لماذا فقد الشباب حلاوة الالتزام
الهداية والاستقامة على دين الله نعمة عظيمة من الله عز وجل، يمن بها على من يشاء من عباده ممن هو أهل لها وجدير بها، ومما يفرح القلب ويثلج الصدر أن نشاهد في كل مكان شبابًا نَوَّرَ اللهُ قلوبَهم وأنعم عليهم بالهداية، التي نسأل الله تعالى أن يثبتهم عليها، وأن يمن على غيرهم، ممن هم لا يزالون في غيهم سادرون وفي لهوهم ساهون، بالهداية لصراطه المستقيم.
والحقيقة أن الالتزام بدين الله سبحانه وتعالى إنما يكون، أولًا وأخيرًا، بخشية الله عز وجل، ويكون بمعرفة من هو الله عز وجل؛ فنخشاه حق الخشية، ونحبه حق المحبة، ونطيعه حق الطاعة، وننتهي عما حرم ونهى عنه.
ولقد جاء القرآن الكريم بهذه التربية العظيمة على لسان محمدٍ صلى الله عليه وسلم؛ فصاغ منها رجال الإسلام الأوائل فغدوا رجالًا يحملون بين جنوبهم إيمانًا خالطت بشاشته القلوب؛ فلانت لهم الصُّم الصَّلاب؛ وأتتهم الدنيا وهي راغمة، علِموا من العلم ما علموا؛ فبارك الله في علمهم، ونفع بهم الأمة، وترجموه إلى واقع عملي؛ فأصبحوا عباد ليل، صوّام نهار، مجاهدين في سبيل الله، علمًا في الحلق والمساجد، إذا قالوا فعلوا، وإذا فعلوا أخلصوا.
وفجأة وجدنا أنفسنا في أزمنة انقلبت فيها الموازين، وانتكست فيها الفطرة، وتغيرت فيها الآراء، رضينا منها أن نكون مع الخوالف، تعلمنا العلم لغير وجه الله، تعلمنا العلم للدنيا فمحق الله بركته، وغفلنا عن الآخرة فطبع الله على القلوب، ونزع منها لذة الإيمان وحلاوة العبادة.
لماذا فقد الشباب حلاوة الالتزام؟
أعظم هذه الأسباب الغفلة وعدم السعي في زيادة الإيمان في قلبه، وبعضهم يظن أن زيادة الإيمان تأتي بعلاج سحري، يضعه في الجوف ثم يزداد إيمانه فجأة، ولا يريد أن يتعب، ولا يريد أن يعفر وجهه لله، ويسأل الله تعالى أن يثبت قلبه على دينه، هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: كنت أقرأ للآية الواحدة مائة تفسير ثم لا أفهم، فأمرغ خدي في التراب وأقول: يا معلم إبراهيم، علمني، ويا مفهم سليمان، فهمني، فيفتح الله عز وجل عليه من بركات علمه ما لم يكن في الحسبان، إذًا بماذا أصبح شيخ الإسلام؟ بتعفير خده ووجهه لرب العباد عز وجل.
كلما أذللت نفسك لله كلما أعزك الله، وكلما تجافيت عن الله وأذللت نفسك للبشر كلما زادك الله ذلًا.
ومن الأسباب: طول الأمل، والتعلق بهذه الدنيا، طول الأمل من الشقاء كما جاء في الأثر.
طول الأمل من أكثر الأسباب التي تمنع الإنسان من الانتفاع بعمره في العمل الصالح للآخرة، ويكفي في مضارّه أنه يمنع الإنسان من التوبة؛ لأن طول الأمل يُوقِع الإنسان في التسويف، فيبدأ بتأخير التوبة إلى أن يقع به الموت، ولا مهلة له لتدارك ما فات.
وقال الله تعالى: {الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا} [إبراهيم:3].
فاستحباب الحياة الدنيا على الآخرة، يصطدم بتكاليف الإيمان، ويتعارض مع الاستقامة على الصراط، وليس الأمر كذلك حين تستحب الآخرة؛ لأنه عندئذ تصلح الدنيا، ويصبح المتاع بها معتدلًا، فلا يقع تعارض بين استحباب الآخرة ومتاع هذه الدنيا، كما يقوم في الأخيلة المنحرفة، فتوجه القلب للآخرة لا يقتضي خسران متاع الحياة الدنيا؛ بل إن صلاح الآخرة في الإسلام يقتضي صلاح الدنيا واستعمارها، والتمتع بطيباتها(1).
