logo

الإنتاجية في حياة الداعية


بتاريخ : الأحد ، 19 ربيع الآخر ، 1444 الموافق 13 نوفمبر 2022
بقلم : تيار الاصلاح
الإنتاجية في حياة الداعية

 

عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «عرضت علي الأمم، فرأيت النبي ومعه الرهيط، والنبي ومعه الرجل والرجلان والنبي وليس معه أحد»، فهذا نبي بعثه الله إلى أمة فلم يستجب له أحد، والرهيط تصغير رهط وهم دون العشرة.

ليس كل الأنبياء قد أطاعهم قوهم، بل بعضهم لم يطعه أحد من قومه، وبعضهم أطاعه الرهط، وبعضهم أطاعه الرجل والرجلان، وانظر إن نوحًا عليه الصلاة والسلام مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا، يذكرهم بالله، ويدعوهم إلى الله، قال الله تعالى: {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} [هود: 40]، كل هذه المدة ولم يلق منهم قبولًا، بل ولا سلم من شرهم، قال نوح: {وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا} [نوح: 7]، على الرغم من أنه عليه السلام لم يقصر في دعوتهم، فقد دعاهم بالليل ودعاهم بالنهار، دعاهم سرًا وجهرًا، دعاهم بالنصح والتوجيه حينًا وبالمجادلة والمناظرة أحيانًا، ومع ذلك ما آمن معه إلا قليل، {قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32) قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (33) وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (34)} [هود: 32 - 34].

إن الحق ما وافق الدليل من غير التفات إلى ذات القائلين، أو كثرة المقبلين، أو قلتهم، فالحق لا يوزن بالرجال، وإنما يوزن الرجال بالحق، اعرف الحق تعرف أهله، ومجرد نفور النافرين، أو محبة الموافقين؛ لا يدلّ على صحة قول أو فساده، وكثرة الأتباع ليست دليلًا على صدق الدعوى، كما أن قلة الأتباع ليست دليلًا على ضعفها أو فسادها.

لهذا قال بعض السلف: عليك بالحق ولا تستوحش من قلة السالكين، وإياك والباطل ولا تغتر بكثرة الهالكين.

إن هذا التعصب مخالف للمنهج الصحيح، الذي يدعونا إلى أن نأخذ بالحق مهما كان قائله، ولهذا قال أبو حامد الغزالي في ذم التعصب: وهذه عادة ضعفاء العقول؛ يعرفون الحق بالرجال، لا الرجال بالحق (1).

وهذا إبراهيم الخليل قامع المشركين بالحجج الدامغة والبراهين، قال الله تعالى في شأنه وشأن من آمن له {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [العنكبوت: 26]، جملة معترضة بين الإخبار عن إبراهيم عليه السلام اعتراض التفريع، وأفادت الفاء مبادرة لوط بتصديق إبراهيم عليه السلام، والاقتصار على ذكر لوط عليه السلام يدل على أنه لم يؤمن به إلا لوط عليه السلام لأنه الرجل الفرد الذي آمن به (2).

وهذا لوط عليه السلام يقول الله في نجاة من معه من العذاب ولعلهن بناته فقط: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (36)} [الذاريات: 35- 36]، يعني لوطا وبنتيه وفيه إضمار، أي فما وجدنا فيها غير أهل بيت (3).

قال تعالى: {فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ} [يونس: 83]، يخبر تعالى أنه لم يؤمن بموسى عليه السلام، مع ما جاء به من الآيات البينات والحجج القاطعات والبراهين الساطعات، إلا قليل من قوم فرعون، من الذرية -وهم الشباب- على وجل وخوف منه ومن ملئه، أن يردوهم إلى ما كانوا عليه من الكفر؛ لأن فرعون كان جبارًا عنيدًا مسرفًا في التمرد والعتو، وكانت له سطوة ومهابة، تخاف رعيته منه خوفا شديدًا.

