حكم مشاهدة الأعمال الفنية الهادفة
حكم مشاهدة الأعمال الفنية الهادفة
الأدلة والمناقشة والترجيح
بين يدي البحث:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اقتفي أثره واتبع هداه.
أما بعد، فقد جاء في صحيح مسلم عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطُوبى للغرباء»(1)،
وفسرهم صلى الله عليه وسلم، بأنهم النُّزَّاع من القبائل(2)، الذين يصلحون عند فساد الناس، والذين يَفِرُّون بدينهم من الفتن(3)، وقد تحققت غربة الدين في كثير من الدول الإسلامية، ولعبت بهم الأمواج من الفتن والدعايات المُضِلَّة.
ولقد كان من جملة ما زيَّنه الشيطان لأوليائه أنْ حبَّب إليهم الأغاني والملاهي، واللعب والطرب، والمسلسلات والأفلام، والمسرحيات والمباريات، وصدَّهم بذلك عن دينهم، وزهَّدهم في كلام ربهم، فشغلوا بذلك جُلَّ أوقاتهم، وأَكبُّوا على السماع والطرب، والتلذُّذ بمشاهدة الفنانين والفنانات، وتمثيل الموهوبين والموهوبات، وصيحات المشجعين والمشجعات، وأصبح ذلك شغلهم الشاغل.
ولما كان الخير في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، لا يزال باقيا، وكان قضاء الله بأن يتم نوره، ولو كره الكافرون، نافذا، ظهر في خضم هذا الوسط المظلم، ومن خلال هذا العفن المتراكم، بعض المخلصين من العاملين في هذا المجال أومن غيرهم من الغيورين على دينهم فأرادوا أن يقدموا شيئا لأصحاب الاتجاه الإسلامي، وذوي الفطر السليمة، يعوضهم عن هذا النتاج السيئ، ويخرجهم من هذا المستنقع الآثم، وينجيهم من هذا الضلال المبين، وربما يحل لهم شيئا من مالهم ويطيب لهم بعضا من كسبهم، أو يكون لهم معذرة عند ربهم، ولعلهم يتقون.
فقام بعض المنتجين والمخرجين والممولين بإنتاج ما عرف بالمسلسلات والأفلام والأعمال الإسلامية الهادفة، وكان لزاما عليهم – فيما يرون - أن يستعينوا بممثلين وممثلات من المتمكنين في هذا الفن، والمؤهلين في هذا المجال، والمبرزين في هذا الوسط.
واختاروا نوعية معينة من هذه الأعمال الفنية تحكي هديا من هدي أحد النبيين، أو قصة من قصص القرآن الكريم، أو جانبا من حياة بعض الصحابة والعظماء، أو بطولة قائد من قيادات المسلمين، أو خيالا مبتكرا يمثل نموذجا مثاليا يرشد المسلم للاقتداء به والاستفادة منه، ونحو ذلك مما يهدف إلى غرس معان إيمانية، وإحياء قيم إسلامية، وتصحيح مفاهيم مغلوطة، وتعريف بعظماء المسلمين، ودعوة لاقتفاء أثرهم وتجديد بطولاتهم.
لكنهم اضطروا لكي يواكبوا هذه الأعمال "الفنية" المتداولة، أن يتساهلوا فيما يأتون به، لتحقيق ما يسمونه بالحبكة "الدرامية" اللازمة لإنجاح تلك الأعمال، واستقطاب الجمهور لها، وجذب المشاهدين إليها، ومن ثم جني الأرباح وتحصيل المكاسب المادية؛ فاستساغوا مثلا إدخال الموسيقى التصويرية، وأجازوا كشف المرأة لوجهها وربما ذراعيها ورقبتها، وأحيانا يتساهلون أكثر، فيسمحون بكشف شعر رأسها، وشيء من زينتها، إذا كانت الممثلة تقوم بدور امرأة كتابية أو كافرة، مثلا.
كما استباحوا الاختلاط بين الرجال والنساء للتمكن من القيام بالأدوار التمثيلية المطلوبة، ومحاكاة الواقع المحكي عنه، واستساغوا ما يترتب على ذلك مما يستلزمه قيام الممثل القائم بدور الأب أو الأم مع ابنهما، والعكس، من تقبيل يد وجبين، أو ربت على الكتف، أو مصافحة، أو احتضان لمجيء بعد غياب.
وكذلك ما يستلزمه دور الزوج مع زوجته، أو المعجب مع من أعجبته ويريد الزواج بها، من نظرة حب وإعجاب، ومشاعر وجد وحنين، وابتسامات جذابة، ودلال لافت.
وكذلك ما يحتاج إليه مشهد القتال من إمساك رجل بيد امرأة مقاتلة، أو غير ذلك مما يوقع في الحرج الشرعي، ويخالف أحكام الإسلام مخالفة بينة، وإن حاولوا أن يكون ذلك في أضيق الحدود، وعلى تفاوت بينهم في ذلك.
ونظرا لتعطش أصحاب الميول الإسلامية، وذوي القيم والمبادئ والفطر السليمة من عوام المسلمين، لمعرفة تاريخ عظمائهم، والعودة لدينهم، وتربية نشئهم على أحكامه.
ونظرا أيضا لتأثمهم بما يشاهدونه ويتربى عليه أبناؤهم من أعمال فنية ساقطة فاضحة منافية للأخلاق الحميدة، وللأعراف والتقاليد المحتشمة، فضلا عن منافاتها الصارخة لأحكام الشريعة الإسلامية والدين الإسلامي، فقد أقبل على متابعة ومشاهدة هذه الأعمال الجديدة "الهادفة" أصحاب هذا الاتجاه، وكثير من المسلمين.
بل قد لحق بالقوم من يعرفون بالملتزمين، من أصحاب السمت الإسلامي، أصحاب اللحى من الرجال، والنقاب من النساء، مبررين ذلك بأنهم مقلدون، ويتبعون فتاوى لبعض العلماء والدعاة المعاصرين ممن يقولون بإباحة ذلك، ومعللين بأن هذه الأفلام والمسلسلات تشتمل على مصالح عدة؛ منها أنها سبيل لتعلم سير الأنبياء، والاقتداء بأهل العلم من الصحابة والعلماء، ومدارسة التاريخ الإسلامي، والاطلاع على سير العظماء، وجذب شباب وفتيات المسلمين، من مستنقع المشاهدات الأخرى التي وصلت إلى حد الفسق والفجور، والإباحية والإلحاد إلى أعمال تربي المسلم على معاني العزة والإيمان، والقوة والشجاعة، والبذل والإيثار، والتضحية والجهاد في سبيل الله.
ومنهم طائفة تتأثم بفعلها، ولا تجاهر به، وتعتبر ما تأتيه من متابعة هذه الأعمال تساهلا، أو زلة وشيئا من الانحراف، يستغفرون منه ويرجون عفو ربهم.
وفي المقابل منهم من ينتقد موقف الفقهاء المانعين ويرى أنه جمود لا داعي له، وأنه سد لباب كبير من أبواب الدعوة إلى الإسلام، وسبيل هام لنشر قيمه وآدابه، وأحكامه وتشريعاته.
يقول بعض الكاتبين: (لقد كان موقف الفقهاء- بشكل عام- يأخذ منحى الرفض والعداء لهذه الصناعة التي يغلب عليها المخالفات الشرعية، سواء كانت مخالفات تتعلق بالشكل أو كانت تتعلق بالمضمون، أو ما يصاحب الأفلام من مؤثرات خارجية يفتي غالب الفقهاء فيها بالحرمة، مثل الموسيقى وغيرها.
إلا أن الأخطر في الأمر هو جمود غالب الفتاوى فيما يتعلق بالأفلام السينمائية، وعدم إدراك أهميتها وتأثيرها في المجتمعات، وغياب مآلات البعد عن صناعة الأفلام بأنواعها، وعدم الانتباه إلى التوغل الشديد للأفلام في المجتمعات العربية والإسلامية حتى دخلت كل بيت من بيوت المسلمين، وغالب المسلمين يشاهدونها رغم صدور فتاوى كثيرة للتحريم، بل كان لها الأثر الأكبر في تغيير كثير من طبائع الشعوب الإسلامية، وتوجهها نحو عادات الغرب المسيحي خاصة.
وكان من الأولى البعد عن جدلية التحليل والتحريم - ليس من باب التقليل من بيان الحكم الشرعي، ولكن كان جديرا - بدلا من تلك الجدلية - أن يصنع المسلمون أفلاما تعبر عن قيمهم وحضارتهم، وأن يوجد البديل الذي يلتزم أحكام الشريعة وضوابط الإسلام في الفن الهادف.
ولا أعني بهذا ما يمكن أن يطلق عليه (الفن الإسلامي)، أو (الأفلام الإسلامية)، فتلك مساحة ضيقة جدا للبديل الذي نرجوه، وإنما نعني به الفن الهادف الذي ينبى على الأخلاق الإسلامية ويراعي قيم المجتمعات العربية والإسلامية، وأن ينتصر لقضايا الحق وحفظ كرامة الإنسان، وأن يدعو إلى الإنتاج والتقدم، وأن يكون داعما لحركة النهضة والرقي في المجتمعات الإسلامية).
ثم يواصل قائلا: (إن الإسلام- كما يقول الشيخ الطاهر ابن عاشور- رحمه الله- جاء بمقصدين عظيمين، هما: التقرير والتغيير، فلم تجئ رسالة الإسلام لمحو الحياة الجاهلية بكل ما فيها، وإنما أقرت ما كان فيها صالحا نافعا متوافقا مع الفطرة الإنسانية، لأن الجاهلية العربية لم تكن شرا محضا، بل كان فيها خير وشر، فأقر الإسلام ما فيها من خير، وأبطل ما فيها من شر، وهذا هو مقصد التغيير.
وحين ننظر إلى الفنون التي كانت موجودة في الجاهلية، كالشعر وغيره، رغم ما كان فيه من مخالفات شرعية، إلا أن منهج الإسلام لم يحرم الشعر، ولم يمنع الشعراء من الإنتاج الشعري وغيره من فنون الأدب التي كانت موجودة، لكنه وجهه نحو الوجهة الصحيحة، فاستعملت فنون الأدب في الدفاع عن قضية الإسلام، ونشر الفضائل ومحاربة الرذائل).
ثم يقول: (إننا اليوم بحاجة إلى إعادة الوعي وعدم الجمود عند القول بالتحريم المطلق للفنون والأفلام، لأن غالب الفتاوى إنما تقع على واقع بعينه، لكننا اليوم بحاجة إلى إيجاد نوع جديد من الفنون خاصة الأفلام في صناعة الوعي الحضاري لتاريخ الإسلام ومبادئه وأحكامه، عبر وسيلة هي الأكثر تأثيرا على المجتمعات حتى اليوم).
ثم يختم قائلا: (إن أخطر قضية تقابل المسلم اليوم وأمس وغدا هي قضية الوعي، وإن غياب الوعي ليؤخر الأمة عشرات السنوات، في وقت هي أمس ما تكون إلى الوعي بالعالم المحيط وتدابيره وكيفية إدارته، لا أن نجمد عن فكر معين، محافظين في ذلك على ثوابت ديننا، مفرقين بين المقاصد والغايات، آخذين بالقديم النافع، والجديد الصالح؛ راغبين في إصلاح مجتمعاتنا)(4).
فهل الأمر كذلك حقا؟ أم أن في هذه الدعوى تساهلا؟ وفي هذا الاتجاه اتباعا للهوى؟ وهل ينكر على أصحاب هذا التوجه مذهبهم وتوجههم؟ أم هي من مسائل الاجتهاد التي لا إنكار فيها؟ وما الموقف الشرعي الصحيح في ظل هذا الاختلاف، وهذا التذبذب؟
هذا ما نحاول الوصول للإجابة عنه من خلال عرض أدلة القائلين بالمنع من ذلك، وهم الأكثر، مع التعقيب عليها بمناقشتها من قبل المخالفين القائلين بالجواز، ثم ذكر أدلة هؤلاء المبيحين، ومناقشتها كذلك من مخالفيهم.
لكن ننبه في البداية إلى أمرين مهمين، الأول يتعلق بتحرير محل النزاع في القضية محل البحث، والثاني يتعلق ببيان أصل حكم التمثيل.
تحرير محل النزاع:
محل النزاع بين الفريقين المذكورين كائن فيما هو نافع من الأعمال، بمعنى أنه يهدف إلى ترسيخ المفاهيم الصحيحة، وزرع القيم النبيلة، والتربية على الأخلاق الحميدة، أو الدعوة إلى الدين الإسلامي، ونشر التوعية اللازمة للمسلم المعاصر فيما يتعلق بتاريخ أجداده، وعظماء أمته، وأهل العلم والقدوة في سلفه، ونحو ذلك مما يدعو إلى امتثال معالي الأمور وتجنب سفسافها.
فيدخل في هذا القسم بلا ريب الأعمال التمثيلية كالمسلسلات والأفلام والمسرحيات التي تشتمل على قصص تهدف إلى غرس قيمةٍ أو بيان فكرة، أو فيها دعوةٌ مباشرةٌ إلى مكارم الأخلاق، وبشرط أن يكون التمثيل له النصيب الأوفر من مطابقة الواقع، ويُشكِّل صورةً صادقة عما يقوم العمل التمثيلي بتمثيله.
ويخرج من محل البحث الأعمال الهابطة، التي تدعو إلى الرذيلة، وتنشر الفحش، وتسهل سبل المعاصي، وتشوه تاريخ المسلمين وقادتهم، وتطعن في مجاهديهم وأهل الشأن فيهم، وتشكك الناس في عقيدتهم، وتمسخ فطرتهم، وغير ذلك مما هو معروف في أكثر وأغلب الأعمال المعروضة والمنتجة في هذا المجال.
كما يخرج من محل البحث الأعمال التي ليس من ورائها إلا اللهو والعبث، ولا يترتب عليها مصلحة للمرء لا في دينه ولا في دنياه، ولا يجني منها المرء إلا الغفلة وضياع الأوقات، مثل الكوميديا الساخرة، وكرتون الأطفال، وما يتعلق بالرسم والنحت، والمسابقات المختلفة، رياضية وغيرها، كروية وغيرها، هذا لو صح إدخالها في مسمى الأعمال الفنية أصلا.
حكم التمثيل:
يقول الشيخ بكر أبو زيد: (التمثيل من المسائل المستجدَّة المعاصرة؛ حيث إنّها لم تكن دارجةً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عهد أصحابه أو الفقهاء والتابعين، ولا من لحقهم من العلماء، لذلك فإن أمَّهات الكتب الفقهية تخلو من الحديث حول حكم التمثيل ورأي الفقهاء فيه؛ إلّا أنّ العلماء المعاصرين قد اجتهدوا في هذه المسألة وفق ما يُناسب الحالة القائم عليها التمثيل والقصد منها والفكرة المراد إيصالها وغير ذلك من النقاط الحسّاسة في التمثيل.
ويرى العلماء المعاصرون - بالاتِّفاق- أن التمثيل يكون مُحرَّماً إذا اشتمل على أمورٍ محظورةٍ شرعاً، ولا نزاع ولا جدال ولا مُخالف في ذلك بين أهل العلم(5).
كما يرى العُلماء أنه لا يجوز تمثيل الشخصيات الرَّمزية في الإسلام؛ خصوصاً الأنبياء والملائكة عليهم السلام، أما ما دون الأنبياء والملائكة فيتردّد الأمر حول حكم تمثيل شخصياتهم بين التَّحريم المُطلق والإباحة ضمن ضوابط وشروط في اختلافٍ بين العلماء في ذلك.
أما القائلون بإباحة تمثيل شخصيات الصحابة فيرون أنَّ ذلك إنما هو من باب محاكاة أشخاصٍ معينين منهم بقصد تصوير واقعةٍ حصلت مع أحدهم، أو بهدف تقريب فكرةٍ ما سامية بطريقة حِسِّيّةٍ أقرب للواقع، والمحاكاة على هذا النحو ومن هذه الجهة جائزةٌ شرعاً على رأي من قال بذلك من العلماء(6).
وقد استدلَّ القائلون بالإباحة – عموما - على ما ذهبوا إليه بقصة الأقرع والأعمى والأبرص المشهورة، وهي قصةٌ ثابتةٌ صحيحة، ووجه الدلالة في القصة بحسب وجهة نظرهم أنّ الملك عندما جاء إلى كلِّ واحدٍ منهم إنما جاءه في حالة تُخالف ما هو عليه حقيقةً، ليتحقق بذلك مقصدٌ شرعيٌ معين(7)، كما استدلّوا على جواز المحاكاة بفعل النبي صلى الله عليه وسلم لتصوير أمرٍ ما، أو قصةٍ معينة حصلت في السابق للمستمعين له والناظرين إليه.
ومثال ذلك ما رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " لم يتكلمْ في المهدِ إلا ثلاثةٌ ... وكانت امرأةٌ ترضعُ ابنًا لها من بني إسرائيلَ، فمرَّ بها رجلٌ راكبٌ ذو شارةٍ، فقالتْ: اللهمَّ اجعلْ ابني مثلَه، فترك ثديها وأقبل على الراكبِ، فقال: اللهمَّ لا تجعلْني مثلَه، ثم أقبل على ثديها يمصُّه - قال أبو هريرةَ: كأني أنظرُ إلى النبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يمصُّ إصبعَه - ثم مرَّ بأمةٍ، فقالتْ: اللهمَّ لا تجعلْ ابني مثلَ هذه، فترك ثديها، فقال: اللهمَّ اجعلْني مثلَها، فقالتْ: لم ذاك؟ فقال: الراكبُ جبَّارٌ من الجبابرةِ، وهذه الأمةُ يقولون: سرقتِ، زنيتِ، ولم تفعلْ ".
وقد علَّق الإمام الحافظ ابن حجرٍ العسقلاني على هذه القصة في كتابه فتح الباري وتحديداً في كتاب أحاديث الأنبياء في باب قول الله تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ..)، فقال: (فيه المبالغة في إيضاح الخبر بتمثيله بالفعل)(8).
ومما ينبغي التأكيد عليه أن القائلين بإباحة التمثيل من أهل العلم - وهُم كُثُر - وضعوا له شروطاً وضوابط لا بد من التزامها والانضباط بها، ومتى تخلفت هذه الضوابط والشروط، صار التمثيل محرماً وعُدَّ مخالفةً شرعيةً.
والإحاطة بهذه الشروط والضوابط والعلم بها متعيِّن على كل من أراد الدخول في عالم التمثيل واقتحام فضاءاته، خصوصاً المربين الذين يقومون على تربية الشباب في مختلف المناشط الخيرية، في المراكز الصيفية والمخيمات الشبابية والأنشطة التوعوية، ممن قد يستعملون هذه الوسيلة في التأثير.
وتزداد الحاجة إلى معرفة هذه الضوابط مع اتساع رقعة التمثيل في العمل الإسلامي باتساع رقعة الفضاء الإعلامي، وقيام الدعوات لتقديم البدائل الإسلامية في مجال: الفن، والدراما، والمسلسلات، والأفلام ... وغيرها.
ومن المؤلم دخول كثيرٍ من الأخيارِ هذا المجال مريدين للخير ونشر الدعوة؛ ثم تجد منهم ألواناً من التساهل المذموم في التزام هذه الضوابط مع تعلُّقهم بأقوال من أباح التمثيل من أهل العلم، وكأن أولئك العلماء ما تكلموا في شروط وضوابط؛ وكأنهم قد أباحوا كافة صور التمثيل. فالواجب على من أراد التعلُّق بكلام أهل العلم في هذه المسألة مراعاة ما وضعوه من الضوابط والشروط، لا الأخذ بطرفٍ من كلامهم وبتر أطراف(9).
أما ضوابط وشروط التمثيل المنشود، فأهمها ما يلي:
1 - وجود الحاجة الداعية إليه شرعاً، تحقيقاً لمصلحةٍ معْتَبرةٍ أو دفعاً لمفسدةٍ معْتَبرةٍ، وثمَّةَ في الواقع حاجةٌ بل حاجاتٌ تدعو إلى الاستفادة من التمثيل كوسيلة للدعوة إلى الأخلاق الحميدة والأفكار السليمة ومزاحمة الشر بالترفيه المباح(10).
2 - ألاَّ يقترن به محرَّمٌ: كوجود آلات اللهو والمعازف، ومثلها الأناشيد المشتملة على الإيقاعات والمؤثرات التي هي في حكم الموسيقى، أو ظهور النساء للرجال ولو بحجاب، أو الاختلاط بين الجنسين، وغير ذلك من عموم الذنوب والمعاصي.
3 - عدم تمثيل مَنْ يَحْرُم التشبه بهم، أو من يكون في تمثيلهم انتقاص من قَدْرِهم: كالأنبياء والملائكة - قطعاً - ومثلهم الصحابة، وكبار العلماء والصالحين على خلاف بين أهل العلم فيهم.
4 - عدم تمثيل عوالم الغيب: فلا يجوز تمثيل أدوار الملائكة ونحوهم، أو وقائع يوم القيامة: كالبعث والحشر وعَرْضِ صحائف الأعمال ومشهد الحوض والورود على الصراط ... وغير ذلك، وكذا أحوال الجنة والنار وسائر المغيبات؛ فإن في تمثيل هذه المشاهد قولاً على الله - تعالى - بغير علم، وتوهيناً من قَدْرها ومنزلتها.
5 - ألاَّ يتضمن التمثيل دعوةً لمحرَّمٍ، من عقائدَ كفريةٍ، أو بدعٍ رديةٍ، أو معاصٍ وذنوبٍ؛ إذ الدعوة للحرام حرام، بل قد يكون صاحبه أشد إثماً ووزراً.
6 - ألا يتضمن التمثيل كذباً وتزويراً للواقع والتاريخ، أو الأشخاص والطوائف، أو على الشرع والدين.
7 - ألاَّ يؤدي التمثيل إلى أمر محرَّم: كالصد عن ذكر الله، أو التشاغل عمَّا هو أوجب منه، أو تضييع للأوقات والطاقات والأموال بما لا يفي بمصلحة التمثيل(11).
ومن قال بجواز تمثيل الصحابة؛ قيَّد الجواز أيضا بعدة ضوابط، منها:
- العناية بالأدوار التمثيلية التي تُجسِّد شخصيات الخلفاء الراشدين والصحابة الكرام وآل البيت الأطهار وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وضبطها بالضوابط الشرعية من حيث اختيار ممثلين يتصفون بالسيرة الحسنة والاستقامة، لينعكس المعنى الهادف المراد إيصاله للمشاهد بشكلٍ مناسب.
- أن يراعى في تجسيد أدوار الصحابة معرفة قدرهم ومكانتهم، وألّا يكون من بين المشاهد التمثيلية ما ينتقص من قدرهم أو يكون فيه استخفافٌ بهم أو يُشير إلى امتهانهم.
- أن يجري ضبط النصوص التمثيلية بصورة متقنة بعيدةٍ عن المحظورات الشرعية، خصوصاً ما يتعلّق بتمثيل الأحداث الدينية والتاريخية، ويكون ذلك من قِبَل أهل الاختصاص من علماء التاريخ الإسلامي والشريعة حتى لا يحدث في الأعمال التمثيلية تحريفٌ للشرع أو تزييفٌ للوقائع والحقائق والأحداث التاريخية12.
أدلة القائلين بحرمة مشاهدة الأعمال الفنية المعاصرة(13) ومناقشتها:
بعد البحث والنظر والاستقصاء، فإننا يمكن أن نقف على هذه الأدلة للقائلين بالمنع من متابعة أو مشاهدة تلك الأعمال:
الدليل الأول: حصول الإجماع على تحريم نظر الرجل إلى المرأة الأجنبية، ونظر المرأة إلى الرجل الأجنبي، إذا كان النظر مظنة حدوث فتنة، ومشاهدة تلك الأعمال من مسلسلات وأفلام ونحوها من أعمال فنية، مظنة حصول هذه الفتن، ولا يكاد يخلو عمل منها من ذلك، خاصة، والمعروف أنه ينتقى لها الشخصيات الجذابة، والشباب الوسيم، والفتيات الجميلات.
وعليه فلا سبيل للقول بالجواز، كيف، وقد قال الله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم)؟!. وقال عز وجل: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ... وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ولا يبدين زينتهن).
نوقش من وجوه:
الأول: لا نسلم بأنه لا يخلو عمل من هذه الأعمال الفنية من هذا المحظور، وهو النظر الآثم، فمن الأعمال ما هو خال من ذلك، وإن كان قليلا.
الثاني: من الناس من يملك نفسه فيمنعها من الحرام الذي قد يعرض له. وهذه المسلسلات وإن لم تخل من كشف لوجه المرأة أو شيء من زينتها كذراعيها ورقبتها أو نحرها، فمن الممكن تلافيه، بتجنب النظر لتلك المشاهد والمقاطع، إذ هو قليل ونادر في تلك المسلسلات، فمن الممكن للمشاهد أن يحول نظره عما فيه محظور إن كان.
وأجيب عن الوجه الأول، وهو أن من الأعمال ما هو خال مما يتسبب في النظر الآثم: بأن هذا قليل، بل نادر، والنادر لا حكم له، والاستبراء للدين هو المطلوب.
وأجيب عن الوجه الثاني وهو أن من الناس من يملك نفسه فيمنعها من الحرام الذي قد يعرض له: بأن هذا إن كان فإنه لا يرفع الحرج عمن يعرض هذه المنكرات، و لا يجيز ولا يسوغ له شيئا من ذلك، ومشاهدة هذه الأعمال فيه بلا شك إعانة على نشرها، وتسبب في ربح منتجيها، وكل ذلك من التعاون على الإثم والعدوان، وهو حرام.
ثم إن الإنسان قد يملك نفسه وقد لا يملك، وقد يملكها مرة وقد لا يملكها مرات، وتغلبه نفسه الأمارة بالسوء، فما مثل من يجيز ذلك إلا مثل من يضع البنزين بجوار النار ثم يقول: قد لا يشتعل!! وهل يسوغ ذلك عاقل فضلا عن أن يفعله أحد؟!
الدليل الثاني: ما يستلزمه مشاهدة هذه الأعمال من أفلام ومسلسلات ومسرحيات من تضييع للواجبات كأوقات الصلوات، وإقرار للمحرمات، ورضا بالمنكرات، ومن التعلق بالفنانين والفنانات، والوقوع في عشق الصور، فإن خلت من كل ذلك فلن يسلم من اشتغل بها من تضييع ما هو أولى منها من الأعمال، وتمييع الشخصية الإسلامية، وكفي بذلك شرا ومصيبة.
هذا فضلا عما يستلزمه إنتاج وإخراج هذه الأعمال من إهدار لأموال طائلة، كثير من المسلمين في أمس الحاجة لشيء منها، وكذلك ما يستلزمه من حصول تبرج المرأة أمام المخرج والمصورين، وحصول الاختلاط المشين بين الممثلين والممثلات، وربما وقوع الصداقات المحرمة، والعلاقات الآثمة بينهما جراء ذلك. وهذا أمر مشهور في هذا الوسط.
نوقش من وجوه:
الأول: محل حديثنا هاهنا يدور حول التمثيل المنضبط بضوابط شرعية، ويهدف إلى توعية الأمة الإسلامية، لا الذي يترتب عليه تلك المحظورات أو غيرها، ثم إن هذه المنكرات المترتبة على المشاهدة - إن وجدت – فإنه يمكن لأولياء الأمور منعها أو الحد منها، والقيام بتوعية الأبناء والشباب تجاهها، ولا ننسى أنه يعينهم على ذلك محتوى هذه الأعمال ذاتها؛ إذ إن هذا من آكد أغراضها وأسمى أهدافها.
الثاني: محور حديثنا أيضا يتعلق بقضية المشاهدة، لا قضية التمثيل والإنتاج والإخراج، ويتوجه الفصل بينهما استحسانا، لما فيه من وجود مصالح معتبرة، ومقاصد شرعية مرجوة من وراء ذلك(14).
وعليه فإن قيل بوجود محظورات لا تحتمل فيما يتعلق بالإنتاج والإخراج، فيبقى أنها لا تتعلق بالمشاهد، ويبقى له أصل الإباحة، وتحري المصلحة، وأخذ العبرة، ونشد الحكمة، فهي ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها.
الثالث: تضييع ما هو أولى من الأعمال لا يوقع في الحرام، بل هو من قبيل فعل المباح.
وأجيب عن هذا الوجه الأخير: لو سلمنا بذلك، مع أنه يندر أن يسلم فاعله من الوقوع في دائرة الحرام، لكن هذا إنما هو باعتبار الأفراد، كل على حدة، فيبقى أن اشتغال عامة الأمة بهذه الأعمال لا شك أنه يقعد بها عن القيام بكثير من الواجبات المنوطة بهم، من الدعوة إلى الله، وإقامة دينه، ونشره في ربوع الأرض كافة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله، وغير ذلك من الواجبات الكثيرة المضيعة في هذه الأمة، بأسباب عدة مرجعها الرئيس إلى الغفلة، والركون إلى الراحة، والفرح بمباهج الدنيا ونسيان اليوم الآخر، وعدم الوعي بحقائق الأمور ومآلاتها، والاشتغال بسفاسف الأمور، وكل ذلك من نتاج هذه التربية الخاطئة، والتنشئة على أسس حضارات مزعومة عند غير المسلمين.
الدليل الثالث:
أن محتوى ومضمون هذه المنتجات – بما فيها ما يسمى بالهادف أو النافع - لا يخلو من مفاهيم مغلوطة، وتوجيه إلى عقائد رديئة، كالتشيع أو التصوف، وكذلك فيها دعوة إلى عادات وتقاليد سيئة دخيلة على المسلمين كبروز المرأة في مجتمعات الرجال، والاختلاط بين الرجال والنساء. وكل هذا محرم ومنهي عنه.
نوقش أولا: بالتذكير أولا بأن محل حديثنا هاهنا يدور حول التمثيل المنضبط بضوابط شرعية، ويهدف إلى توعية الأمة الإسلامية، لا الذي يترتب عليه تلك المحظورات أو غيرها.
ثانيا: بأنه على التسليم بعدم خلو بعض هذه الأعمال من أخطاء، فإننا يمكن أن نقبل منها ما يناسب منهجنا، ويتفق مع عقيدتنا، ونرفض ما فيه انحراف وخروج عن ذلك. وليس ذلك بالأمر الصعب، خاصة إذا تولته الدولة المسلمة التي يمكنها حجب كل ما هو ضار من مواقع القنوات ونحوها، ويمكن لوسائل إعلامها القيام بدور التعليم والتربية والتوعية على القيم الإسلامية.
فإن قيل: وأين هي تلك السلطة القائمة بذلك؟ أجيب بأن هذا يجب أن يكون هدفا استراتيجيا يسعى العاملون للإسلام نحو إقراره وتحقيقه، ولا يكون ذلك باعتزال هذه الأعمال من الأساس، أو تجنبها بالكلية.
هذا مع استمرار قيام أولياء الأمور من الآباء والأمهات، والمربين والمعلمين، والوعاظ والخطباء، بالتوعية والإرشاد والتبيين لما فيه خطأ، وتقويم هذا الخطأ وتعليم الصواب، والاحتراز من الحرام.
الدليل الرابع:
أن التمثيل ذاته، وما يستلزمه من التصوير، كلاهما قد حرمه طائفة غير قليلة من العلماء، وهذا كاف في الإفتاء بالمنع؛ لأن ما يترتب على المحرم والمنكر فهو كذلك محرم ومنكر(15).
نوقش بأن القول الراجح(16) هو عدم تعميم القول بحرمة التمثيل ولا التصوير، بل يجوز كل منهما بضوابط وشروط بينها آخرون من أهل العلم الثقات، وسبق ذكر شيء من ذلك.
