إشراقة أمل
يمكن للإنسان أن يعيش بلا بصر، ولكنه لا يمكن أن يعيش بلا أمل، فالأملهوتلك النافذة الصغيرة، التي مهما صغر حجمها إلا أنها تفتح آفاقًا واسعة في الحياة.
أحيانًا يغلق الله سبحانه وتعالى أمامنا بابًا لكي يفتح لنا بابًا آخر أفضل منه، ولكن معظم الناس يضيع تركيزه ووقته وطاقته في النظر إلى الباب الذي أغلق، بدلًا من باب الأمل الذي انفتح أمامه على مصراعيه.
ما كانت تدري أم موسى عليه السلام، وهي تتفطر كمدًا على فلذة كبدها، أن التابوت سيتحرك به إلى بيت عدوه، وما كانت تدري أن موسى عليه السلام سيتربى في حضن فرعون، كل الذي كانت تعلمه أن وعد الله حق وصدق، وأن الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
إن الهم الذي انتاب أم موسى عليه السلام لحظة ولادته جعلها كادت أن تبدي به، ولكن من لطف الله تعالى وتدبيره أن ربط على قلبها، فهي أم تخاف على رضيعها، وفرعون طاغية لا تعرف الرحمة إلى قلبه سبيلًا، وجنوده بلا عقل ولا فهم يعملون.
ولم يكن بين الشدة والفرج إلا القليل، فسبحان من بيديه الأمر، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، الذي يجعل لمن اتقاه بعد كل هم فرجًا، وبعد كل ضيق مخرجًا.
{وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغًا إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [القصص:10].
أي إنها حين سمعت بوقوعه في يد فرعون طار عقلها شعاعًا؛ لما دهمها من الجزع والحزن وتوقع الهلاك الذي لا مندوحة منه، جريًا على عادته مع أنداده ولداته، ولولا أن عصمناها وثبتنا قلبها لأعلنت أمرها، وأظهرت أنه ابنها، وقالت من شدة الوجد: «واولداه» وقد فعلنا ذلك لتكون من المصدّقين بوعدنا: {إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [القصص:7].