فن الإنصات والاستماع ..1/2
على الرغم من أننا نقضي وقتًا طويلًا في تعلم التقنيات المعقدة؛ لكسب الآخرين ومد جسور المودة إليهم، لكننا كثيرًا ما نهمل واحدة من أكثر المهارات أهمية وسهولة، والتي يمكن للجميع ممارستها في أي زمان أو مكان، إنها مهارة الإنصات الجيد.
إننا للأسف نعيش في عالم أناني، يهتم كل فرد فيه بما يخصه دون أن يلتفت إلى حاجيات من حوله، ولذا كثيرًا ما تجد أشخاصًا يبحثون عن صديق يستمع إليهم باهتمام، إنها أفضل هدية يمكن أن تقدمها للزبون الغاضب، وللموظف القلق، وللصديق المتألم.
الكثير منا لا يملك مهارة الإنصات والإصغاء الجيد للآخرين، وأحيانًا كثيرة قد تصبح هناك مشاكل جمة بين الأزواج بسبب هذه المشكلة، وحتى بين الأباء والأبناء.
لذلك من الضروري أن نتعلم هذه المهارة؛ لأنها ستفتح لنا مجال أكبر للتعرف على من حولنا بصورة أقرب، وأيضًا ستفتح لنا المجال في بناء علاقات وتواصل ممتاز ومميز مع الآخرين، وخصوصًا في زمن أصبح فيه الإنصات لغيرنا مشكلة.
يعتبر أحد سمات التحضر، وتعتبر القدرة على الاستماع فن، وليس فقط مهارة، وهو أحد مبادئ الإتيكيت وأصول وآداب الحديث والحوار.
السحر الأبيض »الإنصات«:
لماذا خلق الله لسانًا واحدًا وأذنين؟، لاشك أن الجواب سهل، فحاجتنا للأذنين ضعف حاجتنا للسان بالتأكيد.
والإنصات أفضل الطرق لإقناع الآخرين بأن الشخص المنصت لطيف وذكي.
ماذا يعني الإنصات؟
1- توجيه الاهتمام لما يقوله الآخر.
2- أنك تهتم كثيرًا بما يقوله.
3- أنك تنصت إليه باهتمام، حتى لا تضيع كلمة واحدة مما يقول.
ما المهم حين نلتقي بالآخرين؟
1- أن نعرف بالضبط ما يريده الآخر.
2- أن نعرف بالضبط مما يشتكي الآخر.
3- أن نشجع الآخر على الحديث ومواصلة الكلام.
إن من ينجح في جعل الآخر يتكلم وهو ينصت إليه سيكون قد ساعده على البوح بمشاعره الحقيقة ودوافعه الحقيقية.
الإنصات الجيد هو: الاستماع مع القدرة على قراءة ما خلف الكلمات، وفهم موقف المتحدث ولغة الجسم التي يبديها، وتقمص اللهجة العاطفية التي ترسمها كلماته.
تخيل أن شخصًا ذكر أمامك وفاة أمه، وتحدث عنها وعن فضائلها، وفاضت عيناه من الدمع ببكاء حار، المستمع العادي يقدر الحزن الذي يعيشه هذا الشخص، أما المستمع البارع فيفهم الحزن البالغ الذي يعيشه المتحدث، ويقدر مدى الحب الذي يكنه المتحدث لأمه، وكم يفتقدها.
لعل هذا المثال يوضح الفرق بين الاستماع إلى الكلمات ظاهريًا، والاستماع لما تحمله من معاني عاطفية.
استمع إلى ما يقوله بدلًا من مجرد السماع له.
هناك عدد من الأشياء التي يمكن أن تستمع إليها، مثل: قيم المتحدث ومشاعره.
أقبل عليه ببصرك وسمعك وكامل جسدك.
حدد إذا ما كان المتحدث يتحدث عن حقائق، أو انطباعات، أو مشاعر شخصية.
ابذل اهتمامًا أكبر لأولئك الذين يظهرون مشاعرهم وأحاسيسهم أثناء حديثهم إليك.
لا تقاطع الآخرين أو تكمل كلامهم، إن الناس يشعرون بالضيق ممن لا يستمع إلى حديثهم.
يقول ديل كارينجي: إذا كنت تريد أن تعرف كيف يتجنبك الناس، ويتغامزوا عليك، ويسخروا منك من خلف ظهرك، إليك هذه الوصفة: »لا تصغي طويلًا إلى أحد، تكلم عن نفسك دون انقطاع، وإن كان لديك فكرة تريد أن تذكرها أثناء حديث الشخص الآخر، لا تنتظر ريثما ينتهي، فذكاؤه لا يعادل ذكاءك، فلِمَ تضيع الوقت بالاستماع إلى ثرثرته السخيفة؟! قاطعه فورًا واعترضه في منتصف الطريق«.
