خصائص الاستدلال في القرآن الكريم
الحديث عن خصائص الأدلة القرآنية أمر من الأهمية بمكان لكل داعية؛ لأن التعرف
إلى ذلك المنهج من شأنه أن يدفع الدعاة إلى سلوك منهج القرآن في إقامة الأدلة، في وقت فتن بعض الدعاة بمناهج الفلاسفة والمتكلمين، فسلكوا مناهجهم العقيمة، فأسلمهم ذلك إلى جدل كلامي لا يسمن ولا يغني من جوع، كانت نهايته الحيرة والشك والضلال والندم(1).
أولًا: التأثير في القلوب والإقناع للعقول:
المتتبع للأدلة القرآنية يجد أنها جمعت بين هاتين الخصيصتين معًا، تأثير في القلب،
وإقناع للعقل، فلا تتلو دليلًا من أدلته إلا وجدته يَنْفَذُ إلى أعماق قلبك ويُقْنع عقلك بما لا يدع أدنى حيرة أو شك فيه.
يقول الغزالي واصفًا الأدلة القرآنية: «وحجج القرآن من الكلمات اللطيفة المؤثرة في القلوب، المقنعة للنفوس، دون التغلغل في التقسيمات والتدقيقات التي لا يفهمها أكثر الناس، وإذا فهموها اعتقدوا أنها شعوذة وصناعة تعلمها صاحبها للتلبيس»(2).
فانظر إليه وهو في الاستدلال العقلي على البعث والإعادة في مواجهة منكرهما، كيف يسوق استدلاله سوقًا يهز القلوب، ويمتع العاطفة إمتاعًا بما جاء في طي تلك الأدلة العقلية المقنعة، إذ قال الله تعالى في سورة فصلت: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى} [فصلت:39]، وقال: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8) وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (10) رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ (11)} [ق:6-11].
إن الجمع بين التأثير في القلب والإقناع للعقل ميزة تفردت بها أدلة القرآن عن سائر الأدلة، فلا يمكن لكلام بشر أن يُسْعدَ بها؛ ذلك أن كلام البشر إن وَفَّى بحق العقل بَخَس القلب حقه، وان وفّى بحق القلب كان على حساب العقل، وكلما كان كلام البشر عاطفيًا كلما ازداد بعدًا عن العقل والإقناع، وكلما كان كلامًا عقليًا كلما ازداد جفاءً وبعدًا عن العاطفة(3).
وهذا ما تلمسه في أدلة المتكلمين والمناطقة، الذين ساروا على غير نَهْجِ القرآن في الاستدلال، فأدلتهم العقلية لا تلقى لها في القلوب صدًى، وإن كانت أخّاذة للعقول.
ولكن القرآن جمع بين هاتين في قالب واحد، يعجز عن مثله البشر، كيف لا وهو من عند من ركب البشر.
ثانيًا: الجمع بين كونها برهانية منطقية، وخطابية مؤثرة، وجدلية ملزمة:
طبائع الناس متفاوتة، ومداركهم متباينة، وأهواؤهم متضاربة، ومسالكهم في طلب الحق
مختلفة؛ فمن الناس من غلبت عليه الدراسات العقلية، والنزعات الفلسفية، ولا يرضى بشيء إلا إذا كان ببرهان العقل، ولا يرضيه إلا قياس تام أو ما يجري مجراه ويسير في طريقه.
ومنهم من غلب عليه مذهب ديني أو غير ديني قد استأثر بلبه، وسيطر على هواه، وسد مسامع الإدراك في قلبه؛ فصارت نفسه لا تكاد تسيغ الحق إلا بمعالجات عسيرة، وهؤلاء لا بد لهم من طرق جدلية تزيل ما أُلْبِسَ عليهم من الحق، ليلزمهم بما عندهم، ويفحمهم بما بين أيديهم، ويتخذ مما يعرفون وسيلة لقبول ما يرفضون.
ولعل هذا الصنف من الناس هو الذي أمر الله بمجادلته بالتي هي أحسن.
وأما الجمهور الأعظم من الناس فليس من هؤلاء ولا من أولئك؛ بل هو في تفكيره أقرب إلى الفطرة؛ فيه سلامتها، وفيه سذاجتها وحسنها وجمالها وإخلاصها وبراءتها، ومثل هذا لا يخاطب بتعقيد المنطق، ولا بتفكير الفلاسفة، ولا بما يرضي المتفكرين تفكرًا علميًا؛ بل يليق به ما التقى فيه الحق بالتأثير الوجداني، وما اختلطت فيه الحقائق بطرق إثارة العواطف والميول، وما التقت فيه سياسة الحق بسياسية البيان، وليس ذلك إلا بالأسلوب الخطابي أو ما يقرب منه(4).
