ما يصل إلى الأموات وما لا يصل
اقتضت رحمة الله تعالى بخلقه أن يُجرِي عليهم ما كانوا سببًا فيه من أعمال صالحات؛ كولد صالح، وعلم نافع، وصدقة جارية، وعلى هذا اتفاق العلماء، فلم يتنازعوا في وصول أجر ذلك للميت وانتفاعه به.
ولكنّ أعمالًا أخرى قد يعملها الغير للإنسان الميت قاصدًا أن يجعل له أجرها وثوابها، فهل تصل إلى الميت فينتفع بها؟ أم أنها لا تصل؟! في هذا وقع الخلاف والنزاع بين العلماء، وهو محل بحثنا في هذه الصفحات.
ونعرض لذلك في المحاور التالية:
•الأعمال المتفق على وصول ثوابها للميت.
•الخلاف في العبادات البدنيّة المحضة. (أقوال الفقهاء والترجيح).
•الحج والعمرة عن الميت. (أقوال الفقهاء والترجيح).
•مسائل وفتاوى هامة مترتبة على ما سبق.
الأعمال المتفق على وصول ثوابها للميت:
الأعمال الصالحة إما أن يعملها الإنسان بنفسه لنفسه في حياته، وإما أن يعملها له غيره ويهبها له بعد موته، فأما ما عمله الإنسان بنفسه لنفسه، فقد اتفق الفقهاء على أن الميت يصله ما كان من سعيه وعمله، أو نتيجة سعيه وعمله.
سُئل ابن القيم رحمه الله: هل تنتفع أرواح الموتى بشيء من سعي الأحياء أم لا؟ فقال: «تنتفع من سعي الأحياء بأمرين، مجمع عليهما بين أهل السنة من الفقهاء وأهل الحديث والتفسير. أحدهما: ما تسبب إليه الميت في حياته. والثاني: دعاء المسلمين له، واستغفارهم له، والصدقة»( 1).
والأدلة على وصول ما كان من سعيه وعمله، أو نتيجة سعيه وعمله، كثيرة، منها:
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له»( 2).
وعنه أيضًا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علمًا علمه ونشره، وولدًا صالحًا تركه، ومصحفًا ورثه، أو مسجدًا بناه، أو بيتًا لابن السبيل بناه، أو نهرًا أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته، يلحقه من بعد موته»( 3).
وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سبعة يَجري للعبد أجرهن وهو في قبره بعد موته: من علَّم علمًا، أو كرى نهرًا، أو حفر بئرًا، أو غرس نخلًا، أو بنى مسجدًا، أو ورث مصحفًا، أو ترك ولدًا يستغفر له بعد موته»( 4).
وعن أبي مسعود الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من دل على خير فله مثل أجر فاعله»(5 ).
وعن جرير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء»(6 ).
كما اتفقوا على أنه يصل للميت أجر وصيته الصالحة، لحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم، زيادة لكم في أعمالكم»( 7).
وعن الشَّرِيد بن سويد الثقفي قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إن أمي أوصت أن تعتق عنها رقبة، وإن عندي جارية نوبية، أفيجزئ عني أن أعتقها عنها؟، قال: «ائتني بها»، فأتيته بها، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «من ربك؟»، قالت: الله، قال: «من أنا؟»، قالت: أنت رسول الله، قال: «أعتقها، فإنها مؤمنة»( 8).
هذا بخصوص ما عمله الإنسان بنفسه لنفسه، وأما ما عمله غيره من الأحياء له ووهبه إليه، فقد اتفقوا على وصول العبادات غير البدنية المحضة؛ كالصدقة، والدعاء والاستغفار مطلقًا، والأدلة على ذلك كثيرة.
قال ابن قدامة وغيره: «فصل: وأي قربة فعلها، وجعل ثوابها للميت المسلم، نفعه ذلك، إن شاء الله، أما الدعاء، والاستغفار، والصدقة، وأداء الواجبات، فلا أعلم فيه خلافًا، إذا كانت الواجبات مما يدخله النيابة»( 9).
فأما الصدقة: فلحديث عائشة رضي الله عنها أن رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أمي افتلتت نفسها( 10)، وأظنها لو تكلمت تصدقت، فهل لها أجر إن تصدقتُ عنها؟ قال: «نعم»( 11).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن سعد بن عبادة رضي الله عنه توفيت أمه وهو غائب عنها، فقال: يا رسول الله، إن أمي توفيت وأنا غائب عنها، أينفعها شيء إن تصدقت به عنها؟ قال: «نعم»، قال: فإني أشهدك أن حائطي المخراف صدقة عليها( 12).
وعن أبي هريرة أن رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أبي مات وترك مالًا ولم يوص، فهل يُكفِّر عنه أن أتصدق عنه؟ قال: «نعم»( 13).
وقد علق النووي على حديث أم المؤمنين عائشة قائلًا: «وفي هذا الحديث أن الصدقة عن الميت تنفع الميت، ويصله ثوابها، وهو كذلك بإجماع العلماء، وكذا أجمعوا على وصول الدعاء وقضاء الدين بالنصوص الواردة في الجميع»( 14).
وأما الدعاء والاستغفار: فقد حكاه الله تعالى عن الأنبياء والصحابة والتابعين؛ فعلى لسان إبراهيم: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} [إبراهيم:41].
وعلى لسان نوح: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [نوح:28].
بل أمر الله تعالى نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم قائلًا: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد:19].
وقد دعا التابعون للصحابة: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} [الحشر:10].
وأُمرنا أن ندعو لوالدينا: {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء:24]، وأمثال ذلك في القرآن كثير.
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الرجل لترفع درجته في الجنة فيقول: أنى هذا؟ فيقال: باستغفار ولدك لك»( 15).
وعن أبي هريرة أيضًا أنه قال: نعى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم النجاشي، صاحب الحبشة، في اليوم الذي مات فيه، فقال: «استغفروا لأخيكم»( 16).
وأما قضاء الديون: سواء كانت لله أم للعباد، فلحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن سعد بن عبادة رضي الله عنه استفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن أمي ماتت وعليها نذر، فقال: «اقضه عنها»( 17).
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نفس المؤمن معلقة بدَيْنه حتى يُقضى عنه»(17 ).
الخلاف في العبادات البدنيّة المحضة:
واختلفوا في العبادات البدنيّة المحضة، كالصوم، والصلاة، والطواف ، وقراءة القرآن؛ هل يصل ثوابها إلى الأموات أم لا يصل؟ وكان خلافهم على ثلاثة أقوال.
القول الأول: أن كل عمل صالح يهدى للميت فإنه يصله، سواء كان عبادة مالية أو بدنية، محضة أو غير محضة، ومن ذلك: قراءة القرآن، والصوم، والصلاة، وغيرها من العبادات.
وهو مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية، والحنابلة، وبعض المالكية، وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم.
ومن المعاصرين: فضيلة الشيخ ابن جبرين(19 )، وفضيلة الشيخ ابن عثيمين( 20)، وفضيلة الشيخ عطية صقر( 21)، والشيخ عبد اللطيف حمزة( 22)، وهي فتوى دار الإفتاء المصرية( 23).
وهذه بعض النقولات التي تبين مذهبهم، وتوضح مسلكهم:
فأما الحنفية:
فقال ابن نجيم الحنفي: «والأصل فيه أن الإنسان له أن يجعل ثواب عمله لغيره؛ صلاة، أو صومًا، أو صدقة، أو قراءة قرآن، أو ذكرًا، أو طوافًا، أو حجًا، أو عمرة، أو غير ذلك، عند أصحابنا»( 24).
وكذا قال المرغيناني الحنفي: «الأصل في هذا الباب أن الإنسان له أن يجعل ثواب عمله لغيره؛ صلاة أو صومًا أو صدقة أو غيرها، عند أهل السنة والجماعة»(25 ).
وقال الزيلعي: «الأصل في هذا الباب أن الإنسان له أن يجعل ثواب عمله لغيره عند أهل السنة والجماعة؛ صلاة كان، أو صومًا، أو حجًا، أو صدقة، أو قراءة قرآن، أو الأذكار، إلى غير ذلك من جميع أنواع البر، ويصل ذلك إلى الميت وينفعه»( 26).
وأما الحنابلة:
فقال ابن قدامة الحنبلي، محتجًا لوصول ثواب قراءة القرآن للميت: «وهذه أحاديث صحاح، وفيها دلالة على انتفاع الميت بسائر القرب؛ لأن الصوم والحج والدعاء والاستغفار عبادات بدنية، وقد أوصل الله نفعها إلى الميت، فكذلك ما سواها»(27 ).
وقال ابن مفلح: «كل قربة فعلها المسلم وجعل ثوابها للمسلم نفعه ذلك، وحصل له الثواب؛ كالدعاء والاستغفار، وواجب تدخله النيابة، وصدقة التطوع، وكذا العتق، ذكره القاضي وأصحابه أصلًا، وذكره أبو المعالي وشيخنا وصاحب المحرر، وكذا حج التطوع.
وفي المجرد: من حج نفلًا عن غيره وقع عمن حج لعدم إذنه، وكذا القراءة والصلاة والصيام، نقل الكحال في الرجل يعمل شيئًا من الخير؛ من صلاة، أو صدقة، أو غير ذلك، ويجعل نصفه لأبيه أو أمه: أرجو، وقال: الميت يصل إليه كل شيء من الخير؛ من صدقة أو صلاة أو غيره»(28 ).
وقال أحمد: «الميت يصل إليه كل شيء من الخير؛ للنصوص الواردة فيه»(29 ).
وفي الروض المربع: «وأي قربة من دعاء، واستغفار، وصلاة، وصوم، وحج، وقراءة، وغير ذلك فعلها مسلم، وجعل ثوابها لميت مسلم أو حي نفعه ذلك»( 30).
وقال ابن تيمية: «وتنازعوا في وصول الأعمال البدنية: كالصوم، والصلاة، والقراءة، والصواب أن الجميع يصل إليه»( 31).
وقال في موضع آخر: «الصحيح أنه ينتفع الميت بجميع العبادات البدنية؛ من الصلاة والصوم والقراءة، كما ينتفع بالعبادات المالية؛ من الصدقة والعتق ونحوهما باتفاق الأئمة»( 32).
وقال ابن القيم: «النصوص متظاهرة على وصول ثواب الأعمال إلى الميت إذا فعلها الحي عنه، وهذا محض للقياس؛ فإن الثواب حق للعامل، فإذا وهبه لأخيه المسلم لم يمنع من ذلك، كما لم يمنع من هبة ماله في حياته وإبرائه له من بعد موته»( 33).
ونقل ابن حجر الهيتمي قول صاحب الروضة: «إن القارئ إذا قرأ، وجعل ما حصل من الأجر للميت، كان دعاءً بحصول ذلك الأجر للميت فينفعه»(34 ).
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ: «وصول الثواب المهدى من الحي إلى الميت جنسه معروف في الأدلة...، والذي عليه الجمهور والمحققون وصول ذلك إلى الميت، وليس الإهداء تقربًا إليهم، وطلبًا للشفاء والنفع؛ بل هذا نفع من الحي للميت، والآخر طلب من الميت، والنصوص دالة على أن الحي ينفع الميت، لا العكس...
أما صلاة النوافل، وإهداء ثوابها إلى أقربائه، وكذلك ذبح الذبيحة والصدقة بها وإهداء ثوابها إليهم فلا بأس بذلك إن شاء الله»( 35).
وقال فضيلة الشيخ عطية صقر: «وكل قربة يهب الإنسان ثوابها إلى الميت يرجى انتفاعه بها، ولم يرد ما يمنعه»(36 ).
هذا ومما يلزم التنبيه إليه في هذا المقام، ما ذكره الشيخ ابن عثيمين، تبعا لشيخ الإسلام ابن تيمية، أن إهداء ثواب الأعمال للأموات، وإن كان في الأصل جائزا، عندهم، إلا أنه غير مشروع، بمعنى لا يندب إليه الناس، ولا يستحب لهم فعل إلا ما ورد عن النبي فعله.
يقول ابن عثيمين:
«الصواب: أن الميت ينتفع بكل عمل صالح جعل له، إذا كان الميت مؤمنًا. ولكننا لا نرى أن إهداء القرب للأموات من الأمور المشروعة التي تطلب من الإنسان؛ بل نقول: إذا أهدى الإنسان ثواب عمل من الأعمال، أو نوى بعمل من الأعمال أن يكون ثوابه لميت مسلم فإنه ينفعه، لكنه غير مطلوب منه أو مستحب له ذلك، والدليل على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرشد أمته إلى هذا العمل»(37 ).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:
'' ومحمد صلي الله عليه وسلم هو الداعي إلي ما تفعله أمته من الخيرات فما يفعلونه له فيه من الأجر مثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيء. ولهذا لم تجر عادة السلف بأن يهدوا إليه ثواب الأعمال لأن له مثل ثواب أعمالهم بدون الإهداء من غير أن ينقص من ثوابهم شيء. وليس کذلك الأبوان فإنه ليس کل ما يفعله الولد يکون للوالد مثل أجره وإنما ينتفع الوالد بدعاء الولد ونحوه مما يعود نفعه إلي الأب کما قال في الحديث الصحيح: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية وعلم ينتفع به وولد صالح يدعو له)'' .
وقال شيخ الإسلام رحمه الله أيضا:
'' فلم يکن من عادة السلف إذا صلوا تطوعا وصاموا وحجوا أو قرءوا القرآن يهدون ثواب ذلك لموتاهم المسلمين ولا لخصوصهم بل کان عادتهم کما تقدم فلا ينبغي للناس أن يعدلوا عن طريق السلف فإنه أفضل وأکمل، والله أعلم'' .
القول الثاني:
أنه لا يصل إلى الميت شيء من الأعمال الصالحة إلا ما استثناه الدليل كالصدقة الجارية ودعاء الولد الصالح والعلم يُنتفع به، وكذلك الحج والعمرة لمن لم يفعلهما، وكذلك الاستغفار والدعاء.
وهو المشهور عند الشافعية، وهو قول أكثر المالكية(38 ).
