الجهاد الإعلامي
يعرف العلماء الجهاد بأنه بذل واستفراغ ما في الوسع والطاقة من قول أو فعل في سبيل الله عز وجل بالنفس والمال أو غير ذلك.
فرض الله الجهاد على كل مسلم فريضة لازمة حازمة لا مناص منها ولا مفر معها، ورغّب فيه أعظم الترغيب، وأجزل ثواب المجاهدين والشهداء، فلم يلحقهم في مثوبتهم إلا من عمل بمثل عملهم، ومن اقتدى بهم في جهادهم، ومنحهم من الامتيازات الروحية والعملية في الدنيا والآخرة ما لم يمنح سواهم، وجعل دماءهم الطاهرة الذكية عربون النصر في الدنيا وعنوان الفوز والفلاح في العقبى، وتوعد المخلفين القاعدين بأفظع العقوبات، ورماهم بأبشع النعوت والصفات، ووبخهم علي الجبن والقعود، ونعى عليهم الضعف والتخلف، وأعد لهم في الدنيا خزيًا لا يرفع إلا إن جاهدوا، وفي الآخرة عذابًا لا يفلتون منه ولو كان لهم مثل أحد ذهبًا، واعتبر القعود والفرار كبيرة من أعظم الكبائر وإحدى الموبقات المهلكات.
والجهاد في سبيل الله ذروة سنام الإسلام وناشر لوائه وحامي حماه، بل لا قيام لهذا الدين في الأرض إلا به، وإن المجاهدين في سبيل الله هم صفوة خلق الله وسادة عباده، وهم الناصحون للعالم كله على الحقيقة، الباذلون نفوسهم ومهجهم ليسعدوا البشرية بالتمتع بهذا الدين، فينالوا بذلك رضوان الله في الدنيا والآخرة، قوم باعوا أنفسهم وأموالهم لله، ورغبوا في عاجل لقائه، لينالوا الحياة الآجلة الأبدية التي يصطفي الله لها من خلقه خيارهم، فيتخذهم عنده شهداء.
قوم ندبهم لإعلاء كلمته فانتدبوا، وأمرهم بالدعوة إليه لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، فسارعوا للقيام بذلك واستجابوا، يقيمون على خلقه الحجة، ويرشدونهم إلى الصراط المستقيم، ينيرون بوحي الله الدروب، ويحيون بدينه القلوب، يضمون من اهتدى بهدى الله إلى صفهم، ويقوِّمون بالسيف والسنان طغاة الصد عن سبيل الله، حتى يدخلوا في الدين الحنيف أو يخضعوا لسلطان القائمين بأمر الله.
قوم يختارون الجوع والعطش والخوف على الشبع والري والأمن في هذه الحياة، ليفوزوا في دار الكرامة بأجل نعيم أعده الله لهم، ينام الناس ويسهرون، ويتمتع الناس بملذات الدنيا وهم عنها شهواتها راغبون، إذا نام القاعدون على فرش من حرير وتوسدوا ألين الوسائد، افترش المجاهدون الحصى وتغطوا بنقع غبار العاديات، وتوسدوا عدة الحرب وسيوف الغارات.
يتسابق الناس إلى تجارة الفضة والذهب الفانية، ويشمرون هم إلى تجارة السوق الرابحة الباقية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13)} [الصف: 10 - 13].
قوم رفع الله منزلتهم على من سواهم، وجعلهم قادة البشر ومعلميهم وآمريهم وناهيهم: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110]، والجهاد من أجل الأعمال وأفضلها عند الله تعالى، وقد أثنى الله سبحانه وتعالى على المجاهدين ثناءً عظيمًا، وعدهم بالثواب الكثير والجزاء الوفير في جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين.