انظر إلى هذا الدليل الذي يسوقه الله تعالى مخاطبًا فيه البدوي في صحرائه، يبرهن له على وحدانيته وقدرته: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20)} [الغاشية:17-20].
إنه يخاطب سذاجة البدوي وسلامة فطرته، فهو لا يعرف من حوله إلا الأرض من تحته والسماء من فوقه، والجبال من أمامه، ودابته التي منها يأكل، ومنها يشرب، ومنها يلبس، وعليها يركب، ولا تطلب منه إلا نظرة سطحية، لا تحتاج إلى عناء تدبر وتفكير، وهي كفيلة بسوقه إلى الإيمان ونبذ الشرك والكفر، وعلى الرغم من ذلك تجد العالم ذا الفكر والعقل ينظر فيها ويغوص في أعماقها ليكشف سرها.
ألا ترى أن العقول تحيرت، والنفوس عجبت من حقائق وصل إليها العلم بشأن الفضاء والسماء والأرض والجبال والحيوان.
ثالثًا: السهولة والوضوح وقلة المقدمات:
هذه ميزة أخرى من ميزات الأدلة القرآنية، السهولة والوضوح؛ فهي تعرض عليك الأمر بأسلوب بسيط وسهل، بعيدًا عن تعقيدات الفلاسفة وتقسيمات المتكلمين التي لا يفهمها أكثر الناس، فهي واضحة، قليلة المقدمات، سهلة الفهم، قريبة التناول(5).
وقد حاجَّ الله تعالى عباده على ألسن رسله وأنبيائه فيما أراد إلزامهم به بأقرب الطرق إلى العقل، وأسهلها تناولًا، وأقلها تكلفًا، وأعظمها نفعًا(6).
يقول ابن تيمية: «إن من أعظم كمال القرآن تركه في أمثاله المضروبة وأقيسته المنصوبة لذكر المقدمة الجلية الواضحة، ثم اتباع ذلك بالإخبار عن النتيجة، التي قد عُلِمَ من أول الأمر أنها هي المقصودة؛ بل إنما يكون المثل بذكر ما يُستفاد ذكره وينتفع بمعرفته، فذلك هو البيان، وذلك هو البرهان»(7).
ولبساطة أدلة القرآن ووضوحها تجد فيها ما يُعَلِّم الجاهل، وينبه الغافل، ويرضي نهمة
العالم، اقرأ قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا
وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ} [الأنبياء:30]، اقرأ هذه الآية وارجع البصر فيها كرتين، ألا تراه قد وجه الأذهان إلى عظيم قدرته وقوة سلطانه على الوجود، وبين كيف اخترع وأبدع، وبرأ على غير مثال سبق؛ ليثبت أنه وحده الأحق بالعبادة، من غير أن يشاركه وثن أو صنم.
وألا ترى أن الشخص من العوام يقرؤها فيرى فيها علمًا لم يكن يعلمه، وقد أدركه في أيسر كلفة وأقرب طريق دون إجهاد فكر ونظر، ويرى العالم فيها والفيلسوف الباحث في نشأة الكون دقة العلم وإحكامه وموافقته ما وصل إليه العقل البشري، مع سمو البيان وعلو البرهان(8).
فإننا نجد السابقين من العلماء، على تواضع علمهم وقلة معرفتهم في مجال الموضوع الذي تحدثت عنه الآيات السابقات، قد أفاضوا في الحديث عن هذا الدليل الكوني العظيم.
وهذه السهولة والبساطة لم تمنع، في وقت لاحق من الزمان، أن تكون هذه الآية ترسيخًا لحقيقة علمية ضخمة، تم التوصل إليها في العصر الحديث حول نشأة الكون ومسألة الانفصال، فكانت هذه الآيات هي السباقة لهذا الاكتشاف العلمي الكبير، رغم ما توحيه الآية، في ظاهر الأمر، من البساطة والوضوح، ما يلائم بساطة العامي من البشر .
رابعًا: أنها قاطعة للشكوك والشبه، ملزمة للجاحد والمعاند:
ما من دليل سيق في القرآن إلا وتجده يقطع الشك باليقين، ويمحو كل شبهة تعترض
سبيل الحق أو تطمس نوره، ثم لا يجد الخصوم أمام تلك الأدلة إلا الصمت والهزيمة، فإما الاستسلام والانقياد وإما الجحود والعناد.
