التدريب المرح استراتيجية تدريبية كبرى!!
يتبين للكثير من الحاضرين لبعض الدورات التدريبية أن المشاركين أحيانًا يعانون، وبشدة، من جمود الأداء التدريبي لبعض المدربين، في صورة الجفاء في التعامل، والتقليدية في الوسائل والأساليب، وغياب الهدف التدريبي من الفعالية إلى الإلقاء، الذي لا يتعدى تنفيذ المهمة التدريبية كوظيفة، من غير روح أو تفاعل مع المشاركين بالعملية التدريبية، فضلًا عن المرض العصري في سوق التدريب، وهو ما يطلق عليه استهلاك الوقت Time Consuming، ومن هنا كانت الحاجة إلى أسلوب جديد في الأداء التدريبي، يعيد الروح إلى العملية التدريبية، وهو ما أطلق عليه خبراء التدريب (Fun Training)، وهو ليس مجرد وصف للمناخ التدريبي، وعلاقة التفاعلية والأريحية بين خبير التدريب والمشاركين فحسب؛ بل إنه أسلوب تدريبي مستقل في حد ذاته.
ويمكن اعتبار التدريب المرح فلسفة ومدرسة، يختار خبير التدريب بينها وبين التدريب التقليدي في الأداء، ومن هنا يمكن أن نصف التدريب المرح بأنه استراتيجية تدريبية كبرى، قد تصلح للتطبيق مع كل الأساليب التدريبية، ولكن بمواصفات تتناسب مع كل مستوى من المستويات التدريبية، وتفاصيل الأهداف التدريبية المرجوة، وشخصية المشاركين في التدريب، كما أنه لا يجب أن ينظر إلى التدريب المرح على أنه تدريب يتسم بالفكاهة والهزل والاستخفاف بالمشاركين، وهو ما لا يمت بأي صلة إلى التدريب المرح؛ بل ولا إلى العملية التدريبية ككل.
التدريب المرح.. الراحة النفسية للمتدربين يجب أن تراعى:
يمكن أن نعرف التدريب المرح بأنه ذلك الأسلوب التدريبي الذي يعتمد على الراحة النفسية للمشاركين بالعملية التدريبية، من خلال الأساليب المحببة إليهم، في مناخ من السعادة والسرور لخدمة العملية التدريبية.
ومن هنا يتضح عامل مهم جدًا في توصيف التدريب المرح، ألا وهو أن وصف (المرح) موقوف على تقييم المشاركين ورؤيتهم للأداء على أنه مرح، وليس فقط من وجهة نظر خبير التدريب، وبهذا ما قد يعتبر تدريبًا مرحًا لمجموعة الشباب صغار السن قد لا يتناسب مع مجموعة من المديرين أو الضباط أو كبار الشخصيات.
إن دورات إعداد المدربين يتم تنفيذها على مستويين رئيسيين، وهما:
- إعداد المدربين الأساسي.
- وإعداد المدربين المتقدم.
ومن أبرز ما يميز كلًا من المستويين هو تدريب المدربين على كيفية التمييز بين مستويات المشاركين وأنماطهم البشرية، وإتقان ما يصلح لكل منهم كأحد أهم ميزات خبير التدريب الناجح.
ولعل خبراء التدريب لديهم وجهتا نظر حول التدريب المرح، فالبعض يرى أنها أسلوب بحد ذاته، والبعض يرى أنها فلسفة لبعض المدربين وليست أسلوبًا مستقلًا، في حين يرى البعض أن التدريب المرح هو اتجاه معاصر، ينبغي اتباعه بمعرفة خبراء التدريب بما يتناسب مع مجريات العصر الجامدة والقاسية في كثير من الأحيان، ولعل الصحيح أن التدريب المرح قد يكون أسلوبًا مستقلًا؛ لأن خبير التدريب قد يعتزم تغيير نمط الأداء التقليدي، ويضع لذلك سيناريو معينًا وتفاصيل تثبت أنه أسلوب مستقل، كما أنه فلسفة واستراتيجية كبرى ولا خلاف في ذلك؛ مما يزيد من أهميته ووزنه بين أساليب التدريب لما هو أبعد وأكبر من مجرد كونه أسلوبًا تدريبيًا وليس أقل.
عدة عوامل ترسم ملامح المرح:
يختلف المرح بحسب مجموعة من العوامل، من بينها:
• أعمار المتدربين.
• تخصصات المتدربين.
• الموضوع التدريبي.
• ثقافات الشعوب.
• المناخ التدريبي.
• البيئة التدريبية.
• رؤية المدرب لمفهوم المرح.
• ميزانية التدريب.
