logo

عوامل استقرار الأسرة


بتاريخ : الأربعاء ، 17 صفر ، 1446 الموافق 21 أغسطس 2024
بقلم : د. محمد بن علي شيبان العامري
عوامل استقرار الأسرة

 إلى وقت قريب كانت الأسرة كيان مقدس لدى كل من الرجل والمرأة وكان فك الروابط الزوجية ينظر اليه بشيء من الغرابة حيث كنا نجد نماذج من الأزواج احتملوا الويلات من أجل أن تبقى تلك الخلية حامية لجميع عناصرها رغم ما قد يعتري أربابها من النقص. 

وقد يكون الدافع للحفاظ على هده الرابطة في بعض الاحيان هو نظرة المجتمع الى المرأة المطلقة مما يجعلها تتحمل المشاكل مقابل ان تبقى في بيتها بعيدة عن أصابع الاتهام، وفي بعض الأحيان وغالبها يكون الدافع هو غياب ثقافة الحقوق والواجبات.

ومع ظهور القوانين التي تحمي المرأة والطفل وفي غياب الثقافة الشرعية والعلم بالدين أصبح أول ما يلتجأ اليه في حال الخلاف هو الفراق لما فيه من ضمان لراحة المتضرر ماديا ومعنويا وخصوصا المرأة. 

ولبيان أهمية الاسرة ومكانتها في المجتمع نقف على ما قاله رب العزة سبحانه وتعالى عن ذلك الرباط المقدس وما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم.

يقول الله عز وجل '((وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)) الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى: {وَمِنْ آيَاته أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} يَقُول تَعَالَى ذِكْره: وَمِنْ حُجَجه وَأَدِلَّته عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا خَلْقه لِأَبِيكُمْ آدَم مِنْ نَفْسه زَوْجَة لِيَسْكُن إِلَيْهَا و"جعل بينكم مودة ورحمة "

روى مَعْنَاهُ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ: الْمَوَدَّة حُبّ الرَّجُل اِمْرَأَته، وَالرَّحْمَة رَحْمَته إِيَّاهَا أَنْ يُصِيبهَا بِسُوءٍ. وَيُقَال: إِنَّ الرَّجُل أَصْله مِنْ الْأَرْض، وَفِيهِ قُوَّة الْأَرْض، وَفِيهِ الْفَرْج الَّذِي مِنْهُ بُدِئَ خَلْقه فَيَحْتَاج إِلَى سَكَن، وَخُلِقَتْ الْمَرْأَة سَكَنًا لِلرَّجُلِ ; قَالَ اللَّه تَعَالَى: " وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَاب " الْآيَة. وَقَالَ: " وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا " وفي سورة النساء وصف الله عز وجل الرباط الذي يجمع كلا من الرجل والمرأة في عش الزوجية على أنه ميثاق قوي يقول الله تعالى ((وأخذن منكم ميثاقا غليظا)) وَالْمِيثَاق الْغَلِيظ الَّذِي أَخَذَهُ لِلنِّسَاءِ عَلَى الرِّجَال: إِمْسَاك بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيح بِإِحْسَانٍ. فمكانة المرأة في عش الزوجية هو التكريم والإعفاف والتقدير والاحترام ومن تعذر عليه ذلك فارقها بالتي هي أحسن من دون اعتداء ولا ظلم ولا هضم للحقوق. وليس هناك ما يدل على دونية المرأة في بيتتها. وإنما هو عقد وثيق أساسه الحب و اسمنته المودة وغايته السكينة والاطمئنان. ومما يزيد الموضوع أهمية ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم فقد قال في الحديث الصحيح: (إن أحق ما وفيتم به من الشروط ما استحللتم به الفروج) قالوا: فهذا الحديث يدل على أنه يجب الوفاء بالشرط؛ لأن شرط النكاح أحق ما يوفى به. وأي شيء أجل من هذه الرابطة المعقودة وبشروط نظرا لقدسيتها وجلالها وعظم قدرها عنده سبحانه وتعالى ولم لا وهي أول لبنة تنبني عليها المجتمعات. 

