logo

قضية الرزق في الإسلام.. وكيف نفهمها


بتاريخ : الأحد ، 19 جمادى الأول ، 1442 الموافق 03 يناير 2021
قضية الرزق في الإسلام.. وكيف نفهمها

على عبد العال

قضية الرزق من القضايا التي كثيرا ما يصاب الإنسان أمامها بالحيرة، والمعصوم وحده من عصمه الرحمن.

دائما ما يتساءل الإنسان لماذا يصير هذا فقير وغيره أغنياء؟! ولماذا قد يتأخر الرزق؟ ولماذا تضيق الحال أمام الكثيرين، ولماذا البعض يكد ويتعب ولا ينال إلا القليل من الرزق وغيره يأتيه الكثير والكثير وهو منعم مرتاح.

1 قضية الرزق من قضايا الإيمان

المسألة ليست في مال أو قوت يأتيك أو يتأخر، كثير كان أم قليل، يكفيك أو لا يكفيك، بل قضية الرزق من قضايا الإيمان.

جاءت في كتاب الله وسنة رسول الله، وهي من الغيب، فأنت تؤمن بأن لك رزقا مكتوبا لك ومقسوم من عند الله من قبل أن تُخلق لكنك لا تدري أهو كثير أم قليل، ويأتيك سهلا ميسرا أم لن يأتيك إلا من بعد مشقة، لا تدري أهو يصلك اليوم أو غدا. تريد أن تقنع به لكن قلته في مقابل حاجتك قد تضر بقناعتك، وبالتالي تضر بإيمانك بالله.

ثم أنت عليك أن تأخذ بالأسباب، وتتوكل على الله، ثم تنتظر ما يتفضل الله به عليك.

وعليك أن ترضى وتقنع بما قسمه الله لك، وليس لك أن تنظر إلى من هو أفضل منك قسمة، بل عليك أن تنظر إلى من هو دونك فهو أجدر ألا تزدري نعمة الله عليك، فتحمد الله وتشكره.

2-  "الرزَّاقُ" من أسماء الله الحسنى

والرَّزْقُ من أفعال الله، فلا يصح أن ينسب إلى غيره، و"الرزَّاقُ" من أسمائه، فلا يسمى غير الله رزاقا أو رازقاً كما لا يسمى خالقاً.

والرزَّاقُ، صيغة مبالغة من رازق؛ للدلالة على الكثرة، فالرزَّاق: الكثير الرزق، صفةٌ من صفات الفعل، وهو شأن من شؤون ربوبيته عزَّ وجلَّ، فهو كثير الرزق سبحانه وتعالى، وهو رزاق لجميع عباده.

وقد ورد اسم "الرزاق" مرة واحدة في القرآن الكريم في سورة الذاريات، في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}.

والرزاق، هو الذي يرزق مرة بعد مرة، وقوله: {ذو القوة المتين} يدل على أنه لا يعجزه شيء من هذا العطاء والرزق، فيعطى ويخلق بالقدرة المعجزة التي لا نهاية لها؛ قال الله تعالى: {إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ} [ص: 54].

3 -الرزق من عند الله وحده

وقد اختص الله سبحانه وتعالى بأمر الرزق وتيسيره، فالأرْزاق كلها بيد الله وحده، فهو خالق الأرزاق، وموصلها إلى خلقه، وخالق أسباب التمتع بها؛ فالواجب نسبتها إليه وحده وشكره عليها فهو مولاها وواهبها.

قال تعالى: {فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ}

تأمل تقديم: {عِندَ اللَّهِ} على {الرزق}، إذ لم يقل سبحانه: فابتغوا الرزق عند الله، ولكن قال: ابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ. فالرزقُ لا يُبتغى من عند غيره جل في علاه.

وقال تعالى: {يَأَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ}.

وقال تعالى: {وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يرزقها وإياكم}، أي لا تطيق جمعه أو تحصيله، ولا تؤخر شيئًا منه لغد اللَّهُ يَرْزُقُهَا، أي يقيض لها الرزق على ضعفها، وييسره لها، ويخرجه، ويبعث إلى كل مخلوق من الرزق ما يصلحه، حتى الذر في قرار الأرض، والطير في مرتفعات الجو والهواء.

وقد تحدى الله تعالى خلقه بقضية الرزق وأنه لا يملكه سواه فقال جل ذكره: {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَّجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ}. 

ومن علم أن الرزق من عند الله، فليحسن التوكل على الله وحده سبحانه في طلب الرزق كما أرشد إلى ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: «لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصًا وتروح بطانًا».

4 -الرزق مقسوم محتوم

لأن الله تعالى تكفل به، فهو يرزق جميع خلقه القوي منهم والضعيف، الحقير والعزيز.. فلكلٍّ رزقَه لا يسلبه أحدٌ أو ينازعه إياه؛ لأن الله كفّله.. فرزق الله لا يستطيع أن يمنعه ولا يرده أحد، وإذا أرادك الله برَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا.

قال تعالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ}.

وفي السنة النبوية ما يشير إلى أن الرزق مكتوب ومحتوم، وأن ما قضاه الله سبحانه وتعالى وقدره كائن ولا بد، عن أبي أمامة رضي الله عنه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ رُوح القدس نفَثَ في رُوعي أن نفسًا لن تموت حتى تستكمل أجلَها، وتستوعب رِزقَها، فاتَّقوا الله، وأجمِلوا في الطلب، ولا يحملَنَّ أحدَكم استبطاءُ الرِّزق أن يطلبه بمعصية؛ فإن الله تعالى لا يُنال ما عنده إلا بطاعته".

وإن مما قضاه الله وقدره من قبل أن يولد الإنسان، أربعة أمور: العمل، والرزق، والسعادة أو الشقاء. فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعود قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ "إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيد" صحيح البخاري.

 

فما كُتب للعبد مِن رِزق وأجل، فلا بد أن يستكمله قبل موته؛ عن جابر رضي الله عنه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لَوْ أَنَّ ابْنَ آدَمَ فَرَّ مِنْ رِزْقِهِ كَمَا يَفِرُّ مِنَ المَوْتِ، لأَدْرَكَهُ رِزْقُهُ كما يُدْرِكُهُ المَوْتُ".