ولا خلاف على أن المرح يشير إلى ما هو محبب إلى نفوس المتدربين، كما أنه من غير شك يعتبر المرح عملية تفاعلية بين خبير التدريب والمشاركين فيه، بما يضيف صبغة رائعة على العلاقة بينهما أثناء العملية التدريبية، تخرج عن إطار التعامل الرسمي والتقليدي، مع حفظ الاحترام المتبادل، وفعالية تحقيق الأهداف التدريبية، من غير إفراط أو تفريط أو استخفاف، وقد يأخذ التدريب المرح صورة أو أكثر من الصور التالية:
• تقديم قصة قصيرة معبرة عن حكمة مفيدة.
• طرفة أو مزحة مناسبة.
• لعبة أو تسلية هادفة من أفكار المدرب أو المتدربين.
• تغيير للمكان التدريبي إلى مكان آخر غير الروتيني والمعتاد.
• تغيير للفقرات بإعادة ترتيبها أو الإضافة أو الحذف.
• تغيير الشخصيات المقدمة للعرض التدريبي من خلال عروض المتدربين، أو باستضافة شخصيات من الخارج.
• استفتاء المشاركين بالتدريب على فقرة مرحة من اختيارهم.
• إقامة حفل بمعرفة المتدربين، مع وضع ضوابط هادفة لخدمة الأهداف التدريبية.
• تغيير طريقة التواصل مع المتدربين كالتواصل على الإنترنت في مواعيد متفق عليها.
• الاجتماع على مشاهدة مادة إعلامية مرئية أو الاستماع إلى مادة مسموعة.
• مشاركات خبير التدريب والمتدربين في التعريف بخبراتهم الذاتية والشخصية، بما يخدم أهداف التدريب حتى ولو بشكل غير مباشر.
• الاجتماع لتناول بعض الأطعمة والمشروبات.
كيف نطبق التدريب المرح؟
يظن البعض، من غير المتخصصين بالتدريب، أن التدريب المرح لا يعدو زيادة عن إلقاء بعض النكات أثناء العملية التدريبية التقليدية، وأنه لا يمثل أسلوبًا في حد ذاته.
والصحيح أن التدريب المرح أكبر من مجرد أسلوب، فهو أسلوب له أسس وقواعد وطرق متبعة، ويختلف تطبيقه بحسب مهارات خبراء التدريب، كما أنه فلسفة عامة يمكن تطعيم باقي أساليب التدريب بها، وصبغتها بالصبغة المرحة المحببة لنفوس المشاركين.
في البداية على خبير التدريب التحضير الجيد لليوم التدريبي، متناولًا المحتوى التدريبي الذي سيخدم تحقيق الأهداف المعرفية، والوجدانية، والمهارية المختلفة التي يرغب في تنميتها لدى المشاركين بالتدريب، كما يتقن توزيع الزمن لكل هدف من هذه الأهداف، متمثلًا في الأنشطة التدريبية المختلفة، ومستعينًا بالوسائل التدريبية المناسبة، وقبل التنفيذ الفعلي للأداء التدريبي على خبير التدريب التأكد من تحقق ثلاثة عوامل رئيسية قبل الاعتماد على أسلوب التدريب المرح.
وهذه العوامل كما يلي:
• العامل الرئيسي الأول، الذي يتسلح به خبير التدريب قبل الشروع الفعلي في التدريب المرح، هو أن يقتنع بشكل راسخ بأهمية هذا الأسلوب وتلك الفلسفة في نجاح تحقيق الأهداف التدريبية.
• العامل الرئيسي الثاني هو تجهيز بعض المحتويات المقروءة أو المسموعة أو المرئية لإضافة جو من المرح إلى نفوس المشاركين، وبما يتناسب مع مستوياتهم كما أشرنا من قبل، مع الإشارة إلى أن هذا المناخ المرح قد يتحقق من خلال المكان الذي يختاره للتدريب ليخرجه عن الجمود التقليدي؛ كأن يختار متنزهًا أو حديقة أو مسرحًا، بحسب الظروف المتاحة.
• والعامل الرئيسي الثالث هو أن يتأكد خبير التدريب من مهارته في الإدارة المرحة للمناخ التدريبي بينه وبين المشاركين، حيث قد يكون من السهل جدًا الحزم داخل القاعة التدريبية، في الوقت الذي يصعب فيه المرح الهادف والمنضبط أثناء الأداء التدريبي.
تغيير القناعات السلبية من أهم أهداف التدريب المرح:
يساعد التدريب المرح، كغيره من أساليب التدريب الأخرى، في تحقيق جميع أهداف التدريب، ولكن بأوزان مختلفة لكل هدف من الأهداف الثلاثة.
إن التدريب المرح يدعم تحقيق الأهداف المعرفية من خلال تلقي المشاركين للمعلومات والمعارف بدرجة استيعاب أكثر، وقدرة أعلى على تحمل كم وعمق المعلومات المقدمة عن كثير من أساليب التدريب الأخرى، كما أن التدريب المرح قد يعتبر من أكثر الأساليب فعالية في تغيير القناعات السلبية إلى أخرى إيجابية بحسب الأهداف التدريبية؛ بسبب اعتماد خبير التدريب على مدخل المرح المحبب إلى النفوس البشرية، في أغلب الأحيان، وإلى نفوس المشاركين، شريطة الاختيار بعناية بين أنواع المرح بحسب الظروف والأحوال لكل حالة تدريبية على حدة، بالإضافة إلى أن التدريب المرح يساعد المشاركين في تحمل يوم تدريبي مطول وممتلئ بالمهارات العملية والتطبيقية.
ولذا فإننا نجد أن أسلوب التدريب المرح يخدم كلًا من الأهداف الثلاثة، بأوزان نسبية متقاربة إلى حد كبير، وليس كما هو بالأساليب الأخرى، التي يكون دعمها لتحقيق الأهداف بنسب وأوزان نسبية متفاوتة بشكل واضح.
تحمل أعباء اليوم التدريبي.. من إيجابيات التدريب المرح:
تقول الحكمة الإنجليزية: Innovate Or Evaporate، التي تعني: ابتكر وأبدع قبل أن تتبخر وتختفي، وهو ما يدعو إلى التجديد المستمر في الأداء التدريبي كإحدى ضروريات نجاح خبير التدريب في أداء مهمته، مع أعلى مستوى من الفعالية وتحقيق الأهداف، ولعل التدرب المرح أحد هذه السبل للتجديد والتطوير وعلاج الرتابة والملل على المناخ التدريبي.
ويساعد التدريب المرح على تحقيق مجموعة من الإيجابيات والمزايا، لعل من أهمها ما يلي:
• مساعدة المتدربين في تحمل أعباء اليوم التدريبي.
• يترك بصمة قوية في نفوس المتدربين.
• يساعد على تذكر المعلومات والمهارات وترسيخ القناعات المكتسبة.
• يسوق وبقوة لخبير التدريب في سوق التدريب بين باقي خبراء التدريب، لدلالته الواضحة على مدى تمكنه من موضوع التدريب، شريطة أن يكون المرح هادفًا وليس وسيلة تضييع وقت أو تملق إلى المتدربين فحسب.
• ترك المجال للمتدربين في التعبير عن آرائهم وخبراتهم.
• تقليل الصراع بين المتدربين وبعضهم أو مع خبير التدريب إلى أقل حدود ممكنة.
ما هي صعوبات وتحديات التدريب المرح؟
يحتاج التدريب المرح لمهارات خاصة يجب أن تتوافر في خبير التدريب، بالإضافة لما تحتاجه من المعارف حول الأسلوب وطريقة تطبيقه، أما عن المعارف والمعلومات التي يحتاجها خبير التدريب لتطبيق أسلوب التدريب المرح فهي تشمل مجموعة من الجوانب، لعل من أهمها ما يلي:
• الإحاطة بأنظمة المؤسسة التعليمية أو التدريبية، وحدود السماحية بصور التغيير بالأداء التدريبي؛ حيث ينبغي أن يكون التطبيق في إطار المسموح به نظامًا داخل المؤسسة.
• الإلمام بثقافة المنظمة والمشاركين، وخاصة للمدربين الدوليين، حيث إن هناك ثقافة للمكان يصبغها على أصحابه، وفقًا لما يقوله العلامة الشهير جمال حمدان حول ثقافة المكان.
• معرفة بعض أساليب المرح والفكاهة، وتغيير الأنماط التقليدية.
• معرفة بعض القصص والنوادر التي تعتبر من الاحتياجات الضرورية للمدرب، كما سبق إفراد ذلك بمقال منفرد بعنوان: الزيتون الإداري وموائد التدريب.
والمعارف وحدها لا تكفي لتطبيق خبير التدريب لأسلوب التدريب المرح، حيث يحتاج المدرب لمجموعة من المهارات اللازمة للنجاح في تطبيقه لتدريب مرح مقبول وفعال لدى المتدربين.
ومن بين هذه المهارات ما يلي:
• مهارة الفكاهة والمزاح المقبول؛ بل مهارة التبسم إن صح التعبير.
• مهارة إلقاء القصص والحكايات والنوادر القصيرة، أو المطولة أحيانًا.