ومن المتأخرين والمعاصرين: العلامة الشوكاني ، والعلامة ابن باز( 39)، والشيخ عبد العزيز آل الشيخ ، والشيخ محمد صالح المنجد، والشيخ صالح المغامسي، والشيخ العريفي ، والشيخ أبي إسحاق الحويني ، ود. سعيد بن علي بن وهف القحطاني( 40)، والشيخ محمد عبد المقصود، وكثيرون، وبه تفتي اللجنة الدائمة بالمملكة السعودية .
فأما المالكية:
فقد قال الصاوي المالكي: «والميت ينفعه صدقة عليه من أكل أو شرب أو كسوة أو درهم أو دينار، ودعاء له بنحو: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، بالإجماع.
لا بالأعمال البدنية؛ كأن تهب له ثواب صلاة أو صوم أو قراءة قرآن كالفاتحة، وقيل ينتفع بثواب ذلك، والله أعلم بحقيقة الحال»(41 ).
وأما الشافعية:
فقد قال النووي: «والمشهور في مذهبنا أن قراءة القرآن لا يصله ثوابها، وقال جماعة من أصحابنا يصله ثوابها»( 42).
وعن الربيع بن سليمان قال: حدثنا الشافعي إملاءً قال: «يلحق الميت من فعل غيره وعمله ثلاث: حج يؤدى عنه، ومال يتصدق به عنه أو يقضى، ودعاء.
فأما ما سوى ذلك من صلاة أو صيام فهو لفاعله دون الميت»( 43).
وفي روضة الطالبين: «ومعلوم أن الميت لا يلحقه ثواب القراءة المجردة، فالوجه: تنزيل الاستئجار على صورة انتفاع الميت بالقراءة، وذكروا له طريقين.
أحدهما: أن يعقب القراءة بالدعاء للميت؛ لأن الدعاء يلحقه، والدعاء بعد القراءة أقرب إجابة وأكثر بركة.
والثاني: ذكر الشيخ عبد الكريم السالوسي، أنه إن نوى القارئ بقراءته أن يكون ثوابها للميت لم يلحقه، وإن قرأ ثم جعل ما حصل من الأجر له، فهذا دعاء بحصول ذلك الأجر للميت، فينفع الميت»( 44).
وعن الصلاة قال البجيرمي: «وأما الصلاة فالراجح أنه ليس لأحد أن يجعل ثوابها أو جزءًا منها لغيره، فلو فعل ذلك لم يحصل للمجعول له شيء»( 45).
ويقول العلامة الشوكاني، رحمه الله:
"وأحاديث الباب تدل على أن الصدقة من الولد تلحق الوالدين بعد موتهما بدون وصية منهما ويصل إليهما ثوابها فيخصص بهذه الأحاديث عموم قوله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} [النجم: 39]، ولكن ليس في أحاديث الباب إلا لحوق الصدقة من الولد، وقد ثبت أن ولد الإنسان من سعيه فلا حاجة إلى دعوى التخصيص، وأما من غير الولد فالظاهر من العمومات القرآنية أنه لا يصل ثوابه إلى الميت فيوقف عليها حتى يأتي دليل يقتضي تخصيصها" .
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة السؤال: هل يصل ثواب قراءة القران وانواع القربات الى الميت؟ سواء من أولاده أو من غيرهم؟
والجواب: لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيما نعلم، انه قرا القران ووهب ثوابه للأموات من اقربائه او من غيرهم، ولو كان ثوابه يصل اليهم لحرص عليه، وبينه لامته لينفعوا به موتاهم، فانه عليه الصلاة والسلام بالمؤمنين رؤوف رحيم.
وقد سار الخلفاء الراشدون من بعده وسائر اصحابه على هديه في ذلك، رضي الله عنهم، ولا نعلم ان احدًا منهم اهدى ثواب القران لغيره، والخير كل الخير في اتباع هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهدي خلفائه الراشدين وسائر الصحابة ـ رضي الله عنهم، والشر في اتباع البدع ومحدثات الامور؛ لتحذير النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من ذلك بقوله: (اياكم ومحدثات الامور فان كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)، وقوله: (من أحدث في امرنا هذا ما ليس منه فهو رد) وعلى هذا لا تجوز قراءة القران للميت، ولا يصل اليه ثواب هذه القراءة بل ذلك بدعة.
اما انواع القربات الاخرى فما دل دليل صحيح على وصول ثوابه الى الميت وجب قبوله، كالصدقة عنه والدعاء له والحج عنه وما لم يثبت فيه دليل فهو غير مشروع حتى يقوم عليه الدليل. وعلى هذا لا تجوز قراءة القران للميت ولا يصل اليه ثواب هذه القراءة في اصح قولي العلماء، بل ذلك بدعة.اهـ.
القول الثالث:
ذهب العلامة الألباني، رحمه الله، إلى عدم وصول شيء من ثواب الأعمال للأموات، موافقا بذلك أصحاب القول الثاني، غير أنه يستثني الأولاد مع آبائهم وأمهاتهم، فيصل ثواب عملهم لهم.
محل الخلاف:
محل الخلاف فيما وقع من الأعمال الصالحة لله، بلا عوض دنيوي، ثم وهبه فاعله للميت، أما ما استأجر عليه من أعمال فلا خلاف في عدم وصوله، قال ابن تيمية: «والثواب لا يصل إلى الميت إلا إذا كان العمل لله، وما وقع بالأجر من النقود ونحوها فلا ثواب فيه»( 46).
وقال ابن عابدين الحنفي عن الاستئجار لقراءة القرآن: «وقد قال العلماء: إن القارئ إذا قرأ لأجل المال فلا ثواب له، فأي شيء يهديه إلى الميت، وإنما يصل إلى الميت العمل الصالح»( 47).
سبب الخلاف:
عدم ورود نص محكم يمنع أو يجيز فعل العبادات البدنية للميت، فإنه لم يرد نص خاص في المسألة، وإنما وردت النصوص إما عامة وإما في عبادات غير بدنية.
ففريق اعتمد على القياس؛ فقاس العبادات البدنية على المالية في وصول ثوابها للميت، وقاس ما لم يرد نص بجوازه على ما ورد فيه نص، فقال: بوصول الأعمال كلها إلى الميت.
وفريق رأي عدم الاعتداد بما لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة ولا التابعين، وأن عدم فعله صلى الله عليه وسلم لذلك دليل عدم مشروعيته، وعليه قال بعدم وصول أجر العبادات إلى الميت إلا ما ورد نص بوصوله، وعدم مشروعية إهداء العبادات البدنية المحضة إلى الأموات، وقالوا: لو كان مشروعًا لسنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته، ولكل فريق أدلته.
ورأى بعضهم الجمع بين القول بالمنع، والقول بالجواز، فخص الجواز بالأولاد مع والديهم دون غيرهم، إلا ما ورد به نص في غيرهم.
الأدلة:
أولًا: أدلة الفريق الأول:
القائلين بوصول كل الأعمال الصالحة من الأحياء إلى الأموات إذا وهبوها لهم.
الدليل الأول:
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن العاص بن وائل أوصى أن يعتق عنه مائة رقبة، فأعتق ابنه هشام خمسين رقبة، فأراد ابنه عمرو أن يعتق عنه الخمسين الباقية فقال: حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن أبي أوصى بعتق مائة رقبة، وإن هشامًا أعتق عنه خمسين وبقيت عليه خمسون رقبة، أفأعتق عنه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه لو كان مسلمًا فأعتقتم عنه، أو تصدقتم عنه، أو حججتم عنه بلغه ذلك»( 46).
وعند أحمد: «أما أبوك فلو كان أقر بالتوحيد فصمت وتصدقت عنه نفعه ذلك».
وجه الاستدلال:
أن النبي صلى الله عليه وسلم سوى بين الصوم والصدقة والعتق في الوصول إليه(49 )، والمعنى: أن ذلك كله يصل إلى الميت بشرط أن يكون مسلمًا.
الدليل الثاني:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يضحي اشترى كبشين عظيمين، سمينين، أقرنين، أملحين موجوءين، فذبح أحدهما عن أمته، لمن شهد لله بالتوحيد، وشهد له بالبلاغ، وذبح الآخر عن محمد وعن آل محمد صلى الله عليه وسلم(50 ).
وعند أحمد: ... ثم يؤتى بالآخر فيذبحه بنفسه ويقول: «هذا عن محمد وآل محمد»، فيطعمهما جميعًا المساكين، ويأكل هو وأهله منهما، فمكثنا سنين ليس رجل من بني هاشم يضحي، قد كفاه الله المئونة برسول الله صلى الله عليه وسلم والغرم.
وجه الاستدلال:
أن عمله صلى الله عليه وسلم وصل إلى الأحياء وأجزأ عنهم، بدليل ما جاء في رواية أحمد: «فمكثنا سنين ليس رجل من بني هاشم يضحي قد كفاه الله المئونة برسول الله صلى الله عليه وسلم والغرم»، والحي قادر أن يفعل ذلك عن نفسه، فلأن يصل إلى الأموات أولى.
الدليل الثالث:
عن الحجاج بن دينار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من البر بعد البر أن تصلي عليهما مع صلاتك، وأن تصوم عنهما مع صيامك، وأن تصدق عنهما مع صدقتك»( 51).
وجه الاستدلال:
وصول ثواب الصلاة والصيام إلى الميت، وهما عبادتان بدنيتان محضتان، وكذا وصول ثواب الصدقة، وهي عبادة مالية.
نوقش:
أن الحديث ضعيف لأنه مرسل، وعن أبي إسحاق إبراهيم بن عيسى الطالقاني أنه قال لعبد الله بن المبارك: يا أبا عبد الرحمن، الحديث الذي جاء: «إن من البر بعد البر أن تصلي لأبويك مع صلاتك، وتصوم لهما مع صومك»، قال: فقال عبد الله: يا أبا إسحاق، عمن هذا؟ قال: قلت له: هذا من حديث شهاب بن خراش، فقال: ثقة، عمن قال؟ قلت: عن الحجاج بن دينار، قال: ثقة، عمن قال؟ قلت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: يا أبا إسحاق، إن بين الحجاج بن دينار وبين النبي صلى الله عليه وسلم مفاوز تنقطع فيها أعناق المطي، ولكن ليس في الصدقة اختلاف(52 ).
أجيب:
قد وردت أحاديث أخرى تقوي معنى هذا الحديث وتعضده، ومنها ما رواه الحاكم في مستدركه وصححه ووافقه الذهبي، من حديث أبي أسيد مالك بن ربيعة الساعدي رضي الله عنه يقول: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله، هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به من بعد موتهما؟ قال: «نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهودهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم الذي لا رحم لك إلا من قبلهما»( 53).
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الذهبي في التلخيص: صحيح.
وقد حسنه ابن عساكر في "الأربعون البلدانية"(54 ).
الدليل الرابع:
أنه قد ثبت من طرق كثيرة انتفاع المقبور، والتخفيف عنه ببركة فعل الحي، من ذلك: ما ورد عن ابن عباس قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال: «إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة»، ثم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين، فغرز في كل قبر واحدة، قالوا: يا رسول الله، لم فعلت هذا؟ قال: «لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا»( 55).
وجه الاستدلال:
حيث انتفع الميت بعمل الحي، مع أن مجرد وضع الجريدة ليس من القربات، فلأن ينتفع بقربات الحي، إن وهبها له، لهو أولى.
نوقش:
هذه خصوصية من خصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم.
أجيب:
قال بدر الدين العيني: «وضع الجريدتين على القبرين؛ إما لأنه عليه السلام سأل الشفاعة لهما فأجيب إليها، كما ورد في رواية مسلم: «فأجيبت شفاعتي»، وإما أنه عليه السلام كان يدعو لهما تلك المدة، وقيل: لكونهما يسبحان ما دامتا رطبتين، وليس لليابس تسبيح، وهذا مذهب جماعة من المفسرين في قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء:44]»(56 ).
فعلى القول الثالث، في تأويل الحديث، فليست خصوصية له صلى الله عليه وسلم.
نوقش:
بأن الراجح في معنى الحديث الخصوصية، لأنه يتعلق بأمر غيبي لا يعلم إلا بوحي، وبدليل أنه لم يرد عن أي واحد من الصحابة رضي الله عنهم، أنه فعل ذلك بميت من أموات المسلمين.
فهذا هو ما فهمه صحابة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهم أدرى الناس بنصوص الوحيين، وأعقل الناس لتصرفاته صلى الله عليه وسلم.
الدليل السادس:
في الصحيحين عن المغيرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من نيح عليه يعذب بما نيح عليه»( 57)، وفي لفظ لهما: «الميت يعذب ببكاء الحي عليه».
وجه الاستدلال:
الله عز وجل أرحم من أن يوصل العذاب إلى الميت بفعل الحي ونياحته عليه، ثم لا يوصل إليه نفع ما يفعله له الحي من قربات.
نوقش:
إنما يعذب الميت بنياحة الحي عليه إن كان ذلك من سنته في حياته، وكان راضيًا عنه، أو أوصى به، كما قرر ذلك العلماء، أي أنه يعذب بما كان سببًا فيه في حياته من معاص، تمامًا كما ينتفع بما كان سببًا فيه من طاعات، وهذا متفق عليه.
الدليل السابع: المعقول:
وذلك من وجوه:
أولًا: القياس على الدعاء والصدقة مطلقًا، والحج والصوم الواجبين؛ فإنه يصل ثوابها إلى الميت بالإجماع، والصيام عبادة بدنية، والحج قد جمع البدنية والمالية.
فقالوا: الصوم يدل على الانتفاع بالعبادات البدنية، والحج يدل على الانتفاع بالعبادات البدنية والمالية، والصدقة تدل على الانتفاع بالعبادات المالية.
فإنه "عمل بر وطاعة، فوصل نفعه وثوابه؛ كالصدقة والصيام والحج الواجب"( 58).
ثانيًا: "الثواب حق للعامل، فإذا وهبه لأخيه المسلم لم يمنع من ذلك، كما لم يمنع من هبة ماله في حياته، وإبرائه له من بعد موته"( 59).
