشيطانية للرجل، التي تبناها بوعيه، وأَدَّت إلى هذه الحالة الوضيعة للمرأة؛ فالمرأة في نظرهم ضحية لاغتصابه، وضحية لعنفه، وضحية لتحرشه الجنسي، وضحية في جميع المواقف التي تجمع بينها وبين الرجل، وأن المرأة غيرُ ملزمةٍ بتحمُّل كل هذه الأضرار، بل ينبغي حمايتها منه، لا سيَّما وأنها لم تعد بحاجة إلى الزواج من رجل لتوفير احتياجاتها الاقتصادية.
- التأكيد على مفهوم الاغتصاب، والعمل على تثبيت هذا المفهوم عن طريق دراسات ومقالات تؤكد أن جميع الرجال يمارسون الاغتصاب للنساء، وقد ظهر كتاب مشهور يروِّج لهذه النظرية (جميع الرجال مغتصبون)، ووَفقًا لهذه النظرية فإن أيَّة علاقةٍ لا تخضع لرغبة المرأة تعدُّ اغتصابًا حتى ولو كانت من قبل الزوج.
- إعطاء المرأة الحريةَ المطلقةَ في مجالات العلاقات الجنسية، وكذلك إعطاؤها الحق أن تحدِّد نوعها الجنسي الذي تريده، وأن تمارس العلاقة الجنسية مع مَن يروق لها خارج أو داخل إطار الزواج، واعتبرت أن التحكُّم في عملية الإنجاب هو حقٌّ خالصٌ للمرأةِ دون زوجها.
- تشجيع الزواج من نفس الجنس “الشواذ“، والمطالبة بحمايته دوليًّا، والاعتراف به؛ حتى لا تشقى المرأة بالحمل والإنجاب.
- تتفاخر معظم القيادات المُنظِّرة للحركة النسوية المعاصرة بأنهنَّ كُنَّ أو لا يَزَلنَ يتعاطينَ الجنس مع بنات جِنسِهن، وعلى رأسهن الكاتبات المعروفات المنظِّرات للنسوية، وهذا الارتباط والاتصال بين الحركة النسوية والسحاقية أمرٌ مشهور ومعروف (2).
فالنسوية هي تطبيق لقرارات مؤتمر بكين سبتمبر 1995م تحت إشراف الأمم المتحدة وبحضور ممثلين عن 189 دولة علمانيات وليبراليات، وقراراتها غير قابلة للتجزئة وملزمة لجميع الدول الأعضاء وبحضور ممثلين عن منظمة العفو الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، واعتمد مجلس الأمن القرار الذي يحمل رقم 1325 وكأنهم عمدوا إلى الآيات والأحاديث التي تنظم حياة المرأة التي فيها عزها وعدلها، وما ينسجم مع حياتها للاستقرار والأمن الأسري ليعملوا العكس تمامًا للتمرد على القيم الإسلامية، حتى شعار الحرية والمساواة، وتم ذلك بالاستعانة بمجموعة كبيرة من المستشرقين ليرسموا ثقافة ملزمة «العولمة» الثقافية، ومنها اتفاقية سيداو، التي أقرت في عام 1979م ولم تنفذ لطلب بعض الدول ترك مدة لتمهيد المجتمع لها، منها أن المرأة مثل الرجل، ولا يسمح للرجل بالتعدد، وإن الأولاد ينسبون لأمهاتهم في التسمية، ويرون أنه لا يوجد عدة للمرأة، وأن الرجل لا يملك الولاية على المرأة، والأب لا يملك الولاية على بناته، كما يرون أن الذكر والأنثى في الميراث واحد، وأن الرجل يمكنه الزواج برجل مثله، والمرأة يمكنها الزواج من امرأة مثلها، وأيضًا يقولون للمرأة حق الإجهاض، ولا تجرم العلاقات الجنسية خارج إطار الزوجية لكلا الزوجين، وللمرأة أن ترتبط بمن تشاء وتنفصل متى تشاء وتعاود الارتباط متى تشاء، وأن سن الزواج بعد الثامنة عشرة، ويقرون الاعتراف بالشاذين جنسيًا ولهم حرية اختيار الجنس والزواج وتبني الأطفال.
الثبات على الحق:
واجبنا أن نعلم أن الصراع بين الحق والباطل الى قيام الساعة {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة: 217]، وتوعية الناس بالدين وأن الله عز وجل أنزل التشريع حفاظًا عليها ورحمة ولطف منه {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14]، وألا تُغتر بالشعارات البراقة فكلها تؤدي إلى الهاوية، وهي أوهن من بيت العنكبوت، ولو كان خيرًا لنفعوا بلادهم، فمتى كان الثعلب ناصحًا، والاستشراق والتنصير لديهم أسلحة كثيرة في غواية وإضلال وتشكيك المسلمات فيجب الثبات على الحق وتعلم الدين وسؤال العلماء {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 120]، نتعلم مخططاتهم لنحذر منها وعدم تتبع خطوات شياطين الإنس {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء: 141].
والمرأة التي تريد الحرية التي لا ضابط لها إلا القانون الوضعي فهذه متمردة على شرع الله لأنها تريد حكم الجاهلية.
تقول إحدى النسويات: الحرية الجنسية أساس من أسس الحركة الحقوقية النسوية ولا نخجل من ذلك ولا نخفيه، بل نعلنه بقوة، لن يقيدنا أحد بالكلمات ولا بالقوانين وبالتهديدات والقتل نحن هنا حرائر فكريًا وجنسيًا.
وتصرح بعض النسويات فتقول: النسوية والإسلام ما يجتمعان لمجرد كون النسوية هي المساواة بالحقوق والإسلام يفضل الذكر بأكثر من آية ويستنقص من المرأة ويأمر بضربها.
وتقول أخرى: قولي كيف تصلي المرأة لإله احتقر المرأة، وتقول أخرى: مناهج التعليم تهين المرأة ويعود الفضل في ذلك طبعًا للقرآن والأحاديث.
وتقول أخرى مبررة للهجرة لنيل الحرية ولو كان على حساب العرض: تمارس الدعارة ولا تقعد مستعبدة بالإسلام الذي يكذب عليها أنه مكرمها وقبيلة تقتلها إذا كشفت وجهها بس (3).
وتقول سيمون دي بوفوار: على المرأة التخلي عن الأساطير والخرافات والعقائد التي تتخذ شكل المقدس، والتي مكنت الرجل الأبيض من اضطهاد المرأة والسيطرة عليها، فالمرأة إذا أرادت أن يكون لها وجود حقيقي كامرأة، فإن عليها أن تتخلى عن الأنوثة؛ لأنها مصدر ضعف المرأة، والزواج؛ لأنه يمثل أكبر قيد للمرأة، وكذلك التخلي عن الأمومة (4).
أثر النسوية على المرأة:
أثرت النسوية على المرأة، وأفقدتها توازنها من خلال مطالبتها بالتخلي عن حاجته الفطرية والبيولوجية لرجل، وخلق هوية جديدة للمرأة، بإلغاء وظيفتها البيولوجية، فالحمل والولادة ليس وضعًا طبيعيًا بل عملية إنتاجية عبر علاقة استعبادية، بل وفك ارتباط المرأة بالزينة والمظهر، ومحو ما طبع من كلمات أنثى أو أنوثة لكي لا توحي لهن بأنهن خلقن للرجال، وتفك منهن التبعية الاقتصادية التي كانت مفروضة على المرأة، ودعوتهن إلى ضرورة الخروج من البيت، وإقحامهن في أسواق العمل، إذ يتعين على المرأة أن تقوم بمسؤوليتها ونفقاتها، ما جعل المسوقين يستغلون حاجتهن المادية، عن طريق إقحامهن في لوحات الإعلانات وتجسيدهن كسلعة لترويج البضائع، والعجيب في الأمر أن الإعلانات تعكس صورة معاكسة لما تروج له هذه الحركة البئيسة، فتروج صورة المرأة التي تجذب الرجال وتثير غرائزهم؛ بالفعل تناقض!
أثر النسوية على الأسرة:
أثرت النسوية على الأسرة، حيث انتقصت من قدر الزواج وأهميته، وصورته كعبودية للمرأة، وقللت من شأن الأمومة ووظيفتها، وجعلت من شكل الأسرة أشكالًا متعددة، كالأسر المثلية، وأسر الأبناء بالتبني، وأسرة الوالد المنفرد… وإباحة الإجهاض، وتحديد النسل، ومحاربة الزواج قبل سن الثامنة عشرة، والسماح لها فقط بالعلاقات غير الشرعية.
أثر النسوية على المجتمع:
أثرت النسوية على المجتمع، لمحاربته الأسرة الطبيعية الآمنة، وإعطاء الحريات، ومنها الحرية الجنسية التي أدت إلى انتشار الدعارة والجنس، ما جعل المجتمعات في حالة من الفوضى اللاأخلاقية.
أهم مبادئ مفهوم النسوية:
الحرية المطلقة: من أبرز المبادئ التي دعت إليها النسوية لا سيما في أطوارها الأخيرة، وهي تعني أن للمرأة الحرية في جسدها بعرضه وهبته لمن أرادت، وتقرير مصير ما في بطنها، فتحررت بذلك من كل ديني وأخلاقي وسلوكي، هروبًا من العبودية التي كانت واقعة فيها إلى عبودية هواء نفسها، ما جعل من الحرية انقلابًا على القيم وارتباطًا بالمصالح المادية والإعلامية التي تعادي الدين وتروج للإلحاد والإباحية.
بينما العبودية في الإسلام هي أعظم مراتب الحرية؛ لأنها تحررها من سلطان الهوى والشهوة، وتعطيها حرية العقيدة، وتعطيها الحرية الاجتماعية في اختيار الزوج، والحرية الاقتصادية المتمثلة في الإرث وحق التملك والتصرف، وحق التعليم، وكل ذلك من الحريات المشروعة، أما حريات إظهار الجسد والزنا وإجهاض الجنين وغيرها من تتبع الهوى والشهوات فهي محرمة شرعًا، وقد اعتبرها الإسلام جرائم ورتبَ عليها العقوبات.
