logo

كيف أبدأ رحلة النجاح؟


بتاريخ : الخميس ، 17 ربيع الآخر ، 1439 الموافق 04 يناير 2018
بقلم : محمود عيسى
كيف أبدأ رحلة النجاح؟

خطوات للوصول إلى الغاية

قال لي صديقي: كثيرًا ما يأخذني الخيال ويحلّق بي في آفاق بعيدة، وأتخيل نفسي في مواقع ومراكز كبيرة، ولكن سرعان ما أفيق على واقعي، أنظر حولي فأجد نفسي قابعًا في مكاني، متقوقعًا حول ذاتي، وسرعان ما أردّد في نفسي سؤالًا طال أمده معي: ماذا أريد؟ وأردف قائلًا: هل لديك إجابة عن هذا السؤال؟

قلت له: نعم.

واستطرد قائلًا: انظر معي إلى السؤال (ماذا أريد؟) إنه سؤال مكوّن من كلمتين، يتردد كثيرًا على ألسنة الناس! من هم مثلي ومثلك، ومن هم في مستويات أعلى، ومن هم غير ذلك، يوجّهه فرد لآخر، أو يوجّهه الفرد لنفسه، وهو سؤال يحسبه الجاهل بسيطًا، ويعتبره العالِم من أصعب الأسئلة!

ولأننا ننشد النجاح دعنا نركز حديثنا عن أسباب الوصول إليه.

إن من أولى خطوات أو أسباب النجاح اعترافنا بأهمية طرح هـذا السؤال:

ماذا نريد؟ أو ماذا أريد؟ أو ماذا تريد؟

وذلك قبل الولوج في تنفيذ أي عمل، أو البدء في دراسة أي علم، أو البدء في التدريب على أي برنامج، أو الالتحاق بأية دورة تدريبية... إلخ، ثم تتبع الإجابة عن سؤال: ماذا تريد؟ بسؤال ثانٍ:

ما هدفك؟

وبعد الإجابة وتحديد الهدف بشكل واضح لا لبس فيه، ولا غموض، ولا مبالغة، توجه لنفسك السؤال الثالث:

ما هي الوسائل التي سوف تتبعها؟

وما مشاقها المادية، والمعنوية، والذهنية، والجسمانية التي قد تعترضك أثناء العمل على تنفيذ هذه الوسائل للوصول إلى تحقيق أهدافك؟

وتأتي المرحلة الأخيرة، وهي البدء في تحمل المشاق فعلًا؛ أي: البدء في الأخذ بالأسباب التي حددتها سابقًا، وكيف تواجه تبعاتها ومشاقها لكي تصل إلى تحقيق أهدافك أو هدفك المنشود، وتحمّلك لهذه التبعات وتلك المشاق سوف يؤدي بك إلى الوصول، بإذن الله، إلى تحقيق أهدافك المرجوة، فإن الله سبحانه وتعالى لا يضيع أجر العاملين، يقول سبحانه: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [النحل:97].

والإنسان العاقل، الساعي دائمًا إلى النجاح والتميز، نظر إلى حقيقة نفسه البشرية، فوجدها ترغب وتهوى أشياء كثيرة، ولكنه بإعمال عقله أدرك أن الرياح لا تأتي دائمًا بما تشتهيه السفن، وأن ما لا يُدرك كله لا يُترك جُلّه، وأن المرء لن يستطيع أن يحصل على كل شيء يتمناه ويرغبه، فليس كل ما يتمناه المرء يدركه، فعمل على كبح جماح نفسه، ولم يتبع نفسه هواها، ولم يتمنَّ على الله الأماني، فأخذ بالأسباب، وذهب إلى تحديد ماذا يريد فعلًا من أي شيء يرغبه؛ وذلك بأن جعل ما يرغبه هدفًا حقيقيًا يستطيع أو يمكنه تحقيقه، وجعله شيئـًا ماديًا ملموسًا، أو معنويًا محسوسًا، فما أحوجنا جميعًا إلى تمثّل ما ذهب إليه هذا الإنسان العاقل.

حقًا؛ إن من أولى وأهم بدايات رحلة النجاح أن نجسم أمام أعيننا أو في أذهاننا هدفنا الواقعي، الذي نريد تحقيقه.

أما الإنسان الفاشل يرغب في كل شيء، ولا يستطيع أن يحدد ماذا يريد فعلًا من أي شيء يرغبه!! فرغباته لا تتجاوز حدود الرغبة؛ لأنه ساكن لا يتحرك، فهو لا يترجم هذه الرغبات إلى أهداف واضحة محددة! ولم يضع بالتالي الوسائل التي تمكنه من الوصول إلى تحقيق أهدافه؛ أي الأخذ بالأسباب، فهو واقف عند رغباته المجردة من العمل التنفيذي!