ولست تجد نظامًا قديمًا أو حديثًا دينيًا أو مدنيًا، عني بشأن الجهاد والجندية واستنفار الأمة، وحشدها كلها صفًا واحدًا للدفاع بكل قواها عن الحق، كما تجد ذلك في دين الإسلام وتعاليمه، وآيات القرآن، وأحاديث الرسول العظيم فياضة بكل هذه المعاني السامية، داعية بأفصح عبارة وأوضح أسلوب إلى الجهاد والقتال والجندية، وتقوية وسائل الدفاع والكفاح بكل أنواعها؛ من برية وبحرية وغيرها على كل الأحوال والملابسات.
وتعددت تقسيمات العلماء للجهاد، فتارة يقسمونه بحسب من يقع عليه الجهاد، فيقسمونه إلى: جهاد النفس، وجهاد الشيطان، وجهاد الكفار، وجهاد المنافقين، وجهاد أهل البدع والمنكرات.
وتارة يقسمونه باعتبار الآلة التي يكون بها الجهاد فيقسمونه إلى: جهاد القلب، وجهاد اليد، وجهاد اللسان، وجهاد المال.
قال الراغب الأصفهاني رحمه الله: والجهاد ثلاثة أضرب: مجاهدة العدو الظاهر، ومجاهدة الشيطان، ومجاهدة النَّفس، وتدخل ثلاثتها في قوله تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} [الحج: 78]، {وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 41]، {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنفال: 72]، والمجاهدة تكون باليد واللسان، قال صلى الله عليه وسلم: «جاهدوا المشركين بأيديكم وألسنتكم» (1).
وقال ابن رشد رحمه الله: والجهاد ينقسم على أربعة أقسام: جهاد القلب، وجهاد باللسان، وجهاد باليد، وجهاد بالسيف.
فجهاد القلب جهاد الشيطان ومجاهدة النفس عن الشهوات المحرمات، قال الله عز وجل: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} [النازعات: 40]، {فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 41].
وجهاد اللسان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن ذلك ما أمر الله به نبيه صلى الله عليه وسلم من جهاد المنافقين، لأنه عز وجل قال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [التوبة: 73]، فجاهد صلى الله عليه وسلم الكفار بالسيف، وجاهد المنافقين باللسان، لأن الله تعالى نهاه أن يعمل علمه فيهم فيقيم الحدود عليهم لئلا يتحدث عنه أنه يقتل أصحابه على ما روي عنه صلى الله عليه وسلم، وكذلك جاهد صلى الله عليه وسلم المشركين قبل أن يؤمر بقتالهم بالقول خاصة.
وجهاد اليد زجر ذوي الأمر أهل المناكر عن المناكر والأباطيل والمعاصي المحرمات، وعن تعطيل الفرائض الواجبات، بالأدب والضرب على ما يؤدي إليه الاجتهاد في ذلك، ومن ذلك إقامتهم الحدود على القذفة والزناة وشربة الخمر، وجهاد السيف قتال المشركين على الدين.
إلا أن الجهاد في سبيل الله إذا أطلق فلا يقيم بإطلاقه إلا على مجاهدة الكفار بالسيف حتى يدخلوا في الإسلام أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون (2).
ولا شك أن الجهاد الاعلامي سواء كان من خلال نقل الأخبار أو كتابة المقالات أو التوجيه من خلال الرسائل أو صناعة محتوى على وسائل التواصل الاجتماعي، كل ذلك كان له الأثر البالغ في الحروب القديمة والحديثة، قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [التوبة: 120]، ولا شك أن العامل النفسي في الحروب له وقعه الكبير في تغيير كثير من مسيرات الحروب، والتأثير على القرارات السياسية والعسكرية.
