logo

سمات المرأة الداعية


بتاريخ : السبت ، 9 شوّال ، 1436 الموافق 25 يوليو 2015
بقلم : تيار الاصلاح
سمات المرأة الداعية

قال ابن عباس رضي الله عنهما: وقع في قلب أم شريك الإسلام وهي بمكة، فأسلمت، ثم جعلت تدخل على نساء قريش سرًّا فتدعوهن، وترغبهن في الإسلام، حتى ظهر أمرها لأهل مكة، فأخذوها، وقالوا لها: لولا قومك لفعلنا بك وفعلنا، ولكنا سنردك إليهم، قالت: فحملوني على بعير ليس تحتي شيء موطأ ولا غيره، ثم تركوني ثلاثًا لا يطعموني، ولا يسقوني، فنزلوا منزلًا، وكانوا إذا نزلوا وقفوني في الشمس واستظلوا، وحبسوا عني الطعام والشراب حتى يرتحلوا، فبينما أنا كذلك إذا بأثر شيء بارد وقع علي منه ثم عاد، فتناولته، فإذا هو دلو ماء، فشربت منه قليلًا ثم نزع مني، ثم عاد فتناولته، فشربت منه قليلًا، ثم رفع، ثم عاد أيضًا، فصنع ذلك مرارًا حتى رويت، ثم أفضت سائره على جسدي وثيابي، فلما استيقظوا إذا هم بأثر الماء، ورأوني حسنة الهيئة، فقالوا لي: انحللت فأخذتِ سقاءنا فشربت منه؟ فقلت: لا والله ما فعلت ذلك، كان من الأمر كذا وكذا، فقالوا: لئن كنت صادقة فدينك خير من ديننا، فنظروا إِلى الأسقية فوجدوها كما تركوها، فأسلموا لساعتهم(1).

 

ماذا كانت تحمل أم شريك رضي الله عنها من العلم، وماذا تعرف عن الإسلام؛ غير أنها تحمل همّ دينها وتبليغه للناس، إنه الشعور بالمسئولية في إنقاذ بني جلدتها، وهي امرأة.

إن الدعوة إلى الله أمر إلهي وفرض رباني، شمل النساء والرجال على حد سواء، بأمر صريح من رب الأرض والسماء، الذي قال عز من قائل في محكم التنزيل:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل:125]، وقال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة:71]، والدعوة إلى الله هي عمل الأنبياء، وجهد الأتقياء، فكان كل نبي يدعو قومه ثم إذا مات بعث الله نبيًا غيره؛ ولكن ببركة خاتم الأنبياء ألبس الله هذه الأمة تاج النبوة، وشرف الدعوة إلى الله، فكل مسلم مكلف بها بحسب علمه، وقدرته، وطاقته.

والدعوة إلى الله أمر موجه إلى الرجال والنساء على حد سواء، وحث عليها القرآن والسنة النبوية الشريفة، وحين تتحمل المرأة مسئولية هذه المهمة فإن عليها أن تعمل وتنطلق في عملها من قيم وتعاليم الإسلام، وقد صنعت الرسالة المحمدية داعيات إلى الله منذ بداية انطلاقها، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول في السيدة خديجة رضي الله عنها في الحديث: «لا والله، ما أبدلني الله خيرًا منها؛ آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذا حرمني الناس، ورزقني الله منها الولد دون غيرها من النساء»(2).

ولقد وردت كلمة المرأة في القرآن أربع وعشرون مرة، من امرأة آل عمران إلى امرأة العزيز التي أكرمت مثوى يوسف، ومن المرأة العاقر إلى المرأة التي بشرناها بإسحاق نبيًا، ومن بلقيس التي ملكت وأوتيت من كل شيء إلى الفتاتين ابنتي شعيب ورأيهما السديد، ومن امرأة فرعون التي طلبت الجار قبل الدار {رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [التحريم:11]، إلى تلك المؤمنة رضي الله عنها التي وهبت نفسها لخير خلق الله صلى الله عليه وسلم.

ويقابلهن تلك التي قدرناها فكانت من الغابرين، وامرأة نوح وامرأة لوط وحمالة الحطب، فالقرآن الكريم أعلم عن المرأة بكل أحوالها وأخبر عن كل أدوارها، والأمر الإعلامي الخاص للنساء في القرآن الكريم انطلق من بيت النبوة، فقال تعالى: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} [الأحزاب:34].

