logo

معوقات التغيير الإيجابي


بتاريخ : الخميس ، 14 شوّال ، 1439 الموافق 28 يونيو 2018
معوقات التغيير الإيجابي

أهلًا بك عزيزي القارئ.

لنستكمل معًا الحديث حول معوقات التغيير الإيجابي، وكيفية التغلب عليها بالأمثلة التوضيحية من حياتنا العملية.

أعزائي:

إن تحـقيق الحياة الهنيئة مقصد ديني، ومطلب إنساني، يسعى من أجـله الأسوياء من البشر بدافع الفطرة السليمة، لما لظلال الهناء من راحة واطمئنان، واستقرار وأمان، ومن الحياة الهنيئة الطيـبة أن تكون أمور الإنسان وأحواله على نسق وانتظام، وقد كان من دعاء الرسول الأمين عليه الصلاة والسلام قوله: «اللهم إني أعوذ بك من شتات الأمر».

وشتات الأمر معناه: تفرقه واختلافه، واضطراب أوله وآخره، ودليل على فوضى يعيش المرء تبعاتها، وعلامة على قلة الانضباط والوعي، وانحسار قيم المسئولية، فيكون نظام الحياة على خلل، وتختلط أوراق الأولويات، فلا يدري صاحبها ما يأخذ منها وما يترك، ولا ما يبدأ به أو يؤخر، وقد نهى ديننا الحنيف عن الفوضى في كل شيء، ودعا إلى تنظيم الأمور وترتيبها، وتقسيم الأوقات بحسب العمل، وهو سلوك يتربى المسلم عليه عندما ينظر في الكون ونظامه، ويتفكر في الأرض وانسجامها، وعندما يقوم بأداء العبادات على وجهها؛ كالصلاة التي وقَّت الله عملها {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}، والصوم الذي حدد الله فرضه في البدء والختام، وكذلك كثير من العبادات؛ كي لا يكون المرء متحيرًا في أدائها، ولا مضطربًا في وقتها.

ولقد بين الله تعالى لنا في القرآن الكريم قواعد واضحة للتغيير:

1- قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الأنفال:53]، هنا نحن نتكلم عن أناس أوضاعهم جيدة وفي نعمة، ثم أزيلت هذه النعمة، الله تعالى لا يزيل النعم عن البشر إلا إذا هم فعلوا شيئًا يؤدي إلى زوال هذه النعمة.

2- قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد:11]، هنا العكس تمامًا؛ أناس أوضاعهم غير جيدة، فشل ومشاكل وتأخر، لن تتحسن أوضاعهم، هذه قاعدة، إلا أن يتحركوا ويعملوا شيئًا ويغيروا، بدءًا من الداخل.

وعلى الرغم من ذلك نجد أن الكثير من الأفراد أو المنظمات يعانون من تعثر واضح في مسيرتهم، إلا أنهم يصرون على مقاومة التغيير!!

ترى ما السبب وراء ذلك؟!

يرى علماء النفس والاجتماع، من خلال الدراسات والأبحاث الميدانية، أن هناك عدة أسباب رئيسية تقف عائقًا أمام التغيير الحقيقي الفعال النافع، من أهمها:

1- قانون تغيير العقليات ل(أينشتاين) يقول:

«لن نستطيع أن نواجه، أو نعدل، المشاكل المزمنة التي نعاني منها بنفس العقليات التي أوجدت تلك المشاكل».

وتفسير ذلك أن هذه المشاكل جاءت نتيجة عقليات معينة، وجاءت أيضًا نتيجة طريقة تفكير معينة، هذه العقليات هي التي أدت إلى هذه النتائج الفاشلة، فكيف يتم الطلب من نفس الشخص، صاحب العقلية المعينة وطريقة التفكير التي أدت إلى الفشل، أن يقوم بالتغيير؟! فالنتيجة المتوقعة تكون (مقاومة) شديدة للتغيير تؤدي إلى فشل آخر.

إذن، لا يمكن أن يتم التغيير باستخدام نفس العقلية أو باستخدام نفس طريقة التفكير التي أوجدت المشكلة.

- ومثال ذلك: منظمة معينة تواجه مشاكل، لن تستطيع أن توجد حلولًا لهذه المشاكل بنفس العقليات وبنفس الأسلوب وبنفس طريقة التفكير التي أوجدت تلك المشاكل.

الحل: إما أن نغير الناس أصحاب العقول وطرق التفكير التي أوجدت تلك المشاكل، ونأتي بأناس آخرين ليقوموا بالتغيير، أو يقوم بحلها نفس الأشخاص ولكن بعقليات وطرق تفكير مختلفة؛ أي يقومون بتغيير عقلياتهم من خلال تغيير طريقة التفكير.

2- قانون السذاجة ل(أينشتاين):

«أن تعمل نفس الأمور بنفس الطريقة ثم تتوقع نتائج مختلفة».

ومثال ذلك:

- شخص قام بعمل معين وفشل، ثم أعاد الدخول في نفس العمل، فعمل بنفس الطريقة!

يجب عليه، في هذه الحالة، ألَّا يتوقع النجاح.

الحل: إما أن تعمل شيئًا آخر مختلفًا، مع مراعاة مبدأ الثابت والمتغير، وإما أن تعمل نفس الشيء ولكن بطريقة مختلفة.

3- الخوف من التغيير:

يقف الخوف من مجرد فكرة التغيير عائقًا أمام الكثيرين، والواقع أن هؤلاء الناجحين شعروا بالخوف أيضًا في يوم من الأيام؛ إلا أنهم لم يتركوا المجال لهذا الخوف ليتمكن منهم، وواصلوا المشوار؛ فتغير واقعهم إلى الأفضل، وأنت أيضًا تستطيع أن تحول خوفك من نتائج التغيير إلى إصرار على الوصول إليه لتحصل على أفضل النتائج.