وفي معركة الطوفان رأينا ذلك الجهد الإعلامي الذي يسير جنبًا إلى جنب مع الجهد العسكري، ولا أدل على ذلك من انتظار العالم كله لبيان يخرج به المتحدث العسكري لكتائب المقاومة لعلم الجميع صدق حديثه ووقع كلماته ليس على العدو فحسب بل على الجميع، ولا تزال الجهود المبذولة على مواقع التواصل الاجتماعي تؤتي ثمارها كل حين بإذن ربها، ويوضح ذلك ويؤكده اهتمام الرأي العام العالمي، ووجود تحرك شعبي في الدول الغربية، حتى وصل الأمر أن يتحرك أناس في أمريكا الشيطان الأكبر، بل تحرك يهود لمناصرة أهل فلسطين، وذلك للمجهود الكبير الذي قام ولا زال يقوم به مجاهدون على الشاشات- تلفاز، حاسب، هاتف- يحملون هم قضيتهم وينصرون إخوانهم، ولا يملون من العمل لنقل الحقيقة ورد الزيف الصهيوني والغربي، ودحض الشبهات التي تثار من حين لآخر، وقد وجدنا الردود السريعة والقوية على المداخلة والجامية الذي تبولت أفواههم نجاسات لم يجرؤ الصهاينة على قولها، بذاءات وتحريف للنصوص وتدليس باسم الدين والنيل من المجاهدين الصادقين المرابطين، بل لم يسلم منهم حتى المسلمات العفيفات اللاتي يصارعن هم النزوح والقتل والأسر وتحمل من الأمور ما الله به عليم.
لم يسلم من هؤلاء الأدعياء أحد ولم ينج من بذاءة لسانهم إلا ولاة أمرهم المجرمين المنبطحين لأعدائهم، أحلوا لأسيادهم من الظلمة والمجرمين كل شيء حتى الزنا الذي حرمه الله أحلوه لهم، ناهيك عن القتل والتعذيب والإجرام الذي يستعمله أسيادهم ضد خصومهم، بل أباحوا لهم تعطيل الشريعة والحكم بأهوائهم.
فلوا تركوا لأضلوا الكثير من أتباعهم الحمقى والمغفلين، لكن الرد السريع والقوي لشبهات وتفاهات هؤلاء على كل المواقع والصفحات كان له دوره الكبير في تثبيت صفوف المجاهدين ومؤيديهم، وتحصين العامة من افتراءاتهم وكذبهم وتدليسهم.
الحالات التي يتعين فيها الجهاد:
ذكر العلماء أن الجهاد يتعين على الشخص في حالات ثلاث:
1- إذا تقابل الصفان، فيحرم على من حضر الانصراف، يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16)} [الأنفال: 15- 16].
وقال صلى الله عليه وسلم: «اجتنبوا السبع الموبقات» قيل: يا رسول الله وما هن؟ قال: «الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات» (3).
2- إذا نزل الكفار ببلد معين، تعين على أهله قتالهم ودفعهم، فالدفاع عن النفس واجب، قال تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190].
قال شيخ الإسلام: وأما قتال الدفع فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين فواجب إجماعًا، فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه، فلا يشترط له شرط؛ بل يدفع بحسب الإمكان (4).
عن قهيد بن مطرف الغفاري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله سائل: إن عدا علي عاد، فأمره أن ينهاه ثلاث مرار، قال: فإن أبى، فأمره بقتاله، قال: فكيف بنا؟ قال: «إن قتلك فأنت في الجنة، وإن قتلته فهو في النار» (5).
3- إذا استنفر ولي الأمر قومًا لزمهم النفير، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38) إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)} [التوبة: 38- 39].
ثم إن الفقهاء فرقوا بين نوعين من الجهاد سموها: جهاد الدفع، أي دفع الكفار عن بلاد الإسلام؛ وذلك إذا احتلوا شيئًا منها، وجهاد الطلب، أي طلب الكفار من بلادهم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فيجب التفريق بين دفع الصائل الكافر، وبين طلبه في بلاده (6).
قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216].
قال ابن كثير: هذا إيجاب من الله تعالى للجهاد على المسلمين: أن يكفوا شر الأعداء عن حوزة الإسلام (7).