ثالثًا: قياسًا على جواز الأضحية عن الميت.
هذا، مع عدم ورود النهي عن ذلك، بل ورود ما يؤيد مشروعيته؛ من جواز الصوم والحج عن الميت وقضاء دينه.
نوقش:
الأصل في العبادات الحظر حتى يرد دليل بالإباحة، ولم يرد. ولا قياس في العبادات؛ لأن مبناها على التوقيف.
أجيب:
بل ورد؛ بإباحة الحج والصوم والصدقة عن الغير، ففي إباحتها دلالة على إباحة ما يماثلها.
وأما قولكم لا قياس في العبادات، فإن العلماء اختلفوا في صحة القياس في العبادات، ومنشأ هذا الخلاف هو اختلافهم في كون العبادات، هل هي معقولة المعنى فيجوز إجراء القياس فيها، أو هي غير معقولة المعنى فلا يجوز إجراء القياس فيها؟ مع اتفاق الكل على أن معقول المعنى يجري فيه القياس، وغير معقول المعنى يمنع فيه القياس، وإنما اختلفوا في أفراد ذلك، هل هو من معقول المعنى فيجري فيه القياس، أو غير معقول المعنى فلا يجري فيه القياس.
فالمانعون يرون أن العبادات غير معقولة المعنى فلا تعلل، وحيث إنها لا تعلل فلا يجوز إجراء القياس فيها، والمجوزون يرون أنها معقولة المعنى في كثير من أحكامها، فيجوز تعليلها وإجراء القياس فيها كغيرها. وهذا هو مذهب الجمهور وهو الراجح ان شاء الله تعالى . وعليه، فيبقى الاستدلال قائما.
ثانيًا: أدلة الفريق الثاني:
الدليل الأول:
قول الله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم:39].
وجه الاستدلال:
أن الآية قد حصرت وقصرت انتفاع المرء على عمل نفسه وسعيه لها، أما عمل الغير، الذي ليس بولد صالح للميت، فليس من سعي الإنسان .
نوقش:
الجواب من وجوه:
أحدها: أنه شرع من قبلنا فلا يلزمنا، فقد سيقت الآية حكاية عما في شرع موسى وإبراهيم عليهما السلام: {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى...} [النجم:36-37]، وقد ورد في شرعنا ما يخالفه؛ فالصدقة والدعاء تصلان بلا خلاف.
فالحكم في هذه الآية لقوم إبراهيم وموسى، وأما أمتنا فلهم ما سعوا وسُعِي لهم.
الثاني: أنها منسوخة بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور:21] فأدخل الذرية الجنة بصلاح الآباء، قاله ابن عباس.
الثالث: قال الربيع بن أنس: المراد بالإنسان هنا الكافر، أما المؤمن له أجر ما سعى وسعي له.
الرابع: تجعل اللام بمعنى "على" كقوله تعالى: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء:7] أي: فعليها، وكقوله تعالى: {لَهُمُ اللَّعْنَةُ} [الرعد:25]، أي عليهم، فيصير كأنه قال: وأن ليس على الإنسان إلا ما سعى؛ فيحمل عليه توفيقًا بين الآية والأحاديث، ولأنه معنى صحيح لا خلاف فيه، ولا يدخله التخصيص.
الخامس: أنه سعى في جعل ثواب عمله لغيره، فيكون له ما سعى عملًا بالآية.
السادس: أن السعي أنواع: منها بفعله وقوله، ومنها بسبب قرابته، ومنها بصديق سعى في خلته، ومنها بما يسعى فيه من أعمال الخير والصلاح وأمور الدين التي يحبه الناس بسببها، فيدعون له، ويجعلون له ثواب عملهم، وكل ذلك بسبب سعيه، فقد قلنا بموجب الآية فلا يكون حجة علينا(60 ).
السابع: الآيات مقيدة بما يهبه العامل؛ يعني: ليس للإنسان من سعي غيره نصيب إلا إذا وهبه له، فحينئذ يكون له ( 61).
الثامن: هذا حق؛ لا يستحق إلا سعي نفسه لا سعي غيره، لكن لا يمنع ذلك أن الله تعالى يرحمه، ويتفضل عليه، وينفعه بغير سعيه، وإن لم يستحقه، كما يدخل أطفال المؤمنين الجنة بغير سعيهم، وكما يُنشئ في الآخرة خلقًا يسكنهم الجنة بغير سعيهم، وكما ينتفع الإنسان بدعاء غيره وشفاعته، وكما ينتفع بصدقة غيره، فكذلك بصيامه وقراءته وصلاته( 62).
قال ابن عثيمين:
" قوله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى}، المراد - والله أعلم- أن الإنسان لا يستحق من سعي غيره شيئاً، كما لا يحمل من وزر غيره شيئاً؛ وليس المراد أنه لا يصل إليه ثواب سعي غيره؛ لكثرة النصوص الواردة في وصول ثواب سعي الغير إلى غيره وانتفاعه به إذا قصده به" .اهـ.
الدليل الثاني:
قول الله تعالى: {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأعراف:43]، وقوله تعالى: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل:32]، وقوله تعالى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [المرسلات:43].
وجه الاستدلال:
حيث جعل الله الجنة ونعيمها جزاءً على عمل الإنسان لنفسه، لا على عمل غيره له، فالجنة نتيجة عمل الإنسان لنفسه لا عمل غيره له.
نوقش:
أن عمل الإنسان قد يكون بمباشرة منه، وقد يكون بغير مباشرة، وكل يسمى عمله وكسبه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولد الرجل من كسبه»( 63).
والمعنى المتفق عليه للآيات: أورثتموها بسبب أعمالكم، لا أن الجنة في مقابل العمل! فإنما الجنة بمحض فضل الله تعالى، وما الأعمال سوى سبب؛ فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لن يُدخِل أحدًا منكم عملُه الجنة» قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله منه بفضل ورحمة»( 64).
الدليل الثالث:
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له»( 65).
وجه الاستدلال:
الحديث واضح الدلالة على انقطاع عمل الميت بموته، والأصل عدم الزيادة فيه، إلا ما دل عليه الدليل.
نوقش:
أولًا: الحديث يقتضي انقطاع عمله، ولا كلام فيه، إنما الكلام في وصول ثواب عمل غيره إليه، والحديث لا ينفيه، فالكلام في عمل غيره لا عمله، وليس فيه إلا جعل ما له من الأجر لغيره، والله تعالى هو الموصل إليه، وهو قادر عليه، ولا يضر جهل الفاعل بالثواب لأن الله يعلمه، ولا يختص ذلك بعمل دون عمل(66 ).
ثانيًا: قد دلت الأخبار أن من الأموات من لا ينقطع عمله، كما في هذا الحديث نفسه، وكما في حديث عقبة بن عامر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كل ميت يختم على عمله، إلا المرابط في سبيل الله، فإنه يجرى له أجر عمله حتى يبعث»( 67).
الدليل الرابع:
عن ابن عباس قال: «لا يصلي أحد عن أحد، ولا يصوم أحد عن أحد، ولكن يطعم عنه مكان كل يوم مدًا من حنطة»( 68).
وجه الاستدلال:
ورد هذا الأثر عن ابن عباس، حبر الأمة، الذي دعا له النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم فقهه في الدين»( 69)، كما ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما، وهو المعروف بشدة متابعته للنبي صلى الله عليه وسلم، ودلالته واضحة أنه لا يشرع لأحد أن يصوم عن أحد، ولا أن يصلي عنه.
نوقش:
أولًا: الظاهر من الأثر أنه في الصيام الواجب بدليل قوله: «ولكن يطعم عنه مكان كل يوم مدًا من حنطة»، وقد صح الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه»( 70)، وغير ذلك من الأخبار الصحيحة، ولا عبرة بقول الصحابي إذا خالف قول النبي صلى الله عليه وسلم.
ثانيًا: معنى الأثر: لا يصلي عنه وهو قادر على الصلاة، ولا يصوم أحد عن أحد وهو قادر على الصيام، يعني: لا يوكل أحد أخاه يصلي عنه، يقول: صلِ عني صلاة الظهر، أو: صلِ عني صلاة العشاء، أو: وكلتك أن تصلي عني صلاة المغرب أو العصر أو نحو ذلك، أو: وكلتك أن تصوم عني هذا اليوم من رمضان أو ما أشبه ذلك وهو قادر، فإن هذا لا يجوز؛ وذلك لأن العبادة وجهت إلى الإنسان القادر، فلا يجوز له أن ينيب غيره، ولا يجوز له أن يوكل من يعمل عنه ذلك العمل وهو قادر؛ وذلك لأن الحكمة في هذه العبادة ظهور العبودية على الفاعل( 71).
الدليل الخامس:
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل عليه: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء:214]، «يا معشر قريش، اشتروا أنفسكم من الله، لا أغني عنكم من الله شيئًا، يا بني عبد المطلب، لا أغني عنكم من الله شيئًا، يا عباس بن عبد المطلب، لا أغني عنك من الله شيئًا، يا صفية عمة رسول الله، لا أغني عنك من الله شيئًا، يا فاطمة بنت رسول الله، سليني بما شئت، لا أغني عنك من الله شيئًا»( 72).
وجه الاستدلال:
حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم لا يغني عن غيره شيئًا، فما بالك بغيره، ولو جاز صلاة أحد لأحد، لكان الأنبياء أحق الناس بهبة ثواب أعمالهم لآبائهم وأمهاتهم، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه: «لا أغني عنكم من الله شيئًا»، وهذا دليل أن النيابة لا تدخل في أعمال البر؛ إذ لو جاز ذلك لكان يتحمل عنها صلى الله عليه وسلم بما يخلصها، فإذا كان عمله صلى الله عليه وسلم لا يقع نيابة عن ابنته فغيره أولى بالمنع(73 ).
نوقش:
أجاب ابن حجر العسقلاني بإجابات ثلاث:
أولًا: هذا كان قبل أن يعلمه الله تعالى بأنه يشفع فيمن أراد، وتقبل شفاعته، حتى يدخل قومًا الجنة بغير حساب، ويرفع درجات قوم آخرين، ويخرج من النار من دخلها بذنوبه.
ثانيًا: أن المقام مقام التخويف والتحذير، بدليل ما جاء في رواية الطبراني: «إن أوليائي منكم المتقون، فإن كنتم أولئك فذلك وإلا فانظروا، لا يأت الناس بالأعمال يوم القيامة وتأتون بأثقال فأعرض عنكم».
ثالثًا: أنه صلى الله عليه وسلم أراد المبالغة في الحض على العمل، ويكون في قوله لا أغني شيئًا إضمار: "إلا إن أذن الله لي بالشفاعة".
رابعًا: الحديث خارج عن محل النزاع؛ لأن المقصود: إن لم تعملوا لأنفسكم لم ينفعكم عمل غيركم لكم، منعًا للتواكل؛ أي: فلا يتركن أحد الصلاة أو الصيام لأنه قريب للنبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن مجرد القرابة لا تغني عن صاحبها شيئًا إن لم يكن عَمِلَ صالحًا، وإنما النزاع في وصول ما أهداه الحي إلى الميت.
الدليل السادس: المعقول:
وذلك من وجوه:
أولا: لا يصل ثواب الأعمال الموهوبة إلى الميت؛ لأن الثواب هو الجنة، وليس في قدرة العبد أن يجعلها لنفسه فضلًا عن غيره.
ثانيا: أن الإنسان لا يستحق جزاء عمل لم يعمله، كما يمتنع أن يوقع عليه عقوبة جريمة لم يقترفها. قال الله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الزمر:7].
ثالثا: العبادات البدنية شخصية، لا يجوز فيها النيابة إلا ما دل عليه الدليل.
نوقش:
أما عن أولا: فنسلم بأن ذلك ليس في مقدور العبد، لكنه في مقدور الله عز وجل؛ فواهب العمل يسأل الله عز وجل أن يوصل ثواب العمل إلى الموهوب إليه، والله على ذلك قادر.
وأما عن ثانيا: فكما يجوز أن يوهب للإنسان مالٌ لم يكتسبه بعرقه، كذلك يجوز أن يوهب إليه عمل لم يفعله بنفسه.
وأما ثالثا: فإن النية عمل شخصي؛ بل هي من أعمال القلب، ومع ذلك تصح النيابة فيها؛ بدليل جواز الحج عن الغير، والإحرام بالحج لا ينعقد بغير نية.
ثالثا: أدلة القول الثالث:
محاولة الجمع بين الأدلة الواردة، والتي استدل بها كل من أصحاب القول الأول وأصحاب القول الثاني.
يقول الشيخ الألباني تعليقا على قوله صلى الله عليه وسلم:" أما أبوك فلو كان أقر بالتوحيد، فصمت وتصدقت عنه نفعه ذلك:
"والحديث دليل واضح على أن الصدقة والصوم تلحق الوالد ومثله الوالدة بعد موتهما إذا كانا مسلمين ويصل إليهما ثوابها، بدون وصية منهما. ولما كان الولد من سعي الوالدين، فهو داخل في عموم قوله تعالى: (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى)، فلا داعي إلى تخصيص هذا العموم بالحديث وما ورد في معناه في الباب، مما أورده المجد ابن تيمية في" المنتقى" كما فعل البعض.
واعلم أن كل الأحاديث التي ساقها في الباب هي خاصة بالأب أو الأم من الولد، فالاستدلال بها على وصول ثواب القرب إلى جميع الموتى كما ترجم لها المجد ابن تيمية بقوله " باب وصول ثواب القرب المهداة إلى الموتى" غير صحيح لأن الدعوى أعم من الدليل، و لم يأت دليل يدل دلالة عامة على انتفاع عموم الموتى من عموم أعمال الخير التي تهدى إليهم من الأحياء، اللهم إلا في أمور خاصة ذكرها الشوكاني في "نيل الأوطار" ( 4 / 78 - 80 )، ثم الكاتب في كتابه " أحكام الجنائز و بدعها" يسر الله إتمام طبعه، من ذلك الدعاء للموتى فإنه ينفعهم إذا استجابه الله تبارك و تعالى .
