logo

الإجازة الصيفية


بتاريخ : الأربعاء ، 1 ذو الحجة ، 1438 الموافق 23 أغسطس 2017
بقلم : تيار الاصلاح
الإجازة الصيفية

نحن على أبواب الإجازة الصيفية الطويلة، تلك الإجازة التي ينتظرها الكثير من أبنائنا؛ ليستريحوا بها بعد عناء السهر والمذاكرة، والذهاب يوميًا إلى المدارس والجامعات والمعاهد.

استغلال وقت الفراغ:

إن أهم ما يميز الإجازة هو امتلاكنا للوقت فيها، والذي يمكن أن نوظفه بطريقة نستفيد فيها منه، ونربي أولادنا على ذلك، فمن المعروف أن الإجازة هي وقت فراغ، وعلينا أن نربيهم أولًا على الاستفادة من وقت الفراغ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ»(1).

ولا تأتي تربيتنا لأولادنا على حسن استغلال الإجازة في وقت الإجازة فقط؛ بل إن هذه التربية تسبقها في أي وقت فراغ آخر، فعلى سبيل المثال يوم الجمعة يمكن الاستفادة منه، وكذلك أيام الأعياد، وحتى في أوقات المدرسة يوجد وقت فراغ يجب الاستفادة منه، فإن نحن عودنا أولادنا على أن يتم استغلال وقت الفراغ على مدار السنة في العبادة؛ كارتياد المساجد مثلًا، فإن هذا سينعكس على سلوكهم في الإجازة الصيفية.

هذه الإجازة لا ينبغي أن تكون عطلة من العمل، فليس في حياة المسلم عطلة، وإنما سعيه دائم وعمله مستمر حتى الموت، يقول الحق تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ} [الإنشقاق:6].

ليس من المجازفة ولا من واقع الخيال إذا قلنا بأن ثلاثة أرباع المجتمع، في ظرف يوم أو يومين على الأكثر، يصبحون في عالم من الفوضى بسبب الفراغ الذي يغطي معظم الأوقات بالنسبة لهم؛ وهذا إن دل على شيء فالدلالة واضحة، وهي عدم الانضواء تحت برنامج منظم يحفظ الوقت، ويحمي من سوء ما يجلبه الفراغ من مساوئ.

إن بعض الناس، وهم الأغلبية، يرى في البرنامج المنظم مصطلحًا واحدًا؛ وهو كبت الحرية وأخذ الراحة المزاجية من العطلة الصيفية.

ليس هناك فراغ أصلًا في حياة الإنسان المسلم؛ بل كل وقت وكل لحظة ينبغي أن يشغلها بعمل وجد يكتسب فيه من أمر الدنيا، ويغتنم فيه من أجر الآخرة ما شاء الله له أن يغتنم، ولذلك حس يتجاوب الإنسان المسلم مع المهمة والغاية التي خلق لها، ومع التصور الإسلامي الذي يدور معه.

قد هيئوك لأمر لو فطنت له       فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل

هذا الفراغ سمي فراغًا من حيث إن فيه فرصة للعمل والاكتساب، لكن القعود والنكوص والتخلف يجعل الإنسان في صفقة غبن؛ لأنه لم يأخذ بقدر ما أعطى، فهو قد صرف الوقت لكنه لم يجن من ورائه منفعة دنيوية مشروعة، ولا أجرًا أخرويًا هو مفتقر إليه؛ لذلك إذا تأمل الإنسان المسلم هذا المعنى وجده مرتبطًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «اغتنم خمسًا قبل خمس»، وذكر منها: «الحياة قبل الموت، والفراغ قبل الشغل، والشباب قبل الهرم، والصحة قبل السقم»(2).

يعني أن هذه الخمس: أيام الشباب والصحة والغنى والفراغ والحياة هي أيام العمل والتأهب والاستعداد والاستكثار من الزاد, فمن فاته العمل فيها لم يدركه عند مجيء أضدادها, ولا ينفعه التمني للأعمال بعد التفريط منه، والإهمال في زمن الفرصة والإمهال، فإن بعد كل شباب هرمًا وبعد كل صحة سقمًا، وبعد كل غنى فقرًا، وبعد كل فراغ شغلًا، وبعد كل حياة موتًا, فمن فرط في العمل أيام الشباب لم يدركه في أيام الهرم, ومن فرط فيه في أوقات الصحة لم يدركه في أوقات السقم, ومن فرط فيه في حالة الغنى فلم ينل القرب التي لم تنل إلا بالغنى لم يدركه في حالة الفقر, ومن فرط فيه في ساعة الفراغ لم يدركه عند مجيء الشواغل, ومن فرط في العمل في زمن الحياة لم يدركه بعد حيلولة الممات, فعند ذلك يتمنى الرجوع وقد فات، ويطلب الكرة وهيهات، وحيل بينه وبين ذلك وعظمت حسراته حين لا مدفع للحسرات(3).