4- التركيز على الأخطاء:

إنه المانع الذي يقف كحجر عثرة في الطريق إلى التغيير؛ فهو تركيزنا على أخطائنا وعيوبنا، ويظهر هذا عندما نحكم على أنفسنا بناءً على تجاربنا السابقة؛ وعلى وجه الخصوص التجارب غير الموفقة، وعندئذ نرى التغيير الذي نبحث عنه صعبًا بعيد المنال.

نعم، التغيير صعب، والفكاك من قيود العادة ليس بالأمر الهين، ولكنه ليس مستحيلًا أو بعيد المنال، ولكي تصدق ابدأ التغيير من الآن بخطوات بسيطة واثقة، وحافظ على تلك الخطوات، كن على علم بالجوانب الإيجابية في شخصيتك من قدرات ومهارات ومواهب، وستجد أن الأمر أقرب مما تصورت.

5- عدم وضوح الرؤية:

ونقصد بهذا العائق التشتت الذهني، وعدم وضوح الصورة التي نريد أن نكون عليها بعد التغيير؛ فنحن لا نعرف على وجه التحديد ماذا نريد أن نكون على المستوى الشخصي أو المهني أو العلمي والمعرفي؛ لذلك تجدنا نمشي في طريق التغيير بشكل عشوائي إلى حد كبير، دونما خطة محددة وواضحة، ثم نعود بعد فترة وعلى نحو مفاجئ ونغير من طريق إلى آخر، وكأننا نبدأ من الصفر مرة أخرى! وفي حالات تكرار هذا الفعل عدة مرات يخيل إلينا أننا لا نقوى على التغيير ولا على كسر الروتين وقيوده، ونعود مستسلمين لهذه القيود البغيضة؛ بغير أن نعلم أن المشكلة تكمن في عدم وضوح الرؤية.

عزيزي القارئ، إن تخيل صورتك بعد نجاحك في التغيير بكل تفاصيله هو أمر في غاية الأهمية لنجاح هذه العملية، ولا تقلل من شأن كل التفاصيل مهما بدت بسيطة؛ حتى نوعية الملابس وطريقة الابتسام.

إن التخيل فرصة عظيمة تساعدك على كسر الإطار الذي عشت فيه لسنوات؛ فلا تبخل على نفسك بأي عامل مساعد كي تكون إنسانًا جديدًا ناجحًا.

وهناك أسباب أخرى؛ مثل:

- الناس تقاوم التغيير؛ لأنها مطمئنة في الحال الواقعي.

- توقع النتيجة السلبية، والخوف من أن النتائج سوف تكون أسوأ مما هي عليه الآن.

- الخوف من زيادة العمل والأعباء والجهد الإضافي الذي قد يصاحب التغيير.

- صعوبة تغيير العادات والتشكل بعادات جديدة (نظرية من شب على شيء شاب عليه).

- نظرية المؤامرة، إن هذا السبب من أهم الأسباب التي تعيق التغيير، لماذا؟ لأن أساس التغيير يجب أن يبدأ من الداخل، ونظرية المؤامرة هذه تجعل الأنظار كلها، في حالة حدوث الفشل، تتجه إلى الخارج، وترى المشكلة على أنها مؤامرة، والأسباب التي أدت إليها هي أسباب خارجية، وهنا يدخل صاحب المشكلة في مرحلة الإسقاطات وإلقاء اللوم على الآخرين؛ مما يؤدي إلى عدم مواجهة الواقع وعدم الاعتراف بالخطأ، وبالتالي مقاومة التغيير.

الحل:

إن التغيير الحقيقي يجب أن يبدأ من الداخل، سواء كان ذلك على مستوى الفرد، أو على مستوى المنظمات وبالذات في الفئة القيادية، فلقد أثبتت الدراسات الحديثة في علم الإدارة أن أحد أهم أسباب فشل التغيير هو إصرار القيادات على عدم التغيير.

وأخيرًا، لكي تتغير احذر من المثبطين.

عزيزي القارئ، اعتبر كلماتي تلك هي النصيحة الذهبية في موضوع التغيير الإيجابي.

انتبه للمثبطين وفاقدي الأمل ومدمني السلبية؛ فهؤلاء لا يصلحون كصحبة دافعة للأمام، ففي أي مرحلة من مراحل التغيير الإيجابي والارتقاء بالنفس يجب عليك أن تنتبه للأشخاص السلبيين المثبطين.

إن إشارات سلبية بسيطة أو تلميحات سيئة عابرة، تصدر عن هؤلاء، من الممكن أن تقتل حماسك وإقدامك على التغيير والإصلاح، هؤلاء الأشخاص يشكلون نوعًا من الخطر على الإنسان الطموح المستعد للتغيير الإيجابي البناء؛ ولذلك فإننا بحاجة إلى حاسة قوية تجعلنا نستشعر أمثال هؤلاء حتى لا نتأثر بما يقولون.

وهذا يتطلب أن نتجنب فاقدي الأمل ومدمني السلبية؛ الذين لا تسمع منهم سوى الكلمات والجمل السلبية؛ مثل: «لا فائدة»، «هذا الزمن تعيس، ومن المستحيل أن نحدث أي تغيير»، «أي إصلاح هذا الذي تتكلم عنه!»، «كن واقعيًا»، «عليك بنفسك وأهلك فقط»، «دعك من هذا واهتم بما هو أهم»، فهؤلاء هم السلبيون، فكن حذرًا عند التعامل معهم بحيث لا تتأثر بهم فيقعدوك عن التحرك نحو التغيير الإيجابي.

المصدر: موقع مفكرة الإسلام