ومن هؤلاء الشيخ ابن عثيمين الذي سئل: ما حكم التمثيل الفكاهي والهادف والديني في المسارح وكذلك في المدارس؟
فأجاب رحمه الله تعالى: (كثير من إخواننا يمنع من التمثيل مطلقا ويقول إنه لا يجوز لأنه يتضمن الكذب وربما يتضمن استهزاء بالشعائر الدينية كما لو تقمص الممثل شخص رجل كبير السن ووضع عليه لحية من الصوف وما أشبه ذلك، ومن الناس من يقول إذا كان التمثيل هادفاً ولم يتضمن محظورا بكذب على أحد ولا بقيام الرجل بدور المرأة أو المرأة بدور الرجل ولم يكن فيه تقليد للحيوانات فإنه لا بأس به فيجيز التمثيل بشروط.
وليعلم أن الأصل في غير العبادات الحل والإباحة، وهذا من فضل الله عز وجل أن يسر على العباد ما لم يحرمه عليهم فإذا كان الأصل الحل فإنه لا بد من إقامة الدليل على التحريم وإذا قلنا إن هذا حرام وقال الآخرون هذا حلال فالقول مع المحلل إلا إذا كان هناك دليل يدل على التحريم فيجب اتباع الدليل وهذا في غير العبادات أما العبادات وهي ما يقصد به التقرب إلى الله فإن الأصل فيها المنع والتحريم)(17).
وقال الشيخ عطية صقر: (فإن كان الهدف صحيحا، والمادة لا تحوي أمرا محظورا، والأداء نفسه يكون ملتزما بالآداب الإسلامية، ولم يؤد تعلمه أو احترافه إلى تقصير في واجب أو ضرر بدنى أو عقلي أو مالي أو خلقي أو غير ذلك من الأضرار كان التمثيل حلالا، يستعان به على إبراز المعاني بصورة محسوسة كأنها حقيقية.
هذه قيود دقيقة لضبط التمثيل المقبول من غيره، والخروج على أي واحد منها يجعله ممنوعا بقدر ما يكون عليه الخروج من حرمة أو كراهة)(18).
وقال الدكتور عبد العزيز بن محمد الحميدي، عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى: (التمثيل فيه محذور جعل بعض العلماء يتوقف في جوازه، وهو أنه من قبيل الكذب، ولكن إجراء بعض المشاهد التعبيرية لإيصال فكرة ما إلى أذهان المشاهدين لا يدخل عندي في باب الكذب، بل هو من باب المحاكاة لتصوير قصة حصلت، أو تقريب فكرة معنوية بطريقة حسية، والمحاكاة من هذا الباب جائزة، بل قد فعلها النبي - صلى الله عليه وسلم - لتصوير أمر، أو قصة حصلت للسامعين له والناظرين إليه.
وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن مسعود، قال: كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، يحكي نبياً من الأنبياء ضربه قومه فأدموه، وهو يمسح الدم عن وجهه، ويقول: " اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون "(19))(20).
وقال الدكتور خالد بن عبد الله القاسم، عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود: (... وإن كان التمثيل فيه حق وعلم ودعوة إلى الخير وإلى الفضيلة وتأثير إيجابي على المشاهد فهو مطلوب مرغوب، بل هو من وسائل الدعوة إلى الخير.
أما الظهور على التلفزيون فأكثر أهل العلم على أنه لا يدخل في التصوير المحرم، كالنحت والرسم؛ لأنه ليس من قبيل مضاهاة خلق الله، وهي علة التحريم، بل هو انعكاس لحقيقة الصورة كانعكاسها على الماء أو المرآة)(21).
الدليل الخامس:
أن تمثيل أدوار الأنبياء، وكذلك كل من نص القرآن على فضله وكرامته، كالصحابة، رضي الله عنهم، وكمريم، وآسية، وأم موسى، وأمهات المؤمنين، ومن أجمعت الأمة على فضله أو اختلف في نبوته، كالخضر ولقمان عليما السلام، أو اتفقت على ورعه وإمامته، كالأئمة الأربعة. هذا القسم من أقسام التمثيل هو ركن ركين فيما يراد إباحته، ويحتج بنفعه، ويدور حوله النقاش، مما يسمى بالتمثيل الهادف "النافع"، وقد حصل الإجماع على تحريم تمثيل أدوار الأنبياء، وحصل شبه الاتفاق على تحريم تمثيل أدوار أمهات المؤمنين، وكذلك العشرة المبشرين بالجنة أو أكثرهم(22)، خاصة والقائمون بهذه الأدوار التمثيلية هم من عرفت سيرتهم، وتلطخت سمعتهم، وتنفر أسماع المؤمنين من مجرد ذكر أسمائهم.
فيلزم من القول بالجواز الوقوع في مخالفة ما أجمع العلماء على تحريمه واستنكاره، واتفق كافة المسلمين على استقباحه واستبشاعه، فكان الصواب في منع التمثيل من أصله سدا لذريعة الوقوع في الحرام!!.
نوقش من وجهين:
الأول: على القول بتحريم تمثيل الأنبياء اتفاقا(23)، فمن الممكن تمثيل أدوار الصحابة أو بعضهم، فقد حصل في ذلك خلاف معتبر، ويترجح القول بالجواز للمصلحة المرجوة في ذلك، كما أفتى به كوكبة من ثقات العلماء المعاصرين، كسلمان العودة، والقرضاوي، والزحيلي، والصلابي، والنشيمي، وابن بيه. ولا يمكننا أن نحرم ذلك، بغير دليل واضح، أو نص قاطع.
وسئل الشيخ: رشيد رضا، رحمه الله: هل يجوز تمثيل بعض الصحابة على شكل رواية أدبية خلقية تظهر محاسن ذلك الصحابي الممثل لأجل الاتعاظ لسيرته ومبادئه العالية مع التحفظ والتحري لضبط سيرته دون إخلال بها من أي وجهة كانت أم لا؟ فأجاب: (لا يوجد دليل شرعي يمنع تمثيل حياة الصحابة أو أعمالهم الشريفة بالصفة المذكورة في السؤال)(24).
الثاني: على التسليم بتحريم ما ذكر، فيبقى تمثيل الأدوار التاريخية وأصحاب البطولات من المسلمين قادة وجنودا، وهم كثر على مدار التاريخ. كما يبقى تمثيل قصص مأخوذ فحواها من القرآن الكريم، والسنة المطهرة، وقصص خيالية هادفة إلى غرس القيم والمفاهيم الإسلامية، وإلى رد الشبهات التي يثيرها الكفار حول شريعة الإسلام، وتاريخ المسلمين، ونحو ذلك.
وأجيب عن الأول: القول بالتحريم أو المنع من تمثيل كبار الصحابة وأمهات المؤمنين، إن لم يكن هو المؤيد بالأدلة، التي لامجال لبسطها هنا، ومع كونه هو ما عليه كل مجامع الفتوى الموثوقة في عالمنا المعاصر، وهو رأي أغلب علماء العصر(25).
وأجيب عن الثاني: يبقى أن ترك هذا المجال برمته تمثيلا ومشاهدة هو الأحوط للمرء والأسلم لدينه، خاصة وأن هذه الأعمال يجر بعضها لبعض، ولا يكاد من انشغل بها يسلم من التمادي فيما لا يحل له، والوقوع في المحظور، وتعريض النفس للفتن. والسلامة لا يعدلها شيء.
الدليل السادس:
كثير من القائمين على هذه الأعمال من تمثيل وإخراج وإنتاج لاهمّ لهم في أعمالهم سوى تحصيل المال، وتحقيق الشهرة، ويقوم بها – في الغالب الأعم - من نشأوا في هذا الوسط، ممن لا خلاق لهم من الساقطين ومردودي الشهادة، من تاركي الصلوات، وشاربي المسكرات، ومتعاطي المخدرات، وأصحاب العلاقات المحرمة، وكثيرا ما يقوم أحدهم بمثل هذه الأدوار التي تسمى "هادفة" ثم لا يلبث أن يعود إلى المستنقع القذر، والوسط العفن، الذي سبق أن كان فيه، وجاء منه. ويبقى للمشاهد اهتزاز صورة الشخصية المبجلة المعظمة في نفسه بسبب من قام بتمثيلها.
كما أن في مشاهدة هؤلاء – والحال هذه - دعاية لهم، وتحبيبا للنفوس فيهم، ورضا وإقرارا بما هم عليه، وسبيلا للاقتداء بهم، وإشاعة لأعمالهم الساقطة الأخرى. وهذا معناه تضييع شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتمييع عقيدة الولاء والبراء، واهتزاز عقيدة المسلم في أصحاب القدوات، وكل ذلك شر فوق شر، وظلمات بعضها فوق بعض.
نوقش من وجوه:
الأول: يمكن أن ينتقى للقيام بهذه الأدوار من لم يتلطخ بمثل هذه المعاصي من الجيل الجديد، وممن يمكن إعدادهم أصلا لهذا الغرض، للعمل في هذا المجال، بحيث تقوم كليات متخصصة، وتحت إشراف متخصصين برعاية جيل مسلم يتولى الدفاع عن قضايا المسلمين، ونشر دعوتهم، بواسطة هذا المجال الذي استغله غير المسلمين من الكفار والرافضة، ولم لا؟ وقد قال الله سبحانه: [وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة]، وقال: [وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة]!!.
الثاني: هذه الأعمال الهادفة، سواء كانت دينية أو تاريخية أو اجتماعية قد تكون بذاتها وسيلة لدعوة هؤلاء، وسببا لاهتداء واستقامة هؤلاء الممثلين القائمين بهذه الأدوار، كما قد حصل شيء من ذلك فعلا.
الثالث: لا دخل لنا في النيات، وكل نفس بما كسبت رهينة، وقد كان من السلف رحمهم الله من يشرب الخمر، وهو مع ذلك يحب الله ورسوله، ومنهم من كان يأتي الكبيرة، وهو مع ذلك يغزو ويجاهد في سبيل الله، فلنا أنهم يقدمون عملا نافعا للمجتمع، ويسهلون للمسلمين الاطلاع على شيء من تاريخ أجدادهم وأهل قدوتهم، وهم بذلك يحجزونهم عن باقي الأعمال السيئة الساقطة المعروفة في هذا الوسط العفن.
هذا، وفي حوار مع الشيخ حسن الحسيني: الداعية البحريني: سأله محاوره: هل موضة المسلسلات التاريخية والأرباح الضخمة تضغط على المشايخ لتجويز تمثيل الصحابة؟ فأجابه قائلا: (هناك جهات لا تفكر في الأرباح، كتلفزيون قطر الذي هو جهة حكومية لها أعمال تنتجها ولا تفكر في الأرباح، والمسلسل التاريخي يكلف الكثير، لا كالمسلسلات العادية التي تصور في أي مكان، ففي المسلسل التاريخي أنت تنتقل إلى زمن آخر يحتاج تهييئا مكانياً مكلفاً، والمسلسل لا يأتي بالأرباح فوراً في رمضان، بل بعد أن يباع مراراً خلال سنوات، عندها يتجاوز الكلفة وتأتي الأرباح، ومسلسل عمر كلف 30 مليونا! أي أنه لا يتوقع منه ربحا أبدا). ثم قاطعه محاوره قائلا: أتدخل إم بي سي في عمل من غير أرباح؟ فأجابه: (إم بي سي لم يكلفها العمل، وإنما دخلت فيه كشراكة إعلامية، والإنتاج لقطر وهي جهة حكومية لا تفكر في الأرباح)(26).
الدليل السابع: من أسباب المنع عند القائلين به تحريمهم للموسيقى، قالوا: وهو مما لا يخلو منه عمل فني من هذه الأعمال. وقد شدد الفقهاء في ذلك أيما تشديد، ففسقوا وردوا شهادة من يشتغل بالغناء وآلات المعازف والطرب(27).
وقد حكى الإجماع على تحريم الموسيقى جماعة من العلماء، منهم الإمام القرطبي وأبو الطيب الطبري وابن الصلاح وابن رجب الحنبلي وابن القيم وابن حجر الهيتمي(28).
قال القرطبي: (أما المزامير والأوتار والكوبة فلا يُختلف في تحريم استماعها، ولم أسمع عن أحد ممن يعتبر قوله من السلف وأئمة الخلف من يبيح ذلك. وكيف لا يحرم وهو شعار أهل الخمور والفسق، ومهيج الشهوات والفساد والمجون، وما كان كذلك لم يشك في تحريمه، ولا تفسيق فاعله وتأثيمه؟!)(29).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (مذهب الأئمة الأربعة أن آلات اللهو كلها حرام ... ولم يذكر أحد من أتباع الأئمة في آلات اللهو نزاعا، إلا أن بعض المتأخرين من أصحاب الشافعي ذكر في اليراع ـ يعني الزمارة التي يقال لها الشبابة ـ وجهين، بخلاف الأوتار ونحوها، فإنهم لم يذكروا فيها نزاعا)(30).
وقال أيضا، ردًا على ابن مطهر الشيعي في نسبته إلى أهل السنة إباحة الملاهي. قال: (هذا من الكذب على الأئمة الأربعة، فإنهم متفقون على تحريم المعازف التي هي آلات اللهو، كالعود ونحوه، ولو أتلفها متلف عندهم لم يضمن صورة التالف، بل يحرم عندهم اتخاذها)(31).
وقال ابن الصلاح في الفتاوى: (وأما إباحة هذا السماع وتحليله، فليعلم أن الدف والشبابة والغناء إذا اجتمعت، فاستماع ذلك حرام عند أئمة المذاهب وغيرهم من علماء المسلمين، ولم يثبت عن أحد ممن يعتد بقوله في الإجماع والاختلاف أنه أباح هذا السماع. إلى أن قال: فإذًا هذا السماع غير مباح بإجماع أهل الحل والعقد من المسلمين)(32).
نوقش من وجهين:
الأول: ليس هذا مما نحن فيه أصلا ولا فرعا، فإن ما يتكلم عنه الفقهاء المذكورون إنما يتنزل على ما فيه فحش وبذاء من القول، كشعر الغزل والغرام، وما فيه رقص وموسيقى وشرب الخمر أحيانا. وكل هذا يمثل يقينا مجالس غفلة يستولى فيها الشيطان على العاكفين عليها والشاهدين لها، ويصد عن سبيل الله بما لا يتردد مسلم في تحريمه.
وأين ذلك من تلك الأعمال الفنية الهادفة التي تهذب المشاعر، وترقق الوجدان، وتقوم الأخلاق، وتوجه العقول لما فيه استفاقتها، والأمم لما فيه يقظتها. وإن وجد فيها شيء من الموسيقى فهي قليلة، وهي كائنة لخدمة هذا الغرض المذكور، كالموسيقى التصويرية، أو موسيقى المقدمة والخاتمة، وما يتعلق بالحروب والمعارك.
ثم إنه إن لم يفت العلماء بحلها، فيبقى أن لانحرم العمل كله من أجلها، فالشرع، عند تعارض المصالح والمفاسد، إنما جاء لتحقيق أعلى المصلحتين، ودرء أعظم المفسدتين، ويبقى العمل على التقويم لهذه الأخطاء، والارتقاء بهذه الأعمال لا القضاء عليها وما فيها من خير كبير يعرفه كل من تابعه.
الثاني: لا نسلم بالإجماع، مع مخالفة البعض، وليس تحريم الموسيقى بالأمر المتفق عليه، كما أنه ليست كل أنواع الموسيقى شيئا واحدا، فعامة أهل العلم على أن الدف مباح في الأفراح، كما أن من العلماء من أباح دق الطبول في الحروب، ومنهم من رخص في شيء من المعازف في المناسبات والأعياد.
بل إن من العلماء من خالف في أصل التحريم، كابن حزم، وتبعه طائفة غير قليلة من المعاصرين، كالشيخ محمد الغزالي(33).
وأجيب عما سبق بما يلي:
أولا: أما عن ضرب الدف في الأفراح فمسلم، لثبوت الحديث به، لكن لا يجوز أن نتعدى ذلك، فإن الرخص لا يتجاوز بها محالها، وهو مباح للنساء دون الرجال، في الأعراس والعيدين فقط، كما دلت على ذلك السنة.
ثانيا: وأما عن دق الطبول في الحروب، فمن قال به قلة قليلة من العلماء، وهو قول لا دليل عليه، وإن كان ثمت دليل فلا يقاس عليه ما يكون في تلك الأفلام والمسلسلات لاختلاف المقام والغرض اختلافا بينا.
جاء في فتاوى الشبكة الإسلامية: (المعروف من مذاهب الأئمة الأربعة جميعا، تحريم آلات الملاهي والمعازف كلها، إلا أشياء مخصوصة جرى استثناؤها في حالات خاصة، كالدف في العرس، وطبل الغزاة والصيادين والقافلة، ففي هذه الأشياء خلاف وتفصيل بين المذاهب، وأما ما عداها فقد حكى الإجماع على تحريمه جماعة من العلماء)(34).
ثالثا: وأما عن ابن حزم – ومن تبعه - فقولهم مردود وضعيف لعدة أسباب، هاك بيانها:
(1) أنه قد بنَى كلامه على تضعيف حديث أبي مالكٍ الأشعري، وقد اجتهَدَ فأخطأ، وبناء على ذلك أفتى بحلِّ الغناء؛ لِعَدم ثبوت الحديث عنده.
وهو قول بين كافة أهل العلم شذوذه، وبَعْد تبيَّن ما وقعَ فيه ابنُ حزم من وَهْم، لا يحلُّ لأحدٍ أن يُتابعه فيما ذهب إليه، وقد قال بعضهم: والحزم ألاَّ تأخذ برأي ابن حَزْم - أيْ: في تحليله للغناء. والحديث حسنه الألباني وغيره(35)، وخرجه جماعة من الأئمة، ومع هذا يقول ابن حزم: لا ندري له طرقًا. ولهذا قال الحافظ ابن عبد الهادي رحمه الله عن ابن حزم : وهو كثير الوهم في الكلام على تصحيح الحديث وتضعيفه، وعلى أحوال الرواة(36).
(2) الحديث المروي عن عائشة، والذي استدلوا به على إباحة الغناء؛ تَعلُّقًا ببعض الألفاظ الواردة فيه، لا يصح استدلالهم به، وليس الأمر كما زعموا، بل قال أهل العلم: ليس في الحديث أيُّ دلالة على إباحة الغناء، وذلك من وجوه:
الأوَّل: قول عائشة: " وعندي جاريتان تغنيان بغناء بُعاث"، فكلمة الغناء كما سبَق في تعريفها تُطلَق على الشِّعْر وعلى غيره، وهي هنا تعني بها الشِّعرَ فقط؛ لِقَرينةٍ، وهي: "بغناء يوم بعاث ".
قال القاضي عياض: كان الغناء بما هو أشعارُ الحرب، والمُفاخَرة بالشَّجاعة، والظُّهور والغلَبة، وهذا الإنشاد بِرَفْع الصَّوت يُطلَق عليه الغِناء، وبُعاث يومٌ مَشْهور من أيَّام العرَب، كان فيه مقتلةٌ عظيمة بين الأوس والخزرج، والتي تروي لنا الحديث السابق هي أمُّ المؤمنين عائشة، ويروي لنا مَن تعلَّم منها، وهو ابن أخيها القاسم بن محمد بن أبي بكر أنَّه قال: "إنَّ الغناء باطل، والباطل في النَّار"(37).
الثاني: سماها أبو بكر مزمار الشيطان، ولَم يُنكِر الرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - ذلك، وقد قال في موطنٍ آخَر لأبي موسى الأشعري: " لقَدْ أُوتِيتَ مزمارًا من مزامير آل داود "(38)؛ أيْ: صوتًا حسَنًا كصوت داود - عليه السَّلام.
الثالث: أن النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لم يُنكِر عليهن - أيْ: على عائشة والجاريتَيْن - لأسبابٍ، منها:
1 - أنَّهما جاريتان غير مُكلَّفَتين.
2 - أنَّهما بنصِّ كلام عائشة "ليستا بمغنيتين"؛ أيْ: لا يعرفان الغناءَ كما يعرفه القَيْنات، وقول عائشة هذا "ليستا بِمُغنيتين" يدلُّ على التحَرُّز من الغناء المعتاد عند المشتَهِرين.
3 - كلام الجاريتَيْن؛ أي غناؤُهُما هو ما قيل منهما من شِعْر يوم بعاث.
فإنْ قيل: كيف ساغَ للصِّدِّيق إنكارُ شيءٍ أقرَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم؟ فالجواب: أنَّه ورد في بعض روايات الحديث أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان مُغطًّى بثوب، فظنَّ أبو بكرٍ أنَّه كان نائمًا، فبادر بالإنكار.
وأيضًا: أبو بكرٍ أنكرَ عليهم؛ لِما يعلَمُه من الشَّرع، وتقرَّر عنده مِن منع الغناء، وإلاَّ فما كان أبو بكرٍ لِيُنكر أو يمنع من شيءٍ إلاَّ وهو يعلم أنَّه حرام، فبَيَّن له النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - الحُكْم مقرونًا ببيان الحكمة بأنَّه يومُ عيد؛ أي: يوم سُرورٍ شرعي، فلا ينكر فيه، كما لا يُنكَر في الأعراس(39).
الثالث: وردت أحاديث أخرى قاضية بالتحريم، ومنها ما رواه أبو داود وأحمد وغيرهما عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله حرم عليَّ أو حرم الخمر والميسر والكوبة، وكل مسكر حرام. وفي رواية: إن الله حرم عليكم. قال سفيان - أحد رواة الحديث -: قلت لعلي بن بذيمة: ما الكوبة؟ قال: الطبل"(40).
وما رواه ابن ماجه وابن حبان عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها، وتضرب على رؤوسهم المعازف والمغنيات، يخسف الله بهم الأرض، ويجعل منهم القردة والخنازير"(41).
ومع ثبوت الأحاديث الصحيحة الصريحة الدلالة، فلا حجة في مخالفتها.
الرابع: للشيخ الألباني رسالة جامعة نافعة في تحريم آلات الطرب، سماها: " الرد بالوحيين وأقوال أئمتنا، على ابن حزم ومقلديه المبيحين للمعازف والغناء، وعلى الصوفيين الذين اتخذوه قربة ودينا "، ومما ذكر فيها أنه قد صح من الآثار عن بعض المبيحين للمعازف خلاف ذلك، فالأخذ بها أولى، بل هو الواجب، ثم أسند ذلك عن شريح القاضي وسعيد بن المسيب والشعبي ومالك بن أنس.
ثم قال: هذا وفي بعض الأقوال التي ذكرها الشوكاني ما قد يصح إسناده ولكن في دلالته على الإباحة نظر من حيث متنه ... والخلاصة: أن العلماء والفقهاء - وفيهم الأئمة الأربعة - متفقون على تحريم آلات الطرب؛ اتباعا للأحاديث النبوية والآثار السلفية، وإن صح عن بعضهم خلافه فهو محجوج بما ذكر، والله عز وجل يقول: فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما)(42). {النساء: 65}.
رابعا: وأما زعم الشيخ أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع الدف والمزمار دون تحرج فهو لا يصح، بل وضع أصبعيه في أذنيه حتى لا يسمع صوت زمارة الراع.
وهو ما رواه أحمد وأبو داود وابن حبان عن نافع مولى ابن عمر أن ابن عمر سمع صوت زمارة راعٍ، فوضع أصبعيه في أذنيه، وعدل راحلته عن الطريق، وهو يقول: يا نافع أتسمع؟ فأقول: نعم. فيمضي. حتى قلت: لا. فوضع يديه، وأعاد راحلته إلى الطريق. وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع زمارة راعٍ فصنع مثل هذا.
وقد قال الحافظ ابن عبد الهادي رحمه الله: (وتقرير الراعي لا يدل على إباحته، لأنها قضية عين، فلعله سمعه بلا رؤية، أو بعيدًا منه على رأس جبل، أو مكان لا يمكن الوصول إليه، أو لعل الراعي لم يكن مكلفًا، فلم يتعين الإنكار عليه. وسماع نافع للمزمار لا إشكال فيه، إذ المحرم هو الاستماع لا مجرد السماع عن غير قصد)(43).
نوقش بأنه على التسليم بتحريم الموسيقى بكل أنواعها وصورها، يمكن الاستعاضة عنها بوسائل الإيقاع الحديثة التي تعطي مثل أثرها، على ألا يتوسع في ذلك، خروجا من خلاف الفقهاء فيها أيضا.
كما أنه يمكن للمشاهد أن يخفض أو يكتم صوت الجهاز أو الآلة العارضة لهذه المنتجات الفنية، حال وجود موسيقى، فلا يكون ثمت مانع من مشاهدة هذه الأعمال بهذا السبب، ويسقط الاستدلال به.
الدليل الثامن: أن كثيرا مما يعرض من المسلسلات التاريخية من هذه الأعمال الفنية فيه الكثير من التحريف في النصوص التاريخية، وزيادات كثيرة في التفاصيل التي لا تندرج فقط تحت صياغة حوار افتراضي، بل تدخل في اختلاق وقائع وأحداث بكاملها، والكذب والافتراء على السلف والعلماء والمجاهدين بذِكر أشياء لم تحدث في حياتهم أو بالمبالغة فيها، بل ربما نجد في بعضها شيء من قصص حب وغرام بين عالم أو مجاهد وبين فتاة من المعجبات به أو ممن لها دور ما في هذا العمل(44)! .
نوقش بأن من العلماء من أباح الكذب لتحقيق المصلحة؛ لأن الكذب غير محرم لعينه، وإنما لما يترتب عليه من ضرر، فيتسامح في ذلك، مادام القصد حسنا، والنتيجة محمودة. وقد جاءت الأدلة الشرعية الصحيحة تستثني من تحريم الكذب بعض الصور والحالات، ومن هذه الأدلة: حديث أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس، ويقول خيرا وينمي خير)(45). وقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلأن أخر من السماء أحب إلي من أن أكذب عليه، وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم، فإن الحرب خدعة)(46).
قال أبو حامد الغزالي رحمه الله: (اعلم أن الكذب ليس حراماً لعينه، بل لما فيه من الضرر على المخاطب أو على غيره، فإن أقلَّ درجاته أن يعتقد المخبَر الشيء على خلاف ما هو عليه فيكون جاهلاً، وقد يتعلق به ضرر غيره. ورب جهل فيه منفعة ومصلحة، فالكذب محصل لذلك الجهل، فيكون مأذوناً فيه، وربما كان واجباً)(47).
وأجيب: بأن بقية كلام أبي حامد الغزالي فيه إبطال لما ذهبتم إليه؛ إذ إنه قال بعد ذلك شارحا ومبينا مراده: (الكلام وسيلة إلى المقاصد: (فكل مقصود محمود يمكن التوصل إليه بالصدق والكذب جميعاً: فالكذب فيه حرام. وإن أمكن التوصل إليه بالكذب دون الصدق: فالكذب فيه مباح إن كان تحصيل ذلك القصد مباحاً، وواجب إن كان المقصود واجباً، كما أن عصمة دم المسلم واجبة)(48).
ولا شك أن ما نحن بصدده من التمثيل مع استعمال الكذب يمكن التوصل له بغير الكذب.
نوقش بأنه على التسليم بما قلتم، فيمكن عند عدم التمكن من محاكاة الواقع بتمامه لبعد التاريخ أو قلة المعلومات، يمكن الخروج من هذا المحظور بالإشارة إلى صنيع المخرج وعدم تقيده بالواقع التاريخي المحكي، أو بتغيير مسمى العمل بحيث يحتمل الشخصية المحكي عنها، ويحتمل غيرها.
الدليل التاسع: أن في كثير مما يعرض من هذه الأعمال إساءة لأولئك الكبار العظماء، وذلك بتصوير أهلهم ونسائهم بصورة عصرية حسب هوى القائمين على العمل.
نوقش: هذا ليس فيه إساءة، بل الغالب في هذه الأعمال إظهار الحب والتقدير، وحصول التبجيل والتعظيم للشخصيات والرموز الإسلامية ونحوها، والعبرة بما يحكم به المشاهد، وينطبع في نفسه، والواقع يشهد بعكس ما يدعى من إساءة.
الدليل العاشر: أن في بعض هذه الأعمال تمثيل دور كافر يحمل صليبا، أو يسجد له، أو عليه، أو يسجد لصنم، أو يطوف به، أو يشتم النبي صلى الله عليه وسلم، أو الإسلام، أو يتزيى بزي الكفار، أو يلبس ما عليه صورة صليب، وكل هذا محرم، ومنه ما هو كفر بالله تعالى وردة عن الدِّين، ولا نعلم رخصة شرعية لأن يرتكب الممثل شيئا من أقوال الكفر أو أعماله، بحجة مثل هذا التمثيل(49)، ما دعى البعض إلى القول بحرمة التمثيل من أصله لعدم خلوه من مثل هذه المحظورات التي ذكرنا بعضها(50)، وإذا بطل الأصل بطل ما تفرع منه.
نوقش: بأن التمثيل – كما يعرفونه - هو: محاكاة لأحداثٍ واقعيةٍ أو متخيَّلةٍ بقصد التأثير في المشاهدين بطريقةٍ غير مباشرة، وعليه فجميع تصرفات الممثل لا يعتد بها في الحقيقة، لأن من يشاهده يعلم أنه يمثل أو يحكي عن غيره، والقاعدة أن ناقل الكفر ليس بكافر، والكفر لا يثبت إلا بقصد ممن أتى به، وهكذا جميع العقود، بما فيها النكاح والطلاق، لا تصح إلا مع توفر الإرادة وتحقق القصد لها.
يقول د/ وهبة الزحيلي: في كلامه عن اشتراط توفر الإرادة العقدية، وعدم انعقاد العقد في الحالات التي يكون فيها صوريا: (قد توجد الإرادة الظاهرة وحدها، وتنعدم الإرادة الباطنة، فيكون العقد صورياً، ويظهر ذلك في الأحوال التالية، ثم ذكر ثمان حالات، ذكر منها: حالة التعلم والتعليم والتمثيل، فقال: " إذا ردد المتكلم عبارات التصرفات، ولكنه لا يريد إنشاء التزام أو عقد، بل يريد غرضاً آخر كالتعلم والتعليم والتمثيل، فلا يترتب على عبارته أي أثر. كما إذا ردد القارئ عبارة البيع أو الشراء أو الطلاق المسطرة في كتب الفقهاء بقصد تعلمها أو حفظها، أو بقصد تعليمها لغيره، فلا يترتب على كلامه أي أثر. وكذلك ترديد الممثلين عبارات التمثيل وحكاية أقوال الآخرين، مثل زوجيني نفسك، فقالت: زوجتك نفسي، لا يترتب عليه أي أثر؛ لأن المتكلم في هذه الأمثلة لا يقصد إنشاء العقد، بل قصد غرضاً آخر، وهو التمثيل أو الحفظ أو توضيح الحكم للتلاميذ "(51).
وقال ابن القيم رحمه الله: (وسأله- صلى الله عليه وسلم- الحجاج بن علاط فقال: إنَّ لى بمكَّة مالا، وإنَّ لي بها أهلا، وأريد أن آتيهم؛ فأنا في حِلٍّ إنْ أنا نِلْتُ منك، أوقلتُ شيئا؟ فأذِنَ له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ يقول ما شاء. ذكره أحمد. وفيه دليل على أن الكلام إذا لم يُرِدْ به قائِلهُ معناه - إمَّا لعَدَم قصده له، أو لعدم عِلمِه به - أو أنَّه أراد به غيرَ معناه؛ لم يَلْزَمْهُ مَا لَمْ يُرِدْهُ بكلامه.
