كيف تضع رسالتك في الحياة؟
ينبغي أن تعرف أن أي إنسان يود أن يغير أو يحسن من وضع معين لا بد له من معرفة وضعه الحالي أولًا، ومن ثم ما يود الوصول إليه، فتشخيص الواقع، وتحديد الطموح، ووضع خطة انتقالية تلك هي الاستراتيجية الصحيحة في التغيير.
فلا بد من تحديد الوضع الحالي لرسالتك (واقعك)، حتى ولو لم تعرفها، ويتم التعرف على رسالتك بطريقة تسمى "طريقة الصعود".
أود منك أن تختار هدفًا تود تحقيقه خلال هذا الشهر، أو خلال هذا الأسبوع، أو هذه السنة، أي هدف، ودعنا نسمي هذا الهدف "الحصيلة".
قد يكون هذا الهدف شراء سيارة، أو الحصول على عمل، أو النجاح في اختبار، أو السفر إلى الخارج، أو شراء ثوب، أو زيارة أخ لك...، أي هدف من هذا النوع، اختر هدفًا معينًا وضعه في خانة "الحصيلة".
الآن وبهدوء أريدك أن تسير معي في الإجابة على هذا السؤال، ولا تجب حتى تستشعر فعلًا، أريدك أن تحس، لا أريدك أن تجيب بعقلك فقط.
السؤال: إذا حصلت على هذه الحصيلة، وتخيل أنك حصلت عليها فعلًا، فما الذي يحققه لك ذلك حتى أكثر أهمية من هذه الحصيلة؟
أريدك أن تستشعر حقيقة أنك حصلت على هذه الحصيلة كما كنت تريد، ثم اسأل نفسك: ما الذي يحققه لي ذلك حتى أكثر أهمية؟
لا تجب حتى تحصل على الإجابة من داخلك أولًا، تأكد أنك في هدوء ودون مقاطعات، فإذا جاءك الجواب فضعه في خانة تسمى "الهدف(1)".
الآن وبعد أن دونت هدفك الأعلى من الحصيلة، استشعر أنك حصلت على هذا الهدف بالدرجة التي تريدها، وبالصورة التي تتمناها، وتخيل أنك فعلًا حصلت على هذا الهدف الأعمق من الحصيلة، فما الذي يحققه لك ذلك حتى أكثر أهمية من هذا الهدف؟
ثم تستمر على هذا حتى تصل إلى الحالة الجوهرية، وهي الحالة التي ليس بعدها هدف أو غاية، وهي تكون دائمًا رضا الله عز وجل.
وتعرف ذلك إذا وصلت إلى مرحلة لا ترى أو لا تشعر بأن هناك مرحلة بعدها، عادة ما تكون هذه المرحلة مرحلة ارتياح عام، وهدوء عجيب، وانسجامية قصوى بين العقل والروح والجسد.
إن الشخص يدور دائمًا حول رسالته, الرسالة في الغالب سامية, لكن قد يكون التطبيق والوسيلة خاطئة.
دعني فقط أُذكرك بصيغة الرسالة:
- الرسالة مستمرة, تأتي كفعل؛ مثل: تأمين أو إسعاد, أو تقوية, أو تعليم, أو مساعدة, أو رفع, أو تحقيق...
- الرسالة في المضارع, ليست في الماضي, ولا في المستقبل؛ بل هي الآن وكل زمان.
- الرسالة مختصرة, لكن تشتمل على عدة معان في حناياها.
توقف الآن, واستخلص رسالة من غاياتك المتكررة في سطر واحد فقط, ثم اكتبها.
قد تحتاج دقائق, أو ساعات, أو يومًا, أو حتى أسبوعًا, خُذ حصيلتك من الوقت, المهم أن تفعل ذلك أولًا, ثم عاود القراءة.
الآن, بدأت تفهم نفسك أكثر, وقد يأخذ عقلك الباطن ساعات أو أيام, يستنتج فيها أشياء سوف تنفعك في المستقبل, فقط أطلق لعقلك العنان, قد ترى أحلامًا, أو تشعر بمشاعر, فقط رحب بها, فهي إما أن تكون إيجابية, فهي سعيدة بما بدأت تُدركه, أو سعيدة بالانسجام بينها وبين العقل والجسد والروح, وإما أن تكون سلبية فهي تخرج وتعبر عن نفسها.
الآن, أريد أن أخبرك بكيفية أن تضيف لرسالتك شيئًا أو تعدل فيها.
أنت الآن لديك رسالة حالية, تريد أن تعدل وتضيف عليها, إن استعدت الحالة ربما تكون رسالتك هذه سامية, لكنها قد تكون أسمى, يكفي فقط أن تعرف رسالتك, فهذا بحد ذاته معين جدًا.