وتأمَّل هذا الحديثَ: عن أم حبيبة رضي الله عنها؛ أنها قالت: "اللَّهُمَّ مَتِّعْنِي بِزَوْجِي رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وَبِأَبِي أبي سُفْيَانَ، وبِأَخِي مُعَاويةَ"، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد سألْتِ اللهَ لآجالٍ مضروبة، وآثارٍ موطوءة، وأرزاقٍ مقسومة، لا يُعجِّل شيئًا منها قبْل حِلِّه، ولا يُؤخِّر منها شيئًا بعْد حلِّه، ولو سألتِ الله أن يُعَافِيَكِ من عذابٍ في النار، وعذاب في القبر، لكان خيرًا لكِ"

5 - قضية الرزق مرتبطة بالخلق

- فما دام هناك خلق فلابد له من رزق، والله تعالى لم يخلق خلقا دون أن يجعل له رزقا، قل أو كثر، وأرزاق الخلق على الخالق وحده، قال تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ۚ كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}، والدابة: هي كل ما يدب على الأرض ومنها الإنسان والحيوان والنبات وجميع الكائنات الحية الدقيقة وغيرها.

وقال تعالى: {اللًّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ}.

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ}.

 - ومن أجل ذلك فإنه سبحانه لما خلق السموات والأرض خلقها في يومين عمومًا، ثم عمد إلى الأرض فقدر فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، في أربعة أيام أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا، وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ، وهيأ فيها السكن للساكن سبحانه وتعالى.

 

قال تعالى: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ}.

 - فهذا الكوكب الذي نعيش عليه (الأرض) كوكب غني بما فيه من أنواع المعايش، ولا يزال البشر يكتشفون من المعايش التي أودعها الله في هذا الكوكب العجيب الأمور الكثيرة في أرضه، وفيما يخرج من زرعه، وفي الدواب التي بثها، وهذه الثروة الحيوانية، وفي هذه الكائنات البحرية، والبحر الذي تستخرجون منه لحمًا طريًا، وفي هذه الجبال وما أنزل فيها من الحديد، وخلق فيها من المعادن، ذهب وفضة، ونحاس، وغير ذلك. قال تعالي: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ}.

 - وما يحصل في الأرض من المجاعات فإنما هو بذنوب العباد، واحتباس المطر كذلك، وما يحدث من المجاعات هو بظلم بعضهم لبعض، وتسلط بعضهم على بعض، وإلا فإن في الأرض ما يكفيهم وزيادة.

6 - الرزق ليس مرتبطًا بالإيمان والكفر

فالله تعالى يرزق الكافر ويرزق المؤمن، يرزق جميع الناس من أهل الإيمان، وأهل الضلال. وقد يزيد أهل الضلال والجهل في الرزق، ويوسع عليهم في الدنيا، ويضيق على أهل الإيمان والصلاح.

قال الله تعالى: {وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ (34) وَزُخْرُفًا ۚ وَإِن كُلُّ ذَٰلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ}.

وهذا لا يعني التلازُمَ بين الكفر وسَعة الرزق، بل على العكس الإيمان والطاعة تزيد في الرزق وتنزل به البركة، كما أن المعصية تمحق بركة الرزق.

والواقع خيرُ شاهدٍ؛ فقد تجد أن كثير من الكفار يعيشون في فقرٍ مدقع، وعلى العكس تجد أيضا أن كثيرا من المسلمين يعيشون في رغد العيش وسعة من الرزق؛ فمن تمام عدْل الله تعالى أن كلَّ من أخَذَ بأسباب الرزق، أعطاه الله -إن شاء الله- إياه.

والحاصل أن الله يقابل عبده المؤمن بالفضل، والكافرَ بالعدل، ولا يُسأل عما يفعل. جاء في "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح": "إن المؤمن إذا اكتسب حسنةً، يكافئه الله -تعالى- بأن يوسِّع عليه رزقه، ويرغد عيشه في الدنيا، وبأن يجزَى ويثاب في الآخرة، والكافر إذا اكتسب حسنة في الدنيا بأن يفكَّ أسيرًا، أو ينقذ غريقًا، يكافئه الله -تعالى- في الدنيا، ولا يجزى بها في الآخرة".

أما المؤمن، فيريد الدنيا والآخرة، وإرادته الآخرةَ غالبةٌ؛ فيُجازَى بحسناته في الدنيا، ويثاب عليها في الآخرة، روى أنس -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله -عز وجل- لا يظلم المؤمن حسنةً، يثاب عليها الرزق في الدنيا، ويجزَى بها في الآخرة، وأما الكافر فيُطعم بحسناته في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يعطى بها خيرًا".

7 - الأخذ بأسباب الرزق

طلب الرزق أمرٌ حضّ عليه الشّرع ببذل الأسباب الموصلة إليه، والتوكلّ على الله بعد ذلك، وهذا هو الأصل العام الذي شرعه الله لعباده، أن يطلبوا الشيء بأسبابه الشرعية والحسية. وقد حثّت الشريعة الغراء الإنسان المسلم على العمل والجدّ، وأوصت بالابتعاد عن الذل والمسألة، كما حضّ على ذلك العقل، وحضت عليه الفطرة السليمة.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "طلب الحلال واجب على كل مسلم".

وجعل الله تعالى للرزق قوانين لا تتغير ولا تتبدل، من اتبعها نال الرزق منه سبحانه، وأول هذه القوانين أن الرزق يحتاج إلى سعي وطلب، قال الله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}. ففي الآية إشارة واضحة للسعي في طلب الرزق، فالله هو الرازق لكن على الإنسان ألا يركن لذلك فيتواكل، بل يأخذ بالأسباب جميعها، ويسعى متوكلا على الله وحده.

الأصل أن الرزق وغيره: قائم على الأسباب، فلا ينال الرزق إلا بالسعي، قال تعالى: {هوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}، الملك. قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي: مناكبها: أطرافها وفجاجها ونواحيها.

وقد حثّ الإسلام الإنسان على العمل والجدّ، وأوصى بالابتعاد عن الذل والمسألة، ففي الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير له من أن يسأل أحداً فيعطيه أو يمنعه".

الرسول صلى الله عليه وسلم جاءه رجل من الأنصار يسأله فقال له الرسول الكريم: أما في بيتك شيء؟ قال: بلى: حِلس - كساء يفرش في البيت - نلبس بعضه ونبسط بعضه، وقعب (إناء) نشرب فيه الماء، قال: ائتني بهما، فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: من يشتري هذين؟ - يعني أجرى مزاداً عليهما - قال رجل: أنا آخذهما بدرهم، قال من يزد على درهم؟ مرتين أو ثلاثاً، قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين فأعطاهما إياه وأخذ الدرهمين، وأعطاهما الأنصاري وقال: اشترِ بأحدهما طعاما وانبذه إلى أهلك، واشترِ بالآخر قدوماً فائتني به، فشد رسول الله صلى الله عليه وسلم عوداً بيده ثم قال له: اذهب فاحتطب وبع ولا أرينك خمسة عشر يوماً، فذهب الرجل يحتطب ويبيع فجاء وقد أصاب عشرة دراهم فاشترى ببعضها ثوباً وببعضها طعاماً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة" [أخرجه أبو داود].