فاحفظ هذا تنج من الإفراط و التفريط في هذه المسألة، وخلاصة ذلك: أن للولد أن يتصدق، ويصوم، و يحج و يعتمر، و يقرأ القرآن عن والديه لأنه من سعيهما، و ليس له ذلك عن غيرهما إلا ما خصه الدليل مما سبقت الإشارة إليه" .اهــ.
الموازنة والترجيح:
باستعراض أدلة الأقوال الثلاثة، وما وجه إليها من مناقشات، يتبين لنا صعوبة الترجيح في هذه القضية، وذلك لأمرين:
الأول: أن الأدلة محتملة، وعلى كل منها ترد المناقشة، وبذلك يقوم الاحتمال.
الثاني: أن القضية تتعلق بأمر غيبي، وعليه فالأحسن أن نكل العلم فيه إلى الله تعالى، وهذا منحى بعض علماء المالكية، وهو العلامة الصاوي، الذي ذيل قوله الذي نقلنا عنه آنفا، بتفويض العلم بحقيقة الحال في هذه القضية إلى الله، وعبارته باختصار: "والميت ينفعه صدقة عليه .. ودعاء له .. لا بالأعمال البدنية؛ كأن تهب له ثواب صلاة أو صوم أو قراءة قرآن كالفاتحة، وقيل ينتفع بثواب ذلك، والله أعلم بحقيقة الحال".
هذا من جهة الترجيح النظري والبحث العلمي، ويبقى مقام الفتوى والعمل الفردي، والذي نختاره لذلك: القول الثاني، وهو القول بالمنع من إهداء ثواب الإعمال لغير، إلا ما استثناه الدليل، ويقوي ذلك أمران:
الأول: أن من المعروف أهل العلم أن العبادة أمر توقيفي لا مجال للابتداع فيه، وحيث إن هذه العبادة، وهي إهداء الثواب للأموات، بقراءة القرآن، ونحو ذلك، لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أحد من أصحابه الكرام ولا التابعين لهم بإحسان، فالواجب التوقف حيث وقف النبي، وللقول بجوازها جائزة نحن بحاجة إلى دليل وبما أن الدليل غير متوفر يدل على عدم جواز هذه العبادة
ولو قال قائل: ولكن كثيرا من أئمة العلم قالوا بجواز هذه العبادة .. قلنا لهم: العالم يستدل له ولا يستدل به .
فالذين يقولون بجواز قراءة القرآن على الميت وإهداء ثوابه له يطالبون بالدليل، فإن لم يكن لديهم إلا القياس، قلنا:هل كان بمقدور النبي صلى الله عليه وسلم فعله أم لا سيقولون بالتأكيد: نعم كان بمقدوره فعله.
نسألهم: إن كان بمقدوره فعله ولم يفعله لماذا؟ لم يجيبوا. وهنا تكون الحجة بإذن الله.
الثاني: عمل السلف الصالح من الصحابة الأخيار، ومن تبعهم بإحسان، من أهل القرون المفضلة، وهم أدرى الناس بنصوص الوحيين، وأعقل الناس لتصرفاته صلى الله عليه وسلم.
الحج والعمرة:
اختلفت أقوال الفقهاء في انتفاع الميت بالحج والعمرة عنه، وهذي صورة خلافهم:
المذهب الأول:
يصل الحج والعمرة إلى الميت مطلقًا، أوصى أم لم يوص، ويقع عن المحجوج عنه.
وهو قول الثوري، وابن المبارك( 74)، وابن حبيب(75 )، وهو قول عند المالكية، والصحيح عند الحنفية، والشافعية، والحنابلة.
ومن المعاصرين: الشيخ عبد العزيز بن باز( 76)، والشيخ ابن عثيمين( 77)، والشيخ حسنين مخلوف(78 ).
الحنفية:
قال السرخسي: «الصحيح من المذهب فيمن حج عن غيره أن أصْل الحج يكون عن المحجوج عنه، وأن إنفاق الحاج من مال المحجوج عنه كإنفاق المحجوج عنه من مال نفسه أن لو قدر على الخروج بنفسه»(79 ).
وقال الزيلعي: «ثم الصحيح من المذهب، فيمن حج عن غيره، أن أصل الحج يقع عن المحجوج عنه»( 80).
وقال في الاختيار لتعليل المختار: «الحج عن الغير...، ولا يجوز إلا عن الميت أو عن العاجز بنفسه عجزًا مستمرًا إلى الموت»( 81).
المالكية:
"الإجارة على الحج جائزة عن الميت إذا أوصى بها...، ومن تطوع بالحج أو العمرة عن غيره، بعد أن حج عن نفسه، فحسن إذا كان عن الميت، وإذا أوصى أن يحج عنه وارثه فذلك جائز، وله إجارة مثله، وما زاد على ذلك فهو وصية إن أجازه الورثة جاز، وإلا رجع ميراثًا.
ويكره أن يتطوع بالحج قبل أن يؤدي فرضه، وأن يؤاجر نفسه في ذلك، فإن فعل شيئًا من ذلك نفذ عند مالك" .
الشافعية:
قال الشافعي رحمه الله تعالى: «لا أعلم أحدًا نسب إلى علم، ببلد يعرف أهله بالعلم، خالفنا في أن يحج عن المرء إذا مات الحجة الواجبة عنه، إلا بعض من أدركنا بالمدينة»( 82).
قال الماوردي: «النيابة في الحج جائزة، والاستئجار على الحج جائز»( 83).
وقال زكريا الأنصاري: «لا تدخل النيابة العبادة إلا في الحج عن الميت، أو المعضوب( 84)، والصوم عن الميت، ولا يدخل غيرهما إلا تبعًا»( 85).
وقال صاحب البيان: «الحج تدخله النيابة، ويقع الحج عن المحجوج عنه»( 86).
الحنابلة:
قال في الإنصاف: «ومن وجب الحج عليه فمات قبل فعله، وجب الحج عنه»( 87).
وقال في موضع آخر: «يصح الاستنابة عن المعضوب والميت في النفل، إذا كانا قد حجا حجة الإسلام»( 88).
وفي موضع ثالث قال: «شمل قوله (وأي قربة فعلها) الدعاء والاستغفار، والواجب الذي تدخله النيابة، وصدقة التطوع والعتق، وحج التطوع، فإذا فعلها المسلم وجعل ثوابها للميت المسلم نفعه ذلك إجماعًا، وكذا تصل إليه القراءة والصلاة والصيام»(89 ).
وجاء في العدة: «ومن فرط حتى مات أخرج عنه من ماله حجة وعمرة ... فمتى لم يحج حتى توفي وجب أن يخرج من ماله ما يحج به عنه ويعتمر...
والعمرة كالحج في القضاء فإنها واجبة، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا رزين فقال: "حج عن أبيك واعتمر"(90 )، ويكون ما يحج به ويعتمر من جميع ماله؛ لأنه دين مستقر عليه فيكون من رأس ماله كدين الآدمي»( 91).
وقال ابن قدامة: «ولا يجوز الحج والعمرة عن حي إلا بإذنه، فرضًا كان أو تطوعًا؛ لأنها عبادة تدخلها النيابة، فلم تجز عن البالغ العاقل بغير إذنه كالزكاة، فأما الميت فيجوز عنه بغير إذن، واجبًا كان أو تطوعًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالحج عن الميت، وقد علم أنه لا إذن له، وما جاز فرضه جاز نفله كالصدقة»( 92).
وتكلم البهوتي عن الحج المنذور قائلًا: «(وإن مات وعليه حج منذور فعل عنه) نص عليه؛ لما روى ابن عباس أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟ قال: «نعم حجي عنها»( 93)، (ولا يعتبر تمكنه) أي: الناذر (من الحج في حياته) ؛ لظاهر الخبر، ولأن النيابة تدخله حال الحياة في الجملة، فهو كنذر الصدقة والعتق، (وكذا العمرة المنذورة) حكمها حكم الحج في ذلك لمشاركتها له في المعنى.
ويجوز أن يحج عنه حجة الإسلام، ولو بغير إذن وليه؛ لشبهه بالدين في إبراء الذمة (وله) أي: الحاج عن الميت حجة الإسلام بغير إذن وليه (الرجوع على التركة بما أنفق) بنية الرجوع؛ لأنه قام بواجب»( 94).
المذهب الثاني:
يجوز أن يحج عنه الحجة الواجبة، بشرط: أن يكون قد أوصى به قبل موته، ويكون ذلك من ثلث تركته، أما النافلة فلا يجوز.
وهو قول مالك، وقول منسوب للشافعي ضعفه النووي.
فأما المالكية:
ففي المدونة: "قلت لابن القاسم: ما قول مالك فيمن مات وهو صرورة( 95) فلم يوص أن يحج عنه، أيحج عنه أحد يتطوع بذلك عنه، ولد أو والد أو زوجة أو أجنبي من الناس؟
قال: قال مالك: يتطوع عنه بغـير هذا؛ يهدي عنه، أو يتصدق عنه، أو يعـتق عنه"( 96).
وعلق الحطاب قائلًا: «وقوله: "وهو صرورة" نبه به على أن غير الصرورة أولى بأن لا يحج عنه.
وقال ابن يونس: قال مالك: لا ينبغي لأحد أن يحج عن حي زمن أو غيره، ولا أن يتطوع به عن ميت، صرورة كان أو لا، وليتطوع عنه بغير ذلك أحب إلي أن يهدي عنه أو يتصدق أو يعتق»( 99).
وقالوا: «ويكره تطوعه عنه بالحج»(100 ).
وأما قول الشافعي، فنقل النووي قائلًا: «وقد ذكر إمام الحرمين والبغوي والمتولي وآخرون من الأصحاب قولًا غريبًا للشافعي؛ أنه لا يحج عن الميت الحجة الواجبة إلا إذا أوصى حُجَّ عنه من الثلث، وهذا قول غريب ضعيف جدًا»( 101).
المذهب الثالث:
لا يصل الحج إلى الميت؛ بل يقع عن الحاج.
وهو قول محمد بن الحسن من الحنفية، الذي قال: للمحجوج عنه ثواب النفقة، وبعض المالكية؛ لأنه لا تدخله النيابة.
وهو قول ابن عمر والنخعي والقاسم والمهلب( 102)، وقول الألباني( 103) من المعاصرين.
قال محمد بن الحسن: «للمحجوج عنه ثواب النفقة، فأما الحج يكون عن الحاج»(( .
ومن المالكية قال الخرشي: «الحج الفرض لا يسقط عن صاحبه بحج الغير عنه، سواء كان ذلك المحجوج عنه حيًا أو ميتًا؛ لأن الحج لا يقبل النيابة على المذهب»( 104).
وأما الشيخ الألباني فهو على قوله الذي ذكرناه آنفا، من تخصيص إهداء الثواب، بالأولاد مع والديهم، مستدلا بما نقلناه عنه.
الأدلة:
أولًا: أدلة أصحاب المذهب الأول:
الدليل الأول:
قول الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة:196].
وجه الاستدلال:
أن لفظ: {وَأَتِمُّوا} أمر، والأمر يدل على الوجوب، وإذا ثبت هذا فمتى لم يحج حتى توفي وجب أن يخرج من ماله ما يحج به عنه ويعتمر( 105)؛ إتيانًا بالمأمور به في الآية.
نوقش:
إنما المقصود من إتمام الحج والعمرة أنه يجب المضي في فاسدهما، وقضاؤه من العام المقبل، قال ابن عباس في قوله: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}: «من أحرم بالحج أو بالعمرة فليس له أن يحل حتى يتمهما»( 106).
وقد قيل في إتمامهما غير ذلك، فقال علي بن أبي طالب: «أن تحرم من دويرة أهلك».
وقال سفيان الثوري: «إتمامهما أن تحرم من أهلك، لا تريد إلا الحج والعمرة، وتهل من الميقات ليس أن تخرج لتجارة ولا لحاجة، حتى إذا كنت قريبًا من مكة قلت: لو حججت أو اعتمرت، وذلك يجزئ، ولكن التمام أن تخرج له، ولا تخرج لغيره».
وقال مكحول: «إتمامهما إنشاؤهما جميعًا من الميقات».
وقال عمر: «من تمامهما أن تفرد كل واحد منهما من الآخر، وأن تعتمر في غير أشهر الحج»(107 ).
وفصل القرطبي الأمر فقال: «اختلف العلماء في المعنى المراد بإتمام الحج والعمرة لله، فقيل: أداؤهما والإتيان بهما، كقوله: {فَأَتَمَّهُنَّ} [البقرة:124]، وقوله: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:187]، أي ائتوا بالصيام، وهذا على مذهب من أوجب العمرة، على ما يأتي.
ومن لم يوجبها قال: المراد تمامهما بعد الشروع فيهما، فإن من أحرم بنسك وجب عليه المضي فيه ولا يفسخه، قال معناه الشعبي وابن زيد...
وقال مقاتل: إتمامهما ألا تستحلوا فيهما ما لا ينبغي لكم، وذلك أنهم كانوا يشركون في إحرامهم فيقولون: لبيك اللهم لبيك، لا شريك لك إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك. فقال: فأتموهما ولا تخلطوهما بشيء آخر...
في هذه الآية دليل على وجوب العمرة؛ لأنه تعالى أمر بإتمامها كما أمر بإتمام الحج»( 108)، فليس في الآية دليل على ما تدعون.
الدليل الثاني:
عن ابن عباس أن امرأة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبيها مات ولم يحج، قال: «حجي عن أبيك»( 109).
وجه الاستدلال:
واضح؛ حيث أجاز لها النبي صلى الله عليه وسلم أن تحج عن أبيها الذي مات ولم يحج، ولم يسألها النبي صلى الله عليه وسلم إن كان أوصى بالحج عنه أم لا، فالحديث نص في الموضوع.
الدليل الثالث:
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة من خثعم استفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، والفضل بن عباس رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده أدركت أبي شيخًا كبيرًا، لا يستطيع أن يستوي على الراحلة، فهل يقضي أن أحج عنه؟ قال: «نعم»( 110).