فما الذي يتلى في بيت النبوة سوى القرآن الكريم، وآداب الإسلام الرفيعة وتعاليمه السمحة، وفعل الأمر (قلن) و(اذكرن) هو أمر بالتبليغ والإعلام لنساء النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، ولنساء المسلمين عامة.

وكانت زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعًا قسيمات عائشة رضي الله عنها في إذاعة العلم، وإفاضة الدين على المسلمين؛ مما يؤكد أن المرأة المسلمة أقبلت على العلم منذ أكرمها الله تعالى بالإسلام، كثيرة تلك الأحاديث التي روتها أمهات المؤمنين عنه صلى الله عليه وسلم، وكثيرة تلك الأقوال المنسوبة إليهن في التفسير وفقه الحديث، وكثيرات هن النساء اللاتي حفظن كتاب الله تعالى أو حفظن كثيره، وحفظن الكثير من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكن يبلغن ذلك الرجال من وراء حجاب كما أمر الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب:53].

ولقد وجد على مر القرون نساء تجاوزن علوم فرض العين إلى فروض الكفاية، فكانت منهن المحدثات العظيمات، والراويات الثقات، وهذا الإمام محمد بن سعد، صاحب الطبقات، يعقد جزءًا من كتاب الطبقات الكبير لراويات الحديث من النساء، أتى فيه على نيِّف وسبعمائة امرأة روين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو عن صحابته رضي الله عنهم، وروى عنهم أعلام الدين وأئمة المسلمين، وكذا فعل غيره من الأئمة في مصنفاتهم.

ومما ينبغي أن يعلم أن المرأة حازت تلك المكانة العلمية الرفيعة ضمن ضوابط شرعية محددة، تهيئ لها المناخ الصالح الذي تأمن فيه الاختلاط بالرجال، وحضور مجالسهم، فكانت تؤدي وظيفة العلم من وراء حجاب، ومن هنا فلا يجوز لأحد أن يستدل بهذه النماذج الطيبة، من العالمات المسلمات، على استحلال ما عليه مجتمعاتنا اليوم من اختلاط فاضح، وتهتك مزرٍ، وتبرج مشين، فهذا لا يمكن أن يقره دين ولا عقل، لتعارضه مع نصوص الشريعة الصريحة، ولمنافاته روحَها الراميةَ إلى سد الذرائع المفضية إلى الفتنة والفساد، ولكن تلك النماذج المشرقة دليل واضح على موقف الإسلام من حق المرأة في التعلم، على أن يتم في حدود ما أحل الله، وعلى أن تراعي طبيعتها وما يناسبها من أنواع العلوم، وعلى أن تصان مما يخدش عقيدتها وآدابها الإسلامية(3).

وللمرأة الداعية سمات عديدة يجب أن تتحلى بها، منها :

1- الإخلاص:

فما ارتفع عمل إلى السماء أعظم من الإخلاص، ولا نزل شيء إلى الأرض أعظم من التوفيق، وبقدر الإخلاص يكون التوفيق، والله سبحانه وتعالى لا يقبل العمل إلا على شرطين :

1- أن يكون موافقًا أوامر الله، وعلى سنة نبيه عليه السلام.

2- أن يكون خالصًا لوجه الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: {أَلَا للهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر:3]، والنية محلها القلب؛ لذا، فهي شديدة التقلب والانفلات؛ فلا بد من استحضار النية، وتصحيحها قبل العمل، ومراقبتها أثناء العمل، والاستغفار بعد العمل، والداعية المخلصة لا تتأثر من مدح الناس أو ذمهم، ولا تنتظر الأجر إلا من الله .

3- على الداعية أن تقوم بالدعوة بالآداب الشرعية المنوطة بها كامرأة:

وعليها تنظيم وقتها بين واجباتها، وترتيب أولوياتها، بين الارتقاء بنفسها إيمانيًا، وتزكيتها بالعبادات، ورعاية أهل بيتها، والتواصل معهم في ظل ظروف العصر، وصولًا لتحقيق التوازن بين رسالتها في بيتها وبين ما يحيط بأسرتها في المجتمع الخارجي .