اقرأ قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ
رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [البقرة:258]، تلك حجة ساقها الله تعالى على لسان نبيه إبراهيم عليه السلام، وهو يحاور جبارًا من جبابرة الأرض الذين استهوتهم الدنيا وشهواتها، فراحوا يتيهون في غياهب الظلم ويتخبطون، حتى أعماهم الظلم والجهل وران على قلوبهم، فتمادَوْا وتمادَوْا، حتى نَصَّبُوا أنفسهم آلهة، يحيون كما يحيي، ويميتون كما يميت، لكنهم يسقطون ويهزمون أمام عبارات قليلة، في طيها حجة منيعة، لم يملكوا أمامها إلا أن خيَّم على أنفسهم الصمت والبهت.
فحطمت كبرياءهم، وقطعت شبهتهم، وألزمتهم الحق، ولكنه الكبر والجحود والعناد والهوى.
فانظر إلى إبراهيم عليه السلام وهو يعدل عن طريقة العرض المجرد للسنة الكونية والصفة الإلهية في قوله: {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} إلى طريقة التحدي، وهي طلب تغيير سنة الله لمن ينكر ويتعنت ويجادل في الله {فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ} .
فما وجد المجادل في الله إلا السكوت، فالأمر ظاهر، ولا سبيل إلى سوء الفهم أو الجدال والمراء، وكان التسليم أولى والإيمان أجدر، ولكنه الكِبْر الذي يمسك بصاحبه عن الرجوع إلى الحق، فيبهت ويتحير(9).
خامسًا: البعد عن التعقيدات والتقسيمات التي خاضها المناطقة والمتكلمون:
اشتمل القرآن على جميع أنواع الأدلة ووجوه الاستدلال، وما من برهان ودلالة وتقسيم
إلا وكتاب الله تعالى قد نطق به(10)، ولكنه لم يَسْرِ في أدلته على طرق المتكلمين والمناطقة الذين يصوغون أدلتهم صياغة منطقية، مؤلفة من مقدمات صغرى وكبرى ونتيجة؛ بل إن أدلة القرآن، وإن كانت في بعض الأحيان تسلك طريق المتكلمين في الاستدلال، إلا أنها بقيت محافظة على معهود العرب في الاستدلال، دون الخروج عن أساليبهم.
ونستطيع القول: إن أدلة القرآن جاءت على عادة العرب دون دقائق طرق المتكلمين، ودون التغلغل في التعقيدات والتقسيمات التي خاضها المناطقة والمتكلمون.
والسبب في ذلك، كما ذكر العلماء، يعود إلى أمرين:
أولهما: أن الله تعالى قال في كتابه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ
لَهُمْ} [إبراهيم:4]، فإذا كان الأمر كذلك فلا بد أن يكون القرآن سارَ بكل أساليبه على عادة العرب، وعادة العرب البساطة والوضوح، دون الدخول في التعقيدات وكثرة التقسيمات.
وثانيهما: أن المائل إلى دقيق المحاجة هو العاجز عن إقامة الأدلة بالجلي من الكلام؛ لأن من استطاع أن يفهم الآخرين مطلوبه بالأوضح، الذي يفهمه الأكثرون، لم يعدل عنه إلى الأغمض، الذي لا يعرفه إلا الأقلون(11).
إن أسلوب القرآن في أدلته أسمى من المنطق، وأسمى من الفلسفة، فبينما تراه قد اعتمد
مسالكه على الأمر المحسوس، أو الأمور البديهية التي لا يماري فيها عاقل ولا يشك فيها إنسان، تراه قد تحلل من قيود المنطق، من غير أن يخل بدقة التصوير، وإحكام التحقيق، وصدق ما اشتمل عليه من مقدمات ونتائج في أحكام العقل وثمرات المنطق، ولهذا لا نعد أسلوب القرآن منطقًا، وإن كان فيه صدقه وتحقيقه(12).
سادسًا: أنها أدلة متكاملة:
هناك نوعين من الأدلة هما: الأدلة البرهانية، والأدلة التكليفية، والأدلة البرهانية اعتناؤها منصبًا على أمور العقيدة وأصول الدين، والرد على الشبهات والشكوك التي كان يثيرها الجاحدون المنكرون، وأما الأدلة التكليفية فاعتناؤها منصب على أمور التشريعات والعبادات وقوانين الأسرة والمجتمع، فهي إذن مختصة بالجانب التشريعي منه، وبذلك تتكامل الأدلة القرآنية معًا لتعالج قضايا هذا الدين، الذي هو عقيدة وشريعة حياة.