الدنيا فترة زمنية قصيرة تنتهي إلى آخرة ودار إقامة، وجاءنا النذير: «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل»(4)، مثل الإنسان فيها كمثل رجل فر من أسد، فوجد فرعًا من شجرة يتدلى في بئر، فتعلق به ونزل إلى نصفه، فرأى أسفله ثعبانًا ينتظر سقوطه ليلتهمه، ونظر إلى الفرع فرأى فأرين يقرضانه، فأر أبيض، وفأر أسود، وسيقطعان الفرع، وسيرى نهايته لا محالة، لكنه نظر في رف البئر فوجد طبقًا من عسل، فشغله هذا العسل عن مصيره، فأخذ يلعق منه حتى قطع الفرع وهلك، الفرع بمثل الأجل في هذه الحياة، والفأران يمثلان الليل والنهار، والعسل يمثل زينة الحياة الدنيا(5).

ويحك يا نفس! لا ينبغي أن تغرك الحياة الدنيا، ولا يغرنك بالله الغرور، فانظري لنفسك، فما أمرك بمهم لغيرك، لا تضيع أوقاتك فالأنفاس معدودة، فكلما ذهب نَفَس فقد ذهب بعضك، فاغتنمي الصحة قبل السقم، والفراغ قبل الشغل، والغنى قبل الفقر، والحياة قبل الموت، واستعدي للآخرة على قدر بقائك فيها.

يا نفس، أما تستعدين للشتاء بقدر طول مدته، تجمعين له القوت والكسوة والحطب وجميع الأسباب، ولا تتكلين في ذلك على فضل الله حتى يدفع عنك البرد في غير جبة وحطب وغير ذلك فإنه قادر على ذلك؟! أفتظنين، أيتها النفس، أن زمهرير جهنم أخف بردًا وأقصر مدة من زمهرير الشتاء، أم تظنين أن ذلك دون هذا؟ كلا، لا مقارنة في الشدة والبرودة بينهما، أفتظنين أن العبد ينجو منها بغير سعي؟ هيهات! كما لا يندفع برد الشتاء إلا بالحطب والنار وسائر الأسباب فلا يندفع حر النار وبردها إلا بحسن التوحيد، وخندق الطاعات، وإنما كرم الله في أن عرفك طريق التحصن، ويسر لك أسبابه، لا في أن يندفع عنك العذاب دون حصنه، كما أن كرم الله عز وجل في دفع برد الشتاء أن خلق النار وهداك لطريق استخراجها.

ويحك يا نفس! انزعي عن جهلك، وقيسي آخرتك بدنياك: {مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [لقمان:28]، {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} [الأنبياء:104]، {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} [الأعراف:29] وسنة الله لا تجدين لها تبديلًا ولا تحويلًا(6).

كل هذه المعاني لو تأملناها سنجد أنها تتركز في معنى أن المسلم لا يليق به أن يفرط في الوقت، ولا أن يفرط في الجد والعمل، ولذلك لم يجعل النبي عليه الصلاة والسلام الانبعاث للعمل أمرًا هينًا بأن يقول: اعملوا أو استغلوا؛ بل جاء النداء النبوي الكريم فيه نوع من الحض؛ إذ قال عليه الصلاة والسلام: «بادروا بالأعمال سبعًا: هل تنتظرون إلا فقرًا منسيًا، أو غنى مطغيًا، أو هرمًا مفندًا، أو مرضًا مقعدًا، أو الدجال فشر غائب ينتظر، أو الساعة فالساعة أدهى وأمر»(7).

هذا التصوير منه عليه الصلاة والسلام يدل على أن الأمر لا يحتمل التواني والكسل والخلو من العمل؛ بل العكس هو الصحيح، والله عز وجل يقول: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة:148] وقال جل وعلا: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [الحديد:21]، وقال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران:133]، وقال تعالى: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين:26].

وسيرة السلف الصالح رضوان الله عليهم شاهد عظيم على أن مفهوم الراحة والخلود وترك العمل وتبديد الوقت في المتع والأعمال الفارغة السخيفة التافهة؛ ليس واردًا في حس الإنسان المسلم، ولم يكن في سيرة أسلافنا رضوان الله عليهم.

