خماسية الشخصية المبدعة
المكان: أسوار القسطنطينية.
المهمة: رغبة السلطان محمد الفاتح في فتح القسطنطينية، التي استعصت على جيوش المسلمين زمنًا طويلًا.
العقبات: حامية بيزنطية قوية، أسوار منيعة، تجارب فاشلة كثيرة.
فماذا يفعل السلطان محمد الفاتح؟ هل يقبل بالصلح مع البيزنطيين وينتهي الأمر؟ أم يعيد الكرة في قتالهم؟
لقد قرر السلطان محمد الفاتح أن يفتح القسطنطينية، فبدأ يقصف دفاعات المدينة بالمدافع، ولكن يحتاج إلى طريقة يُدْخِلُ بها السفن الإسلامية إلى شواطئ البحر، ولكن كيف وهي في مرمى مدافع البيزنطيين؟!
فلاحت له فكرة مبدعة، وهي أن يقوم بتفكيك السفن البحرية، وينقلها عن طريق البر، ولكن لا تستطيع الدواب أن تحمل تلك السفن على ظهورها، فهل ييأس؟، هيهات للناجحين أن تتبادر تلك الكلمة إلى أذهانهم، فبدأ في تنفيذ الخطة البديلة، فأمر السلطان محمد الفاتح فمهدت الأرض، وسُوِّيت في ساعات قليلة، وأُتى بألواح من الخشب دهنت بالزيت والشحم، ثم وضعت على الطريق الممهد بطريقة يسهل بها انزلاج السفن وجرها، ونقلت السفن مسافة ثلاثة أميال بهذه الطريقة، أتدري كم كان عدد السفن؟، أربعون سفينة نقلت في يوم واحد أو قل: في ليلة واحدة، ليستيقظ أهل القسطنطينية على أشرعة تلوح في الأفق، وسفن تتقدم عليهم بلا هوادة.
فكرة مبدعة واحدة أسدلت الستار على قرون من المحاولات، محاولات استمرت أكثر من ثمانية قرون، فهل سألت نفسك مرة: بم تفكر؟ وكيف تفكر؟ هل تفكيرك إيجابي أم غير ذلك؟ وهل تفكيرك يركز على كل فكرة مبدعة خلاقة متميزة؟ فكما يقول "ماركوس أوريليوس": حياتنا نتاج أفكارنا(1).
حتى نلحق بالركب:
وظلت كلمة الإبداع أو الابتكار كلمة غريبة عن أذهان العلم، حيث لم تظهر عناية العلماء والباحثين بالإبداع، وتنمية المهارات الإبداعية إلا مع بدايات عام 1950م، ولكن مع بدء النصف الثاني من القرن العشرين بدأ الاهتمام بالإبداع والتفكير الإبداعي يتزايد(2).
ولعل من أدق التعريفات وأكثرها تقريبًا لمفهوم التفكير الإبداعي ما أورده "توني بوزان"، حين عرفه بأنه: مقدرتك على توليد أفكار جديدة، وحل المشاكل بصورة جذرية، وبزوغ نجمك وسط التجمعات الحاشدة في خيالك وسلوكياتك، وقدرتك على الإنتاج(3).
ثمار من شجرة الإبداع:
فكما يقول "هارفي فايرستون": «المهم هو الأفكار، فإذا كانت لديك أفكار فاعلم أن لديك الأصول الأساسية التي تحتاج إليها، وأنه لا حدود لما يمكنك إنجازه، سواء في عملك أو في حياتك عامة»(4).
ونحن نقطف لك بعضًا من ثمار الإبداع، منها:
1. الإبداع يقود إلى التجديد، والتجديد يقود إلى التميز والتقدم على الغير، فإن في الإبداع تنشيط للذهن بالبحث عن بدائل وأفكار جديدة، وهذا التنشيط يقود إلى كل تجديد وتميز وتقدم.
2. الإبداع يلبي الحاجة الدائمة للتطور والرقي، سواء على المستوى الشخصي في تطوير الذات والارتقاء بها، أو على مستوى المؤسسات، والتي تحتاج إلى تطوير مستمر لكي تواكب التغيرات المتلاحقة في السوق العالمية.
