logo

إدارة الصراعات في حياتنا اليومية


بتاريخ : الخميس ، 22 جمادى الأول ، 1439 الموافق 08 فبراير 2018
بقلم : د. خالد بن محمد الشهري
إدارة الصراعات في حياتنا اليومية

الخلاف بين الناس جزء من طبيعة البشر؛ فلا يوجد شخصان، مهما كان توافقهما، يعيشان دون حدوث خلافات في الرأي بينهما؛ يقول الله عز وجل: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود:118-119].

وحينما يحدث الخلاف بين الأشخاص قد يتطور الموقف ليولد الصراع، وقد يتحول سلوك بعضهم إلى العدوان، وهنالك آخرون يكونون في الظاهر هادئين، ولكن داخلهم يمور غضبًا، وقد يقوم بعضهم بعقاب البعض، أو الاعتداء بالفعل أو القول، وأحيانًا بالصمت.

والصراع أمرٌ ملازم لطبيعة الخلاف وخصائص المختلفين، وفي سيكولوجية سلوك الجماعات أنه بمجرد تكوُّن الجماعة وتنافسها يظهر الصراع بشكل تلقائي؛ نتيجة للاختلافات فيما بين الأفراد.

وأسباب الصراعات الأولية غالبًا تنشأ من الخلافات حول:

• تحديد الأهداف.

• أو وسائل تحقيق الأهداف.

• أو توزيع المسئوليات.

• أو وضع القواعد المنظمة للسلوك.

والخلاف بين الناس أمر طبيعي، وجِبلَّة إنسانية، وهو كما قال ابن الوردي:

ليس يخلو المرء من ضد ولو       حاولَ العُزلةَ في راسِ الجبَل

لكن هذا الخلاف قد تُحوله مشاعرُ الكراهية والبغض والخوف والإعراض والأخلاق الصدامية إلى صراع بين الأفراد، وقد يتطور ليكون عائقًا في الحياة اليومية.

هل الصراع شر؟

الصراع أمر وارد في جوانب الحياة المختلفة، ينتج عن الاختلافات في الآراء، لكن الصراع في نظر الكثيرين اكتسب سمعة سيئة؛ مما جعل رأي الكثيرين أنهم ينبغي أن يتجنبوه.

لكن هذا السلوك، في الغالب، يؤدي إلى مزيد من الصراعات الداخلية، بمعنى أنه كلما تجنب الفرد الصراعات مع الآخرين، استثار صراعًا داخليًّا في نفسه، ومزيدًا من مشاعر الإحباط، وأحيانًا مشاعر الدونية والعجز.

لذلك فإن علماء النفس يتفقون، بشكل عام، على أنه يُفضل أن يقوم الأشخاص بالكشف عن صراعاتهم مع الآخرين، وحلها بلباقة؛ مما يجعل ذلك ينعكس إيجابًا على تنمية علاقات متينة وإيجابية بيننا وبين الآخرين، وأتذكر هنا المثل الشعبي الشائع: (ما محبة إلا بعد عداوة).

لماذا علينا أن نحسم الصراعات؟

حتى لا نتأثر نحن داخليًّا فعلينا أن نحسم الصراعات مع الآخرين بشكل كامل، وبطريقة سليمة؛ لأن الصراع الخارجي غير المحسوم مع الأشخاص الآخرين يؤدي إلى صراع نفسي داخلي مزعج ومقلق، وهذه حقيقة يجب ألا تغيبَ عن بالنا، وبخاصة أنها قد تتطور لينتج عنها نوع من المرض النفسي، ولنتجنب الدخول في صراعات جديدة علينا أن نفهم ما هي الظروف التي تتسبب في حدوث الصراعات بين الناس.

أسباب الصراعات عمليًّا بين الأفراد:

1- ضعف التواصل وعدم الوضوح بين الأفراد يؤدي إلى الشك وعدم الثقة.

2- التناقض في الشخصيات وطريقة التفكير قد يكون سببًا في بعض الأحيان.

3- عدم فهم الفرد لدوره، والفرق بينه وبين أدوار الآخرين.

4- اختلاف المبادئ والقيم بين الأشخاص يؤدي إلى الصراع.

5- عدم توافق الأهداف أو تناقض الحاجات يؤدي إلى الصراع.

6- اختلاف الأفكار حول كيفية تحقيق الأهداف المشتركة.

7- العداوات بين الأفراد والشكوك والخوف من بعضهم البعض قد تتسبب في الصراع.

