صناعة النجاح رتب حياتك وهندس أفكارك
"الواجبات أكثر من الأوقات، فإن كانت لك حاجة فأوجز في طلبها".
يذكر الإمام البخاري أنه كان في مجلس إسحاق بن رَاهُويه - إسحاق بن إبراهيم الحنظلي- شيخه، فقال إسحاق: لو أنَّ أحدكم يجمع مختصرًا في صحيح أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام، يقول البخاري: فوقع ذلك في قلبي، وخرجت من المجلس ونويت أن أفعل؛ ثم أخذت في جمع ما تمنى الشيخ، وعملت ست عشرة سنة حتّى أتممتُ كتابي الجامع الصغير. قال يحيى بن أبي كثير: لا ينال العلم براحة الجسد.
الناجحون يعملون في صمت:
يُقال: إن الصمت لغة العظماء لكن بأيّ منطق؟ وأيّ أسلوب؟ وهل ثمّة صمتٍ يجعل الإنسان عظيمًا دون أن يكون عظيمًا في أفعاله؟ دائمًا يعجبني الشخص الهادئ الرزين الذي يكون أشبه بنسمة تُلامس الأرواح برقة ونعومة، هؤلاء انجذبُ إليهم سريعًا؛ الذين يحملون هدفًا ويسعون لتحقيقه مهما ادلهمَّت الخطوب، وأظلمت أمامهم الدروب. الذين لا يُعنيهم أن تُصفق لهم الجماهير. يُنجزون أعمالهم بينما الآخرين نائمون، وينحتون في الصخر بينما الآخرين يستسلموا إلى الدّعة والراحة. لم يضعوا في قاموسهم أنّنا خُلقنا من أجعل أن نحيا حياةً رتيبةً مملّة، وإنّما جعلوا لحياتهم معنى من خلال الإبداع والدّهشة، وخدمة دينهم ومجتمعاتهم، لا يعشقون الثرثرة، وابداء النصائح للآخرين، لا يُعينِهم هذا كله نصائحهم لغيرهم تكون عبر إنجازاتهم وإبداعاتهم.
أعرف رجلاً يضج تفاؤلًا، ونشاطًا، وحيويةً، لا يعرِفُ إلى اليأسِ طريقًا، ومما عرفته عنه أنّه متفوق علميًا، ومتحصل على شهادتين جامعيتين، أذكر أني سألته يومها سؤالًا: ألم تُكفيكَ شهادةً واحدةً؟ نظر إليّ نظرة استغرابٍ، وقال لي بلغة عاميّة: "يا ابني لي معندوش هدف وأمل، حرام يعيش". يستطيع الإنسان متى توافرت فيه شروطُ النجاح من صدق العزيمةَ، وعلو الهمّة، وتحديد الهدف من الوصول إلى حلمه المنشود ليراه واقعًا بعدما كان خيالًا. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مَعَالِيَ الأُمُورِ وَأَشْرَافَهَا وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا" رواه الطبراني في المعجم الكبير (3/131). وحسَّنه الألباني
قال الشاعر:
كَفْكِفْ دُموعَكَ لَيسَ يَنفَعُكَ البُكاءُ ولا العَويلُ
وَأنهضْ ولا تَشكُ الزَّمانَ فما شكا إلا الكَسولُ
وأسلكْ بِهِمَّتِكَ السبيلَ ولا تَقُلْ كَيفَ السبيلُ
ما ضَلَّ ذو أملٍ سعى يوماً وحكمَتُهُ الدليلُ
كَلّا ولا خَابَ امرؤٌ يوماً ومَقصدُهُ نبيلُ
الصواعق لا تضرب إلا القمم:
نحن نعيش على التمنّي؛ بمعنى تعلُّقُ النفس بالآمال والأَحلام الوردية، والركون إلى المُبررات الواهية، دون بذل الجهد، ليس الأمر جلد للذات بقدر ما هو واقع نحياه، ويجب أن نثور عليه، ونُغير قناعاتنا، ونُعيد هيكلة أفكارنا. كلُّ ما نحتاجه هو الدافعية، والإرادة التي تجعلُنا ننجز ما نُريده ونصبوا لتحقيقه، يجب أن نُزيل من "عقلنا الباطن" مُفردات اليأس، والخمول، والاستسلام، وفقدان الرغبة، يجب أن نتحلَّى بالإيجابية. وأنَّ نرى النور في آخر النفق. ومن جميل قول الدكتور عبد الكريم بكّار: "المشكلة ليست في المستحيل الذي نتمناه، ولكن في "الممكن" الذي ضيعناه، والكارثة ليست في إيجاد "المفقود" ولكن في عدم تفعيل الموجود!".