إن القتال في سبيل الله فريضة شاقة؛ ولكنها فريضة واجبة الأداء، واجبة الأداء لأن فيها خيرًا كثيرًا للفرد المسلم، وللجماعة المسلمة، وللبشرية كلها، وللحق والخير والصلاح (8).
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزّىً لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156) وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ (158)} [آل عمران: 156- 158].
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «والذي نفسي بيده لولا أن رجالًا من المؤمنين لا تطيب أنفسهم أن يتخلفوا عني، ولا أجد ما أحملهم عليه ما تخلفت عن سرية تغزو في سبيل الله، والذي نفسي بيده لوددت أني أقتل في سبيل الله، ثم أحيا، ثم أقتل، ثم أحيا، ثم أقتل، ثم أحيا، ثم أقتل» (9).
عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده لا يكلم أحد في سبيل الله، والله أعلم بمن يكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة، واللون لون الدم، والريح ريح المسك» (10)، الكلم: الجرح، ويكلم: يجرح.
عن زيد بن خالد رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من جهز غازيًا في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازيًا في سبيل الله بخير فقد غزا» (11).
عن سهل بن حنيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من سأل الله الشهادة بصدق، بلغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه» (12).
عن المقدام بن معدي كرب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في أول دفعة، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقاربه» (13).
عن ابن عمر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم» (14).
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من مات ولم يغز، ولم يحدث به نفسه، مات على شعبة من النفاق» (15).
كل هذه النصوص يؤكد ويبين لنا أهمية ومنزلة من يجاهد في سبيل الله فيبذل النفس والنفيس والمقابل أفضل بكثير والله ذو الفضل العظيم.
ومِن أنواع الجهاد المفروض على المسلم ومراتبه: الجهاد باللسان، وذلك بالدعوة إلى الإسلام وبيان محاسنه، وإبلاغ رسالته، بلسان الأمم المدعوَّة ليبيِّن لهم، وإقامة الحُجَّة على المخالفين بالمنطق العلمي الرصين، والردُّ على أباطيل خصومه، ودفع الشبهات التي يثيرونها ضدَّه، كل إنسان بما يقدر عليه.
ذلك أن الله تعالى امتنَّ على الإنسان بتعليمه البيان: {الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)} [الرحمن: 1- 4]، والبيان منه النُطقي، كما قال تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9)} [البلد: 8- 9]، ومنه البيان الخطِّي.
ولهذا يدخل في جهاد اللسان: جهاد القلم أيضًا، فالقلم أحد اللسانين، كما قال العرب، وقد أقسم الله تعالى بالقلم في كتابه بقوله: {نْ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} [القلم: 1]، وقال: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4)} [العلق: 3- 4]، وقلم عصرنا هو: المطبعة وما تفرَّع عنها، من هذا الحاسوب "الكمبيوتر"، وكل ما يصنع الكلمة المكتوبة، مثل شبكة الإنترنت، أو المحتوى المرئي المشاهد، عبر وسائل التواصل عن طريق الهواتف النقالة.
وقد قال تعالى في سورة الفرقان خطابًا لرسوله: {فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا} [الفرقان: 52]، جاهدهم به: أي بالقرآن، فاعتبر الجهاد بالبيان والقرآن جهادًا، بل جهادًا كبيرًا، وعن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم» (16).
قد كان الشعر سلاح من الأسلحة التي استعملها النبي صلى الله عليه وسلم في المعركة مع المشركين، بل وغيره من الصحابة والتابعين، وعلى مر التاريخ والأزمان رأينا الشعراء الذي يلهبون حماسة الناس ويفلون عزيمة الأعداء بكلمات كانت أوقع على النفوس من النبال، وأخطر من الألغام والمتفجرات.