وحينما تحدث الظروف والأسباب التي تنشئ الصراعات بين الأفراد تختلف ردات فعلهم لأسباب كثيرة جدًّا، ويتضح هنا أثر قوة الشخصية والثقة في النفس والتجارب السابقة التي يمتلكها الفرد، ويتبع الأفراد لذلك عدة استراتيجيات وطرق للتعامل مع الصراعات التي تواجههم.

الاستراتيجيات الشائعة لإدارة الصراع بين الناس:

1- التجنُّب:

وتتضمن الانسحاب من موقف الصراع، ويتعمد الفرد فيها تجاهله وتجنبه بدلًا من التعامل معه.

وهذه الطريقة جيدة حينما يكون الأمر تافهًا، أو عندما تتوقع ضررًا أكبر من المنفعة في حال المواجهة، أو حينما يكون الحصول على رغباتك أقل مما يؤدي لإشباعها، أو حينما يصعُبُ التواصل بشكل كافٍ مع الشخص المعنيِّ، أو حينما تكون بحاجة إلى جمع معلومات أكبرَ حول الموضوع.

2- التسوية والمصالحة:

وتعني الوصول إلى حل وسط بين المتخالفين عن طريق التفاوض، على أن يستعدَّ كل طرَف لتقديم بعض التنازلات.

وفيها إشباع جزئي لحاجات كل طرف من أطراف النزاع.

وهي مناسبة حينما لا يكون ممكنًا الحصول على حل مثالي يرضي جميع الأطراف، أو حين يكون الوقت غير كافٍ، أو حينما يكون جميع الأطراف بنفس الدرجة من القوة، أو حينما يكون هنالك حاجة للتوصل إلى حل مؤقت لمشكلة معقَّدة.

3- الهيمنة:

وتعني حل الصراع عن طريق استخدام السلطة الرسمية، أو مكانتك الشخصية؛ مثل تلك الأوامر التي يصدرها الأب لابنه، ويجبره على امتثالها، أو مثل قرار رئيس القسم لمرءوسيه.

وهذا يكون مناسبًا عندما تكون الحاجة ملحَّة لاتخاذ إجراء سريع لا يحتمل التأجيل، ولا يحظى بالقبول، من أجل ضمان مكاسبَ على المدى البعيد.

4- التعاون:

وهذا يعني تحديدَ أسباب الصراع، والبحث عن حلول تحقِّق منفعة مشتركة.

وهذا مناسب جدًّا عند الرغبة في الحصول على قرارات عالية الجودة والكفاءة، وعندما تكون الأمور مهمة بدرجة لا تسمح بتقديم تنازلات، أو الأخذ بحل وسط.

5- الإيثار:

وفي هذه الاستراتيجية يكون هنالك استعداد للتضحية، بحيث يقدِّم أحد الأطراف اهتماماتِ الطرَف الآخر على رغباته ومصالحه.

وأفضل مثال هنا ما يفعَله بعض الأزواج عندما ينشب صراع فيما بينهم، وكذلك ما يفعله بعض الأبناء حينما يتنازلون عن رغباتهم في سبيل والديهم، أو العكس.

وهذا ملائم جدًّا حينما يكون الأمر أكثرَ أهمية للطرف الآخر، أو حينما ترغب في تقليل الخسائر لأدنى درجة ممكنة، حين تكون كِفَّة الطرف الآخر راجحةً على كِفتك، أو حينما يكون الانسجام بين الطرفين ذا أهمية بالغة.

متى عليك أن تستخدم أسلوب الحسم؟

يتبع الناس في سلوكهم التفاعلي مع الآخرين أحد ثلاثة أساليب:

- السلوك السلبي.

- السلوك العدواني.

- أسلوب الحسم.

1- السلوك السلبي، ويتضمن:

• الاستسلام لمطالب الآخرين.

• عدم تعبيره عن مشاعره وآرائه بوضوح وصراحة.

• تقديم الكثير من الاعتذارات.

هذا السلوك السلبي يعطي رسالة دونية "بأني لست على نفس قدرك من الأهمية".

وهدف هذا السلوك السلبي هو إرضاء الآخرين، وتجنُّب الصراع.

وكثيرون يتصرفون بشكل سلبي حينما يتلقَّوْن تهديدات من الآخرين، ويعجِزون عن قول: (لا).

ويؤدي السلوك السلبي غالبًا إلى ضغوط انفعالية، وإحباطات، وغضب، وقد يؤدي إلى تدمير تقدير الذات.

2- السلوك العدواني، ويتضمن:

• تجاهل حقوق الآخرين.

• وإلقاء اللوم عليهم، وعزو المشكلات إليهم.

• وتوجيه تهديدات لهم.

• وتوجيه هجوم لفظي عليهم.