فهذا حث مباشر من الرسول الكريم على العمل مهما كان صعبا، وعلى الابتعاد عن مواطن الذل والسؤال، فالعمل شرف مهما كان متواضعًا.

وروي عن لقمان رحمه الله أنه قال لابنه: "يا بني، استعن بالكسب الحلال؛ فإنه ما افتقر أحد قط إلا أصابه ثلاث خصال: رقة في دِينه، وضعف في عقله، وذهاب مروءته، وأعظم من هذه الخصال: استخفاف الناس به".

ومخلوقات الله جميعها مفطورة على السعي طلبا للرزق، وبحثاً عن قوت يومها، فالطيور تبدأ من أول النهار في البحث عن الطعام، وفي الحديث، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَوْ أَنَّكُمْ تَتوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ، لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ، تَغْدُو خِمَاصًا، وَتَرُوحُ بِطَانًا" صححه الألباني؛ ففي الحديث بيان: أن الطير "تغدو"؛ أي: تذهب في أول النهار بحثا عن الطعام، وهذا من مباشرة الأسباب، مع أن الحديث في بيان تقرير التوكل، وتصحيح مقامه؛ فدل على أن الأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل، بل هو من تمامه .

ورب الأسرة - وكل من يعول - مسؤول عن السعي لنيل رزق أولاده، لذلك ينبغي عليه العمل في حرفة، أو مهنة مشروعة، حيث إنَّ طلب الرزق الحلال فريضة على كل مسلم، فالحرفة المشروعة والخالصة لله تعالى تتحوّل إلى عبادة يؤجر صاحبها عليها، وبالتالي فإنَّ الرزق لا يُنال إلّا بالسعي والعمل. وفعل الأسباب الشرعية لا يقدح في التوكل، وإنما يربي النفس على البذل والحركة النافعة.

ولقد خَلق الله تعالى الكون وهيّأ فيه أسباب الرزق، فخَلق الأرض فيها ينبت الزرع، وعليها يعيش الإنسان، وخلق السماء منها يهطل المطر؛ فينبت هذا الزرع، ليأكل الإنسان، وخلق الدوابّ وسخّرها للإنسان في أصوافها، وأوبارها، وأشعارها، ولحومها وألبانها، وخلق للإنسان الأعضاء التي بها يتكسّب، والعقل الذي به يفكّر، فتستقيم حياته، ثمّ أمره بأن يسعى لطلب رزقه، فالرزق لا يأتي على متكاسلٍ ومتواكلٍ، وقد سعى الأنبياء والصّالحون لطلب رزقهم، والأكل من عمل أيديهم.

ولقد عمل الأنبياء ولم ينتظروا مجيء الرزق إليهم، وإنما أكلوا من عمل أيديهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده"، قال تعالى: {وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ} [الفرقان]، قال بعض المفسرين: أي: يتجرون ويحترفون.

فرسل الله وصالحو عباده أُمروا بفعل سبب الرزق، ودفع الهلكة عن أنفسهم.

وقال ابن عباس رضي الله عنهما: "كان آدم عليه السلام حراثًا، ونوح نجارًا، وإدريس خياطًا، وإبراهيم ولوط زارعين، وصالح تاجرًا، وداود زرّادًا، وموسى وشعيب ومحمد صلوات الله عليهم رعاة".

 

قالت عائشة رضي الله عنها: "كان أصحاب رسول الله عمالَ أنفسهم"، وربما تناوبوا في سماع رسول الله، حيث كان عند بعضهم يوم للعمل، ويوم لطلب العلم، قال عمر رضي الله عنه: "كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد وهي من عوالي المدينة، وكنا نتناوب النزول على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ينزل يوماً وأنزل يوماً، فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره، وإذا نزل فعل مثل ذلك ...".

 ولمّا حثّ ديننا الحنيف على طلب الرزق، فقد حصر هذا الطلب بالطرق المشروعة، فحرّم السرقة والنهب وكلّ طريقٍ مشبوهٍ للحصول على الرزق.

والحاصل أن الأصل هو أن الرزق لا يأتي إلا بالسعي، إلا أن يكون معجزة، كنزول المائدة على عيسى عليه السلام، أو تكثير الطعام والماء بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو كرامة كالذي حصل لمريم.

يقول علي بن ابي طالب رضي الله عنه: الرزق نوعان، رزق تطلبه ورزق يطلبك

فأما الذي يطلبك فسوف يأتيك ولو على ضعفك، وأما الذي تطلبه فلن يأتيك إلا بسعيك، وهو أيضًا من رزقك، فالأول فضل من الله والثاني عدل من الله.

فقد يخرق الله العادة، ويرزق عبدا من عباده، بلا سبب ولا سعي، معجزة لنبي، أو كرامة لولي.

وهذا هو ما حصل لمريم عليها السلام؛ فرزقها الله من غير سبب حسي ظاهر؛ كرامة لها؛ لأنها ليست نبية، في قول الجمهور.

قال الله تعالى: {ُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}.

قال القرطبي رحمه الله في تفسيره: "وكان زكريا، إذا دخل عليها، يجد عندها فاكهة الشتاء في القيظ، وفاكهة القيظ في الشتاء!

فقال: يا مريم؛ أنى لك هذا؟

فقالت: هو من عند الله!

8-  كثرة الرزق لا تدل على محبة الله

قال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}، وبعض الناس لا يعرف هذه الحكمة؛ فيظن إغناءه محبة ونعمة، وفقره كراهية ونقمة! قال تعالى: {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاَهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ كَلاَّ} أي: ليس الأمر كذلك، ما كل من وسعت عليه أكرمته، ولا كل من قَدَرت عليه أكون قد أهنته، بل هذا ابتلاء ليشكر العبد على السراء، ويصبر على الضراء، فمن رزق الشكر والصبر كان كل قضاء يقضيه الله خيرًا له، كما في الصحيح عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا يقضي الله للمؤمن من قضاء إلا كان خيرًا له. وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له. وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له".

فهذه الدنيا الفانية يعطيها الله لمن يحب، ومن لا يحب: أعطاها لقارون وهو لا يحبه، وأعطاها لعبد الرحمن بن عوف الصحابي الجليل وهو يحبه.. ‏أعطاها لفرعون وهو لا يحبه، وأعطاها لسيدنا سليمان وهو يحبه.. ‏فهذه الدنيا لا يمكن أن تكون مقياس لمحبة الله، أو عدم محبته.

فقد تكفّل اللهُ بالرزق لعباده سواءً بذلك من آمن منهم أو من كفر به، إلّا أنّ رزق الله لعباده المؤمنين يختلف عن ذلك الرزق الذي يأتي لأيّ إنسان.

