logo

ابنِ ابنك


بتاريخ : الاثنين ، 3 جمادى الآخر ، 1436 الموافق 23 مارس 2015
بقلم : تيار الاصلاح
ابنِ ابنك

الأبناء هم فلذة الأكباد، وهم أمانة في أعناق الآباء، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (27) وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ(28)} [الأنفال:27-28].

وهم زينة للآباء في الدنيا، وذُخر لهم في الدار الآخرة.

فأما أنهم زينة في الدنيا فلقول الله تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} [الكهف:46].

وأما أنهم ذُخر في الآخرة؛ فلأن الآباء إذا أحسنوا رعاية الأبناء صاروا بمشيئة الله صالحين، والولد الصالح ينفع والديه بالصدقة الجارية والدعوة الصالحة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له»(1).

وهم مرآة لأخلاق وسلوك الآباء والأمهات في غالب الأحوال؛ فالأبناء يتأثرون بالآباء والأمهات، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه، كما تُنْتَجُ البهيمةُ بهيمةً جَمْعَاءَ، هل تُحِسُّون فيها من جَدْعَاءَ»(2)(3).

وإن وجود المفكرين والمبدعين البارزين من رجال ونساء؛ إنما يدل على طفولة خصبة، ورعاية متكاملة، ويقظة في ضمير القائمين على العملية التربوية.

وتربية الطفل، التربية الإسلامية الصحيحة، هي التي توظف طاقات الطفل لكي يمارس تأثيره في مجتمعه، وفق ما تعلمه وعمل به من دينه؛ إذ لا بد أن يوجه الطفل لعبادة الله وحده، وهو أول ما يجب عليه أن يتعلمه ويلتزم بأدائه، ثم توجيه طاقاته إلى أداء حقوق الآخرين والإحسان إليهم، مع تعويده على ممارسة الدعوة إلى ما تعلمه وفهمه، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن الطفل إذا شب ودأب على ممارسة الدعوة إلى الله، على حسب فهمه واستيعابه، وهو حصيلة تربيته الدينية، فبعون الله وتوفيقه يجني الآباء والأمهات ثمرات ذلك ناشئًا مؤهلًا للقيام بأعباء الدعوة، حاملًا هم الإسلام والمسلمين، فالأطفال متى ما تربوا على هذا الدين، قادرون على أن يمارسوا مهمة الدعوة مع أقرانهم وزملائهم وإخوانهم وأسرهم(4).

وتقع على الأبوين مسئولية تربية الأبناء، ووقايتهم من الخسران والشر والنار، التي تنتظر كل إنسان لا يؤمن بالله، أو يتبع غير سبيل المؤمنين، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6]، وجاء لفظ: {وَأَهْلِيكُمْ} بالجمع ليشمل الزوجة والولد.

وهذه المسئولية تزداد أهمية في أيامنا؛ لأن بعض عناصر الحياة الاجتماعية، خارج الأسرة والمسجد، ليست في كل الأحيان موافقة لهدف التربية الإسلامية: كالمذياع، والتلفاز، وبعض المجلات الخليعة، والقصص الماجنة التي تتسرب إلى أيدي الأطفال، فإذا لم يبق الأبوان يقظين حذرين فلن يستطيعا إنقاذ أبنائهما من اجتيال الشياطين؛ شياطين الإنس والجن(5).

كيف تربي ابنك:

لقد اهتم الإسلام بتوفير الضمانات المناسبة لتنشئة الخلف الصالح، فأوصانا بأن نتخير من البداية لنطفنا؛ فإن العرق دساس، كما طالبنا باختيار الزوجة الصالحة المتدينة؛ لأنها أساس تربية الأبناء.

واهتم الإسلام كذلك بتنشئة الطفل منذ ولادته، ويشير الغزالي إلى أهمية المرضعة، وأثر لبنها على أخلاق الطفل الرضيع، فيقول: "فلا يستعمل في حضانته وإرضاعه إلا امرأة صالحة متدينة تأكل الحلال؛ فإن اللبن الحاصل من الحرام لا بركة فيه، فإذا وقع عليه نشوء الصبي عجن طينته من الخبث، فيميل طبعه إلى ما يماثل الخبائث"(6).

ومن الخطوات العملية التي ينبغي ألا تغيب عن الأب وهو يبني ثمرة فؤاده:

1- الدعاء:

إن الذي يملك القلوب هو الله تعالى، فإذا ما لجأ الإنسان إلى ربه جل وعلا ودعاه استحيا الله منه أن يرده خائبًا، ومن الدعوات التي لا ترد دعوة الوالد لولده؛ فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث دعوات يستجاب لهن، لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد لولده»(7).

والدعاء من سنة الأنبياء والصالحين، فعباد الرحمن يقولون: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} [الفرقان:74]، وزكريا عليه السلام يقول: {فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا} [مريم:5]، وإبراهيم عليه السلام يدعو: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات:100]، ويدعو لهم بصلاح العقيدة: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ} [إبراهيم:35]، ويدعو لهم بأن يكونوا مقيمين للصلاة: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي} [إبراهيم:40].

ولقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي رضي الله عنهما، فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأخذه والحسن ويقول: «اللهم إني أحبهما فأحبهما»(8)

ولا يشك مؤمن في أهمية الدعاء في صلاح الصغار، وهو ما كان يوصي به المصلحون أولياء الصغار؛ فقد شكا أحدهم ابنه إلى طلحة بن مصرف