ما هي الاسس التي يرتكز عليها اختيار الطرف الآخر في العلاقة الزوجية:

إن من أهم مرتكزات البناء الزوجي النموذجي: التدين وحسن الخلق لأن الإنسان الذي لا يرتبط بدين ولا يتقيد بخلق سيحول حياة شريكه إلى جحيم لا يطاق. وبالمقابل فإن الفرد المتدين الذي يتحسس المسؤولية في الحياة، ويشعر برقابة الله الدائمة، ويعلم بعاقبة أعماله في الآخرة سوف يوفّر لشريكه سبل السعادة والنجاح في الحياة الزوجية. فقد دلنا النبي الكريم على هذا الشرط حين قال: '' إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه فإن لم تفعلوا تكن فتنة وفساد في الأرض ''. واستنادا الى قول نبينا صلى الله عليه وسلم: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» يتبين أنه

بالإضافة الى الدين والخلق يشترط أيضا القدرة والاستطاعة على تحمل مشقات وتكاليف الزواج، والقدرة المقصودة هنا ليست التكاليف المادية «المهر» أو التكاليف الأخرى من ناحية النفقة والكسوة للزوجة فقط بل الموضوع أوسع وأشمل ويتعدى ذلك بكثير، فالباءة كما جاء في قول الرسول صلى الله عليه وسلم تعني أيضا القدرة على تحمل المسؤولية من الطرفين لأن الزواج ليس مجال للمغامرة والتجارب. وقد نقل لنا القرآن الكريم سابقة في هذا السياق، متمثلة في احدى بنات شعيب عليه السلام التي أدركت ببصيرتها الإيمانية وتجربتها القصيرة مع موسى عليه السلام أنّه تتجسد فيه المواصفات الجسمية والخُلقية معاً فقد كان قوياً وأميناً «قَالَتْ إحْدَاهُمَا يَا أبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأََمِينُ * قَالَ إنِّي أُرِيدُ أنْ أُنكِحَكَ إحْدَى ابْنَتَيَّ».

يا أبتِ استأجره لرعي ماشيتنا، ليكفينا مئونة هذا العمل، فهو قوي وأمين، وكأنّ النبي قد فطن إلى المراد، فأسرع إلى تحقيق رغبة ابنته، وطلب إلى موسى أن يخدمه فيرعى غنمه ثماني سنوات لقاء أن يزوجه بإحداهما.. فقبل موسى طلب شعيب عليه السلام) فهذه سابقة قرآنية تجعل من ابنة شعيب عليه السلام قدوة حسنة لكلِّ امرأة تبحث عن الزوج المثالي.

ويرى بعض المختصين في مجال العلاقات الإنسانية المرتبطة بسيكولوجية الأسرة معايير أخرى في اختيار الشريك من بينها:

 وجود قوة جاذبية بين الطرفين وينبغي أن تكون تلقائية حتى يتسنى لهما قيادة الأسرة بحماس و مسؤولية.

 وحدة الرؤية أو تشابهها على الأقل فلكل إنسان فلسفته في الحياة لدى فالاطلاع على وجهة نظر الطرف الذي نريد مشاركته في الحياة أمر ضروري فهو يساعد على إيجاد بؤر التفاهم و التواصل معه.

 النضج النفسي وهو من الصعب تحديد ه إلا أنه يتمثل في الاستقلالية في اتخاذ القرار والقدرة على كبح جماح الغضب وعدم الاندفاع و القدرة على تجاوز حب الذات إلى حب الأخر، والقدرة على التكيف مع الجديد والمختلف و القدرة على الجمع و الدمج بين الجسدي والعاطفي.

الأدوار المنوطة بكل طرف:

وعلى كل من الزوج والزوجة التركيز على الاستقرار من خلال أداء الواجبات والسعي نحو السعادة وأن يكون – المعروف هو أساس المعاشرة لقول الله تعالى وعاشروهن بالمعروف) ومن ذلك:

التعاون على أداء الواجبات الدينية لأن الله - تعالى- يحفظ الود بين الزوجين اللذين يحفظان حقه، ولا يفرطان في واجباتهما الدينية، ويتعاونان عليها فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (رحم الله رجلاً قام من الليل ثم أيقظ امرأته فصلت، فإن أبت نضح في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل ثم فصلت ثم أيقظت زوجها فصلى، فإن أبى نضحت في وجهه الماء) «رواه النسائي

 تبادل حسن التعامل: لابد للزوجين أن يتبادل كل واحد منهما المعاملة بالخلق الحسن المتمثل في القول والفعل والشعور القلبي والإحساس العاطفي، فعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (خياركم خياركم لنسائهم) رواه ابن ماجه. والابتعاد عن التعيير والتنقيب عن الهفوات والأخطاء. وإن وجدت فمن الأفضل لهما اعتماد الصفح والعفو وخفض الجناح.

المشاركة في أداء المسؤوليات الملقاة على عاتقيهما فالرجل والمرأة مكلفين بتربية الأبناء على السواء والحفاظ على الاستقرار والمشاركة في كل ما يهم الأسرة من أمور جلها ودقها. واعتماد الشورى في اتخاذ القرارات مع التعاون على تنفيذها قدر المستطاع .