الوقت أغلى ما عني الإنسان بحفظه، وإذا كان هذا الوقت هو ريحان العمر وريعان الشباب، فيا ترى كيف ستكون هذه الخسارة؟

وإن مما ينفع الإنسان في آخرته شغله فراغه في الدنيا بما يرضي الله؛ وعلى ذلك فللإجازة أمور تشغل بها منها:

حلقات تحفيظ القرآن الكريم:

والتي يخرج منها الدارس برضا الله، وبالتقوى وحسن الأخلاق وتعلم شرع الله، والبعد عن أماكن الفساد والمعاصي، وهذا لا يقتصر على شخص دون آخر؛ بل حتى الأطفال في العاشرة فما فوقها على الآباء توجيههم إلى تلك الحلقات؛ فلعل الله أن يجعلهم بذرة صالحة ونواة طيبة لبناء مجتمع طاهر محافظ.

طلب العلم الشرعي:

الإجازة ساحة للتنافس في طلب العلم الشرعي وتحصيله، وتحصين النفس به من الشبهات المتتابعة، وينبغي أن يعلم أن طلب العلم الشَّرعي نوع عظيم من الجهاد في سبيل الله، وأن الانتصار للحق، ودحض حجج الزنادقة والملحدين والغربيين المبشرين، الذين يحاربون الإسلام، ويريدون القضاء عليه، هو من أعظم الجهاد في سبيل الله.

إن كثرة التخليط والقراءة الثقافية العامة والاطلاع والتصفح السريع للمطولات والشروح؛ بل ربما للرسائل والكتيبات، لا تنتج طالب علم، وإنما صاحب ثقافة عامة، وهذا المنهج نقع فيه كثيرًا، ولو تنبه طلاب العلم في مثل هذه الأوقات إلى التركيز أو القراءة على شيخ أو طالب علم متخصص في فن من الفنون والتركيز عليه، في مثل هذه الإجازة الصيفية كحفظ متن فيه، ثم الاستماع إلى شرحه والتعليق عليه، ثم قراءة بعض الشروح فيه، وهكذا في كل إجازة تمر عليك، لأثمرت ثمرة عظيمة بدلًا من هذا التخليط والتذوق للعلوم المختلفة، وعدم الاستقرار على فن معين؛ مما يدفع الطالب إلى الملل والسآمة، ثم الانقطاع والترك.

تنظيم برنامج أسري:

ويكون فيه كل متطلبات النفسيات الأسرية، فيكون مثلًا متضمنًا لدروس السيرة المتناسبة مع الأطفال، ودروس السيرة المتناسبة مع الكبار، إلى جانب الرحلات البرية والتنزه.

كما أن هذه الإجازة ليست فرصة للمعاصي والمنكرات، فما دمنا نأكل من رزق الله، ونمشي على أرضه، ونستظل بسمائه، ونستنشق هواءه، فلا ينبغي لنا أن نعصيه في طرفة عين، لا في سفرنا ولا في إقامتنا.

كما علينا أن نحرص كل الحرص على أن نكون لأولادنا القدوة الحسنة في الاستفادة من الإجازة؛ لأن الأولاد يُقلّدون الآباء والأمهات في كل شيء تقريبًا، فبقدر ما نستفيد نحن من إجازتنا بشكل يرضي الله عز وجل، ونبتعد عن معاصيه، بقدر ما ينعكس ذلك على سلوك أفراد الأسرة.

الحذر من اللصوص وقطاع الطرق:

احذر، أيها الجاد، من البطالين ولصوص الأوقات، فإنهم من أعظم الأسباب لضياع العمر وقتل الأوقات، وهم ينشطون ويكثرون في الإجازات الصيفية، وهم معك في كل شيء إلا الحرص على الوقت والاستفادة منه، وهؤلاء قد شكى منهم ابن الجوزي رحمه الله تعالى كثيرًا، فقال في صيد الخاطر: «فصل: أهل الفراغ بلاء»، ثم قال: «أعوذ بالله من صحبة البطالين...، لقد رأيت خلقًا كثيرًا يجرون معي فيما قد اعتاده الناس من كثرة الزيارة، ويسمون ذلك التردد خدمة، ويطلبون الجلوس ويجرون فيه أحاديث الناس وما لا يعني وما يتخلله غيبة، وهذا يفعله في زماننا كثير من الناس»(8).

