الجدال في الله بغير علم
المجادلة المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة، وأصله من جدلتُ الحبلَ إذا أحكمت فتله، كأن المجادلين يفتل كل منهما الآخر عن رأيه.
والجدال في الله، سواء في وجوده تعالى، أو في وحدانيته، أو في قدرته، أو في علمه، أو في صفة ما من صفاته، أو في آياته...، الجدال في شيء من هذا يبدو عجيبًا من ذي عقل وقلب.
فعن عبد الله بن صحار العبدي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى جبار يدعوه إلى الله عز وجل، فقال: «أرأيتم ربكم هذا، أذَهَب هو أم فضة هو؟ ألؤلؤ هو؟ أَسَرَقة هو؟»، قال: «فبينما هو كذلك يجادله إذ بعث الله سبحانه سحابة فرعدت وبرقت، وأرسلت عليه صاعقة فقتلته، فأنزل الله عز وجل: {وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} [الرعد:13]»(1).
قال تعالى: {وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} [الرعد:13]، وقوله تعالى: {الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} [غافر:35]، {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ (69) الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70)} [غافر:69-70]، {وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ} [الشورى:35].
والمجادلة إنما تكون في الشئون والأحوال، فتعليق اسم الجلالة المجرور بفعل يجادلون يتعين أن يكون على تقدير مضاف تدل عليه القرينة؛ أي في توحيد الله أو في قدرته على البعث.
ومن جَدَلِهم ما حكاه قوله: {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77) وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78)} [يس:77-78](2).
يجادلون في قدرة الله تعالى على إعادتهم في البعث كما بدأهم، ويجادلون في الله فيحسبون أن الأحجار تعبد لأنها تكون شفيعة عنده، ويجادلون في قدرتها فيحسبون أن لها قدرة مع قدرته سبحانه وتعالى، وغير ذلك من الأوهام الفاسدة التي يثيرونها حول الذات العلية، والجدل من جَدَل الحبلَ إذا فتله فتلًا شديدًا ليحمل به الأشياء الثقيلة، ويشد عليها، واستعمالها هنا بمعنى فتل الحجة الباطلة، يريدون أن يعتمدوا تفكيرهم الفاسد، ووهمهم الباطل عليها، {وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} [الكهف:54](3).
ويا ليته كان جدالًا عن علم ومعرفة ويقين، ولكنه جدال {بِغَيْرِ عِلْمٍ} جدال التطاول المجرد من الدليل، جدال الضلال الناشئ من اتباع الشيطان، فهذا الصنف من الناس يجادل في الله بالهوى: {وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ} عات مخالف للحق متبجح، {كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ} فهو حتم مقدور أن يضل تابعه عن الهدى والصواب، وأن يقوده إلى عذاب السعير، ويتهكم التعبير فيسمي قيادته أتباعه إلى عذاب السعير هداية؛ {وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ}، فيا لها من هداية هي الضلال المهلك المبيد!(4).
فقوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ (3) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (4)} [الحج:3-4]، يقول تعالى ذامًا لمن كذب بالبعث، وأنكر قدرة الله على إحياء الموتى، معرضًا عما أنزل الله على أنبيائه، متبعًا في قوله وإنكاره وكفره كل شيطان مريد، من الإنس والجن، وهذا حال أهل الضلال والبدع، المعرضين عن الحق، المتبعين للباطل، يتركون ما أنزله الله على رسوله من الحق المبين، ويتبعون أقوال رءوس الضلالة، الدعاة إلى البدع بالأهواء والآراء، ولهذا قال في شأنهم وأشباههم: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ}؛ أي: علم صحيح، أي: بلا عقل صحيح، ولا نقل صحيح صريح؛ بل بمجرد الرأي والهوى.
{فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ}؛ أي: يضله في الدنيا ويقوده في الآخرة إلى عذاب السعير، وهو الحار المؤلم المزعج المقلق(5).