ومن الأسباب: الإفراط في الأكل والنوم والسهر، ولا تسأل عن السهر في هذه الأزمنة، والكلام والمخالطة وكثرة الضحك التي تقسي القلب، وأبعد القلوب من الله القلب القاسي.
شهوة البطن من أعظم المهلكات، وسببُ كثيرٍ من الآفات والأمراض القلبية والبدنية؛ إذ تتبعها شهوة الفرج، ثم الرغبة في الجاه والمال لتحقيق هاتين الشهوتين، ويتولد من ذلك من أمراض القلوب الرياء والحسد والتفاخر والكبر بسبب الانشغال بالدنيا، وغالبًا ما يدفعه ذلك إلى المنكر والفحشاء، كل ذلك بسبب هذه الشهوة، وقد قالت العرب قديمًا: المعدة بيت الداء، والحمية رأس الدواء.
يقول الله عز وجل: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف:31]، وفي السنة النبوية من الحث على الاعتدال في الطعام وذم الإسراف الشيء الكثير، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما ملأ آدمي وعاءً شرًّا من بطنه، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه» (2).
ذكر العلماء فوائد الاعتدال في الطعام وعدم الإسراف، ومنها:
1- صفاء القلب وإيقاد القريحة وإنفاذ البصيرة، فإن الشبع يورث البلادة ويعمي القلب، ولهذا جاء في الحكمة: من أجاع بطنه عظمت فكرته وفطن قلبه.
2- الانكسار والذل وزوال البطر والفرح والأشر، الذي هو مبدأ الطغيان والغفلة عن الله تعالى.
3- ألَّا ينسى بلاءَ الله وعذابه، ولا ينسى أهل البلاء، فإن الشبعان ينسى الجائع وينسى الجوع، والعبد الفطن لا يجد بلاء غيره إلا ويتذكرُ بلاء الآخرة.
4- من أكبر الفوائد: كسر شهوات المعاصي كلها، والاستيلاء على النفس الأمارة بالسوء، فإن منشأ المعاصي كلها الشهوات والقوى، ومادة القوى والشهوات لا محالة الأطعمة، قال ذو النون: «ما شبعت قط إلا عصيت أو هممت بمعصية».
5- دفع النوم ودوام السهر، فإن من شبع كثيرًا شرب كثيرًا، ومن كثر شربه كثر نومه، وفي كثرة النوم ضياع العمر، وفوت التهجد، وبلادة الطبع، وقسوة القلب، والعمر أنفس الجواهر، وهو رأس مال العبد، فيه يتجر، والنوم موت، فتكثيره ينقص العمر.
6- صحة البدن ودفع الأمراض، فإن سببها كثرة الأكل وحصول الأخلاط في المعدة، وقد قالَ الأطباء: البطنة أصل الداء، والحمية أصل الدواء (3).
ومنها كثرة الاشتغال بالدنيا، والدنيا ملعونة، ملعون ما فيها، إلا ذكر الله وما والاه أو عالمًا أو متعلمًا.
قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللهِ الْغَرُورُ} [فاطر:5].
فالدنيا بما فيها من المتاع والشهوات تعيق الإنسان المسلم عن السير إلى جنات ربه، وعن كل عمل صالح يقرب منها، والمذموم في ذلك هو متاع الدنيا وشهواتها المحرمة، وليس المقصود ذات الدنيا، فهي دار لعمل الخير كما هي دار لعمل الشر، كما اقتضت حكمة الله ذلك.
فالمذموم من الدنيا الركون إليها وإلى متاعها الزائل، وما فيها من شهوات ومضلات الفتن.
وكثير من المسلمين اليوم يُزهد في الدنيا، ويحذر منها، وأنها سبب كل شر، ورأس كل خطيئة، وهو صحيح، لكن هذا لا يعني العزوف عنها وعن عمارتها، والاستخلاف فيها، والسعي وفق منهج الحق تبارك وتعالى، ولعل هذا أحد أسباب تخلف المسلمين في الريادة والقيادة للعالم، وعزوف كثير من المسلمين عن تقديم كل ما يخدم الإنسان من تقدم وتطور، على عكس ما كان عليه سلف هذه الأمة.
فالأصل هو عمارة هذا الحياة بكل جوانبها، وجعلها مزرعة نحصد ثمارها الطيبة في الحياة الأبدية، في جنات عدن التي خرجنا منها.
ومن الأسباب: التعود دائمًا على أجواء المنكرات والمخالطات، المخالطات المحرمة، أو وجوده مع شباب شغوفين بالقنوات الفضائية، ومواقع الجنس الصريح في الإنترنت، والمجلدات الخليعة، والنكت السخيفة الجنسية، هذا وسط يعج بالمنكرات، فكيف تريد من إنسان يخالطهم أن يزداد إيمانه، لا يمكن أبدًا.
