أحكام صيام عاشوراء
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.أما بعد فهذه عدة مسائل في صيام عاشوراء، يكثر السؤال عنها، وهي مختصرة بدون إطالة ،راجياً من الله النفع والإفادة، هو خير مسؤول ومأمول، ومنه التوفيق والسداد والقبول:
المسألة الأولى:
صيام عاشوراء: هو صوم اليوم العاشر من شهر الله المحرم، وهو مذهب جمهور الفقهاء ومنهم الأئمة الأربعة، لما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: حين صام رسول الله ﷺ يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا: يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع» قال: فلم يأت العام المقبل، حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم. فضله: يستحب صيامه اتفاقاً، قال ﷺ: (وصيام يوم عاشوراء، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله). رواه مسلم
المسألة الثانية:
الأفضل جعل نية صيام السنة المقيدة والمعينة كعاشوراء وعرفة من الليل حتى يحصل على الثواب كاملاً، فإن نوى من النهار صح صومه، ولأنه لا يستوي من نوى الصيام من الفجر كمن نوى في وسط النهار وآخره، وكمن يدرك صلاة الجماعة من أولها ومن يدركها في وسطها أو آخرها فلا يستويان وإن كان كل منهما مدركاً للصلاة، وقرره طائفة من أهل العلم كالنووي وابن رجب وشيخنا ابن عثيمين رحمهم الله .
المسألة الثالثة:
مراتب صيامه:
الأولى: صيام التاسع والعاشر، وهو محل اتفاق، لما تقدم في حديث ابن عباس رضي الله عنهما .
الثانية: صيام العاشر والحادي عشر وبه قال بعض المالكية ومذهب الشافعية .
الثالثة: صيام يوم عاشوراء وحده فقط، بدون كراهة وهو مذهب بعض الحنفية ومذهب المالكية والشافعية والحنابلة، واختاره ابن تيمية وابن حجر الهيتمي وغيرهم، وينال الفضل المترتب على صومه.وقيل: يكره الإفراد، وهو مذهب الحنفية، والراجح الأول .
الرابعة: صيام يوم قبله أو بعده؛ لرواية: (يوماً قبله أو يوماً بعده) رواه أحمد وابن خزيمة وضعفها بعض أهل العلم، والأفضل قبله؛ لقوله ﷺ: (لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع) رواه مسلم، وهو قول بعض الحنفية وقول للشافعي واختاره ابن القيم، ولا إنكار في هذا، ويكون من عموم فضل صيام الشهر المحرم .
الخامسة : صيام التاسع والعاشر والحادي عشر، وهو الأفضل؛ لرواية (يوماً قبله ويوماً بعده) رواه البيهقي والشافعي وورد عن ابن عباس وصححه بعض أهل العلم، وإن لم تصح الرواية السابقة فيدخل في عموم فضل صيام الشهر المحرم .
المسألة الرابعة:
يصح أن يصوم عاشوراء وإن كان عليه قضاء، وهو مذهب جمهور الفقهاء، لأن القضاء واجب موسع، والأفضل للإنسان ألا يتأخر في القضاء، فلا يدري ما يعرض له من الآفات.
المسألة الخامسة:
هل يصح التشريك بين نية صوم القضاء مع عاشوراء محل خلاف بين العلماء رحمهم الله:
القول الأول: لا يصح ولو نواهما معاً، وهو مذهب الأئمة الأربعة، لأن كلاً منهما مقصود لذاته، ولأنهما عبادتان مستقلتان معينتان .
القول الثاني: يصح التشريك في النية بينهما، وهو قول في مذاهب الأئمة الأربعة، واختاره ابن باز وابن عثيمين، والأحوط: عدم التشريك خروجاً من الخلاف، ولأن كلاً منهما عبادة معينة مستقلة بذاتها، فلا يجمع بين السنة والفريضة في الصلاة .
المسألة السادسة:
التداخل بين السنن في الصيام المقيد والمعين كعاشوراء والصيام غير المقيد والمعين كصيام ثلاثة من كل شهر جوزه جمع من أهل العلم، لأن صيام الثلاثة أيام غير صيام أيام البيض، ولأنها غير مقصودة بذاتها الثلاثة من كل شهر، واختاره ابن حجر وشيخنا ابن عثيمين رحمهم الله .
المسألة السابعة:
يستحب للمسافر والأفضل له الصيام، لأنه لا يقضى، ولأنه سنة مضيقة، واختاره ابن عباس رضي الله عنه والزهري والحسن .
المسألة الثامنة:
التعليل بصيام الأيام ٩ و١٠ و١١ حتى يقع الصيام لعاشوراء يقيناً محل نظر، لأن ذلك مدعاة لتشكيك النا س في صيامهم، والصوم يوم يصوم الناس واختاره النووي .
وقد يقال بهذا احتياطاً إذا وقع الخلاف بين أهل الاختصاص في رؤية دخول شهر المحرم ، وقد ورد ذلك عن ابن عباس وابن سيرين وإسحاق كما في لطائف المعارف لابن رجب.
المسألة التاسعة:
يصح صيام عاشوراء إذا وافق يوم السبت إذا صام معه غيره، وهو مذهب جمهور الفقهاء، وقيل: يصح صيام السبت مطلقاً، وهو مذهب المالكية، وأما حديث النهي عن صيام يوم السبت رواه أحمد وأبو داود فمختلف في صحته فقال الإمام مالك كذب وقال النسائي مضطرب وضعفه الزهري وابن العربي وابن الملقن والطحاوي وابن القيم وهو ظاهر كلام ابن حجر وغيرهم، وصححه الحاكم وابن خزيمة والألباني .
