logo

مهلًا... قبل أن تربي.


بتاريخ : الأحد ، 10 جمادى الأول ، 1436 الموافق 01 مارس 2015
بقلم : سحر شعير
مهلًا... قبل أن تربي.

إلى الآباء والأمهات في البيوت، إلى المعلمين والمعلمات في المدارس، إلى المحفظين والمحفظات في المساجد، إليكم جميعًا أيها الأحباب نوجه حديثنا، من أجل تربية إسلامية صحيحة لأبنائنا، نسلط الضوء على مجموعة من الصفات الجوهرية والمهمة لكل من وضع الله بين يديه هذه الأمانة، فإنه، سبحانه، سائله عنها غدًا يوم القيامة: «إن الله سائل كل راع عما استرعاه أحفظ ذلك أم ضيع؟»(1).

إنها صفات المربي الناجح، وما يجب عليه أن يتحلى به، وما يجب عليه أن يتخلى عنه، وتأتي دائمًا على رأسها:

 

أولًا: القدوة:

وهي عمدة الصفات كلها، بل عليها تبنى جميع صفات المربي الناجح، وإن مربيًا غير قدوة ككاتب على الماء، لا يرى لما يكتب أثرًا، فلا وعظه ينفع، ولا كلامه يسمع، ولا توجيهاته تنفذ، فالطفل إذا ما افتقد القدوة فيمن يربيه فسوف يفتقد إلى كل شيء، ولن يفلح معه حينئذ وعظ ولا عقاب ولا ثواب، وكيف لا وقد رأى الكبير يفعل ما ينهاه عنه.

إن عين الطفل مسلطة عليك كالميكروسكوب، ترى فيك الأشياء الصغيرة واضحة تمامًا، فالنظرة المحرمة التي تختلسها، والكلمة البذيئة التي تنطق بها سريعًا، وغيرها من التصرفات الخاطئة، يستقبلها الصغير فيخزنها ويفعل مثلها، إن لم يكن أسوأ.

وحينئذ لا تستطيع أن تنهاه، وإلا قال لك: "أنت فعلت ذلك وأنا أفعل مثلك!"، والطفل هاهنا، غالبًا، لا يعاند ولكنه يقلدك، فأنت الكبير وهو يحبك ويفعل مثلما تفعل تمامًا ليتشبه بك، فإن غضبت فشتمت فإنه سيشتم عندما يغضب، وإن طلبت منه شراء الدخان أو رمي باقي السيجارة فسيشرب منها بعد ذلك، ولو خلسة حتى يتمكن من شربها بحرية في أقرب فرصة، فهو يقلدك وأنت الكبير، وإن خرجت الأم متبرجة، فلن تستطيع إقناع ابنتها بعد ذلك بارتداء الحجاب، وإن نادى المؤذن للصلاة، وصليت في البيت فسيصلي في البيت، وإن ذهبت إلى المسجد فسوف يحب الذهاب إلى المسجد، وإن غفلت عن الصلاة ساهيًا أو عامدًا فسوف يقلدك فأنت القدوة.

 

ثانيًا: حسن الصلة بالله:

وهي من الصفات التي لا غنى للمربي عنها، وقد كنّا نقصر في صلتنا بالله فلا نرى قلوبًا مفتوحة لنا، ولا آذانًا صاغية تستقبل بحب ما نقوله وما نفعله، والعكس، عندما كنا نحسن الصلة بالله، فكان الله يبارك في القليل، فيستجيب الصغار لنا أسرع مما نتخيل، يصلون ويذاكرون ويحفظون القرآن الكريم، ويظهر منهم حسن خلق أثناء اللعب وأثناء الفسح.

إن الصلاة في جماعة خاصة صلاة الفجر، والمداومة على ورد القرآن وأذكار الصباح والمساء، وكثرة الاستغفار، والبعد عن المحرمات والشبهات، خاصة غض البصر والورع، لفيها جميعًا الخير والبركة في هذا المجال، فإرضاء الله غاية، ما من أحد إلا ويتمناها، ويسعى إليها؛ لينال الجنة في الآخرة والسعادة في الدنيا، ومَنْ أسعد في الدنيا من رجل له أبناء صالحون يحسن تربيتهم، فينال منهم بِرًا ودعوة صالحة، نسأل الله ألا يحرمنا من هذه النعمة العظيمة.