وجه الاستدلال:
أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أجاز للمرأة أن تحج عن أبيها وهو حي يرزق، فإذا جازت النيابة عن الحي لعدم قدرته على الحج، فعن الميت من باب أولى.
نوقش:
أولًا: هذا الحديث مخالف لظاهر القرآن؛ فقد قال تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران:97]، وقد صرحت هي أن أباها لا يستطيع أن يستوي على الراحلة، وكل ما عارض القرآن يجب الإعراض عنه( 111).
أجيب:
إنما يكون مخالفًا للقرآن لو أوجبنا عليه الحج، أو أوجبنا على ابنته أن تحج عنه، لكننا نقول بالجواز لا بالوجوب.
قال علماؤنا: «حديث الخثعمية ليس مقصوده الإيجاب، وإنما مقصوده الحث على بر الوالدين، والنظر في مصالحهما، دنيا ودينًا، وجلب المنفعة إليهما جبلة وشرعًا، فلما رأى من المرأة انفعالًا وطواعية ظاهرة، ورغبة صادقة في برها بأبيها، وحرصًا على إيصال الخير والثواب إليه، وتأسفت أن تفوته بركة الحج أجابها إلى ذلك»( 112).
ثانيًا: أنها كانت خصوصية لهذه المرأة، بدليل الزيادة التي وردت في بعض روايات الحديث: عن إبراهيم بن محمد العدوي النجاري: أن امرأة قالت: يا رسول الله، إن أبي شيخ كبير؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لتحجي عنه، وليس لأحد بعده»( 1131).
أجيب:
قد نقل ابن حزم نفسه ما نصه: «فأما الحديث الذي فيه: «وليس لأحد بعده»، ففي غاية السقوط والوهي؛ لأنه مرسل، ومع ذلك فيه مجهولان لا يعرف من هما، وهما: محمد بن عبد الله بن كريم، وإبراهيم بن محمد بن يحيى، وأحدهما من رواية عبد الملك ابن حبيب عن مطرف، عن مجهولين مرسل مع ذلك؛ فهو لا شيء»( 114).
الدليل الرابع:
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن العاص بن وائل أوصى أن يعتق عنه مائة رقبة، فأعتق ابنه هشام خمسين رقبة، فأراد ابنه عمرو أن يعتق عنه الخمسين الباقية، فقال: حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إن أبي أوصى بعتق مائة رقبة، وإن هشامًا أعتق عنه خمسين وبقيت عليه خمسون رقبة، أفأعتق عنه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه لو كان مسلمًا فأعتقتم عنه، أو تصدقتم عنه، أو حججتم عنه بلغه ذلك»( 115).
وجه الاستدلال:
حيث جاء كلام النبي صلى الله عليه وسلم عامًا؛ يشمل من أوصى ومن لم يوص، ويشمل الواجب والنفل( 116).
الدليل الخامس:
حديث ابن عباس أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فماتت قبل أن تحج، أفأحج عنها؟ قال: «نعم، حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟»، قالت: نعم، فقال: «اقضوا الله الذي له، فإن الله أحق بالوفاء»( 117).
الدليل السادس:
قياسًا على الحقوق المالية؛ فالحج حق مستقر تدخله النيابة، فلم يسقط بالموت؛ كالدين .
الدليل السابع:
لزوم نية النائب أنه يحج عن المحجوج عنه، وضمانه ما أنفق من مال المحجوج عنه إذا نواه عن غير المحجوج عنه، دليل أن الحج يقع عن المحجوج عنه، "ألا ترى أنه لا بد له من أن ينوي عن المحجوج عنه، ولكن إذا خالف خرج من أن يكون بأمر المحجوج عنه، فكان واقعًا عن نفسه، فعليه موجبه، كالوكيل بالشراء إذا وافق كان مشتريًا لأمره، ولو خالف كان مشتريًا لنفسه"(118 ).
ثانيًا: أدلة أصحاب المذهب الثاني:
الدليل الأول:
قوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم:39].
وجه الاستدلال:
الآية تبين أن القاعدة أن الإنسان لا ينتفع إلا بسعي نفسه فقط، فإذا أوصى فهذا يعتبر من سعي نفسه، أما إذا لم يوص فليس إلى جعله من سعيه سبيل.
نوقش:
بأن من الناس من يموت فجاءة فلا يستطيع أن يوصي، ولو أمهل لأوصى، ومن الناس من يصيبه مرض يعقد لسانه أو يغيب عقله، ولو لم يصيبه ذلك لأوصى.
وربما يكون المرء على نية الحج العام أو العام المقبل، ثم يعاجله الموت فلا يمهله حتى يفعل، وما دام هؤلاء وغيرهم قد تركوا من المال ما يكفي أن يحج به عنهم، فجاز أن يحج به عنه غيره وإن لم يوص.
وما دام ذلك من ماله هو فنرجو الله عز وجل أن يجعله من سعيه.
الدليل الثاني:
أن من مات صرورة ولم يوص، فإما أن يكون مستطيعًا فهو مفرط، وإما غير مستطيع فلا يجب عليه الحج أصلًا.
ونوقش بما نوقش به الدليل السابق.
أما دليلهم أن ذلك لا يكون إلا من ثلث مال الميت؛ فلأن الميت ليس له حق إلا في ثلث ماله، ودين العباد أقوى؛ لأنه مبني على المشاحَّة، ولأن له مطالِباً، بخلاف دَيْن الله تعالى؛ لأنه مبني على المسامحة، فلا يعتبر إلا من الثلث لعدم المنازع فيه( 119).
نوقش:
الميت إذا مات ولم يحج، ثم ترك مالًا يكفي للحج عنه، أصبح ذلك واجبًا في تركته( 120)، يقدم على ما عداه، ولما قارن الرسول صلى الله عليه وسلم بين دين الحج، الذي هو لله، وبين دين البشر قال للسائلة: «أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟»، قالت: نعم، فقال: «اقضوا الله الذي له، فإن الله أحق بالوفاء»( 121).
ثالثًا: أدلة أصحاب المذهب الثالث:
الدليل الأول:
قوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم:39].
وجه الاستدلال:
فأخبر الله تعالى أنه ليس له إلا ما سعى، فمن قال: إنه له سعي غيره فقد خالف ظاهر الآية.
نوقش:
وقد سبقت مناقشة هذه الآية من عدة وجوه، منها:
أنه شرع من قبلنا، بدليل ما قبلها {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [النجم:36-38].
أو أنها منسوخة بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور:21].
أو أن المراد بالإنسان هنا الكافر.
أو أن اللام في الآية بمعنى على.
أو أنه سَعْي في جعل ثواب عمله لغيره فيكون له ما سعى، وغير ذلك.
الدليل الثاني:
قوله تعالى: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران:97].
وجه الاستدلال:
حيث أوجب الله تعالى الحج على المستطيع دون غير المستطيع، والميت من غير المستطيعين، فلا يشمله الخطاب أصلًا؛ فلا حج واجب عليه أصلًا ليقضى عنه(122).
ونوقش:
أن الاستطاعة ليست قاصرة على الاستطاعة بالنفس؛ بل قد يستطيع الإنسان بغيره ما لا يستطيعه بنفسه، قال ابن رشد: «ولا خلاف في اشتراط الاستطاعة في ذلك؛ لقوله تعالى: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران:97]، وإن كان في تفصيل ذلك اختلاف، وهي بالجملة تتصور على نوعين: مباشرة ونيابة»(123 ).
الدليل الثالث:
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلًا أوقصته راحلته وهو محرم فمات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تخمروا رأسه ولا وجهه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا»(124 ).
وجه الاستدلال:
هذا دال على أنه لا يحج أحد عن أحد؛ لأنه عمل بدني، كالصلاة لا تدخلها النيابة، ولو صحت فيها النيابة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإتمام الحج عن هذا( 125).
نوقش:
أن هذا قد شرع في الحج أصلًا، ومات أثناءه، فكأنه فعله وأتمه، فقد قال الله تعالى في المهاجر في سبيله: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [النساء:100].
وهذا الرجل قد مات على عرفة، بدليل ما جاء في رواية أخرى في الصحيحين أيضًا: بينا رجل واقف مع النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة، إذ وقع عن راحلته، فوقصته ...، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الحج عرفة، فمن جاء قبل صلاة الفجر، ليلة جمع، فقد تم حجه» )).
ولفظ الترمذي: «الحج عرفة، من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج».
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه: «يبعث يوم القيامة ملبيًا»، فمثل هذا لا يحتاج أن يحج عنه أحد.
أيضًا فإن النبي صلى الله عليه وسلم، مع أنه لم يأمر بقضاء الحج عنه، فإنه كذلك لم ينه عن ذلك من أراد فعله من أهله.
الدليل الثالث:
عن ربيعة عن محمد بن الحارث التيمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحج أحد عن أحد، إلا ولد عن والد»(126 ).
نوقش:
نقل ابن حزم معلقًا على هذا الحديث وغيره: «فهذه تكاذيب، أول ذلك: أنها مرسلة، ولا حجة في مرسل...»( 127).
الدليل الرابع:
عن ابن عمر قال: «لا يحج أحد عن أحد، ولا يصوم أحد عن أحد»(128).
نوقش:
العبرة بما رفعه الصحابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لا في فهم الصحابي، وقد روينا أحاديث صحيحة، مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أن أذِن للغير أن يحج عن الميت وعن المريض الزمن، والحجة في كلام النبي صلى الله عليه وسلم لا في كلام سواه.
الدليل الخامس:
أن الحج عبادة بدنية، والعبادات البدنية لا تجزي بالنيابة في أدائها؛ لأن الواجب عليه إنفاق المال في الطريق وأداء الحج، فإذا عجز عن أداء الحج بقي عليه مقدار ما يقدر عليه، وهو إنفاق المـال في الطريق، فلزمه دفع المال لينفقه الحاج في طريق الحج( 129).
نوقش:
أولًا: فرض الحج لا يسقط بهذا عن الحاج.
ثانيًا: في هذه المسألة، إذا كان أكثر نفقته من مال نفسه حتى صار حجه عن نفسه كان ضامنًا لما أنفق من مال الميت، ولو كان للميت ثواب النفقة فقط لا يصير ضامنا؛ لأن ذلك قد حصل للميت، فلما قال يضمن ويحج به عن الميت من حيث يبلغ عُرْفَنا أن الحج عن الميت( 130).
ثالثًا: حديث الخثعمية؛ حيث قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «حجي عن أبيك»، أمرها بالحج عن أبيها، ولولا أن حجها يقع عن أبيها لما أمرها بالحج عنه(131 ).
رابعًا: ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قاس دَيْن الله تعالى بدين العباد بقوله: «أرأيت لو كان على أبيك دين؟»، وذلك تجزئ فيه النيابة، ويقوم فعل النائب مقام فعل المنوب عنه، كذا هذا، والدليل عليه أن الحاج يحتاج إلى نية المحجوج عنه، كذا الإحرام، ولو لم يقع نفس الحج عنه لكان لا يحتاج إلى نيته(132 ).
الراجح:
نميل إلى ترجيح المذهب الأول؛ القائل بوصول الحج إلى الميت مطلقًا، وذلك للأسباب التالية:
أولًا: قوة أدلة هذا المذهب وصراحتها، ورد أصحابه عما وجه لهذه الأدلة من مناقشات، كذلك عدم نهوض أدلة المذهبين الآخرين للاحتجاج على ما أرادوا؛ فهي في أغلبها أدلة عامة، لا تعارض الأدلة الخاصة لأصحاب المذهب الأول، وما ورد منها خاصًا بهذا الموضوع فضعيفة الإسناد.
ثانيًا: ورود الإذن الصريح من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك عامًا غير مقيد ولا مستفصل، مما يعتبر نصًا في الموضوع.
والعمرة مثل الحج في هذا الحكم، لذكرها في بعض الأحاديث مع الحج، ولدخول أعمالها في أعمال الحج، كما صح بذلك الحديث.
الخاتمة:
ونعرض فيها لأحكام هامة مترتبة على ما ذكرناه في هذا الباب، ومسائل يكثر السؤال عنها، وهي مأخوذة من فتاوى العلماء الثقات المشهورين، وأهمها ما يلي:
حكم اهداء ثواب الطاعات الى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
أكثر العلماء لم يستحب ذلك، بل رآه بدعة، فإن الصحابة لم يكونوا يفعلونه، والنبي صلى الله عليه وسلم له أجر كل من عمل خيرا من أمته من غير أن ينقص من أجر العامل شيء؛ لأنه الذي دل أمته على كل خير وأرشدهم ودعاهم إليه، ومن دعا إلى هدي فله من الاجر مثل أجور من تبعه من غير أن ينقص من أجورهم، وكل هدي وعلم، فإنما نالته أمته على يده، فله مثل أجر من اتبعه، أهداه إليه أو لم يهده.
ونقل السخاوي عن شيخه الحافظ ابن حجر رحمه الله أنه سئل عمن قرأ شيئا من القرآن وقال في دعائه: اللهم اجعل ثواب ما قرأته زيادة في شرف رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأجاب: " هذا مخترع من متأخري القراء، لا أعلم لهم سلفاً فيه " انتهى نقلاً من: "مواهب الجليل" (2/454،544).
هذا مع أن قراءة القرآن وإهداء الثوب للأموات فيه خلاف بين العلماء، لكن حتى لو قيل بجوازه، فلا يجوز الإهداء للنبي صلى الله عليه وسلم، لأنه لا يحصل به إلا حرمان العامل من الثواب من غير فائدة لغيره .
حكم قراءة الفاتحة أو غيرها من القرآن على روح الميت..
على ما اخترناه، فإنه لم يأت ما يدل على شرعية ذلك بخصوصه، وإن كان قد ذهب بعض أهل العلم إلى أن القراءة تنفع الميت، قياسًا على ما ورد به النص، والأولى والأفضل والأحوط ترك ذلك، ولكن يدعى للميت، يستغفر له، يترحم عليه، يتصدق عنه بالمال بأنواع المال، يحج عنه يعتمر عنه، يقضى عنه الدين، كل هذا ينفع الميت، الميت ينتفع والفاعل من الأحياء يؤجر على ذلك أيضا .