وأسبغ عليهم نعمه الظاهرة والباطنة، من إرسال الرسل، وإنزال الكتب، وإزاحة الشبه والعلل، ثم مع هذا كله ما آمن الناس كلهم؛ بل منهم من يجادل في الله؛ أي: في توحيده وإرسال الرسل، ومجادلته في ذلك بغير علم، ولا مستند من حجة صحيحة، ولا كتاب مأثور صحيح(6).
إنهم طائفة وفرقة من الناس، سلكوا طريق الضلال، وجعلوا يجادلون بالباطل الحق، يريدون إحقاق الباطل وإبطال الحق، والحال أنهم في غاية الجهل، ما عندهم من العلم شيء، وغاية ما عندهم، تقليد أئمة الضلال، من كل شيطان مريد، متمرد على الله وعلى رسله، معاند لهم، قد شاق الله ورسوله، وصار من الأئمة الذين يدعون إلى النار.
فهذا الذي يجادل في الله، قد جمع بين ضلاله بنفسه، وتصديه إلى إضلال الناس، وهو متبع، ومقلد لكل شيطان مريد، ظلمات بعضها فوق بعض، ويدخل في هذا جمهور أهل الكفر والبدع، فإن أكثرهم مقلدة، يجادلون بغير علم(7).
والجدال في الله بعد تلك الدلائل يبدو غريبًا مستنكرًا، فكيف إذا كان جدالًا بغير علم، لا يستند إلى دليل، ولا يقوم على معرفة، ولا يستمد من كتاب ينير القلب والعقل، ويوضح الحق، ويهدي إلى اليقين.
والتعبير يرسم صورة لهذا الصنف من الناس، صورة فيها الكبر المتعجرف: {ثَانِيَ عِطْفِهِ} مائلًا مزورًا بجنبه.
فهو لا يستند إلى حق فيعوض عن هذا بالعجرفة والكبر، {لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ} فلا يكتفي بأن يضل، إنما يحمل غيره على الضلال(8).
هنالك من ينكر، وهنالك من يجادل في آيات الله، وهنالك من يجادل بالباطل ليدحض به الحق، ولكن أحدًا من هؤلاء لا يجادل إلا عن التواء أو غرض أو كبر أو مغالطة لغايةٍ أخرى غير الحقيقة.
هنالك من يجادل لأنه طاغية؛ كفرعون وأمثاله، يخشى على ملكه، ويخشى على عرشه؛ لأن هذا العرش يقوم على أساطير يذهب بها الحق، الذي يثبت بثبوت حقيقة الألوهية الواحدة!
وهنالك من يجادل لأنه صاحب مذهب في الحكم؛ كالشيوعية، يتحطم إذا ثبتت حقيقة العقيدة السماوية في نفوس البشر؛ لأنه يريد أن يلصق الناس بالأرض، وأن يعلق قلوبهم بمَعِداتهم وشهوات أجسادهم، وأن يفرغها من عبادة الله لتعبد المذهب أو تعبد الزعيم!
وهنالك من يجادل لأنه ابتلي بسيطرة رجال الدين، كما وقع في تاريخ الكنيسة في العصور الوسطى، ومن ثم فهو يريد الخلاص من هذه السيطرة، فيشتط فيرد على الكنيسة إلهها، الذي تستعبد باسمه الناس، وهنالك أسباب وأسباب، غير أن منطق الفطرة ينفر من هذا الجدال، ويقر بالحقيقة الثابتة في ضمير الوجود، والتي تنطق بها آيات الله بعد كل جدال(9).
قال شيخ الإسلام: «وكل من جادل في الله بغير هدى ولا كتاب منير، فقد جادل بغير علم أيضًا، فنفي العلم يقتضي نفي كل ما يكون علمًا بأي طريق حصل، وذلك ينفي أن يكون مجادلًا بهدًى أو كتاب منير، ولكن هذه حال الضال المتبع لمن يضله، فلم يحتج إلى تفصيل، فبين أنه يجادل بغير علم ويتبع كل شيطان مريد، كتب على ذلك الشيطان أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير.
وهذه حال مقلد أئمة الضلال بين أهل الكتاب وأهل البدع، فإنهم يجادلون في الله بغير علم، ويتبعون من شياطين الجن والإنس من يضلهم»(10).