 

ثالثًا: نفس عظيمة وهمة عالية:

المربي لابد أن يكون عظيم النفس، همته عالية، وإرادته قوية، ونَفَسه طويل، لا يطلب سفاسف الأمور، يعلم أن تربية الأولاد في الإسلام فن له عقبات، كما له حلاوة وأجر عظيم، لذلك يسعى جاهدًا أن يجعلها لله، عز وجل، ويضحي من أجلها براحته وبماله وبكل شيء عنده، ويصل طموحه به إلى أن يتمنى أن يكون ابنه كمحمد الفاتح، الذي علمه شيخه وهو صغير، أن القسطنطينية سيفتحها الله على يد أمير مسلم، يرجو أن يكون هو، فقد قال عنه رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش»(2)، ومن نماذج المربين وأصحاب الهمم والطموحات الكثير والكثير.

 

رابعًا: يألف ويؤلف:

نعم من صفات المربي أن يألف ويؤلف، يألف الصغار، يحبهم ولا يأنف الجلوس معهم، يتبسط في حديثه ويتواضع، يمزح ويلعب، يلين ولا يشتد، يعطي كثيرًا بلا مقابل ولا تفارقه الابتسامة، وكذلك يؤلف عند الصغار، وإلا فلا يتصدى للتعليم ولا للتربية، فهي مهمة ليس أهلًا لها، إذ إنه دائم التجهم، شديدٌ عنيفٌ، لا تعرف الرحمة طريقاً إلى قلبه، فويل لأبنائه منه، تمامًا كمن قال لرسول الله، صلى الله عليه وسلم: «إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدًا» فقال له الحبيب المربي، صلى الله عليه وسلم: «من لا يرحم لا يرحم»(3)، وعمر بن الخطاب، رضي الله عنه، عزل مثل ذلك الرجل عن ولاية المسلمين، فمن لا يألفه أبناؤه، لا يألفه المسلمون، وهو بالتالي لن يرحمهم.

 

خامسًا: ضبط النفس:

إن الغضب والعصبية الجنونية من الصفات السلبية في العملية التربوية، فإذا ملك الإنسان نفسه عند الغضب، وكظم غيظه، كان ذلك فلاحًا له ولأولاده، فالمقصود بضبط النفس أن تغضب، ولكن ليس من قلبك، وتعاقب وأنت تهدف من وراء العقاب شيئًا مهمًا، وهو التربية وتغيير السلوك السلبي الخاطئ إلى سلوك إيجابي صحيح، فلا تعاقب كرد فعل سريع للخطأ، من غير أن تنوي قبل العقاب أن تغير من سلوك الصغير، وإلا فأنت حينئذ تكون قد عاقبت بالغضب والصياح بدلًا من التصحيح الهادئ، وكان الأَوْلى أن تظهر الغضب فقط.

ومن ضبط النفس أيضًا أن تغضب فإذا ما اعترف الصغير بخطئه يتلاشى غضبك على وجه السرعة، ويتحول إلى ابتسامة رقيقة، وكذلك قد تتحول الابتسامة إلى تجهم عند الخطأ، وهكذا دون أن يتأثر القلب؛ ليربي الكبير الصغير، وليس العكس، أن يصير الصغير هو الذي يستفزه ويتحكم في حركاته وسكناته.

 

سادسًا: سعة الاطلاع:

لا يستغني المربي الناجح عن الاطلاع بشكل عام، خصوصًا الإصدارات الحديثة في مجال الطفولة بشكل خاص، وهو أولى بذلك؛ ليستطيع تعليم الصغار وتغذيتهم أولًا بأول، بالمعلومات الجيدة والمفيدة في التفسير وفي الحديث وفي الفقه وفي سيرة النبي، صلى الله عليه وسلم، وفي الآداب والأخلاق، وفي المعلومات الإسلامية والعامة وغيرها.

إن الصغار يسألون في كل شيء، وفي أي شيء، فإن عجز المربي عن الإجابة، أو تكرر تهربه من أسئلتهم، سقط من نظرهم ولجئوا إلى غيره يستقون منه معلوماتهم، قد يكون التلفزيون، وقد يكون شخصًا سيئًا، وقد يكون مجلة داعرة أو كتابًا فاسدًا، أو غير ذلك، وقاهم الله شرور هذا الزمان، آمين.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع:

  1. السلسلة الصحيحة، للألباني (1636).
  2. مسند الإمام أحمد (18957).
  3. صحيح البخاري (5997). 

المصدر: موقع «صيد الفوائد».