قال الله تعالى: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الخَيْرَاتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ}، فالله سبحانه يرزق الجميع، ولكنه قد يزيد أهل الضلال والجهل في الرزق، ويوسع عليهم في الدنيا، وقد يقتر على أهل الإيمان، فلا يظن أن العطاء والزيادة دليل المحبة والاصطفاء!

بل بين الله تعالى أنه لولا أن يكفر الناس جميعًا لأراهم الله تعالى عطاياه لأهل الكفر، فقال جل ذكره: {وَلَوْلا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفاً وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [الزخرف].

فكثرة الرزق ليست دليلاً على محبة الله؛ لأنّ الإنسان يرى أحيانًا رزقًا كثيرًا بيد أهل الضلال والجهل، ورزقاً قليلاً مع أهل الإيمان،

وقال النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج"، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} [الأنعام: 44] [8].

وقال تعالى: {قُلْ مَن كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَداًّ}؛ فالله تعالى قد يوسَّع رزقه على الكفار والعصاة إملاءً واستدراجًا.

أيضا لم يقل أحد بأن قلة الرزق من علامات الصالحين، لم نجد من أهل العلم من صرَّح بهذا؛ ولكنهم اختلفوا في: هل الأفضل الفقير الصابر أو الغني الشاكر؟

فقد كان عدد كبير من العشرة المبشَّرين بالجنة وغيرهم، عندهم من الأموال والتجارة ما يصعب حصرُه؛ كعثمانَ بنِ عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو بكر الصديق نفسُه كان تاجرًا.

وكان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم – فقيرا لكنه كان أيضا من أكثر الناس قناعةً وزهدًا؛ فعن عائشة - رضي الله عنها -: أنها قالت لعُرْوَة ابن أختها: "إن كنَّا لننظر إلى الهلال، ثلاثة أهلَّة في شهريْن، وما أُوقِدَ في أبيات رسول الله - صلى الله عليه وسلم – نارٌ، فقلتُ: ما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان: التمر والماء؛ إلا أنه قد كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - جيرانٌ من الأنصار، كان لهم منائح، وكانوا يمنحون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أبياتهم فيَسْقِينَاهُ".

حكى عمر بن الخطاب رضي الله عنه حال النبي صلى الله عليه وسلم، وقد دخل عليه في غرفته، وهو على حصير ما بينه وبينه شيء، وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف، وإن عند رجليه قَرَظًا مصبوبًا، وعند رأسه أهب معلقة، فرأيت أثر الحصير في جنبه فبكيت، فقال: "ما يبكيك؟ فقلت: يا رسول الله، إن كسرى وقيصر فيما هما فيه، وأنت رسول الله، فقال: أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟".

وكان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يسأل ربَّه أن يجعل رزقه كفافًا؛ أي: مقدار حاجته؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: "اللهم اجعل رزقَ آل محمَّدٍ قوتًا".

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "قد أفلح مَنْ أسلم ورُزِقَ كفافًا، وقنَّعه الله بما آتاه"[4].

وعن عبيد الله بن محصن الخَطَمِيُّ - رضي الله عنه -: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ أصبح منكم آمِنًا في سِرْبِه، معافًى في جسده، عنده قوتُ يومه؛ فكأنَّما حِيزَتْ له الدنيا"[5].

9 -الإكثار من الرزق والمال ليس حراما

- وما العيب في ذلك؟! ومن كمال الدعاء: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201].

فلا عيب في طلب الرزق في الدنيا، بل قرنه الله بالجهاد في سبيله، كما في سورة المزمل: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}.

فليس عيبا طلب الرزق، والمال فضل من الله يؤتيه من يشاء، والمال الصالح عون للعبد على طاعة الله، وإنما العيب أن يطلب المرء الرزق من حرام، أو أن يفتن بالرزق عن طاعة الله؛ فـ(نعم المال الصالح للعبد الصالح)، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من الكفر والفقر ومن عذاب القبر.

10-  الرزق يبارك فيه بالطاعة ويمحق بالمعصية

ارتكاب الذنوب والآثام من أهم أسباب قلة الرزق، فالمعصية تمحق بركة الرزق، لأن ما عند الله تعالى لا ينال إلا بطاعته؛ وفي المسند: "إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه".

وقد ضرب الله الأمثال لذلك في القرآن؛ قال تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}.

وحرمان الرزق بسبب الذنوب والمعاصي، خاص بالمؤمنين كعقاب من الله؛ لعلهم يرجعون ويتوبون، قال الله تعالى: {ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}.

فما استجلب الرزق بمثل ترك المعاصي، وفي هذا يقول ربنا جل ذكره: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}.

وقال تعالى: {وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا}.

وهناك عدد من الطاعات جاءت الأدلة بأنها تستجلب الرزق وتكون سببا في نزول البركة، ومنها:

-الاستغفار: قال تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: 10-12]، فالاستغفار، والذكر، سببٌ في سعة الرزق، ونزول الغيث، وكثرة المال، والزرع.

وفي الحديث عنِ النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "مَن أكْثَر الاستغفار جعَل الله له مِن كل همٍّ فرَجًا، ومِن كل ضِيق مخرجًا، ورزقه مِن حيث لا يحتسب".

 - الإكثار من الصدقة، قال الله تعالى: "وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين". ولما أمر سبحانه بالصدقة حذرنا من مكر الشيطان الذي ينهانا عن الصدقة فقال جل شأنه: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً} البقرة:268، يقول الإمام ابن القيم-رحمه الله-: "إن وعد الشيطان لابن آدم بالفقر ليس شفقة عليه وليس نصيحة له، وأما الله-عز وجل- فإنه يعد عبده مغفرة منه لذنوبه وفضلاً بأن يخلف عليه أكثر مما أنفق وأضعافه، إما في الدنيا أو في الدنيا والآخرة.

وقال الإمام ابن جرير الطبري - رحمه الله - عند تفسيره لهذه الآية: يعني بذلك تعالى ذكرُه: ﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ ﴾ أيها الناس بالصدقة وأدائكم الزكاة الواجبة عليكم في أموالكم أن تفتقروا، قوله: ﴿ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ ﴾ يعني: ويأمركم بمعاصي الله عز وجل، وترك طاعته، قوله: ﴿ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ ﴾ يعني أن الله عز وجل يعدكم أيها المؤمنون أن يستُرَ عليكم فحشاءكم بصفحِه لكم عن عقوبتكم عليها، فيغفر لكم ذنوبكم بالصدقة التي تتصدقون، قوله: (وفضلًا) يعني: ويعدكم أن يخلف عليكم من صدقتكم، فيتفضل عليكم من عطاياه، ويسبغ عليكم في أرزاقكم.