إن الفرق أو البون شاسع بين الإنسان الناجح والإنسان الفاشل، ويتمثل هذا الفرق:

أولًا: في تحـويل الرغبة إلى هدف محدد يمكن تحقيقه على أرض الواقع.

وثانيًا: تحديد الوسـائل، وتهيئة الظروف الملائمة لتحقيق الوصول إلى الهدف المحدد والمنشود، مع التجنب التام للوسائل أو الظروف التي قد تعيق الوصول إلى تحقيق هذا الهدف.

فإرادة الإنسان الناجح دائمًا قوية، تدفعه إلى العمل الجاد، الذي يقوده إلى تحقيق الهدف المحدد! وعلى النقيض من ذلك نجد أن إرادة الفرد الفاشل قد أصابها الوهن، تدفعه دائمًا نحو التشتت، فنجده تائهًا بين كثير من الرغبات، فضلًا عن عدم توجيه هذه الإرادة الواهنة صاحبها إلى إنجاز عمل محدد!

إن نجاح أي عمل يبدأ بتحديد الهدف؛ أي تحديد: ماذا تريد، حيث تركز كل جهودك وأنشطتك، بعد تحديد الهدف، حول محور واحد محدد تحديدًا واضحًا، ومن ثم، ومن طبائع الأمور، أن هذا التركيز للجهود والأنشطة ستكون نتائجه، إن شاء الله، النجاح الباهر والمتميز.

ومن المزايا النفسية، المصاحبة لعملية تحديد هدف ما يسعى الإنسان إلى تحقيقه، شعور هذا الإنسان بذاته، وبأهمية وجوده في الحياة، وأن هناك عملًا ما يجب القيام به للوصول إلى تحقيق هذا الهدف المنشود، وفي ذلك متعة نفسية عظيمة لا يقدرها إلا الناجحون والمتميزون، أصحاب الرسالات والأهداف ذات الشأن والقيمة، فتحقيق الهدف أو الأهداف يحقق لهؤلاء الناجحين السعادة؛ إذ يشعرون بأنهم لا يشبعون النواحي الفسيولوجية (المأكل والمشرب، والسكن... إلخ) لأنفسهم وفقط؛ بل يسعون دائمًا لإشباع النواحي السيكولوجية (النفسية)، والتي قد تكون في أهمية النواحي الفسيولوجية لديهم.

يقول برنارد شو: «إن الفرح الحقيقي أن تخدم هدفًا عظيمًا بدلًا من أن تكون أحمق أنانيًا، يشكو من أن العالم لا يكرس نفسه لإسعاده».

إن هؤلاء الناجحين تجدهم دائمًا أصحاب قضايا كبرى، سواء خاصة بهم، أو خاصة بمجتمعاتهم وأوطانهم، فهم يضحون بحياة الراحة والرفاهية والدعة، ويفضلون عليها حياة التعب والسهر والإنفاق المالي في سبيل تحقيق أهدافهم وقضاياهم الكبرى على اختلاف مشاربهم، واتجاهاتهم، ولنا في ذلك العديد من الأمثلة والنماذج في القديم والحديث، والتي يجب علينا أن نعتبر بها، ونقتدي بأحسنها، وخير ما نقتدي به، كتمسك بتحقيق الهدف، موقف الرسول صلى الله عليه وسلم عندما عرضت عليه قريشًا الملك، والأموال الطائلة... إلخ، على أن يترك رسالته، ورده العظيم عليهم بأنهم لو وضعوا الشمس في يمينه، والقمر في يساره، وليست أموالهم ولا مُلكهم فقط، على أن يترك هذا الدين ما تركه أبدًا حتى يظهره الله؛ أي يتحقق الهدف، أو يموت دونه!

فهذا تمسك عظيم بالهدف والعزم على تحقيقه.

وهناك العديد من الوسائل المساعدة والمعينة للإنسان الناجح، والإنسان الذي يسعى إلى تحقيق النجاح كي يحدد أهدافه أو هدفه الذي يسعى إلى تحقيقه، ومن أهم هذه الوسائل:

1- تحديد الهدف الأكبـر أو الأسمى الذي تريـد الوصول إليه، وهذا الهدف بالنسبة لكل مؤمن، حق الإيمان، هو تحقيق رضا الله سبحانه وتعالى؛ إذ يجب ألَّا تشغلنا أهدافنا الدنيوية عن حقيقة الهدف مِن خَلْقِنا، يقول الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]، فغاية كل مؤمن هي تحقيق العبودية لله سبحانه؛ ليفوز برضاه، ومن ثم يفوز بالدارين، الدنيا والآخرة.