سابعًا :الأدلة القرآنية تضمنت دفع شبهات كل الجاحدين والرد على الفرق الضالة:
لم يأل الكفار، على اختلاف أصنافهم، جهدًا في محاولة هدم هذا الدين، والنيل من عقائده
وأصوله، وإثارة الشبهات والشكوك حوله، فكانوا كلما أخفقوا مرة أعادوا الكرة من جديد
علهم ينالون مبتغاهم في زعزعة أركان هذا الدين، مستخدمين كل الوسائل والطرق، وكان القرآن لهم بالمرصاد، فَيَطْلُع عليهم بالبراهين الساطعة والحجج الدامغة، ولم يكن يسكت عن شبهة واحدة يثيرونها؛ بل كان يرد عليهم أبلغ رد وأحسنه، ولا يبقي لهم فرصة للنيل من عقائده، أو المساس بأركانه، ثم يقيم عليهم الحجة في فساد ما هم مقيمون عليه من الكفر والعقائد الباطلة، ولم يكن القرآن ينتظر منهم شبهة ليردها؛ بل كان في كثير من الأحيان يبادرهم بعرض عقائدهم الزائفة وأقوالهم الباطلة، ثم يورد عليها من الأدلة والحجج ما ينقضها من أساسها، ويقتلعها من جذورها؛ فلا يبقى لها أثر في قلبٍ عَشِقَ الحقيقة، وأشرق نوره ليلامس أنوار تلك الأدلة الساطعة والبراهين القاطعة(13).
وكانت ردود القرآن على تلك الفرق تمس كل القواعد والأصول والمعتقدات التي تنبني
عليها، فتخر على أصحابها، وهم يتيهون لا يستطيعون ردًا ولا قولًا.
اقرأ قوله تعالى في نقض عقيدة النصارى بعيسى بن مريم وأمه :{مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [المائدة:75].
إن هذه الآية تضمنت أبلغ رد عقلي على كل مدعي ألوهية المسيح عيسى بن مريم وأمه،
فهو يسوق الدليل القاطع على أنهما بشر كغيرهما من البشر، وذلك بوصفهما بأنهما {يَأْكُلانِ الطَّعَامَ} فإن من يأكل الطعام فهو محتاج، والحاجة صفة لا يمكن أن تجتمع معها ألوهية، فهذا ما لا يُتَصور عقلًا، ثم إن من أكل الطعام احتاج إلى النَّفْضِ، وهو قضاء الحاجة، وهذا أمرّ ذوقًا في أفواه مدعي ألوهيتهما؛ لما في ذلك، مع الدلالة على الاحتياج المنافي للألوهية، من بشاعة عرفية(14).
وكذلك رد على المشركين ليبين لهم فساد ما هم مقيمون عليه من عبادة الأصنام: {إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا
يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر:14].
وردَّ على اليهود والنصارى معًا ليبين فريتهم في أنهم أبناء الله وأحباؤه، قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ
خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} [المائدة:18].
ثامنًا: أنها شاملة لأهم عقائد الدين ولكل أركانه:
وكما أن القرآن أقام البراهين والأدلة على كل الكافرين والجاحدين، فإنه أثبت كل
الأركان الأساسية والقواعد التي ينبني عليها هذا الدين.
فقد أثبتت الأدلة القرآنية بالبرهان العقلي وحدانية الله، ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم
والساعة، والبعث، والقرآن ذاته.
ففي إثبات الوحدانية لله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء:22]، وفي إثبات الخلق والإعادة والبعث: {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ
يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ} [يس:81]، وقال: {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس:79].
وفي إثبات الرسالة: {قُلْ لَوْ شَاءَ اللهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ} [يونس:61]، وقال: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46)} [الحاقة:44-46]، وفي إثبات القرآن: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل:103].
وهكذا، لم يترك القرآن عقيدة دعا إليها إلا وأقام عليها الحجة العقلية الدامغة، والبرهان
القاطع، الذي لا يُبقِي مجالًا لشك أو ريبة فيها.
تاسعًا: الاستدلال على القضية الواحدة بضروب مختلفة من الأدلة:
وإذا كان القرآن قد تناول في أدلته كافة العقائد التي دعا إلى الإيمان بها، فإنه لم يكتف
بإيراد دليل واحد أو نوع واحد من الأدلة على القضية الواحدة؛ بل إنه كان يستدل عليها بأنواع متعددة ومختلفة من الأدلة، وذلك حتى تكون ألزم للحجة، وتراعي لكل المستويات لدى البشر، على اختلاف مداركهم وثقافاتهم وأزمانهم وأمكنتهم، تمشيًا مع كونه خالدًا، وللناس كافة.
