logo

خطوات لاتخاذ القرار


بتاريخ : الأربعاء ، 29 صفر ، 1435 الموافق 01 يناير 2014
بقلم : مبارك عامر بقنه
خطوات لاتخاذ القرار

نتخذ القرار لنحقق أمرًا نريده في حياتنا، أو لنخرج من مشكلة تواجهنا، وهذه القرارات التي تُتخذ قد تكون قرارات مصيرية تؤثر في حياة الشخص، كالطلاق فهو قرار صعب لأن تأثيره يتعدى على جميع أفراد الأسرة

 

وقد يلحق بهم الضرر، وكالالتحاق بكلية واختيار التخصص فهو قرار صعب لأن تأثيره يستمر معك مدى الحياة، وهناك قرارات لا تؤثر كثيرًا، كاختيار وجبة الغداء أو الذهاب لبعض الأصدقاء، فالقرارات تتفاوت في درجتها وخطورتها، ولهذا لابد أن تكون هناك آلية صحيحة يستخدمها المرء في اتخاذ القرارات، وخصوصًا القرارات المصيرية التي يترتب عليها تغيير مواقف وبناء حياة، وبقدر ما يكون المرء قادرًا على اتخاذ القرار الصائب بقدر ما يكون نجاحه.

 

ونحن نرى كثيرًا من الناس دقيقين جدًا في تجميع المعلومات، ووضع الأسئلة، ودراسة الأحوال والمتغيرات، ولكن عندما تأتي لحظة القرار فإنهم لا يعرفون إلا طريقًا واحدًا، وهو الارتجالية وسرعة البديهة، والقرار البديهي ليس مذمومًا مطلقًا؛ بل هناك حالات تتطلب من المرء أن يتخذ فيها قرارًا سريعًا، كالقضايا الطارئة، فالدكتور يتخذ قرارًا في صرف الدواء للمريض، ويتطلب أن يكون القرار سريعًا لكنه يجب أن يكون مبني على علم مسبق، وعند اتخاذ قرار مبني على البديهة فإننا في الغالب لا نلتفت إلى المآلات وما يترتب على ذلك من نتائج، وإنما نعيش اللحظة الآنية فنتخذ القرار متأثرين بالعوامل التي تحيط بنا.

 

إن صناعة القرار لا يعتمد فقط على البديهة أو الحدس، وإنما تبنى كذلك على إجراءات تساعد على اتخاذ القرار الصائب، وهنا اذكر بعض اللمح بشكل مختصر في عملية اتخاذ القرار.

 

خطوات اتخاذ القرار:

 

أولًا: اجعل لك إطارًا، والإطار بمعنى أن يكون لديك معيارًا يجعلك تفضل قرارًا على آخر، فقرارك لابد أن يتفق مع مبادئك، فلا تغيب أهدافك وقيمك وطموحاتك وقت تناول القرار.

 

فصانع القرار الجيد ينظر إلى الحكم الشرعي، وإلى الأهم والمهم، وإلى التأثيرات الإيجابية والسلبية، فأسأل قبل اتخاذ القرار: هل القرار ومخرجاته تتلاءم مع مبادئ؟، هل هذا القرار الذي سأتخذه يحقق شيئًا من أهدافي؟، هل هذا القرار يدفعني إلى الأمام؟، بعد هذه الأسئلة وغيرها سيتغير تعاملنا مع الحدث، فلابد أن نربط بين القرار وبين الغاية والهدف كي تنتظم حياتنا وتسير كلها في مسارٍ واحد بعيدة عن الشتات.

 

إننا أحيانًا نتخذ قرارات لا تحقق أهدافنا؛ لأننا نعيش في غفلة عن أهدافنا، أو بعبارة قاسية إنه ليس لدينا أهدافًا واضحة نريد تحقيقها والوصول إليها، فقراراتنا يفترض أن توجه أهدافنا وغاياتنا.

 

ثانيًا: أعط نفسك فرصة للتفكير والتأمل، حاول أن تفكر بهدوء وعقلانية فالابتعاد عن الانفعال والسيطرة على النفس من أصعب ما يكون، ولكن لابد من ذلك لاتخاذ قرارًا صائبًا.

 

ابتعد عن اتخاذ القرار وأنت سيء المزاج، كي لا تتخذ قرارًا خاطئًا، وقد جاء في الحديث "لَا يَحْكُمْ الْحَاكِمُ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ"(1)، كل هذا بسبب أن لا يكون قراراه خاطئًا.