وتحديد الهدف وفقط دون العمل على تحقيقه لن يؤدي إلى شيء سوى السراب، ولن يخرج عن كونه رغبة وفقط، كما قلنا آنفًا.

2- تحديد رسالة ورؤية وغاية وهدف كبير، تسعى إلى تحقيقه على المستوى الشخصي، وهذا التحديد يتطلب منك اللجوء إلى التفكير والتخطيط الاستراتيجي.

فما هي رؤيتك في المدى البعيد؟ أو: ما هي الصورة أو المكانة التي ترى نفسك فيها بعد عشر سنوات مثلًا؟! وما هي رسالتك في الحياة، والتي تحملها بين جناحيك وتسعى إلى تحقيقها؟! وما هي غاياتك وأهدافك التي تسعى للوصول إليها؟

هذا التفكير الاستراتيجي سوف يساعدك على الإجابة عن هذه الأسئلة:

- ما هو موقعي الآن؟

- ماذا أريد أن أكون في المستقبل المنظور، والمستقبل البعيد؟

- أي رسالة أريد تحقيقها؟

- كيف ومتى وأين أحقق أهدافي، ومن ثم رسالتي ورؤيتي وغاياتي؟

- ماذا عليّ أن أفعل الآن؟

- من أين أنطلق؟

3- قسّم هدفك الكبير أو أهدافك الكبرى إلى أهداف صغيرة، محددة البداية ومعلومة النهاية، في إطار رؤيتك ورسالتك، وما أن تنتهي من تحقيق مجموعة من الأهداف الصغيرة حتى تبدأ في المجموعة التالية لها، فنتائج أو مخرجات المجموعة المنتهية من الأهداف الصغيرة هي مدخلات المجموعة التالية، وهكذا حتى تصل إلى تحقيق هدفك الكبير في إطار من الفكر والتخطيط الاستراتيجي.

وعلى الإنسان الـذي يريد النجـاح أن يكتب الخطـة العامة الخاصة به، موضحًا فيها الرسالة، والرؤية المستقبلية، والغايات، والأهداف، والوسائل التنفيذية، وهذه الخطة قد تكون لعشر سنوات أو أكثر أو أقل، ثم يُجزِّئها إلى خطتين، كل منها تغطي خمس سنوات على سبيل المثال، تشتمل كل خطة خمسية على مجموعة من الأهداف، ثم تُجزَّأ الخطة الخمسية إلى خطط سنوية، لكل منها مجموعة من الأهداف الخاصة بها كمرحلة زمنية، ثم تقسيم الخطة السنوية إلى خطط شهرية، ومن ثم أسبوعية، ثم إلى أعمال يومية مكتوبة ومحددة.

ويجب أن نعلم أن تحقيق الهدف الكبير إنما يأتي من خلال إنجاز أعمال يومية صغيرة، فلا نتهاون في عمل اليوم، ومن ناحية أخرى يجب أن تتوافر في هذه الخطط المرونة الكافية، وألَّا يتسرب اليأس إلى أنفسنا في حال عدم إنجاز هدف مرحلي، أو أهداف قصيرة المدى؛ فالمرونة المتوافرة في الخطط تعمل على عدم وجود هذا اليأس، الذي قد يؤدي إلى التوقف عن العمل، ومن ثم عدم إنجاز الخطط الأخرى، وبالتالي حصد الفشل.

فالتخطيط السليم لإنجاز الأهداف قصيرة المدى، وكذلك التخطيط الجيد لإنجاز الأعمال اليومية، أمر مطلوب ومرغوب لتحقيق النتائج الآنية، والتي بدورها تؤدي إلى رفع الحالة المعنوية، وتساعد على الاستمرار في إنجاز الأعمال التالية، ومن ثم إنجاز والوصول إلى تحقيق الهدف المنشود والمخطط له.

4- ذكّر نفسك دائمًا بهدفك الكبير وأهدافك الصغيرة، واكتبها وارجع إليها يوميًا، إن استطعت، أو أسبوعيًا، وحاسب نفسك على التقصير في الإنجاز، وكافئها على الإنجاز؛ كأن تعطي نفسك إجازة في نهاية الأسبوع، تستمتع فيها بالسفر واللهو المباح... إلخ، ورسّخ في داخلك أنك قادر، بإذن الله، على الوصول إلى تحقيق هدفك الكبير، بالتوكل على الله، ثم بالعمل المستمر الفعّال، وأنك لست بأقل من النـاجحين والمتميزين، وهذا يرسخ في عقلك الباطن ما يسمى بـ "وعي النجاح"، وسوف يساعدك هذا الوعي في تنفيذ الأعمال والأفعال التي ستقودك إلى تحقيق النجاح والتميز.