• والسخرية منهم.

وهذا السلوك العدواني يوصل رسالة استعلاء وتكبُّر: «أنا مهم، أما أنت فغير مهم».

وهدف السلوك العدواني هو السيطرة على الآخرين وإذلالهم.

ويؤدي هذا النوع من السلوك إلى تفاقم التوتر والضغوط، ويعُوق من نمو العلاقات القائمة على المودة والثقة.

3- أسلوب الحسم:

يعني الذود عن حقوقنا، والتعبير عن مشاعرنا وأفكارنا وآرائنا بطريقة مباشرة وأمينة وملائمة، وبدون انتهاك لحقوق الآخرين.

وخصائص الحسم السليم أربعة:

• الدفاع عن حقوقنا الشخصية.

• التعبير عن مشاعرنا بطريقة واضحة وأمينة.

• احترام حقوق ومشاعر الآخرين.

• القدرة على أن نقول: «لا» حينما لا نرغب أن نقوم بشيء ما.

10 أفكار لإدارة الصراعات بين الأفراد بنجاح:

1- تخيُّر الوقت والمكان الملائمين لمواجهة شخص ما، وتجنُّب مناقشة الصراع في مكان عام، أو في حضور أشخاص غير مَعنيِّين بالأمر.

2- خطِّط لمناقشتك بعناية، وفكِّر فيما تريد أن تقوله، والكيفية التي ستقوله بها.

3- تدرَّبْ على فن الإصغاء، وركِّز في كلام الطرف الآخر، ولا تستعجل بالكلام، ولا تفكِّر أثناء كلامه بالرد؛ بل استمع ما يقوله جيدًا؛ لتفهم ما وراء الكلمات التي يقولها، وراقِب جيدًا لغتَه الجسدية أثناء الحوار.

4- تحدَّث بهدوء عن المشكلة دون لوم أو إهانة للطرَف الآخر، وإياك أن تستخدم السخرية أو التهديد أو الشتم؛ فهي تَزيد في المشكلة ولا تحُلُّها.

5- ابحَثْ عن بدائلَ لحل الصراع، وأتِحْ مجالًا للطرف الآخر لحفظ ماء وجهه، وكن متفتح العقل.

6- ركِّز في عباراتك على ضمير المتحدث (أنا)، الذي يصف موقفك ومشاعرك الشخصية؛ مثل: أنا أشعر بأنك انتقصت من قدري حينما انتقدتني أمام الآخرين، ولا تقل: أنت لم تراعِ شعوري حينما انتقدتني أمام الآخرين؛ وذلك لأن ضمير المخاطب سيدفع الطرف الآخر لاتخاذ موقف دفاعي.

7- كن أمينًا، وتأمَّل ما أخطأت فيه، واعترِف به.

8- أوضِحْ بدقةٍ مشاعرَك، وابتعد عن العبارات الفضفاضة أو المتذمرة، بدون توضيح سبب واضح يفهمه الطرف الآخر.

فقل مثلًا: لقد شعرتُ بخيبة أمل لأنك لم تنجِزْ ما اتفقنا عليه، ولا تستخدم عبارات غامضة؛ مثل: أنت شخص لا يُعتمد عليه.

وقل: لقد أخفقتَ في الوفاء بالموعد المحدد أكثر من مرة معي، ولا تقل: أنت شخص يفتقر إلى الصدق والمهنية.

9- ابحث عن هدف أو أمر مهم وجذاب مشترك بين الطرفين لتنطلق منه في الحل.

10- افصل دائمًا بين الحقائق وبين وجهات النظر، وقُم بوصف الحدث المتسبِّب في الصراع بدقة وموضوعية، وبدون تحيز.

وختامًا، تذكَّر أن الخلاف طبيعة بشرية، لا يمكن أن يخلو منها مجتمع، أو جماعة صغيرة أو كبيرة، وأنها قد تحدُثُ في أي وقت، وحين تستوعب هذا جيدً فإن ردة فعلك ستكون أكثر تعقلًا في التعامل معها وإدارتها، وستعمل جيدًا على ألا تكون أنت سببًا للخلاف، أو محدِثًا للصراع، وهذا في حدِّ ذاته يعتبر مكسبًا لك، وقد عدَّ نبينا صلى الله عليه وسلم من محاسن الأعمال أن: «تكف شرَّك عن الناس؛ فإنها صدقة منك على نفسك».

والله عز وجل بيَّن أن الإصلاح بين الناس فضيلة، قليلٌ من يفعلها: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء:114].

ولله الأمر من قبل ومن بعد.

المصدر: موقع الألوكة