logo

كتابة هدفك والاستعداد للمشاكل يؤدي للنجاح


بتاريخ : الخميس ، 8 ذو القعدة ، 1440 الموافق 11 يوليو 2019
كتابة هدفك والاستعداد للمشاكل يؤدي للنجاح

في عام 1992 قامت طبيبة نفسية بريطانية بإجراء دراسة طبية على 60 مريضًا، في أكبر مستشفيين اسكتلنديين لجراحة العظام، بغرض قياس قوة الإرادة لدى هؤلاء المرضى، تميز هؤلاء المرضى، قيد البحث، بأن متوسط عمرهم 68 سنة، كلهم أجروا جراحة استبدال مفصل في ساق أو ورك، أغلبهم يعمل في وظائف تدر عليه الحد الأدنى من الدخل، وأغلبهم توقف تحصيله العلمي على الشهادة الثانوية، وأما تكاليف هذه الجراحات فكانت من نصيب التأمين الصحي أو الحكومة، أغلب هؤلاء المرضى كانوا في المرحلة الأخيرة من حياتهم، ولا يرغب أحدهم حتى في حمل كتاب جديد لمجرد التفكير: هل يقرأه أم لا.

جراحات استبدال المفاصل معروفة بالألم الشديد المقترن بها، فما أن يفيق المريض من التخدير حتى يجب عليه تحريك المفصل الجديد الذي حصل عليه؛ حتى يعمل بمرونة تماثل المفصل الطبيعي.

الفشل أو العزوف عن إجراء تمارين استخدام المفاصل الجديدة، بسبب الألم الشديد الناتج عنها، قد يؤدي لحدوث مضاعفات؛ مثل جلطات وتقيحات، وربما انتهى الأمر بتدخل جراحي تالي.

نجاح هذه الجراحات يعتمد بشدة على الرغبة الذاتية للمريض في الشفاء، واستعداده لتحمل جرعات الألم الشديدة الناتجة عن كل حركة بسيطة، لكن لماذا قد يرغب إنسان قارب على الرحيل عن هذه الدنيا في تحمل المزيد من الألم؟

يشتهر مرضى هذه الجراحات بعدم امتثالهم لتمارين العلاج الطبيعي اللازمة بعد الجراحة، لكن قلة منهم كانت تلتزم وتنجح، كان غرض الدراسة الطبية تقليل نسبة الفشل في العلاج الطبيعي، والتعرف على الوسائل الممكن تنفيذها لزيادة الرغبة الذاتية في الشفاء، بدأت الطبيبة بالجلوس مع كل مريض وشرح المطلوب منه بوضوح، وكان الأمر بسيطًا، كانت تعطي كل مريض كتيبًا صغيرًا، يشرح تفاصيل برنامج العلاج الطبيعي، وفي نهايته 13 ورقة بيضاء، مكتوب في أعلاها: في هذا الأسبوع، هذه هي أهدافي:

كان المطلوب ببساطة أن يكتب كل مريض هدفه الذي ينوي تنفيذه في كل أسبوع، على سبيل المثال، إذا أراد المريض السير في جولة أو نزهة، فعليه كتابة التفاصيل؛ مثل: متى سيبدأ الاستعداد؟، وأين سيذهب تحديدًا؟، وما المحطات التي سيمر عليها؟

بالطبع وافق البعض وتكاسل البعض، ويغلب على ظني أنك أنت أيضًا، عزيزي القارئ، تظن أن هذا الطلب سخيف، ولعلك لن تكمل القراءة بعد هذه النقطة، خسارتك!

بعد مرور 3 شهور عادت الطبيبة لتجمع هذه الكتيبات، ووجدت المرضى انقسموا إلى فريقين: فريق كتب أهدافه، وفريق لم يكتب، فريق الأهداف تمكن أعضاؤه من السير بدون مساعدة، بمعدل أسرع بمقدار الضعف مقارنة بالفريق الآخر، وتمكنوا من القيام من السرير والجلوس على المقعد بدون مساعدة بمعدل أسرع 3 مرات من الآخرين، وتمكنوا من ارتداء أحذيتهم بأنفسهم، وغسل ملابسهم، وإعداد وجباتهم أسرع من الآخرين.

وجدت الطبيبة الباحثة أن فريق الأهداف قام بكتابة أهدافه بتفصيل دقيق، قام أحدهم بكتابة هدفه، وكان عبارة عن قيامه من فراش المرض، والذهاب إلى محطة الباص (الأتوبيس أو الحافلة) ليقابل زوجته وهي عائدة من عملها، كان الشرح مفصلًا؛ يشمل أي معطف سيرتديه، والوقت الذي سيخرج فيه من المستشفى، والطريق الذي سيسلكه، وما الدواء الذي سيأخذه في حال اشتدت عليه الآلام.