دعني أُعينك ببعض الملاحظات التي قد تستفيد منها بعض الشيء.
أولًا: هل نفسك في الرسالة أو لا؟
لاحظ أن رسالتي التي اكتشفتها كانت كالتالي:
إسعاد الآخرين والتأثير فيهم، رسالتي لم تكن تحتوي على نفسي, من هنا أدركتُ كيف أني كنت أعمل الليل والنهار من أجل إسعاد الآخرين والتأثير فيهم.
لقد استلمتُ لجنة خيرية آنذاك, وكانت ميزانيتها خمسة عشر ألف دينار, كان المفروض من هذه اللجنة أن تعرِّف بالإسلام لغير المسلمين, وكانت أعداد غير المسلمين في الكويت تُقارب ثُلث مليون, تصور أنا وعامل ومساعد لي, هو صديقي الفاضل وائل عبد الرحمن صدقة, المساعد في إعداد هذه المادة, بدأنا في تنفيذ هذه الفكرة.
في غضون أربعة سنوات, أصبحت اللجنة قوية جدًا على مستوى الخليج, ومعروفة على مستوى العالم, وأدخلت بفضل الله أكثر من عشرة آلاف شخص في الإسلام, وتركتها وميزانيتها تعادل مليون دولار.
إنها رسالة, ونِعمت الرسالة, لكني في ذلك الوقت خسرت أهلي وأولادي وصحتي, كانت مشاكلي الأسرية كثيرة, ووضعي المالي متواضع, وكنتُ أراجع عيادة القلب للفحوصات, وزاد وزني, ولازمني القلق والتوتر.
رسالتي لم تحتو نفسي, لذلك أضفتُ لها: إسعاد نفسي والآخرين, والتأثير فيهم.
بمجرد أن فعلتُ ذلك, ووضعت الخُطط المُعينة لذلك, تحسنت نفسيتي, وأصبحت صحتي في حالة ممتازة, وصرت والحمد لله أتدرب ما لا يقل عن ساعة إلى ساعتين, ثلاث مرات في الأسبوع, وأعطي نفسي من الاسترخاء ما لا يقل عن ثلاث ساعات أسبوعيًا, وأصبحت سعيدًا أسريًا.
فإذا لاحظت نفسك غائبًا عن الرسالة, فأنصحك أن تضيفها إلى رسالتك, الذي لا يُعطي نفسه لن يستمر, سوف يصل إلى مرحلة تُتعبه, هو كقائد السيارة الذي يقول: لا وقت لدي لتغيير الزيت, أو ملئها بالبنزين, ما الذي سيحصل؟ ستقف السيارة.
إذًا, هذه الملاحظة الأولى: تأكد من وجود نفسك.
الملاحظة الثانية: لا تنسَ الآخرين.
هناك من يجد في رسالته أن رسالته احتوت نفسه, لكن لم تحتو الآخرين؛ مثل: أكون واثقًا في تحقيق نجاحي, أو أن أبلغ قمة النجاحات في علم الهندسة, هذه الرسالة وتلك خالية من الآخرين.
رسالتك ينبغي أن تحتوي على الآخرين, يمكن أن تكون في الأولى: أن أكون واثقًا, وأن أحقق مع الآخرين نجاحات.
وفي الثانية: أن أساعد في تحقيق النجاحات في علم الهندسة بما يخدم السلك الهندسي والبشرية.
لاحظ أن رسالتي احتوت إسعاد نفسي والآخرين.
لمَّا كانت رسالة صديق الدكتور نجيب الرفاعي العلم, كان في ضمنها التعلم النفسي, والتعليم لغيره, هذا التوازن بين نفسك والآخرين, وفي الحديث: «ولنفسك عليك حقًا»[صحيح البخاري (3/ 38)].
ورسالة الأنبياء من أعظم الرسالات, وهي تبليغ الدعوة للآخرين: {وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} [يس:17]؛ أي: رسالتك في البلاغ المبين, لكن: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد:19] كما في سورة القتال.
{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[يوسف:108]، إذًا, ضمّن الآخرين في الرسالة, فأنت ضمِّن الآخرين مع نفسك في الرسالة.
ملاحظة أخيرة:
وهي أننا كمسلمين غايتنا الكبرى رضا الله سبحانه وتعالى عنَّا, فبإمكانك أن تضيف في بداية رسالتك (إرضاء الله تعالى).
فرسالتي, مثلًا, أصبحت: إرضاء الله بإسعاد نفسي والآخرين, وتنوير مجالات حياتهم المختلفة.
______________
المصدر: كتاب "كيف تخطط لحياتك"، للدكتور صلاح صالح الراشد.