4- أن تتحلى بالأخلاق الفاضلة:

وأن تعكس سلوكيات نبيلة تلفت انتباه الأخريات لها، فنحن عندما نرى شخصًا مخلصًا في عمله، يراعي الله فيما يقول ويفعل، ويحرص على تطبيق القيم والمثل العليا، ويعتز بإسلامه ويشعر بالفخر والانتماء إليه، نسعد بصحبته وبالاستماع إلى حديثه، وهكذا الأمر بالنسبة للمرأة المسلمة، فمتى ما نجحت في جذب قلوب الأخريات إليها، من خلال أخلاقياتها وسلوكياتها ومواقفها المختلفة، فإنها ستنجح في أداء رسالتها الدعوية، هذا مع ضرورة الابتعاد عن أسلوب الوعظ المباشر أمام الأخريات، الذي قد يجرح مشاعر المنصوحات وينفرهن، والشاهد في ذلك قول الإمام الشافعي رحمه الله الذي أنشد:

تعمدني بنصحك في انفرادي      وجنبني النصيحة في جماعة

فإن النصح بين الناس نوع      من التوبيخ لا أرض استماعه

فالداعية إلى الله لا بد أن تكون قدوة في أخلاقها وتعاملاتها، فهي تمثل دين الله، وتترجم ما تدعو إليه من خلال صفاتها الشخصية وتعاملاتها الإنسانية، وأن تكون سمحة، مشفقة، وأن لا تبخل بالابتسامة، والكلمة الطيبة، والإكرام، وإعطاء كل ذي حق حقه من الاهتمام والرعاية، والمعاملة بالحسنى، فهذا الرقي والسماحة في التعامل هو أول شيء جَذَب الناس لهذا الدين؛ فالدعوة إلى الله دعوة حال، ودعوة مقال، ودعوة الحال أشد وأبلغ تأثيرًا في النفوس، والدين المعاملة كما أخبر عليه الصلاة والتسليم.

5- الهم الدعوي:

لا بد للداعية من مولّد داخلي يدفعها للدعوة إلى الله بكل قوة وجلد وهمة، ألا وهو الهم والحرقة؛ فهذا هو هم الأنبياء، فقد كان عليه الصلاة والسلام دائم العبرة، متواصل الأحزان على هذه الأمة، ونحن العالم كله بحاجتنا؛ فلا بد من أن نحمل هم الدعوة لكل العالم؛ المسلمين وغير المسلمين.

6- العلم الشرعي:

يجب أن تتسلح الداعية بأقوى سلاح بعد الإيمان بالله، ألا وهو العلم الشرعي، فالله سبحانه وتعالى أمر الرسول بطلب العلم والزيادة منه، قال تعالى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه:14]، فالداعية يكون لها يوميًا مورد عذب من القرآن والسنة وسير الصالحين، وتزداد نورًا على نور، وتوسع مداركها، وتزيد من ثقافتها واطلاعها، حتى لا تتخلف عن ركب مجتمعها وتعيش عالمًا غير عالمها .

ولا يعني هذا أن تبلغ رتبة الاجتهاد في العلم، لا، وإنما تكون على علم بما تدعو إليه.

7- مراعاة أحوال المدعوين:

وتباين مستوياتهم العلمية، والثقافية، والاجتماعية، وحتى العمرية؛ فالداعية الناجحة تخاطب الناس على قدر عقولهم، وبما يعقلون، فلكل طريقة، وأسلوب، ومنهجية، ولكل قلب مفتاح، فلنتعرف على مداخل قلوب الناس حتى نستطيع تحريك وملامسة بذرة الخير الموجودة فيه .

8- الإصلاح الذاتي:

الداعية الناجحة دائمًا تنظر في عيوبها، وتغض البصر عن عيوب الآخرين، وتعمل على إصلاح ذاتها، وأخلاقها، وتعاملاتها، وتنظر للعصاة أو المفرطين بعين الشفقة والرحمة، فهم أولى بها، كما كانت شفقة الرسول صلى الله عليه وسلم ورحمته للناس أجمعين(4).

9- القدوة الحسنة:

ينبغي أن تكون الداعية داعية بفعلها قبل قولها، فإن الناس ينظرون إلى فعلها قبل قولها، فإن خالف فعلها قولها صارت أضحوكة لا داعية، وصارت محل السخرية لا الاحترام مع ما لها من الوزر؛ إذ إنها في هذه الحالة تدعو إلى الجنة بقولها، وتصد عنها بفعلها، فلتحرص على ألا يكون مظهرها مخالفًا لكلامها.

10- الصبر والتحمل:

الدعوة فيها مشقة، مشقة الكيفية والعمل، ومشقة تحمل السخرية من الآخرين وعدم الاستجابة، ومشقة التأني وعدم استعجال الثمرة؛ ولذا، لا بد من الصبر حتى ترى الثمرة، ولا يضيق صدرها إن لم يسمعوا إليها، {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} [الكهف:6](5).