5- لا تبالغ في تقدير، تحديد، طاقاتك وقدراتك الشخصية، فلكل إنسان قدرات وطاقات تختلف عن الآخر، فيجب عليك أن تختار وتحدد أهدافك بما يتنـاسب ويتـوافق مع قدراتك وطاقاتك الشخصية والمعنوية، وميولك واتجاهاتك... إلخ.

وتحديد الإنسان الناجح لأهدافه، بما يتناسب مع قدراته وطاقاته وإمكانياته البدنية والذهنية والمادية، يعطيه قدرة كبيرة وقوة هائلة على تحقيق هذه الأهداف، ولكي يحقق هذا الإنسان الناجح هذا التناسب عليه أن يتعلم ما يجد نفسه مؤهلة له، وأن يكتسب المهارات اللازمة بجانب العلم الأكاديمي المناسب، لكي يتمكن من تحقيق أهدافه التي يصبو إليها، فالصدق مع النفس من أهم عوامل النجاح، فلا داعي أبدًا أن تتوهم في نفسك قدرات أكبر بكثير من القدرات التي وهبها الله سبحانه إليك، فإن هذا التوهم سيقودك إلى الفشل الذريع لا محالة.

دائمًا انظر لنفسك نظرة موضوعية وسطية، بعيدة عن التهويل في وصف صفاتك وقدراتك الشخصية؛ حتى لا تصاب بالعجب والغرور؛ فينقلب عليك عملك بالخسران المبين في الدنيا والآخرة، وبعيدة أيضًا عن التقليل من هذه الصفات وتلك القدرات حتى لا تُصاب باليأس والقنوط؛ ومن ثم تقعد عن القيام بالعمل المفيد لنفسك ولأهلك ولمجتمعك، وبالتالي لن تحصد سوى الخسران المبين في الدنيا والآخرة.

6- بعد تحديدك لأهدافك لا تتراجع عن تحقيقها، فتحديدك لهذه الأهداف، والمبني على التفكير الصحيح والتخطيط السليم، يعني أنك قطعت نصف المسافة أو نصف الطريق إلى تحقيق هذه الأهداف، وكل ما يبقى عليك عمله هو مواصلة السير بجد وعزيمة وإرادة قوية لتقطع نصف الطريق الآخر؛ لتصل إلى تحقيق أهدافك المخططة، ورسّخ في نفسك أن الفشل الذريع في انتظارك إن انحرفت عن المسار المرسوم في خطتك، أو تركت أهدافك قبل الوصول إلى نهاية الطريق.

7- ضعْ دائمًا رؤيتك ورسالتك وأهدافك الاستراتيجية أمامك، وانظر إلى مكانتك التي تتمنى الوصول إليها، وراقب الرسالة التي تعمل من أجلها، وتابع النتائج المحققة من الأهداف المخططة، وانظر إلى نهاية الطريق وما ينتظرك من نجاح، وتحقيق للآمال والأحلام.

8- استفدْ من نجاحاتك المتتالية، فتحقيق أهدافك الصغيرة دليل على نجاحك المتواصل، ودليل على صحة السير في المسار، ومعناه أيضًا انتقالك من مرحلة إلى مرحلة جديدة، وهذا الانتقال يصعد بك درجة، وتزداد احتكاكًا بعلوم ومعارف وأفكار وتجارب أخرى تكسبك، بلا شك، مهارات وخبرات عملية أكثر، تعينك على إنجاز الأهداف والمراحل التالية، وهذا يدفعك دومًا إلى مواصلة النجاح، والصعود المستمر من مرحلة إلى أخرى، مع تزايد الثقة في صحة التخطيط، وسلامة الطريق، حتى تصل إلى تحقيق هدفك الكبير، وعندئذ ستخطط لهدف كبير آخر؛ لأن النجاح يولّد نجاحًا دائمًا.

9- تذكّرْ دائمًا أن نجاحك لا يعود بالنفع عليك وحدك وفقط، وإنما يعود بالنفع أيضًا على أهلك، وعائلتك الصغيرة، ومجتمعك الذي تحيا بين جنباته، وأنّ تذوّق حلاوة النجاح أعظم بكثير من تذوق مرارة الفشل، ولكن عليك أن تقدّم أسباب تحقيق النجاح حتى تتذوق حلاوته.

وأخيرًا، ما أجمل أن يشعر الإنسان بأن له إسهامات، ولو قليلة، في رفعة شأن نفسه، ووطنه، وأمته.

_______________

المصدر: موقع: مهارات النجاح للتنمية البشرية