وهذا هو دين الله الذي أرسل به رسوله، ولهذا لم يَلزمِ المكرهُ على التكلُّم بالكُفر الكُفْرُ، ولم يلزمْ زائلُ العقل بجنون أو نوم أو سكر ما تكلَّم به، ولم يَلزَم الحجاج بن علاط حُكمُ ما تكلَّم به؛ لأنَّه أراد به غير معناه، ولم يَعقِدْ قلبه عليه، وقد قال تعالى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ} [المائدة: 89]، وفي الآية الاخرى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: 225]، فالأحكام في الدنيا والآخرة مرتَّبة على ما كسبه القلب، وعَقَد عليه، وأراده من معنى كلامه)(52).
وأجيب: بأن القول بأن الكفر لا يثبت إلا بقصد ممن أتى به، قول باطل، وهو مذهب الجهمية المرجئة(53)، بينما مذهب أهل السنة والجماعة أن الكفر يقع ولو لم يقصده المرء. وفي ذلك يقول ابن تيمية رحمه الله: (... وبالجملة؛ فمن قال أو فعل ما هو كفر؛ كفَر بذلك وإن لم يقصد أن يكون كافرًا.. إذ لا يقصد الكفرَ أحدٌ إلَّا ما شاء الله)(54). ومرد ذلك إلى قوله تعالى: قال تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا. الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا. أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا...} [الكهف:103-105].
قال الطبري رحمه الله، في تفسيره: (والصواب من القول في ذلك عندنا، أن يقال: إن الله عز وجل عنى بقوله: {هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا}، كل عامل عملًا يحسبه فيه مُصيبًا، وأنه لله بفعله ذلك مُطيع مُرض، وهو بفعله ذلك لله مُسخط، وعن طريق أهل الإيمان به جائر، كالرَّهَابنة والشمامسة، وأمثالهم من أهل الاجتهاد في ضلالتهم، وهم مع ذلك مِن فعلهم واجتهادهم بالله كَفرة من أهل أي دين كانوا.. وهذا من أدل الدلائل، على خطأ قول من زعم أنه لا يكفر بالله أحد، إلا من حيث يقصد إلى الكفر، بعد العلم بوحدانيته، ولو كان القول كما زعموا لوجب أن يكون هؤلاء القوم في عملهم الذي أخبر الله عنهم، أنهم كانوا يحسبون فيه أنهم يحسنون صنعه؛ كانوا مثابين مأجورين عليه! ولكن القول بخلاف ما قالوا، فأخبر جلَّ ثناؤه عنهم، أنهم بالله كفرة، وأن أعمالهم حابطة)(55).
وبوَّب ابن منده رحمه الله، في كتاب التوحيد، مستدلًّا بهذه الآية: (ذِكْر الدليل على أن المجتهد المخطئ في معرفة الله عزَّ وجلَّ ووحدانيته كالمُعاند)(56). وقال ابن حجر رحمه الله، في الفتح: (وفيه؛ أن من المسلمين من يخرج من الدين، من غير أن يقصد الخروجَ منه، ومن غير أن يختار دينًا على دين الإسلام)(57(
وقال الشيخ ناصر الدين الألباني: (السجود بين يدي الشخص لا يُنْظَر هنا إلى نِيَّتهِ؛ لأنَّها ظاهرة وثنية)(58).
وقال أيضا: (فلو أنَّ إنسانًا سجد لشيخ له، أو أمير له؛ فهذا لا يُسأل لماذا أنت تسجد؟. وهل تعتقد أنَّ هذا يستحق التعظيم؟؛ لأنَّ فعله يدل على التعظيم، لكنَّه يستتاب فإن تاب وإلا قتل، فالرسول ﷺ قال: ((لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها؛ لعظم حقه عليها)). فالسجود علامة تعظيم ما في حاجة نسأل لماذا أنت تسجد؟. لكن نحن بحاجة أن نفهمه أنَّ هذا السجود إشراك مع الله لمن تعظمه بنفس الوسيلة التي تُعظِّم بها ربَّك، فإمَّا أَْنْ تَرْتَدِع وإمَّا أماَمك القتل...، إذن مَنْ سجد لغير الله أو طاف بغير بيت الله لا حاجة لنا أَنْ نسأله ماذا تعني؟ أتعتقد أنَّ هذا يستحق العبادة؟)(59).
وإنما يستثنى من مما سبق من تكلم بما هو ردة دون قصد، بل على سبيل الغلط، فهذا لا يحكم بردته، لأن الردة التي يكفر بها المسلم هي شرح صدر الإنسان للكفر، ويدل لذلك قول الله تعالى: مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ {النحل:106}.
جاء في فتاوى الشبكة الاسلامية: (فما كان مجرد سبق لسان، أو غلطاً فلا يضر، إن شاء الله تعالى؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. رواه بن ماجه والحاكم. وفي الصحيحين وغيرهما واللفظ لمسلم، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح)(60).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: لا بد في العقود وغيرها من قصد التكلم وإرادته، فلو فرض أن الكلمة صدرت من نائم، أو ذاهل، أو قصد كلمة فجرى على لسانه بأخرى، أو سبق بها لسانه من غير قصد لها، لم يترتب على مثل هذا حكم في نفس الأمر قط)(61).
وخلاصة ما سبق أن المقصود بالقصد هنا أحد أمرين: الأول: قصد الكفر، وهذا مردود وباطل، وعليه دار رد الرادين، ولم يشترطه أهل السنة لحصول أو وقوع الكفر. الثاني: قصد كلامه، بحيث لا يكون نائما يهذي، ولا سكرانا، كما كان من حمزة رضي الله عنه مع نبينا صلى الله عليه وسلم، ولا تلعثما كمن قال اللهم أنت عبدي وأنا ربك، ولا مكرها، ولا خطأ، كمن يحسب هذا الكلام كلاما للرسول فيمدحه.
ويدخل في ذلك من وقع في الكفر بتأويل كمن قال القرآن مخلوق- على الصحيح من أقوال أهل العلم والذي رجحه شيخ الإسلام من أنه لا يكفر من أهل التأويل إلا من كان زنديقا أي كافرا ظاهرا وباطنا-، ولا بنسيان كأن يكون تاب من الكفر ثم حلف باللات والعزى(62).
وأما من يقول بالمقالة الكفرية ولا يراها كفرا بل يراها حقا وإسلاما فهذا يكفر بضوابط، ولا علاقة للقصد هنا. ولذلك لو رجعنا إلى فتاوى علماء الحجاز لوجدناهم ينيطون الكفر بالعلم والقصد دفعا للجهل والخطأ، ولا يريدون قصد الكفر، كما أيضا أخطأ من اشترط قصد البدعة. فكلمة القصد مجملة أو قل مطلقة لا يحكم فيها إلا بعد التقييد(63).
وفي هذا الإطار يفهم كلام ابن القيم، وغيره من أهل العلم.
أدلة المبيحين لمشاهدة الأعمال الفنية "الهادفة" من مسلسلات وأفلام وغيرها
يمكن أن نجمع حجج المبيحين- والتي يعدها مخالفوهم شبهات - فيما يلي:
الدليل الأول: قد أجاز ذلك علماء موثوقون، ودعاة معروفون بالغيرة على دينهم؛ كالدكتور يوسف القرضاوي(64)، والدكتور عبدالله بن بيه، والدكتور خالد المصلح، والدكتور سعود النفيسان، والدكتور عبدالوهاب الطريري، والدكتور عصام البشير، والدكتور عجيل النشمي، والدكتور نصر فريد واصل، والدكتور وهبة الزحيلي، والشيخ سلمان العودة، فقد أقروا مسلسل الفاروق عمر بن الخطاب(65) وغيره(66)، وشاركوا في التجهيز لبعض هذه الأعمال.
ولما كانت هذه المسألة من النوازل الفقهية المعاصرة، كان هؤلاء العلماء أدرى بالواقع محل الفتوى، وأجدر أن يتبع قولهم وأولى ممن سبقهم ممن يستدل المانعون بأقوالهم من أتباع أصحاب المذاهب المعتمدة ونحوهم.
مع العلم بأنهم لم يطلقوا القول بالجواز، وإنما وضعوا ضوابط راعو فيها عدم الإخلال بالأحكام الشرعية، فكان قولهم وسطا، يقدر النص ويحترمه، كما يراعي الواقع وما فيه تحقيق مصلحة العباد والتيسير عليهم.
ومن هؤلاء أيضا: الشيخ أحمد الحجي الكردي، فقد سئل عن حكم مشاهدة المسلسلات التركية فأجاب:
(لا مانع من مشاهدة الأفلام والمسلسلات العربية والأجنبية والتركية المفيدة، والبعيدة عن كل محرم، بشرط عدم المبالغة التي تفوت بعض الواجبات. أما مشاهدة الأفلام أو المسلسلات التي تفسد الأخلاق، وتهدف إلى زرع العادات السيئة في نفوس الناشئة، أو فيها النظر إلى المحرم كالنظر لعورة الرجل أو المرأة - وشعر المرأة من عورتها أمام الرجال الأجانب - فلا يجوز)(67).
وكذلك الشيخ سلامة عبد القوي، فقد سئل عن مشاهدة مسلسل أرطغرل، فقال: (أنا لا أقول مشاهدته جيدة فحسب، بل أنصح بمشاهدته، وخذ منه الطيب، ودع منه السيئ، ... أراه أنه يحمل قيما الامة الاسلامية خاصة شبابنا وأبناؤنا في هذه الايام في أمس الحاجة اليها، من أهم هذه القيم أنه بدأ يعيد لأذهان الناس الصورة الصحية للجهاد في وللمجاهدين في سبيل الله في ولإعلاء راية الله وللتضحية والبذل بالنفس والمال والولد فسي سبيل نشر دين الله عز وجل.
أولادنا يحتاجون مشاهدة هذه النماذج، عندما نكلمهم عن سيرة هؤلاء من تاريخنا العظيم، لا نحقق ما يحققه لهم مشاهدة المسلسل ومعايشته بتفاصيله، والاندماج مع أحداثه، ما يؤدي إلى أن يتطبعوا ويتأثروا بهذه القيم من حب الجهاد في سبيل الله، وحب الاستشهاد في سبيل الله، والقوة الجسدية والقوة في التخطيط، والاحترام والأدب، وغير ذلك من القيم الاسلامية...
فأنصح بمشاهدته، ومشاهدة مسلسل السلطان عبد الحميد، لما تحمله هذه المسلسلات ونحوها من معان ممتازة جدا، مسلسل السلطان عبد الحميد يوضح للأمة كيف خطط الصهاينة بقيادة الإنجليز ومن عاونهم من أهل المكر والخيانة والخديعة في مجتمعاتنا لإسقاط الخلافة الاسلامية ... فنحن في الحقيقة من المهم جدا معرفة هذا التاريخ لأن ما نقل إلينا ودرسناه في مدارسنا عن الدولة العثمانية كان تاريخا مزيفا.
والإسلام لا يحرم الفن الذي فيه تعلم القيم والأخلاق، والتربية للأجيال المسلمة، فنحن مع ذلك، سواء كان ذلك في مسلسل أرطغرل أو مسلسل السلطان عبد الحميد أو فيلم عمر المختار أو فيلم الرسالة أو كان ذلك في مسرحيات أو في غناء، نحن لسنا ضد ذلك، ولكننا ضد الابتذال في هذه الفنون، وضد انحصار الفن في علاقة آثمة بين رجل وامرأة...)(68).
وإذا كان الأمر كذلك، أو كان في المسألة رأيان للعلماء، فلم نحجر واسعا؟!
نوقش من وجهين:
الأول: أقوال العلماء لا يستدل بها، وإنما يستدل لها، والحق لا يعرف بالرجال، وإنما يعرف الحق فيعرف أهله، وليست الحجة في أقوال الناس، وإنما الحجة في الدليل الشرعي من كتاب أو سنة أو إجماع معتبر أو قياس صحيح.
الثاني: أين هذه النوعية المثالية من الأعمال المفيدة؟ وأين هي تلك الأفلام والمسلسلات البعيدة عن كل محرم؟ والخالية من تبرج النساء أو كشف محاسنهن من وجه وشعر وعنق وزينة؟ ومن معازف وآلات طرب؟ ومن إسراف في تضييع الأوقات والواجبات؟ الحقيقة أن ذلك يكاد يكون خيالا وافتراضا نظريا، بعيدا كل البعد عن الواقع الذي نعيشه، لكن إن وجد فنحن نقره ولا نمنع من مشاهدته، ونتفق حينئذ مع هؤلاء في اجتهادهم.
وأجيب عن الوجه الأول: المسألة ليس فيها دليل واضح، ونص قاطع، من كتاب أو سنة، وليس فيها إجماع، وذلك لكونها تعتبر من النوازل المعاصرة التي يسوغ فيها الاجتهاد المنضبط بالقواعد الشرعية المعتبرة، وقد كان ذلك فعلا من تلك الفئة المجيزة والموجهة لإنتاج مثل هذه الأعمال، ومن باب أولى لمشاهدتها والانتفاع بها.
وأجيب عن الوجه الثاني: أنه لا ينكر وجود أعمال فنية هادفة ومفيدة إلا جاهل بالواقع غير مطلع عليه، وغير ملم به، أو معاند مجادل بغير حق.
الدليل الثاني: النظر عبر الشاشة أو الوسيلة يختلف عن النظر المباشر، فالنظر المحرم هو النظر المباشر، لا من خلال وسائل الإعلام المرئية، وشبكات الاتصال العنكبوتية، وأجهزة الهاتف الذكية، ونحوها. أما النظر من خلال تلك الوسائل فالذي يحرم منه ما يؤدي إلى الوقوع في محظور أو فتنة، أو كان يخشى منه حصول ذلك. وما عدا ذلك فلا يجزم بالتحريم، وهو محل نظر واجتهاد من أهل العلم، والقول بإباحته قوي ومتجه.
وقد ذكر نحو ذلك بعض فقهاء الشافعية رحمهم الله حيث قالوا: بأن النظر إلى المرأة الأجنبية عن طريق المرآة أو الماء يجوز إذا لم يكن بشهوة معللين بأنه لم يرها حقيقة وإنما رأى مثالها.
قال في إعانة الطالبين (شافعي): (ولا يحرم نظره لها - أي المرأة الأجنبية - في نحو مرآة كماء وذلك لأنه لم يرها فيها وإنما رأى مثالها)(69).
ويقول الشيخ عطية صقر، رحمه الله: (... وقد تحدَّث الفقهاء قبل أن يظهر التلفزيون عن حكم النظر إلى صورة المرأة في المرآة، هل يعطى حكم النظر إليها أو لا؟ ووضحه الكمال بن الهمام، ونقله الشيخ طه حبيب في فتوى نشرت له بمجلة الأزهر "نور الإسلام " عام 1932 في المجلد الثالث ص 492، وقال ما نصه: "والذى تسكن إليه النفس ويطمئن له القلب هو أن النظر إلى المرأة الأجنبية إنما كان محرما بسبب أنه داع وذريعة إلى الوقوع فيما هو أشد منه حرمة، وهو الوقوع في المعصية الكبرى، وعليه فالنظر إلى المرأة الأجنبية المعينة بواسطة المرآة بقصد الشهوة غير جائز لأنه ذريعة إلى محرَّم، وكل ما كان كذلك فهو حرام، سواء أكان ذلك مباشرة أو بواسطة المرآة "(70).
وسكت عن تحريم النظر في مثل هذه الحالة، بغير قصد الشهوة، ما يفيد الجواز، أو على الأقل عدم الجزم بالتحريم.
ولما سئل الشيخ ابن عثيمين عن حكم النظر إلى الصور التي تعرض في التلفاز أجاب قائلا: (... وأما ما يعرض في التلفاز فإن كان الإنسان ينظر إليه نظر تمتع وشهوة فلا شك في التحريم، وأما إذا كان ينظر إليه نظراً عادياً ففي النفس منه شيء، والأولى أن يتجنب ذلك، فإذا ظهرت المذيعة - مثلاً- في التلفاز فليغلق التلفاز؛ لأنه يخشى إذا نظر إليها أن يفتتن بها)(71). فلم ير الشيخ التحريم، وتوقف فيه، وإن كان يرى أن الأولى تركه خشية الافتتان.
فعندئذ يمكن القول بأنه ما دام مدار الأمر على خوف الفتنة، فإن الحال يختلف من شخص لآخر، ومن فئة عمرية لغيرها، ومن جنس لآخر، ومن منتج لغيره، ومن ظرف لغيره، فمشاهدة في اجتماع وإشراف وتوجيه أسري ليست كمشاهدة في غير تلك الحالة، وكل امرئ حسيب نفسه ورقيب عليها، وعلى ما فيه صلاحها ونفعها.
وعلى ما سبق، فإننا نرجع إلى الأصل في الأشياء، وهو الإباحة، بل قد يرقى الحكم هنا إلى الاستحباب لما يترتب عليها من منافع معتبرة.
نوقش من وجهين:
الأول: أكثر أهل العلم على عدم التفريق بين النظرين والحالتين في الحرمة، وبذلك أفتت لجنة الافتاء بالسعودية، ودار الافتاء المصرية، وموقع الشبكة الاسلامية، وموقع الإسلام سؤال وجواب، وغيرها من مواقع الفتوى الموثوقة، ومن العلماء والدعاة المعاصرين.
الثاني: أن هذا الكلام فيه نظر، بل هو باطل لعدة أمور(72):
الأمر الأول: أنه قد جاء في البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تباشر المرأة المرأة، فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها "(73). قال ابن حجر رحمه الله: (قال القابسي: هذا أصل لمالك ــ رحمه الله ــ في سد الذرائع، فإن الحكمة في هذا النهي خشية أن يُعجب الزوج الوصف المذكور فيفضي ذلك إلى تطليق الواصفة أو الافتتان بالموصوفة)(74).
فهنا قد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن وصف المرأة للرجل – مع أن الوصف ليس بنظر أصلاً إنما هو تفكير، وقد نهي عنه خشية أن يفتتن بها، فما بالك بالصورة فإنها أشد من الوصف بلا شك فهي تحرم أو ينهى عنها من باب أولى!!
الأمر الثاني: إن التفريق في مسألة النظر بين الحقيقة والخيال (الصورة) تفريقٌ في أمرٍ غير مؤثر، لأن من العلل التي مُنِع من أجلها النظر إلى الأجنبية هو الافتتان بها، وهذه العلة موجودة في النظر إلى الأجنبية في الحقيقة أو في الخيال (الصورة)، بل قد تكون المرأة في الصورة أجمل من الحقيقة وهذا أمر واقع لا شك فيه، لاسيما بعد التقنية الحديثة وفنون التصوير!!
فإن قال قائل: إن مشاهدة الأجنبية في (الصورة) ليست مثل مشاهدتها حقيقة في الشارع أو في المدرسة أو غيره لأنه إن شاهدها في الحقيقة قد يطمع بها ما لا يطمع بمن شاهدها في الصورة!!
فجوابه: هذا المعنى (وهو عدم الطمع بها) يحتاج إلى دليل يُثبت أنه قصدٌ للشرع مُنِعَ النظرُ من أجله! فإن الصورة بذاتها تؤثر في القلب مع استحالة الطمع!
ثم إن هذا التفريق يبطله أيضا أن الرجل إذا شاهد (صورة) جارته الأجنبية عنه، قد يطمع بها لقربها منه مع كونه رأى صورتها ولم يرها حقيقةً!! فهل يُباح له نظر صورتها؟ لا يقول بذلك أحد(75).
الأمر الثالث: يلزم من القول بأن الأدلة الآمرة بغض البصر هي متعلقة بالحقيقة لا بالخيال (الصورة) لذلك فهي لا تشمل الصور، يلزم منه إباحة النظر للصور ولو بشهوة!! لأن الأدلة التي استنبطنا منها تحريم النظر لأي شيء بشهوة هي نفسها أيضاً متعلقة بالحقيقة لا بالخيال (الصورة)!! ولم يأتِ دليل خاص بمنع التشهي بالخيال (الصورة)؟
وعلى هذا اللازم فإنه يكون النظر إلى الأفلام الجنسية مباحاً لأنه نظر إلى صورة لا إلى حقيقة. وهذا لا يقول به أحد من أهل العلم.
الأمر الرابع: يلزم من التفريق بين النظر إلى الصورة والنظر إلى الحقيقة أن الذين يذهبون إلى صالات المسارح لحضور مسرحية فيها متبرجات أو حفلة لأحد المغنيات أن بعضهم آثم والآخر ليس عليه شيء!! فالذين شاهدوا الممثلة أو المغنية (بغير شهوة) حقيقةً لا عن طريق التصوير فهؤلاء آثمون لأنهم نظروا إلى عورة أجنبية حقيقة، أما الذين شاهدوها (بغير شهوة) عن طريق الشاشات التي في الصالات الخلفية للمسارح فهؤلاء ليس عليهم شيء لأنهم نظروا إلى الصورة ولم ينظروا إلى الحقيقة.. وهذا لا أظن أن أحداً يقول به، لأنه تفريق بين متماثلين، والشريعة لا تأتِ بمثل هذا!!!
ويلزم منه لو أن رجلين وأمام أحدهما مرآة وكلاهما ينظر إلى عورات الأجنبيات وجب على الأول غض البصر حتى لو بلا شهوة والآخر لا يلزم لأنه يشاهد صورة خيالية إذا كان بغير شهوة؟
الأمر الخامس: بالنسبة لرأي الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله، لقد اعتبر الشيخ في فتاويه عن حكم التصوير (أن الصور الفوتوغرافية والفيديو هي مجرد عكس للحقيقة كالمرآة وأن الحركة والثبات لا يؤثر في شيء). وعليه نقول: ما دام الشيخ يرى أنه لا فارق بينهما من ناحية الشكل فلماذا اختلف الحكم بين (الحقيقة والصورة) في مسألة النظر مع أن مسألة النظر مرتبطة تماما بالشكل ولا فارق بينهما كما ذكر الشيخ؟!
فإن قيل: إن الأدلة أتت في الصور الحقيقية ولم تأت في الصور الخيالية!! فنقول: ولكن المعنى الذي نهت من أجله الأدلة موجود في الصور الخيالية، كما هو موجود في الصور الحقيقية، فلا فرق! وهل منع النظر متعلق بأصل الشيء وتكوينه أو متعلق بأثره؟
الأمر السادس: القول بأنه بالتفريق بين حقيقة الشيء وخياله، يفتح الباب للقول بجواز سماع الكفر والاستهزاء بالدين والموسيقى عن طريق الأشرطة لأنه خيال وليس بصوت حقيقي، والأدلة متعلقة بالحقيقة لا بالخيال؟!! وهذا فتح لباب شر مستطير.
الأمر السابع: إن الداعي لذكر هذه المسألة - وهي التفريق بين النظر إلى عورة الأجنبية في الحقيقة والخيال - عند الفقهاء أن بعضهم يرى أن الرجل إذا رأى عورة مغلظة لأجنبية عنه فإنها تحرم عليه فلا يحل له نكاحها، لذلك تشددوا في النظر المُحرِّم وقيدوه بأن يكون حقيقة لا خيالاً، لأن الأصل في مصاهرتها الإباحة، فلا يخرج عنه إلا بأمر جلي واضح.
قال ابن عابدين رحمه الله: (لم أر ما لو نظر إلى الأجنبية من المرآة أو الماء، وقد صرحوا في حرمة المصاهرة بأنها لا تثبت برؤية فرج من مرآة أو ماء، لأن المرئي مثاله لا عينه، بخلاف ما لو نظر من زجاج أو ماء هي فيه لأن البصر ينفذ في الزجاج والماء، فيرى ما فيه، ومفاد هذا أنه لا يحرم نظر الأجنبية من المرآة أو الماء، إلا أن يفرق بأن حُرمة المصاهرة بالنظر ونحوه شدد في شروطها، لأن الأصل فيها الحل، بخلاف النظر لأنه إنما منع منه خشية الفتنة والشهوة، وذلك موجود هنا، ورأيت في فتاوى ابن حجر من الشافعية ذكر فيه خلافا بينهم ورجح الحرمة بنحو ما قلناه)(76).
وبفهم الكلام في هذا السياق، يمكن لنا تنزيل الحكم على الوجه الصحيح، وأنه لا يصح التفريق في باب النظر بين الحقيقة والخيال (الصورة)؛ إذ إن العلة في المنع هي خشية الفتنة، وهي موجودة في الحالين.
الدليل الثالث: المصلحة تقتضي إباحة مشاهدة هذه الأعمال مادام النظر بقصد حسن، ويترتب عليه تحقيق مقصد شرعي.
وقد شهد الثقات من الناس، ومنهم من هم من أبناء التيار الإسلامي وغيرهم، بأن في ذلك نفعا للمشاهدين، من تعليم للنشء، وتسلية لهم بالمباح، وصد لهم عن سبل الإغواء والإيقاع بهم في الفتن، كمشاهدة أفلام إباحية، أو ما فيه رقص واختلاط، أو فسق وإلحاد.
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " والشريعة جميعها مبنية على أن المفسدة المقتضية للتحريم، إذا عارضتها حاجة راجحة: أُبيح المحرَّم"(77). وقال: " ما كان من باب سد الذريعة: إنما يُنهى عنه إذا لم يُحتج إليه، وأما مع الحاجة للمصلحة التي لا تحصل إلا به: فلا ينهى عنه "(78).
وعليه، فالنظر الصحيح يقتضي الترخيص، وأن يغتفر ويتغاضى عن وجود بعض المخالفات بجوار المصلحة المرجوة منها، لأنه يستعاض بها عن ما هو أسوا منها بكثير، وأشد ضررا وخطرا على المجتمع المسلم، خاصة فئة الشباب، فمع ما فيها من مخالفات - لا ريب أنها لا تقارن بغيرها مما فيه فحش وبذاء وانحرافات وشذوذ فكري وأخلاقي، والواجب علينا أن نقومها للوصول بها إلى الصورة المثلى شيئا فشيئا، لا أن نقاومها ونقف منها موقف المحرم كليا، فنمنع ما فيها من خير، ولا نوجد بديلا، في الوقت الذي نتيح بصنيعنا هذا الفرصة لانتشار الباطل المحض.
نوقش من وجهين:
الوجه الأول: قولكم بأن النظر الصحيح يقتضي الترخيص، وأن يغتفر ويتغاضى عما فيها من مخالفات، بجوار المصلحة المرجوة منها، مع الارتقاء بهذه الأعمال شيئا فشيئا: ليس هذا بالنظر الصحيح، كما تزعمون، وكيف يصار إلى النظر والقياس مع وجود نصوص شرعية قاطعة دالة على التحريم؟!
ثم إن ما فهمه سلفنا الصالح خلاف ما ذكرتم؛ فقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن جماعة يجتمعون على قصد الكبائر من القتل وقطع الطريق والسرقة وشرب الخمر وغير ذلك، ثم إن شيخا من المشايخ المعروفين بالخير واتباع السنة قصد منع المذكورين من ذلك فلم يمكنه إلا أن يقيم لهم سماعا يجتمعون فيه بهذه النية، وهو بدف بلا صلاصل، وغناء المغني بشعر مباح بغير شبابة، فلما فعل هذا تاب منهم جماعة وأصبح من لا يصلي ويسرق ولا يزكي يتورع عن الشبهات، ويؤدي المفروضات، ويجتنب المحرمات. فهل يباح فعل هذا السماع لهذا الشيخ على هذا الوجه لما يترتب عليه من المصالح؟ مع أنه لا يمكنه دعوتهم إلا بهذا؟
فأجاب: الحمد لله رب العالمين، أصل جواب هذه المسألة وما أشبهها أن يعلم أن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفي بالله شهيد، وأنه أكمل له ولأمته الدين كما قال تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا.... إلى أن قال رحمه الله: إذا تبين هذا فنقول للسائل: إن الشيخ المذكور قصد أن يتوب المجتمعون على الكبائر فلم يمكنه ذلك إلا بما ذكره من الطريق البدعي يدل أن الشيخ جاهل بالطرق الشرعية التي بها تتوب العصاة، أو عاجز عنها، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين كانوا يدعون من هو شر من هؤلاء من أهل الكفر والفسوق والعصيان بالطرق الشرعية التي أغناهم الله بها عن الطرق البدعية(79).
ونأخذ من هذا أن المصلحة إنما هي في اتباع شرع الله، والتزام حدوده، والوقوف عند أحكامه، وكذلك هي في سد الذريعة للحرام لا تسهيل الطريق إليه.
وأجيب بأن ما ذكر عن ابن تيمية رحمه الله معارض بما حكاه ابن القيم عنه، مما وقع في زمن التتار، يقول ابن القيم: (وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه ونور ضريحه يقول: مررت أنا وبعض أصحابي في زمن التتار بقوم منهم يشربون الخمر فأنكر عليهم من كان معي، فأنكرت عليه، وقلت له: إنما حرم الله الخمر لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وهؤلاء يصدهم الخمر عن قتل النفوس وسبي الذرية وأخذ الأموال فدعهم)(80).
وعليه نقول: لابد أن هنالك فرقا بين المسألتين، والظاهر لي أن وجه الفرق بينهما أن الأولى في دعوة المسلمين، وهي لا تكون إلا بوسائل وطرق مشروعة، والثانية في كف شر الكفار(81) عن المسلمين، فلا تقاس إحداهما على الأخرى. ونحن مسألتنا من النوع الأول.
الوجه الثاني: أين هو هذا العمل للتطوير والارتقاء وتفادي المحظورات، الحقيقة غير ذلك، وأن هذا كلام نظري، وظاهر الحال هو الإيغال في التساهل، والترخص أكثر فأكثر.
وأجيب بأن المتتبع لهذه الأعمال يجد تفاوتا بينا بينها من حيث الالتزام أو عدم الالتزام بالضوابط الشرعية، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على محاولة الارتقاء بهذه الأعمال، وأن من المنتجين من يسعى سعيا حقيقيا نحو ذلك، كما يشهد بذلك الواقع، فمن الظلم وعدم العدل التسوية بينها، أو إعطائها حكما واحدا.
الدليل الرابع: من العلماء من يرى أن تحريم النظر إنما هو لما يخشى من الفتنة بالمنظور، فإذا أمنت فلا حرج. وذلك أن
النظر إنما حرم لسد الذريعة إلى الوقوع في الحرام، وما كان كذلك فإن العلماء قد أصلوا له أصلا، ووضعوا له ضابطا؛ فقالوا: ما حرم سدا للذريعة يباح للمصلحة الراجحة(82).
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية (40/ 341): (يجوز النظر إلى الوجه والكفين من الأجنبية، إن لم يكن بشهوة، ولم يغلب على الظن وقوعها، ويحرم النظر إلى ما عدا ذلك بغير عذر شرعي، وهذا القول ذهب إليه الحنفية والمالكية، وهو مقابل الصحيح عند الشافعية، وعند الحنفية يقصد بالكف باطنه فقط، وأما ظهره فيعتبر عورة لا يجوز النظر إليها في ظاهر الرواية، وعند المالكية لا فرق بين ظاهر الكفين وباطنهما، فلا يحرم النظر إليهما بشرط أن لا يكون بقصد اللذة، ولم تخش الفتنة بسببه، وأن يكون الرجل مسلما إذا كانت المرأة مسلمة، فأما الكافر فلا يحل للمرأة المسلمة أن تبدي له أي عضو من أعضائها، ويعتبر جميع جسدها عورة بالنسبة له).اهـ.
كما أن أكثرهم أجاز نظر الرجل إلى المرأة الأجنبية العجوز، فينظر إلى ما يظهر منها غالبا، ولو لغير الوجه والكفين، لقوله سبحانه: (والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة).
بل إن منهم من أجاز مس المرأة العجوز التي لا تشتهى، وكذلك البرزة التي لا تشتهى والمريضة التي لا يرجى برؤها(83).