والعلم: هو ما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم، وهو السلطان، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ} [غافر:56]، فمن تكلم في الدين بغير ما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم كان متكلمًا بغير علم، ومن تولاه الشيطان فإنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير، ومن انقاد لدين الله فقد عبد الله باليقين؛ بل إن أصابه ما يهواه استمر، وإن أصابه ما يخالف هواه رجع(11).
فإن قيل فما الفرق بين الصنف الأول، الذي يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد، والصنف الثاني، الذي يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير، كما ذكرهم سبحانه صنفين؟
قيل: قد ذكر سبحانه ثلاثة أصناف: صنفًا يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد، مكتوبًا عليه إضلال من تولاه، وهذه حال المتبع لأهل الضلال.
وصنفًا يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير، ثاني عطفه ليضل عن سبيله، وهذه حال المتبوع المستكبر الصاد عن سبيل الله.
فالأول حال الأتباع، والثاني حال المتبوعين.
ثم ذكر حال من يعبد الله على حرف؛ وهذه حال المتبع لهواه، الذي إن حصل له ما يهواه من الدنيا عبد الله، وإن أصابه ما يمتحن به في دنياه ارتد عن دينه، وهذه حال من كان مريضًا في إرادته وقصده، وهي حال أهل الشهوات والأهواء؛ ولهذا ذكر ذلك في العبادة، فأصلها القصد والإرادة، وأما الأولان فحال الضال والمضل، وذلك مرض في العلم والمعرفة، وهي حال أهل الشبهات والنظر الفاسد والجدال بالباطل، والله سبحانه يحب البصر الناقد عند ورود الشبهات، ويحب العقل الكامل عند حلول الشهوات، ولا صلاح للعبد إلا بمعرفة الحق وقصده، كما قال تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)} [الفاتحة:6-7].
فمن لم يعرف الحق كان ضالًا، ومن عرفه ولم يتبعه كان مغضوبًا عليه، ومن عرفه واتبعه فقد هدي إلى الصراط المستقيم، وأول الشر الضلال، ومنتهاه الغضب، كما أن أول الخير الهدى ومنتهاه الرحمة والرضوان، فذكر سبحانه في آيات الحج ما يعرض في العلم من الضلال والإضلال، وما يعرض في الإرادة والعمل من اتباع الأهواء، كما جمع بينهما في قوله: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} [النجم:23]، فقال أولًا: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ} [الحج:3].
وهذا يتضمن الجدال فيه بغير هدًى ولا كتاب منير، فإن من جادل بغير ذلك فقد جادل بغير علم، فنفي العلم يقتضي نفي كل ما يكون علمًا بأي طريقة حصل، وذلك ينفي أن يكون مجادلًا بهدى أو كتاب منير، هذه حال الضال المتبع لمن يضله، فلم يحتج إلى تفصيل، فبين أنه يجادل بغير علم ويتبع كل شيطان مريد، كُتب على ذلك الشيطان أن من اتبعه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير، وهذه حال مقلدة أئمة الضلال من الكفار وأهل الأهواء والبدع.
ثم ذكر حال المتبوع الذي يثني عطفه تكبرًا كما قال: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا} [لقمان:7]، وذكر التفصيل في مجادلة المتبوع الداعي، وأنها في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير، واكتفى في ذكر التابع بنفي العلم المستلزم لنفي هذه الثلاثة، فإن مجادلة المتبوع أصل، وهو أقعد بها من مجادلة التابع ومصدرها كبر، ومصدر مجادلة التابع ضلال وتقليد، فذكر حال المتبوع على التفصيل، ولهذا ذكر فساد قصده وعلمه، وذكر من عقوبته أشد مما ذكر من عقوبة التابع، وهذا وأمثاله من أسرار القرآن التي حرمها الله على من عارض بينه وبين العقل وقدم العقل عليه(12).
عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما ضلّ قومٌ بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل»، ثم تلا: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف:58](13).