وعن كعب بن مالك- وكان من شعراء النبي صلى الله عليه وسلم- أنه قال: يا رسول الله ما ترى في الشعر؟ قال: «إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه، والذي نفسي بيده، لكأنما تنضحونهم بالنبل» (17)، أي كأنكم بشعركم ترمونهم بالنبل، وعن البَرَاء، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لحسَّان: «اهجُهُمْ- أو هاجهم- وجبريل معك» (18).
وقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أجِب عني، اللهم أيِّده برُوح القُدُس» (19)، وعن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يضع لحسان المنبر في المسجد، فيقوم عليه قائمًا، يهجو الذين كانوا يهجون النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله: «إن رُوح القُدُس مع حسَّان، ما دام ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم» (20).
ولقد استثنى القرآن من الشعراء المذمومين: فئة منهم وصفهم الله بأربع صفات جعلتهم من أهل الخير والصلاح، وذلك في قوله تعالى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (226) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227)} [الشعراء: 224- 227].
لقد كان الشعر سلاحًا في المعركة مع المشركين، الذين لم يألوا جهدًا في توظيف كل طاقاتهم لحرب دعوة الإسلام.
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم أبصر منهم وأهدى وأقدر في توظيف هذه القوى والقدرات بما يخدم أهداف الدعوة، ويحقِّق النصر على الأعداء.
وكان هذا كلُّه جزءًا مما يسمُّونه الآن: "الحرب الإعلامية"، وهي حرب سلاحها الكلمة، مقروءة أو مسموعة أو مشاهدة، وهو سلاح له خطره وتأثيره النفسي على العدو، سواء على الجيش المقاتِل أم على الجبهة الداخلية.
ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحسب حساب الحملات الإعلامية التي يثيرها المشركون، لتشويه صورة الدعوة وصاحبها؛ ولهذا حين اقترح عليه بعض الصحابة أن يستريح من المنافقين الأشرار، أمثال عبد الله بن أُبَيٍّ ومَن يشابهه بقتلهم، قال: «أخشى أن يتحدث الناس: أن محمدًا يقتل أصحابه» (21)، ومعنى هذا: أنه خشي من آثار الحملة الإعلامية المضادَّة والمضلِّلة، التي تنتهز أي حدث للتشكيك والتشويش؛ وهذا يدلنا على مدى خطورة الإعلام وتأثيره.
الجهاد بالقلم واللسان الجهاد الإعلامي الفكري:
كما أن الجهاد بالقلم، واللسان من خلال الكتب والمقالات، والوسائل الإعلامية المختلفة المرئية والمسموعة والمقروءة لا يقل أهمية عن الجهاد بالسيف، فالعالم الإسلامي يعاني منذ فترة ليست قصيرة من الغزو الثقافي والفكري، والاجتماعي والاقتصادي، والسياسي، من قبل أعداء الإسلام، بجميع تياراتهم الغربية والشرقية، وقد نجحوا في ذلك وتغلغلوا في أخطر المؤسسات حساسية، فلا تزال آثار هذا الغزو الفكري جاثمة على صدورنا.
ومن هنا فالجهاد في هذا المضمار، وصد هذا العدوان الفكري على أصالتنا وتوضيح الفكر الإسلامي الوسط العدل الواضح الحنفية السمحة الصالح لكل زمان ومكان من جهاد الدفع الذي هو فرض عين على كل من يملك القدرة على ذلك، بحيث يقوم العلماء والمفكرون، برد الشبهات، فتوضيح الأفكار الإسلامية في جميع الميادين التربوية والاجتماعية، والاقتصادية والسياسية والنفسية، ونحوها، قد يكون ذلك أهم خطرًا، وأعمق أثرًا، قال ابن تيمية: (فيجب الجهاد بغاية ما يمكنه)، قال البهوتي: ومنه هجو الكفار كما كان حسان يفعله (22).
فالجهاد الإعلامي، وخاصة في عصرنا من أهم أنواع الجهاد، وأخطره، ولم تسيطر اليهود على العالم إلا من خلال المال والإعلام والفكر.