• مهارة التعامل مع الشخصيات والأنماط البشرية المختلفة أثناء عملية التدريب المرح؛ كنمط الانطوائي، المشاغب، العدواني سريع الغضب...، وغير ذلك من الأنماط التي قد تخرج الأسلوب عن الأهداف التدريبية المرغوب تحقيقها، ما لم يكن خبير التدريب حاذقًا وماهرًا في تطبيق الأسلوب.
• بعض المهارات الحركية أحيانًا لعدد من صور التطبيقات المرحة التي قد تصلح في بعض حالات التدريب، ولفئة من المتدربين وليس كلهم.
محاذير ونصائح للتدريب المرح:
إن التدريب المرح أسلوب فعال وداعم لكل أساليب التدريب الأخرى، ويصلح كما قلنا كفلسفة واستراتيجية عامة لخبير التدريب، شريطة أن يراعي الوقوع في بعض المحاذير التي من أهمها ما يلي:
• الوقوع في دائرة الإسفاف والمزاح غير المقبول، أو السماح لبعض المتدربين بالوقوع فيه، وعلى خبير التدريب الحرص الكامل على سير نوع الدعابة والمرح، وأنها اتخذت كوسيلة وليست غاية في حد ذاتها.
• الخروج عن أهداف التدريب، وعدم القدرة على السيطرة على الأداء التدريبي بشكل فعال يصيب تحقيق حجم وجودة الأهداف التدريبية المخطط لها من قبل، وعلى خبير التدريب أن يضع معيارًا لتقييم أدائه التدريبي، متمثلًا في مدى تحقيق حجم وجودة الأهداف التدريبية.
• عدم إدارة الوقت التدريبي وجدول الأعمال أثناء التدريب كما تم التخطيط المسبق له بمعرفة خبير التدريب، وعلى خبير التدريب أن يضع جدول أعمال اليوم التدريبي بشكل مناسب ومقبول لصورة المرح التي سيتبعها، سواء بالمرح من خلال المكان أو الموضوع أو الأداء أو كل تلك الصور مجتمعة في وقت واحد، ومن ثم عليه بعد ذلك الالتزام بجدول الأعمال المخطط له، وبالتعاون مع المتدربين بعد توضيح قواعد التطبيق بشكل مسبق لهم؛ ليتعاونوا جميعًا على تحقيقه.
• عدم القدرة على التعامل مع الشخصيات والأنماط البشرية المختلفة، التي قد تؤدي بأسلوب التدريب المرح إلى نتائج غير مرغوبة، بين الإفراط أو التفريط، أو بمعني آخر مغالية في ردود أفعالها بين أقصى اليمين؛ كالنمط المشاغب أو الفكاهي، وبين أقصى اليسار؛ كالنمط العدواني أو متصيد الأخطاء، وعلى خبير التدريب أن يسترجع خبراته السابقة في ذلك؛ حيث إن بعض الشخصيات غير منتشرة، وقد لا يقابل خبير التدريب بعض الأنماط إلا مرات قليلة خلال سابق عهده بالتدريب، وهذا ما يجعل موضوع الأنماط البشرية أحد الموضوعات الرئيسية في المستوى الأساسي لتدريب المدربين، كما أن بعض الأنماط البشرية ذات الطبيعة الخاصة تمثل أحد الموضوعات الرئيسية كذلك لمستوى إعداد المدربين المتقدم.
أخيرًا.. التدريب ليس مجرد شرائح معروضة!!
أدرك خبراء التدريب الناجحون أن ترك بصمة إيجابية قوية وثابتة وراسخة، في نفوس المتدربين والمشاركين في الأعمال التدريبية التي قاموا بتنفيذها، ليس بالشيء السهل، كما أنهم أيقنوا أن التدريب ليس بالمهمة البسيطة، التي يظن بعض الدخلاء على مهنة التدريب أنها مجرد تمرير شرائح العروض التقديمية، وقراءتها أمام المتدربين بطريقة تدعو إلى الرثاء؛ بل تدعو للشفقة أحيانًا على من يحضر مثل هذه الدورات التدريبية الجامدة والرتيبة، التي قد تكون في نهايتها ومجملها غير مفيدة، أو على أحسن الافتراضات قليلة الفائدة.
والتدريب المرح يأتي في وقت تزايدت فيه شدة الأزمات العالمية، وكذلك التبعات الفردية تجاه تلك الأزمات المتعددة بالمجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية...، ما يدفع بخبير التدريب، الذي يستهدف توصيل المعلومات والمعارف وتغيير القناعات وإكساب المهارات، أن يبحث عن أكثر الأساليب نجاحًا، وأعمقها تأثيرًا على نفوس المشاركين؛ لدفع عجلة التنمية الشخصية والعامة، واللحاق بركب العالم المتقدم، الذي سبق غيره باستيعابه لوجوب وضرورة دور خبراء التدريب.