قوله تعالى: {وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}: والله واسع الفضل الذي يعدكم أن يعطيكموه من فضله وسَعة خزائنه، عليم بنفقاتكم وصدقاتكم التي تنفقون وتَصَدَّقون بها، يحصيها لكم حتى يجازيكم بها عند مقدَمكم عليه في آخرتكم.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهمَّ أعط منفقًا خلفًا ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا". رواه البخاري ومسلم.

وعن عبيد الله بن عبد الله أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “كانَ رجلٌ يداين الناس، فإذا رأى معسرًا قال لفتيانه: تجاوزوا عنْه لعلَّ الله أن يتجاوزَ عنا فتجاوزَ الله عنْهُ “ رواه البخاري ومسلم.

-التبكير في الخروج لطلب الرزق، فقد كان رسول الله إذا أراد أن يُخرج جيشاً أو سريّةً، يخرجهم في أوّل النهار. وروي عن عبد الله بن عمر أنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- قال: "بُورِكَ لأُمَّتِي في بُكورِها".

 - صلة الرحم: روى البخاري ومسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ".

-  والزواج الحلال يجلب الرزق. فربُّ العزة وعد بإغناء الفقير بتزويجه، فقال عز من قائل: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [النور: 32]، فعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: "رغَّبهم الله في التزويج، وأمر به الأحرار والعبيد، ووعَدهم عليه الغنى".

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة حقٌّ على الله عونُهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف"، فليَحرِص المسلم على إتيان هذه الطاعة ما استطاع إلى ذلك سبيلًا؛ لأنها من الأمور التي تفتح على الإنسان السعادة، وتُحفزه على المداومة والاستكثار من الطاعة، وطاعة رغَّبنا الله فيها.

 -تقوى الله – عز وجل - في السر والعلن قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ}، الطلاق. قال ابن كثير- رحمه الله -: "أي ومن يتق الله فيما أمره به وترك ما نهاه عنه يجعل له من أمره مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب، أي من جهةٍ لا يخطر بباله".

وقال الله: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} الأعراف.

 - التجرد لله - سبحانه وتعالى - وذلك أن تعبده بقلب خالٍ عما سواه، فلا تعبده وأنت مشغولاً بغيره. فقد جاء عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن الله تعالى يقول: يا ابن آدم: تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى، وأسد فقرك، وإلا تفعل ملأت يديك شغلاً، ولم أسد فقرك".

وهذا التفرغ لا يعني أن يترك الإنسان أسباب الكسب فيبقى عالة على غيره، وإنما هو تفرغ القلب مما سوى الله.

ـ الحفاظ على الصلاة، حيث يقول الله تبارك وتعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى}.

كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه يصلي من الليل ما شاء الله أن يصلي حتى إذا كان من آخر الليل أيقظ أهله للصلاة، ويقول لهم: "الصلاة، الصلاة"، ثم يتلو هذه الآية: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ ".

وفي تفسيرها: يقول الله تعالى مخاطبا نبيه: {وأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ} أي: استنقذهم من عذاب الله بإقام الصلاة، واصبر أنت على أدائها، ولا تهتم بأمر الرزق والمعيشة، فإن رزقك مكفي من عندنا، وقوله {وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} أي: ثابر على الصلاة بإقامتها، بحدودها وأركانها وآدابها وخشوعها، فكما تأمر أهلك بالصلاة فحافظ عليها أنت فعلًا؛ لأن الوعظ بلسان الفعل أتم منه بلسان القول، وقوله: {لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ}؛ أي: لا نكلفك أن ترزق نفسك ولا أهلك، نحن نرزقك وإياهم، فإذا أقمت الصلاة أتاك الرزق من حيث لا تحتسب، ففرغ بالك لأمر الآخرة، وحافظ على الصلاة غير مشتغل عنها بأمر المعاش. وليس المقصود بالآية التكاسل عن طلب الرزق، أو ترك التكسب.

وكان السلف الصالح من الصحابة، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إذا أصابتهم خصاصة أو شدة أو ضيق بادروا إلى الصلاة، وأمروا أهلهم بها.

-  المتابعة بين الحج والعمرة، فإنَّهما يُبعدان الفقر، ويمحوان الذنوب.

 - شكر الله تعالى على نعمه التي لا تُعد ولا تُحصى. حيث قال الله: {لَئِن شَكَرتُم لَأَزيدَنَّكُم} [إبراهيم:7]، فالرزق مقرونٌ إذًا بالشكر الذي هو تعبيرٌ منّا عن إحساسنا بفضل الله علينا.

 -الدعاء:

من خلاله يمكن العبد أن يدعو اللهَ بتيسير الأمورٍ، أو تفريج الهَمٍّوم، أو طلب رزقٍ، فهناك أدعية كثيرة هي سببٌ لجلب الرزق بإذن الله سبحانه، فقد جاءتْ فاطمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله خادمًا، فقال لها: "قُولي: اللهم ربَّ السماوات السبع وربَّ العرش العظيم، ربنا ورب كل شيءٍ، أنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، مُنزل التوراة والإنجيل والفرقان، فالق الحب والنوى، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيءٌ، اقضِ عنا الدَّين، وأغْننا من الفقر".

وقد يكون ذلك استجابة لدعاء يدعو به العبد، فيرزقه ببركة دعائه، والدعاء أيضا من جملة الأسباب الشرعية؛ لكن لا يجوز للعبد أن يعطل أسباب مطالبه الدينية والدنيوية، اعتمادا على مجرد الدعاء؛ فإن ذلك أقرب إلى الغرور.

-  التوكل: قال الله تعالى: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3]، فالتوكل يصب عليك الرزق صبًا، هناك أدلة يقينية لكن القضية في العمل بذلك: {لو أنكم كنتم توكلون على الله حق توكله}، وهذه: حق توكله، فيها المربط والسر حق توكله هذه قضية تفريغ القلب إلا من الله، ولا اعتماد إلا على الله، ولا لجوء إلا إلى الله، وطلب الرزق منه لا من غيره، وتفويض الأمور إليه: لو أنكم كنتم توكلون على الله حق توكله لرزقتم كما يرزق الطير، تغدو خماصًا تذهب في أول النهار جياعًا وتروح بطانًا [رواه الترمذي: 2344، وابن ماجه: 4164، وأحمد: 205، وهو في السلسلة الصحيحة: 310] تعود في آخر النهار مملوءة البطون، حديث صحيح.

