التربية الاقتصادية للأبناء
إن جوانب التربية لدى الفرد متنوعة؛ فهناك التربية الإيمانية، والاجتماعية، والبدنية، والنفسية، والأخلاقية، والثقافية، ولكن قد لا نجد للتربية الاقتصادية ذلك الاهتمام المطلوب من الوالدين، مع العلم أنك تجد المؤلفين في كتب الفقه يقسمون الكتاب إلى قسمين: الأول: العبادات، والثاني: المعاملات.
ومع حرصنا على الجانب الأول، وهو العبادات، إلا أن الكثير من الأسر تغفل تنمية الثقافة الاقتصادية لدى أبنائها في وقت مبكر من العمر.
من هذا المنطلق كان لا بد من الحديث عن أهمية موضوع التربية الاقتصادية؛ وذلك لعدة أسباب، أهمها حاجة الإنسان إلى جميع أشكال التربية؛ حتى يحقق التكامل التربوي في حياته، ومنها التربية الاقتصادية، فأي خلل بواحدة منها سيؤثر سلبًا على واقع حياته، ولا بد للشخصية الإسلامية من تعلم العقيدة والشريعة، وكذلك العبادات والمعاملات، والذي نقصده هنا التربية الاقتصادية.
بل إن من مقاصد الشريعة الإسلامية حفظ المال؛ فالإنسان يسعى في طلب الرزق، والشريعة أباحت المعاملات والمبادلات والتجارة وغيرها، وللحفاظ عليه حرمت السرقة، والغش، والخيانة، وأكل أموال الناس بالباطل، وسنت عقوبات لذلك.
وهذا المقصد لا يتحقق لأبنائنا إلا عن طريق التربية الاقتصادية، وبذلك يتضح أن موضوع التربية الاقتصادية ليس موضوعًا هامشيًا، أو موضوعًا يتحدث عنه لمجرد المال؛ بل هو من الأمور المسلَّمة الواضحة في هذا الدين، ولا بد من غرس هذا الموضوع في نفوس الناشئة(1).
التربية الاقتصادية تعلم النشء الاعتماد على النفس، وتحمل المسئولية، وفهم الحياة، وفقه الواقع، والنضج المعرفي، والخبرة في التعامل مع الناس.
سلوكيات اقتصادية يجب الالتزام بها داخل الأسرة:
1- تحري الحلال:
بمعنى أن الرجل والمرأة والأولاد يتعاملون وفقًا لشرع الله، فتربية الأولاد منذ الصغر: هذا حلال وهذا حرام؛ أي يجب أن يعرفوا الحلال فيتبعوه، والحرام فيجتنبوه؛ لأن المسلم الحق هو الذي لا يأكل إلا من الحلال، ولا يشرب إلا من الحلال، ولا يلبس إلا من الحلال، ولقد أوجب القرآن ذلك فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30)} [النساء:29-30].
عن أنس رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم وجد تمرة فى الطريق فقال: "لولا أنى أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها"(2).
فيُربَّى الأولاد على أن إيداع الأموال في البنوك الإسلامية حلال، وإيداعها في المصارف الربوية حرام، ويربى على أن الأصل في الهدايا أنها حلال، وأن أخذ الرشوة حرام،... الخ، فأول بند في الدستور الاقتصادي الإسلامي للأسرة هو تحري الحلال.
وعلى المسلم أن يتحرى الحلال في أي عمل يقوم به، فمن رُزِق مالًا حلالًا فقد حباه الله بنعم عظيمة، وآتاه فضلًا كبيرًا، قال صلى الله عليه وسلم: "أربع إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا: حفظ أمانة، وصدق حديث، وحسن خليقة، وعفة في طُعْمَة"(3).
2 - التعامل بالطيبات:
قال تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ}[الأعراف:157]، فالزوج لا يعمل إلا في مجال الطيبات، ولا يشتري إلا الطيبات، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحًا إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}،وقال:{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ}،ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، ومطعمه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، فأنى يستجاب لذلك"(4).
ويعلم الأولاد أن هذا طيب نشتريه، وهذا خبيث لا نشتريه، فمثلًا التدخين؛ نربي أولادنا منذ الصغر أنه من الخبائث، وكذلك الخمر، ولحم الخنزير، وما في حكمهما، وهكذا.
3 - الالتزام بفقه الأولويات:
وأعني بفقه الأولويات أن هناك ضروريات بدونها يهلك الإنسان، وهناك حاجات بدونها تصبح الحياة شاقة، وهناك كماليات يمكن للأسرة أن تستغني عنها؛ وبالتالي فلا يجوز للزوج أن يشتري الكماليات وعنده عجز في الضروريات والحاجيات، ولا يجوز للزوجة أن تنفق الأموال في الكماليات وعندها عجز في الضروريات والحاجيات.