تفاعل مع مشاعر المتحدث قبل أن تطمئنه بالحقائق، وهذا كثيرًا ما يحدث مع الآباء الذين يسارعون للاستجابة إلى مخاوف ابنهم حين يقول: »هناك شيء مخيف تحت السرير«، حيث يقولون: »لا تخف، ليس هناك ما يخيف، أنت في أمان«.
بينما قليل منهم من يبدون تعاطفًا مع مشاعره هو: »لا بد أنك قضيت ليلة مرعبة«.
الاستماع بصمت قد يكون هو كل ما يحتاج إليه محدثك.
أَشْعِره أنك تتفهم مشاعره عبر لغة الجسم، بينما أنت صامت، مثل تعبير الوجه والإيماء بالرأس، لا تقل إني أتفهم مشاعرك، قاوم رغبتك في المشاركة بالحديث والكلام لمجرد الكلام.
ادعم استماعك بأصوات قليلة، مثل التأوه، أو تلك التي تدل على الاستغراب، هذا يضفي على استماعك نكهة خاصة.
يمكنك أن تبيع الثلج إلى سكان الإسكيمو إذا أرخيت لهم سمعك، وفهمت ما يريدون أن يقولوه.
ركز على ما يقوله المتحدث بدل أن تركز على ما تسعى للإجابة على ما قاله.
ركز على المتحدث نفسه تمامًا كما ينصح به مدربي لعبة كرة التنس: »ركز على الكرة«.
في الواقع هذا سيضفي على مهارتك في الاستماع صفة العفوية المحببة.
استمع ضعف ما تتحدث به.
تذكر المقولة القديمة في أننا نمتلك لسانًا وأذنين؛ لذا، أعط الفرصة لمن يجالسك بالحديث.
تذكر أن كل شخص لديه ما يستحق أن تستمع له، وما سيثري عقلك وتفكيرك.
استثر جليسك لكي يتحدث عن نفسه وما يهمه.
قم بتوجيه أسئلة مفتوحة: كيف يمكن أن نقوم بذلك؟، ما رأيك بـ ؟، كيف تشعر تجاه هذه المسألة؟، يحب الناس من يقدر مشاعرهم، ماذا لو؟، ماذا تنصح بالقيام به لفعل ذلك؟، يحب الناس أن يطلب منهم النصيحة، »ما الطريقة التي تفضلها أنت لفعل...؟، لاحظ لهجة الاحترام والتقدير، واحذر من أن تلقي أسئلة تضعهم في موقف دفاعي: لماذا؟، لو استطعت فعل ذلك فستمتلك أداة رائعة لكسب قلوب الناس، وتذكر دومًا: »إذا أصبحت مستمعًا بارعًا، تكسب أصدقاء وحب الآخرين، أفضل من أن تكون متحدثًا بارعًا«.
عندما تجيب من يحدثك في شأن مهم، استخدم استجابة قصيرة؛ لأن الاستجابة طويلة الأمد تفقد صبر المتحدث، وتشعره وكأن الحديث خارج عما يهمه هو.
تذكر أن موقف قلبك كمستمع، سيكون أهم وأوضح من استجابتك لحديث محدثك، وموقف الاحترام ومحاولة فهم عالم الشخص الآخر أكثر أهمية من تعلمك كيف تقدم ردًا عبقريًا.
تدرب على أخذ نفس عندما ينتهي المتحدث قبل أن تشرع أنت في كلامك؛ بهذه الطريقة سوف تعطي المتحدث الفرصة الكاملة حتى ينتهي من حديثه، وستبتعد عن مقاطعته، مما يعبر عن احترامك له وستقربه إليك.
لماذا نفشل في الاستماع؟
يعزي بعض العلماء ضعف مهارتنا في الاستماع إلى عامل فسيولوجي؛ ذلك أن قدرتنا على الاستماع تفوق قدرتنا على الحديث بما يقارب خمس إلى عشر مرات، ففي الفترة التي يتحدث شخص بسرعة 100 كلمة، يمكنك أن تستمع خلالها إلى 500 - 1000 كلمة، وهذا يعني أنه عندما يتحدث إليك شخص ما، فتستخدم خمس طاقتك الذهنية في الاستماع إليه، ويذهب الباقي للتخطيط لأعمال اليوم التالي، أو كيف ستعتذر من زوجتك بسبب التأخير، فمن الأفضل أن تستهلك هذه السعة في الاستيعاب في تحليل ما يود المتحدث أن يقوله لك، بدلًا من انشغالك بأحلام اليقظة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: كنانة أونلاين.