مريض آخر سرد التمرينات الواجب عليه القيام بها حتى يتمكن من الذهاب للحمام بدون مساعدة، بينما ثالث كتب وصفًا تفصيليًا لكل المطلوب منه للقيام بجولة حول المستشفى على قدميه.

وجدت الطبيبة عاملًا مشتركًا في كل هذه الخطط، ألا وهو: ما الإجراء الذي سيتبعه المريض في حال غلبه الألم، الرجل الذي أراد لقاء زوجته علم أن بعد عودته من هذه الجولة ستمر عليه نوبة من الآلام الشديدة؛ ولذا وضع خطة لكيفية معالجتها، علم هؤلاء أن عند أعلى نقطة من شدة الألم سيكون كل منهم ضعيفًا ومستعدًا للاستسلام لجعل هذا الألم يتوقف؛ ولذا وضعوا خططًا للتغلب على هذه الحالة بهدف عدم الاستسلام، كان تركيزهم منصبًا على الجائزة، جائزة تَحَمُّل كل هذه الألم، فهذا أراد فرحة لقاء زوجته؛ ولذا لم يترك الألم يمنعه عنها، وهذا أراد قضاء حاجته بدون مساعدة من أحد؛ ولذا كان الألم ثمنًا بسيطًا، وهكذا.

كان كل فرد منهم يعرف هدفه، ويعرف أكثر تهديد سيقابله ويمنعه من بلوغ هدفه، ووضع خطة لمقاومته، عبر التركيز على الجائزة.

هذه النتيجة عززتها نتائج وخلاصات أبحاث أخرى؛ وهي أن كتابة الأهداف، وتخيلها لتكون حاضرة، وتحديد الجائزة، وتحديد أكثر الأشياء التي ستجعل الإنسان يستسلم ويتكاسل ويتقاعس بوضوح شديد، ومن ثم وضع روتين أو إجراء لمواجهة هذه التحديات والتغلب عليها، كل هذه الصفات والخطوات تساعد أي شخص كان على بلوغ أهدافه، وأن يعيش حياة أفضل، ويكون ناجحًا في دنياه.

استعانت مقاهي ستاربكس Starbucks بهذه النتائج البحثية، واستفادت منها في إعداد دليل تدريب العاملين في ستاربكس، والذي يجيب على السؤال: تخيل أنك تواجه عميلًا غاضبًا، ما الذي يجب عليك فعله لتهدئة هذا العميل وحل مشكلته وتقديم خدمة جيدة؟ تقوم هذه الكتيبات على حقيقة أنه لا مفر من مواجهة عملاء غاضبين لأي سبب كان؛ ولذا يجب على كل عامل في ستاربكس أن تكون لديه خطة معدة مسبقًا لمعالجة هذا الغضب، ثم يستطرد دليل التدريب ويطلب من العاملين تخيل مواقف صعبة مماثلة، ووضع خطة عمل لحلها والحصول على رضا العميل بعدها.

لذلك وضعت ستاربكس مبدأ (LATTE)، والذي يقوم على الاستماع للعميل الغاضب، الاعتراف بوقوع مشكلة تبرر الشكوى، اتخاذ قرار لحل هذه المشكلة، شكر العميل، ثم شرح سبب حدوث هذه المشكلة عبر توقع المواقف العصيبة، ووضع خطة لمواجهتها قبل حدوثها، فهذا يعزز الرغبة الذاتية داخل كل عامل وموظف وعضو فريق.

استخدمت شركات أخرى هذه النتائج لتعزيز وتعظيم نتائج أداء العاملين لديها، فكل الشركات تواجه عملاء غاضبين مشتكين، ومن يظن أن عدم مواجهة عميل غاضب لهو دليل على سير أمور العمل والتجارة على خير وجه لهو واهم كبير؛ التجارة والبيع تعني مواجهة عملاء غاضبين، والحكمة الإدارية تقتضي وضع خطط عمل جاهزة للتنفيذ عند مجيء عميل غاضب.

الشاهد من القصة، حين تبدأ عملك التجاري الخاص، لا تكن ممن ينكرون الواقع ويهربون من المشاكل، اكتب قائمة بكل المشاكل التي قد تواجهها في عملك، وابدأ التفكير في كيفية التعامل معها، لن يرضى عنك كل العملاء، لن يدفع لك كل المشترين، لن يلتزم كل من أعطاك وعده، لن تسير الدنيا كما تتوقع لها، سينقطع التيار الكهربي، ستنهار أجهزة البيع لديك، ستحدث ثورة، ستخسر اتصالك بإنترنت، سيسرقك صديقك وينصب عليك المحاسب، كل شيء قد يحدث، المهم، كيف ستتعامل معه في حال وقوعه، وما هي خطتك الجاهزة لحل أي مشكلة ممكنة؟

المصدر: مدونة شبايك