والتعامل في البيت المسلم بـ (فقه الأولويات) من خلال تنظيم الحاجيات، فنجد الضرورات أولًا؛ حيث لا تقوم الحياة إلا بها؛ مثل: المأكل والمشرب، والصحة والأمن، والتعليم والملبس، ثم تأتي ثانيًا الحاجيات؛ وهي ما تنفق على ما يحتاج إليه، ولا تجب إلا بعد استيفاء الضرورات، ثم ثالثًا التحسينات: وهي لا تصرف إلا بعد استيفاء الضرورات والحاجيات، ولا تجوز في المنكرات.
4 - الاعتدال في الإنفاق:
إن أهم ما يميز البيت المسلم، في قواعده المالية، الوسطية والاعتدال، فالله سبحانه وتعالى وصف الذين آمنوا بقوله: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا}[الفرقان:67]، والقوام هو الوسط: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة:143].
فسعادة أهل أي بيت ليست بكثرة الأثاث، ولا بغلاء المفروشات، وإنما سعادتهم نابعة من قلوبهم المؤمنة، ونفوسهم المطمئنة.
ولذلك يجب أن نُعَرِّف الأبناء ما هو الاعتدال وحدوده في المصروفات المختلفة، ومن ناحية أخرى عند تقدير المصروفات الشخصية للأولاد يجب عدم المغالاة فيها فوق الاعتدال؛ حتى لا نشجعهم على الإسراف، والذي يقود إلى مفاسد الأخلاق ثم الانحراف.
فالمرأة والرجل والأولاد عندما ينفقون أموالهم نقول لهم: الاعتدال في كل شيء، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "السمت الحسن، والتؤدة، والاقتصاد جزء من أربعة وعشرين جزءًا من النبوة"(5)، وبالتالي يتحقق الخير بالاقتصاد في المعيشة، لكن للأسف الشديد؛ الرجل لا يلتزم بالوسطية؛ مما يجعل ميزانية الأسرة تختل.
5 - الادخار لنوائب الدهر:
فليس كل ما تكسبه تنفقه، وليس كل ما تشتهيه تشتريه،ففي وقت الرخاء ندرب الأولاد على الادخار للمستقبل، ونزودهم بالوسائل والأساليب المشجعة على ذلك، ومن ناحية أخرى يجب أن نربيهم على القناعة والتقشف وقت الأزمات، وأن هذا كله بقدر الله سبحانه وتعالى، وَنَقُصُّ عليهم كيف كان سلوك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت الأزمات.
ألم يأن لنا أن نربي أبناءنا على السلوك الاقتصادي في الادخار؟ فالرجل لابد أن يكون قدوة في الادخار، وكذلك الزوجة، فنحن في أشد الحاجة لتربية أولادنا على الادخار.
6 - التوازن:
أقصد به السلوك الاقتصادي القائم على التوازن بين الحاضر والمستقبل، والتوازن بين الأجيال، والتوازن بين الكسب والإنفاق، قال تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} [الإسراء:29].
7 - التدوين والتوثيق:
لابد أن تدون من تقرضه بورقة؛ فيجب ألا تأخذنا العواطف إلى إهمال التدوين والتوثيق، فالله سبحانه وتعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة:282]، وفي الآية نفسها يقول سبحانه: {وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ···}.
إذًا، فمن السلوك الاقتصادي الإسلامي توثيق المعاملات الخاصة بيننا.
سلوكيات منهي عنها:
1 - الإسراف:
وهو الإنفاق فوق الحد، وهذا الإسراف يؤدي إلى مشكلات في البيت المسلم، منها الاقتراض، والإسراف ممقوت، وهو من الكبائر، فالرجل قدوة حسنة في الإنفاق لا يسرف، والمرأة قدوة حسنة كذلك، كما أنه يجب علينا عدم تدليل الأبناء وتغليب العاطفة، وعدم تعويدهم على الإسراف في كل شيء.
2 - التبذير:
وهو الإنفاق في معصية الله، فأي إنفاق فيما يخالف شرع الله فهو تبذير، فعندما يطلب الولد شيئًا محرمًا لابد أن نرفض، ونقول له: إن هذا حرام، وإنك لو فعلت ذلك تدخل النار، فمثلًا، أن نقول له: إن شراءك للسجائر حرام ومعصية، وشراءك للأفلام الهابطة وتذاكر السينما لتشاهد فيلمًا سيئًا حرام، وشراءك لشريط غنائي هابط حرام.
3 - لا اقتراض إلا لضرورة:
فلا يجوز الاقتراض للكماليات ولا للتبذير، ولا في حال الإسراف، فلو طبق الرجل ذلك أو إن اقترض فلا يقترض إلا قرضًا حسنًا، وكذلك عندما يدخر لابد أن يستثمر استثمارًا حسنًا.
4 - تجنب هوى النفس للطفل: