logo

من مهارات الناجحين ترتيب الأولويات


بتاريخ : الخميس ، 18 جمادى الأول ، 1440 الموافق 24 يناير 2019
من مهارات الناجحين ترتيب الأولويات

قد تجتمع في الشخص الواحد عدة مميزات، وقد يكون لديه عدد من المهارات التي تؤهله لأن يسلك طريق النجاح في حياته، ولكن تأتي المشكلة من عدم قدرته على الترتيب الجيد لجدول أعماله ومهامه، حسب أولوياتها في الأهمية.

وهذا المعنى هام ومعتبر عندنا في دين الإسلام، وهي قاعدة تنتظم بها حياة المسلم حتى يدرك أهدافه، ويصبح من الفائزين إن شاء الله، فعن أبي المَلِيحِ أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه لما حضرته الوفاة أرسل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: «إني أوصيك بوصية, إن أنت قبلتها عني: إن لله عز وجل حقًا بالليل لا يقبله بالنهار, وإن لله عز وجل حقًا بالنهار لا يقبله بالليل, وإنه عز وجل لا يقبل النافلة حتى تؤدى الفريضة».

ما المقصود بترتيب الأولويات:

المقصود بترتيب الأولويات في الإسلام "وضع كل شيء في مرتبته بالعدل من الأحكام والقيم والأعمال، ثم يقدم الأولى فالأولى، بناءً على معايير (موازين) شرعية صحيحة، فلا يقدم غير المهم على المهم، ولا المهم على الأهم، ولا المرجوح على الراجح؛ بل يقدم ما حقه التقديم ويؤخر ما حقه التأخير، ولا يكبر الصغير، ولا يصغر الكبير؛ بل يوضع كل شيء في موضعه الذي شرع له".

تجربة طريفة مع قاعدة (ترتيب الأولويات):

قام أحد المعلمين بهذه التجربة من أجل أن يبين لتلاميذه أهمية ترتيب الأولويات في حياتهم، وكيف يطبقون ذلك، حيث وقف الأستاذ أمام تلاميذه ومعه بعض الوسائل التعليمية، ودون أن يتكلم بدأ الدرس بتناول عبوة زجاجية كبيرة فارغة، وأخذ يملأها بكرات الجولف، ثم سأل التلاميذ: أترون؟ إنها ممتلئة، أليست كذلك؟ فأجابوا: نعم، هي كذلك.

تناول وعاءً صغيرًا من الحصى، وسكبه داخل الزجاجة، ثم رجها بشده حتى تخلل الحصى كرات الجولف وملأ الفراغات بينها ثم سألهم الأستاذ نفس السؤال، فكانت نفس الإجابة من التلاميذ.

تناول كيسًا من الرمل وسكبه فوق محتويات الزجاجة؛ فملأ الرمل باقي الفراغات فيها، فكرر السؤال وبالتالي تكررت نفس الإجابة، سكب الأستاذ بعدها فنجانًا من القهوة داخل الزجاجة فضحك التلاميذ، وبعد أن هدأ الضحك شرع المعلم في الحديث قائلًا:

الآن أريدكم أن تعرفوا أن هذه الزجاجة كمثل حياة كل واحد منكم، وكرات الجولف تمثل الأشياء الضرورية في حياتك: دينك، قيمك, أخلاقك، عائلتك, أطفالك، صحتك, أصدقاءك...، فلو فقدت كل شيء وبقيت هذه الأشياء فستبقى حياتك مستقرة ثابتة.

أما الحصى فيمثل الأشياء المهمة في حياتك: وظيفتك, بيتك, سيارتك...، والرمل يمثل الأمور البسيطة والهامشية: الوزن، الرشاقة، ديكورات المنزل، وسائل الترفيه، فلو كنت وضعت الرمل في الزجاجة أولًا فلن يتبقى مكان للحصى أو لكرات الجولف، وهذا يسري على حياتك الواقعية كلها، لو صرفت كل وقتك وجهدك في هوامش الأمور فلن يتبقى حيز للمهام الجسيمة التي تهمك، حدد أولوياتك فالبقية مجرد رمل.

وحين انتهى الأستاذ من حديثه الرائع رفع أحد التلاميذ يده متسائلًا: إنك لم تبين لنا ما تمثله القهوة، ابتسم الأستاذ وقال: أنا سعيد جدًا بسؤالك، أضفت القهوة فقط لأوضح لكم أنه مهما كانت حياتك مليئة فسيبقى هناك دائمًا مساحة لفنجان من القهوة!!

أعمارنا محدودة فلنبدأ بالأهم:

تلك قناعة ينبغي ألا تغيب عنا طرفة عين، فترتيب الأولويات يعني توفير الوقت والجهد وإحراز ثمرة العمر التي يتمناها كل النجباء، وإن كانت مسألة الترتيب تمثل إشكالية لدى البعض إلا أن الإشكالية الكبرى في كيفية الترتيب، وبمعنى أوضح أن نرى المهم مهمًا فنقدمه، والهامشي هامشيًا فنؤخره؛ لأن البعض قد يلتبس عليه الأمر ويظن أن المقصود مجرد الترتيب البحت، وقد يجعل الثانوي أساسيًا والأساسي ثانويًا وهو يحسب أنه قد أحسن صنعًا.

البعض الآخر قد يرتبون أولوياتهم وفق رغباتهم، متجاوزين ما يحتاج إلى جهد جهيد أو همة كالحديد، وهم في ذلك يؤثرون الدعة، ويستمرئون الاسترخاء، ويشفعون لأنفسهم بأن هذا جهدهم المتاح، متناسين أن الحياة الكريمة دونها مفاوز وقفار، ومن طلب عظيمًا خاطر بعظيمته.