توكل على الرحمن في الأمر كله *** فما خاب حقًا من عليه توكل

وكن واثقًا بالله وارض بحكمه *** تفز بالذي ترجوه منه تفضلاً

11 - الرزق ليس بالقوة العضلية ولا العلمية ولا بالشطارة والفهلوة

إن الذكاء والحنكة والهم والحرص لن يزيد في رزقك، وإنما يأتيك من الدنيا ما كتبه الله لك، فقد كتب الله رزقك يا ابن آدم وأنت في بطن أمك.

وعليك أن تعلم أن قضية الرزق من قضايا الإيمان بالقدر، وأن الغنى غير آتٍ بذكاء الأذكياء، أو سعة عقول العقلاء؛ فكم من صاحب ذكاء كبير يرافقه الفقر والحاجة، وكم من جاهل غير فطن يتقلب بين أحضان الغنى والترف.

 - قصة قارون الذي أتاه الله من الكنوز ما إن مفاتيحه لتنوء بالعصبة أولي القول فاغتر وقال {قال إنما أوتيته على علم عندي} وطغى وبغى، فكانت نتيجة غروره {فخسفنا به وبداره الأرض}.

 - وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد".

وفي معناها: ما قدر الله أنه يحصل لك، فما قضى في علمه السابق أنه يحصل لك لا أحد يمنعه لا أحد يستطع يمنعه، يعني إذا قدر الله أنك ترزق، لا أحد يستطيع منع ذلك، لا أحد يستطيع رد ذلك، فما قضاه الله وقدره سبحانه لا أحد يستطيع رده، وهذا معنى قوله جل وعلا: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَاُ} (2) سورة فاطر.

وأما قوله: "ولا معطي لما منعت"، معناه أن ما منعه ولم يقدره لك لا أحد يستطيع أن يوصله إليك، فإذا قدر الله لك أنك تكون غنياً لا أحد يستطيع أن يمنعك من الغنى،

وأما قوله: "ولا ينفع ذا الجد منك الجد"، يعني بالجد (الحظ والبخت والوظائف) لا ينفعه كل ذلك ولا يغنيه عن الله سبحانه وتعالى، يعني لا أحد يغنيه بدلاً من الله، بل ما أراده الله به نافذ، ولا ينفع ذا الجد منك يعني بدل وعوضا منك، لن يغنيه عن الله حظه، ولا ماله، ولا جاهه، بل هو فقير إلى الله في كل شيء، مهما كانت له الأموال، والغنى، والحظ، والوظائف ــ متى شاء ربه سلبه هذا كله.

يقول سبحانه وتعالى في كتابه العظيم: {يَأَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}، فالعباد في أشد الضرورة إلى ربهم وليس لهم غنى عنه سبحانه وتعالى أبداً، بل فقراء إليه وإن كانوا ملوكاً، وإن كانوا أغنياء وإن كانوا أصحاب ثروات طائلة، فهم فقراء إليه، ومتى شاء سلبهم ملكهم ومالهم في طرفة عين سبحانه وتعالى.

12 - تأخر الرزق والقلق عليه

القلق على الرزق والخوف من فواته من الشيطان، قال الله تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ}، فهو يقيم لك هذا الهاجس دائمًا منصوبًا أمامك في ذهنك حتى يجعلك تحزن، وربما يفوت عليك بالاكتئاب فرصًا للرزق، فتنبه.

 

لذلك إذا بذلت الأسباب المتاحة أمامك أزل الخوف والقلق من نفسك؛ لأن المسألة الآن رزق من الله - عز وجل -، وقد يؤخره لحكمة، وقد يقلله لحكمة، قد تكون في مصلحة العبد، فقد يعصي بالرزق فيمنع منه فيتوب ويؤوب ويعود، وينسد باب للمعصية، ويفتح باب للتوبة، ويشعر الإنسان بالحاجة إلى الله، وكان من قبل يعتقد أنه مستغن عن ربه: {كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى}، فعندما يضيق عليه يشعر بالحاجة، فيدعو ويدعو، ويأتيه من أنواع الحسنات، والصبر على البلاء، يقول الإمام أحمد - رحمه الله -: "لروعة صاحب العيال يبكون في حجره أحب إلي من كذا وكذا"، يعني من العبادات، بما يكتب الله له بذلك من الحسنات.

وإذا تخلف الرزق فإن السبب تخلف شيء من أسبابه، وبالطبع هناك آداب تلازم العبد في طلب رزقه، مثلًا: أن يعلم يقينًا أن الرزق بيد الله ينزله بحكمة على من يشاء.

13-  مسألة الفقر والغنى

لو نظرنا إلى الكون من حولنا لوجدنا أننا لا نتساوى إلا في شيء واحد فقط، هو أننا عبيدٌ لله، نحن سواسية في هذه فقط، وما دون ذلك فنحن مختلفون فيه، تختلف ألواننا، تختلف أجسامنا، وصورنا، مواهبنا، وأرزاقنا.

والله تعالى قسم الأرزاق بحكمته؛ واقتضت حكمته البالغة وعدله المطلق، في هذه الدنيا، أن يوزع الأرزاق على عباده بحسب حاجتهم وقدرة تحمُّلهم له، ولذلك جعل الله تعالى هذا غنيًّا وهذا فقيرًا، وآخر بين هذا وذاك؛ لعلمه سبحانه وتعالى أن من أغناه لا يصلح له الفقر؛ لأنه لو أفقره لفسد عليه دينه، وخسِر الدنيا والآخرة، وكذلك من أفقره لا يصلح له الغنى؛ لأنه لو أغناه لفسد عليه دينه وخسِر الدنيا والآخرة. قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيرًا}، يقول ابن كثير: أي خبير بصير بمن يستحق الغنى ومن يستحق الفقر.

 

وقال تعالى: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ}، أي: لو أعطاهم فوق حاجتهم من الرزق لحملهم ذلك على البغي والطغيان، {وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ}، فيجعل من يشاء غنيا كثير الرزق، ويجعل من يشاء فقيرا، وله في ذلك الحكم البالغة، فهو يرزقهم من الرزق ما يختاره مما فيه صلاحهم، وهو أعلم بذلك، فيُغني من يستحق الغنى، ويُفقر من يستحق الفقر؛ كما جاء في بعض الآثار: "إن من عبادي مَنْ لا يصلحه إلا الغنى، ولو أفقرته لأفسدتُ عليه دينه، وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر، ولو أغنيتُه لأفسدتُ عليه دينه".

وقيل: خير العيش ما لا يلهيك ولا يطغيك.

والله تعالى يقول: {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ}، والله أيها الناس فضّل بعضكم على بعض في الرزق الذي رزقكم في الدنيا، فمنكم غني وفقير ومالك ومملوك.

