الانضباط الذاتي طريقك للنجاح
لا ينفك المسلم يبحث عن سبل النجاح ووسائله، بعد توفيق الله تعالى، حتى يأخذ بها ويسير على درب الناجحين، فالمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، كما علمنا نبينا صلى الله عليه وسلم، ومن أهم هذه الوسائل (الانضباط الذاتي)، وهو ما يُعَبَّر عنه في الشرع بكلمة (الاستقامة)، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت:30]، وعن أبي عمرو سفيان بن عبد الله الثقفي رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولًا لا أسأل عنه أحدًا غيرك، قال: «قل: آمنت بالله، ثم استقم» رواه مسلم في صحيحه.
ولكن ماذا نقصد بالانضباط الذاتي؟
الانضباط الذاتي هو: السمة الأولى التي تقوم عليها حياة الإنسان العملية، فبدون هذا الانضباط لا يمكن للمرء أن يحقق أي نجاح يذكر في حياته، وهو ضبط النفس أو السيطرة، كما جاء في الأثر: الجهاد الأكبر هو جهاد النفس، وقمع الذات يمثل الخطوة الأولى والأخيرة لتحقيق النجاح في الحياة؛ لأن التراجع والتهاون والتسويف من سمات الإنسان الأساسية، فترك النفس على هواها عمل مريح ومربح على المدى القصير، فإذا كنت في سهرة ممتعة، ولكن عليك أن تستيقظ غدًا لأمر هام فأنت أمام خيار ترك النفس على هواها، والاستمتاع بالمكاسب الفورية التي تحققها من هذه السهرة، أو أن تقتحم نفسك وتفرض عليها الالتزام بالواجب، وترك المتعة المؤقتة إلى ما هو أهم منها.
وإلى جانب هذه الخاصية الإنسانية هناك خاصية أخرى لا تقل عنها أهمية، وهي: الهروب من المواجهة، فالهروب من مواجهة المواقف الصعبة يعطينا راحة فورية، ولكننا سندفع الثمن باهظًا على المدى المتوسط والبعيد؛ لأن المشكلة لم تحل.
ويتبع هذا رفض قبول الواقع كما هو والتذمر منه، إذا كان عليك اتباع حمية معينة لأي سبب صحي، أو أن عليك أن تستيقظ في الصباح الباكر، أو أن تلقي خطابًا في جمع من الناس فلن يجدي الإصرار على رفض هذا الأمر، فليس أمامنا إلا قبول الواقع كما هو، فلن يتغير الكون لأنه لا يعجبنا.
وفي هذا السياق لا يمكن أن نغفل دور الضجر والملل الذي يصيب الناس من أداء الأعمال، حيث ينسى بعض الناس أن الملل هو جزء أساسي من أي عمل نقوم به، فكثير من الفاشلين في حياتهم يعود فشلهم إلى عدم القدرة على تحمل الملل، فهذا النوع من الناس تراه يبدأ فكرة أو مشروعًا، ولكن بعد فترة قصيرة يدب الضجر في روحه فيترك المشروع وينتقل إلى مشروع آخر، أو يترك ما بدأه ويستدير باحثًا عن طريق آخر يوصله إلى القمة؛ لأنه لا يريد من أي مشروع إلا الجانب الممتع فيه، بينما لا يوجد عمل في الدنيا لا ينطوي على جانب ممل.
كذلك توجد عملية التبرير، وهذه توجد بوضوح عند مدمني الخمر وأنصاف المثقفين، وحياتنا مليئة بأمثلة كثيرة من هذا النوع.
أعزائي القراء..
ما الذي يجعل الناس غير قادرين على اكتساب الانضباط الذاتي ومواجهة دواعي تدميره؟
هنالك ثلاث عقبات أساسية تؤدي لذلك، وهي:
1- تدليل الوالدين: وهو ما نسميه (الدلع) غير المبرر، فالمدللون في حياتهم لا يعرفون كيف يحرزون النجاح من خلال العمل الجاد، فقد كان آباؤهم يقومون بكل شيء نيابة عنهم، ولكن عندما يدخلون معترك الحياة الحقيقة لا يجدون آباءهم إلى جانبهم للقيام بالأعمال نيابة عنهم كما كان يحدث في الماضي.
2- والعقبة الثانية هي النزعة للكمالية: وهؤلاء الأشخاص إذا عجز أحدهم أن ينجز عمله بصورة مثالية فلن يعمله أبدًا، فالتفوق الباهر هو كل شيء، إما كل شيء أو لا شيء البتة.
3- أما العقبة الثالثة فهي الشعور بالنقص: إنّ كثيرًا من الناس لا يفرق بين الشعور بالنقص وبين كونه ناقصًا؛ لأنه ليس هناك شخص ناقص، وإنما هناك فقط شخص أدنى من الآخرين في مهارة معينة، فإذا كنت لا أستطيع أن أسابقك في الجري فأنا أقل منك في العدو فقط، ولكن ليس من داع أن أشعر بالنقص أو أشعر بأني إنسان ناقص، لا تنافس الآخرين فيما هم أفضل منك فيه؛ لأنك أنت أفضل منهم في جوانب أخرى.