المساواة بين الجنسين: هي جوهر مفهوم النسوية، على افتراض أن الجنسين لا فرق بينهما، إلا الفوارق التي جعلها المجتمع لهم، متجاهلة أقوال العلم الحديث الذي يشير إلى هذه الاختلافات من ناحية فسيولوجية وسيكولوجية وسلوكية مهارية وذهنية لا تجعل مجالًا للشك بأنهما مختلفان متكاملان، وقد جاء الإسلام مبينًا هذا الاختلاف في قوله تعالى: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى} [آل عمران: 36]، فالرجال اختصوا بالقوامة وأعبائها وخصائصها، والنساء اختصصن بالأمومة وأعبائها وخصائصها، ولم تنشأ هذه الخصائص نتيجة تغلب وقهر، بل نتيجة لما ركب الله لكل منهما.
معادة الأبوية: إن معادة النسوية للأبوية جعلها تهاجم الأسرة والدين، أما الأسرة، فلم تقف عند حد مهاجمة النظام الأبوي الجاهلي، بل امتد ليصل إلى التشكيك في جدوى الأسرة، ورفضت قيادة الأب للأسرة ورحّبت بالأسرة المدارة من قبل الأم وحدها، ولكن حينما نتأمل القرآن الكريم نرى أن الزواج عهد وميثاق، وأن الأم اختصت بمكانة عظيمة في الأسرة، واختص الرجل بالقوامة ليس تفضيلًا؛ بل مسؤولية أُنيطت به لما لديه من الإمكانات التي تجعله أهلًا لذلك، والأسرة في الإسلام ليست مقصورة على الزوجين والأبناء، بل تمتد لتشمل الأمة الإسلامية التي تحمل الرسالة والبلاغ والشهود، وللحفاظ على الأمة لا بد من الحفاظ على اللبنة الأولى وهي الأسرة، فحمى بذلك الرجل والمرأة والطفل، بوضع شروط للزواج وواجبات وحقوق بعد الزواج، والحفاظ على هذه العلاقة بتحريم الزنا والتبني، وأما الطريق الذي تسلكه النسوية فهو رفض للدين وتعاليمه، وقد قال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85].
نسبية القيم والأخلاق: لا تبالي النسوية بالقيم والأخلاق؛ لأنها ترى أنها ناتجة عن التنشئة الاجتماعية، ولذلك تسعى لما تريد ولو ناقضها، بينما نجد أن الإسلام حد حدودًا ثابتة لا يمكن تجاوزها؛ وهي حفظ الدين والعرض والمال والعقل والنسل، فما خالفها لا يُعتدُّ بقوله ولا يعتبر حقًا.
لم يكن مفهوم النسوية في بدايته يحمل معنى نصرة المرأة، أو الدفاع عنها، أو المطالبة بحقوقها، إذ كانت هنالك أفعال نسوية تطالب بحقوق المرأة وتدافع عنها، لم يطلق عليها نسوية إلا فيما بعد.
بدأت النسوية بمطالب معقولة، وانتهى بها الأمر إلى مطالبات مخالفة للفطرة والعقول السليمة.
ارتبط مفهوم النسوية ببعض المصطلحات التي تعبر عن مراحل مر بها المفهوم، أو قضايا تُبحث في داخل النسوية.
نتج عن مفهوم النسوية عدة آثار، على الأديان ومطالبتها بقراءة النصوص بما يتناسب مع مفهوم حقوق المرأة في الغرب، وبما في ذلك ديننا الإسلامي، وعلى الفكر والمعرفة، والواقع.
وأخيرًا، لا بد من الوعي المجتمعي بخطر مثل هذه المفاهيم التي تحارب العقيدة، والقيم والأخلاق، وعدم الانخداع بشعاراتها البراقة، وذلك عن طريق النظر إلى ما تؤول إليه أفكارها من مساوئ على الأفراد والمجتمعات، بإفسادها للبنة المجتمع الأولى وهي الأسرة، ولذلك يتعين على المرأة التفقه في الدين لمعرفة ما لها من حقوق وواجبات، ولتعلم أن الشرع قد كفل لها حقوقها وكرامتها، وجعل علاقتها بالرجل علاقة مودة، ورحمة، وتكامل، وأما الفضل بينهما عند الله فهو لصاحب التقوى، كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13] (5).
----------
(1) كلمة الحق، جمهرة مقالات العلامة الشيخ أحمد محمد شاكر (1/ 421).
(2) ماهية وأهداف الحركة النسوية/ شبكة الألوكة.
(3) علماء الشريعة الحركة النسوية ضد الشرع والدين/ الأنباء الكويتية.
(4) النسوية الإسلامية.. تقليد للغرب أم ثقافة أصيلة؟ الجزيرة نت.
(5) من كتاب مفهوم النسوية دراسة نقدية في ضوء الإسلام/ باحثات.