لذلك فمفهوم الجهاد في الإسلام واسع جدًا يشمل كل جهد يبذل في سبيل رفعة الإسلام، ونصرته، وتأييد شريعته، ونشر دعوته، ورد الأعداء وإفشال مخططاتهم العسكرية، أو السياسية، أو الاقتصادية، أو التربوية، أو الاجتماعية، أو الفكرية، وإنما يتم بجميع الوسائل المتاحة المشروعة.
كل ذلك في نظر الإسلام جهاد، وقد سبق ما أوردناه من الأدلة المعتبرة الدالة على شموليته لكل هذه الأنواع، وعلى الأمة الإسلامية أن تكون أمة مجاهدة في جميع المجالات المادية والمعنوية حتى تكون قادرة على النهوض، وعلى تعمير الكون على ضوء منهج الله، وتطهير المجتمع الإنساني من الكفر، والفساد، حتى تعم الرحمة، وتنتفي الفتنة، ويكون الدين كله لله تعالى.
ثم إن لكل نوع من أنواع الجهاد وسائله الخاصة لأدائه على أتم وجه، وأكمل صورة، فوسيلة الجهاد العسكري القوة المادية والإعداد المادي، والصناعة العسكرية المتطورة، والأسلحة المتطورة إضافة إلى قوة الجانب الروحي والمعنويات القوية، وأما وسائل الجهاد الفكري فتكمن في الثقافة الواسعة، والإعداد العلمي بالإضافة إلى الاستعداد، والمواهب الشخصية، والقدرات الذهنية، ثم الوسائل المعبرة عن ذلك من خلال الكتب والأبحاث والمقالات، ووسائل الإعلام المختلفة المرئية والمقروءة والمسموعة وهكذا...
وقد أشار النبي الكريم صلى الله عليه وسلم إلى هذا التوسع في وسائل الجهاد فقال: «جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم» (23)، بل عدّ صلى الله عليه وسلم الجهاد بالكلمة من أعظم الجهاد، كما رأينا أن المفسرين فسروا قوله تعالى: {وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا} بجهاد الحجة والبيان والبرهان.
والواقع أن التكامل لأية أمة إنما يتحقق إذا أخذت بجميع وسائل الجهاد المختلفة المادية والمعنوية، والعسكرية والعلمية والتكنولوجية، ومن هنا نرى عظمة الإسلام حيث اختار هذه الكلمة الجهاد التي تشمل كل هذه الأنواع، وهي نفسها التي اشتقت منها كلمة الاجتهاد التي تعني قمة التطور الفكري الذي يتكون لصاحبه القدرة على الاستنباط والاستخراج، والإبداع في شتى أنواع العلوم المختلفة، وبهذين الأمر معًا يتم تعمير الكون على ضوء منهج الله تعالى، وتعم رحمته للعالمين أجمعين.
من صور الجهاد باللسان والبيان في عصرنا:
والجهاد باللسان والبيان في عصرنا يتخذ صُورًا عدة؛ منها: البيان الشفهي بالخطب والدروس والمحاضرات، التي تخاطب الناس بألسنتهم لتبيِّن لهم، وتخاطبهم على قدر عقولهم.
ومنها: البيان التحريري، المكتوب باللغات المختلفة لتبليغ رسالة الإسلام إليهم، عن طريق الكتب والرسائل والنشرات والبحوث والمقالات، التي تخاطب الناس على مستويات شتَّى، كل بما يليق به.
وهذا البيان بنوعيه الشفهي والتحريري؛ يحقق معنى الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، التي أمر الله تعالى بها في كتابه، إذ قال: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل: 125].
وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم رسائل مكتوبة إلى كسرى وقيصر وغيرهما من القادة، بل القرآن نفسه رسالة مكتوبة من الله عز وجل إلى خَلقه؛ ولذا سُمِّي "كتابًا"؛ لأنه يكتب، كما سُمِّي "قرآنًا"؛ لأنه يُقرأ.