كان "أبو الوفاء ابن عَقيل" صاحب العزيمةَ، والهمة العالية، والإرادةَ الصلبة.
يُنشِد وهو في الثمانين:
ما شابَ عزمي ولا حزمي ولا خُلُقي
ولا وفائي ولا ديني ولا كرمي
وإنّما اعتاض شَعري غيرَ صِبغته
والشَّيبُ في الشَعر غيرُ الشَّيب في الهِممِ
قال الإمام مالك رحمه الله: "عليك بمعالي الأمور وكرائمها، واتقِ رذائلها وما سفَّ منها؛ فإنَّ الله تعالى يحبُّ معالي الأمور، ويكره سفسافها". (ترتيب المدارك، للقاضي عياض، 2/65). انظر كيف علمنا الإسلام علو الهمة في أن يكون همك هو الجنة وليس فقط الجنة بل الفردوس الأعلى في الجنة. قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا سَأَلْتُمُ اللهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ، وَمِنْهُ تَنْفَجِرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ عز وجل"(رواه البخاري).
وإذا كانَتِ النّفُوسُ كِبارًا
تَعِبَتْ في مُرادِها الأجْسامُ
رتب حياتك.. وهندس أفكارَكَ:
قد لا يحتاج الأمر في كثيرٌ من الأوقات أن تتصف بذكاءٍ عالٍ حتّى تنجح وتبرز في الشيء الذي تُريده؛ وإنّما تحديد الهدف، والسير اليه بخطى أكثر ثباتًا، وأشدّ إصرارًا، دون الالتفات إلى عثرات الطريق. تبلغ سرعة الغزالة حوالي 90 ك / ساعة بينما تبلغ سرعه الأسد حوالي 58 ك / ساعة ورغم ذلك في أغلب المُطاردات تسقط الغزالة فريسة للأسد هل تعلم لماذا؟! خوفها من عدم النجاة تجعلها تكثر من الالتفات دومًا إلى الوراء من أجل تحديد المسافة التي تفصل بينها وبين الأسد. هذه الالتفاتة القاتلة؛ هي التي تؤثر سلبًا على سرعة الغزال، وهي التي تقلص من الفارق بين سرعة الأسد والغزال؛ وبالتالي تصبح فريسة سائغة للأسد. وكما يقول توماس أديسون: "العبقرية هي واحد بالمئة إلهام، وتسعة وتسعون بالمئة، جهد وعرق".