هل يصلي أحد عن الميت؟ وهل يصوم عنه وليه؟ ومن هو الولي؟ وهل صوم النافلة كالواجب؟
أما الصلاة عن الميت فليست مشروعة، وأما الصيام: فإذا كان عليه صوم بأن فرط ولم يصم، يصوم عنه أولياؤه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه)، فيصوم عنه ولده من ذكر أو أنثى أو زوجته أو غيرهما من قراباته، هذا طيب وينفع الميت، سواء كان صوم رمضان أو كفارة أو نذر كله يصام عن الميت، هذا على الصحيح.
وقال بعض أهل العلم: إنما يصام عنه النذر خاصة، ولكن هذا قول ضعيف والأحاديث الصحيحة تدل على خلافه، الأحاديث الصحيحة دالة على أنه يصام عنه حتى رمضان ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) أخرجه الشيخان في الصحيحين.
وفي الصحيح عن عدة من الصحابة أنهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن مات وعليه صوم شهر، وبعضهم قال صوم شهرين: أنصوم عنه؟ قال: (صوموا عنه)، ولم يستفصل هل هو رمضان هل هو كفارة هل هو نذر، فدل ذلك على أن الأمر عام، يعم الكفارة ويعم النذر ويعم رمضان.
أما إذا كان الميت ما فرط يعني مات في مرضه، فهذا لا صوم عليه عند عامة أهل العلم، عند جمهور العلم، لا يقضى عنه صوم، ولا يطعم عنه؛ لأنه غير مفرط، بل هو معذور؛ لأن الله قال: وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ[البقرة: 185]، والذي توفي في مرضه ما أدرك أياماً أخر، لذلك فهو معذور، وليس عليه صيام، وليس عليه إطعام، يعني ليس على ورثته إطعام ولا صيام.
قراءة سورة يس على الموتى وعند الاحتضار
ذهب جمهور العلماء (منهم الحنفية والشافعية والحنابلة) إلى استحباب قراءة سورة يس عند المحتضر، واستدلوا على ذلك ببعض الأدلة، ولكنها لا تخلو من ضعف.
وروى أحمد (4/105) (16521) عن صَفْوَان قال: حَدَّثَنِي الْمَشْيَخَةُ أَنَّهُمْ حَضَرُوا غُضَيْفَ بْنَ الْحَارِثِ الثُّمَالِيَّ (صحابي) حِينَ اشْتَدَّ سَوْقُهُ، فَقَالَ: هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ يَقْرَأُ يس؟ قَالَ: فَقَرَأَهَا صَالِحُ بْنُ شُرَيْحٍ السَّكُونِيُّ، فَلَمَّا بَلَغَ أَرْبَعِينَ مِنْهَا قُبِضَ. قَالَ: فَكَانَ الْمَشْيَخَةُ يَقُولُونَ: إِذَا قُرِئَتْ عِنْدَ الْمَيِّتِ خُفِّفَ عَنْهُ بِهَا. قَالَ صَفْوَانُ: وَقَرَأَهَا عِيسَى بْنُ الْمُعْتَمِرِ عِنْدَ ابْنِ مَعْبَدٍ. قال الحافظ في "الإصابة"(5/324): إسناده حسن.
وانظر: "المجموع" (5/105)، "شرح منتهى الإرادات" (1/341)، "حاشية ابن عابدين" (2/191).
وقد اختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ ففي "الاختيارات" (ص 91): " والقراءة على الميت بعد موته بدعة، بخلاف القراءة على المحتضر، فإنها تستحب بياسين " انتهى.
قالوا: والسبب في استحباب قراءتها: أن هذه السورة مشتملة على التوحيد والمعاد، والبشرى بالجنة لمن مات على التوحيد، بقوله: (يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي) فتستبشر الروح بذلك، فيسهل خروجها. انظر: "مطالب أولي النهى" (1/837).
وذهب الإمام مالك رحمه الله إلى كراهة قراءة سورة يس أو غيرها عند المحتضر، لضعف الحديث الوارد في ذلك، ولأنه ليس من عمل الناس. انظر: الفواكه الدواني" (1/284)، "شرح مختصر خليل" (2/137).
قال الشيخ الألباني في "أحكام الجنائز":
" وأما قراءة سورة يس عنده (يعني عند المحتضر)، وتوجيهه نحو القبلة، فلم يصح فيه حديث " انتهى.
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز: هل قراءة سورة (يس) عند الاحتضار جائزة؟
فأجاب: " قراءة سورة (يس) عند الاحتضار جاءت في حديث معقل بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اقرأوا على موتاكم يس) صححه جماعة وظنوا أن إسناده جيد، وأنه من رواية أبي عثمان النهدي عن معقل بن يسار، وضعفه آخرون، وقالوا: إن الراوي له ليس هو أبا عثمان النهدي ولكنه شخص آخر مجهول. فالحديث المعروف فيه أنه ضعيف لجهالة أبي عثمان، فلا يستحب قراءتها على الموتى. والذي استحبها ظن أن الحديث صحيح فاستحبها، لكن قراءة القرآن عند المريض أمر طيب، ولعل الله ينفعه بذلك، أما تخصيص سورة (يس) فالأصل أن الحديث ضعيف فتخصيصها ليس له وجه " انتهى. "فتاوى ابن باز" (13/93).
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل قراءة سورة (يس) عند المحتضر ثابتة في السنة أم لا؟
فأجاب: " قراءة (يس) عند المحتضر سنة عند كثير من العلماء، لقوله صلى الله عليه وسلم: (اقرأوا على موتاكم يس)، لكن هذا الحديث تكلم فيه بعضهم وضعفه، فعند من صححه تكون قراءة هذه السورة سنة، وعند من ضعفه لا تكون سنة. والله أعلم " انتهى . "فتاوى ابن عثيمين" (17/72) .
وقال أيضاً:
" (اقرأوا على موتاكم يس) هذا الحديث ضعيف، فيه شيء من الضعف، ومحل القراءة إذا صح الحديث عند الموت إذا أخذه النزع، فإنه يقرأ عليه سورة يس، قال أهل العلم: وفيها فائدة وهو تسهيل خروج الروح، لأن فيها قوله تعالى: (قِيلَ ٱدْخُلِ ٱلْجَنَّةَ قَالَ يٰلَيْتَ قَوْمِى يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِى رَبِّى وَجَعَلَنِى مِنَ ٱلْمُكْرَمِينَ) فيقرأها عند المحتضر هذا إن صح الحديث، وأما قراءتها على القبر فلا أصل له " انتهى.
"فتاوى ابن عثيمين" (17/74) .
في كثير من بلاد المسلمين استئجار قارئ يقرأ القران، فهل يجوز للقارئ ان يأخذ اجرًا على قراءته، وهل يأثم من يدفع له الاجر على ذلك؟
قراءة القران عبادة محضة، وقربة يتقرب بها العبد الى ربه، والاصل فيها وفي امثالها من العبادات المحضة ان يفعلها المسلم ابتغاء مرضاة الله، وطلبًا للمثوبة عنده، لا يبتغي بها من المخلوق جزاءً ولا شكورًا.
وقد كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يزور القبور للعظة والعبرة وتذكر الاخرة، وكان يدعو للمسلمين من اهلها، ويستغفر لهم ويسال الله لهم العافية، وكان يعلم اصحابه ان يقولوا اذا زاروا القبور: (السلام عليكم اهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وانا ان شاء الله بكم لاحقون، نسال الله لنا ولكم العافية)، ولم يثبت عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما نعلم انه قرا قرانًا ووهب ثوابه للأموات، مع كثرة زيارته لقبورهم، ومع انه بالمؤمنين رؤوف رحيم.
ولم يعرف عن السلف الصالح استئجار قوم يقرؤون القران للأموات او في ولائم او حفلات، ولم يؤثر عن احد من ائمة الدين انه امر بذلك او رخص فيه، ولم يعرف ايضًا عن احد منهم انه اخذ اجرة على تلاوة القران، بل كانوا يتلونه رغبة فيما عند الله سبحانه، وقد امر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من قرا القران ان يسال به، وحذر من سؤال الناس، روى الترمذي في سننه عن عمران بن حصين انه مر على قاص يقرا ثم سال؛ فاسترجع ثم قال: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: من قرا القران فليسال الله به، فانه سيجيء أقوام يقرؤون القران يسالون به الناس) .
وعليه، فمن اخذ اجرًا على نفس التلاوة او استأجر جماعة لتلاوة القران فهو مخالف للسنة، ولما اجمع عليه السلف الصالح، والأصل المنع من إعطاء الأجر أو طلب الأجر على ذلك .
حكم الأربعينيّة التي تقام للميت والتي تستغل لذكر مناقبه وآثاره، ويقرأ فيها القرآن على روحه وحكم حضورها..
إقامة مأتم الأربعين للميت، من البدع المستحدثة التي لا دليل عليها ولو كان الغرض منها ما ذكر، وعليه فيتعين تركها وعدم حضورها ونصح الآخرين بعدم إقامتها والمشاركة فيها بأي وسيلة كانت .
وأما إهداء القرآن للميت، فسبق ذكر الخلاف والاختيار فيه، مع العلم أنه إذا كان القارئ يأخذ أجرا على قراءته، فلا خلاف في عدم وصول ثواب القراءة للميت، كما أنه لا يجوز أصلا - على القول الراجح - أخذ أجرة على القراءة.
الأضحية عن الميت، هل تسن؟
اختلف الفقهاء في ذلك على ثلاثة أقوال:
الأول: تصح وهو مذهب الجمهور ويصله ثوابها، ويؤيده ما رواه أبو داود والترمذي وغيرهما أن عليا رضي الله عنه كان يضحي عن النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين، وقال: إنه صلى الله عليه وسلم أمره بذلك.
الثاني: لا تصح إلا إذا أوصى بها الميت وهو مذهب الشافعية، قال الإمام النووي رحمه الله في المنهاج: ولا تضحية عن الغير بغير إذنه، ولا عن ميت إن لم يوص بها. انتهى.
الثالث: تكره وهو مذهب المالكية، قال الإمام خليل رحمه الله في مختصره في ذكر المكروهات في الأضحية: وكره جز صوفها... وفعلها عن ميت. انتهى.
وقال في التوضيح: وقال مالك في الموازية: ولا يعجبني أن يضحي عن أبويه الميتين، قال: وإنما كره أن يضحى عن الميت لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من السلف، وأيضا فإن المقصود بذلك غالبا المباهاة والمفاخرة. انتهى .
وقال الشيخ مشهور حسن سلمان:
الثابت من فعله صلى الله عليه وسلم أنه لما ضحى قال: "من محمد وآل محمد وأمة محمد" صلى الله عليه وسلم، وذلك فيما أخرج (مسلم) في صحيحه بإسناده، إلى عائشة رضي الله عنها قالت: "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبش أقرن يطأ في سواد ويبرك في سواد وينظر في سواد فأتي به ليضحي به، فقال لها: {يا عائشة هلمي المدية}، ثم قال: {اشحذيها بحجر}، ففعلت، ثم أخذها، وأخذ الكبش، فأضجعه ثم ذبحه، ثم قال: {باسم الله اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد} ثم ضحى به"، ففي هذا الحديث إشارة إلى أنه لا تجوز الأضحية عن الميت استقلالاً، وإنما تجوز تبعاً، ولهذا قال الفقهاء: الواجب على كل بيت أضحيه واحدة وهذه الأضحية تجزئ عن الأحياء منهم والأموات.
والعجب من الناس! فإنهم يقصرون في الأضحية في الحياة، ثم يتقصدون ويشعرون بالقصور إن تركت عن الأموات، وقد ذكر من جواز الأضحية عن الأموات استقلالاً لا تبعاً، قالوا: ومع ذلك فهذا عمل مرجوح لأنه لا إيثار في القربات فالأصل في الإنسان أن لا يؤثر غيره في القربات وإن كانا أبويه سواء كانا أحياء أو أمواتاً.
ويؤكد ذلك هديه العملي صلى الله عليه وسلم، وصحبه، فالنبي صلى الله عليه وسلم مات عمه في حياته وماتت زوجتان له، وهما خديجة وزينب بنت خزيمة رضي الله تعالى عنهما، ومات قبله أيضاً ولده ابراهيم وثلاث من بناته، ولم يؤثر عنه قط أنه ضحى عن واحد من الأموات، فالأضحية تكون على أهل البيت الواحد أضحية واحدة على الوجوب، ويجوز الزيادة عليها، وهذه تجزئ عن الأحياء والأموات، ولا يشرع أن يخص الأموات بالأضحية دون الأحياء، والله الهادي الموفق. اهـ.
المراد بالصدقة الجارية، وذكر أفضلها، وهل يَجوز للشَّخص أن يُشرك أكثر من ميِّت في ثوابها؟
الصدقة الجارية هي الوقف، وهي الواردة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلاَّ مِنْ ثَلاَثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ) رواه مسلم (1631).
قال النووي رحمه الله في شرح هذا الحديث:" الصدقة الجارية هي الوقف " انتهى.
" شرح مسلم " (11/85).
وقال الخطيب الشربيني رحمه الله: "الصدقة الجارية محمولة عند العلماء على الوقف كما قاله الرافعي، فإن غيره من الصدقات ليست جارية. "مغني المحتاج" (3/522-523).
والصدقة الجارية هي التي يستمر ثوابها بعد موت الإنسان، وأما الصدقة التي لا يستمر ثوابها ـ كالصدقة على الفقير بالطعام ـ فليست صدقة جارية.
وبناء عليه: فتفطير الصائمين وكفالة الأيتام ورعاية المسنين - وإن كانت من الصدقات - لكنها ليست صدقات جارية، ويمكنك أن تساهم في بناء دار لليتامى أو المسنين، فتكون بذلك صدقة جارية، لك ثوابها ما دامت تلك الدار ينتفع بها.