هذا الكلام لابن الجوزي يقول: «وهذا يفعله في زماننا كثير من الناس»، فماذا إذن نقول نحن في زماننا؟! وابن الجوزي رحمة الله تعالى عليه في القرن السادس الهجري، فماذا لو رأى ابن الجوزي أهل هذا الزمن، وكيف يتعاملون، وكيف يضيع عليهم كثير من الأوقات، لكن كيف تعامل ابن الجوزي مع أمثال هؤلاء البطالين؟! انظر واستفد من خبرة هذا العالم الجليل.

يقول ابن الجوزي رحمه الله تعالى: «إن أنكرت عليهم وقعت وحشة لموضوع قطع المألوف، وإن تقبلت منهم ضاع الزمان، فصرت أدفع اللقاء جهدي، فإذا غلب قصرت في الكلام لأتعجل الفراق، ثم أعددت أعمالًا تمنع من المحادثة لأوقات لقائهم؛ لئلا يمضي الزمان فارغًا، فجعلت من المستعد للقائهم قطع الكاغد، وبري الأقلام، وحزم الدفاتر، فإن هذه الأشياء لا بد منها، ولا تحتاج إلى فكر وحضور قلب، فأرصدتها لأوقات زيارتهم لئلا يضيع شيء من وقتي»(9).

أرأيت كيف يستغلون أوقاتهم رحمة الله تعالى عليهم، فنسأل الله عز وجل أن يعرفنا شرف أوقات العمر، وأن يوفقنا لاغتنامه.

كم نفرط في صغارنا وأولادنا وفي أوقاتهم، وكم ينشغل عنهم الآباء والأمهات في مثل هذه الإجازات خاصة، ويظن بعض الآباء أنه بمجرد القيام برحلة فإنه أدى ما عليه بدون وضع برنامج لهذه الرحلة، فإذا كان الصغار مع أبيهم أو أسرهم لماذا لا ترسم لهم البرامج المنوعة؛ من مسابقات، وألعاب، وتدريب، وقل مثل ذلك في المدن، فإن الأسرة الكبيرة إذا جمعت صغارها في مكان ما، وتقاسم الكبار الإشراف والتوجيه والتخطيط لبرامجهم لكان أفضل، ولن يكلف ذلك الكبار، من آباء أو إخوة، شيئًا إذا تعاونوا وقسموا ذلك بينهم، فإنه من الخطأ أن يترك الصغار هكذا بدون حرص أو تنظيم، ولو توسع الأمر إلي قيام الآباء بالحي الواحد بمثل هذه الفكرة لكان حسنًا، لو أن الآباء في الحي الواحد اتفقوا على أن يجعلوا برنامجًا منظمًا في مكان أو في استراحة في وسط الحي لأبنائهم، وجاءهم من يرعى مثل هذا الأمر لما كان ذلك كثيرًا على أولادهم لحفظهم من الشوارع، ولحفظهم من لصوص الأعراض، ولحفظ أوقاتهم في مثل هذه الأيام(10).

الوسائل والتوجيهات العامة :

من المؤسف أن بعض الشباب يمتد نفعه إلى كل أحد إلا أهل بيته وعشيرته، فلماذا لا يفكر الشاب أو الفتاة في جمع شباب أو فتيات أسرته أو أسرتها وأقربائه في مخيم صيفي في أي مكان، أو في استراحة، أو في رحلة قصيرة حتى ولو لبعض الليالي، أو حتى في ليلة واحدة، حتى وإن كان ذلك في المنزل، وينظم برنامجًا ومسابقات وألعابًا يتخللها بعض التوجيهات والكلمات وتوزيع الأشرطة والرسائل، وفي ذلك منافع شتى، وقد جُرِّبَ هذا فأعطى ثمارًا يانعة، وهو صلة وبر ودعوة وإصلاح .

على كل شاب أن يحرص على الخير الذي يحسنه ويتقنه، ويتخصص في المجال الذي يبدع فيه؛ مستغلًا أيام إجازته، فيقسم عمله إلى فترات، وكل فترة في وجهة ما، ولا يغفل عن الجميع؛ فللشباب وللمرأة وللعامة وللتجار وللطبيب ولغيرهم، فيعطي كل ذي حق حقه، وإن كان يحسن فن الكلمة الطيبة اهتم لها، وعمل ما استطاع لإيصالها للناس، من حسن إعداد وإبداع في الأسلوب، وكسب لقلوب الناس، خمس كلمات أو عشر يلقيها مرة في الشرق ومرة في الغرب، يحرص فيها على ما يحتاجه الناس وينفعهم لا يمل ولا يكل، فإنها صدقة منه على نفسه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «والكلمة الطيبة صدقة»(11).

