logo

إدارة الصراع


بتاريخ : الجمعة ، 1 جمادى الأول ، 1436 الموافق 20 فبراير 2015
بقلم : د. محمد بن علي شيبان العامري
إدارة الصراع

يتعذر تجنب الخلاف في المؤسسات؛ لأن أهداف وقيم واحتياجات الجماعات والأفراد لا تتوافق دائمًا، فقد يكون الخلاف سمة من سمات التنظيم السليم، وقد يكون الاتفاق التلقائي على كل شيء سمة غير طبيعية، ومهنة للقوى، ومن الطبيعي أن يكون هناك خلافات في الآراء حول المهام والمشروعات، وفي هذه الحالة لا يجب كبت هذه الخلافات؛ بل يجب إظهارها؛ لأن ذلك يعتبر الطريقة الوحيدة التي يمكن بها كشف نقاط الخلاف وتسويتها.

وهناك ما يسمى بالخلاف الخلّاق؛ أي الآراء الجديدة أو المعدلة والآراء التي تنطوي على نفاذ البصيرة، والمناهج والحلول التي يمكن خلقها عن طريق الاشتراك في إعادة بحث وجهات النظر المختلفة، إذا ما تم هذا على مبدأ التبادل الموضوعي والعقلاني للمعلومات والآراء.

ويصبح الخلاف خلافًا منتجًا للانعكاسات إذا قام على الخلافات الشخصية، أو إذا ما تمت معاملة الخلاف على أنه مأزق مشين، يستوجب سرعة التخلص منه أكثر من اعتباره مشكلة تتطلب إيجاد مخرج لها.

إن حل الخلافات يتعلق بالخلافات بين الجماعات أو الأفراد.

حل الخلافات بين الجماعات:

هناك ثلاثة طرق رئيسية لحل الخلافات بين الجماعات هي:

- التعايش السلمي.

- والتسوية.

- وحل المشكلات.

التعايش السلمي:

الهدف من التعايش السلمي هو تهدئة الخلافات، والتأكيد على مواضع الاتفاق، فيتم تشجيع الناس على العيش في سلام، بحيث يتوفر في هذه الحالة تبادل المعلومات والاتصالات، وكذا تبادل الآراء، ويتنقل الأفراد بحرية بين الجماعات وبين بعضها البعض (التنقل مثلًا بين المركز الرئيسي والفروع المختلفة).

ولا شك أن هذا هدف رائع، ولكنه لا يطبق في جميع الأحوال، فكثيرًا ما تثبت الدلائل أن الخلافات لا يتم حلها عن طريق التقارب بين الأفراد، بينما نرى أن هناك وسائل للاتصال قد تكون لها فائدتها؛ مثل إعطائهم تعليمات محددة ونهائية, ولكن هذه الوسيلة تكون عديمة الفائدة إن لم يتوفر للإدارة ما تقوله ويريد الأفراد سماعه، وهنا يكون احتمال الخطر؛ وهو أن الخلافات الحقيقية قد تختفي للحظة في جو من الهدوء السطحي، ولا تلبث أن تطفو على السطح فيما بعد.

التسوية:

يتم حل الخلاف بالتفاوض أو بالمساومات, لا يفوز ولا يخسر أي طرف من الأطراف في هذه الحالة؛ لأن فكرة تجزئة الخلاف فكرة تشاؤمية في أساسها, والسمة المميزة لهذا الأسلوب هي أنه لا توجد إجابة صحيحة أو إجابة مفضلة، فالاتفاقات هي وحدها التي تسوي الخلافات، أما الخلافات الحقيقية فلا يمكن حلها.

حل المشكلات:

هناك محاولة لإيجاد حل حقيقي للمشكلة أفضل من تسوية وجهات النظر المختلفة، وهي عن طريق التناقض الواضح "الخلاف الخلاق"، ويتم ذلك باستخدام حالات الخلاف لخلق أو إيجاد حلول مبتكرة.

إذا أردنا تطوير الحلول لحل المشكلات فلا بد من أن يبتكر هذه الحلول المسئولون، الذين يرون أن الحلول تفيد، وتتم هذه الحلول المبتكرة على النحو التالي:

أولًا: يقوم المسئولون بتحديد المشكلة، وتحديد الأهداف التي يمكن الوصول إليها لإيجاد حل للمشكلة.