 

ابتعد عن الاستعجال، فالتأني من الله و العجلة من الشيطان[2].

 

توقف قبل أن تصدر حكمًا أو تتخذ قرارًا، تأمل في آثار القرار، فلا تجعل اللحظة تسيطر عليك، بل أرحل إلى المستقبل وتأمل في هذا القرار، فقد يكون هناك أمرًا لم تراه.

 

فلا تستعجل كن متأنيًا وخصوصًا في القرارات المصيرية التي يترتب عليها تبعات كبار، حاول أن تسجل كل ما يمكن من الإيجابيات والسلبيات المترتبة على اتخاذ القرار من عدمه.

 

توقف: وأسأل: ما أصعب شيء في الأمر؟، هل بهذا القرار تزيد الأمر صعوبة أم لا؟، هل القرار الذي اتخذته يؤثر على قرارات أخرى؟.

 

ثالثًا: افهم الموضوع جيدًا، المفهوم الخاطئ يعطي قرارا خاطئًا، فهذا إبليس عندما أمره الله بالسجود لآدم اتخذ قرارًا خطيرًا وسيئًا وهو الرفض، وذلك نتيجة لمفهوم خاطئ لديه أنه خير من آدم، "أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ"، فكيف يسجد لمن هو أدنى منه، ولو كان لديه فهمًا صحيحًا كان عليه أن يطيع أمر الله تعالى بصرف النظر عن الحكمة أو السبب وراء ذلك، لذلك حاول أن تتفهم الموضوع أكثر، وذلك بالسؤال والاستفسار والمناقشة والتأمل.

 

رابعًا: استفد من تجاربك وخبراتك، تجاربك الشخصية تمنحك القدرة لمعرفة القرار الصحيح من الخاطئ، فقد يكون في ماضيك قرارات كثيرة خاطئة، ولكن لا تجعلها تحطمك أو تمنعك من اتخاذ قرارات جديدة فالماضي قد ذهب، ودع نظرك دائمًا للمستقبل، استفد من تجاربك في عدم الوقوع في قرار خاطئ آخر مماثل فقد جاء في الحديث "لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين"(3)، وأنا أجزم أنك إذا استثمرت تجربتك وخبراتك الذاتية فإنك ستكون، بإذن الله تعالى، ناجحًا بقدر كبير في اتخاذ القرار.

 

ولا يشترط في التجربة السابقة أن يكون الشخص أحد أطرافها، فتجارب الآخرين هي عبرة وعظة لنا إذا أحسنا الاستفادة منها، فالحياة تتكرر فيها الأحداث بصور متنوعة، في شخوصنا أو في شخوص الآخرين، وإن كانت في المضمون واحدة.

 

إننا إذا جعلنا تاريخنا وتاريخ الأفراد والأمم تجارب لنا، فقد ساعدنا أنفسنا وأعطيناها الفرصة على اختيار القرار الصائب، بإذن الله تعالى.

 

خامسًا: شاور غيرك، التغذية الراجعة لها دور مهم في اتخاذ القرارات وخصوصًا الحرجة منها، فمشاورة الآخرين والاستفادة من عقول أهل الخبرة والعلم يزيد المرء بصيرة وقدرة على اكتشاف الإيجابيات والسلبيات.

 

ونحن نظن أننا نملك المعلومة والخبرة الكافية في اتخاذ القرار، ولكن عندما نشاور الآخرين نكتشف أننا نفتقد كثيرًا من المعلومات والخبرات.

 

والمشاورة ليست قدحًا في العقل أو دلالة على عجز المرء على عدم اتخاذ القرار؛ كلا، بل من كمال العقل ورجحانه أن يشاور الثقات فالله، عز وجل، قد أمر أكمل الخلق عقلًا ورشدًا أن يشاور من هو دونه في العقل.

 

وقد امتثل عليه الصلاة والسلام فشاور الصحابة الكرام في قضايا كثيرة، حتى في أخص أموره، ففي الصحيح أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، دعا علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد، رضي الله عنهما، حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله، يعني عائشة، رضي الله عنها، في حادثة الأفك، فأما أسامة فأشار عليه بالذي يعلم في نفسه من الود لهم، فقال أسامة: أهلك يا رسول الله ولا نعلم والله إلا خيرًا، وأما علي بن أبي طالب فقال: يا رسول الله لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير، وسل الجارية تصدقك، فدعا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بريرة، فقال :"يا بريرة هل رأيت فيها شيئا يريبك" فقالت بريرة: لا ... إلى آخر الحديث[4].