وفي التفاوت الحاصل في مسألة الرزق دلائلُ على حكمة الله وعلمه بعباده، ومن بعض حكمة الله:

 - إن تفاوت الأرزاق من ضرورات العيش في الأرض، فلا بد أن يكون فيها أغنياء وفقراء، وفيها بين هذا وذاك، فتخيَّل أيها المسلم لو جعل الله عباده كلهـم أغنياءَ، أو جعلهم كلهم فقراءَ، فلا يكون هناك تناسق وتوازن على الأرض، ولاهتزتْ مصالح العباد، وتخلخلت موازين عمارة الأرض التي وُجِّه الإنسان بعمارتها والاستخلاف فيها، ولذلك رفع الله تعالى العباد بعضهم فوق بعض؛ ليتخذ بعضهم بعضًا سخريًّا؛ قـال تعالى: {وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا}.

ويوضـح الشيخ السعدي رحمه الله ذلك، فيقول: إن في هذه الآية الكريمة تنبيهًا على حكمة الله في تفضيل بعض العباد على بعض في الدنيا؛ ليسخِّر بعضهم بعضًا في الحِرَف والأعمال والصنائع، فلو تساوى الناس في الغنى ولم يحتج بعضهم إلى بعض، لتعطَّل كثيرٌ من مصالحهم ومنافعهم.

وتظهر حكمة الله – تعالى - في توزيع أرزاقه بين عباده، فجعل منهم الغني، ومنهم الفقير؛ حتى لا يكونوا جميعاً على حالٍ واحدٍ، بل يُبتلى بعضهم ببعضٍ، ويتعاونوا في تسيير أمورهم الحياتيّة، فقد قال الله تعالى: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}.

 - ثانيًا: قد يكون بسط الرزق لبعض العباد ابتلاءً واختبارًا في حـد ذاته؛ قـال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ}، والشاهـد في هـذه الآيـة الكريمة قـوله تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ}، يقول ابن كثير رحمه الله: أي: ليختبركم في الذي أنعم به عليكم، وامتحنكم به؛ ليختبر الغني في غناه، ويسأله عن شكره، والفقير في فقره ويسأله عن صبره.

ولذلك ينبغي على المسلم أن يراقب الله تعالى في كل أحواله، إنْ كان غنيًّا فهل قام بدفع زكاة ماله للمستحقين؟ وهل تفقَّد أقاربه وأرحامه وجيرانه، وكل مَن له حق عليه، وقدم للفقراء منهم ما يحتاجونه من إعانات تساعدهم على العيش، وتدفع عنهم بعض معاناة فقرهم؟ وإنْ كان فقيرًا فهل عمل واجتهد، ثم صبر على ما قسَّمه الله تعالى له، ولم يتذمر ويشكو ويندب حظَّه، كما نرى ونسمع من بعض المسلمين اليوم؟

-  وأرشد النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - المؤمنَ إلى أن ينظر إلى مَنْ هو أسفل منه؛ حتى يشعر بكثرة نِعَم الله عليه؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "انظروا إلى مَنْ أسفل منكم، ولا تنظروا إلى مَنْ هو فوقكم؛ فهو أجدر أن لا تزدروا نعمةَ الله"[6].

قال ابنُ جريرٍ وغيره: "هذا حديثٌ جامعٌ لأنواعٍ من الخير؛ لأنَّ الإنسان إذا رأى من فُضِّلَ عليه في الدنيا، طَلَبَتْ نفسُه مثل ذلك، واستصغر ما عنده من نعمة الله، وحَرَص على الازدياد؛ ليلحق بذلك أو يقاربه؛ هذا هو الموجود في غالب الناس، وأمَّا إذا نَظَرَ في أمور الدنيا إلى مَنْ هو دونه فيها، ظهرت له نعمةَ الله - تعالى – عليه، فشكرها، وتواضع، وفعل فيه الخير". اهـ[7].

 - ولذلك وجب على الإنسان الصبر والاعتبار بمن هو دونه في العطاء، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه في المال والخلق فلينظر إلى من هو أسفل منه ممن فضل عليه"، رواه مسلم. وأخرجه البخاري ومسلم بلفظ "انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم؛ فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم"، والمراد أنه لا ينظر إلى من فضل عليه لما فيه من احتقار نعمة الله عليه بالنسبة إلى نعمته على ذلك الفاضل في المال والخلق، وإنما ينبغي أن ينظر في هذا إلى المفضول ليعرف قدر نعمة الله عليه، وهذا أدب حسن أدبنا به نبينا صلى الله عليه وسلم وفيه مصلحة ديننا ودنيانا وعقولنا وأبداننا وراحة قلوبنا، فجزاه الله عن نصيحته أفضل ما جزى به نبيا.

قال محمد بن جرير الطبري وغيره: هذا حديث جامع لأنواع من الخير: لأن الإنسان إذا رأى من فضل عليه في الدنيا طلبت نفسه مثل ذلك واستصغر ما عنده من نعمة الله تعالى وحرص على الازدياد ليلحق بذلك أو يقاربه، هذا هو الموجود في غالب الناس، وأما إذا نظر في أمور الدنيا إلى من هو دونه فيها ظهرت له نعمة الله فشكرها وتواضع وفعل الخير.

-  والفقر ليس عيبًا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "فو الله لا الفقر أخشى عليكم، لكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم؛ فتنافسوها كما تنافسوها، وتُهلككم كما أهلكتهم"؛ البخاري (في الجزية).

 - وإذا بذل الإنسان الأسباب، وأصابه الفقر؟ يعلم أنه اختبار من الله، تكفيرا للذنوب، أو رفعًا للدرجات، فإن الله يعطي الدنيا للمؤمن والفاجر والكافر، بل ربما كان حظ الكافر أكثر من حظ المؤمن، فلا يعترض المؤمن على منع الله: {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ. وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ. كَلَّا...} [الفجر: 15ـ 17 ]؛ بل يصبر المؤمن إذا ابتلي بالفقر، وينظر في نفسه إن كان تخلف عن بذل بعض أسباب طلب الرزق ويدعو الله صادقًا.

 -لو أجريتَ معادلة بين الناس لوجدتَ مجموع كل إنسان يساوي مجموع كُلِّ إنسان، بمعنى أنك لو أخذتَ مثلاً: الصحة والمال والأولاد والقوة والشجاعة وراحة البال والزوجة الصالحة والجاه والمنزلة ... إلخ لوجدت نصيب كُلٍّ منّا في نهاية المعادلة يساوي نصيب الآخر، فأنت تزيد عني في القوة، وأنا أزيد عنك في العلم، وهكذا؛ لأننا جميعاً عبيدٌ لله، ليس مِنّا مَنْ بينه وبين الله نسب أو قرابة.

النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ليس الغِنَى عن كَثْرَة العَرَض، ولكنَّ الغِنَى غِنَى النَّفْس))

 - بل إن من نعمة الله على بعض الناس: العيش في ظل الفقر؛ لأن الغنى خطر عليه؛ إذ هو بوابة البغي والطغيان، والله يعلم وأنتم لا تعلمون، قال تعالى: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ} [الشورى: 27].

 - ولا ينبغي للإنسان أن يزدري نعمة الله عليه ولو كانت في نظره قلّيلة لا تكفي حاجته، قال صلى الله عليه وسلم: "انظروا إلى من أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم؛ فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم".

فعلى المسلم أن يرضى بقدر الله وقضائه، ويعلم أن اختيار الله له خير مما يتشوف إليه ويريده.

14- العيال والرزق

البعض ممن يعول أولادا مثلا وزوجة أو إخوة أشقاء أو والد ووالدة قد يظن جهلا أنه يشقى بهذه الإعالة، لأنه ينفق عليهم من مال لو ادخره أو أنفقه على نفسه لكان أصلح وأفضل حالا له، وهذا جهل كبير لأن نجاته قد تكون فيما ينفقه على من يعول. وما يدريه أن هذا المال الذي يرزقه وهو يعول وينفق منه على هؤلاء كان سيأتيه لو لم يكن كذلك، فالله تعالى ينعم عليه لأنه يرسل له رزقه ورزق من يعول.

وقد عاتب رب العزة على هؤلاء الذين يقتلون أولادهم بغير حق لا لشيء إلا الخوف أن يأكلوا من طعامهم فيقللوا عليهم أرزاقهم، فقال سبحانه: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً} [الإسراء: 31].

وقال أيضًا: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} [الأنعام: 151].

إذ كل مولود يأتي برزقه بفضل مِن الله، وقد يكون سببًا لوالديه في السعادة الدنيوية والأخروية.

15- الرزق مادي ومعنوي

ينظر الناس إلى الرزق من ناحية واحدة، فهو عندهم المال، فهذا غنيّ وهذا فقير، والحقيقة أن الرزق ليس المال فقط، بل كُلّ شيء تنتفع به فهو رِزْقك.

قال ابن منظور في لسان العرب: الرزق هو ما تقوم به حياة كل كائن حي مادي كان أو معنوي، وهو ما يشير إلى المفهوم الواسع لمعنى الرزق في لغة العرب وفي الاصطلاح الشرعي.

وتشير النصوص الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - إلى شمول معنى الرزق في الإسلام الأمور المادية والمعنوية.

فقد ذكر لفظ "الرزق" في القرآن الكريم 123 مرة، وكما جاء بمعنى الرزق المادي من مال وطعام ومطر، جاء بمعنى معنوي في أكثر من موضع.

وقد فسر الشيخ السعدي مفهوم الرزق في قوله تعالى: {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}، برزق القلوب من العلم والإيمان وغير ذلك من الأمور المعنوية فقال في تفسير الآية:

" فالرزق الدنيوي يحصل للمؤمن والكافر، وأما رزق القلوب من العلم والإيمان ومحبة الله وخشيته ورجائه، ونحو ذلك: فلا يعطيها إلا من يحب".

فالرزق رزقان: رزق الأجسام بالأطعمة ونحوها، ورزق الأرواح بالعلوم والمعارف وهو أشرف الرزقين لأن ثمرته باقية وبه حياة الأبد، وهذا ما يسميه البعض بالرزق المطلق، وهو الرزق الخاص، وهو الرزق النافع المستمر نفعه في الدنيا والآخرة، وهو: رزق القلوب بالعلم والإيمان وحقائق ذلك، فإن القلوب مفتقرة غاية الافتقار إلى أن تكون عالمة بالحق مريدة له متألهة لله متعبدة، وبذلك يحصل غناها ويزول فقرها. فالمؤمن بربّه والمؤمن بوجوده هوَ صاحبُ رزقٍ عريض وعطاءٍ عظيم، ولأنّ الرزق هوَ نفعٌ للإنسان ومن مميزاته أنّهُ يأتي دوماً بالخير، فالإيمان رزقٌ يؤدّي بصاحبهِ إلى دُخول الجنّة والسعادة في الدُّنيا والآخرة.

رزقُ العِلم والفقه والحِكمة: فالعِلم هو ميراث الأنبياء، وكذلك الحِكمة هيَ عطاء عظيم؛ لأنَّ الله قالَ عمّن أوتي الحكمة بأنّهُ أوتيَ خيراً كثيراً، وكذلك الفقه والفهم هوَ رزق واسِع؛ لأنَّ من يُرِدِ اللهُ بهِ خيراً يُفقّههُ في الدين.

ويقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله:

الرزق ما ينتفع به الإنسان وهو نوعان: رزق يقوم به البدن، ورزق يقوم به الدين.

والرزق الذي يقوم به البدن: هو الأكل والشرب واللباس والمسكن والمركوب وما أشبه ذلك.

والرزق الذي يقوم به الدين: هو العلم، والإيمان.

فمن الأمور المعنوية: الإيمان الصحيح السليم من البدع والمنكرات والشبهات، والذي هو في الحقيقة سبيل النجاة يوم القيامة، أو العلم الذي يبصر الإنسان بحقائق الأشياء، ويرشده إلى ما فيه صلاحه في الدنيا وفلاحه في الآخرة، أو غير ذلك من الأمور المعنوية.

فالإيمان رزق، وحب النبي رزق، وحب الصحابة رزق، والعلم رزق، والخُلقُ رزق، والزوجة الصالحة رزق، والحب في الله رزق، وصيامك للنهار رزق، وقيامك الليل رزق، والولد، والأهل، والصحة، والحب، والقبول، وغير ذلك، سمّي كلّ ذلك رزقاً؛ لأنه مقدّرٌ من الله عزّ وجل، وينتفع الإنسان به أيما انتفاع.

وقد عُرِضَتْ هذه القضية في آية أخرى في قوله تعالى: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً} [الزخرف: 32].

فلو أجريتَ معادلة بين الناس لوجدتَ مجموع كل إنسان يساوي مجموع كُلِّ إنسان، بمعنى أنك لو أخذتَ مثلاً: الصحة والمال والأولاد والقوة والشجاعة وراحة البال والزوجة الصالحة والجاه والمنزلة ... الخ لوجدت نصيب كُلٍّ منّا في نهاية المعادلة يساوي نصيب الآخر، فأنت تزيد عني في القوة، وأنا أزيد عنك في العلم، وهكذا ... لأننا جميعاً عبيدٌ لله، ليس مِنّا مَنْ بينه وبين الله نسب أو قرابة.

المصدر: موقع الإسلاميون