ومنها هجر العلم الشرعي، والإعراض عن الكتب النافعة، والأشرطة الفاضلة، ولو كان لنا قراءة يومية في كتب ابن القيم وحده رحمه الله لوجدنا لذلك على قلوبنا أثرًا عظيمًا، اقرءوا على سبيل المثال: الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، هذا هدية أقدمه لنا جميعًا، لنا نحن الذين ضعف إيمانهم، من أراد أن يزداد إيمانه فليقرأ في هذا الكتاب العظيم، الذي هو جواب على سؤال طرح على الشيخ رحمه الله، وللأسف أصبح كثير منا اهتماماته، حتى في هذا الجانب، أصبحت دنيئة، فيفتخر أنه لا يحب القراءة أبدًا، أو تجد أن سيارته مليئة بالأشرطة السخيفة، وقل أن تجد عنده أشرطة الدروس العلمية الأصلية، أو المحاضرات الفاضلة، فكيف يزداد الأيمان في القلب؟
ومن الأسباب: الابتعاد عن القدوة الصالحة، لا بد من وجود قدوة تقتدي به في دين الله، لا بد من وجود قدوة ترى عبادته فتقلده، وترى علمه فتأخذ منه، وكان ابن القيم رحمه الله عندما سجن شيخ الإسلام ابن تيمية في قلعة دمشق بالشام يقول ابن القيم: كانت تظلم الدنيا في وجوهنا وتقسو قلوبنا، فما هو إلا أن نذهب إلى الشيخ في السجن فنرى وجهه فتنفرج أساريرنا، وتصفو نفوسنا، وننسى هموم الأرض.
الصحابة رضي الله عنهم كيف كان حالهم عندما مات الرسول صلى الله عليه وسلم؟ وصفهم الواصف فقال: كانوا كالغنم الشاتية في ليلةٍ مطيرة، تفرقوا، كان الرسول صلى الله عليه وسلم قدوتهم، يوجههم، ويضحك إليهم، ويعطف عليهم، ويعلمهم، ويحبهم، ويجلهم، ثم فقدوه في ليلةٍ واحدة فتفرقوا، كانوا كالغنم الشاتية في ليلةٍ مطيرة، فلا بد من القدوة.
وأعظم الأسباب في قسوة القلب: الابتعاد عن الأجواء الإيمانية فترة طويلة لا يُذَكِّر نفسه بطاعة، ولا يتكلف الذهاب إلى زيارة في الله عز وجل إلى أناس يزداد معهم إيمانه، ألم نعلم قصة الرجل في الحديث الصحيح الذي زار رجلًا آخر في قرية أخرى، فأرصد الله له على مدرجته ملكًا: إلى أين تريد؟
- قال: إلى تلك القرية.
- قال: ما الذي تريده فيها؟
- قال: أخًا لي في الله أحببته.
- قال: هل لك عليه نعمة ترباها.
- قال: لا، إلا أني أحببته في الله.
- قال له الملك: فإني رسول الله إليك أن الله يحبك كما أحببته.
والله عز وجل يقول: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:16]، واعلموا أنما يأكل الذئب من الغنم القاصية (4).
السبيل للوصول للحلاوة التي فقدها الشباب:
أولًا: في التوكل على الله تعالى:
التوكل يجمع شيئين:
أحدهما: الاعتماد على الله، والإيمان بأنه مسبب الأسباب، وأن قدره نافذ، وأنه قدر الأمور وأحصاها وكتبها سبحانه وتعالى.
الثاني: تعاطي الأسباب، فليس من التوكل تعطيل الأسباب؛ بل التوكل يجمع بين الأخذ بالأسباب والاعتماد على الله، ومن عطلها فقد خالف الشرع والعقل؛ لأن الله عز وجل أمر بالأسباب وحث عليها سبحانه، وأمر رسوله بذلك وفطر العباد على الأخذ بها، فلا يجوز للمؤمن أن يعطل الأسباب؛ بل لا يكون متوكلًا حقيقة إلا بتعاطي الأسباب، ولهذا شرع النكاح للعفة وحصول الولد وأمر بالجماع، فلو قال أحد من الناس: أنا لا أتزوج وأنتظر الولد بدون زواج، لَعُدَّ من المجانين، وليس هذا من أمر العقلاء، وكذلك لو جلس في البيت أو في المسجد يتحرى الصدقات لم يكن ذلك مشروعًا ولا توكلًا؛ بل يجب عليه أن يسعى في طلب الرزق، ويعمل ويجتهد مع القدرة على ذلك(5).