وإن كان يحسن القيام على اليتامى والأرامل والمساكين، ورعاية شئونهم، وجمع المساعدات لهم؛ يحرص على ذلك ويتوجه إليه خلال هذه الأيام، وإن كان يحسن فن البيع والشراء وحسن التعامل مع الناس فميدان التجارة مفتوح، وبابه واسع، وكم نحن بحاجة للشباب الذين يتاجرون، وكم نحن بحاجة للشباب المسلم، وللتاجر المسلم الأمين الداعية إلى الله من خلال تجارته وبيعه وشرائه، وإن كان يحسن فن التعامل مع شباب الأرصفة والجلوس معهم والتحدث إليهم، وإهدائهم بعض الهدايا والتودد لهم، وكسر الحاجز بينهم وبين الاستقامة وحب الصالحين؛ فليحرص على هذا.

إن الإجازة الصيفية فرصة لا تعوض، وهي أيام من العمر، فاحرص على اغتنام الفرص واللحظات فيها، وحاول جاهدًا أن تخرج من إجازة هذه السنة بمكاسب كثيرة ونتائج طيبة، فيا شباب، أنتم في مقتبل العمر، وبحاجة إلى بناء الشخصية وقدراتها ومواهبها، وشتان بين شاب أو فتاة ذي مواهب متعددة، يعرف الكثير ويتقن الكثير، فهو ذو علم وثقافة واسعة، وهو يعرف الحاسب الآلي، وهو يتكلم الإنجليزية، وهو يحفظ الكثير من القرآن والأحاديث، وهو مفتاح خير في كل شيء، وبين شاب أو فتاة لا يتقن صنع شيء، ولا يعلم شيئًا إلا التسكع في الشوارع، والجلوس على مشاهدة وسائل الإعلام وغيرها، لماذا؟ وما هو الفرق بينهما؟ لا لشيء إلا أن الأول استغل أوقات فراغه بما ينفع، والآخر ذهبت عليه الأيام والليالي في نوم وسهر على وسائل الإعلام، وتسكع وجلسات وضحكات وتذكر آخِر الإجازة، وكلٌ قد رجع بمكاسب ونتائج، وأنت أيها المسكين تجر أذيال الخيبة والحسرة والخمول والكسل، فإن لم تكن مفتاحًا لأبواب الخير، التي ذكرنا بعضًا منها، فما أقل من دعوات صالحة تخرج من قلبك لإخوانك بالتوفيق والتيسير، فإن الدعاء سلاح المؤمن، فانصر إخوانك، وكن معينًا لهم، ولو بدعوات صادقة أو بكلمات طيبة، فإن هذا تشجيع منك لإخوانك الناشطين العاملين، لك أنت أجر وثواب هذه الكلمات والدعوات، فإن لم تستطع الدعاء أو الكلمة الطيبة فكف عنهم لسانك فإنها صدقة منك أيضًا على نفسك.

إن جميع هذه الأنشطة مهمة ومطلوبة للأطفال والشباب في هذه السن المبكرة، ومن ثم يجب أن تسير كلها متوازية مع بعضها بعضًا في وقت واحد؛ حتى يمكن بناء شخصية الشباب المسلم ليكونوا أهلًا لتولي المسئولية، والمحافظة على الدين والوطن، ومسايرة التطور العالمي في مختلف مجالات الحياة(12).

التوعية الدينية:

إن بث روح الاطلاع الحر وحب القراءة والمعرفة من العادات المفيدة جدًا، التي ينبغي أن نشجع عليها أبناءنا منذ الصغر، حتى يصبح الكتاب خير صديق لهم في حياتهم، وحتى لا يتخذوا الكتاب عدوًا لهم في أثناء الدراسة، ويبتعدوا عنه لمجرد انتهاء العام الدراسي.

 ولا مانع من قراءة القصص الهادفة، التي تبث القيم الفاضلة، وتروي بطولات قادة المسلمين، مع البعد عن القصص الأجنبية التي تبث الأفكار والمبادئ غير الإسلامية، أو التي تثير الغرائز لدى الشباب وتسمم أفكارهم.