وقد ضَمِنَ النبي صلى الله عليه وسلم بيتًا في الجنة لمن ترك الجدال بالباطل من أجل الله عز وجل، فقال عليه الصلاة والسلام: «أنا زعيم ببيتٍ في رَبَضِ الجنة لمن ترك المراء وإن كان مُحقًا، وببيتٍ في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحًا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خُلُقه»(14).
والمجادلة في الله بغير علم لا تجوز، سواء كان في وجود الله، في أسمائه، في صفاته، في شرعه، في أي أمر من شرعه، المجادلة بغير علم لا تجوز، لكن نلحظ في الموضع الأول أن فيها اتباع أئمة الضلال، مجادلة بسبب اتباع أئمة الضلال، قال تعالى: {وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ} فهي مجادلة كان المحرِّك لها والداعي لها اتباع أئمة الضلال.
والموضع الثاني كانت المجادلة الداعي لها هو الصد عن الإسلام، وكلاهما سيء، فالأول يجادل متابعة لأئمة الضلال من شياطين الإنس والجن، والثاني يجادل بغير علم ليصدّ الناس عن الإسلام.
وهذه قضية مهمة، خصوصًا في عصرنا الحاضر، فيما تسمى بعولمة الثقافة، حينما دخلت على المسلمين ثقافة الأمم، وأصبح، وللأسف، بعض المسلمين ربما يتكلم في قضايا لا دليل له عليها.
الفارق بين الذي يجادل بعلم والذي يجادل بغير علم هو الهوى؛ فمن كان طلبه الحق ويبحث عن الحق فهذا الغالب أنه يبحث عن العلم والدليل، لكن الذي يتبع الهوى فالغالب أنه يحيد عن العلم؛ لأنه يريد أن يسير على ما يهواه.
ولذلك كانت هذه الإشارة في هذه السورة فيها لفتة عجيبة في هذا الجانب، وإن كنت ألمس من هذه الآية أن العُدَّة في الجدال هو العلم أو الهدى أو الكتاب الموثوق، أما الدعاوى والفلسفات لا تعتبر مما يستدل به(15).
يجادل في الربا أو يجادل في شرب الخمر، ويجادل في تأخير الصلاة، أو في وجوب أو فرضية الصلاة, يجادل في الله.
يحارب الدين باسم الدين أو العقل، ويجادل لنصرة الباطل وإعلائه باسم الدين أو العقل أيضًا, يتزيا بزي العلماء وسيماهم، ويتصدر المجالس ليهدم الكتاب والسنة بلسان سلط وأسلوب فج.
يتصدرون المشاهد، ويفسح الطغاة والظالمون لهم الطريق للتأثير على الجماهير، وتُكْتَم أفواه من يحاولون إصلاح ما أفسدوا، أو يتم التشويش على أصوات المصلحين؛ حتى لا تصل ردودهم، وحتى ينتشر باطل هؤلاء المجادلين.
وقريب منهم أهل التعصب والهوى، الذين يجادلون لنصرة من يتعصبون له، بغض النظر عن كون ما يتعصبون له على حق أو باطل(16).
***
____________
(1) مكارم الأخلاق، للخرائطي، ص332.
(2) التحرير والتنوير (13/ 106).
(3) زهرة التفاسير (7/ 3915).
(4) في ظلال القرآن (4/ 2408).
(5) تفسير ابن كثير (5/ 394)، بتصرف.
(6) المصدر السابق (6/ 347).
(7) تيسير الكريم الرحمن، ص533.
(8) في ظلال القرآن (4/ 2411).
(9) المصدر السابق (5/ 3101).
(10) درء تعارض العقل والنقل (5/ 265).
(11) مجموع الفتاوى (28/ 39).
(12) الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة (3/ 1089-1090).
(13) أخرجه الترمذي (3253).
(14) أخرجه أبو داود (4800).
(15) أرشيف ملتقى أهل التفسير، الموسوعة الشاملة.
(16) مع القرآن- يجادل في الله بغير علم، موقع: طريق الإسلام.