قال ابن قدامة: (والعجوز التي لا تشتهى مثلها يباح النظر منها إلى ما يظهر غالبا؛ لقوله تعالى: {والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة} [النور: 60] . قال ابن عباس استثناهن الله تعالى من قوله: {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن} [النور: 31]؛ ولأن ما حرم من النظر لأجله معدوم في حقها، فأشبهت ذوات المحارم. وفي معناها: الشوهاء التي لا تشتهى. ومن ذهبت شهوته من الرجال لكبر أو مرض، أو تخنيث فحكمه حكم ذي المحرم في النظر؛ لقوله تعالى: {أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال} [النور: 31] أي الذي لا إرب له في النساء، كذلك فسره مجاهد، وقتادة ونحوه عن ابن عباس رضي الله عنه)(84).
كما أن كثيرا من الفقهاء، على مر العصور، لا يقولون بتحريم نظر المرأة للرجل الأجنبي، ما لم تخف فتنة.
قال ابن باز رحمه الله: (... نظر المرأة إلى الرجال من غير شهوة ومن غير تلذذ فيما فوق السرة ودون الركبة هذا لا حرج فيه؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أذن لعائشة في النظر إلى الحبشة، ولأن الناس مازالوا يخرجون إلى الأسواق الرجال والنساء، وهكذا في المساجد تصلي المرأة مع الرجال وتنظر إليهم كل هذا لا حرج فيه إلا إذا كان نظراً خاصاً قد يفضي إلى فتنة أو تلذذ أو شهوة هذا هو الممنوع.... كل هذا من الدلائل على جواز النظر من المرأة للرجال من دون قصد شهوة ولا تلذذ، وهذا مستثنى من قوله جل وعلا: [وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ])(85).
وورد في فتاوى واستشارات الإسلام اليوم سؤال عن نظر المرأة إلى بعض البرامج الإسلامية التي يكون فيها رجال؟
والجواب: (نظر المرأة إلى الرجال الأجانب ليس ممنوعاً في كل حال، بل يباح في أحوال كثيرة، كرؤية المصلين، ورؤية الحجاج في عرفة ... وغير ذلك، وقد كان الحبشة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يلعبون بحرابهم في المسجد وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تنظر إليهم، ومثل هذا نظر المرأة إلى البرامج المفيدة. والممنوع إنما هو اختلاطها بالرجال، واطلاعها على المناظر الخليعة التي تخدش الحياء، وتثير الشهوات في البرامج الإعلامية أو غيرها)(86).
ويقول أحمد عساف(87): (نظر الرجل إلى ما ليس بعورةٍ من المرأة، أي إلى وجهها وكفيها مباح، ما لم تصحبه شهوة أو تخف منه فتنة، ونظر المرأة إلى ما ليس بعورة من الرجل، أي ما فوق السرة وتحت الركبة مباح، ما لم تصحبه شهوة أو تخف منه فتنة، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لعائشة رضي الله عنها أن تنظر إلى الحبشة وهم يعلبون بحرابهم في المسجد النبوي، وظلت تنظر إليهم حتى سئمت هي فانصرفت. وعلى ذلك فإن النظرة البريئة إلى غير عورة من الرجل أو المرأة حلال، ما لم تتخذ صفة التكرار، أو التحديق الذي يصحبه غالباً التلذذ، وخوف الفتنة)(88).
والمقصود بيانه (وجه الاستدلال): أن اعتبار الشهوة وعدمها مؤثر في الحكم، وأنه لا يصح القول بتعميم حكم المنع من المشاهدة على الجميع! وأن هنالك حالات قد يترخص فيها، فيقال فيها بجواز نظر الرجل إلى المرأة مع أمن الفتنة، خاصة مع وجود مصلحة معتبرة.
قد تقرر فيما سبق جواز نظر المرأة للرجل بلا شهوة، وقد قيل بأن من دون سن التكليف لا حرج عليهم في النظر الذي يحرم على غيرهم من المكلفين، وقد قيل بأن النظر إلى الكافرات غير النظر إلى المسلمات، فيرخص في الأول دون الثاني؛ يقول الإمام سُفيان الثوْري رحمه الله، فيما أورده عنه ابن كثير: " لا بأس بالنظر إلى زينة نساء أهل الذمة وإنما نهى عن ذلك لخوف الفتنة لا لحرمتهن واستدل بقوله تعالى: ونساء المؤمنين وقوله: ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين أي إذا فعلن ذلك عرفن أنهن حرائر، لسن بإماء ولا عواهر " (89).
وعليه فإنه لا يجوز الحكم بالمنع من المشاهدة والتحريم على وجه العموم، مع وجود حالات يجوز النظر فيها(90). بل العدل يقضي بأن يفصل في المسألة.
نوقش من وجوه:
الأول: بالنسبة لقول سفيان فهو قول مردود عند العلماء، ولم يوافق عليه، بل نقل الحافظ ابن حجر الإجماع على خلافه، فقال: (وقد أجمعوا على أن الأجنبية يحرم النظر إليها مؤمنة كانت أو كافرة)(91).
كما أن المعنى والمعقول يقتضي بطلانه، وإلا فأي فرق بينهما، فكلاهما أنثى تفتن الرجل، بل ربما تستحي المسلمة مما لا تستحي منه الكافرة، ولا تتحرج الكافرة مما تتحرج منه المسلمة، فتكون الفتنة منها أشد(92).
وجاء في فتاوى الإسلام سؤال وجواب، ما نصه: (وأما ما روي عن سفيان الثوري رحمه الله من قوله: " لا بأس بالنظر إلى زينة نساء أهل الذمة، وإنما نهي عن ذلك لخوف الفتنة لا لحرمتهن": فلم نقف على إسناده، وقد ذكره ابن كثير في تفسيره (6/ 482) بصيغة التمريض فقال: "وروي عن سفيان". وننبه إلى أن الكفار مخاطبون بالشريعة على الصحيح، وأن غير المسلمة لو تركت الحجاب، فهي آثمة إثما يضاف إلى إثم كفرها)(93).
الثاني: بالنسبة لمن هم دون سن التكليف فليس الكلام يتعلق بهم، في الأصل، ولكن مع ذلك، فإن الواجب على أوليائهم أمران: الأمر الأول: ألا يمكنوهم من النظر إلى الحرام، بل يحولوا بينهم وبين ذلك، لئلا يعتادوه عند بلوغهم، وهذا من حسن تعهدهم بالتربية. الأمر الثاني: ألا يروا المعصية من الكبار، فينشئوا عليها، ولا يستقبحوها بعد بلوغهم، ويحمل هؤلاء الكبار أوزارهم وأوزار من أضلوهم.
وأما التفريق بين نظر الرجال للنساء بشهوة ونظرهم إليهن بغير شهوة؛ فقد نوقش من وجوه:
الوجه الأول: أكثر أهل العلم– إلا ما ندر– على عموم تحريم نظر الرجال للنساء الأجانب، سواء كان ذلك بشهوة أو بغير شهوة.
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: (يحرم نظر الرجل بغير عذر شرعي إلى وجه المرأة الحرة الأجنبية وكفيها كسائر أعضائها سواء أخاف الفتنة من النظر باتفاق الشافعية أم لم يخف ذلك، وهذا هو قول الشافعية على الصحيح، وهو المذهب عند الحنابلة، وظاهر كلام أحمد، فقد قال: لا يأكل الرجل مع مطلقته وهو أجنبي لا يحل له أن ينظر إليها، كيف يأكل معها ينظر إلى كفها، لا يحل له ذلك)(94).
والأدلة الواردة في هذه المسألة تدل على منع النظر إلى عورة الأجنبية مطلقاً، ولم تقيد بقيد الشهوة، منها قوله تعالى: (وقل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ... الآية) النور:٣٠.
قال ابن كثير رحمه الله: (هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم عما حرم عليهم، فلا ينظروا إلا إلى ما أباح لهم النظر إليه، وأن يغضوا أبصارهم عن المحارم، فإن اتفق أن وقع البصر على مُحرَّم من غير قصد، فليصرف بصره عنه سريعًا)(95).
وهكذا، فكل الأحاديث الواردة في الأمر بغض البصر جاءت مطلقة دون تقييد بشهوة، والتقييد يحتاج إلى دليل خاص حتى يُقال به.
أجيب: لو سلمنا بمنع نظر الرجل الى المرأة الأجنبية عنه مطلقا بشهوة وبدونها، فلا نسلم بأن ذلك على سبيل التحريم؛ فقد قال طائفة من أهل العلم بأن ذلك على سبيل الكراهة فقط، ما لم تكن شهوة.
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: (يحرم النظر بغير عذر أو حاجة إلى بدن المرأة الأجنبية غير الوجه والكفين، ويكره النظر إليهما، ويندب غض البصر عنهما ولو بغير شهوة، وهذا القول نص عليه بعض المتأخرين من الحنفية وأصحاب الفتاوى، وعبارة ابن عابدين أن الأحوط عدم النظر مطلقا، وهو رواية عن أحمد وقول القاضي من الحنابلة)(96).
وعليه، فربما تزول الكراهة، مع وجود الحاجة لمشاهدة هذه الأعمال، كما هي القاعدة عند الفقهاء، خاصة مع وجود مصالح معتبرة في الأخذ بهذا القول، ومع اعتبار حسن القصد في المشاهدة.
الوجه الثاني: إذا قلنا بذلك جرنا هذا إلى القول بجواز النظر إلى عورة المرأة الأجنبية كشعرها ونحرها وغيرهما بشرط عدم الشهوة، ثم يلزمنا القول بجواز مشاهدة (العورات المغلظة) التي لا تثير الشهوة كذكر رجل أو غيره، لأن كلها عورات فيجوز النظر إليها إذا كان بغير شهوة. ولا أظن أن أحداً سيقول بهذا!(97)
الوجه الثالث: يجاب عن القول بالفرق بين اعتبار الشهوة وعدمها في نظر المرأة للرجل، بأن بعض العلماء لا يسلم به، كالنووي الشافعي رحمهما الله، فقد ذهب إلى تضعيف القول بالتفريق بين النظر لشهوة و لغير شهوة، حتى في نظر المرأة للرجل، فقال: (وأما نظر الرجل إلى المرأة فحرام في كل شيء من بدنها فكذلك يحرم عليها النظر إلى كل شيء من بدنه سواء كان نظرُهُ ونظرُهَا بشهوة أم بغيرها، وقال بعض أصحابنا لا يحرم نظرها إلى وجه الرجل بغير شهوة وليس هذا القول بشيء)(98).
وقال القرطبي رحمه الله: (أمر الله سبحانه وتعالى المؤمنين والمؤمنات بغض الأبصار عما لا يحل، فلا يحل للرجل أن ينظر إلى المرأة ولا المرأة إلى الرجل، فإن علاقتها به كعلاقته بها، وقصدها منه كقصده منها)(99).
كما أنه على التسليم بهذا القول، فإنه يصعب عمليا إباحة المشاهدة لصنف من الناس دون صنف، كما أن الشيخ ابن باز- رحمه الله - كغيره من العلماء - قد نص على ضابط الإباحة، وهو أمن الفتنة. يقول الشيخ رحمه الله، في الفتوى ذاتها: (أما إذا كان النظر يفضي إلى الفتنة أو التلذذ أو مع تكرار النظر للرجل فهذا هو الذي يمنع منه)(100).
وعليه نقول: من ذا الذي يضمن ذلك؟ في الوقت الذي ينتقى فيه للتمثيل أجمل الرجال، وأكثرهم جاذبية ووسامة، بالإضافة إلى ما يتزينون به من مكياج وملابس ليبدو "الأبطال" وغيرهم في أبهى صورة.
والواقع يشهد بتعلق كثير من النساء – وللأسف – بكثير من هؤلاء الممثلين أو الفنانين، خاصة وأن هذا النظر يتكرر، وهذه المتابعة لهؤلاء عن طريق المسلسلات والأفلام تستمر.
الوجه الرابع: لا يعرف الإسلام نظرا من الرجال للنساء الأجنبيات الحسناوات، أو من النساء، خاصة الشابات منهن، إلى الرجال ذوي الجمال والوسامة، يسمى نظرا بريئا، خاصة إذا كان يتكرر.
الوجه الخامس: تقييد المسألة بـ(الشهوة) يجب أن يكون فيما ليس بمظنة للشهوة، أما ما كان مظنة للشهوة فالأصل عدم التقييد؛ لأن الشهوة ليست خادماً يُطلب ويُرفض بالاختيار، وإنما هو شيء يهجم على القلب ويستحكم فيه، وقد ينظر بادئ الأمر بحسن قصد كما يزعم! ثم يقع في قلبه ما يقع وليس بيده مدافعته، فهل إذا وقع في شراك الإعجاب بها حرمنا عليه النظر إليها!.
وأجيب عما سبق بأن المسألة تبقى خلافية، يجوز للمقلد فيها الأخذ بأحد القولين، لأن الخلاف فيها من الخلاف المعتبر، فكل قول قد قال به بعض الأئمة، ولم يخالف نصًّا ولا إجماعًا. وعليه فيجوز تقليد العامي لمن قال بجواز النظر إليهن بغير شهوة، ما دام ذلك لغير هوى، ولا ترخص، بل لاعتقاد رجحانه، أو رجحان القائل به في نفسه(101).
ومع التزام المرأة في هذه الأعمال بعدم إبداء غير وجهها وكفيها فإنه ينتفي الحرج عن المشاهدين، وذلك عملا بالرأي القائل بجواز كشف المرأة لوجهها، وأنه ليس بعورة، وهو قول جمهور الفقهاء.
وقد نقل الفقيه المالكي ابن محرز اتفاق العلماء على جواز النظر لوجه المرأة بدون شهوة(102).
وقال الحافظ ابن القطان، رحمه الله: (وقد قدمنا في مواضع أن إجازة الإظهار، دليلٌ على إجازة النظر. فإذا نحن قلنا: يجوز للمرأة أن تبدي وجهها وكفيها لكل أحدٍ على غير وجه التبرُّج من غير ضرورة، لكون ذلك مما ظهر من زينتها، ومما يشق تعاهده بالستر في حال المهنة، فقد جاز للناس النظر إلى ذلك منها؛ لأنه لو كان النظر ممنوعاً مع أنه يجوز لها الإبداء، كان ذلك معاونةً على الإثم، وتعريضاً للمعصية، وإيقاعاً في الفتنة، بمثابة تناول الميتة للآكل غير مضطر! فمن قال من الفقهاء بجواز الإبداء، فهو غير محتاج إلى إقامة دليلٍ على جواز النظر.
وكذلك ينبغي أن يكون من لم يجز للمرأة الإبداء والإظهار، غير محتاجٍ إلى إقامة الدليل على تحريم النظر.
وقد قدمنا أنه جائز للمرأة إبداء وجهها وكفيها، فإذاً النظر إلى ذلك جائز، لكن بشرط ألا يخاف الفتنة وألا يقصد اللذة. وأما قصد اللذة، فلا نزاع في التحريم)(103).
فإذا انضم إلى ذلك تحقق مصالح ومنافع أخرى، ودفع مفاسد كالتي ذكرنا، ترجح القول بالجواز.
علما بأن من الفقهاء من توسع فيما يجوز رؤيته من المرأة الأجنبية، وما يجوز لها إبداؤه من زينتها.
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: (القول الرابع: يجوز النظر إلى الوجه والكفين والقدمين من المرأة الأجنبية بغير شهوة، وهذا القول رواه الحسن بن زياد عن أبي حنيفة، وذكره الطحاوي، وهو قول بعض فقهاء المالكية.
وعن أبي يوسف أنه يجوز النظر إلى الذراعين أيضا عند الغسل والطبخ.
وقيل: يجوز النظر إلى الساقين إذا لم يكن النظر عن شهوة.
واستدل القائلون بجواز النظر إلى القدمين بالأثر والقياس، أما الأثر فهو ما روي عن عائشة رضي الله عنها في قوله تعالى: إلا ما ظهر منها أن المراد به القلب والفتخة، والفتخة خاتم إصبع الرجل، فدل على جواز النظر إلى القدمين.
واستدلوا بقياس القدمين على الوجه والكفين، لأن المرأة كما تبتلى بإبداء وجهها في المعاملة مع الرجال وبإبداء كفيها في الأخذ والعطاء، فإنها تبتلى بإبداء قدميها، وربما لا تجد الخف في كل وقت.
ووجه ما روي عن أبي يوسف من إباحة النظر إلى الذراع هو ظهور ذلك منها عادة عند القيام ببعض الأعمال التي تستعمل المرأة فيها ذراعيها كالغسل والطبخ.
وفي بعض الأخبار ما يدل على إباحة النظر إلى نصف الذراع، فقد ورد عن ابن عباس وقتادة والمسور بن مخرمة في تفسير قوله تعالى: إلا ما ظهر منها قالوا: ظاهر الزينة هو الكحل والسوار والخضاب إلى نصف الذراع والقرطة والفتخة ونحو هذا.
وذكر الطبري عن قتادة حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم استثنى فيه من تحريم النظر الوجه واليدين إلى نصف الذراع، قال قتادة: بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تخرج يدها إلا إلى ههنا وقبض نصف الذراع.
وروي عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا عركت المرأة لم يحل لها أن تظهر إلا وجهها، وإلا ما دون هذا وقبض على ذراع نفسه فترك بين قبضته وبين الكف مثل قبضة أخرى)(104).
وعلى ما سبق، فلا مانع من الترخص، كما لا مانع من الأخذ بالقول المرجوح، إذا كان في ذلك تحقق مصلحة كلية، أو دفع مشقة عن الناس.
نوقش ما سبق من وجوه:
الوجه الأول: ضعف هذه الآثار التي أوردتموها(105).
الوجه الثاني: بأنه حتى لو أخذنا بالرأي القائل بجواز كشف المرأة لوجهها، وأنه ليس بعورة، وجواز النظر إليها تبعا لذلك، لامتنع ذلك في حق من تظهر على شاشات التلفاز ونحوها من دور السينما والمسرح وغيره في هذا الزمان، بل مجرد ظهور المرأة في هذه الحالات لا يجوز بحال من الأحوال، وذلك لعدة أمور:
الأمر الأول: أنه ليس من هدي المسلمين بروز النساء في المحافل العامة، خاصة المختلطة منها، فضلا عن بروزهن أمام الرجال للعمل معهن جنبا لجنب، وليشاهدهن آلاف مؤلفة من الرجال الأجانب، بل إن هذا الصنيع بذاته قد يعد من التبرج الذي نهى الله تعالى عنه في قوله: ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى [الأحزاب:33].
قال القرطبي في تفسير هذه الآية: (ذكر الثعلبي وغيره: أن عائشة رضي الله عنها كانت إذا قرأت هذه الآية تبكي حتى تبل خمارها. وذكر أن سودة قيل لها: لم لا تحجين ولا تعتمرين كما يفعل أخواتك؟ فقالت: قد حججت واعتمرت، وأمرني الله أن أقر في بيتي. قال الراوي: فوالله ما خرجت من باب حجرتها حتى أخرجت جنازتها. رضوان الله عليها!.
قال ابن العربي: لقد دخلت نيفا على ألف قرية فما رأيت نساء أصون عيالا ولا أعف نساء من نساء نابلس، التي رمي بها الخليل صلى الله عليه وسلم النار، فإني أقمت فيها فما رأيت امرأة في طريق نهارا إلا يوم الجمعة فإنهن يخرجن إليها حتى يمتلئ المسجد منهن، فإذا قضيت الصلاة وانقلبن إلى منازلهن لم تقع عيني على واحدة منهن إلى الجمعة الأخرى. وقد رأيت بالمسجد الأقصى عفائف ما خرجن من معتكفهن حتى استشهدن فيه)(106).
وقد نص جميع الفقهاء – بمن فيهم من يرى عدم وجوب ستر وجه المرأة – على أنه يحرم على المرأة كشفه إذا خشيت الفتنة، أو كانت مظنونة.
وهذا هدي نساء السلف الصالح؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات فإذا جازوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه.
الأمر الثاني: أن ظهور المرأة على شاشة التلفاز يعسر معه أن تكون خالية من الزينة(107)، وهي محرمة عليها أمام الأجانب.
الأمر الثالث: أن الواقع يشهد أنها تكون سببا لفتنة كثير من الرجال، خاصة في هذا الزمان الذي كثر فيه الفساد والاختلاط. الرابع: قد علق ابن عطية على ما نقل من هذه الأقوال والمرويات المخالفة لقول الجمهور، بقوله: (ويظهر لي بحكم ألفاظ الآية أن المرأة مأمورة بألا تبدي، وأن تجتهد في الإخفاء لكل ما هو زينة، ووقع الاستثناء فيما يظهر بحكم ضرورة حركة فيما لا بد منه أو إصلاح شأن ونحو ذلك، فما ظهر على هذا الوجه مما تؤدي إليه الضرورة في النساء فهو المعفو عنه)(108).
وأجيب بأن نساء النبي لهن خصوصية في أمر الحجاب، يزيد على غيرهن من نساء الأمة، حيث كان يحرم على الرجال النظر حتى لشخوصهن ولو كن محجبات، بخلاف غيرهن(109).
ثم إن الزمن قد تغير، وحاجات الناس اختلفت، ويعسر تطبيق ما كان بحذافيره على الناس في زمننا المعاصر، كما أن ما ورد عن نساء نابلس لا يدل على وجوب ما فعلنه، وإنما هو مزيد احتشام وورع، ومن باب فعل ما هو أولى.
الوجه الثالث: لم يقل العلماء بجواز الأخذ أو العمل بالمرجوح، هكذا على إطلاقه، بل نصوا على أن الأصل وجوب العمل بالقول الراجح، وعدم العمل بالقول المرجوح، لمن علم أنه مرجوح، وأن الأخذ بالقول المرجوح أو العمل به يكون حال الضرورة فقط.
قال الشوكاني: (ومن نظر في أحوال الصحابة، والتابعين، وتابعيهم، ومن بعدهم، وجدهم متفقين على العمل بالراجح وترك المرجوح)(110).
وجاء في الموسوعة الفقهية: حُكْمُ الْعَمَل بِالْمَرْجُوحِ: (قال الزركشي: إذا تحقق الترجيح وجب العمل بالراجح وإهمال الآخر، لإجماع الصحابة على العمل بما ترجح عندهم من الأخبار)(111).
فإذا كان في العمل بالقول المرجوح دفع مضرة، أو حرج، أو تحقيق مصلحة معتبرة شرعًا، فقد ذكر أهل العلم جوازَ العمل به حينئذ.
جاء في فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم، رحمه الله: (إذا ثبتت الضرورة، جاز العمل بالقول المرجوح نظرًا للمصلحة، ولا يتخذ هذا عامًّا في كل قضية، بل الضرورة تقدر بقدرها، والحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا)(112).
وقال أيضًا: (المسأَلة الخلافية إِذا وقعت فيها الضرورة ... جاز للمفتي أَن يأْخذ بالقول الآخر من أَقوال أَهل العلم، الذي فيه الرخصة)(113).
وقال أيضًا: (إذا كان قول مرجوح، وهو الأغلظ لسد باب الشر، فإنه تسوغ الفتوى به)(114).
وأجيب: بأنه قد قال بعض أهل العلم أيضًا: إنه يجوز للمقلد أن يعمل بالمرجوح في حق نفسه، إذا لم يكن في العمل به جمع بين الحل والحرمة.
جاء في حاشية عميرة: (فإن لم يظهر مرجح فللمقلد أن يعمل بأي القولين شاء، ويجوز العمل بالمرجوح في حق نفسه لا في الإفتاء والقضاء إذا لم يجمع بين متناقضين كحل وحرمة في مسألة واحدة)(115).
الدليل الخامس: مشاهدة هذه الأعمال الفنية ونحوها من نشرات إخبارية، وبرامج تربوية، ولقاءات توعوية ثقافية، وقضايا أسرية، ومشكلات طبية أصبح واقعا، وصار مما عمت به البلوى، ولا يسوغ أو لا يمكن منع ذلك كليا، ويعسر الاستغناء عن ذلك قاطبة، فذلك يؤدي إلى الحرج، وهو مرفوع في شريعتنا، كما أنه سينشئ جيلا منعزلا عن واقعه الذي يحياه.
وأيضا كما قال بعض الدعاة: ما يمكن فتحه للناس من أبواب قابلة للفتح، فافتحه قبل أن يكسر. يعني أن واقع الناس هو الذي سيحكم في نهاية المطاف. وهو ما جرى في شأن مشاهدة هذه الأعمال الفنية الهادفة بالفعل(116).
وقد أفتى العلماء بإباحة الدراسة المختلطة في بلاد الكفار أو غيرها درءا لمفسدة شيوع الجهل في أو ساط المسلمين، بينما يتعلم ويتقدم غيرهم. وما ذاك إلا لعموم البلوى باختلاط الرجال بالنساء في أكثر المجتمعات.
فقد جاء في فتاوى الإسلام سؤال وجواب، في كلام عن حكم الدراسة والعمل في الأماكن المختلطة: (... الواجب على المسلم اجتناب الدراسة والعمل في الأماكن المختلطة، إلا أن البلاد التي ابتلي أهلها بوجود الاختلاط في غالب مجالات الحياة، خاصة مراكز التعليم، وأماكن العمل والوظائف، بحيث صار من المشقة الكبيرة على المسلم أن ينأى بنفسه عنها، يُرَّخص لهم ما لا يرخص لغيرهم ممن حفظهم الله من هذه الأمور، خصوصا إذا كان دخولهم إلى هذه الأماكن بهدف تحصيل علم نافع يعود بالمصالح على المسلمين، أو تتعلق به مصلحة راجحة. وهذا الترخيص مبناه على القاعدة الفقهية: أن ما حرم سداً للذريعة يباح للحاجة والمصلحة الراجحة)(117).
وعليه، فالذي ينبغي هو أن يفتى به هنا هو الأصل الذي يقتضي الإباحة، مع وضع الضوابط التي يعان بواسطتها المسلم على تحقيق الاستفادة من هذه الأعمال وتجنب ما يضره فيها. فسماحة الإسلام، ويسر الدين يقتضي ما ذكرنا، وقد نص العلماء كافة على أن المشقة تجلب التيسير، والتشديد يحسنه كل أحد، وإنما الفقه فهو الرخصة من ثقة(118).
نوقش من وجهين:
الأول: لا نسلم بأن مشاهدة تلك الأعمال تندرج فيما عمت به البلوى، لأنها ليست من الضرورات التي يحتاج إليها الإنسان، ويمكنه ألا يتعرض لها أصلا، لأنها ليست داخلة في الأمور المكلف بها.
وقد عرفوا عموم البلوى بأنها عبارة عن: شمول وقوع الحادثة مع تعلق التكليف بها بحيث يعسر احتراز المكلفين أو المكلف منها، أو استغناء المكلفين أو المكلف عن العمل بها إلا بمشقة زائدة تقتضي التيسير والتخفيف، أو يحتاج جميع المكلفين أو كثير منهم إلى معرفة حكمها مما يقتضي كثرة السؤال عنه واشهاره(119).
وقد وضع العلماء شروطا لعد الشيء مما عمت به البلوى، من أهم هذه الشروط: أن يكون عموم البلوى من طبيعة الشيء وشأنه وحاله، لا من تساهل المكلف في التلبس بذلك الشيء، وذكر النووي مثلا لذلك، وهو أنه يشترط للعفو عن النجاسة الجافة إذا دُلِّكَتْ أن تكون مُلابَسَتُهَا بالمشْي من غير تعمُّد، فلو تعمَّد يجب عليه غسل الشيء ولا يجزئه الدَّلْك والفَرْك(120).
الثاني: لا يسوغ القول بأن الواقع المخالف للشرع يحكم به لمجرد صيرورته واقعا، وإنما جاء الشرع ليحكم على أحوال الناس ويضبط لهم عاداتهم، ويصحح واقعهم الذي يخالف منهج ربهم.
ومتى كان الواقع شرعاً في ديننا؟ وهل كل ما فرضه الغرب والشرق والمفسدين وأصبح واقعاً؛ نرضى به ونقره ونضرب بالأدلة والنصوص الشرعية عرض الحائط؟!
الدليل السادس: مشاهدة هذه الأعمال أقل ما فيها أنها من باب الاشتغال بالترفيه والترويح عن النفس، وهو مباح، النظر، ولم يقم دليل قاطع على التحريم، فيبقى الحكم على أصل الإباحة.
يقول الشيخ عطية صقر: (ومما يشهد لجواز مثل هذا النظر، والاستمتاع بمشاهدة المسرحيات والألعاب البريئة، ما رواه البخاري ومسلم عن عائشة رضى الله عنها قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترنى بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون وأنا جارية، فاقدروا قدر الجارية العَرِبَة - المحبة للعب - الحديثة السن. وفي رواية فإما سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم وإما قال "تشتهين تنظرين "؟ فقلت: نعم فأقامني وراءه خدِّى على خده، وهو يقول "دونكم يا بنى أرفدة" حتى إذا مللت قال "حسبك " قلت: نعم، قال "فاذهبى".
وفي تأكيد سماحة الإسلام في- التمتع البريء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبى بكر وهو ينهى الجواري عن الغناء لعائشة يوم العيد "دعهن يا أبا بكر فإنها أيام عيد، لتعلم اليهود أن في ديننا فسحة، وإنى أرسلت بالحنيفية السمحة"(121).
ثم قال: (ولا داعى للقول بأن الرسول صلى الله عليه وسلم أجاز لها مشاهدة لعب الحبشة وسماع الأغاني، لأنها كانت صغيرة غير بالغة، أو أن ذلك كان قبل أن يفرض الحجاب ويُحرم اللهو، فإن ذلك احتمال لا يفيد القطع، وإلا ما كان هناك خلاف للفقهاء في هذه الأحكام)(122).
نوقش من وجهين:
الوجه الأول: قد قامت الأدلة القاطعة على تحريم نظر الرجال للنساء الأجنبيات، وعلى تحريم الموسيقى، وعلى تحريم الاختلاط، وهذه أمور موجودة في أكثر هذه الأعمال. ولا يمكن إلحاقها بوسائل الترفيه عن النفس والترويح المباح.
وأجيب بما سبق ذكره في مناقشة الدليل الأول من أدلة المانعين.
الوجه الثاني: كلام الشيخ عطية إنما هو في نظر المرأة للرجل، وهو يختلف عن نظر الرجل للمرأة، فالأول أخف ويرخص فيه ما لا يرخص في الثاني.
يقول الشيخ ابن باز رحمه الله: (... أما نظر الرجل إلى المرأة فهذا لا يجوز، بل الواجب عليه غض البصر لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما سئل عن نظر الفجأة، قال: (اصرف بصرك). وفي اللفظ الآخر قال: (إن لك الأولى وليس لك الثانية). فدل ذلك إلى أن الرجل، لا ؛ لأن الخطر عليه أكبر، ولأن شهوته أشد، فالفتنة عليه بهذا النظر عظيمة، فليس له أن يديم النظر، وليس له أن يتابع النظر حتى لا يفتن)(123).
الدليل السابع: يمكن أن يقاس ذلك – أعني مشاهدة تلك الأعمال الفنية، مع ما قد يقع مع ذلك من نظر محرم – على المشي في الطرقات لقضاء حاجة أو للتنزه؛ فمع أن كثير من هذه الطرقات فيها من الفتن وتبرج النساء ما فيها، فإنه لم يفت أحد من أهل العلم بحرمة النزول تجنبا لوجود المتبرجات وبعض المعاصي، وإنما يوجه الناس إلى غض البصر، وأن يتقي الله ما استطاع.