ومنها: البيان عن طريق الحوار، وهو المأمور به في قوله تعالى: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125]، {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [العنكبوت: 46]، ويشمل هذا ما يُسمَّى اليوم "حوار الأديان" أو "حوار الحضارات"، وهو جزء من الجدال بالتي هي أحسن، الذي أُمرنا به.
وقد أصبح الإعلام في عصرنا من أنجع الوسائل- إن لم يكن أنجعها- في تبليغ الدعوة، عن طريق "الإذاعات الموجَّهة" بلغات مختلفة، وعن طريق "القنوات الفضائية" التي باتت تعدُّ من أعظم آليات الغزو الفكري والدعوة في عصرنا.
ومِن الوسائل المهمة في "الجهاد البياني" أو "الجهاد الدعوي" و"التعليمي" في عصرنا: شبكة المعلومات العالمية المعروفة بـ"الإنترنت"، والتي يتَّسع نطاقها يومًا بعد يوم، ويُقبل الناس على الاستفادة والتعلُّم منها من شرق وغرب بعشرات الملايين ومئات الملايين، وأعتقد أن هذا الجهاد هو الجهاد الأهم والأخطر في عصرنا، وهو الذي يحتاج إلى تجنيد الجنود، وتعبئة الجهود، وإزالة السدود، ليقوم بدوره المنشود، في هذا العصر.
إنَّ الجهاد بالكلمةِ من أعظم أنواع الجهادِ في سبيل الله، فلقد صح عن طارق بن شهاب، أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد وضع رجله في الغرز: أي الجهاد أفضل؟ قال: «كلمةُ حقٍّ عند سلطانٍ جائرٍ» (24).
إنك لو نظرت في حياة الأنبياء والمرسلين عليهم السلام لرأيت عددًا كبيرًا منهم لم يحاربْ؛ إنَّ إبراهيم الخليل عليه السلام لم يحارب قومَه بالسيف ولم يقاتلهم أبدًا، فهل تراه لم يكن من المجاهدين؟ وقُلْ مثل هذا في نوحٍ، وعيسى، ولوطٍ، وشعيبٍ، ويحيى عليهم السلام، لم يحاربْ أحدٌ منهم قومَه، فهل تجترئ على القولِ: إنَّهم عليهم السلام لم يكونوا مجاهدين؟! لا والله، لقد كانوا شيوخَ المجاهدين وقادَتهم وقدوتَهم، لقد جاهدوا أعظمَ الجهادِ، وصدعوا بكلمة الحقِّ في وجه الطُّغاة المتجبرين، ونشروا دينَ الله عزَّ وجلَّ في الخافقين، وصبَروا على أذى العُتاة المجرمين.
من جميل ما استدلَّ به العلماء على أنَّ الجهادَ لا يكون بالسَّيف فحسب قولُه تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ} [التوبة: 7]، قال ابن القيم رحمه الله: لم يكنِ المنافقون يقاتلون المسلمينَ، بل كانوا معهم في الظَّاهرِ، وربَّما كانوا يقاتلون عدوَّهم معهم، ومعَ هذا قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ}، ومعلوم أنَّ جهادَ المنافقين بالحجَّةِ والقرآنِ.
والمقصودُ أنَّ {سبيلَ الله} هي: الجهادُ، وطلبُ العلمِ، ودعوةُ الخلقِ به إلى الله، ولهذا قال معاذ رضى الله عنه: عليكم بطلبِ العلمِ؛ فإنَّ تعلُّمَه لله خشيةٌ، ومدارستَه عبادةٌ، ومذاكرتَه تسبيحٌ، والبحثَ عنه جهادٌ (25).