الفرق بين الأهداف والأولويات:

هناك خلط شائع بين الأولويات والأهداف، فالأولويات هي الملهم والأساس التي تحدد أهدافك من خلاله، فهي مصدر كل الأهداف، والإطار العام الذي يشملها ويحتويها، أما الهدف فهو مهمة أو إنجاز تريد تحقيقه.

فالرغد المادي والأسرة المستقرة والصحة الجيدة...، كلها أولويات ينضم تحتها العديد من الأهداف؛ مثل: زيادة الدخل الشهري، والادخار العام، واختيار الزوجة المناسبة كشريكة العمر، والمدرسة النموذجية للأولاد، والالتزام بالإرشادات الغذائية والفحوصات الدورية من أجل الحفاظ على الصحة...، إذن (كل أولوية هدف، وليس كل هدف أولوية).

كيف أرتب أولوياتي؟

يقول علماء إدارة الذات: «عليك التركيز أولًا في الصورة الأكبر لحياتك، فكر في المثلث بوضعه المقلوب، فكل ما يمثله أعلى قائمتك يجب أن يتضمن المشروعات والأفكار الكبيرة التي تفكر فيها، وأثناء قيامك بأعمالك ضع مشروعاتك الصغيرة وأفكارك حيز التنفيذ، وباحتفاظك بترتيب أولوياتك تأكد من تنفيذ أهم الأشياء التي تريد القيام بها».

ابدأ بالأهم:

أهم قضية ينبغي أن نوليها جل اهتماماتنا هي قناعاتنا الذاتية، وثوابتنا الفكرية، وأسسنا العقائدية التي تمثل خميرة خصبة لإنجاح أي عمل يأتي بعد ذلك؛ ذلك لأن المرء يسير دومًا وفق تصوراته، وهي التي تحدد فيما بعد رغباته ومنطلقاته وخارطة طريقه.

وقال صلى الله عليه وسلم: «الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطَّريق» [رواه مسلم]، وفي الحديث القدسي: «وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه» [رواه البخاري].

وعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: «تعلمنا الإيمان، ثم تعلمنا القرآن فازددنا إيمانًا، وأنتم تتعلمون القرآن قبل الإيمان».

من أهم معوقات تسلسل الأولويات بشكل صحيح:

(التسويف، التيبس)، فينبغي الحذر منها، فهي من أشهر الآفات التي تعوق المرء عن تطبيق الأولويات التي حددها لنفسه.

فالتسويف يؤجل المهام حتى تضيع فرصتها وبريقها، ويكسب النفس نوعًا من التبلد من الصعب التخلص منه.

أما التيبس فهو فقد المرونة المطلوبة في التعامل مع أولوياتك، فالمرء بحاجة دومًا إلى المراجعة بعد كل مرحلة يمر بها، يقف فيها لبرهة يرصد عندها الإنجازات والإخفاقات، ومن ثم يتخذ القرار المناسب، سواء بالتقدم أو التقهقر أو التعديل في المواقف والأساليب، كما قد يكون التيبس هو نوع من الجمود الفكري والعناد السلوكي، الذي يبدو في ظاهره رغبة جامحة على الصمود والإصرار، لكنه في واقع الأمر عناد لن يجلب لنا إلا الحسرة والندامة.

وفي الطريق لا تهمل الأمور الصغيرة؛ فلها أهميتها أيضًا:

عن أبي جرىٍّ الهجيمي قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: «يا رسول الله، إنا قوم من أهل البادية فعلّمنا شيئًا ينفعنا الله تبارك وتعالى به»، قال: «لا تحقرنّ من المعروف شيئًا ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي، ولو أن تكلّم أخاك ووجهك إليه منبسط» [رواه أحمد (20110)].

عزيزي القارئ، لا ينبغي فهم قضية ترتيب الأولويات على أنها تخلي عن الأمور الصغيرة! أو تخطّي الأشياء الجميلة ولكنها غير مهمة جدًا! إطلاقًا، فلحظات الاسترخاء أو الجلسات الاجتماعية مع الأحباب مهمة في تجديد عزيمتنا واستعادة نشاطنا، وليس من الحكمة اعتبارها مضيعة للوقت وتفريغًا للجهد؛ لأننا منطقيًا لا يمكن أن نعمل بدأب طيلة العمر، والحكمة تقتضي وضع الأمور في نصابها، وإجمالا: إذا أردنا الاحتفاظ بكل شيء فسوف نعاني من الحمل الزائد، فمن الأفضل أن نختار التخلّي بوعي عن الأمور التي لا تخدمنا كثيرًا، ونحتفظ بتلك المفيدة.

وأخيرًا إليك خير ثمرة:

إن ترتيب أولوياتك تجعل منك إنسانًا ذا صحة نفسية وجسدية هائلة، وضمان دوام النجاح والفاعلية والارتقاء، وتبعد عنك استنزافك الخاطئ لوقتك ونفسك وجسدك، وبالتالي تجعل حياتك أكثر هدوءًا واستقرارًا، وتشع منها رائحة الرضا الذاتي والسعادة، وتبعدك عن ضغوط المسئوليات والهم والغم والكآبة، التي باتت هذه الأيام صفة موصوفة لدى شريحة كبيرة منا.

________________

المراجع:

مقالة: رتب حياتك، د. خالد سعد النجار، موقع: صيد الفوائد.

ترتيب الأولويات وأثره في حياة الأفراد والمجتمعات، د. خالد بدير.