العلاقة بين التدين والانضباط الذاتي:
حين نتحدث عن مسألة الانضباط الذاتي؛ فإن قسمًا من الناس يعتقدون أننا نتحدث عن شيء يتصل بمعاقبة الذات، أو تقييدها أو تجاهل حقوقها، وبعضهم ينظر إلى الانضباط الذاتي على أنه نوع من الحرفية أو الجمود والتكلس أو النقص في المرونة، وهذا كله غير دقيق، ولا يعبر عن جوهر هذا المصطلح، ولكن الانضباط الذاتي هو ببساطة (الاستقامة) على كل سبل الخير والفلاح، ومن خلال هذه النقاط نوضح العلاقة المتينة بين التدين والانضباط الذاتي:
- إن التدين الحق يرسم صورة زاهية وبليغة للانضباط الذاتي، إنه يجعل المسلم يقوم بالكثير من الأشياء، ويكف أيضًا عن كثير من الأمور في المنشط والمكره والرخاء، وتطبيق السُّنة في حياة المسلم يعني يقظة الوعي نحو التفاصيل، والقدرة على السيطرة على الأهواء والرغبات، لكن مشكلة كثير من الملتزمين أنهم لم يستطيعوا تعميم هذا المعنى على حركتهم اليومية؛ حيث إنهم كثيرًا ما يجدون أنفسهم بعيدين عن الإنجاز العالمي، وعن المثابرة على أداء العمل الشاق، وهذا أدى بالطبع إلى انخفاض إنتاجية الإنسان المسلم على نحو مخيف.
إن الناتج القومي لليابان يشكّل أربعة أضعاف ناتج العالم الإسلامي برمته؛ وإذا عرفنا أن عدد المسلمين يساوي عشرة أمثال سكان اليابان ظهر لنا أن متوسط إنتاج الفرد الياباني يساوي إنتاج أربعين من المسلمين؛ أليس هذا من الأمور المحزنة؟
- من معاني الانضباط الذاتي أيضًا: تنظيم الذات؛ حيث وضوح الأهداف، واستمرار البرامج، وتأجيل الرغبات، إنّ الشخص المنضبط يتحمل بعض الآلام، إنه يعمل وينتج ويقاوم المشتهيات؛ بينما يستسلم غيره للنزوة ويدمن الاسترخاء.
وقد تبين أن حفز الذات على العمل يظل بعيد المنال ما لم يكن للإنسان أهداف مرحلية واضحة، لو تأملت في حياة كثيرين منا لوجدت أنهم يعانون من الفَوْضى الشخصية والنقص في التركيز، وهذان الأمران هما العدوان اللدودان للانضباط الشخصي.
جرب واسأل عينة ممن حولك عما يحاولون إنجازه خلال عام، وما الخطوات التي يتبعونها في سبيل بلوغ ذلك؟ سل من حولك عن الأشياء التي يعدها أولوية في حياته خلال العام الحالي؟ ولماذا هي أولوية؟ وكيف يعبر سلوكيًا عن نظرته إليها؟
إن معظم الناس لن يجدوا شيئًا يقولونه، أو أنهم سيحدثونك عن أشياء لا معنى لها.
- المنضبط ذاتيًا يشعر أنه يدرِّب نفسه شيئًا فشيئًا على إنجاز الأمور، وهو إلى جانب ذلك يطور خطته للإنجاز، ويتابع تنفيذ العهود التي قطعها على نفسه، إنه يعرف أن تحرير الإرادة يشكل أكبر علامات النصر على طريق طويل، وفي معركة حاسمة، ويدرك أن تحرير الإرادة يكون شيئًا مجوفًا وفارغ المضمون إذا لم يجد المرء نفسه قادرًا على أداء الأعمال المهمة وإن كان يفقد الرغبة للقيام بها.
- حين نشعر بالمسئولية الشرعية والأخلاقية والأدبية عن أعمارنا، وعن الإمكانات التي أتاحها الله جل وعلا لنا، فإننا سنضبط إيقاع حركتنا، وسنتعلم الاقتصاد في الجهد وفِقْه الخطوة المناسبة، وسنحاول باستمرار اكتساب العادات الجيدة، وهل السلوك الحسن سوى عدد جيد من العادات الحسنة؟ وسوف نقوم بتكرار الأعمال المثمرة والصغيرة؛ لأن ذلك يعبر عن بعض وجوه الاستقامة، كما يدل على تحلينا بفضيلة الإصرار على التقدم.
وأخيرًا أعزائي، نستطيع أن نلخص بعض التقنيات الأساسية الكفيلة بمساعدتنا على تجاوز ضعف الانضباط الذاتي في النقاط الآتية:
1- تحديد الهدف.
2- معرفة الألم والمتعة.
3- التعود على مواجهة المشاكل.
4- مراجعة القيم والمبادئ.
5- التخلص من سيطرة العادات.
6- التعرف على نواحي القوة والضعف في الذات.
7- التعلم من الأخطاء السابقة.
ودائمًا وأبدًا سؤال الله تعالى التوفيق والسداد، فقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أسألك السداد في الأمر، والعزيمة على الرشد».
_____________
المراجع:
- مقال من كتاب: لكي تنجز أهدافك، أ. عبد الله بن بخيت.
- مقال الانضباط الذاتي: د. عبد الكريم بكار، موقع: د. عبد الكريم بكار.
المصدر: موقع مفكرة الإسلام