التربية البدنية:

الإسلام يهتم بالروح والجسم في آن واحد، ولذلك يجب على الشباب أن يمارسوا معظم أنواع التمارين الرياضية في أثناء العطلات الصيفية، وفي ذلك تقويه لأجسامهم، وتنشيط لأبدانهم من عناء الدراسة خلال العام، وإذا كانت الساعات المخصصة للتربية البدنية في أثناء العام الدراسي قد أصبحت غير كافية في المدارس، وتكاد تكون منعدمة في المعاهد والكليات، فإن ممارسة الرياضة تصبح أكثر أهمية في العطلة الصيفية؛ ليقوي الشباب أجسامهم، ويجددوا نشاطهم، وليظهر منهم أبطال في مختلف الألعاب الفردية والجماعية، ويشرفوا أوطانهم وأمتهم الإسلامية بأعمالهم البطولية.

ويوجهنا الإسلام إلى الاهتمام بأنواع الرياضة البدنية المختلفة، يقول عمر: «علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل»، المؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وخير لأمة الإسلام أن يكون أبناؤها أشداء وأصحاء، وأجسامهم قوية من أن يكونوا ضعفاء ولا تظهر عليهم الصحة والعافية.

النشاط الترفيهي:

وإلى جانب التفتح الذهني بالقراءة والاطلاع فإن الجهد العضلي ينمو بممارسة مختلف أنواع الرياضات البدنية، ومن ثم فالنشاط الترفيهي يكون مستحبًا وواجبًا خلال العطلة الصيفية، ويشمل هذا النشاط تنظيم رحلات ترفيهية للتلاميذ والطلاب لزيارة معالم الدولة، سواء الأماكن الأثرية والمتاحف أو الشواطئ والمدن الساحلية، ويمكن تنظيم هذه الرحلات إما بوساطة الأسر أو بوساطة المدارس والكليات، وتحت إشراف هيئات التدريس فيها، شرط عدم الخروج فيها عن العادات والتقاليد الإسلامية، وهذه الحال فرصة للترويح عن النفس، وليست فرصة للتسيب والانفلات.

 ويمكن أن يشمل هذا النشاط الترفيهي حضور بعض الحفلات، أو مشاهدة الأفلام والمسرحيات الهادفة التي لا تخرج عن تعاليم الإسلام، والتي ترسخ القيم الدينية لدى الجيل الجديد.

إن الترويح عن النفس والاستمتاع بالحياة ومباهجها، بالوسائل المشروعة، من الأمور المباحة والمطلوبة في الإسلام؛ لأن ذلك يجدد النشاط، ويدفع إلى العمل وزيادة الإنتاج، يقول الحق جل جلاله: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [الأعراف:32].

دور الأسرة والمدرسة:

إن الأسر تهتم كل الاهتمام بالجيل الجديد خلال العام الدراسي، وتهتم بالتربية والتعليم لأولادها وشبابها، لكن هذا الاهتمام يجب ألا يقل خلال العطلة الصيفية، فالمسئولية كبيرة خلال هذه الفترة لمراقبة الأطفال والشباب، والحرص على استغلال الوقت المتاح لديهم فيما يعود عليهم بالنفع والفائدة، وحذار من تركهم في فراغ ينشأ عنه التفكير فيما يضرهم ويستدرجهم إلى الوقوع في براثن الشيطان، فيتجه بعضهم إلى تعاطي المخدرات مثلًا أو غير ذلك من العادات السيئة.

إن الأبناء أمانة يجب المحافظة عليها ورعايتها في هذه السن الحرجة، حتى يشبوا على الأخلاق الإسلامية الصحيحة.

وفي الأخير نقول: إنه لا بد من الاستفادة من العطلة الصيفية عبر كل الجوانب المذكورة، وكذلك استعدادًا للموسم الجديد، الذي نأمل أن يكون حاملًا للخير والمزيد من النجاحات(13).

***

_______________

(1) أخرجه البخاري (6412).

(2) أخرجه النسائي (11832).

(3) معارج القبول بشرح سلم الوصول (2/ 712).

(4) أخرجه البخاري (6416).

(5) فتح المنعم على شرح صحيح مسلم (4/ 309).

(6) توبيخ النفس ومعاتبتها، سيد حسين العفاني.

(7) أخرجه الترمذي (2306).

(8) صيد الخاطر، ص240.

(9) المصدر السابق، ص241.

(10) أربعون وسيلة لاستغلال الإجازة الصيفية، إبراهيم الدويش.

(11) أخرجه البخاري (2989)، ومسلم (1009).

(12) رعاية الشباب المسلم في العطلة الصيفية، مجلة الوعي الإسلامي.

(13) المصدر السابق.