التخطيط الأسري 

هو تنظيم للشئون الأسرية وفق برنامج محدد لتحقيق أهداف معينه خلال فتره زمنيه.

فوجود التخطيط العائلي في الحياة يسمح للأسرة بأن تتعامل وبتعقل مع المستجدات التي تحدث في نطاق العائلة، فالتخطيط يشعر الإنسان بقدر كبير من الاطمئنان والأمل في التعامل مع المشاكل من حوله، لأن التخطيط ما هو إلا عملية توقع مدروسة وبشكل علمي للكيفية التي يستطيع الإنسان معها أن يتعامل مع مشاكله الداخلية والخارجية على نطاق الأسرة.

إن بناء أسرة متماسكة وقوية والحفاظ عليها هدف يستحق التخطيط له وبذل الجهد من أجله

فالتركيز في الخطة يرتكز أساسا على ما يلي:

1. وضع قواعد وأنظمة

2. بناء القيمة الذاتية لكل فرد في العائلة.

3. وضع الأهداف التي يمكن تحقيقها.

أمثلة:

توفير أموال لأداء فريضة الحج أو قضاء عمرة.

توفير أموال لقضاء إجازة مشتركة للعائلة.

تنظيف أو تحديث جزء مهمل من المنزل.

اختيار مشترك لمنزل جديد، أو سيارة جديدة.

العمل المشترك لمساعدة أحد أفراد الأسرة في موضوع مستعص.

تحديد فترات و أوقات لقضائها مع أفراد العائلة

اكتشاف مواطن القوة و الضعف لدى كل فرد

ويدخل في ذلك التخطيط لميزانية البيت بحيث يتم التمييز بين الثابت والمتغير

وبما أن النفقة على الأهل واجبة فقد ربطها الله بالبر حيث قال عز وجل "وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين"، ولكن يجب ترشيده من خلال تحديد أولويات الأسرة بين ثلاثة أمور:

الضرورات: حيث لا تقام الحياة إلا بها مثل المأكل والمشرب، والصحة والأمن، والتعليم والملبس.

الحاجات: وهي ما تنفق على ما يحتاج إليه ولا تجب إلا بعد استيفاء الضرورات.

التحسينات: وهي لا تصرف إلا بعد استيفاء الضرورات والحاجات، ولا تجوز في المنكرات.

ويعتمد إعداد الميزانية: على، خمسة أمور وهي: معرفة النفقات والإيرادات والفائض، والعجز وعلاجه، واستثمار الفائض، وترشيد النفقات، المشاورة في كافة بنود الميزانية.

الخلافات الزوجية وكيفية حلها:

تشهد جميع العائلات حالات الخلاف والنزاع والشجار على درجات مختلفة. وليكن في علم كل الناس أنه ليست هنالك ثمة مشكلة يتعذر حلها. فأية مشكلة يمكن بالطبع حلها فيما لو صدقت نوايا الزوجين في تحقيق ذلك. وقد وضع الإسلام الأسس السليمة لمعالجة الخلافات الزوجية في أطوارها الأولى أو عند نشأتها قبل أن تستفحل. ومنها الموعظة الحسنة ثم الهجر في المضجع: وأخيرا الضرب. في حالة إذا كانت المشكلة صادرة من الزوجة.

ومن محاسن الإسلام وإنصافه أن أعطى الزوجة الكارهة لزوجها، لا لتقصير أو معاملة سيئة منه، والذي لا تريد أن تعيش معه، حق خلع نفسها عن هذا الزوج بأن تفدي نفسها، مثلاً أن تتنازل له عن بعض الحقوق، أو نظير مبلغ مادي يرتضيه الزوج أمام محكم أو قاضي. كما أنه يمكن للزوجة طلب الطلاق إن أكدت للقاضي أن الحياة مع الزوج أصبحت مستحيلة، واستمرارهم في العيش معا سوف يزيد فقط من الكراهية والعداء لبعضهما.

وليس الخطأ فيما حدده الإسلام من وسائل حلول وقائية وعلاجية، ولكن المشكلة تقع في الإنسان نفسه الذي لا يتقيد بما أوصى به الإسلام. ففي يومنا هذا تعترض الزوجة ويساندها الكثيرون من الرجال، الذين يساندون حركة تحرير المرأة، على إعطاء ذلك الحق للرجل دون المرأة وكذلك الاعتراض على وجوب طاعة المرأة لزوجها إلا في معصية. هذا الزمن الذي تنادي فيه المرأة بالمساواة مع الرجل بدون تحمل أي تبعات لتلك المساواة. وذهب الكثيرون من أعداء الإسلام إلى الطعن في الإسلام وحلوله فيما يختص بالزواج والطلاق.

المصدر: موقع مهارات النجاح