وَمَنْ يتهيب صُعُودَ الجِبَـالِ
يَعِشْ أَبَدَ الدَّهْرِ بَيْنَ الحُفَـر
مشكلتنا نحن أنّنا عشوائيون في أفكارنا وممارساتنا! ينقصُنا التخطيط الجيّد، والأمل الذي يجعلُنا نرى أنفسنا ناجحين قبل نضوج الحلم، وتذكر وصية مصطفى صادق الرافعي: "إن الخطأ كل الخطأ أن تنظم الحياةَ من حولك.. وتترك الفوضى في قلبك". اجعل طموحك لا حدود له، وواصل المسير، ولا تجعل العثرات تُعيقكَ عن تحقيق الهدف. كُن مُمتنًا لأولئك الأشخاص الذين يقولون لك: أنّه ليس بإمكانك النجاح؛ حينها سيثور البركان في داخلك، وستكون أكثر إصرارًا على مواصلة الطريق؛ لتثبت لنفسك أوّلاً: ولهؤلاء أنك ناجح، وأن الثقة التي زرعتها في نفسك لا يُمكن لكلماتٍ خاويةٍ أن تؤثر فيك، وتثنيك عن مواصلة السير. رتب حياتك، وهندس أفكارَكَ، وأحلامك، وخيالك، ومشاعرك، واقتل اليأس والملل والتشاؤم، إن الأشخاص الأكثر نجاحًا يمتلكون الخيال الحقيقي، ليس الوهمي، الذي يجعلهم يبصرون ما لا يبصره الآخرون، عليك أن تضرب بعرض الحائط الكلمات التي تسمعها من "المنهزمون نفسيًا" الذين أدمنوا الركون للهزائم. استخلص عالم النفس "مارتن سليجمان" في نظريته في التفاؤل ثلاثة أركان أساسية لطريقة "تفكير المتشائمين" وهي:-
١- اعتقادهم "دوام" الأمر السيء.
٢- "تعميمُ" الخلل على مجالات الحياة الأخرى.
٣- الاعتقاد أن الخلل دومًا سببه، هم.
وفي المقابل "يفكّرُ المتفائلونَ" في الحدث السيء على أنه:-
١- مؤقت لا دائم.
٢- المشكلة مقتصرةٌ على جانب واحد لا كل الجوانب.
٣- وجود أثر لعوامل خارجيّة غير الذات.
بداية مُحرقة.. ونهاية مُشرقة:
في هذه الحياة لا بد أن نعي تمامًا؛ أن الأشياء التي نسعى إلى تحقيقها لن تأتي إلينا على طبق من ذهب، بدون جهد وعناء، بدون أن نُقاتل بشراسة في بعض الأوقات من أجل الوصل لتحقيق النجاح. ومن نكص على عقبيه واستسلم لهواجس عقله، وراحة جسده؛ فلن يجد إلى الظفر مبتغاه، وسيبقى يعيش على التمني. يجب أن تكون لديك حرارة دافعة، وعزيمة محرقة، ونظر يرنو إلى القمة، وستصل حيثُما تقذفكَ عزيمتك. قال ممشاد الدينوري: "همَّتك فاحفظها، فإنَّ الهمَّة مقدمة الأشياء، فمن صلحت له همَّته وصدق فيها؛ صلح له ما وراء ذلك من الأعمال".
دومًا التغيير يبدأ من نفسك، فأنتَ الشرارة الأولى، ونقطة البداية، وأنت الذي يحدد ماهية حياتك، وأفكارك. ولقد أخبرنا الله في كتابه الكريم بأن التغيير يبدأ من داخل الإنسان، من نفسه أولاً، قال تعالى: "إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ". (الرعد:11).
بإمكانك أن تصنع من نفسك إنسانًا ناجحًا، وأيضًا إنسانًا فاشلاً! يلوم الحياة، والظروف، ومتى كانت العقبات تقف سدًا منيعًا في تحقيق النجاح؟ ألم تقرأ سير العظماء؟ ألم تسمع أخبارهم؟ وهل يصبح للنجاح متعة إلا بتحطيم هذه العقبات، وأن تجمعها وتجعل منها سُلّمًا للوصول نحو المجد. لا تكن ثرثارًا، ولا ترمي فشلك على الآخرين، والظروف أو أنَّ الحظ لم يسعفك. فمتى نفضت عن نفسك رداء الكسل والتواكل، وأصبحت شغوفًا بما تحمل من قيم ومبادئ نبيلة، وتحمست لإنجاز العمل الذي بين يديك؛ اقتربت من النجاح أكثر، فالناجحون يحدوهم الأمل، والثقة بالنفس، والعزيمةَ التي لا تلين، والإرادة التي لا تنكسر. وقديمًا قيل: "من كانت بدايته محرقة، كانت نهايته مشرقة".
المصدر: موقع عيون