كما يمكن أن يدرج ذلك في فتاوى العلماء بالتخفيف والترخص في حق المسلم إذا دخل إلى دور التعليم كالجامعة – وفيها اختلاط وسفور وتبرج، وقد يمنع فيها المسلم من صلاة الجماعة التي يعتقد وجوبها، وقد تمنع المرأة من لبس النقاب الذي تعتقد وجوبه، وغير ذلك من المنكرات– أو إذا التحق بوظيفة ما في نظام فاسد لا يراعي أحكام الشريعة، بنيّة تعلم العلم النافع أو إفادة المسلمين بإعداد الكفاءات المهمة في المجتمع، مع الالتزام الجاد بالضّوابط الشرعية من غضّ البصر وغيرها ما استطاع، ومع العمل على تخفيف الاختلاط وإنكار المنكر شيئا فشيئا، من خلال قوّة واجتماع أهل الحق في هذه الأماكن العامة.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إنما الأعمال بالنيات ..."(124)، فلكل امرئ ما نوى، والإنسان على نفسه بصيرة. وفرق بين من يشاهد هذه الأعمال بقصد التعلم والمدارسة وأخذ العبرة وخدمة الدين، أو الانصراف عما هو شر، فهذا ما نجيز له ذلك، وبين من لا غرض له صحيح، فلا نرى له ذلك، إلا استثناء، وبين من مقصده سيء، وغايته دنيئة، فنحرم عليه ذلك.
ونظير ذلك أن من العلماء من فرق بين السماع العارض للمحرم، ولا قصد له فيه، وبين الاستماع المقصود.
قال الحافظ ابن عبد الهادي رحمه الله، في كلام له على موقف نافع مولى ابن عمر مع الراعي الذي كان يستعمل المزمار: (... وسماع نافع للمزمار لا إشكال فيه، إذ المحرم هو الاستماع لا مجرد السماع عن غير قصد)(125).
نوقش: بأن هناك فرق بين ما تمليه الحاجة والضرورة من النزول للشارع والسير في الطرقات، أو تعلم العلم، والالتحاق بوظيفة طلبا للمعاش، وبين ما جل المقصود منه الترفيه والتسلية لا غير، فالأول لقضاء المصالح ولابد منه، وهو مضطر إليه، والثاني يأتيه من يأتيه باختيار منه، ومن غير حاجة شرعية أو ضرورة حياتية، وكيف يعرض المسلم نفسه ودينه للفتن بهذه السهولة؟!
ثم إن الذي ينبغي أن يفتى به في حال شيوع الاختلاط وانتشار المنكرات وظهور التبرج بروز الفتن إنما هو التحرز من المشي لمجرد التنزه، فالسلامة لا يعدلها شيء! وكيف يسهل على المرء تعريض نفسه للفتن على هذا النحو؟!
الدليل الثامن: ليس كل النظر محرما؛ فقد رخص الشارع في النظر للحاجة، كنظر المعلم، ونظر الطبيب، والنظر عند البيع والشراء، والنظر عند الشهادة. كما أن الشارع رخص في نظر الفجأة.
وقد تقرر فيما سبق جواز نظر المرأة للرجل بلا شهوة، وقد قيل بأن من دون سن التكليف لا حرج عليهم في النظر الذي يحرم على غيرهم من المكلفين، وقد قيل بأن النظر إلى الكافرات غير النظر إلى المسلمات، فيرخص في الأول دون الثاني؛ يقول الإمام سُفيان الثوْري رحمه الله، فيما أورده عنه ابن كثير: " لا بأس بالنظر إلى زينة نساء أهل الذمة وإنما نهى عن ذلك لخوف الفتنة لا لحرمتهن واستدل بقوله تعالى: ونساء المؤمنين وقوله: ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين أي إذا فعلن ذلك عرفن أنهن حرائر، لسن بإماء ولا عواهر " (126).
وعليه فإنه لا يجوز الحكم بالمنع من المشاهدة والتحريم على وجه العموم، مع وجود حالات يجوز النظر فيها(127). بل العدل يقضي بأن يفصل في المسألة، فنجيز النظر في الحالات التي دل الدليل عليها، وحصل الترخيص فيها، ولا يجزم أهل العلم بتحريمها، ونمنعه فيما عدا ذلك.
وما حصل فيه اشتباه من النظر، مما هو من قبيل مسألتنا، فمن الممكن اعتباره جائزا للحاجة؛ إذ هو لحاجة تعليم وتوعية الأمة بواقع المسلمين، وتعرية أعدائها، ومعرفة تاريخ أجدادها وفاتحيها وقادتها على مر العصور بما لا يتيسر لها تعلمه بغير هذا السبيل، خاصة مع استعمال الأعداء لهذا السلاح "الإعلام والفن"، استعمالا سيطروا بواسطته على عقول المسلمين وغيرهم، وقلبوا به الحق باطلا، والباطل حقا. وفي الحرب قد يجوز ما لا يجوز في غيرها(128).
نوقش من وجوه:
الوجه الأول: بالنسبة لقول سفيان فهو قول مردود عند العلماء، ولم يوافق عليه، بل نقل الحافظ ابن حجر الإجماع على خلافه، فقال: (وقد أجمعوا على أن الأجنبية يحرم النظر إليها مؤمنة كانت أو كافرة)(129).
كما أن المعنى والمعقول يقتضي بطلانه، وإلا فأي فرق بينهما، فكلاهما أنثى تفتن الرجل، بل ربما تستحي المسلمة مما لا تستحي منه الكافرة، ولا تتحرج الكافرة مما تتحرج منه المسلمة، فتكون الفتنة منها أشد(130).
وجاء في فتاوى الإسلام سؤال وجواب، ما نصه: (وأما ما روي عن سفيان الثوري رحمه الله من قوله: " لا بأس بالنظر إلى زينة نساء أهل الذمة، وإنما نهي عن ذلك لخوف الفتنة لا لحرمتهن": فلم نقف على إسناده، وقد ذكره ابن كثير في تفسيره (6/ 482) بصيغة التمريض فقال: "وروي عن سفيان". وننبه إلى أن الكفار مخاطبون بالشريعة على الصحيح، وأن غير المسلمة لو تركت الحجاب، فهي آثمة إثما يضاف إلى إثم كفرها)(131).
الوجه الثاني: بالنسبة لمن هم دون سن التكليف فليس الكلام يتعلق بهم، في الأصل، ولكن مع ذلك، فإن الواجب على أوليائهم أمران:
الأمر الأول: ألا يمكنوهم من النظر إلى الحرام، بل يحولوا بينهم وبين ذلك، لئلا يعتادوه عند بلوغهم، وهذا من حسن تعهدهم بالتربية.
الأمر الثاني: ألا يروا المعصية من الكبار، فينشئوا عليها، ولا يستقبحوها بعد بلوغهم، ويحمل هؤلاء الكبار أوزارهم وأوزار من أضلوهم.
الوجه الثالث: ما رخص فيه الشارع في هذا الباب إنما هو ما كان من باب الحاجة الملحة أو الضرورية أو التي تقع المشقة مع تركه، أو يضيع الحق مع منعه.
فأين ذلك من النظر للترفيه والتسلية، ولما ضره أقرب من نفعه؟! وهو النظر لهذه المسلسلات والأفلام ونحوها.
الوجه الرابع: هذه الحاجة منتفية بوجود وسائل المعرفة الكثيرة، وحاجة الأمة للتعليم والتوعية والدعوة والتربية تنقضي بغير ذلك من الطرق الشرعية التي ندعو بها الناس لدين الله، من قراءة واستماع، وحضور مجالس العلم، واستفتاء أهل الفتوى، وغير ذلك من الوسائل المباحة المشروعة التي نعلم الناس بها تاريخ المسلمين، وقصص الغابرين، ومصارع الهالكين، فضلا عن سير الأنبياء والمرسلين، وفقه السلف من الصحابة والتابعين، مما لا نقع بسببه في كراهة أو تحريم، وليس فيه تعرض للفتن.
وعليه، فقياس النظر لهذه الأعمال الفنية على صور النظر للحاجة التي ذكرها الفقهاء لا يسلم، وليس معدودا عندهم في الحاجات الشرعية التي تبيح مثل ها المحظور، بل غايته أنه نظر للترفيه والتسلية، وإن كان لا يخلو من فائدة.
وأجيب: مهما كانت هذه الوسائل، فليست في درجة هذه الأعمال الفنية الدرامية، فليس لها من التأثير ما لتلك، وليس فيها من الجاذبية وأسباب سرعة الانتشار، بحيث يستطيعها كل أحد، ما في هذه الأعمال الفنية التي يمكن أن تصل إلى كل الناس، ويمكن من خلالها أن ندعو مختلف الفئات في المجتمعات المسلمة وغير المسلمة، البعيدة عن الدين، والقريبة منه. والواقع خير شاهد على أن التمثيل يؤثر في النفوس بما لا يؤثر غيره، ويوفر جهود سنين في التعليم والتربية والتوجيه.
يقول الداعية البحريني حسن الحسيني: (وأنا عندي قناعة أن التمثيل أقوى أداة مؤثرة في عقول الناس وقادر على تغيير قناعات البشر وصياغة الرأي العام، فأستطيع أن أطبع مليون نسخة كتاب، ولن يتأثر الناس كما يتأثرون بمقطع مرئي واحد، فهاكم فيلم الرسالة الذي حوى أخطاء تاريخية وشرعية، اسأل أي مركز يدعو إلى الإسلام، ماذا يرون المسلمون الجدد؟ أول ما يرونه فيلم الرسالة، كي يستوعب المسلم تلك المرحلة وما جرى فيها، بل كانت طوابير السينمات في اليابان و أوروبا و أمريكا تصل إلى خارج دور العرض فقط لقص تذكرة مشاهدة فيلم الرسالة، فنحن ينقصنا الإنصاف يا أخوة، فالله أنصف الخمر (فيها منافع للناس)، فهذه الأعمال وإن كانت حوت مخالفات شرعية فإنها جلبت مصالح كبيرة و خيرا عظيما)(132).
هذا فضلا عن أن لكل زمان ما يختلف به عن غيره، ولكل جيل ما يشغله، والفتوى قد تتغير بتغير الزمان والمكان والأحوال، ويكفي تدليلا على ذلك واقع الناس، وشدة الإقبال الجماهيري على هذه الأعمال أكثر من غيرها.
كما يؤيد ذلك ضعف همم الناس فيما يتعلق بالقراءة وطلب العلم الشرعي، ومحاربة أكثر الأنظمة القائمة للقاءات المساجد، وحلق العلم، ومعسكرات الشباب، وعمل الجماعات الدعوية، وتضييقها الخناق على أصحاب هذا الاتجاه، كما هو معروف، مما يستلزم شيء من الترخص لإيجاد البديل الممكن.
الوجه الخامس: لا يدخل ذلك في ترخيص الشارع في نظر الفجأة؛ إذ إن هذا النظر لهذه الأعمال الفنية يكون متعمدا، خاصة مع العلم بتكرار المناظر التي تعرض للمرأة بين الفينة والفينة.
وقد ورد في فتاوى الشبكة هذا السؤال: (نتابع الأخبار أحيانا على قنوات الجزيرة والعربية، وتظهر المذيعات بلباس غير شرعي من تبرج وملابس ضيقة .......إلخ أنا الحمد لله أغض بصري كلما تقع عيني على المذيعات وغيرهن (أسألكم بالله أن تدعو لنا بالثبات)، ولكن المشاهد تتغير بسرعة، فبينما أتابع مشهدا معينا تظهر المذيعة فتقع عيني عليها، ولكن سرعان ما أغض بصري، والحمد لله، وهكذا دائما. فهل بما أني أغض بصري يجوز لي متابعة الأخبار على مثل هذه القنوات؟ مع العلم أني أثناء مشاهدتي لخبر ما قد تظهر المذيعة في أي لحظة).
وكان الجواب: (مشاهدة المذيعات المتبرجات في التلفاز أمر محرم، أما في هذه الحالة التي تسأل عنها فإنا نقول لك: السلامة لا يعدلها شيء، وما دمت تتوقع في كل لحظة رؤيتك لهذه المذيعة المتبرجة، وأنت تستمع للنشرة، فعليك حينئذ أن تترك مشاهدة هذه الشاشة، فالعلماء قد نصوا على أن الأمر المباح إذا كان ذريعة قوية للمحرم، فإنه يكون ممنوعا لا لذاته، وإنما لما يؤدي إليه من المحظور. ورؤيتك لهذه النشرات وإن كان الأصل فيها الإباحة إلا أنه لما كانت وسيلة إلى مواقعة المحظور، فإن النظر الفقهي يقتضي حينئذ المنع والحظر)(133).
وأجيب: على التسليم بأن ذلك النظر لا يدخل في ترخيص الشارع في نظر الفجأة، لكن ينبغي قياس الأمر باعتبار المصالح والمفاسد الكلية، لا باعتبار نص جزئي يتعلق بحكم شرعي معين، كالنظر.
الترجيح
الذي نرى أن الترجيح في هذه المسألة ينبني على كنه وماهية المادة المعروضة (العمل الفني)، واختلاف أحوال المشاهدين، وأنه لا يمكن أن نحكم بحكم واحد على هذه الأعمال، وإنما من الممكن أن نضع ضوابط يستقيم بها الأمر، وتتوجه وتصح معها الفتوى. وهو ما سنبينه من خلال الفتاوى الآتي ذكرها والتوصيات.
مع الأخذ في الاعتبار أن الواقع يشهد بأن أكثر المعروض من هذه الأعمال الفنية: "الدينية" منها والتاريخية، فضلا عن غيرهما، لا يخلو من وجود محظورات وإخلال بالضوابط التي يمكن أن يفتى معها بالجواز، مما أضعف أدلة المبيحين أحيانا، أو جعل بعضها يبدو لا يخلو من تكلف، ومصادم لأدلة صريحة عند المانعين.
وأكثر هذه المحظورات، وربما أخطرها – في نظري – ما يتعلق منها بظهور المرأة، ومصداقية الممثلين، وصدق الأحداث أو صحة التاريخ، وكذلك الزمن أو عدد الحلقات التي تتشكل منها المسلسلات – مثلا – حيث يطول ذلك أحيانا بصورة مبالغ فيها، مع ما يترتب على ذلك من إهمال كثير من الناس " المتابعين " لكثير من الواجبات الأخرى.
فتاوى هامة:
ونسوق هنا جملة من فتاوى العلماء الثقات المرضيين، ومجامع الفتوى المشهورة الموثوقة في هذا الشأن، تتمثل فيها هذه الضوابط التي أشرنا إليها آنفا، وخلال البحث، لتكون عونا للمسلم على أن يتبنى موقفا تطمئن له نفسه، ويرضي به ربه، ويكون على بينة من أمره؛ ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيي عن بينة.
ثم نتبع هذه الفتاوى بتوصيات هامة في متابعة ومشاهدة هذه الأعمال، لمن اختار ذلك.
أولا: الفتاوى
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله، عن حكم مشاهدة التليفزيون، فأجاب: (مشاهدة التلفاز خطيرة جدا، وأنا أوصي بعدم مشاهدته وعدم الجلوس عنده مهما أمكن، لكن إذا كان المشاهد له عنده قوه يستفيد من الخير، ولا يجره ذلك إلى الشر فلا مانع إذا كان عنده قوة يعرفها من نفسه، فيسمع الشيء الطيب ويستفيد منه ويبتعد عن الشيء الخبيث)(134).
وجاء في كتاب فتاوى إسلامية لمجموعة من العلماء جوابا عن حكم مشاهدة التلفاز: (مشاهدة التليفزيون بدون اقتناء على ثلاث أقسام:
(1) مشاهدة ما فيه منفعة دينية أو دنيوية فهذا لا بأس بها إلا أن يتوصل بها المشاهد إلى شيء محرم مثل أن تتمتع المرأة بالنظر إلى مقدم البرامج فيكون بذلك فتنة.
(2) مشاهدة ما فيه مضرة في الدين فهذا حرام لأن الواجب على المؤمن أن يحمي دينه عما يضره.
(3) مشاهدة ما لا ينفع ولا ضرر من اللغو الذي لا يليق بالمؤمن الحازم أن يضيع وقته بمثلها)(135).
وسئل الشيخ عطية صقر عن حكم مشاهدة التلفزيون، فأجاب: (التلفزيون هو جهاز الرؤية من بُعد، ينقل الصوت والصورة معا، بل ينقل الصورة متحركة كأنها حية، وهو يعرض أمورا متعددة، كما يذيع الراديو مواد مختلفة قد يصعب على الكثيرين الحصول عليها لو لم تكن هذه الأجهزة: فما كان من هذه الأمور والمواد حلالا في أصله، ولم يؤثر تأثيرا سيئا على العقيدة أو الأخلاق، ولم يترتب عليه ضياع واجب كان السماع حلالاً والمشاهدة أيضا حلالا، وما خالف ذلك كان ممنوعا يتحمل تبعته المذيعون والمستقبلون(136).
وجاء في موقع الإسلام سؤال وجواب: السؤال: ما حكم مشاهدة أفلام الفيديو عامة، والأفلام التي تسمى وثائقية؟
والجواب: (مشاهدة الأفلام إن تضمنت النظر إلى ما هو محرم، كمشاهدة العورات، ومتابعة الفجور، أو استماع ما هو محرم كالموسيقى والفحش، فلا شك في تحريم المشاهدة حينئذ. وإن خلت الأفلام من ذلك، فلا حرج في مشاهدتها، بشرط ألا تلهي عن ذكر الله تعالى، وألا تصرف عن واجب، ولا فرق في ذلك بين الأفلام الوثائقية وغيرها)(137).
وورد فيها أيضا: السؤال: (في الآونة الأخيرة ظهر مقطع فيديو لامرأة تموت وهي تزني، وطبعا المقطع كله مظلل ومغطى لا يظهر منه شيء سوى وجهها وهي تخرج منه الروح، فهل يجوز مشاهدة ذلك للعظة والعبرة ونشره - مع العلم أنه منتشر في أغلب المنتديات -؟ وما حكم مشاهدة ما يشبهها مثل حوادث السيارات للعظة والعبرة وما يعرض في التلفاز من مآسي وزلازل وسقوط أناس من أعلى الجبل وموتهم أو وقوع سور الإستاد أو سقوط الطائرات وتفجرها أو خروج الأرواح من سوء الخاتمة كحوادث السيارات المباشرة في وقتها أو المعروضة على شريط فيديو ومسجلة؟.
والجواب: (لا يجوز إظهار المرأة على مقاطع فيديو ونشرها على الناس بحجة أنها مؤثرة، ومن المعلوم أن المرأة عورة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المرأة عورة) رواه الترمذي (1173) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
فلا يجوز النظر إليها - عيانا أو على صورة -، ولم تستثن الشريعة إلا ما كان لحاجة أو ضرورة كالنظر إلى المخطوبة، وعند الشهادة والعلاج، ونحو ذلك. وهذه المقاطع المؤثرة وخاصة تلك التي تكون في أوضاع سيئة كالمقطع الوارد في السؤال، أو ما نشر من خسف صالة فيها رقص نساء ورجال وشرب خمور، كل ذلك لا يبيح نشره ولا النظر إليه، ومن أبى إلا هذا الفعل فليطمس صورة المرأة كاملة.
وأما ما ينشر من حوادث الطرق أو التفجيرات أو الزلازل وما يشبهه فيجوز للعبرة والعظة على ألا يشتمل على صور نساء أو كشف عورات. ونرى أن يحرص المسلم على التذكير والتخويف بالقرآن والسنة الصحيحة، ولا مانع من استعمال القصة في الموعظة على أن يتجنب القصص المكذوبة، أو تلك التي قد تكون سببا لإثارة الشهوات)(138).
وورد في فتاوى الشبكة الإسلامية السؤال: ما حكم مشاهدة الأفلام، مثل مريم القديسة وأصحاب الكهف؟
والجواب: (لا يجوز تمثيل مريم عليها السلام، فهي صديقة، مصطفاة على نساء العالمين بنص القرآن، وذهب جماعة من أهل العلم إلى القول بأنها نبية. وكذا لا يجوز تمثيل أصحاب الكهف ولا الأئمة الأعلام، كأحمد وأبي حنيفة ومالك والشافعي، لما في ذلك من تضمن الانتقاص لهم، إذ لا يوجد في أهل التمثيل من يصلح أن يحاكي هؤلاء ويظهر باسمهم.
هذا عن التمثيل، أما مشاهدة ذلك، فإن خلا من المحرمات، كالموسيقى وظهور عورات النساء ونحو ذلك، فلا نرى حرجا في مشاهدته، وإن كان الأولى ترك ذلك، إلا أن يكون في ذلك ترويج ودعاية له، كما هو الحال في القنوات التي تتمكن من إحصاء المشاهدين لأفلامها وبرامجها، فتحرم المشاهدة حينئذ لهذا العارض وهو الترويج والدعاية للمنكر)(139).
وفيها أيضا: السؤال: ما حكم مشاهدة المسلسلات العربية؟
والجواب: (فالمسلسلات عربية كانت أو غير عربية لا يخلو مسلسل منها من الموسيقى والمعازف المحرمة، كما أنها لا تخلو في الغالب من متبرجات كاشفات حاسرات عن رؤوسهن أو شعورهن، واضعات للمكياج والأصباغ وسائر أنواع الزينة مما لا يجوز أن تظهر به المرأة أمام الرجال الأجانب عنها، وإنما يختص جواز ذلك بالزوج أو المحارم.
وقد يكون الدور التمثيلي يقتضي الاختلاط كمن يمثل دور أب لفتاة فإنه يعاملها وكأنها ابنته رغم أنها أجنبية عنه، فربما صافحها، أو عانقها…وكذلك الأمر بالنسبة للمرأة حينما يكون دورها ابنة، أو أختا أو أما أو زوجة، فيحصل النظر المحرم من الطرفين، واللمس والتقبيل، وغير ذلك مما لا يجوز.
هذا ومن المعلوم أن أصحاب هذه المسلسلات يختارون - في أغلب الأدوار - أجمل النساء وأجمل الرجال بغرض الإثارة والتشويق، مما يكون له الأثر السيئ على المشاهد، حيث وجد الكثير ممن يتعلقون ببعض الفنانين أو الفنانات لجمال الهيئة، فضلا عمن يتخذ هؤلاء قدوة له في حياته. فعمل هؤلاء محرم، وهم بعملهم هذا ممن يزين الفاحشة ويحب أن تشيع في المجتمع، ومشاهدة هذه المسلسلات محرم قطعا، ولا يسع مسلما ولا مسلمة يؤمن بالله واليوم الآخر أن يجلس إلى شاشة التلفاز في وقت تعرض فيه هذه البرامج.
ولا يجوز له السماح بمشاهدتها لمن تحت يده من أهل وذرية، بل الواجب على المسلم غض البصر عما حرم الله، لقوله تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن) [النور: 30- 31]، وأن يقي نفسه وذريته أسباب الانحراف وطرق الرذيلة والفاحشة)(140).
كما صدرت فتوى هامة من لجنة الفتوى بالأزهر عن حكم تمثيل الشخصيات الإسلامية، وهذا نص السؤال مع الفتوى:
السؤال: ما حكم الشريعة الإسلامية فيمن يمثل الشخصيات الآتية على شاشة التليفزيون:
1 - الصحابة، وهل منهم من يجوز ظهور من يمثله علما بأن بلالا قد ظهر من يمثله في فيلم ظهور الإسلام وخالد بن الوليد في فيلم خالد بن الوليد.
2 - بنات النبي صلى الله عليه وسلم.
3 - أبا طالب ممن لم يثبت إسلامهم، وكان لهم عون أكيد للنبي صلى الله عليه وسلم في دعوته، وكذلك التابعين وتابع التابعين.
4 - مسلمين ومسلمات لم تثبت صحبتهم للرسول، وعلى الأخص طالب بن أبي طالب؟
الجواب: إن التمثيل في ذاته وسيلة ثقافية سواء كان على المسارح أو الشاشة أو التلفزيون فإن كثيرا من وقائع التاريخ، وأحداث السياسة ومواقف الأبطال في ساحات الجهاد، والدفاع عن الأوطان ينبغي أن يتجدد ذكرها وينادى بها لتكون فيها القدوة الحسنة للأجيال الحديثة، وخير وسيلة لإحياء تلك الذكريات أن يكون القصص عنها بتمثيلها تمثيلا واقعيا غير أن التمثيل قد يتجاوز الأهداف الجدية، ويتخذ وسيلة للترفيه الممنوع، وبث الدعاية نحو أغراض غير كريمة، وخاصة فيما يتعلق بالتاريخ حول شخصيات من السابقين، والتاريخ يكون مشوبا بما يحتاج إلى تمحيص من العصبيات.
وبما أن السابقين من الصحابة رضي الله عنهم لهم مقام كريم، وشأن خاص بين جماعة المسلمين، وبما أن تمثيلهم على المسارح أو الشاشة قد ينحرف بهم إلى ما يمس بشخصياتهم أو عن تاريخهم الحق لما يتعرضون له أحيانا من أكاذيب القصاصين أو أهواء المتعصبين لبعض ضد البعض الآخر من جراء الفتن والخلافات التي قامت حولهم في أزمانهم وانقسام الناس في تبعيتهم إلى طوائف وأشياع بسبب الدسائس بينهم؛ فإن اللجنة إزاء هذه الاعتبارات تفتي بما يأتي:
أولا: عدم جواز ظهور من يمثل كبار الصحابة كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي والحسن والحسين ومعاوية وأبنائهم -رضي الله عنهم جميعا- لقداستهم ولما لهم من المواقف التي نشأت حولها الخلافات وانقسام الناس إلى طوائف مؤيدين ومعارضين . . أما من لم ينقسم الناس في شأنهم كبلال وأنس وأمثالهما فيجوز ظهور من يمثل شخصياتهم بشرط أن يكون الممثل غير متلبس بما يمس شخصية من يمثله.
ثانيا: عدم جواز ظهور من يمثل زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وبناته؛ لأن حرمتهم من حرمته عليه الصلاة والسلام، وقد قال الله تعالى في شأن نسائه: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ) [سورة الأحزاب الآية 32] وبناته بذلك أولى.
ثالثا: من لم تثبت صحبته من الرجال المسلمين، وكذلك التابعين وأتباعهم لا مانع من ظهور من يمثل شخصياتهم متى روعي في التمثيل ما من شأنه ألا يخل بكرامة المسلم، وأما النساء المسلمات فيجب الاحتياط في تمثيلهن أكثر مما يحتاط في تمثيل الرجال المسلمين الذين لم تثبت صحبتهم، وعلى المرأة التي تقوم بالتمثيل ألا يوجد مع تمثيلها اختلاط بأجنبي عنها من الرجال، ولا يصحبه كشف ما يحرم كشفه من جسمها، ولا يكون معه تكسر في صوتها، ولا حركات مثيرة للغرائز، ولو مع ستر الجسم، إذا كان الأمر كذلك فلا حرمة في التمثيل خصوصا إذا كان التمثيل لغرض علمي يعود على الأفراد والأمة بالفائدة.
وأما إن صحبه اختلاط بالرجال الأجانب أو كشف ما لا يحل كشفه من جسمها أو وجد معه تكسر في صوتها أو حركات مثيرة للغرائز بجسمها ولو مع ستره أو كان لباسها يحدد مفاتن جسمها فإن التمثيل حينئذ يكون محرما على من تقوم بهذا التمثيل.
رابعا: من لم يثبت إسلامه كأبي طالب وغيره ممن له عون أكيد في دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام ونصرته لا مانع من ظهور من يمثله إذا روعيت صلة عودته للنبي عليه الصلاة والسلام بحيث لا يكون في تمثيله ما يخدش مقامه تقديرا لما كان منه نحو الرسول عليه السلام من مناصرة وعون أكيد)(141).
هذا، وقد اقترح بعض الدعاة المعاصرين تمثيل الخلفاء الأربعة بتقنية الثري دي كما في تقنية بعض الأفلام الحديثة، قال: وبذلك نخرج من دائرة الإشكال في أن يمثلهم شخص هو دونهم، ويمثل لاحقاً في مسلسل آخر وقد حمل المشاهدون صورة ذهنية لدوره كصحابي، فلا ترتبط صورة الصحابة بالممثلين(142).
وورد في فتاوى الشبكة الإسلامية: السؤال: ما هو حكم من يمثل دور الكافر في الأفلام الدينية أو الأفلام الأخرى؟ وهل يكفر، لأنه نطق كلمة الكفر عالما مختارا؟ وما هو حكم من يترجم أو يدبلج برامج الكفار وأفلامهم علما أنها تحتوي غالبا على الكفر؟.
والجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجواز التمثيل مشروط بخلوه من المحاذير الشرعية، ومنها ألا يتلفظ بالكفر، كما جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي عند الحديث عن تمثيل الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ وفيه: وقد يتضمن ذلك أن يمثل بعض الممثلين دور الكفار ممن حارب الصحابة أو عذب ضعفاءهم، ويتكلمون بكلمات كفرية كالحلف باللات والعزى، أو ذم النبي صلى الله عليه وسلم وما جاء به مما لا يجوز التلفظ به ولا إقراره. اهـ.
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة: إذا كانت تلك المسرحيات التي تمثل مؤتمرا أو محفلا ماسونيا صهيونيا يخطط صاحبه لهدم الإسلام مشتملة على ما ذكر من تكلم بعض من يمثلهم بكلمة الكفر أو نحوها من المنكر من أجل تصوير واقع ذلك المؤتمر أو المحفل، كأنه مشاهد، يرى رأي العين حتى تتضح حقيقته للحاضرين، فالمسرحية أو التمثيل على هذا الوجه لا يجوز، بل هو منكر، ولو قصد به تحقيق الهدف المنشود من ذلك التمثيل؛ فإن بيان الحق وكشف حقيقة مؤامرات المؤتمرين وإيضاح هدفهم ومنازع كيدهم للإسلام والمسلمين لا يتوقف على ذلك التمثيل وتلك المسرحيات، بل من السهل تمامه بدون هذه الوسائل المنكرة، فلا ضرورة إليها، مع كثرة وسائل البيان، وإقامة الحجة ودحض الباطل، وكشف ما يبيته أعداء الإسلام للمسلمين والعمل على إحباطه، وعلى هذا لا يكون ذلك الهدف الطيب مبررا للتشبه بأولئك الكافرين بالتمثيل، وإقامة تلك المسرحيات، ولا للتكلم بالمنكر من القول، ككلمة الكفر ولو هازلا أو حسن القصد، لإمكان الوصول إلى المقصود من غير هذه الوسيلة.اهـ.
وأما حكم من ينطق بكلمة الكفر في مثل هذه الأدوار التمثيلية، وهل يعد ذلك من الكفر المخرج من الملة، فقد سئل الشيخ ابن عثيمين عن هذا، فقيل له: الممثل في بعض الأفلام يقول كلمة الكفر وهو قاصدها، وقد يسجد للصنم؟ فقال: نرى أنه ليس بالجائز، ولكن لا يكفر. اهـ.
وبيَّن الشيخ ذلك أيضا في تفسير سورة البقرة عند قول الله تعالى: أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ {البقرة: 266}.
فقال: هل يجوز ضرب المثل بالفعل، وهو ما يسمى بالتمثيل؟ الجواب: نعم، يجوز لكن بشرط ألا يشتمل على شيء محرم ولنضرب لذلك أمثلة للأشياء المحرمة في التمثيل ـ فذكر بعضها ومنها: أن يتضمن تمثيل دَور الكافر أو الفاسق، بمعنى أن يكون أحد القائمين بأدوار هذه التمثيلية يمثل دَور الكافر أو دَور الفاسق، لأنه يخشى أن يؤثر ذلك على قلبه: أن يتذكر يوماً من الدهر أنه قام بدور الكافر، فيؤثر على قلبه، ويدخل عليه الشيطان من هذه الناحية.
لكن لو فعل هل يكون كافراً؟!
الجواب: لا يكون كافراً، لأن هذا الرجل لا ينسب الكفر إلى نفسه، بل صور نفسه صورة من ينسبه إلى نفسه، كمن قام بتمثيل رجل طلق زوجته، فإن زوجة الممثل لا تطلق، لأنه لم ينسب الطلاق إلى نفسه، بل إلى غيره.