قال العوفي: عن ابن عباس: {فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ}، قال: فإن الذرية التي آمنت لموسى، من أناس غير بني إسرائيل، من قوم فرعون يسير، منهم: امرأة فرعون، ومؤمن آل فرعون، وخازن فرعون، وامرأة خازنه (4).

ولا يغض ذلك من منازل الأنبياء مثقال ذرة، بل هم في أعالي المنازل، وهم أنبل الناس، وأجل الناس، وأكرمهم وفوقهم في كل شأن في الرجولة والشجاعة والفصاحة والبلاغة والبيان والنصح والتضحية، وقد قاموا بواجبهم على أكمل الوجوه من الدعوة إلى التوحيد والتبليغ والتبشير والإنذار، فإذا قل اتباعهم أو لم يتبع بعضهم أحد، فالعيب كل العيب على الأمم التي رفضت الاستجابة لدعوتهم، لأنها في نظرهم- لا تحقق لهم أغراضهم الدنيئة، ومع ذلك ما كانوا طلاب ملك، بل كانوا دعاة هداية وتوحيد (5).

وقد يهدي الله قوم نبي من الأنبياء فيستجيبون له أو كثير منهم فتكون لهم دولة، ثمرة طيبة، لإيمانهم وتصديقهم وأعمالهم الصالحة، فيقومون بواجبهم من الجهاد لإعلان كلمة الله وتطبيق التشريعات والحدود، وغيرها من الأمور التي شرعها الله لهم، كما حصلَ لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام، توج الله إيمانهم وعملهم الصالح وصبرهم الجميل على بغي المشركين وتطاولهم بأن نصرهم، وأظهر دينهم، ومكن لهم في الأرض كما قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [النور: 55](6).

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين يتتبع الناس في منازلهم بعكاظ ومجنة، وفى المواسم بمنى، يقول: من يؤيني، من ينصرني حتى أبلغ رسالة ربي وله الجنة حتى إن الرجل ليخرج من اليمن أو من مضر كذا فيأتيه قومه، فيقولون: احذر غلام قريش، لا يفتنك، ويمشى بين رجالهم، وهم يشيرون إليه بالأصابع، حتى بعثنا الله إليه من يثرب، فآويناه، وصدقناه فيخرج الرجل منا، فيؤمن به ويقرئه القرآن، فينقلب إلى أهله فيسلمون بإسلامه، حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا فيها رهط من المسلمين يظهرون الإسلام.

ثم ائتمروا جميعًا، فقلنا حتى متى نترك رسول الله صلى الله عليه وسلم يطرد في جبال مكة، ويخاف، فرحل إليه منا سبعون رجلًا، حتى قدموا عليه في الموسم، فواعدناه شعب العقبة، فاجتمعنا عليه من رجل ورجلين، حتى توافينا، فقلنا: يا رسول الله نبايعك، قال: تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل، والنفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وأن تقولوا في الله لا تخافون في الله لومة لائم، وعلى أن تنصروني، فتمنعوني إذا قدمت عليكم مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم، ولكم الجنة.

قال: فقمنا إليه فبايعناه وأخذ بيده أسعد بن زرارة، وهو أصغرهم فقال: رويدًا يا أهل يثرب، فإنا لم نضرب أكباد الإبل إلا ونحن نعلم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن إخراجه اليوم مفارقة العرب، كافة، وقتل خياركم، وأن تعضكم السيوف فإما أنتم قوم تصبرون على ذلك، وأجركم على الله، وإما أنتم قوم تخافون من أنفسكم جبينة، فبينوا ذلك، فهو عذركم عند الله، قالوا: أمط عنا يا أسعد فوالله لا ندع هذه البيعة أبدًا ولا نسلبها أبدًا، قال: فقمنا إليه فبايعناه، فأخذ علينا وشرط ويعطينا على ذلك الجنة (7).

{وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} أي: حافظًا تحفظ أعمالهم وأقوالهم، {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} أي: موكل على أرزاقهم وأمورهم، {إِنْ عَلَيْكَ إِلا الْبَلاغُ}، كما قال تعالى: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (22)} [الغاشية: 21، 22]، وقال: {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ} [الرعد:40] (8).

إن هذا المنهج ميسر لينهض به كل ذي فطرة سوية، إنه لا يحتاج للعزائم الخارقة الفائقة، التي لا توجد عادة إلا في القلة من البشر، وهذا الدين لم يجئ لهذه القلة القليلة، إنه جاء للناس جميعًا، والناس معادن، وألوان، وطبقات، من ناحية القدرة على النهوض بالتكاليف، وهذا الدين ييسر لهم جميعًا أن يؤدوا الطاعات المطلوبة فيه، وأن يكفوا عن المعاصي التي نهى عنها (9).

قال تعالى: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} فأنت لا تملك من أمر قلوبهم شيئًا، حتى تقهرها وتقسرها على الإيمان، فالقلوب بين أصابع الرحمن، لا يقدر عليها إنسان (10).

إن أمر القلوب وهداها وضلالها ليس من شأن أحد من خلق الله- ولو كان هو رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه من أمر الله وحده، فهذه القلوب من صنعه ولا يحكمها غيره، ولا يصرفها سواه، ولا سلطان لأحد عليها إلا الله، وما على الرسول إلا البلاغ، فأما الهدى فهو بيد الله، يعطيه من يشاء، ممن يعلم سبحانه أنه يستحق الهدى، ويسعى إليه.

وإخراج هذا الأمر من اختصاص البشر يقرر الحقيقة التي لا بد أن تستقر في حس المسلم ليتوجه في طلب الهدى إلى الله وحده، وليتلقى دلائل الهدى من الله وحده، ثم هي تفسح في احتمال صاحب الدعوة لعناد الضالين، فلا يضيق صدره بهم وهو يدعوهم ويعطف عليهم، ويرتقب إذن الله لقلوبهم في الهدي، وتوفيقهم إليه بمعرفته حين يريد.

قال تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ} [البقرة: 272]، فلتفسح لهم صدرك، ولتفض عليهم سماحتك، ولتبذل لهم الخير والعون ما احتاجوا إليه منك. وأمرهم إلى الله (11).

وقال تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القصص: 56]، ورد في الصحيحين أنها نزلت في أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم وقد كان يحوطه وينصره، ويقف دونه في وجه قريش، ويحميه حتى يبلغ دعوته، ويحتمل في سبيل ذلك مقاطعة قريش له ولبني هاشم وحصارهم في الشعب، ولكنه إنما يفعل ذلك كله حبًا لابن أخيه، وحمية وإباء ونخوة، فلما حضرته الوفاة دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإيمان والدخول في الإسلام، فلم يكتب الله له هذا، لما يعلمه سبحانه من أمره.

قال الزهري: حدثني سعيد بن المسيب عن أبيه وهو المسيب بن حزن المخزومي رضي الله عنه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبد الله بن أمية ابن المغيرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عم قل: لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله»، فقال أبو جهل وعبد الله بن أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعودان له بتلك المقالة حتى كان آخر ما قال: على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك» فأنزل الله تعالى: {مَا كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبَى} وأنزل في أبي طالب: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ} (12).

فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يملك هداية أقرب الناس إليه؛ عمه الذي دافع عنه ونصره وحماه من المشركين حتى قال صلى الله عليه وسلم: «ما نالت مني قريش شيئًا أكرهه حتى مات أبو طالب» (13)، ومع ذلك يموت أبو طالب على دين قريش؛ فالهداية بيد الله وحده، لم يعطها لنبي ولا لملك ولا لولي.

فأخرج هذا الأمر- أمر الهداية- من حصة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعله خاصًا بإرادته سبحانه وتقديره، وما على الرسول إلا البلاغ، وما على الداعين بعده إلا النصيحة، والقلوب بعد ذلك بين أصابع الرحمن، والهدى والضلال وفق ما يعلمه من قلوب العباد واستعدادهم للهدى أو للضلال (14).