ثانيًا: تقوم الجماعة بتقديم الحلول البديلة لحل المشكلة، ودراسة مزاياها.

ثالثًا: الاتفاق على الحل المفضل، ودراسة كيفية تنفيذه.

حل الخلافات بين الأفراد:

قد يكون حل الخلافات بين الأفراد أكثر صعوبة من حل الخلافات بين الجماعات، سواء كان الخلاف يتم عن عداء واضح، أو دهاء متخفٍ، أو ينطوي هذا الخلاف على آراء شخصية قوية.

ومع ذلك يقول (جيمس ويير) و(لويس بارنييس): «إن القدرة على حل الخلاف بطريقة بناءة تمثل تحديًا كبيرًا للنجاح الإداري، وتزداد حدة الخلافات بين الأفراد بتزايد حدة الخلافات داخل المؤسسة، وكل المؤسسات لها نصيبها أيضًا من الخلافات البسيطة، التي تضاعف المشاكل الرئيسية، من هنا تكون مشكلة المدير هي الاعتماد على الاختلاف في آراء الأفراد دون أن يجعله يعرض الأداء الكلي والتطور للخطر».

ويواصل (ويير) و(بارنييس) القول أن الخلاف بين الأشخاص مثل الخلاف بين الجماعات، هو حقيقة تنظيمية، لا هي جيدة ولا هي سيئة، قد تكون مدمرة، وقد تقوم بدور بناء، "فالمشكلات تنشأ إذا ما تم قمع الخلاف القائم بطريقة مصطنعة، أو إذا زادت حدته على قدرة الخصوم، أو تدخل طرف ثالث بمثابة الوسيط".

بالإضافة إلى أن الفعل بالنسبة للخلاف بين الأفراد قد يكون انسحاب أحد الطرفين، تاركًا الطرف الآخر وحده في الساحة، هذا هو الموقف التقليدي القائم على مبدأ المكسب والخسارة، أما إذا تم حل المشكلة بالقوة فلا يكون ذلك هو الحل الأمثل لها إذا كان هذا الحل يمثل وجهة نظر واحدة لفرد واحد، ويتجاهل وجهات النظر الأخرى المخالفة، والتي قام، في الحقيقة، بإبادتها إبادة تامة، فالفائز قد يكون منتصرًا، والخاسر قد يكون مظلومًا، وفي هذه الحالة يكون مدفوعًا للقتال مرة أخرى في يوم من الأيام، وقد يكون هناك هدنة للخلاف ولكن لا تكون له نهاية.

وهناك طريقة أخرى لتهدئة الخلافات، والتظاهر بأن الخلاف لم يعد قائمًا، بالرغم من أنه لم تبذل أي محاولة لمعالجة جذور الخلاف، وهذا الأسلوب أيضًا أسلوب غير مُرْضٍ؛ لأنه من المحتمل أن تظهر المشكلة من جديد، وتستأنف المرحلة أيضًا من جديد.

وهناك طريقة أخرى لحل الخلاف، وهي المساومة للتوصل لتسوية الخلاف، وهذا معناه أن الطرفين يكونان مستعدان لأن يكسبا أو يخسرا بعض النقاط، كما أن الهدف هو الوصول لحل يرضي الطرفين، ومع ذلك فإن المساومة تتضمن كل أنواع الحيل التكتيكية المضادة، وغالبًا ما يكون الطرفان أكثر تلهفًا للوصول لتسويات يقبلونها أكثر من تلهفهم إلى الوصول لحل سليم.

ومع ذلك فقد حدد (ويير) و(بارنييس) طريقتين لإدارة الخلاف بين الأشخاص، هما: السيطرة، والمواجهة البناءة.

السيطرة:

تشمل السيطرة منع التفاعل، وبناء أشكال التفاعل، وتقليل أو تغيير الضغوط الخارجية.

ومنع التفاعل استراتيجية تستخدم عندما تشتد الانفعالات، حيث تتم السيطرة على الخلاف بالفصل بين طرفيه، على الرغم من وجود الخلافات؛ لنعطي الفرصة للأشخاص المعنيين لتهدئة الخلافات والتفكير في حلها بطريقة بناءة، وقد تكون هذه الطريقة وسيلة مؤقتة، وتكون المواجهة المحتملة أكثر تفجيرًا للخلاف.