 

ولو أن الناس اتخذوا هذا المنهج النبوي المثالي وشاوروا قبل أن يطلقوا زوجاتهم، لقلة نسبة الطلاق بدرجة كبيرة، فالعاقل من يجعل هناك نافذة للمشاورة والاستفادة من آراء وفكر الآخرين.

 

سادسًا: لا تخف من الخطأ، فليس صحيحًا أن تكون جميع قراراتنا صحيحة، ولكن الصحيح والمطلوب أن نبذل جهدنا في اتخاذ القرار الصحيح، فإن وفقنا فالحمد لله تعالى، فالخطأ لابد أن نراه كجزء من حياتنا الطبيعية، فنحن لسنا معصومين من الخطأ، ولكننا نحاول بقدر الإمكان تقليل نسبة الأخطاء التي نسقط فيها.

 

فحسن أن تهيئ نفسك لبعض المغامرات في حياتك، إذ أن كل نجاح نشاهده، في الغالب بدأ بفكرة فيها نوعًا من المغامرة، وإذا أخفقت في اتخاذ القرار فلا تحطم نفسك وتزدري عقلك، ولكن قل هذه تجربة استفدت منها في عدم السقوط في مثلها في قادم الأيام، فاجعل الخطأ في اتخاذ القرارات هو فرصة تعلم لك فلا تضيعها.

 

سابعًا: القرار الصائب يكون بمعرفة المآلات، فمعرفة السلبيات والإيجابيات والموازنة بينهما تمنح المرء القدرة على اتخاذ القرار المناسب.

 

إننا عندما نغفل عن ما يترتب على قراراتنا من سلبيات، فإننا نسقط في حفر جانبية كبيرة تجعلنا نقف أو نرجع القهقرى، ويمكن معرفة المآلات بجمع معلومات وبدراسة الاحتمالات المترتبة على قرارنا والرؤية المعتدلة للأمور دون تغليب جانب على آخر.

 

وعند جمع المعلومات عليك أن تقبل نقص المعلومات؛ إذ لا يشترط عند اتخاذ القرار أن تكون لديك المعلومة مئة بالمئة فهذا أمر متعذر، فاتخاذ القرار فقط عند توفر المعلومة أو الحقائق أو الحصول عليها كاملة دائمًا يكون فيه حرج وصعوبة؛ لذلك ضع خطًا أدنى للمعلومات المناسبة التي تمنحك القدرة على اتخاذ القرار.

 

تسأل: كم من المعلومات احتاجها؟ اجعل لك حدًا أو نسبة تقريبية لكمية المعلومات المطلوبة، فهل تحتاج إلى 70% أو 90%، وكلما ازدادت النسبة كلما تطلب مزيدًا من الوقت لاتخاذ القرار ، وقد تتطور الأحداث بسبب عدم تفاعلك بسرعة مع الأمر، وأنت تتخذ أصغ إلى عقلك وقلبك، فإن وجدت أن مشاعرك وعواطفك لا تنجذب إلى هذا القرار، وأن هناك ممانعة، فتوقف وتأمل أكثر، فربما هناك صواعق مختبئة في الغيوم.

 

ثامنًا: تحمل مسئولية قراراتك، عند اتخاذ أي قرار تحمل مسئوليته وما يترتب عليه من نتائج، وقد يكون تحمل المسئولية أمرًا مرعبًا ويجعل المرء يتوقف عن اتخاذ أي قرار مؤثر، إلا إن الإنسان لا يمكنه أن يغير أو يتطور أو يؤثر مالم يتخذ مثل هذه القرارات القوية ويتحمل نتائجها، لذا من المهم تعلم عمليات اتخاذ القرار وتحمل نتائجها فلا نفصل بعضها عن بعض، وإن تخلينا عن نتائج قراراتنا فإننا بذلك نفقد التغذية الراجعة وقدرتنا على تصحيح الأخطاء وتطوير الذات وتقويمها، مما يفقدنا القدرة على اتخاذ قرارات جيدة في المستقبل.

 

---------------------------------------

[1] سنن الترمذي رقم (1245) وقال: حسن صحيح.

[2] انظر السلسلة الصحيحة للألباني رقم (1795) ص (404)

[3] صحيح البخاري رقم (5668)

[4] صحيح البخاري رقم (2467)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: موقع صيد الفوائد.