وأنواع الصدقات الجارية وأمثلتها كثيرة، منها: بناء المساجد، وغرس الأشجار، وحفر الآبار، وطباعة المصحف وتوزيعه، ونشر العلم النافع بطباعة الكتب والأشرطة وتوزيعها.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ: عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ، وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ، أَوْ بَيْتًا لِابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ) رواه ابن ماجه (رقم/242) قال المنذري في " الترغيب والترهيب " (1/78): إسناده حسن. وحسنه الألباني في " صحيح ابن ماجه ".
وينبغي للمسلم أن يعدد مصارف صدقاته، حتى يكون له نصيب من الأجر مع أهل كل طاعة، فتجعل جزء من مالك لتفطير الصائمين، وجزء آخر لكفالة اليتيم، وثالثاً لدار المسنين، ورابعاً تساهم به في بناء مسجد، وخامسا لتوزيع الكتب والمصاحف، وهكذا .
ويَجوز للشَّخص أن يُشرك أكثر من ميِّت في ثواب الصدقة الجارية؛ لحديث الأضحية السابق ذكره، وفيه أشرك النبي صلى الله عليه وسلم جميع من لم يضح من أمته في ثواب الأضحية.
قال ابن عابدين: "والأفضل لمن يتصدَّق نفلاً أن ينوي لِجميع المؤمنين والمؤمنات؛ لأنَّها تصل إليْهم، ولا ينقص من أجره شيء" .
___________
( 1) الروح، لابن قيم الجوزية (1/117) ، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت.
( 2) رواه مسلم (كتاب: الوصية، باب: ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته).
( 3) رواه ابن ماجه (افتتاح الكتاب: في الإيمان وفضائل الصحابة، باب: ثواب معلم الناس الخير) ، وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزياداته (2231).
( 4) رواه البزار (مسند أبي حمزة أنس بن مالك) ، والبيهقي في شعب الإيمان (الزكاة، الاختيار في صدقة التطوع) ، وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزياداته (3602).
( 5) رواه مسلم (كتاب: الإمارة، باب: فضل إعانة الغازي في سبيل الله بمركوب وغيره).
( 6) رواه مسلم (كتاب: الزكاة، باب: الحث على الصدقة ولو بشق تمرة).
( 7) رواه ابن ماجه (كتاب: الوصايا، باب: الوصية بالثلث) ، والبيهقي في السنن الكبرى (كتاب: الوصايا، باب: الوصية بالثلث) ، وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزياداته (1733).
( 8) رواه مسلم (كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: تحريم الكلام في الصلاة).
( 8) المغني، لابن قدامة (2/423)، الناشر: مكتبة القاهرة، تاريخ النشر: 1388هـ/1968م، وانظر: العدة شرح العمدة، بهاء الدين المقدسي (1/134)، الناشر: دار الحديث، القاهرة، تاريخ النشر: 1424هـ/2003م. وقال المرداوي: «وهو المذهب مطلقًا، وعليه جماهير الأصحاب، وقطع به كثير منهم». انظر: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، للمرداوي (2/558)، الناشر: دار إحياء التراث العربي، الطبعة الثانية.
( 9) أي: ماتت فجأة.
( 10) رواه البخاري (كتاب: الجنائز، باب: موت الفجأة البغتة) ، ومسلم (كتاب: الزكاة، باب: وصول ثواب الصدقة عن الميت إليه).
( 11) رواه البخاري (كتاب: الوصايا، باب: إذا قال: أرضي أو بستاني صدقة لله عن أمي فهو جائز).
( 12) رواه مسلم (كتاب: الوصية، باب: وصول ثواب الصدقات إلى الميت).
( 13) شرح صحيح مسلم، للنووي (7/90) ، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثانية، 1392هـ.
( 14) رواه أحمد (مسند المكثرين من الصحابة، مسند أبي هريرة) ، وابن ماجه، واللفظ له (كتاب: الأدب، باب: بر الوالدين) ، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (1598).
( 15) رواه البخاري (كتاب: الجنائز، باب: الصلاة على الجنائز بالمصلى والمسجد)، ومسلم (كتاب: الجنائز، باب: في التكبير على الجنازة).
( 16) رواه البخاري (كتاب: الوصايا، باب: ما يستحب لمن توفي فجاءة أن يتصدقوا عنه) ، ومسلم (كتاب: النذر، باب: الأمر بقضاء النذر).
( 17) رواه ابن ماجه (كتاب: الصدقات، باب: التشديد في الدين) ، والترمذي (أبواب الجنائز، باب: ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «نفس المؤمن معلقة بِدَينه حتى يقضى عنه»، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزياداته (6779).
( 18) وأما الحج والعمرة، فاختلف فيما يصل من ثوابهما؟ هل ثواب الإنفاق أو ثواب العمل؟ فعند الجمهور يصل ثواب العمل نفسه، وعند بعض الحنفية إنما يصل ثواب الإنفاق. وسيأتي تفصيل القول فيهما في مبحث مستقل، على حدة.
( 19) انظر: التفريغ النصي لفتوى الشيخ تحت عنوان: (الجواب عن أدلة المانعين وصول ثواب الأعمال المهداة للميت) ، على موقع الشبكة الإسلامية.
( 20) انظر: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين (17/255) ، جمع وترتيب: فهد بن ناصر بن إبراهيم السليمان، الناشر: دار الوطن، دار الثريا بالرياض، الطبعة الأخيرة، 1413هـ.
( 21) ضمن فتاوى دار الإفتاء المصرية، تحت عنوان: (صلة الأحياء بالأموات) ، وعنوان: (تكرار العمرة).
( 22) انظر فتواه ضمن فتاوى دار الإفتاء المصرية، تحت عنوان: (زيارة القبور وبناؤها بالطوب الأحمر والمسلح).
( 23) انظر الفتوى رقم: 3695، تحت عنوان: (هل يصل ثواب قراءة القرآن للميت؟)، وفتوى الشيخ يوسف الدجوي حول القراءة على الميت.
(24 ) البحر الرائق شرح كنز الدقائق، لابن نجيم المصري (3/63) ، الناشر: دار الكتاب الإ
سلامي، الطبعة الثانية، وانظر: رد المحتار على الدر المختار، لابن عابدين (2/243) ، الناشر: دار الفكر، بيروت، الطبعة الثانية، 1412هـ/1992م.
(25 ) الهداية في شرح بداية المبتدي، للمرغيناني (1/178) ، المحقق: طلال يوسف، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، وانظر: الاختيار لتعليل المختار، لابن مودود الموصلي (4/179) ، الناشر: مطبعة الحلبي بالقاهرة (وصورتها دار الكتب العلمية بيروت، وغيرها) ، تاريخ النشر: 1356هـ/1937م.
(26 ) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، للزيلعي، وعليه حاشية الشِّلْبِي، الناشر: المطبعة الكبرى الأميرية، بولاق، القاهرة، الطبعة الأولى، 1313هـ، وانظر: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر، لشيخي زاده, يعرف بداماد أفندي (2/552) ، الناشر: دار إحياء التراث العربي.
(27 ) المغني، لابن قدامة (2/423).
( 28) الفروع، لابن مفلح، ومعه تصحيح الفروع، لعلاء الدين علي بن سليمان المرداوي (3/423) ، المحقق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1424هـ/2003م.
( 29) المبدع في شرح المقنع، لابن مفلح (2/281) ، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1418هـ/1997م.
(30 ) الروض المربع شرح زاد المستقنع، للبهوتي الحنبلي (1/192) ، خرج أحاديثه: عبد القدوس محمد نذير، الناشر: دار المؤيد، مؤسسة الرسالة. ويلاحظ أن الحنابلة نصوا على مشروعية إهداء ثواب الأعمال حتى للحي، وهو أيضا ما ذكره مصطفى الرحيباني الحنبلي في كتابه مطالب أولي النهي، إذ قال: وكل قربة فعلها مسلم وجعل المسلم بالنية - فلا اعتبار باللفظ- ثوابها أو بعضه لمسلم حي أو ميت جاز ونفعه ذلك بحصول الثواب له. انتهى.
(31 ) الفتاوى الكبرى، لابن تيمية (3/63) ، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1408هـ/1987م.
(32 ) المصدر السابق (5/363).
( 33) الروح، لابن القيم (1/122).
(34 ) الفتاوى الحديثية، لابن حجر الهيتمي (1/10) ، الناشر: دار الفكر.
( 35) فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ (3/230) ، جمع وترتيب وتحقيق: محمد بن عبد الرحمن بن قاسم، الناشر: مطبعة الحكومة بمكة المكرمة، الطبعة الأولى، 1399هـ.
(35 ) فتاوى دار الإفتاء المصرية، تحت عنوان (تكرار العمرة).
( 36) مجموع رسائل ابن عثيمين (17/255).
( 36) مجموع الفتاوي (1/ 191).
(37 ) مجموع الفتاوي (24/ 323).
( 38) انظر الذخيرة، للقرافي (3/280) ، الناشر: دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 1994م، وشرح مختصر خليل، للخرشي (2/283) ، الناشر: دار الفكر للطباعة، بيروت، وحاشية الصاوي (3/503).
( 39) انظر: نيل الأوطار (4/ 112).
( 40) انظر: مجموع فتاوى العلامة عبد العزيز بن باز (4/348) ، أشرف على جمعه وطبعه: محمد ابن سعد الشويعر.
( 41) مفتي المملكة السعودية الحالي.
( 42) من فتوى مسموعة له، على الانترنت.
(43 ) من فتوى مسموعة له، على الانترنت.
(44 ) انظر كتابه: (ثواب القرب المهداة إلى أموات المسلمين).
( 45) وسيأتي ذكر بعض النقولات التي تبين ذلك.
(46 ) حاشية الصاوي على الشرح الصغير، للصاوي المالكي (1/580) ، الناشر: دار المعارف، وانظر: منح الجليل شرح مختصر خليل، لمحمد بن أحمد بن محمد عليش (2/221) ، الناشر: دار الفكر، بيروت، 1409هـ/1989م.
( 47) شرح صحيح مسلم، للنووي (7/90).
( 48) المجموع شرح المهذب، للنووي، مع تكملة السبكي والمطيعي (15/521) ، الناشر: دار الفكر.
( 49) روضة الطالبين وعمدة المفتين، للنووي (5/191) ، تحقيق: زهير الشاويش، الناشر: المكتب الإسلامي، ببيروت ودمشق وعمان، الطبعة الثالثة، 1412هـ/1991م.
( 50) حاشية البجيرمي على الخطيب، للبُجَيْرَمِيّ المصري الشافعي (2/302) ، الناشر: دار الفكر، تاريخ النشر: 1415هـ/1995م.
نيل الأوطار (4/ 112).
( 51) المستدرك على مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (4/51) ، جمعه ورتبه وطبعه على نفقته: محمد بن عبد الرحمن بن قاسم، الطبعة الأولى، 1418هـ.
( 51) رد المحتار على الدر المختار، لابن عابدين (6/57) ، الناشر: دار الفكر، بيروت، الطبعة الثانية، 1412هـ/1992م.
(52 ) رواه أبو داود (كتاب: الوصايا، باب: ما جاء في وصية الحربي يسلم وليه أيلزمه أن ينفذها؟)، والبيهقي في السنن الكبرى (كتاب: الوصايا، باب: ما جاء في العتق عن الميت)، وحسنه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود (2883).
( 53) اللباب في الجمع بين السنة والكتاب، لجمال الدين أبو محمد علي بن أبي يحيى زكريا بن مسعود الأنصاري الخزرجي المنبجي الحنفي (المتوفى: 686هـ) ، المحقق: د. محمد فضل عبد العزيز المراد، الناشر: دار القلم، دمشق سوريا، الدار الشامية، بيروت لبنان، الطبعة الثانية، 1414هـ/1994م.
(54 ) رواه أحمد (مسند النساء، مسند الصديقة عائشة) ، وابن ماجه (كتاب: الأضاحي، باب: أضاحي رسول الله صلى الله عليه وسلم) ، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه (3122) ، وأصله في الصحيحين.
(55 ) مصنف ابن أبي شيبة (كتاب: الجنائز، ما يتبع الميت بعد موته) ، والحديث إسناده مرسل، كما في مقدمة صحيح مسلم (باب في أن الإسناد من الدين).
(56 ) رواه مسلم (مقدمة الإمام مسلم رحمه الله، باب في أن الإسناد من الدين).
(57 ) رواه الحاكم في المستدرك (كتاب: البر والصلة) ، وصححه ووافقه الذهبي، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (597).
( 58) أربعون حديثًا لأربعين شيخًا من أربعين بلدة، لابن عساكر (البلد التاسع والعشرون: مرند، أربعة يبر بها الإنسان والديه).
( 59) رواه البخاري، واللفظ له (كتاب: الوضوء، باب: ما جاء في غسل البول) ، ومسلم (كتاب: الطهارة، باب: الدليل على نجاسة البول، ووجوب الاستبراء منه).
( 60) شرح سنن أبي داود، للعيني (1/85) ، المحقق: خالد بن إبراهيم المصري، الناشر: مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى، 1420هـ/1999م.
( 61) رواه البخاري (كتاب: الجنائز، باب: ما يكره من النياحة على الميت) ، ومسلم (كتاب: الجنائز، باب: الميت يعذب ببكاء أهله عليه).
( 62) المغني، لابن قدامة، بتصرف بسيط (2/423).
(63 ) الروح، لابن القيم (1/122).
انظر: ملتقى أهل الحديث- مشاركة: الاستاذ عادل عبد الوهاب.
( 64) قالوا: ومثله قوله تعالى: {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} [الإسراء:19]؛ فقد اشترط تعالى فيمن تكون له الآخرة أن يسعى لها سعيها، لا أن يسعى له غيره. وكذلك قوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ} [الأنبياء:94]؛ فقد ذكر تعالى عمل الإنسان وسعيه لنفسه، وأغفل كل ما عدا ذلك، وقوله تعالى: {لَهَا مَا كَسَبَتْ} [البقرة:286].