ثانيًا: ملازمة الأذكار:
من صفات أهل الفلاح كثرة ذكر الله عز وجل؛ لقوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة:10].
وذكر الله تعالى هو الغنيمة الباردة التي توصل إلى الجنة بغير تعب ولا مشقة؛ بل إن أهل ذكر الله عز وجل، يشعرون بلذة ومتعة وهم في حال الذكر، لا يشعر بها صاحب الوَتَر والقينة مع وتره وقينته؛ ولذلك كان أحد السلف يقول: لو يعلم الملوك ما نحن عليه من النعيم واللذة لجالدونا عليها بالسيوف.
قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره مثل الحي والميت» (6).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «سبق المفردون»، قالوا: «وما المفردون؟»، قال: «الذاكرون الله كثيرًا والذاكرات» (7).
وعن عبد الله بن بسر رضي الله عنه أن رجلًا قال: «يا رسول الله، إن شرائع الإسلام قد كثرت علي، فأخبرني بشيء أتشبث به»، قال: «لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله» (8).
ثالثًا: استحضار التعبد في كل شيء:
إن من يفعل العبادات وهو يستحضر فضلها ويحتسبه، ويستشعر أنه يتقرب من ربه، يتلذذ بالعبادة، وتنقلب العادات عنده إلى عبادات، أما من يفعلها بجوارحه وقلبه غافل فإنه محروم من خير كثير، وقد تشبه العبادات عنده العادات.
قيل لحاتم الأصم رحمه الله: «كيف تصلي»، فقال: «إذا حانت الصلاة أسبغت الوضوء، وأتيت الموضع الذي أريد الصلاة فيه، فأقعد فيه حتى تجتمع جوارحي، ثم أقوم إلى صلاتي وأجعل الكعبة بين حاجبي، والصراط تحت قدمي، والجنة عن يميني، والنار عن شمالي، وملك الموت ورائي، وأظنها آخر صلاتي، ثم أقوم بين الرجاء والخوف، وأكبر تكبيرًا بتحقيق، وأقرأ قراءة بترتيل، وأركع ركوعًا بتواضع، وأسجد سجودًا بتخشع، وأقعد على الورك الأيسر وأفرش ظهر قدمها، وأنصب القدم اليمنى على الإبهام، وأتبعها الإخلاص، ثم لا أدري أقبلت مني أم لا»(9).
رابعًا: استشعار سنة النبي صلى الله عليه وسلم في كل شيء:
خامسًا: طلب العلم:
عن كثير بن قيس قال: «كنت جالسًا مع أبي الدرداء في مسجد دمشق، فجاءه رجل فقال: يا أبا الدرداء، إني جئتك من مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم لحديث بلغني أنك تحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما جئت لحاجة، قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من سلك طريقًا يطلب فيه علمًا سلك الله به طريقًا من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضًا لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السموات، ومن في الأرض، والحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد، كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر»(11).
كم أمامنا من طريق للعلم لم نطرقه؟ احفظ آية فقط تنال «يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في دار الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرؤها» (12).
سادسًا: قيام الليل:
قال الله تعالى: {يَأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4)} [المزمل:1-4].
قال تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء:79].
قال الله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزمر:9].
وعن أبي أمامة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وهو قربة إلى ربكم، ومكفرة للسيئات، ومنهاة للإثم» (13).
قال الفضيل بن عياض: «إذا لم تقدر على قيام الليل وصيام النهار فاعلم أنك محروم كبلتك خطيئتك» (14).
يقول الأستاذ محمد الراشد في الرقائق: «فإن من يتخرج في مدرسة الليل يؤثر في الأجيال التي بعده إلى ما شاء الله، والمتخلف عنها يابس قاس، تقسو قلوب الناظرين إليه» (15).
____________
(1) في ظلال القرآن (4/ 2086).
(2) أخرجه الترمذي (2380).
(3) ملخص من إحياء علوم الدين (3/ 104-109).
(4) مقياس الالتزام، موقع: صيد الفوائد.
(5) كيفية التوكل على الله، موقع الشيخ ابن باز.
(6) أخرجه البخاري (6407).
(7) أخرجه مسلم (2676).
(8) أخرجه الترمذي (3375).
(9) إحياء علوم الدين (1/ 151).
(10) الكبائر (1/ 17).
(11) أخرجه أبو داود (3641).
(12) صحيح الجامع (8121).
(13) أخرجه الترمذي (3549).
(14) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (8/ 96).
(15) الرقائق، ص34.