3. الإبداع يقدم الحلول المبتكرة لكثير من المشاكل التي تقف عائقًا في طريق النجاح، سواء على المستوى الشخصي أو المستوى الوظيفي.
اقفز فوق الحواجز:
وعلى الرغم من إدراك كثير من الناس أهمية التفكير الإبداعي في تحقيق النجاح، والتغلب بفاعلية على ما يواجهون من تحديات وصعوبات، إلا أن كثيرًا منهم يقفون أمام معوقات التفكير الإبداعي، ويهابون القفز فوق تلك المعوقات والحواجز.
من تلك المعوقات ما يلي:
أخطاؤنا طريق نجاحنا:
يبني بعض الناس حياتهم على المثل القائل: «عصفور في اليد خير من عشرة على الشجرة»؛ وذلك بسبب الخوف من الخطأ أو الفشل أو حكم الناس ونقدهم، وقد ترسخ في أذهاننا أنه لا بد أن تكون الإجابة صحيحة من المرة الأولى، بينما نرى مخترع المصباح الكهربائي الأمريكي "توماس أدسون" قد كرر المحاولة عشرات المرات، ولم يلتفت إلى نقد الناقدين، وهؤلاء الذين انتقدوه هم أول من انتفعوا بالمصباح الذي اخترعه!
امنح أفكارك فرصة:
تعوَّد أن تتعامل مع الأفكار المبتكرة على أنها طفل صغير يحتاج إلى الرعاية والعناية والصبر؛ حتى يشتد عوده، ويكتمل نموه، وتتعافى صحته، فأكثر الأخطاء التي يقع فيها كثير من الناس أنهم يقيمون الأفكار فور ولادتها.
السلحفاة قد تهزم الأرنب:
فالأرنب السريع خسر السباق أمام السلحفاة التي يُضرب بها المثل في البطء؛ لأن السلحفاة قبلت التحدي، بينما ركن الأرنب إلى إحساسه بالتفوق على السلحفاة في السرعة، فاقبل التحدي، وتمتع بالحماس الكافي للبحث عن الأفكار المبتكرة وتنميتها.
تحرر من أسر العادات:
تمثل العادات استجابات متكررة ونمطية وغير إبداعية، وحينما تتغلب العادات يفتقر الذهن إلى الأفكار المبدعة المبتكرة، ويهرع بشكل تلقائي إلى الأفكار التقليدية النمطية التي طالما تعود عليها.
ليس عذرًا:
حينما لا يجد كثير من الناس عذرًا يبررون به تقصيرهم في توليد الأفكار المبتكرة، يخرجون العذر المتكرر، ألا وهو ضيق الوقت، وسرعة الحياة، ولكن ضيق الوقت وسرعة الحياة ليسا بعذر؛ بل هما سببان رئيسيان يدفعنا إلى البحث عن أفكار مبتكرة؛ لكي تحقق الأهداف في وقت أقل وبكفاءة أعلى.
خماسية الشخصية المبدعة(5):
وإليك خمس صفات يشترك فيها المبدعون والمبتكرون، وهي:
الطلاقة:
وهي القدرة على إنتاج أكبر عدد من الأفكار الإبداعية، والتي تساعد على حل المشكلات أو تحقيق الأهداف.
المرونة:
وهي القدرة على الانتقال بين أنماط التفكير المختلفة، بحيث تستخدم طريقة التفكير المناسبة في الوقت المناسب.
الأصالة:
وهي الرغبة المستمرة في الشخص المبدع كي يتوصل إلى أفكار جديدة من صنعه هو، وليست على مثال سابق.
الحساسية للمشكلات:
وهي القدرة على رؤية المشكلات من جميع جوانبها، والوصول إلى جميع مظاهرها وأعراضها، وتلك نتيجة النظرة غير المألوفة لدى الشخص المبدع للمشكلة.
إدراك التفاصيل:
فالشخص المبدع يستطيع إعطاء تفاصيل دقيقة عن الفكرة التي تدور في ذهنه، والصورة التي في مخيلته.