( 65) الاختيار لتعليل المختار، لابن مودود الموصلي (4/180) ، كشاف القناع عن متن الإقناع، للبهوتى الحنبلي (2/148) ، الناشر: دار الكتب العلمية.
( 66) البحر الرائق شرح كنز الدقائق، لابن نجيم المصري (3/63) ، وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، للزيلعي (2/84) ، الناشر: المطبعة الكبرى الأميرية، بولاق، القاهرة، الطبعة الأولى، 1313هـ.
(67 ) المسائل والأجوبة، لابن تيمية (1/132) ، المحقق: أبو عبد الله حسين بن عكاشة، الناشر: الفاروق الحديثة للطباعة والنشر، القاهرة، الطبعة الأولى، 1425هـ/2004م.
( 68) مجموع فتاوى العثيمين.
(69 ) رواه ابن ماجه (كتاب: التجارات، باب: الحث على المكاسب) ، والنسائي، واللفظ له (كتاب: البيوع، باب: الحث على الكسب) ، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه (2137).
( 70) رواه البخاري (كتاب: المرضى، باب: تمني المريض الموت) ، ومسلم، واللفظ له (كتاب: صفة القيامة والجنة والنار، باب: لن يدخل أحد الجنة بعمله؛ بل برحمة الله تعالى).
(71 ) رواه مسلم (كتاب: الوصية، باب: ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته).
( 72) الاختيار لتعليل المختار، لابن مودود الموصلي (4/180) ، وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، للزيلعي (2/84) ، وكشاف القناع عن متن الإقناع، للبهوتي الحنبلي (2/148).
(73 ) رواه أحمد، واللفظ له (مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني) ، والترمذي عن فضالة بن عبيد (أبواب فضائل الجهاد، باب: ما جاء في فضل من مات مرابطًا) ، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي (1621).
( 74) رواه مالك في الموطأ (كتاب: الصيام، النذر في الصيام، والصيام عن الميت) ، والنسائي، واللفظ له (كتاب: الصيام، صوم الحي عن الميت، وذكر اختلاف الناقلين للخبر في ذلك) ، وصححه الألباني من كلام ابن عمر، انظر: موسوعة الألباني في العقيدة (9/61) ، صَنَعَهُ: شادي بن محمد ابن سالم آل نعمان، الناشر: مركز النعمان للبحوث والدراسات الإسلامية وتحقيق التراث والترجمة، صنعاء اليمن، الطبعة الأولى، 1431هـ/2010م.
(75 ) رواه البخاري (كتاب: الوضوء، باب: وضع الماء عند الخلاء).
( 76) رواه البخاري (كتاب: الصوم، باب: من مات وعليه صوم) ، ومسلم (كتاب: الصيام، باب: قضاء الصيام عن الميت).
(77 ) شرح العقيدة الطحاوية، لابن جبرين، بتصرف، نقلًا عن موقع: الشبكة الإسلامية.
( 78) رواه البخاري (كتاب: الوصايا، باب: هل يدخل النساء والولد في الأقارب؟)، ومسلم (كتاب: الإيمان، باب: في قوله تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}).
( 79) فتح الباري شرح صحيح البخاري، لابن حجر العسقلاني (8/502) ، الناشر: دار المعرفة بيروت، 1379هـ، رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، قام بإخراجه وصححه وأشرف على طبعه: محب الدين الخطيب، عليه تعليقات العلامة: عبد العزيز بن عبد الله بن باز.
( 80) انظر: "السلسلة الصحيحة" 1/ 783-784 برقم 484، وفيها: أخرجه الإمام أحمد ( 2 / 182 ) حدثنا هشيم أخبرنا حجاج حدثنا عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن العاص بن وائل نذر في الجاهلية أن ينحر مائة بدنة، و أن هشام ابن العاص نحر حصته خمسين بدنة، وأن عمرا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ فقال" فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات على الخلاف المعروف في عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده. وهشيم والحجاج كلاهما مدلس، ولكنهما قد صرحا بالتحديث، فزالت شبهة تدليسهما. ومن هنا تعلم أن قول الهيثمي في "مجمع الزوائد" (4 /192): "رواه أحمد، وفيه الحجاج بن أرطأة، وهو مدلس". ليس دقيقا، فإنه يوهم أنه قد عنعنه، وليس كذلك كما ترى. اهـ.
( 81) رواه الترمذي (2/260) ، المحقق: بشار عواد معروف، الناشر: دار الغرب الإسلامي، بيروت، سنة النشر: 1998م.
(82 ) تفسير القرطبي (4/152).
(83 ) من جواب فضيلته عن سؤال: هل صحيح أن ثواب العمرة أو الحجة تصل إلى الميت، وترفع درجاته في الجنة؟، نقلًا عن الموقع الرسمي لفضيلته.
( 83) الشرح الممتع على زاد المستقنع، لمحمد بن صالح العثيمين (6/455)، دار ابن الجوزي، الطبعة الأولى، 1422-1428هـ.
( 84) من فتوى لفضيلته، نقلًا عن موقع: أون إسلام.
( 85) المبسوط، للسرخسي (4/147-148).
( 86) تبيين الحقائق (2/85).
)) الاختيار لتعليل المختار، لابن مودود الموصلي (1/170).
)) الكافي في فقه أهل المدينة، لابن عبد البر (1/408) ، المحقق: محمد محمد أحيد ولد ماديك الموريتاني، الناشر: مكتبة الرياض الحديثة، الرياض، المملكة العربية السعودية، الطبعة الثانية، 1400هـ/1980م.
( 87) الأم، للشافعي (2/125) ، الناشر: دار المعرفة، بيروت، سنة النشر: 1410هـ/1990م.
( 88) الحاوي الكبير، للماوردي (4/257)، المحقق: الشيخ علي محمد معوض، الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1419هـ/1999م.
( 89) رجل معضوب: زَمِنٌ لا حَرَاكَ به، انظر: المصباح المنير، للفيومي (2/414).
( 90) الغرر البهية في شرح البهجة الوردية، لزكريا الأنصاري (2/230)، الناشر: المطبعة الميمنية.
(91 ) البيان في مذهب الإمام الشافعي، لأبي الحسين العمراني (4/51)، المحقق: قاسم محمد النوري، الناشر: دار المنهاج، جدة، الطبعة الأولى، 1421هـ/2000م.
( 92) الكافي في فقه الإمام أحمد، لابن قدامة (1/471) ، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1414هـ/1994م.
الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، للمرداوي (3/419) ، الناشر: دار إحياء التراث العربي، الطبعة الثانية.
( 93) المصدر السابق (2/560).
( رواه أحمد) (مسند المدنيين، حديث أبي رزين العقيلي لقيط بن عامر المنتفق) ، والترمذي (أبواب الحج، حديث رقم: 930) ، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزياداته (3127).
(94 ) العدة شرح العمدة، لبهاء الدين المقدسي (1/179) ، الناشر: دار الحديث، القاهرة، تاريخ النشر: 1424هـ/2003م.
الشرح الكبير على متن المقنع، لابن قدامة (3/184).
( 95) رواه البخاري (كتاب: الاعتصام بالكتاب والسنة، باب: من شبه أصلًا معلومًا بأصل مبين، قد بين الله حكمهما، ليفهم السائل).
( 96) كشاف القناع، للبهوتى (2/336).
( 97) الصَّرورة: الذي لم يحج، انظر: المصباح المنير (1/338).
المدونة، لمالك بن أنس (1/485) ، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1415هـ/1994م، وانظر: مواهب الجليل في شرح مختصر خليل، للحطاب الرعيني (2/543)، الناشر: دار الفكر، الطبعة الثالثة، 1412هـ/1992م.
مواهب الجليل في شرح مختصر خليل (2/543).
(98 ) شرح مختصر خليل، للخرشي (2/289) ، الناشر: دار الفكر للطباعة، بيروت، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير (2/10) ، الناشر: دار الفكر، ومنح الجليل شرح مختصر خليل (2/201).
المجموع شرح المهذب، للنووي (7/110).
( 99) عمدة القاري شرح صحيح البخاري، بدر الدين العيني (9/125-126) و (10/211-213) ، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت، المجموع شرح المهذب، للنووي (7/116)، الناشر: دار الفكر، ومصنف ابن أبي شيبة (كتاب: الحج، من قال: لا يحج أحد عن أحد)، شرح السنة، للبغوي (7/27)، تحقيق: شعيب الأرنئوط، محمد زهير الشاويش، الناشر: المكتب الإسلامي، دمشق، بيروت، الطبعة الثانية، 1403هـ/1983م.
موسوعة الألباني في العقيدة (9/61).
المبسوط، للسرخسي (4/148) ، والهداية في شرح بداية المبتدي، للمرغيناني (1/179) ، وتبيين الحقائق (2/85).
(100 ) شرح مختصر خليل، للخرشي (2/299).
( 101) العدة شرح العمدة، لبهاء الدين المقدسي (1/179) ، الناشر: دار الحديث، القاهرة، تاريخ النشر: 1424هـ/2003م.
تفسير القرآن العظيم، لابن كثير (1/531) ، المحقق: سامي بن محمد سلامة، الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، 1420هـ/1999م.
تفسير ابن كثير (1/531).
تفسير القرطبي (2/365-368) ، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، الناشر: دار الكتب المصرية، القاهرة، الطبعة الثانية، 1384هـ/1964م.
( 102) رواه النسائي في السنن الكبرى (كتاب: المناسك، الحج عن الميت الذي لم يحج) ، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي (2634).
(103 ) رواه البخاري (كتاب: المغازي، باب: حجة الوداع) ، ومسلم (كتاب: الحج، باب: الحج عن العاجز لزمانة وهرم ونحوهما، أو للموت).
( 104) انظر: فتح الباري) 4/70.
(105 ) تفسير القرطبي (4/152) ، وانظر: فتح الباري، لابن حجر (4/69).
( 106) المحلى بالآثار، لابن حزم (5/37) ، وحجة الوداع، لابن حزم أيضًا (1/468) ، المحقق: أبو صهيب الكرمي، الناشر: بيت الأفكار الدولية للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الأولى، 1998م.
( 107) حجة الوداع، لابن حزم (1/469).
(108 ) رواه أبو داود (كتاب: الوصايا، باب: ما جاء في وصية الحربي يسلم وليه) ، والبيهقي في السنن الكبرى (كتاب: الوصايا، باب: ما جاء في العتق عن الميت) ، وحسنه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود (2883).
( 109) وانظر: المغني، لابن قدامة (2/432).
( 110) رواه البخاري (كتاب: الاعتصام بالكتاب والسنة، باب: من شبه أصلًا معلومًا بأصل مبين، قد بيَّن الله حكمهما، ليفهم السائل).
( 111) انظر: الكافي في فقه الإمام أحمد، لابن قدامة (1/471) ، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1414 هـ/1994م.
(112 ) المبسوط، للسرخسي (4/155) ، وانظر: تبيين الحقائق (2/88).
( 113) الإنابة في الحج، د. محمد طاهر حكيم، نقلًا عن موقع: صيد الفوائد.
( 114) عمدة القاري شرح صحيح البخاري، بدر الدين العيني (9/126) ، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت.
(115 ) رواه البخاري (كتاب: الاعتصام بالكتاب والسنة، باب: من شبه أصلًا معلومًا بأصل مبين، قد بين الله حكمهما، ليفهم السائل).
انظر: المبسوط، للسرخسي (4/153).
بداية المجتهد ونهاية المقتصد، لابن رشد الحفيد (2/84) ، الناشر: دار الحديث، القاهرة، تاريخ النشر: 1425هـ/2004 م.
رواه البخاري (كتاب: الجنائز، باب: كيف يكفن المحرم؟)، ومسلم، واللفظ له (كتاب: الحج، باب: ما يفعل بالمحرم إذا مات).
( 116) عمدة القاري، لبدر الدين العيني (10/211).
( 117) رواه ابن ماجه، واللفظ له (كتاب: المناسك، باب: من أتى عرفة قبل الفجر ليلة جمع)، والترمذي (أبواب الحج، باب: ما جاء فيمن أدرك الإمام بجمع فقد أدرك الحج)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه (3015).
حجة الوداع، لابن حزم (1/468).
المحلى بالآثار، لابن حزم (5/38).
( 118) مصنف ابن أبي شيبة (كتاب: الحج، من قال: لا يحج أحد عن أحد) ، وصححه الألباني، انظر: موسوعة الألباني في العقيدة (1472).
( 119) المبسوط، للسرخسي (4/148)
( 120) المصدر السابق.
(121 ) بدائع الصنائع، للكاساني (2/212).
( 122) المصدر السابق.
(123 ) انظر: فتاوى الإسلام سؤال وجواب.
( 124) مختصر من فتوى للعلامة ابن باز رحمه الله.
(125 ) من فتاوى الإسلام سؤال وجواب. (بتصرف يسير واختصار).
( 126) أخرجه أحمد والترمذي، وغيرهما.
( 127) واما اخذ الاجرة على تعليمه او الرقية به ونحو ذلك مما نفعه متعد لغير القارئ فقد دلت الاحاديث الصحيحة على جوازه؛ لحديث ابي سعيد في اخذه قطيعًا من الغنم جعلًا على رقية اللديغ، الذي رقاه بسورة الفاتحة، وحديث سهل في تزويج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ امرأة لرجل بتعليمه اياها ما معه من القران. رواه أحمد، والبخاري.
( 128) من فتاوى الشبكة الإسلامية، رقم الفتوى: 109706.
( 129) من فتاوى الشبكة الإسلامية، رقم الفتوى: 109706.
( 130) من فتوى للشيخ، على موقع طريق الإسلام. وفي فتاوى اللجنة الدائمة: يجوز أن يضحى عن الميت؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» رواه مسلم. وذبح الأضحية عنه من الصدقة الجارية؛ لما يترتب عليها من نفع المضحي والميت وغيرهما. (بتصرف يسير واختصار).
( 131) من فتاوى الإسلام سؤال وجواب.
( 132) من فتوى للشيخ عبد المنعم الرفاعي، على موقع طريق الإسلام.