ألم تقرأ قول الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [التوبة: 20]، وتأمَّل في كلام ربِّنا لقد قدم الجهاد بالمالِ على الجهاد بالنفس، إنَّ الذي يسخر أموالَه لنشر دعوة الله عز وجل في ربوع المعمورة داخلٌ في المجاهدين في سبيل بأموالهم، وأي جهاد أعظم من ذلك؟ إن جهاد من ينتسبون إلى الإسلام ويطعنون فيه في خفاء، ويلبسون على عامة المسلمين دينهم؛ لهو من أعظم الجهاد في سبيل الله. إن جهاد الكافرين الذين يقذفون بشبهاتهم على الإسلام يريدون هدمَه بكل سبيل ممكن، ويدسون في دين الله سمومهم؛ لهو من أعظم الجهاد في سبيل الله.
كان ابن القيم رحمه الله يقول: وتبليغ سنته إلى الأمة أفضل من تبليغ السهام إلى نحور العدو، لأن تبليغ السهام يفعله كثير من الناس، وأما تبليغ السنن فلا يقوم به إلا ورثة الأنبياء وخلفاؤهم في أممهم، جعلنا الله تعالى منهم بمنه وكرمه (26).
مفهوم الحرب الإعلامية:
الحرب الإعلامية: هي عبارة عن بث الأفكار والإشاعات والمعلومات الخاطئة والمغلوطة وغير الحقيقية بين الناس من خلال الفضائيات والإذاعات والإنترنت والجرائد بهدف تغيير وجهات النظر وتسييرها باتجاه ما هو مطلوب منها وتحقيق التضليل الإعلامي، والتلاعب بالرأي، والوعي العام وسلوك المواطنين.
وتعد الحرب الإعلامية من أخطر أنواع الحروب؛ نظرًا لتأثيرها في نفسية متلقي المعلومة وعمل غسيل دماغ لها لما يؤمن ويقتنع بها، مما يجعله يغير الواقع اتباعًا لما تلقى وترسّخ في عقله، كما أنها تعد حربًا باردة لا يمكن التنبؤ بنتائجها ونهاياتها، وفي بعض الحالات لا يمكن معرفة المسؤول عنها.
منفذو هذه الحرب يختفون وراء الإعلام كالصحافة أو القنوات الفضائية أو "الانترنت"، ووسائل الإعلام المختلفة، أو متسترون بغطاء عن طريق منصب سياسي أو ديني إلى غير ذلك من الأمور التي تشير إلى أنها حرب ليست وجهًا لوجه، إنك تدرك خطر القنابل والمدافع وتحمي نفسك منها لكن الحرب النفسية تتسلل لنفسك دون أن تدري.
-------------
(1) أخرجه ابن حبان (4708).
(2) المقدمات الممهدات (ص: 330- 331).
(3) أخرجه البخاري (2766)، ومسلم (89).
(4) الفتاوى الكبرى لابن تيمية (5/ 538).
(5) أخرجه أحمد (15486).
(6) الفتاوى الكبرى لابن تيمية (5/ 538).
(7) تفسير ابن كثير (1/ 572).
(8) في ظلال القرآن (1/ 223).
(9) أخرجه البخاري (2797).
(10) أخرجه البخاري (2803)، ومسلم (1876).
(11) أخرجه البخاري (2843)، ومسلم (1895).
(12) أخرجه مسلم (1909).
(13) أخرجه الترمذي (1663).
(14) أخرجه أبو داود (3462).
(15) أخرجه مسلم (1910).
(16) أخرجه أبو داود (2504).
(17) أخرجه ابن حبان (4707).
(18) أخرجه البخاري (3213)، ومسلم (2486).
(19) أخرجه البخاري (3212)، ومسلم (2485).
(20) أخرجه أبو داود (5015).
(21) أخرجه البخاري (4905)، ومسلم (2584).
(22) كشاف القناع عن متن الإقناع (3/ 36).
(23) سبق تخريجه.
(24) أخرجه أحمد (18830).
(25) تفسير الرازي (2/ 409).
(26) التفسير القيم (ص: 467).