11- التميز والاستعلاء:

لا بد أن تكون المرأة الداعية متميزة على غيرها، مستعلية على سفاسف الأمور التي تشيع بين الناس، وأعني بذلك صورة التميز في الجانب الاجتماعي على وجه الخصوص، فينبغي أن لا تكون مرتبطة بكل العادات والتقاليد التي فيها كثير من ضياع الأوقات، وبعض المخالفات أيضًا، فلا تكون منشغلة بمظهرها وزينتها، وإن كان هذا من حق المرأة، لكن هناك مبالغة بين صفوف النساء.

فالمرأة الداعية لا بد لها من أن تتميز في هذا الجانب، وأن تأخذ بحد مقبول أو حد أدنى، ولا يشغلها ذلك بصورة كبرى، فتكون عندما تنظر إليها الأخريات يقلن: إن فلانة، في الحقيقة، متميزة بجديتها، مستعلية على هذه الأمور، زاهدة في دنياها، فهذا، بصورة أو بأخرى، يعطيها قدرًا من التميز.

لا بد من أن تبتعد عن الحساسية المفرطة التي تقع بين النساء، فإذا سمعت كلمة، أو رأت موقفًا ينبغي أن يكون عندها من سعة الأفق، ورحابة الصدر ما تتعالى به عن هذه الأمور، ويكون عندها قدرة على الاستيعاب، فيكون عندها الابتسامة المشرقة الدائمة، والنفس التي تتلقى المشكلات وتمتصها، فإن هذا مهم جدًا، ولا تكون ذات تدقيق في الأمور التي لا داعي لها، فلا بد من أن يكون عندها بعد عن حظوظ النفس، وقدوة في الكلام والمظهر، وبعد عن الغضب والانفعال والقضايا العاطفية التي تقع في بعض المواقف النسائية.

12- البذل والعطاء:

من أهم السمات التي تتميز بها المرأة المسلمة بذلها من جهدها ووقتها ومالها في سبيل الله عز وجل، نصرة للمسلمين، ودعوة لبنات جنسها، فعندما تنظر النساء إلى امرأة تبرعت بحليها تكون صورتها بينهن صورة القدوة التي تحتذى، وكذلك عندما يجدن أن المرأة قد تركت بعض زينتها لتبذل ذلك الوقت للدعوة إلى الله عز وجل، وعندما يجدن أنها تشارك أحيانًا مشاركة عملية مع زوجها أو مع محرم لها فتنجد المسلمات وتتفقد أحوالهن في بعض الميادين، ويكون ذلك على سبيل راحتها، وعلى سبيل سعادتها الدنيوية، فإن هذا مهم جدًا في شخصيتها لتكوينها النفسي والإيماني والعملي، وكذلك هو مهم في صورتها التي تجعلها قدوة بين النساء.

13- الموازنة والاعتدال:

فإن على المرأة حقوقًا تجاه زوجها، وتجاه أبنائها، وتجاه بيتها، وتجاه دعوتها، فينبغي ألا تُفْرِط في جانب على حساب جانب؛ لأن ذلك سيربك حياتها كلها، وسيعطل جميع مناحي مشاركتها، فإذا اندفعت مع دعوتها وأهملت زوجها، فلا شك أنه سيطالب بحقه، وسيكون محقًا في منعها أو في معارضتها في هذا المجال الذي تكون فيه، وإذا اعتنت بشأن بيتها وزوجها، وقصرت وامتنعت ولم تشارك من قريب ولا من بعيد، ولا بقليل ولا بكثير في أمر دعوة النساء وتذكيرهن وتعليمهن، وعندها الإمكانات، وعندها العلم، وعندها الفهم والإدراك فلا شك أنها تكون قد قصرت في ذلك.