المدرب العالمي وثقافات الشعوب:
لاحظت بعد تدريب العديد من المتدربين من العديد من الجنسيات العربية وغير العربية، ومن خلال العمل كمستشار إداري وتسويقي لأكثر من ثماني شركات متعددة الجنسية، أن كلمة المدرب العالمي أبعد بكثير من مجرد التدريب خارج القطر الذي يقيم به المدرب، وإنما قد يطلق اسم المدرب العالمي على خبير تدريب لم يتول عملًا تدريبيًا خارج موطنه الذي يعيش فيه؛ حيث إن خبراته العالمية تتعلق بأعداد الجنسيات التي قام بالتعامل معها، وحقق فيها تواصلًا فعالًا مع المتدربين التابعة لكل منها، وخبير التدريب الذي يستهدف مستوى التدريب العالمي عليه أن يكمل بناء خبراته التدريبية باثنين من الدعائم الرئيسية لتحقيق ذلك، وهي كما يلي:
• الإلمام بالمعارف المعينة على التعرف على ثقافات الشعوب المختلفة.
• التمكن من المهارات اللازمة لتغيير قناعات المتدربين ذوي الثقافات والجنسيات المختلفة.
وأذكر أثناء عملي كمستشار لإحدى الشركات اليابانية، لفترة امتدت أكثر من أربع سنوات، أنني واجهت الكثير من جوانب الاختلاف عن غيرها من الثقافات والشعوب الأخرى، فمن جوانب الاختلاف أنك تجد الموظف الياباني اعتاد الجلوس على مائدة الاجتماعات بترتيب المستوى الوظيفي والسن، ابتداءً من مدير الجلسة وبشكل دائري حتى الجانب الآخر لمدير الجلسة كذلك، وهو ما يجعلك بسهولة تتعرف على ترتيب مستوياتهم الإدارية والعمرية، كما أن الحديث أيضًا يتبع نفس الثقافة، حيث إن البداية والأولوية للأعلى بالمستوى الإداري والأكبر سنًا، ونجد أيضًا أن الشعوب الآسيوية تعتبر اللون الأبيض هو اللون الذي يصلح للمناسبات الرسمية وليس الأسود كما في كثير من الدول الأخرى.
ويتبين لكل من يحضر مفاوضة بحضور مجموعة من اليابانيين أنهم قد جمعوا وأعدوا معلومات غزيرة عن الأنظمة في بلده، قد تفوق في بعض الأحيان ما يعرفه هو عن موطنه أحيانًا.
والمؤكد أننا لا نقصد أن يتحول خبير التدريب إلى مؤرخ وعالم ببواطن الأمور الدقيقة والخاصة بكل ثقافات العالم، ولكن المراد هو أن يلم على الأقل بحد أدنى عام عن الشعوب والثقافات، بالإضافة لمستوى لائق من المعلومات والمعارف عن ثقافة الدولة التي يدعى لزيارتها لإقامة دورات أو برامج تدريبية فيها، أو حتى لتنفيذ مهام تدريبية لأشخاص يحملون جنسيات مختلفة عنه، ولو كان ذلك بداخل موطنه الأصلي وبلده الأم؛ لتحقيق أكبر قدر ممكن من الفعالية لتنفيذ أهداف التدريب التي يرجوها أو تسعى لتحقيقها المؤسسة التدريبية التي لجأت إليه.
ويحدث هذا النجاح من خلال التعرف على ما هو قد يعتبر مرحًا وفقًا لرؤية أصحاب ثقافة معينة، وقد لا يعد كذلك وفقًا لرؤية آخرين، فنجد أن كثيرًا من الشعوب ترى أن اللون الأزرق يرمز به للرجولة والذكورة، في الوقت الذي يرى فيه بعض الشعوب الأخرى أن اللون الأزرق هو من الألوان التي ترمز للأنوثة والنعومة، وثقافة الشعوب قد تشمل الدين، اللغة، مدلولات الألوان، الأمثلة، النكات وأساليب المزاح، القصص والحكايات، الأكلات الشعبية ومدلولات الأطعمة والأشربة...، وغير ذلك الكثير من التفاصيل التي قد تصنع الفرق بين خبير تدريب وآخر في مهام التدريب العالمي أو متعددي الثقافات، كما نقول الشركات متعددة الثقافات والجنسيات.
_________________
المصدر: موقع مهارات النجاح للتنمية البشرية