وفي تاريخنا الإسلامي صفحات مشرقة:
ولنا في حياة سلفنا الصالح خير القدوة وأعظم الأسوة، فهذا سلمان الفارسي رضي الله عنه يبدع فكرة الخندق يوم الأحزاب، وهذا خالد بن الوليد رضي الله عنه يقابل في مؤتة مائتي ألف مقاتل من الروم، فيبدع في إحداث أصوات مرتفعة، ويثير غبارًا بالخيل ليوهم الروم بوجود مدد.
وهذا مجاهد مجهول لم يذكر التاريخ اسمه يوم القادسية، حين كانت خيول المسلمين تنفر من فيلة الفرس، فأبدع فكرة أن يصنع فيلًا من الطين، تستأنس به خيول المسلمين فلا تنفر من فيلة الفرس.
ولم يكن ذلك في الحرب والقتال فحسب؛ بل كان في العلم أيضًا، فها هو الشافعي رحمه الله يضيء لك نبراسًا من الإبداع، فهو أول من وضع أسس علم أصول الفقه في كتابه "الرسالة"، وسار على نهجه الإمام البخاري رحمه الله، فنخل صحيح الأحاديث من سقيمها، حتى أخرج لنا أصح الكتب بعد كتاب الله، ألا وهو صحيح البخاري، وأنت تكمل السلسلة المباركة بإذن الله.
حتى نقطف ثمار الإبداع:
وإليك بعضًا من النصائح التي تعينك على أن تكون صاحب تفكير مبدع مبتكر، ترفع به شأن أمتك، وتنجح به في حياتك، من تلك النصائح ما يلي:
سجل أفكارك قبل أن تنساها:
روي عن الإمام البخاري أنه كان ينام ثم تأتيه الفكرة والخاطرة، فيقوم ويوقد السراج، ويدوِّن هذه الفكرة، وقيل أنه كرر هذا الأمر في بعض الليالي عشرين مرة.
تذكر دائمًا أنه ليس هناك حل صحيح على الدوام:
ولذلك لا بد من وضع أكثر من حل لأي مشكلة، ولا مفر من صياغة أكثر من طريقة لتحقيق الأهداف.
جرب بعضًا من الطرق الإبداعية للتفكير، وإليك بعضًا منها:
التفكير بالطريقة العكسية:
فمثلًا درج العرف على أن المريض يذهب إلى المستشفى، ولكن لماذا لا تأت المستشفى إليه؟ وبتلك الطريقة استحدثت فكرة الزيارات المنزلية، التي يقوم بها الأطباء للمرضى في بيوتهم؛ مما خفف على المرضى آلام ومعاناة الحركة وقت المرض.
التفكير بطريقة الدمج:
فمثلًا بالدمج بين الجوال وبين الكاميرا، خرجت أجيال من الهواتف النقالة تمكننا من إجراء المكالمات المرئية.
التفكير بالطرق البسيطة المنطقية:
فيحكى مثلًا عن حافلة مرتفعة علقت تحت إحدى الكباري، ففكر الجميع في كيفية إبعاد السقف عن جسم الكوبري، ولكن فتاة صغيرة فكرت في إفراغ عجلات الحافلة من الهواء.
التفكير بطريقة (كيف يمكن؟):
فمثلًا كيف يمكن استخدام مجموعة من الأوراق البيضاء عشرين استخدامًا غير الكتابة أو الرسم عليها؟
فاسع دائمًا إلى البحث عن الأفكار المبتكرة المبدعة، واحرص على توظيفها من أجل نجاحك وتميزك، ومن أجل مساعدة غيرك في تحقيق أهدافهم، ومجاوزة مشاكلهم.
_______________
المصادر:
(1) دع القلق وابدأ الحياة، ديل كارنيجي، ص93.
(2) لمحات في التفكير الإبداعي، د. عبد الإله بن إبراهيم الحيزان، ص20.
(3) الذكاء الإبداعي، توني بوزان، ص6.
(4) لليوم أهميته، جون سي ماكسويل، ص134.
(5) الذكاء الإبداعي، ص7-8، بتصرف.