ويمكن استخدام استراتيجية بناء أشكال التفاعل إن لم يمكننا الفصل بين الطرفين، وفي هذه الحالة يمكن تطوير اللوائح الأساسية للتعامل مع الخلاف، عن طريق توصيل المعلومات بين الطرفين، أو التعامل مع المشاكل القائمة، وقد تكون هذه الاستراتيجية وسيلة مؤقتة أيضًا إذا تم كبت الآراء المختلفة بدلًا من التوفيق بينها.

أما عن الاستشارات الشخصية فهي عبارة عن استراتيجية لا تركز على الخلاف نفسه؛ بل تركز على تفاعل الطرفين، وهذه الاستراتيجية تفسح المجال لهما لإخراج التوترات الحبيسة، وتشجيعهما على إيجاد طرق جديدة لتسوية النزاع، ولكنها لا تركز على الطبيعة الأساسية للخلاف، وهي العلاقة بين الطرفين؛ لذلك فإن المواجهة البناءة تقدم الأمل الأفضل لتوفير الحل الأبدي للخلاف.

المواجهة البناءة:

المواجهة البناءة أسلوب للتقريب بين طرفي الخلاف، وغالبًا ما تتم بوجود طرف ثالث يكون دوره هو خلق مناخ من التفاهم والتعاون بينهما.

وهذا الأسلوب يساعد أيضًا الطرفين للتعرف على وجهات النظر المختلفة لكل منهما، وهو عملية لتطوير التفاهم المشترك بينهما بهدف الوصول لحل يرضي الطرفين، فتتم مواجهة المشاكل على أساس التحليل المشترك لهذه المشاكل بمساعدة طرف ثالث، وتحليل الحقائق المتعلقة بالموقف، والتصرف الفعلي للطرفين.

ويتم التعبير عن وجهات النظر وتحليلها، ويتم أيضًا تحليلها بربطها بأحداث وتصرفات معينة، وليس عن طريق ربطها بالاستنتاجات أو بدراسة الدوافع.

أما عن الطرف الثالث فله دور رئيسي في هذه العملية، وهو دور صعب، ومسئولية هذا الطرف هي ضرورة التوصل لاتفاق حول القواعد الأساسية للمناقشات التي تهدف لإظهار الحقائق، وتقليل السلوك العدواني، ومن واجبه أيضًا مراقبة طرق التعبير عن وجهات النظر السلبية أثناء المناقشات، وتشجيع الطرفين على تحديد المشاكل، وتحديد أسبابها ودوافعها؛ للوصول لحل مرضٍ للطرفين، كذلك فإن من واجب الطرف الثالث عدم التحيز لأي طرف من طرفي الخلاف، وأخيرًا يجب على الطرف الثالث تبني أسلوب الاستشارة الشخصية على النحو التالي:

- أن يستمع وكله آذان صاغية.

- يقوم بالملاحظة والاستماع في آن واحد.

- يساعد الطرفين على فهم وتحديد المشكلة بتوجيه الأسئلة التي تتعلق بموضوع الخلاف.

- يتعرف على وجهات النظر، ويسمح للطرفين بالتعبير عنها.

- يساعد الطرفين لإيجاد الحلول البديلة للمشاكل.

- يساعد الطرفين على تطوير الخطط والتنفيذ، وتوفير المشورة والمساعدة في حالة طلبها.

خاتمة:

الخلاف في حد ذاته كما أوضحنا لا يمكن إنكاره؛ فالخلاف مصاحب للتقدم والتغيير، وما يستحق أن نأسف عليه هو فشلنا في استخدام الخلاف بطريقة بناءة، وليس هناك من شك في أن الحل العملي للمشاكل، والمواجهة البناءة لها يساعد على حل الخلافات، وفتح قنوات للمناقشة والسلوك التعاوني.

ومنذ عدة سنوات كتبت (ماري باركر فوليت)، وهي واحدة من الكتّاب الرواد في الإدارة، فكتبت شيئًا عن إدارة الخلافات، والذي تصدق صحته الآن كما كانت في ذلك الوقت، وهذا الشيء هو: «يمكن أن تساهم الخلافات في القضية العامة إذا تم حلها بالتكامل، وليس عن طريق السيطرة أو التسوية».

_______________

المصدر: موقع مهارات النجاح للتنمية البشرية