ولمّا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم الطائف، عمد إلى نفر من سادة ثقيف وأشرافهم، فجلس إليهم، ودعاهم إلى الله، فكان ردّهم شرّ ردّ، واستهزأوا به صلى الله عليه وسلم وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم، يسبّونه ويصيحون به، ويرجمونه بالحجارة، فعمد إلى ظلّ نخلة، وهو مكروب، فجلس فيه، وكان ما لقي في الطائف أشدّ ما لقيه من المشركين، وقعد له أهل الطائف صفّين على طريقه، فلمّا مرّ جعلوا لا يرفع رجليه إلا رموها بالحجارة، حتى أدموه، وهما تسيل منهما الدّماء، وفاض قلبه ولسانه بدعاء شكا فيه إلى الله ضعف قوته، وقلّة حيلته، وهوانه على الناس، واستعاذ بالله تعالى وبنصره وتأييده.

ذهب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الطائف يريد النصرة منهم والدخول في الإسلام، لكنهم رفضوا دعوته ولم ينصروه؛ بل أغروا به السفهاء، وجمعوا أطفالهم وقالوا لهم: خذوا الحجارة واطردوا هذا، وجاءوا وراءه صلى الله عليه وسلم يرمون ظهره وأقدامه بالحجارة حتى أُدميت رجلاه، وينزل وهو مكسور القلب، ويجلس تحت جبل ويقول دعاءً عظيمًا: «اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس» نبي يوحى إليه، ويكذبه هؤلاء الكفار: «اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، أنت رب المستضعفين، إلى من تكلني، إلى بعيد يتجهمني أم إلى صديق ملكته أمري، إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي».

يقول: إن كان ما يأتيني ليس ناتجًا عن غضبك فلا أبالي، ولكن أخشى أن يكون هذا بغضب منك يا ربِّ! ثم قال: «غير أن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح به أمر الدنيا والآخرة، أن ينزل بي سخطك أو يحل بي عقابك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك» (15).

وهي محاولة وتجربة خاضها رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن كبراء ثقيف استقبلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوأ استقبال، وسلطوا عليه سفهاءهم وصبيانهم يرجمونه بالحجارة، حتى أدموا قدميه الشريفتين، ولم يؤمن منهم أحد، ولم يستجب له منهم أحد، لكن النبي صلى الله عليه وسلم أدى ما عليه ولم يقصر في دعوتهم؛ لكن النتائج ليست إليه.

فإلى كل داعية إلى الله تعالى؛ عليك بذل الجهد وبذر الحب، وليس عليك النتائج ولا المحصلات، فاعذر نفسك إلى الله بالعمل والدعوة وبذل الوسع والطاقة بهمة عالية ونفس راضية، ولا تيأس مهما كانت النتائج، ومهما كانت المحصلة، فكل ذلك بيد ملك الملوك سبحانه وتعالى، والله للساعين خير معين.

***

-----------

(1) المنقذ من الضلال (ص: 152).

(2) التحرير والتنوير (20/ 237).

(3) تفسير القرطبي (17/ 48).

(4) تفسير ابن كثير (4/ 287).

(5) منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله/ مجلة الجامعة الإسلامية (31/ 183).

(6) المرجع السابق.

(7) أخرجه أحمد (14456).

(8) تفسير ابن كثير (3/ 314).

(9) في ظلال القرآن (2/ 697).

(10) في ظلال القرآن (6/ 3899).

(11) في ظلال القرآن (1/ 314).

(12) أخرجه البخاري (1360)، ومسلم (24).

(13) سيرة ابن هشام (1/ 416).

(14) في ظلال القرآن (5/ 2703).

(15) دروس للشيخ سعيد بن مسفر (63/ 7)، بترقيم الشاملة آليًا.