وقد ظن بعض الناس أنه إذا قام بدور الكافر فإنه يكفر، ويخرج من الإسلام، ويجب عليه أن يجدد إسلامه، واستدل بالقرآن وكلام أهل العلم، أما القرآن فاستدل بقوله تعالى: ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم ـ وهؤلاء القوم يدعون أنهم يخوضون، ويلعبون، يعني: على سبيل التسلية ليقطعوا بها عناء الطريق، ويقول أهل العلم: إن من أتى بكلمة الكفر ولو مازحاً فإنه يكفر، قالوا: وهذا الرجل مازح ليس جادّاً.!!
فالجواب أن نقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثلاث جِدّهن جِدّ وهزلهن جد: النكاح، والطلاق، والرجعة ـ فلو قال الرجل لزوجته: أنت طالق يمزح عليها فإنها تطلق، فهل تقولون: إذا قام الممثل بدور رجل طلق امرأته فإنها تطلق امرأته؟ سيقولون: لا، وكلنا يقول: لا، والفرق ظاهر، لأن المازح يضيف الفعل إلى نفسه، والممثل يضيفه إلى غيره، ولهذا لا تطلق زوجته لو قام بدور تمثيل المطلِّق، ولا يكفر لو قام بدوره تمثيل الكافر، لكن أرى أنه لا يجوز من ناحية أخرى، وهي أنه لعله يتأثر قلبه في المستقبل، حيث يتذكر أنه كان يوماً من الدهر يمثل دور الكافر، ثم إنه ربما يعَيَّر به فيقال مثلاً: أين أبو جهل؟! إذا قام بدوره.اهـ.
وقد ذكر الشيخ نحو ذلك في رسالة: تعاون الدعاة وأثره في المجتمع وفي: لقاءات الباب المفتوح.
والقول بالحرمة يكفي للزجر عن مثل هذا، وأعظم منه أن يختلف في كفر من فعل ذلك، فينبغي الحذر والتحذير من النطق بكلمة الكفر أو الإتيان بالأفعال الكفرية، ولو تمثيلا.
وأما بخصوص الترجمة، فقد سبق لنا بيان أن الترجمة كالكتابة ابتداء، فكل ما لا يجوز للمسلم كتابته من العبارات لا يجوز له ترجمته. والله أعلم(143).
وأجاب د/ يوسف القرضاوي على أسئلة أرسلها له د/ طارق السويد(144)، زمن تأسيس قناة الرسالة، ننقل منها، مع ما لنا على ما جاء فيها من تحفظات؛ أولا: من باب الأمانة العلمية في البحث، وعرض القول والقول الآخر، واطلاع القارئ على جوانب الخلاف كما هي. ثانيا: لأنها لا تخلو من أهمية، وتحتوي على فكرة يجب أن توضع في الاعتبار، ومنهج يجب أن ينظر في مسألة كهذه.
أ- السؤال:
كمقدمة برنامج أو كمضيفة في برنامج أو كمشاركة من الجمهور وكممثلة في فيلم أو مسلسل أو مسرحية (نظرا لعدم توافر المواد) مع التزامنا بضوابط الاحتشام وعدم الابتذال وإثارة الغرائز!! ما هو رأيكم حول ظهور المرأة غير محجبة ولكنها محتشمة (بمعنى لا تثر الغرائز أو تخضع بالقول أو نحو ذلك) في برامج متخصصة اجتماعية أو طبية أو علمية ... وما في حكمها حيث أن وجودها أحياناً قد يكون لبيان رأيا علمياً متخصصا أو نحو ذلك كما في برامج المرأة والطفل مثلاً وذلك نظراً لعدم توافر البديل المناسب مع التزامها بالاحتشام الكامل؟
الجواب: عن ظهور المرأة في البرامج والدراما، مثل: أن تكون مقدمة برامج، أو ضيفة فيه، أو مذيعة أخبار، أو مشاركة من الجمهور، أو ممثلة في فيلم أو مسلسل.. الخ. هل يجوز ظهورها غير محجبة، ولكنها محتشمة، ... الخ؟
نحن هنا نُقِر أمرين مهمين: الأول: إنه لا يمكن لقناة تليفزيونية أن تستغني عن المرأة تماما، إلا إذا استغنت عن نصف المجتمع. فالمرأة جزء من الحياة البشرية، كما قال تعالى: {بعضكم من بعض} آل عمران: 195.
ومنذ خلق الله آدم أبا البشر، خلق له من نفسه –أي من جنسه– زوجا ليسكن إليها، وقال له: اسكن أنت وزوجك الجنة، وألزمهما معا بأول تكليف إلهي {ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين} البقرة:35.
وقد رأينا المرأة في قصص الأنبياء: بعد آدم، نوح وإبراهيم ويوسف وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة السلام. ولذا لا يتصور أن تخلو الحياة من المرأة إلا استنكافا واعتسافا.
والأمر الثاني: أننا إذا أردنا أن ندخل معترك الإعلام، ونُقِيم لنا إعلاما ملتزما ينافس إعلام الآخرين، بل يتفوق عليهم، فلا بد أن نتبنى في فقهنا الإسلامي أصلين أساسيين أراهما ضروريين:
الأصل الأول: التيسير. لا بد أن نتبنى التيسير لا التعسير، والتبشير لا التنفير، وبعض الأخوة ينكرون هذا ويقولون: نحن مع الدليل، سواء جاء باليسر أو بالعسر.
وأنا أقول لهم: إن التيسير منهج نبوي، أمر به النبي الكريم أبا موسى ومعاذا حين أرسلهما إلى اليمن، وأمر به الأمة كلها فيما رواه أنس عنه "يسروا ولا تعسروا " فلا بد أن يكون لهذا التيسير معنى. وقد قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه، حين همُّوا بالصحابي الذي بال في المسجد: "لا تزرموه (أي لا تقطعوا عليه بوله) وصُبّوا عليه ذنوبا من ماء، فإنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين" رواه البخاري وغيره عن أبي هريرة.
ومعنى هذا: أنه لو كان هناك قولان متكافئان أو متقاربان أحدهما أحوط، والآخر أيسر، فبماذا نفتي عموم الناس؟ أما أنا فأفتيهم بالأيسر، وخصوصا في عصرنا، الذي رَقّ فيه الدين، وقَلّ فيه اليقين. ودليلي على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم (ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما).
ولا شك أن الفقهاء يتفاوتون في التشديد والتيسر، فمنهم من يتمسك بحرفية النص، ومنهم من ينظر إلى مقصوده، ومنهم من يتوسع في الأخذ بالرخص، ومنهم من يُضَيِّق، وقد عرف تراثنا شدائد ابن عمر، ورخص ابن عباس.
وأرى أن الإعلام خاصة أحوج ما يكون إلى فقه التيسير، فإذا كان هناك من يُشَدِّد ويقول: الوجه عورة، فعلى الفقه الإعلامي أن يأخذ بقول من يقول: الوجه ليس بعورة. وإذا كان هناك من يُحَرِّم التصوير، فلا بد لنا من ترجيح القول بجواز التصوير الفوتوغرافي والتلفزيوني وغيرهما. وإذا كان هناك من يُحَرِّم الغناء بآلة أو بغير آلة، وهناك من يجيزه بشروط فلا بد لنا أن نرجح جوازه بشروط. وهكذا.
الأصل الثاني: هو (التدرج) والتدرج: سنة كونية، وسنة شرعية، ولا يمكن أن نُوجد إعلاما إسلاميا يحقق الأهداف، ويُشْبع طموحات المؤمنين، بغير أن نُعد له القوة، ونهيئ له الأسباب، ومنها الطاقات أو (الكوادر) البشرية الفنية المتخصصة والمدربين، وهذا يحتاج إلى زمن طويل، وإلى أعداد كبيرة من البشر، وإلى أموال غزيرة تجند لتهيئتهم للقيام برسالتهم المتنوعة والمتعددة.
ونحن نعلم كيف تدرجت تعاليم الإسلام وأحكامه، في فرض الفرائض، وتحريم المحرمات، ولعل تحريم الخمر على مراحل من أوضح ما يذكر هنا. فلماذا ننسى هذا في إقامة مجتمع إسلامي معاصر قادر على منافسة المجتمعات المتقدمة، مع المحافظة على أصوله وقيمه ومعتقداته وشرائعه؟!
بناء على تقرير هذين الأصلين: التيسير والتدرج، لا أرى مانعا من استخدام المرأة غير المحجبة في غير تقديم البرامج؛ لأن مقدمة البرامج موظفة أساسية في القناة أما الأمور الأخرى فلا مانع منها، إذا لم تكن متبرجة ولا مبتذلة، ولكنها تلتزم بالحشمة المعقولة.
وهذا بحكم الضرورة، أو الحاجة التي تنزل منزلة الضرورة، وللضرورات أحكامها، ولكن ما أبيح للضرورة يقدر بقدرها، وما ألحق بالضرورات من الحاجات – خاصة كانت أو عامة – يأخذ حكمها. وهذا من فضائل هذه الشريعة.
على أن تسعى القناة ما أمكنها للبحث عن المحجبات والملتزمات، كلما وجدت إلى ذلك سبيلا، فهي تتعامل مع الواقع، مع السعي في إصلاح الحال(145).
ب- الموضوع الثاني: عن الموسيقى:
السؤال: ما هو رأيكم في استخدام الموسيقى بما يسمى إيقاعات الشاشة المصاحبة للبرامج والفواصل الإعلانية وما في حكمها مما يعرف بهوية القناة أسلوبها؟
ما هو رأيكم في استخدام الموسيقى المصاحبة لأغنية تعتزم القناة اصدارها عن الرسالة للتعريف بها وبهويتها وبقيمها ورؤيتها للتعريف بها وتوصيل معاني وقيم أصيلة؟
ما هو رأيكم في استخدام الموسيقى في البرامج والأفلام الدرامية والوثائقية وما في حكمهم؟
ما رأيكم في استخدام الموسيقى في النشيد أو الأغنية الإسلامية أو الفيديو كليب الإسلامي والأغنية الوطنية التي تحث على الحماسة الإسلامية والوطنية وتساعد على الترويح عن النفس؟
الجواب: هذا موضوع له حساسيته خاصة لدى المتدينين، وقد شاع فيه التشدد من قديم، مع العلم بأنه لا يوجد في كتاب الله أي نص من سوره المكية أو المدنية يشير إلى التحريم من قريب أو بعيد.
وما جاء في السنة، فلا يخلو من كلام في ثبوته أو في دلالته، ولا يعقل أن يترك الشارع الحكيم أمرا مثل هذا يمس حياة الناس الوجدانية والترويحية، وتشترك فيه جميع الأمم شرقا وغربا، دون أن يبين الحكم فيه (بيانا شافيا) كما كان الصحابة يرجون أن ينزل الله في الخمر بيانا شافيا حتى نزلت آية سورة المائدة الحاسمة.
ولكن ما استخدم من الموسيقى لإثارة الغرائز والشهوات الدنيا، كما نرى في بعض ألوان الموسيقى الغربية الصاخبة، التي تجعل هواتها أشبه بالمجانين! فهذه لا يقول فقيه بإباحتها.
أما استخدام الموسيقى فيما ذكر في السؤال في بنوده: 1، 2، 3، 4 فلا أرى بأسا في استخدامها، لأنها من لوازم التأثير المطلوب والمحمود في المشاهد، ومن ضرورات تميز القناة عن غيرها بإيقاعها وتأثيراتها، ومن ضرورات إتقان العمل الفني والإعلامي.. ونحن مأمورون أن نُحسن أعمالنا التي نكلف بالقيام بها، كما في الحديث الصحيح: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء"(146)).
ثانيا: التوصيات
وبعد عرض ومناقشة أدلة الفريقين المبيحين والمانعين، وعرض هذه الفتاوى المتعلقة بالموضوع، يمكن أن نخلص إلى ما نراه صوابا في حكم مشاهدة الأعمال الفنية، ونوصي بما يلي:
- يحرم متابعة كل ما يغلب على مادته وموضوعه جانب اللغو والباطل ويصد عن ذكر الله وعن الصلاة، ولا فائدة منه، ولا طائل من ورائه، بل ربما يحض على الرذيلة، ويسهل سبل المعصية، أو يضيع معه وقت المسلم هباء، أو يوقع في الإعجاب بأهل الفسق والفجور، والكفر والإلحاد. وهذا كما أشرنا في مقدمة البحث متفق عليه بين أهل العلم، وخارج عن محل النزاع.
- على المسلم أن يستحضر أن السلامة لا يعدلها شيء، وأن من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن هنا جاء توجيه العلماء، كالشيخ ابن باز، بالوصية بعدم مشاهدته التلفاز وعدم الجلوس عنده مهما أمكن، لكن إذا كان المشاهد عنده قوة، يعرفها من نفسه، فيقدر على أن يستفيد بما فيه من الخير، ولا يجره ذلك إلى الشر، ويبتعد عن الشيء الخبيث، فلا مانع منها حينئذ.
- يحرم متابعة ومشاهدة الأعمال التي تشتمل على تبرج وكشف عورات قد تؤدي إلى فتنة، أو الغالب معها حصولها، لكون المشاهد قليل الديانة، أو في سن سريع التأثر، كالمراهق، أو لكون العمل المعروض فيه تساهل كبير، وترخص فج.
- إن احتاج المسلم لمتابعة هذه الأعمال، فالواجب عليه تجنب النظر إلى وجه المرأة الشابة أو التي يجد في رؤيتها استحسانا ويشعر في النظر إليها بلذة، وكذلك يجب على المرأة تجنب النظر لمن تجد في نفسها ركونا وميلا أو استمتاعا بالنظر إليه من الرجال. ومن تعمد هذا النظر فهو آثم بإجماع العلماء.
- يحرم متابعة ومشاهدة الأعمال التي يكون فيها معازف مقصودة بالاستماع، وأما ما كان غير مقصود، فالذي ينبغي للمسلم تجنبه ما أمكنه ذلك، فإن لم يمكنه، وكان ينتفع من متابعة هذا العمل انتفاعا معتبرا، وربما لا يتيسر له بغير تلك المتابعة، فلا حرج، وليستغفر الله.
- ينبغي للمسلم ألا يتوسع في متابعة تلك الأعمال، بحيث يكون ذلك على حساب واجبات أخرى، كصلاة الجماعة، وصلة الرحم، وطلب العلم الواجب، وعليه أن يسعى في البحث عما تزكو به نفسه، ويحيى به قلبه، ويكون عونا له على نجاح دعوته من هذه الأعمال، كما يجب عليه الحذر من الذنوب والمعاصي فهي من مدنسات طهر النفس، ومكدرات صفو القلب.
- قد يُفتى بعض الناس بما لا يفتى به غيرهم، مراعاة لحال المستفتي، ولمجتمعه الذي يعيش فيه، وتبعا لما تقدر به المصلحة والمفسدة في كل حالة.
- لو ترخص المسلم في متابعة ومشاهدة هذه الأعمال فإنه ينبغي أن ينزلها منزلة الحاجة التي تقدر بقدرها، وليتق الله ما استطاع.
- لا ينبغي للمسلم أن يسارع بالإنكار على متابعي هذه الأعمال الفنية النافعة، والتي يحكم بجواز مشاهدتها، بل يستحب ذلك بعض العلماء؛ إذ المسألة بذلك قد صارت من مسائل الاجتهاد، التي يسوغ فيها العمل بأحد القولين، أو تقليد من يثق المرء فيه من أهل العلم والاقتداء. ومع ذلك فالإنسان على نفسه بصيرة، وهو حسيب نفسه، وأدرى بما يصلحها وما يضرها.
- ليعلم أصحاب الدعوات وأهل القدوات أنهم ليسوا كغيرهم، وقد يسوغ للعوام ما لا يسوغ لهم، وإذا أخذ الناس بالرخص، فالأولى بهم الأخذ بالعزائم، وليعلموا أن الواجبات أكثر من الأوقات، وأن أوقاتهم ثمينة، وحري بهم ألا تذهب سدى، وأن مسئولياتهم جسيمة، وأعباءهم ثقيلة.
- ينبغي إعادة النظر، ومعاودة البحث في حكم التمثيل، والأحكام المتعلقة به، من قبل أهل العلم والدعاة والمتخصصين، مع العمل على إعداد المناهج ووضع الضوابط التي ترتقي به، كوسيلة فعالة في الدعوة إلى الله، وتجعله هادفا نافعا، رافعا للحرج عن متابعي ومشاهدي منتوجاته، مع الوصول إلى حال تطمئن معه نفوس المؤمنين، ويتماشى مع تطور العصر، واحتياجات البشر، وتطلعات الدعاة.
وتحت عنوان: مقترحات لتقديم فن هادف، كتب بعض المخلصين، فقال: (... إننا اليوم بحاجة إلى إعادة الوعي وعدم الجمود عند القول بالتحريم المطلق للفنون والأفلام، لأن غالب الفتاوى إنما تقع على واقع بعينه، لكننا اليوم بحاجة إلى إيجاد نوع جديد من الفنون خاصة الأفلام في صناعة الوعي الحضاري لتاريخ الإسلام ومبادئه وأحكامه، عبر وسيلة هي الأكثر تأثيرا على المجتمعات حتى اليوم.
على أن هناك خطوات يمكن اقتراحها لتفعيل صناعة الأفلام لتكون في خدمة الإسلام والمجتمعات الإسلامية، خاصة مع وجود عقبات كبرى في هذا المجال، أولها التمويل لصناعة تلك الأفلام، والخوف من ألا تعود بالأرباح المرجوة، ومن أهم تلك المقترحات ما يلي:
أولا- انتقاء واختيار الأفلام المنتجة سواء العربية منها والأجنبية والتي تتوافق مع رؤية الإسلام وخدمة قضاياه، خاصة ما يتعلق بالحضارة الإسلامية وقضية فلسطين، وكذلك الأفلام التي تعلي من القيم الإنسانية التي توافق رؤية الإسلام، ويمكن وضعها على قناة من قنوات الإنترنت، أو نشرها على أوسع نطاق، حتى تكون بديلا عن تلك الأفلام الرديئة.
ثانيا- عمل مختصرات لتلك الأفلام، خاصة أن كثيرا من الأفلام وكذلك المسلسلات يدخلها التطويل لطبيعة الأفلام والمسلسلات، فيمكن اختصار الفيلم الذي مدته ساعتان إلا ثلث ساعة تقريبا.
ثالثا- انتقاء مشاهدة قصيرة الزمن، تعالج معنى من المعاني أو قضية من القضايا على غرار ما هو مشتهر في موقع (youtube).
رابعا- التواصل مع كبار الكتاب والمخرجين والمنتجين، والسعي معهم لإنتاج أفلام تعبر عن ثقافتنا وحضارتنا بعيدا عن الإسفاف الذي لا يمت لديننا ومجتمعاتنا بصلة.
خامسا- التواصل مع بعض رجال الأعمال لفتح قناة أفلام تلتزم ضوابط الإسلام وتراعي القيم الحضارية والإنسانية بعيدا عن السفاهات والتفاهات، وإن جمهور مثل هذه القناة يتعطش لمثل هذه القناة التي تقدم أفلاما لا يستحي الوالد أن يجلس مع أبنائه ليشاهدها، دون أن تخدش الحياء ولا تخالف الدين، وأن تراعي الأعراف والتقاليد التي ورثها الناس في بلاد المسلمين وأن مثل هذه القناة ستكون مربحة جدا، بل أتوقع أنها ستكون قناة الأفلام الأولى على مستوى قنوات الأفلام في العالم.
سادسا- توجيه بعض أموال الصدقات والوقوف والوصية وغيرها من أموال التبرعات لإنتاج أفلام تخدم قضايا الأمة والمجتمع)(147).
وبعدما انتهيت من البحث وجدت لبعض الباحثين كلاما طيبا يصب في ذات الاتجاه (الترجيح)، ويوصي بقريب مما ذكرته هنا، والحمد لله أولا وآخرا. حيث قال في عبارة جميلة:
(فمَنْ أراد استعمال التمثيل في نشر الخير ومدافعة الشر فلا تثريب عليه – إن شاء الله - إن هو التزم المباح منه وجانَبَ المحظور بالتزام شروط وضوابط الإباحة. أما التساهل في الحرام طلباً لتحصيل الخير فلا شك في حرمته؛ إذ الغاية لا تبرر الوسيلة، وإرادة الخير لا تبرر الخطأ، وكم من مريد للخير لم يصبه، بل الواجب تحصيل المقاصد الحسنة بالوسائل الحسنة، وسلوك طريق الخير لتحصيل الخير. أما الحرام فليس طريقاً للخير، ولم يجعل الله شفاء أمته فيما حَرَّمَ عليها.
... منبهاً إلى عدم جواز الاتكاء على مجرد وجود الخلاف في المسألة لإباحة فعلها، أو الاستدلال باختلاف أهل العلم في ضابطٍ للتفلت منه، بل الواجب النظر في دلالات الشريعة ومقتضيات الأدلة طلباً لحكم الله في المسائل؛ فمن وُفِّق إلى بذل الجهد طلباً لمراد الله، فهو الموفق للأجر وإن أخطأ، وإلاَّ كان مخطئاً في فعله أصاب الحق في المسألة أو أخطأه.
ومما أؤكد عليه أن ما عُلِّق من الأحكام والضوابط على تحقُّق المصلحة الراجحة فالمقصود مراعاة المصلحة الشرعية المعتَبَرة التي يقدرها أهل العلم؛ فإن الفقه الحقيقي في معرفة مَحَالِّ هذه المصالح والمفاسد، وإدراك خير الخيرين وشَرِّ الشرين، والموازنة بين منازل المصالح والمفاسد، وهذه خاصيَّة أهل العلم؛ فالأصل الرجوع إليهم في تحقيق هذه المسائل واستشارتهم بتصوير حقيقة النازلة من كافة جهاتها، وبيان ما يمكن أن يترتب عليها من المصالح والمفاسد، ويُترك لهم الحكم بعد ذلك فيها، عملاً بقول الله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (النحل : 43).
وأنبِّه أيضاً إلى أنه ينبغي الأخذ من هذا الأسلوب بقدرٍ؛ فإن في الإكثار من هذه الوسيلة تشاغلاً عمَّا هو أَوْلى وأحرى، وهو مظنة الوقوع في شيء من المحظورات والتخفف من بعض الضوابط، والواقع شاهد بهذا.
ومهما قيل عن فوائد التمثيل والإنشاد ونحوهما، فينبغي التأكيد على أن من الخطأ البالغ أن يُبالِغ المربون في صرف الشباب الصالح إلى مثل تلك المناشط التي تصدهم - غالباً - عمَّا هو أنفع لهم في أمر دينهم؛ من التزود من العلم النافع، والعمل الصالح، وحفظ كتاب الله، والتفقه فيه، وتربية النفوس على التقوى والخشية والخوف من الله.
وأما عامة الناس ومخاطبتهم «بلغة التمثيل» فأحسب أن لهم في هذا الباب فقهاً أوسع وأرحب من فقه مَنْ تقَدَّم. والمصالح المعتبرة في حقهم لا تساوي ضرورةً المصالح المعتبَرة في حق الشباب الصالح، وما يليق بهم وبأحوالهم قد يكون أوسع دائرةً من اللائق بأحوال أهل الاستقامة.
وإن في صرف عموم الناس عن متابعة «التمثيل المحرَّم» إلى مشاهدة «التمثيل المباح» خيراً، وتقديم «البدائل المشروعة» لا شك مشروعٌ، وتخفيف « الشر الحاصل » لا ريب مطلوبٌ، وهو يستدعي من المتخصصين في الصناعة الإعلامية والقائمين على القنوات الفضائية وأصحاب رؤوس الأموال عناية بهذا المجال، وبذلاً وعطاءً، شريطة الانضباط بضوابط الشرع في ما يُقدِّمون، وعدم التساهل والتسامح في شيءٍ من الحرام؛ فإن « الحرام » لا يُعَالَج « بالحرام »، و«الخطأ» لا يُصحَّح «بالخطأ»، وإنما يُصحَّح «الخطأ» «بالصواب» ويُعَالَج «الحرام» «بالحلال»، {وَلاَ تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا} (النحل : 92)(148).
والحمد لله، على كل حال، ونعوذ بالله من حال أهل النار، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ونبيه ومصطفاه.
***
(1) رواه مسلم (232)، من حديث أبي هريرة.
(2) قال البيهقي: " النزاع جمع نزيع ونازع، وهو الغريب الذي نزع من أهله وعشيرته، وأراد بقوله: " طوبى للغرباء ": المهاجرين الذين هجروا أوطانهم في الله عز وجل ". اهـ. قال الألباني: " وفي بعض الروايات عن ابن مسعود زيادة [قيل: ومن الغرباء؟ قال: النزاع من القبائل]. ولكن في إسناده مدلس مختلط، كما بينته في الصحيحة 1273". انظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (3/ 269)، صحيح الجامع الصغير وزيادته (1/ 328).
(3) انظر: شرح السنة للبغوي (1/ 118)، تحفة الأحوذي (7/ 319).
(4) نقلا عن مقال بعنوان: السينما في خدمة قضايا الإسلام، على موقع الاسلام أون لا ين، لكاتبه: مسعود صبري.
(5) لكنهم اختلفوا في عد بعض الأشياء من المحظورات أو عدم عدها منها، كما سيأتي بيانه.
(6) أكد أستاذ الشريعة في جامعة القصيم الدكتور خالد المصلح أن «مسألة تمثيل الصحابة التي رأى جوازها فريق من العلماء ورأى حرمتها آخر، ولا تخرج عن كونها مسألة خلافية»، مشيراً إلى أن الشيخ عبد الرحمن بن سعدي قبل نحو 50 عاماً «مُثّلت أمامه غزوة بدر في معهد الرياض العلمي، ولم يجد في ذلك بأساً أو حرجاً». واستند المصلح صهر محمد بن عثيمين الراحل، وأحد تلامذته المقربين، إلى قاعدة فقهية متداولة، تنص على أن «حكم الحاكم يرفع الخلاف»، معتبراً القائمين على «الإعلام» الذين بثوا مسلسل عمر، هم الحكام في هذه المسألة، ورفع بثهم للمسلسل الخلاف، بما أنهم اختاروا الرأي المبيح «فكان الأجدر بالذاهبين إلى الرأي الآخر، أن يتجاوزوا مسألة التشنيع عليهم، إلى تخفيف المفاسد التي يخشون وقوعها». جاء ذلك في سياق إجاباته ضمن برنامج «باغي الخير» الذي يقدمه الزميل مصطفي الأنصاري على قناة «الصفوة»، ونصح الفقيه السعودي بالتركيز على وضع معايير رقابية صارمة على تمثيل الصحابة، وتخفيف ما أمكن من المفاسد، عوضاً عن إحداث البلبلة بعد أن أصبح التمثيل واقعاً. مؤكداً أن كلا الفريقين المؤيدين والرافضين مأجور، غير أنه لا يجد معنى لمواصلة الإنكار بعد وقوع الأمر، طالما أنه في قضية يسوغ فيها الخلاف. وفي شأن متصل، اعتبر المصلح تمثيل شخصية غير إسلامية لدور المجاهد الليبي «عمر المختار» بشكل متقن، أداء للرسالة المنشودة، ومؤشراً على أن تجسيد الصحابة من جانب شخصيات غير مسلمة لا إشكال فيه. اهـ. نقلا عن جريدة الحياة السعودية – جريدة الوئام الالكترونية – جريدة الأنباء الكويتية. نت.
(7) انظر: عبد السلام البرجس، رحمه الله، في رسالته: "إيقاف النبيل على حكم التمثيل"، وفيها ذكر أن ثبوت تشكل الملائكة في صور بشر، كما هو الحال في مجيء جبريل لمريم في صورة رجل، وتمثله في صورة دحية الكلبي لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، هذه الوقائع تدل على جواز القيام بمحاكاة الآخرين على سبيل الإفادة والتعليم ويقاس عليه التمثيل. كما ينصح بمراجعة: (حكم ممارسة الفن في الشريعة)، رسالة ماجستير لصالح غزالي؛ فقد ذكر الخلاف في المسألة وأفاض في ذكر أدلة الفريقين.
(8) انظر: حكم التمثيل للشيخ بكر أبو زيد، بتصرف واختصار يسبر، وقد اختار الشيخ القول بعموم التحريم، كما ستأتي الإشارة إليه في آخر البحث، وقد بنينا بحثنا على القول بجوازه بضوابط. وقد حرمه بناء على تعليلات ملخصها: أن التمثيل مأخوذ عن غير المسلمين، وهو إما أن يكون من العبادات فهو بدعة محرمة مذمومة، وإحداث في الدين مردود، وإما أن يكون من باب العادات فهو محرم لما يلي: ما فيه من التشبه بالكفار - ما فيه من التشبه بالقردة من الحيوانات - ما فيه من الكذب - ما فيه من خوارم المروءة – ما فيه من ارتكاب المحرمات (وذكر صورا كثيرة) - ما فيه من تضييع وإهدار الأوقات - ما يترتب عليه من إمضاء لمخطط الكفار في إفساد عقائد المسلمين، وتمييع دينهم، وهدم ثوابتهم، وإفساد أجيالهم.. وقال في نهاية الكتاب: " وبالجملة فإن انتشار التمثيل بصفته التي تشاهد وُتسمع كل يوم وليل، يُمثل اعتلال في الأمة، ونهم في اللهو واللعب، ووهن في الدين، وفراغ من العلم، وعجز عن تحصيله، وتحطيم للأمة في قوتها ووقتها وتنمية طاقاتها ومواهبها، فماهي إلا وسيلة عدوان على الأمة، وتخطيط رهيب لتعيش سادرة، تخوض فيما لا ينفعها في دينها ولا في دنياها، بل هو ضرر محض عليها في الدين والدنيا، وإفساد الإنسان، وانهيار أخلاقه، بغرض السيطرة عليه: مخطط تخريبي، يهودي... وأقول أخيراً: إن التمثيل لو كان جائزاً بشروطه، لوجب في هذا الزمان الإفتاء بمنعه وتحريمه، لما يُشاهد في بلاد المسلمين من زحم التمثيليات المهول التي تفرز خطورة على مقومات المسلمين كافة، ولا ينازع في الواقع إلا جاهل به، أو ممالي ".
(9) انظر: مقال بعنوان: التمثيل: الحظر والإباحة، لعبد الله بن صالح العجيري – مجلة البيان. (بتصرف يسير واختصار).
(10) مع التنبُّه إلى تأخُّر رتبة هذه الوسيلة بالمقارنة مع غيرها من وسائل الدعوة القائمة على تبليغ القرآن وتبليغ السُّنة ونشر فِقهِهِما، بالموعظة والتذكير، والمحاورة والتعليم، والاقتداء والائتساء؛ فلا ينبغي التوسع فيه حتى يصير غايةً في نفسه، أو يُتوهم أنه الوسيلة الأهم في باب الدعوة، أو يُتشاغل به عمَّا هو أَوْلى منه... وهكذا.
(11) انظر: المقال الذي ورد في مجلة البيان، للشيخ عبد الله بن صالح العجيري، تحت عنوان: التمثيل: الحظر والإباحة.