وإن صح الحديث فيحمل على من خصص يوم السبت لكونه يوم السبت فيصومه نفلا ً مطلقاً ول يس لكونه عاشوراء أو عرفة أو قضاء أو كفارة وغير ذلك وقيل: منسوخ .
المسألة العاشرة:
هل صوم عاشوراء يكفر الكبائر؟
الجواب: لا يكفر الكبائر، بل يكفر الصغائر فقط، وهو مذهب جمهور الفقهاء، لأن الكبائر تحتاج توبة خاصة. وقيل : يكفر حتى الكبائر .
المسألة الحادية عشرة:
يتبع كل أهل بلد في تحديد يوم عاشوراء رؤية الهلال في بلدهم كصوم رمضان، وهو مذهب جمهور الفقهاء، فإن لم يكن لهم رؤية فيتبعون أقرب بلد إسلامي لهم له رؤية معتبرة شرعاً .
المسألة الثانية عشرة:
حكم صيام يوم الجمعة له حالات :
أ-إن صام قبله يوم أو بعده فيجوز اتفاقاً .
ب-إن وافق عادة ما يصومه كعاشوراء وعرفة أو كفارة فيجوز صيامه وحده اتفاقاً .
ج- إن صام يوم الجمعة مفرداً تخصيصاً له فمحل خلاف بين العلماء رحمهم الله:
القول الأول: يحرم إفرادُ صومِ الجمعة؛ فلو أفرد الجمعةَ بصوم بدونِ ما تقدَّم وجب فطره لزومًا، وهو مذهب ابنِ حزم وحكاه عن جماعةٍ منَِ الصحابة رضي الله عنهم واختاره ابن تيمية .
القول الثاني: يكره إفرادُ الجمعة بصومٍ ، وهو المشهور من مذهب الشافعية والحنابلة .
القول الثالث: يجوز صومُ الجمعة مطلقاً، وهو قول أبي حنيفة ومحمّد بنِ الحسن، وبه قال مالك وأصحابُه وجماعة.
الراجح: الثاني: لحديث (ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم) رواه مسلم .
المسألة الثالثة عشرة:
صيام عاشوراء لا يقضى ، اتفاقاً ، لعدم الدليل على ذلك ، لأنه سنة فات محلها ، والأعذار مما تعم بها البلوى ولو كان مشروعاً لورد .
المسألة الرابعة عشرة:
هل التوسعة على الأهل في يوم عاشوراء، مشروعة ؟ القول الأول: أنه مستحب ، وهو مذهب جمهور الفقهاء .
القول الثاني: غير مشروع على وجه التخصيص في هذا اليوم، والحث عليه، وأنه من السنن والمستحبات واعتقاد ذلك ، وبه قال بعض الحنفية والحنابلة .
الصحيح الثاني وأن هذا العمل غير مشروع إن كان على وجه التخصيص ، والأدلة على ذلك ما يلي :
١- أن ما روي : ( أن من وسَّع على أهله يوم عاشوراء وسَّع الله عليه سائر سنته ) رواه البيهقي وغيره فاكثر المحدثين على ضعف الحديث الوارد في ذلك كالإمام أحمد وأبوزرعة والدارقطني والعقيلي وابن الجوزي وابن تيمية وابن القيم وابن رجب والذهبي وابن باز والعثيمين وغيرهم من العلماء ، بل حكم عليه بالوضع .
٢-حين وجود الخلاف فالرجوع إلى الكتاب والسنة ، قال الله:
( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ) ، وهذا الفعل لم يرد فيهما ، ولم ينقل عن الصحابة إلا بأثر متكلم في صحته، وعاشوراء يوم مشهود مشهور بل كان واجباً في أول الإسلام، والتوسعة تلزم منها لوازم تكون في العادة مشتهرة لا تخفى، سينقلها الكبار والصغار والرجال والنساء من الصحابة والتابعين وتابعيهم ، فلم يكن موجوداً في الصدر الأول وسلف الأمة ، ولايسعنا إلا ما وسعهم ، فتأمل وتدبر رحمك الله .
٣-أن ذلك مما أحدثه النواصب مقابل ما يحدثه الروافض من الأحزان ، وأن ذلك مدعاة للقيام بالاحتفالات والأفراح والبدع وغير ذلك من المفاسد ومما لم ينزل الله به من سلطان .
٤-أن الوارد في السنة الصيام فقط ، ولم يرد غيره من الأعمال في هذا اليوم ، وتخصيص عبادة من العبادات في زمن معين ومكان معين يحتاج إلى دليل ، ولا دليل يصح على ذلك ، فكن لازماً للسنة داعياً لها وما عليه الرعيل الأول وبهداهم اقتده .
٥- قال ﷺ : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) رواه البخاري.
٦-أن المتأمل لمقاصد الصيام وما أراد الله عز وجل من عباده من التعبد فيه والخضوع والسكينة والافتقار إليه يخالف القول بمشروعية التوسعة ولوازمها.
٧- أن النفقة أمر واجب على الراعي لرعيته بصفة دائمة، فتخصيص التوسعة في هذا اليوم ليس له مناسبة وحكمة ظاهرة بل ربما تخالف الحكمة من الصيام كما تقدم .
٨-أن الاستحباب حكم شرعي يحتاج إلى دليل صحيح صريح .
صوموا أولادكم وحفزوهم، وذكروهم بفضلها وحثوهم على ذلك ، لتنالهم رحمة الله ورضوانه .
إلهي لا تحرمنا فضل عاشوراء جوداً منك وكرماً، ونصراً وعزاً لأهل الإسلام والمسلمين، وص لاحاً وطهارة لنفوسنا وذرياتنا والمسلمين ورد عن المسلمين شر الأشرار وكيد الفجار وظلم الظالمين وكن لهم خير ناصر ومعين .