لذلك لا بد للمرأة الداعية من ترتيب الأولويات، ولا بد لها من استغلال الأوقات، ولا بد لها من التنظيم والتخطيط، فلا تكون المرأة الداعية عفوية، ولا عاطفية، ولا تجعل نفسها دون ترتيب، فإذا اتصلت بها امرأة لتدعوها إلى دعوة أجابت مباشرة، فينبغي أن تكون عندها أولويات وتخصيص وترتيب للأوقات، وموازنة في هذا الجانب، فهي إذا رتبت أمرها بحيث يكون عندها درس في الأسبوع، ومحاضرة في الشهر، فإذا جاءتها دعوة من غير ترتيب مسبق، ومن غير وقت كاف، فإنها ترفض هذه الدعوة، ولو كانت مهمة في بعض الأحيان؛ لأنها سوف تربك أولوياتها، وتخلط أوراقها؛ بل قد تجعلها تقصر في بعض حقوقها، وهذه مسألة قد يقع فيها تجاوز نظرًا للحالة بعينها، لكن في الإطار العام لا بد من هذا الترتيب؛ لأن المرأة ليست مثل الرجل يمكن أن تخرج في أي وقت، ويمكن أن تشارك في أي عمل، فلا بد من أن ترتب نفسها، وأن تعد برنامجها بالموازنة والاعتدال؛ حتى تستطيع أن تشارك وأن تؤدي الدور من دون حيف ولا تقصير.

14- المعرفة والمبادرة        :

وأعني بالمعرفة معرفة الأوضاع النسائية على وجه التفصيل والدقة، فلا ينبغي للمرأة الداعية أن تكون بعيدة، غير مختلطة ولا عارفة بما يجري في مجتمعات النساء، والمصطلحات اللاتي يتداولنها، والمسميات التي يستخدمنها، والعادات التي تجري بينهن، فإن علمها بهذا من أعظم أسباب قدرتها على التوجيه والإصلاح.

ولا بد من أن يكون عندها روح المبادرة، فإن الطبيعة التي تغلب على بعض النساء، من الحياء أو الإحراج أو غير ذلك، قد تمنعها من أن تؤدي دورها وأن تقوم بواجبها في الدعوة، ولا يعني ذلك أن تكون مندفعة أو متهورة، لكن ينبغي ألا يكون عندها ذلك التحسس والإحراج، الذي يمنع كثيرًا من النساء من العمل الدعوي والقيام بواجب الدعوة.

15- التعقل والاتزان:

أعني به التفكير والتخطيط والبعد عن الاندفاع العاطفي، ومعرفة الاستعدادات والإمكانيات، فينبغي أن تعرف استعدادات النساء وإمكانياتهن، وأن تجعل لكل فئة من النساء أسلوبًا معينًا وخطابًا محددًا، فالكبيرات في السن من النساء لهن خطاب وإمكانات غير ما للصغيرات، من طالبات المدارس والجامعات، واللواتي سبقن إلى الصلاح لَسْن مثل غيرهن من اللواتي انحرفن أو انجرفن في بعض مجاري ومسالك الفساد.

فلذلك لا بد من أن يكون عندها تعقل فيما تطرح من أمور الدعوة، ولا بد من أن يكون عندها معرفة بأنه لا بد من التدرج في بعض أساليب الدعوة، سيما في التنفيذ والتغيير، ولا بد من أن يكون عندها تعقل في النظرة المستقبلية، ودراسة للسلبيات والإيجابيات المتوقعة أثناء مسيرتها في عمل الدعوة، وهذه أمور تخضع لجوانب كثيرة تحتاج إليها المرأة المسلمة الداعية تستكمل من خلال ما سلف من الأمور.

فإذا كانت مؤمنة ملتزمة وعالمة مدركة للواقع، وكانت متميزة، متابعة، مستوعبة بطبيعتها النفسية والفطرية قادها ذلك إلى أن تكون متعقلة، قادرة على ترتيب وتخطيط الأمور.

16- التجديد والابتكار:

فإن المرأة عندها قدرة على التجديد والابتكار والتنويع، فلتجعل هذه القدرة في الدعوة، وبدلًا من أن يصرف التجديد والابتكار في الموضة والأزياء وديكور المنزل فحسب، فليصرف في أساليب الدعوة، فمرة عبر بطاقات، ومرة عبر شريط، ومرة عبر حوار، ومرة عبر مشهد، ومرة عبر أسلوب آخر من أساليب الإهداء، فهذا التجديد والابتكار يجعل للدعوة قبولًا عند النساء، ويجعل هناك الحيوية التي لا تجعل الملل يتسرب إلى العمل الدعوي في صفوف النساء(6).

***

_____________

(1) الإصابة في تمييز الصحابة، لابن حجر العسقلاني (8/248).

(2)رواه أحمد (24864).

(3) عودة الحجاب، د. محمد إسماعيل المقدم (2/599).

(4) صفات المرأة الداعية إلى الله، ملتقى طالبات العلم.

(5) المرأة الداعية، موقع: المشكاة.

(6) المرأة والدعوة، محاضرة للشيخ: علي عمر بادحدج.