(12) انظر: حكم التمثيل للشيخ بكر أبو زيد، بتصرف واختصار يسير، وقد اختار الشيخ القول بعموم التحريم، كما ستأتي الإشارة إليه في آخر البحث، وقد بنينا بحثنا على القول بجوازه بضوابط. وقد حرمه بناء على تعليلات ملخصها: أن التمثيل مأخوذ عن غير المسلمين، وهو إما أن يكون من العبادات فهو بدعة محرمة مذمومة، وإحداث في الدين مردود، وإما أن يكون من باب العادات فهو محرم لما يلي: ما فيه من التشبه بالكفار - ما فيه من التشبه بالقردة من الحيوانات - ما فيه من الكذب - ما فيه من خوارم المروءة – ما فيه من ارتكاب المحرمات (وذكر صورا كثيرة) - ما فيه من تضييع وإهدار الأوقات - ما يترتب عليه من إمضاء لمخطط الكفار في إفساد عقائد المسلمين، وتمييع دينهم، وهدم ثوابتهم، وإفساد أجيالهم.. وقال في نهاية الكتاب: " وبالجملة فإن انتشار التمثيل بصفته التي تشاهد وُتسمع كل يوم وليل، يُمثل اعتلال في الأمة، ونهم في اللهو واللعب، ووهن في الدين، وفراغ من العلم، وعجز عن تحصيله، وتحطيم للأمة في قوتها ووقتها وتنمية طاقاتها ومواهبها، فماهي إلا وسيلة عدوان على الأمة، وتخطيط رهيب لتعيش سادرة، تخوض فيما لا ينفعها في دينها ولا في دنياها، بل هو ضرر محض عليها في الدين والدنيا، وإفساد الإنسان، وانهيار أخلاقه، بغرض السيطرة عليه: مخطط تخريبي، يهودي... وأقول أخيراً: إن التمثيل لو كان جائزاً بشروطه، لوجب في هذا الزمان الإفتاء بمنعه وتحريمه، لما يُشاهد في بلاد المسلمين من زحم التمثيليات المهول التي تفرز خطورة على مقومات المسلمين كافة، ولا ينازع في الواقع إلا جاهل به، أو ممالي ". اهـ.
(13) التعميم هنا باعتبار عدم خلو الأعمال المعروضة من اشتراك واختلاط بين الجنسين في التمثيل، واشتمالها على الموسيقى، وكشف وجه المرأة، ونحو ذلك مما هو معروف ومشاهد بحكم الواقع، فكأنهم لا يعتبرون ما قد يخلو من ذلك؛ لكونه نادرا جدا، والنادر لا حكم له، أو لكونه مخالفا لأسس وأركان الأعمال الفنية عندهم.
(14) ووجدت نحو هذا القول بعدم التلازم بين التمثيل وما يستلزمه من منكرات وبين المشاهدة لأعماله، في بعض فتاوى أهل العلم، كما سيأتي في آخر البحث.
(15) من هؤلاء الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله؛ فقد سُئل:(... هل معنى ذلك أنك تنصح أبناءنا المسلمين بدراسة هذه المجالات – أي الإعلام - حتى يحتلوا الأماكن التي يغزوها هؤلاء المفسدون؟ فأجاب: نعم، ينبغي للعلماء ألا يتركوا هذه الأمور للجهلة، وأن يتولوا بث الخير والفضيلة في كافة المجالات، ولكن هناك مسألة التمثيل، فأنا لا أنصح بممارسة التمثيل، وإنما على العلماء أن يبينوا للناس أحكام الله ورسوله أما أن يتقمص المرء شخصية فلان واسم فلان فيقول: أنا عمر أو أنا عثمان أو نحو ذلك فهذا كذب لا يجوز فعله). انظر: مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز (5 / 271 – 272).
(16) أو على أسوأ الفروض، فإن المسألة من المسائل الاجتهادية التي لا يوجد فيها نص قاطع، لا على الجواز ولا على عدمه؛ فمن اتبع من يقول بالجواز، لا على سبيل الهوى والتشهي، وإنما لاعتقاده قوة هذا القول، وقربه للحق: فله ذلك، ومن اتبع من يقول بالتحريم، لاعتقاده أنه الحق: فله ذلك. وهو اختيار موقع الإسلام سؤال وجواب، كما في الفتوى رقم (228486).
(17) فتاوى نور على الدرب للعثيمين (24/ 2).
(18) فتاوى دار الإفتاء المصرية (10/ 105). وقال أيضا: (فلو كان الهدف منه استهزاء بشخصية محترمة، أو دعوة إلى مبدأ مخالف للدين والخلق، أو كانت المادة محرمة ككذب أو اختلاق حديث نبوي مثلا، أو كان الأداء غير ملتزم بالآداب كالتخنث وكشف المفاتن، وتشبه المرأة بالرجل أو الرجل بالمرأة، وكالقبلات بين الجنسين وما شاكل ذلك، أو أدى الاشتغال بالتمثيل إلى تقصير في واجب ديني أو وطني مثلا، أو أدى إلى فتنة أو ضرر لا يحتمل كان ممنوعا. ولا يقال إن القبلات أو شرب المحرمات أو الرقص هو لتصوير حال بعض الناس وليس المراد من ذلك حقيقة ما يعمل، بل هو تمثيل. لا يقال ذلك لأن الغاية لا تبرر الوسيلة، والغاية يمكن التوصل إليها بطرق مشروعة، كحكاية الخبر بالأسلوب المقروء أو المسموع، كما في الكتب المشحونة بالقصص وحكاية أحوال السابقين بكل ما فيها. كما لا يقال إن هذه الأمور هي من وسائل الإيضاح، فوسائل الإيضاح المباحة موجودة وليس ذلك ضرورة كما قلنا، فحياة المسلمين بالذات قامت في أزهى عصورها على الثقافة الأصيلة والترفيه الحلال، ولم تعرف تمثيلا رخيصا أو هابطا كما يشاهد في هذه الأيام. هذا في تمثيل الشخصيات العادية، أما في تمثيل الرسل والصحابة فقد مر حكمه).
(19) رواه البخاري (3477)، مسلم (1792).
(20) فتاوى واستشارات الإسلام اليوم (13/ 124).
(21) فتاوى واستشارات الإسلام اليوم (13/ 377).
(22) قال الشيخ بكر أبو زيد: " أجمع القائلون بالجواز المقيد، على تحريمه في حق أنبياء الله ورسله - عليهم والصلاة والسلام - وعلى تحريمه في حق أمهات المؤمنين زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم، وولده - عليهم السلام - وفي حق الخلفاء الراشدين - رضي الله عنهم ". انظر: حكم التمثيل (ص: 43).
(23) أكدت دار الإفتاء المصرية حرمة تجسيد الأنبياء في الأعمال الفنية، وأكدت أمانة الفتوي بدار الإفتاء المصرية، على حرمة ما تقوم به بعض شركات الإنتاج السينمائي من إخراج أفلام ومسلسلات يجسد فيها شخص النبي الكريم محمد صلي الله عليه وسلم، وتشمل هذه الحرمة تجسيده، هو أو أي واحد من الأنبياء، في أي فترة زمنية من عمرهم المبارك، مراعاة لعصمتهم ومكانتهم; فهم أفضل البشر علي الإطلاق، ومن كان بهذه المنزلة فهو أعز من أن يمثل أو يتمثل به إنسان، بل إن الشرع نزه صورهم أن يتمثل بها حتى الشيطان في المنام. وأضافت اللجنة أن مما يؤكد حرمة هذا العمل أنه ينطوي على مجموعة من المفاسد: مثل كونه ليس مطابقا لواقع حياة الأنبياء من أن أفعالهم تشريع، وأن التمثيل يعتمد على الحبكة الدرامية مما يدخل في سيرتهم ما ليس منها، والمقرر أن درء المفاسد مقدم علي جلب المصالح. وهو ما ذهبت إليه المجامع والهيئات العلمية المعتبرة كمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، ومجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة التعاون الإسلامي، وهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، والمجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة التابع لرابطة العالم الإسلامي. وأضافت: إن هذا كله يتسق مع كوننا نربأ بالشخصيات الدينية التي لها من الإجلال والاحترام أن تقع أسيرة رؤية فنية لشخصية الكاتب يفرضها فرضا على المتلقي لها، بما يغير حتما من تخيل المتلقي لهذه الشخصيات والصورة الذهنية القائمة عنده حولها، ويستبدلها بالصورة الفنية المقدمة، مما يكون له أثره البالغ في تغيير صورة هذه الشخصيات، وفرض رؤية الكاتب فرضا. ورأت اللجنة أن من يحاولون نزع القداسة عن الأنبياء والشخصيات الدينية الأخرى ذات الإجلال والتقدير، تقليدا منهم لمسار الفكر الذي نزع القداسة عن كل شيء تقريبا- بناء على نموذجه المعرفي- يرون بناء على ذلك أن عدم نزع تلك القداسة يجعل الكاتب ناقص الرؤية ومجانبا للحقيقة، وفكرة نزع القداسة هذه مرفوضة تماما في الإسلام، سواء في منطلقاتها الفكرية، أو في تطبيقاتها العملية. اهـ. نقلا عن مقال باليوم السابع، عدد الثلاثاء، الرابع من مارس سنة 2014. (نت).
(24) انظر ص (2348) من الجزء السادس من فتاوى رشيد رضا. واستند بعض القائلين بذلك من المعاصرين، وهو د/ خالد المصلح إلى القاعدة الفقهية التي تنص على أن «حكم الحاكم يرفع الخلاف»، معتبراً القائمين على «الإعلام» الذين بثوا مسلسل عمر، هم الحكام في هذه المسألة، ورفع بثهم للمسلسل الخلاف، بما أنهم اختاروا الرأي المبيح. نقلا عن جريدة الحياة السعودية، وجريدة الوئام الالكترونية، وجريدة الأنباء الكويتية. نت.
(25) كـهيئة كبار العلماء بالسعودية، واللجنة الدائمة في الهيئة، ومجمع الفقه الإسلامي، والأزهر، بالإضافة إلى فتاوى العلماء والمشايخ المنفردة في أنحاء المعمورة، على سبيل المثال: الإمام ابن باز والمحدث الألباني والعلامة العثيمين والعلامة الفوزان. قالوا: " وأما ما يقال من وجود مصلحة، وهي إظهار مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب مع التحري للحقيقة وضبط السيرة وعدم الإخلال بشيء من ذلك بوجه من الوجوه رغبة في العبرة والاتعاظ، فهذا مجرد فرض وتقدير، فإن من عرف حال الممثلين وما يهدفون إليه، عرف أن هذا النوع من التمثيل يأباه واقع الممثلين ورواد التمثيل وما هو شأنهم في حياتهم وأعمالهم. ومن القواعد المقررة في الشريعة أن ما كان مفسدةً محضةً أو راجحةً فإنه محرمٌ، وتمثيل الصحابة على تقدير وجود مصلحة فيه، فمفسدته راجحة. فرعاية للمصلحة وسداً للذريعة وحفاظاً على كرامة أصحاب محمد صلى الله تعالى عليه وسلم، فيجب منع ذلك ". انظر: مجلة البحوث الإسلامية (1/247).
وتحت عنوان: أفلام دينية يروج لها أعداء الإسلام، كتب بعض الغيورين، فقال: (إن بعض الأفلام الدينية التي رخصنا بصنعها، ولا تزال تعرض حتى الآن لا يرغب أعداء المسلمين في أكثر من الحصول على حق توزيعها، ولست أشك في إخلاص معظم منتجي هذه الأفلام، ولكن الإخلاص وحسن النية لا يعالج بهما القصور الفني، ولقد حشدنا كل الإخلاص والنيات الحسنة في فيلم "خالد بن الوليد" مثلا: ولكني أعتقد أننا نلنا من شخصية خالد في هذا الفيلم ما عجز عن نيله الروم والفرس، وقد يقال: إن قصة الفيلم مكتوبة في أسلوب وهيكل رائعين، ولكن الكتابة الممتازة لا تكفي وحدها، فمسرحيات "شكسبير" هي هي بنصها على مسرح "الأولد فيك" وعلى مسرح "الانشراح" في بغداد، ولكن الفارق بين الأداءين هو نفس الفارق بين ترجمة حياة ينتجها للسينما كل من ستديو "مترو جولدوين" وستديو "شبرا" والتمثيل الممتاز لا يكفي كذلك وحده ولا يكفي الإخراج، أو التصوير.. إلخ.. فإن العمل السينمائي يتألف من عشرات الحلقات المتصلة التي يجب أن تكون جميعها قوية متماسكة، وفي مستوى متقارب.. ونحن للأسف لم نصل بعد إلى الدرجة التي ننتج فيها فيلما خطيرا تصل نسبة الكمال فيه إلى درجة عالية، ولذلك يجب أن تقتصر تجاربنا على الموضوعات العادية، ولا نقحم الدين في هذه التجارب.
ويقول فريق أكثر اعتدالا: إن علينا أن نستعين بالخبراء الأجانب في إخراج أفلام عن ظهور الإسلام وفتوحاته وحضارته وأبطاله، وهذا رأي غير مدروس، فقد ثبت بالتجربة أن العمل الفني عن دين ما يجب أن يضطلع به رجل يعتنق هذا الدين ويؤمن به في قرارته، ولقد كنت في الولايات المتحدة عند عرض فيلم " الوصايا العشر " والذي لا يعرفه أكثر الناس أن النقاد اليهود قابلوا الفيلم بجفوة، ووصفوه بأنه جنسيا أكثر منه دينيا ونقموا على مخرج الفيلم اختياره لتمثيل دور فرعون نجما محبوبا " يول برينز " أكثر من الذي قام بدور موسى "شارلتون هستون" ولو أن"سيسل دي ميل" كان يهوديا لتلافي هذا النقد، أو لما كان عمله موضع شبهة.
وشبيه بذلك ما قرأته أخيرا عن رفض مدينة سلبي بمقاطعة "يور كشير" الإنجليزية تمثالا ضخما للسيد المسيح
من صنع المثال اليهودي "إبشتاين" بحجة أن ملامح التمثال تدل على القسوة والفظاعة، إنني أول من يمني النفس بكتابة قصة عمر رضي الله عنه للسينما، ولكن في الوقت ذاته أعتقد أن قصورنا الفني لن يحقق في الوقت الحالي مثل هذه الأمنية، وحينما نستطيع أن نخرج أفلاما عن أمجادنا الدينية في نفس المستوى الذي يخرج فيه الغرب أمثال هذه الأفلام عن أمجاده، فإن التردد والاعتراض يكونان وقتئذ خطأ كبيرا). انظر: بحث الأستاذ محمد علي ناصف الذي نشر في (مجلة الأزهر) في عددها الصادر بتاريخ المحرم عام 1382هـ بعنوان (قصص الأنبياء في السينما)، نقلا عن أبحاث هيئة كبار العلماء (3/322)، تحت عنوان: حكم تمثيل الصحابة رضي الله عنهم - قصص الأنبياء في السينما.
(26) منقول- نت.
(27) قرَّر الأحنافُ في كُتبهم أنَّ سماع الغناء فِسْق، والتلَذُّذ به كُفْر. وسُئِل الإمام مالِكٌ عن الغناء، وما ترَخَّص فيه من أهل المدينة، فقال: إنَّما يفعله الفُسَّاق عندنا. وقال الإمام مالِكٌ: إذا وقفتَ على بيت غريمٍ لك - مَدِين لك - تنظره لِتَأخذ منه دينَك، وسَمِعت غناءً، فلا يحلُّ لك أن تقف؛ لأنَّ هذا منكَر لا يجوز لك أن تسمعه. ولَمَّا خرج الشافعيُّ من بغداد إلى مصر، قال: خرجتُ من بغداد، وخلَّفتُ شيئًا ورائي أَحْدَثه الزَّنادقة يُسمُّونه التَّغبير؛ لِيَصدُّوا الناس به عن القرآن. والتغبير: آلةٌ يُعزَف بها تشبه العود. وقال: إذا جمع الرَّجلُ النَّاسَ لِسَماع جاريته، فهو سفيهٌ مَرْدود الشَّهادة، وهو بذلك ديُّوث. وقال الخَلاَّل: قال عبد الله بن الإمام أحمد: سألتُ أبي عن الغناء، فقال: لا يُعجِبُني، إنَّه ينبت النِّفاق في القلب، كما ينبت الماء البقل. وقال القرطبيُّ: الغناء محرَّم، والاشتغال به على الدَّوام سفَه، تُرَدُّ به الشهادة.
وقال ابن القيم: يَنْبغي لمن شمَّ رائحة العلم ألاَّ يتوَقَّف في تحريم الغناء؛ فأقَلُّ ما فيه أنَّه شعارُ شاربِي الخمور. انظر: مقال (بحث) بعنوان: أقوال العلماء في حكم الموسيقى والغناء، للشيخ عادل الشوربجي – موقع الألوكة.
(28) ذكر ابن حجر الهيثمي في كتابه: الزواجر عن اقتراف الكبائر: الكبيرة السادسة والسابعة والثامنة والتاسعة والأربعون والخمسون والحادية والخمسون بعد الأربعمائة: ضرب وتر واستماعه، وزمر بمزمار واستماعه، وضرب بكوبة واستماعه. انظر: الزواجر عن اقتراف الكبائر (2/ 336).
(29) الزواجر عن اقتراف الكبائر (2/ 337). والقرطبي المذكور هنا هو " أبو العباس "، صاحب المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، توفي 656هـ، وهو غير القرطبي " أبو عبد الله " صاحب التفسير. توفي 671هـ.
(30) مجموع الفتاوى (11/ 576، 577).
(31) منهاج السنة النبوية (3/ 439).
(32) فتاوى ابن الصلاح (2/ 500).
(33) واستدلوا بما روى البخاريُّ ومسلِم- واللَّفظ لِمُسلمٍ- عن عائشة قالت: دخلَ عليَّ أبو بكر، وعندي جاريتان من جواري الأنصار تُغنِّيان بِما تقاوَلَتْ به الأنصار يوم بُعاث، قالت: وليست بِمُغنيتَيْن، فقال أبو بكر: أَبِمَزمور الشَّيطان في بيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؟! وذلك في يوم عيد، فقال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: " يا أبا بَكْر، إنَّ لكلِّ قومٍ عيدًا، وهذا عيدنا ".
وقالوا: لا يوجد دليل واحد قطعي الدلالة، قطعي الثبوت يدل على تحريم الموسيقى، ومن أتى من العلماء بدليل فهو دليل محتمل وظني الدلالة، مع أن الأصل في الأشياء الإباحة، فتبقى المسألة خلافية لا وجه فيها لإلزام أحد الفريقين للآخر، خاصة وأننا نتكلم عن نوعية خاصة من الأعمال الفنية تخلو من الموسيقى الخليعة أو الصاخبة.
يقول ابن حزم: (واحتجوا فقالوا: من الحق الغناء أم من غير الحق، ولا سبيل إلى قسم ثالث؟ فقالوا: وقد قال الله عز وجل: {فماذا بعد الحق إلا الضلال} [يونس: 32]. فجوابنا: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى» فمن نوى باستماع الغناء عونا على معصية الله تعالى فهو فاسق، وكذلك كل شيء غير الغناء، ومن نوى به ترويح نفسه ليقوى بذلك على طاعة الله عز وجل، وينشط نفسه بذلك على البر فهو مطيع محسن، وفعله هذا من الحق، ومن لم ينو طاعة ولا معصية، فهو لغو معفو عنه كخروج الإنسان إلى بستانه متنزها، وقعوده على باب داره متفرجا وصباغه ثوبه لازورديا أو أخضر أو غير ذلك، ومد ساقه وقبضها وسائر أفعاله - فبطل كل ما شغبوا به بطلانا متيقنا).
وقال الغزالي عن الموسيقى: (والموسيقى كالغناء، وقد رأيت في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم مدح صوت أبي موسى الأشعري - وكان حلواً- وقد سمعه يتغنى بالقرآن فقال له: لقد أوتيت مزمارًا من مزامير آل داود. ولو كان المزمار آلة رديئة ما قال له ذلك. وقد سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الدف والمزمار دون تحرج، ولا أدري من أين حرم البعض الموسيقى ونفر في سماعها؟).
وقد تبع رحمه الله، ابنَ حزم الظاهري في الزعم بأنه لم يصح حديث في تحريم المعازف، وقد نقل الشيخ الغزالي كلامه على بعض الأحاديث، ومن أشهرها حديث: يشرب ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها، يضرب على رؤوسهم بالمعازف والقينات يخسف الله بهم الأرض.
قال الغزالي: (قال ابن حزم وهو يناقش السند: معاوية بن صالح ضعيف، وليس فيه أن الوعيد المذكور إنما هو على المعازف كما أنه ليس على اتخاذ القينات. والظاهر أنه على استحلالهم الخمر، والديانة لا تؤخذ بالظن. وهناك حديث لا ندري له طريقًا، وهو: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوتين ملعونين: صوت نائحة وصوت مغنية. وسنده لا شيء).
وقال الشيخ الغزالي أيضا: (ولعل أهم ما ورد في هذا الباب ما رواه البخاري معلقًا عن أبي مالك الأشعري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليكوننّ من أمتي قوم يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف. ومعلقات البخاري يؤخذ بها، لأنها في الغالب متصلة الأسانيد، لكن ابن حزم يقول: إن السند هنا منقطع، ولم يتصل ما بين البخاري وصدقة بن خالد راوي الحديث. نقول: ولعل البخاري يقصد أجزاء الصورة كلها، أعني جملة الحفل الذي يضم الخمر والغناء والفسوق، وهذا محرم بإجماع المسلمين).
كما ذكر الشيخ أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع الدف والمزمار دون تحرج.
(34) فتوى بعنوان: هل الاختلاف في حكم الموسيقى يعد من الاختلاف السائغ؟ رقـم الفتوى: (232915)، وجاء في آخرها: (الغناء أنواع، ولكل نوع حكمه من الحل أو الحرمة، وأما آلات اللهو والمعازف فمحل إجماع من المعتبرين. ويمكن للسائل إذا أراد الوقوف على تفصيل ذلك الرجوع إلى كتاب الشيخ عبد الله رمضان موسى الذي ضمنه الرد العلمي على أربعة من الكتب المعاصرة في إباحة الغناء والموسيقى، وهو كتاب جامع في بابه) اهـ.
(35) انظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/ 186)، ح (91).
(36) انظر: فتوى رقم (35708)، بعنوان: مناقشة الشيخ الغزالي في إباحته الغناء. على موقع الشبكة الإسلامية.
(37) تفسير القرطبي (14/ 52).
(38) رواه البخاري (5048)، مسلم (793).
(39) قال ابن القيم رحمه الله: (فلم ينكر رسول الله صلى عليه وسلم على أبي بكر تسمية الغناء مزمار الشيطان، وأقرهما لأنهما جاريتان غير مكلفتين تغنيان بغناء الأعراب الذي قيل في يوم حرب بعاث من الشجاعة والحرب، وكان اليوم يوم عيد، فتوسع حزب الشيطان في ذلك إلى صوت امرأة أجنبية أو صبي أمرد صوته وصورته فتنة.. إلى أن قال: ويحتجون بغناء جويريتين غير مكلفتين بغير شبابة ولا دف ولا رقص ولا تصفيق، ويدعون الحكم الصريح لهذا المتشابه، وهذا شأن كل مبطل). اهـ. انظر: إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (1/ 257)، وكف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع لابن حجر الهيتمي المكي، وتحريم آلات الطرب للألباني.
(40) الحديث صححه أحمد شاكر في تعليقه على مسند أحمد ت شاكر (3/ 125)، والألباني في السلسلة الصحيحة (5/ 550)
ح (2425)، وشعيب الأرناؤوط في تحقيق مسند أحمد ط الرسالة (11/ 161).
(41) الحديث صححه الألباني في مشكاة المصابيح (2/ 1236) ح (4292)، تحريم آلات الطرب (ص: 46).
(42) انظر: مقال (بحث) بعنوان: أقوال العلماء في حكم الموسيقى والغناء، للشيخ عادل الشوربجي – موقع الألوكة.
(43) ذكره الألباني في تحريم آلات الطرب (ص: 118)، وقال معلقا في الهامش: (نقلته من عون المعبود 435/4، وهو عن مرقاة الصعود للسيوطي). اهـ.
(44) وقد تعقب بعض هذه الأعمال التي راجت مشاهدتها بين المسلمين، وهو مسلسل أرطغرل التركي، تعقبها بعض أهل العلم والدعاة، منهم الشيخ عبد العزيز العويد، وكذلك الشيخ نايف العجمي، وكذلك الشيخ حامد الطاهر، فحكموا فعدلوا وأنصفوا، وتوسطوا فلم يغالوا ولم يفرطوا، إذ إنهم بدءوا بالثناء على الإيجابيات الكثيرة للمسلسل، ثم ثنوا بذكر الانتقادات الموجهة إليه والأخطاء التاريخية الواقعة فيه، فذكروا من ذلك تجاهل المسلسل للخلافة العباسية، وعرض الأحداث التاريخية بالأزمنة الخاطئة، وتعظيم شخصية ابن عربي، وتشويه صورة القاضي ابن شداد المعروف بالعلم والديانة، وشخصية سعد الدين كوبك، وظهور شيء من النزعة أو النعرة القومية التركية على حساب العربية، وظهور مشاهد لا داعي لها من الموسيقى والاختلاط، وكذلك إظهار حالات تطيير الرقاب عند القتل بما يرسخ عند الغرب ما يتهمون به المسلمين من وحشية، وغير ذلك.
(45) رواه البخاري (2692)، رواه مسلم (2605).
(46) رواه البخاري (3611)، مسلم (1066).
(47) إحياء علوم الدين (3/ 137).
(48) إحياء علوم الدين (3/ 137)، انظر: الإسلام سؤال وجواب، فتوى رقم (154955)، بعنوان: حالات جواز الكذب.
(49) انظر فتوى على موقع الاسلام سؤال وجواب، بعنوان: حكم مشاهدة المسلسلات التاريخية والشامية والقديمة، برقم (171887). وانظر: فتوى بعنوان: حكم تمثيل الكفر – على موقع سنة اون لاين إسلاميات ســـؤال و جــواب، وفيها: " العلماء اتفقوا على أن من تلفظ بكلمة الكفر بإرادة ليس سبق لسان وكان يفهم معنى ما يقول ولم يكن مكرهًا ولم يأت بأداة الحكاية فإنه يكفر، واستدلوا لصحة مسألة عدم تكفير من أورد أداة الحكاية بقوله تعالى {وقالت اليهود يد الله مغلولة} (سورة المائدة/64) ونحو ذلك من الآيات، واستدلوا على كفر من تلفظ بكلمة الكفر كما بيّنا بقوله تعالى: {ولئن سألتهم ليقولُنَّ إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وءاياته ورسوله كنتم تستهزءون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم} (سورة التوبة/ءاية 65) وبحديث البخاري وغيره "إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسًا يهوي بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب". أما من عمل أنه يمثل دور كافر ثم نطق بكلام الكفر كشتم النبي والاستخفاف بدين الإسلام دون أن يأتي بأداة الحكاية يكفر، فإن تمثيل دور كافر لم يستثنه عالم مسلم قط فليتنبه لذلك فإن كثيرًا من الناس غافلون عن هذا الحكم". وسيأتي أن من العلماء من لم يصحح هذا القول، بل بين خطأه، وهو الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله.
(50) انظر: حكم التمثيل – للشيخ بكر أبو زيد.
(51) الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي (4/ 3040).
(52) انظر: إعلام الموقعين (322/4).
(53) فهم يشترطون النية في السجود للأصنام – مثلا - حتى يعد ذلك كفراً بينما عقيدة أهل السنة، وبالإجماع أنه لا يسأل عن اعتقاد العبد في أفعاله الكفرية؛ فلا يقال مستحل أم غير مستحل ولا يقال نويت كذا أو لم تنو كذا، بل السؤال عن النية والاعتقاد هذا يعود للإرجاء لأنهم يعتقدون أن الأعمال الكفرية دالة على الكفر وليست كفراً في ذاتها، ولكن عند أهل السنة هي كفر بذاتها، ومن المعروف لدى أهل السنة أن قصد الكفر ليس شرطاً في التكفير بل هو شرط بدعي عنهم، وإنما الشرط المعتبر هو قصد العمل المكفر كما سيأتي انظر: مقال بعنوان: (المعتبر في التكفير هو قصد الفعل المكفر وليس قصد الكفر إذ لا يقصد الكفر أحدٌ إلا ما شاء)- موقع الألوكة.
(54) الصارم المسلول على شاتم الرسول (ص: 177).
(55) تفسير الطبري (18/ 127).
(56) التوحيد لابن منده (1/ 314).
(57) وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، في قوله تعالى: [لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم]: (فقد أخبر سبحانه وتعالى أنهم كفروا بعد إيمانهم مع قولهم: إنا تكلمنا بالكفر من غير اعتقادٍ له بل كنا نخوض ونلعب، وبين أن الاستهزاء بآيات الله كفر، ولا يكون هذا إلا ممن شرح صدره بهذا الكلام ولو كان الإيمان في قلبه منعه أن يتكلم بهذا الكلام). مجموع الفتاوى (7/220). وقد بين ذلك الإمام البخاري رحمه الله فقال في "كتاب الإيمان" من الجامع الصحيح: "باب: خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر"، وكيف يحبط عمله وهو لا يشعر؟! أن يفعل فعلاً ظاهراً أو يقع في ناقضٍ عملي وليس في قلبه قصد الكفر أو الرضا به أو نحو ذلك، فيكفر ويحبط عمله وهو لا يشعر.
(58) في الوجه الثاني من الشريط رقم (754) من سلسلة: الهدى والنور.
(59) في الوجه الثاني من الشريط الثاني من أشرطة: رحلة النور.
(60) فتاوى الشبكة الاسلامية – الفتوى رقم (152091).
(61) انظر: الفتاوى الكبرى لابن تيمية (6/ 72).
(62) وانظر: تأصيل العذر بالجهل- خطأ من زعم أنه لا يكفر أحدٌ، إلَّا إذا قصدَ الكُفر وعلِمَه! – موقع طريق الإسلام. ويذكر بعض أهل العلم من ذلك أيضا الغضب الشديد الذي يخرج الإنسان عن طور الإدراك - إن صح التعبير- ويستدلون بإلقاء موسى عليه السلام للألواح غضبا وغيرة على الدين حين بلغه اتخاذ قومه للعجل. وهذا اختيار شيخ الاسلام، وتلميذه ابن القيم، وهو كذلك اختيار الشيخ ابن باز من المعاصرين، انظر: فتوى بعنوان: " سب الدين في حال الغضب ومراتب الغضب " على موقع الإمام ابن باز.
(63) يقول بعض طلبة العلم: (التقيت بشيخنا الفاضل خالد بن عبد الرحمن حفظه الله في معرض الكتاب الدولي هذه السنة، فقلت له: شيخنا قبل أن تذهب أود سؤالك عن قاعدة!؛ هل هي صحيحة أم لا؟ فقال الشيخ حفظه الله: ما هي؟ فقلت له: قاعدة يقول من قعَّدها:
(لا كفر إلاَّ بعد علمٍ وقصد)، ما تقولون فيها ؟، فقال الشيخ حفظه الله: هنا إيرادان أو أمران!: الأول: لا كفر إلاّ بعد علم، وهذا الشطر الأول صحيح ودليله قول الله عز وجل: وما كنَّا معذِّبين حتى نبعث رسولاً. الثاني: إلاَّ بقصد !، هذا شرط المرجئة !!؛ لأنهم لا يكفِّرون أحدًا إلا أن يقصد الكفر ؟!!، فإن قيل أن القصد عائد على الفعل دون الفاعل؛ قلنا: إن هذا مرده إلى الله وهو سبحانه يجازي عليه في الآخرة؛ أمَّا في أحكام الدنيا فإن حكم هذا القول أنه قول باطل!!؛ لا يصح!؛ لأن الأحكام في الدنيا تبنى على الظاهر!؛ وحاصل هذا القول أو القاعدة ولازمه، أن من وطيء المصحف لا يكفر!؛ ومن سب الله أو سب رسوله عليه الصلاة والسلام لا يكفر.. إلخ، وعليه فإن هذا القول؛ أو هذه القاعدة من القواعد الباطلة!.اهـ - منقول – نت.
(64) اعترض بعض المخالفين على من يستدل بفتاوى الدكتور يوسف القرضاوي، قائلا: (هل يوسف القرضاوي الذي يجيز الغناء والربا، ويترحم على البابا، ويجيز المظاهرات ويرى تقديم حرية الشعوب على تطبيق الشريعة؛ هل قول هذا الرجل يجعل مسألة تمثيل الصحابة "خلافية"، ويخرم إجماع علماء العصر؟)، لكن هذا الكلام فيه نظر، لأن العبرة بما استدل به لا بما قاله، ولأن كلا يؤخذ من قوله ما وافق الحق، ويرد عليه ما جانبه. والله أعلم.
(65) نقلا عن جريدة الوطن البحرينية عدد الاثنين20 أغسطس 2012: (أوضح الأمين العام المساعد لاتحاد العلماء المسلمين د. سلمان العودة على موقعه الرسمي أن دوره في مسلسل الفاروق عمر لا يتعدى الإشراف ضمن مجموعة من العلماء على النص التاريخي المكتوب وتقديم الملحوظات ودراستها واعتمادها، دون الدخول في أي تفاصيل أخرى متعلقة بإنتاج العمل أو إخراجه أو تمثيله، مشيراً إلى أن المجموعة تكونت من «عبد الوهاب الطريري، وعلي الصلابي، وسعد مطر العتيبي، وسلمان العودة». وأشار إلى أنه بعد دخول مؤسسة قطر للإعلام في شراكة إنتاج المسلسل مع «MBC» انضم كل من د. يوسف القرضاوي، وأكرم ضياء العمري، وفيصل بن جاسم آل ثاني، إضافة إلى مجموعة من الإعلاميين المطّلعين على أوضاع الأجيال الجديدة ليساعدوا على إعطاء أهمية لموضوعات الساعة. وشدد د. العودة على أنّ «هذه المجموعة ليس لها أي علاقة بالعمل من حيث إخراجه، ولا بالتمثيل، ولا بالفتوى»، موضحاً أنّ «كل مهمتها تنحصر في شيء واحد هو «مراجعة النص التاريخي المكتوب، وليس لها علاقة بإخراج العمل أو أداء الأدوار. ولفت إلى أنه بعد عرض المسلسل وجد تصريحات إيجابية لعدد من المشايخ الفضلاء من أبرزهم د. عبد العزيز الفوزان والشيخ خالد المصلح وآخرون. ونشر موقع «العربية.نت» لقاءً مع د. سلمان العودة، اعتبر فيه أن مسلسل «الفاروق عمر» لو ظهر من دون شخصيات سيكون هزيلاً. وواجه المسلسل انتقادات وحملات كبرى لمنعه من العرض، علماً بأن المسلسل أخذ حيزاً واهتماماً ونقاشاً مستمراً على مواقع التواصل الاجتماعي ما بين مؤيد ومعارض، فمن الشخصيات المؤيدة للمسلسل د. سلمان العودة، و د.يوسف القرضاوي، وعادل الكلباني، ومحمد الددو، وعبدالوهاب الطريري، ود. علي الصلابي). اهـ.
(66) على سبيل المثال: المسلسل التاريخي "الحسن والحسين" أو "عهد الخلافة ونشأة الملك"، والمسلسل يروي أحداث الفتنة الكبرى بين المسلمين والتي عصفت بالأمة الإسلامية بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، ويرصد المسلسل الفترة التاريخية التي سبقت مقتل الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه، وما تبع ذلك من أحداث جسام، انتهت باستشهاد الحسين رضي الله عنه في موقعة كربلاء التي خلدها التاريخ. وتتمحور الاحداث حول خمسة محاور رئيسية: - محور آل البيت، علي والحسن والحسين وأبنائهم، رضوان الله عليهم، ونموذج القدوة والتفاني في الدفاع عن الإسلام والخليفة عثمان وحماية مصالح الأمة. - محور الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، الذين برز من بينهم طلحة والزبير وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عباس، وغيرهم من الصحابة وتبيان موقف كل منهم خلال تلك الفترة. - محور الغوغاء الذين خرجوا على عثمان رضي الله عنه، ومن بعدهم الخوارج الذين خرجوا على علي رضي الله عنه. - محور معاوية رضي الله عنه وأهل الشام وما شكلوه كطرف من أطراف المرحلة. - محور عبد الله بن سبأ والفرقة السبئية، ودورها في تأجيج وإثارة الفتنة. والعمل حاز على فتاوى من كلٍ من:
1- الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
2- الشيخ الدكتور أحمد هليل قاضي قضاة الأردن وإمام الحضرة الهاشمية.
3- الشيخ الدكتور نصر فريد واصل مفتي الديار المصرية سابقا.
4- الشيخ الدكتور علي القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
5- الشيخ الدكتور وهبة الزحيلي الأستاذ بكلية الشريعة بجامعة دمشق.
6- الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة المشرف العام على مؤسسة الإسلام اليوم.
7- الشيخ الدكتور قيس بن محمد آل مبارك عضو هيئة كبار العلماء بالسعودية.
8- الشيخ عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه نائب رئيس اتحاد علماء المسلمين.
9- الشيخ القاضي حمود الهتار وزير الأوقاف بالجمهورية اليمينية.
10- الشيخ عبد الحي يوسف نائب رئيس جمعية علماء السودان.
11- الشيخ الدكتور عصام البشير وزير الأوقاف بجمهورية السودان سابقا.
12- الشيخ الدكتور عجيل بن جاسم النشمي عميد كلية الشريعة بالكويت سابقا.
13- د. خالد بن عبد الله المصلح عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة بالقصيم.
14- أ. د سعود بن عبد الله الفنيسان عميد كلية الشريعة بالرياض سابقا.
15- الشيخ أ. د صالح بن محمد السلطان أستاذ الدراسات العليا بكلية الشريعة بالقصيم.
16- الشيخ الدكتور عبد الوهاب بن ناصر الطريري نائب المشرف العام على مؤسسة الإسلام اليوم.
17- الشيخ أ. د عبد الله بن إبراهيم الطريقي الأستاذ بكلية الشريعة بالرياض.
18- أ. د عبد العزيز بن عبد الفتاح القارئ أستاذ الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية سابقا.
19- د. هاني بن عبد الله الجبير القاضي بالمحكمة العامة بمكة المكرمة.
20- الشيخ المحقق زهير الشاويش، صاحب المكتب الإسلامي.
21- قطاع الإفتاء، بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت.
22- إجازة نص المسلسل من إدارة الإفتاء بوزارة الأوقاف بالجمهورية العربية السورية. (منقول / موقع ستار تايمز).
(67) شبكة الفتاوى الشرعية: فتوى رقم (62888).
(68) نقلا عن فتوى على اليوتيوب للشيخ، بتصرف يسير واختصار.
(69) إعانة الطالبين (3/301).
(70) فتاوى دار الإفتاء المصرية (10/ 164).
(71) لقاء الباب المفتوح (81/ 32).
(72) انظر: موقع الشبكة الفقهية: حكم مشاهدة المذيعات (نقاش فتوى).
(73) رواه البخاري (5240).
(74) فتح الباري (9/338).
(75) ويلزم من اعتبار الطمع علة مؤثرة: جواز مشاهدة عورة الأجنبية (في الحقيقة وليس في الصورة) إذا كانت أميرة أو وزيرة مثلاً، لأنه لا يمكن أن يطمع بها أحد من عامة الناس! وهذا لا يقول به أحد. وكذلك نجد في الواقع أن بعض الشباب قد افتتن ببعض الممثلات أو المغنيات وسافر لبلادهن من أجل اللقيا والظفر بهن! مع أنهم رأوهن في الخيال لا في الحقيقة! ومن باب الطرفة والعبرة: ذات يوم سألني أحد الطلاب عن مسألة غريبة: وهي أنه قد شاهد فيلماً لـ(ممثلة مشهورة) قد ماتت! يقول: وأنا قد أحببتها فهل يجوز الدعاء لها بالجنة لعلي ألتقي بها؟ يقول: مع أن البعض يقول: إنها نصرانية؟! (وذكر من أسباب حبه لها أنها كانت جميلة جداً!). انظر: موقع الشبكة الفقهية: حكم مشاهدة المذيعات (نقاش فتوى).
(76) رد المحتار (6 / 372).
(77) مجموع الفتاوى (29/49).
(78) مجموع الفتاوى (23/214).
(79) مجموع الفتاوى (11/ 620).
(80) انظر: إعلام الموقعين (3 / 6-7).
(81) ذكر المؤرخون في كتبهم عن كثير من كبار قادة التتار، أنهم انتسبوا للإسلام وأعلنوا انتماءهم له، غير أن كثيرا من محققي العلماء والفقهاء في عصرهم – ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية - لم يقبلوا انتسابهم الاسمي إلى دين الإسلام، وطالبوهم بتحقيقه قولا وفعلا، وأفتوا بكفر فئاتهم التي لم تعمل بالإسلام في شعائرها الظاهرة، ومن أهمها الصلاة والأذان والحكم بالشريعة واعتقاد حرمة المسلم على المسلم. انظر: فتوى بعنوان: "هل حمل التتار الإسلام إلى آسيا؟" برقم (103302) – على موقع الإسلام سؤال وجواب.
(82) ذكر الفقهاء رحمهم الله تعالى في القواعد الفقهية أن ما حرم لسد الذرائع فإنه يباح للحاجة، وذكروا على ذلك أمثلة؛ فقال ابن القيم:
"ما حُرِّم سدا للذريعة أبيح للمصلحة الراجحة، كما أبيحت العرايا من ربا الفضل، وكما أبيحت ذوات الأسباب من الصلاة بعد الفجر والعصر، وكما أبيح النظر للخاطب والشاهد والطبيب والمعامل من جملة النظر المحرم، وكذلك تحريم الذهب والحرير على الرجال، حرم لسد ذريعة التشبيه بالنساء الملعون فاعله، وأبيح منه ما تدعو إليه الحاجة". انظر: إعلام الموقعين (2 / 108، 109). وقال الشيخ ابن عثيمين: " وما كان تحريمه تحريم وسيلة، فإنه يجوز عند الحاجة ". انظر: منظومة أصول الفقه. صـ 67.
(83) جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية (40/ 346): (لا خلاف بين الفقهاء أنه يحرم النظر بغير عذر إلى العجوز بقصد اللذة أو مع وجدانها، وإنما اختلفوا في حكم النظر إليها من غير شهوة ولا قصد التلذذ على قولين: القول الأول: يجوز النظر إلى وجهها وكفيها إذا كانت لا تشتهى وغير متبرجة بزينة، وهذا هو قول جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة. ومع أن فقهاء الحنفية لم يصرحوا به نصا في كتبهم، ولكنهم أطلقوا عباراتهم عند كلامهم عن حكم النظر إلى المرأة الأجنبية، فقالوا بجواز النظر إلى وجهها وكفيها وقدميها في رواية الحسن عن أبي حنيفة، ولم يفرقوا بين الشابة والعجوز، وقد أجازوا مس المرأة العجوز التي لا تشتهى، فدل ذلك على أن النظر إليها جائز من باب أولى، لأن حكم المس أغلظ من النظر. وكذلك المالكية فإنهم أطلقوا جواز النظر إلى وجه المرأة وكفيها فيدخل فيه العجوز والشابة. إلا أن بعضهم فرق بينهما في الحكم، فقال بجواز النظر إلى وجه الأجنبية الشابة وكفيها بشرط عدم الاستدامة والترداد فيه، وأما النظر إلى العجوز فلا يشترط فيه هذا الشرط. وأما الحنابلة فيجوز عندهم النظر إلى وجه العجوز التي لا تشتهى وكفيها والشوهاء وكذلك البرزة التي لا تشتهى والمريضة التي لا يرجى برؤها). اهـ.
(84) الكافي في فقه الإمام أحمد (3/ 7).
(85) نقلا عن فتوى للشيخ على موقع الإمام ابن باز، يرد فيها على كلام الشيخ: أحمد عساف.
(86) فتاوى واستشارات الإسلام اليوم (12/ 301) المجيب: د/ الشريف حمزة بن حسين الفعر - عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى.
(87) هو أحمد بن محمد عسَّاف الكردي، شيخ سوري، ولد في قرية تلعرن من قرى محافظة حلب، أخذ - رحمه الله تعالى- علومه عن عدد من مشايخ حلب الشهباء المشهورين بالعلم، من أشهر من تعلم على يديه: الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، رحمه الله. نقلا عن موقع رابطة العلماء السوريين – حيث وجدت ترجمة باسم/ الشيخ: أحمد بن محمد عساف الكردي. فلعله هو. (ينظر).
(88) انظر: كتاب الحلال والحرام في الإسلام للشيخ: أحمد عساف.
(89) تفسير ابن كثير ط العلمية (6/ 425).
(90) كما سبق قول ابن قدامة الحنبلي: " ومن ذهبت شهوته من الرجال لكبر أو مرض، أو تخنيث فحكمه حكم ذي المحرم في النظر " وكذلك أشار الكاساني الحنفي إلى جواز النظر بين الشيخين الكبيرين اللذين لا يحتمل حدوث الشهوة فيهم. وقال القرطبي من المالكية: " غير أولي الإربة أي غير أولي الحاجة، واختلف في معنى قوله تعالى أو التابعين غير أولي الإربة والاختلاف كله متقارب المعنى ويجتمع فيمن لا فهم له ولا همة ينتبه بها إلى أمر النساء، وقد سبق أن حكم أولي الإربة في النظر إلى الأجنبية كالنظر إلى ذوات محارمهم ". انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية (40/ 349)، وما بعدها.
(91) فتح الباري لابن حجر (12/ 310)، قاله أثناء كلامه عن المستفاد من قصة حاطب، وقول علي رضي الله عنه للمرأة التي أخفت في شعرها، كتاب حاطب لقريش، وقال لها: لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب. وتمام عبارة الحافظ: " وفيه أن العاصي لا حرمة له وقد أجمعوا على أن الأجنبية يحرم النظر إليها مؤمنة كانت أو كافرة ولولا أنها لعصيانها سقطت حرمتها ما هددها علي بتجريدها ".
(92) وهكذا فرق د/ خالد المصلح بين سماع الموسيقى وبين الاستماع، فسهل أو رخص في الأول دون الثاني، مع مراعاة المصالح والمفاسد، كما في حضور أفراح الأقارب والأرحام، مع وجود موسيقى لا يقصد سماعها. وكذلك الشيخ عثمان الخميس، ونسب هذا إلى أهل العلم. (نقلا عن فتوى لهما على موقع اليوتيوب).
(93) الفتوى رقم (273912)، بعنوان: حكم النظر إلى النساء الكافرات.
(94) الموسوعة الفقهية الكويتية (40/ 343).
وجاء في النجم الوهاج في شرح المنهاج (7/ 19) من كتب الشافعية: (ويحرم نظر فحل بالغ إلى عورة حرة كبيرة أجنبية) هذا لا خلاف فيه؛ لقوله تعالى: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم}. والمراد ب (العورة) ههنا: عورة الصلاة، وهو ما عدا الوجه والكفين، ولا فرق في ذلك بين العنين والخصي والمجبوب وغيرهم. قال: (وكذا وجهها وكفيها عند خوف فتنة) بالإجماع، وقيل: إنما ينظر باطن الكف فقط. وليس المراد بـالفتنة المخوفة الجماع، بل ما يدعو إليه، أو إلى ما دونه من خلوة ونحوها مما يشق احتماله. قال: (وكذا عند الأمن على الصحيح)؛ لأن النظر إليهن مظنة الفتنة، وأجمع المسلمون على منعهن من أن يخرجن سافرات الوجوه، واللائق بمحاسن الشريعة الإعراض عن مواضع التهم. والثاني: لا يحرم ولكن يكره، واختاره الشيخ أبو حامد، وهو المنقول عن أكثر الأصحاب لا سيما المتقدمين. اهـ.
(95) تفسير ابن كثير ط العلمية (6/ 38).
(96) الموسوعة الفقهية الكويتية (40/ 344، 345).
(97) قد يعترض معترض فيقول: إن العورات المغلظة تختلف عن العورات الأخرى فلا يقاس بينهما. فأقول: ما الدليل على التفريق؟ فإن الشرع قد أمر بستر الكل مغلظةً كانت أو مخففة؟ بل إن المخففة قد تكون أشد إثارة من المغلظة لأن النفوس تشمئز منها في الغالب وتستقذرها!!. فإن قيل: إن العورات المغلظة مظنة للشهوة! أما المخففة فلا! فنقول: هذا غير صحيح لأن الواقع بل والفطرة تثبت أن مشاهدة عورة رجل مغلظة أهون من مشاهدة نهد فتاة جميلة أو نحرها أو فخذها! مع أنها عورة مخففة! ثم إننا إذا قلنا بجواز النظر إلى عورة المرأة الأجنبية كشعرها ونحرها وغيرهما بشرط عدم الشهوة، فإنه يلزمنا القول بجواز مشاهدة (العورات المغلظة) التي لا تثير الشهوة كذكر رجل أو غيره، لأن كلها عورات فيجوز النظر إليها إذا كان بغير شهوة. ولا أظن أن أحداً سيقول بهذا؟؟!! انظر: موقع الشبكة الفقهية: حكم مشاهدة المذيعات (نقاش فتوى).
(98) شرح النووي على مسلم (4/31).
(99) تفسير القرطبي (12/ 227).
(100) نقلا عن فتوى للشيخ على موقع الإمام ابن باز، يرد فيها على كلام الشيخ: أحمد عساف.
(101) انظر: فتاوى الشبكة الإسلامية – الفتوى رقم (308548)، بعنوان: هل يجوز النظر لوجه الأجنبية وكفيها بغير شهوة؟
(102) انظر نقاش حول: حكم النظر لوجه المرأة للمغترب والمبتعث- على موقع الألوكة.
(103) النظر في أحكام النظر (2|54)، نقلا عن كتاب: الرد المفحم على من خالف العلماء وتشدد وتعصب، وألزم المرأة أن تستر وجهها وكفيها وأوجب، ولم يقنع بقولهم: إنه سنة ومستحب، للشيخ الألباني (1/ 115). علما بأن بعض العلماء الذين قالوا بجواز كشف الوجه والكفين للمرأة، كالقاضي عياض والنووي وابن قدامة قالوا بتحريم النظر إليهما، كما قد قال كثير من العلماء بتحريم النظر إلى المردان ولم يوجبوا عليهم تغطية وجوههم.
(104) الموسوعة الفقهية الكويتية (40/ 345)، تفسير القرطبي (12/ 228).
(105) فقد قال الألباني في خبر قتادة: " كأن ابن جرير يشير بقوله: روي إلى ضعف الحديث، وهو حري بذلك. فإنه بهذا اللفظ غير صحيح، بل هو عندي منكر ". جلباب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة (ص: 41). وقال في حديث عائشة: " والحديث منكر لضعفه من قبل إسناده، ومخالفته لما هو أقوى منه، ألا وهو حديث عائشة الآتي من رواية أبي داود، وكونه أقوى منه، لا يشك فيه من له معرفة بهذا العلم الشريف؛ وذلك لأن له شاهدًا من قوله صلى الله عليه وسلم، وهو حديث أسماء الآتي ذكره في التعليق، وجريان عمل الصحابيات عليه كما سيأتي بيانه، بخلاف هذا، فإنه لا شاهد له يقويه، ولم يجر عليه عمل، فكان منكرًا ". جلباب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة (ص: 42).
(106) تفسير القرطبي (14/ 180، 181).
(107) ومن المؤسف أن نجد من العلماء من يفتيها حينئذ بأنه لا حرج في استعمال "القليل" من الزينة، ووضع "القليل" من المكياج، والتطيب "اليسير" ونحو ذلك، بدعوى "الوسطية الإسلامية"، وتبني منهج "التيسير على الناس".
(108) تفسير القرطبي (12/ 229).
(109) قال القرطبي: " شرّف الله تعالى أزواج نبيه صلى الله عليه وسلم، بأن جعلهن أمهات المؤمنين أي في وجوب التعظيم والمبرة والإجلال وحرمة النكاح على الرجال، وحجبهن– رضي الله عنهن– بخلاف الأمهات " (التفسير 14/123).
(110) إرشاد الفحول (2/263).
(111) الموسوعة الفقهية الكويتية (36/ 345).
(112) فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ (11/ 272).
(113) المرجع السابق (2/21).
(114) المرجع السابق (11/12).
(115) حاشيتا قليوبي وعميرة (1/ 13). وفي فتاوى الشبكة، فتوى برقم: (203266)، بعنوان: وجوب العمل بالقول الراجح، ومدى جواز الأخذ بالقول الأسهل، وفيها: (على المسلم الذي يمكنه النظر في الأدلة ومعرفة الراجح أن يتبع ما دل عليه الكتاب أو السنة؛ لقول الله تعالى: اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ {الأعراف:3}...أما العامي الذي لا قدرة له على فهم الأدلة والموازنة بينها ففرضه سؤال من يثق في علمه ودينه من العلماء، لقوله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ {النحل:43}. وقال الإمام ابن عبد البر: أما من قلد فيما ينزل به من أحكام شريعته عالما يتفق له على علمه فيصدر في ذلك عما يخبره فمعذور، لأنه قد أدى ما عليه وأدى ما لزمه فيما نزل به لجهله، ولا بد له من تقليد عالم فيما جهله لإجماع المسلمين أن المكفوف يقلد من يثق بخبره في القبلة، لأنه لا يقدر على أكثر من ذلك. اهـ. وإذا أخذ العامي بالقول المرجوح الذي قال به بعض أهل العلم المعتبرين فلا إثم على العامي في تقليد من أفتاه به إذا كان محل ثقة عنده في العلم والورع. وأما عن تتبع الرخص: فهو مذموم إذا داوم عليه الإنسان بحيث يأخذ بالأسهل في كل مسألة. وأما من أخذ بالأسهل في مسألة أو مسألتين أو نحو ذلك لحاجته لذلك فلا حرج عليه ـ إن شاء الله ـ قال الشيخ محمد بن إبراهيم: المسألة الخلافية إذا وقعت فيها الضرورة.... جاز للمفتي أن يأخذ بالقول الآخر من أقوال أهل العلم الذي فيه الرخصة. انتهى. وممن رجح جواز الأخذ بالرخصة عند الحاجة السبكي فقال رحمه الله: يجوز التقليد للجاهل والأخذ بالرخصة من أقوال العلماء بعض الأوقات عند مسيس الحاجة من غير تتبع الرخص، ومن هذا الوجه يصح أن يقال الاختلاف رحمة، إذ الرخص رحمة. انتهى. والخلاصة أن العمل بالراجح واجب ولا يترك للمرجوح لمجرد ارتياح النفس له فحسب، وقد قال الشيخ سيدي عبد الله الشنقيطي في المراقي: وقول: "من قلد عالما لقي ** الله سالما" فغير مطلق. ثم قال في الشرح: إنما يسلم إذا كان قول العالم راجحا، أو ضعيفا عمل به للضرورة مع حصول شروط العمل بالضعيف أو لترجيحه عند ذلك العالم إن كان من أهل الترجيح). اهـ. وانظر أيضا: فتوى رقم (342592)، بعنوان: حكم العمل بالقول المرجوح؟.
(116) من كلام الشيخ سلمان العودة حفظه الله، سمعته – بنحوه– منه في بعض البرامج على إحدى القنوات الفضائية. وللداعية البحريني الشيخ حسن الحسيني كلام يصب في ذات الاتجاه؛ إذ قال: (وهنا أشير إلى قضية مهمة لابد أن نلتفت لها فمسلسل عمر بن الخطاب أعلن عنه منذ سنتين، ولم يتكلم أحد حينها، فإلى متى نبقى نمارس الفتوى وفق ردود الأفعال). وسئل الحسيني أيضا: هل أنت مطمئن لما قمت به من سيرة الحسن والحسين؟ فأجاب: (العاقبة في المآلات، فأنا أرى مآل الخلاف إلى أين، فهو كثيراً ما يحدد الراجح
والمرجوح، فقد كان هناك هجوم إيراني واضح على العمل وفتاوى كثيرة ضده، والحمد لله كل من تواصل معي وكل من شاهد العمل فهم الحقبة، فلو بقينا نشرح لما وصلنا لهذا، لاسيما مع الحملة الشرسة ضد الصحابة والتي تحاول تشويه صورتهم واستغلال تلك الحقبة، فبينّا الكثير من الأمور التاريخية الخاطئة وبينّا الحقيقة الصحيحة الموافقة للمنطق والروايات الصحيحة، فأنا الحمد لله مطمئن جداً). منقول- نت. وكذلك قال الدكتور خالد المصلح نحو هذا.
(117) انظر: موقع الإسلام سؤال وجواب (7/ 1144).
(118) وهي عبارة معروفة عن سفيان الثوري رحمه الله، ذكرها عنه ابن عبد البر، في جامع بيان العلم وفضله (1/ 784)، بلفظ:
«إنما العلم عندنا الرخصة من ثقة، فأما التشديد فيحسنه كل أحد».
(119) انظر: موقع الملتقى الفقهي، مقال بعنوان: " معنى عموم البلوى "، وأحال الموقع في الهامش على كتاب: عموم البلوى ودراسة نظرية تطبيقية "مسلم الدوسري" ص 61.
(120) انظر مقالا بعنوان: " عموم البلوى "، على موقع دار الإفتاء المصرية – وأحال الموقع في الهامش على مسلم الدوسري، عموم البلوى. دراسة نظرية تطبيقية، ص: 48، ط مكتبة الرشد - الرياض.
(121) رواه أحمد عن عائشة.
(122) انظر موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام ج 3 ص 138.
(123) نقلا عن فتوى للشيخ على موقع الإمام ابن باز، يرد فيها على كلام الشيخ: أحمد عساف.
(124) رواه البخاري (1)، مسلم (1907).
(125) حكم الغناء والمعازف وآلات الملاهي والمؤثرات الصوتية، لأبي فيصل البدراني (ص: 16).
(126) تفسير ابن كثير ط العلمية (6/ 425).
(127) كما سبق قول ابن قدامة الحنبلي: " ومن ذهبت شهوته من الرجال لكبر أو مرض، أو تخنيث فحكمه حكم ذي المحرم في النظر " وكذلك أشار الكاساني الحنفي إلى جواز النظر بين الشيخين الكبيرين اللذين لا يحتمل حدوث الشهوة فيهم. وقال القرطبي من المالكية: " غير أولي الإربة أي غير أولي الحاجة، واختلف في معنى قوله تعالى أو التابعين غير أولي الإربة والاختلاف كله متقارب المعنى ويجتمع فيمن لا فهم له ولا همة ينتبه بها إلى أمر النساء، وقد سبق أن حكم أولي الإربة في النظر إلى الأجنبية كالنظر إلى ذوات محارمهم ". انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية (40/ 349)، وما بعدها.
(128) كقصر الصلاة في الصفة والعدد، وكإباحة الكذب للمصلحة وتضليل العدو، وكإباحة الرق، وكتبييت العدو ورميه بالمنجنيق، ونحو ذلك.
(129) فتح الباري لابن حجر (12/ 310)، قاله أثناء كلامه عن المستفاد من قصة حاطب، وقول علي رضي الله عنه للمرأة التي أخفت في شعرها، كتاب حاطب لقريش، وقال لها: لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب. وتمام عبارة الحافظ: " وفيه أن العاصي لا حرمة له وقد أجمعوا على أن الأجنبية يحرم النظر إليها مؤمنة كانت أو كافرة ولولا أنها لعصيانها سقطت حرمتها ما هددها علي بتجريدها ".
(130) وهكذا فرق د/ خالد المصلح بين سماع الموسيقى وبين الاستماع، فسهل أو رخص في الأول دون الثاني، مع مراعاة المصالح والمفاسد، كما في حضور أفراح الأقارب والأرحام، مع وجود موسيقى لا يقصد سماعها. وكذلك الشيخ عثمان الخميس، ونسب هذا إلى أهل العلم. (نقلا عن فتوى لهما على موقع اليوتيوب).
(131) الفتوى رقم (273912)، بعنوان: حكم النظر إلى النساء الكافرات.
(132) منقول – نت.
(133) انظر: فتاوى الشبكة الإسلامية – رقم الفتوى: (149895)، بعنوان: مشاهدة الأخبار إذا ترتب عليه النظر للنساء المتبرجات.
(134) مجموع فتاوى ابن باز (9/ 384).
(135) فتاوى إسلامية (4/ 372).
(136) فتاوى دار الإفتاء المصرية (10/ 164).
(137) الإسلام سؤال وجواب (5/ 7355).
(138) الإسلام سؤال وجواب (8/ 82).
(139) فتاوى الشبكة الإسلامية (6/ 1722).
(140) فتاوى الشبكة الإسلامية (6/ 1875).
(141) نشر في مجلة الأزهر في عددها الصادر بتاريخ محرم سنة 1379هـ.
(142) هو الداعية البحريني: حسن الحسيني.
(143) رقم الفتوى: (168195).
(144) انظر: إجابة الدكتور العلامة يوسف القرضاوي على أسئلة قناة الرسالة – على موقع: شبكة فلسطين للحوار- والموضوع نقلوه من موقع قناة الرسالة.
(145) لا شك أن السماح بظهور المرأة بدون حجاب على شاشة التلفاز تهاون لا يسمح به الشرع، وفيه تحليل لما حرمه الله، وهنا أمران:
1) إن الادعاء بأن البديل للمرأة السافرة غير موجود هو كلام مبالغ فيه، لأن عدد النساء المحجبات في كل المجالات صار كبيرا في العصر الحالي في معظم البلدان العربية، ولو صار هناك حاجة نادرة ملحة لظهور امرأة غير محجبة على التلفاز ولم يكن لها بديل أبدا بخبرتها في مجالها لا من الرجال ولا من النساء المحجبات، وبحيث كان في ظهورها جلب مصلحة أو دفع مضرة فلهذا الأمر حكمه في حينه، أما أن نأتي ونقبل بالتساهل هكذا بالعموم، فلست مع الذين يرون ذلك وإلا سيتم فتح باب تمييع الأحكام في الدين.
2) إن كلمة محتشمة هي كلمة مطاطة لا ضابط لها إلا بالحجاب! فالاحتشام في الشرع هو الحجاب، وما سوى الحجاب لا يسمى احتشاما في الشرع. فنقول هنا: ما هي ضوابط هذا الاحتشام لهذه المرأة غير المحجبة؟ هل نقول مثلا أن تلبس المرأة بلوزة تكشف نصف ساعديها وتنورة تكشف أسفل ساقيها وقدميها، مع بقاء رأسها مكشوفا؟ أم نزيد على ذلك أم ننقص؟ ماذا لو نظر إليها عدد من المشاهدين نظرات محرمة؟ أليس في ذلك مضرة وفتنة يجب عدم فتح بابها أيضا؟! إن التيسير على الناس مطلوب ودفع المشقة أمر دعا إليه الشرع، ولكن بحيث لا يصل ذلك إلى مخالفة الأحكام الشرعية لأسباب ليس فيها الحرج الكبير أو الضرورة الملحة. (نقلا عن تعليقات بعض المنتقدين للفتوى، انظر: موقع: شبكة فلسطين للحوار).
(146) وهذا يعني أن استعمال الموسيقى في هذا الباب من الإحسان المأمور به، وهو غريب، لكن الشيخ لا يرى تحريم الموسيقى أصلا، فلينتبه.
(147) نقلا عن مقال بعنوان: السينما في خدمة قضايا الإسلام، على موقع الاسلام أون لا ين، لكاتبه: مسعود صبري.
(148) انظر: مجلة البيان، مقال للشيخ عبد الله بن صالح العجيري، تحت عنوان: التمثيل: الحظر والإباحة.