فعلى سبيل المثال، لو تتبعت الأدلة التي أقامها القرآن على مسألة المعاد الجسماني يوم
القيامة، فإنك تجده قد استدل على هذه القضية بضروب مختلفة من الاستدلال.
عاشرًا: إمكانية إبراز الدليل الواحد في صور متعددة:
هذه خصيصة أخرى من خصائص الأدلة القرآنية، فإذا كانت الخصيصة السابقة تعني
سَوْق أكثر من دليل على المسألة الواحدة، فإن هذه الخصيصة تعني أن الدليل الواحد من أدلة القرآن يمكن إبرازه وتقريره في صور متعددة، وفي هذا يقول ابن القيم: «والمادة الحق يمكن إبرازها في الصورة المتعددة، وفي أي قالبٍ أُفْرِغت وصورةٍ أُبْرِزت ظهرت صحيحة، وهذا شأن مواد براهين القرآن، في أي صورة أبرزتها ظهرت في غاية الصحة والبيان»(15).
ومن الأمثلة على ذلك في القرآن قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة:89].
قال ابن القيم عن هذه الحجة: ويمكن تقريرها على صور عديدة، ثم ذكر عشر صور في تقرير هذه الحجة، نذكر منها على سبيل المثال:
1- أن يقال: قد أقررتم بنبوته قبل ظهوره باستفتاحكم به، فتعين عليكم الإقرار بها بعد
ظهوره.
2- أن يقال: كنتم تستفتحون به، وذلك إقرار منكم بنبوته قبل ظهوره، استنادًا إلى ما عندكم من العلم بظهوره، فلما شاهدتموه وصار المعلوم معاينًا بالرؤية، فالتصديق به حينئذ أولى، فكفرتم به عند كمال المعرفة، وآمنتم به حين كانت غيبًا لم تكمل، فآمنتم به على تقدير وجوده وكفرتم به عند تحقق وجوده، فأي تناقض وعناد أبلغ من هذا؟!
3- أن يقال: إيمانكم به لازم، لاستفتاحكم به، ووجود الملزوم بدون لازمه محال.
4- أن يقال: أحد الأمرين لازم ولا بد؛ إما خطؤكم في استفتاحكم به، وإما كفركم وتكذيبكم به، فإنهما لا يمكن اجتماعهما، فأيهما كان خطأ كان الآخر صوابًا، ولكن استفتاحكم به مستند إلى الإيمان بالنبي الأول، فهو مستند إلى حق، فتعين أن يكون كفركم به هو الباطل، ولا يمكن أن يقال: إن التكذيب به هو الحق، والاستفتاح به كان باطلًا؛ لأنه يستلزم تكذيب ما أقررتم بصدقه ولا بد(16).
أنواع الاستدلال في القرآن:
يمكن تقسيم الاستدلال في القرآن إلى نوعين اثنين، هما: الاستدلال المباشر، والاستدلال
غير المباشر.
أولًا: الاستدلال المباشر:
الاستدلال المباشر هو الذي لا يحتاج فيه المستدِل لأكثر من قضية واحدة للوصول إلى
النتيجة المطلوبة(17).
ويتم بهذا القسم الاستدلالُ بصدق قضية على صدق أخرى أو كذبها، أو الاستدلال
بكذب قضية على صدق أخرى أو كذبها؛ فمثلًا: لو قلت: الإنسان ليس بخالق، فهذه قضية صادقة، تستطيع أن تشتق منها قضية أخرى صادقة، وهي أن الإنسان مخلوق(18).
ومن الأمثلة على الاستدلال المباشر في القرآن قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا
السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ} [سبأ:3]، وقوله: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ} [التغابن:7].
ففي هذه الآية يورد الله قول الكفار بشأن الساعة والبعث واستبعادهم وقوعهما، ويرشد
نبيه أن يرد عليهم بالقول المؤكد الصادق أن الساعة واقعة لا محالة.
وهنا يستدل على كذب قول الكافرين، وهو عدم وقوع الساعة، بصدق إخبار الله تعالى عن وقوعها؛ لأنه لما كانت القضية الثانية، التي هي النتيجة، صادقة حتمًا لأنها خبر يقيني، كانت القضية الأولى كاذبة حتمًا.
ويلاحظ في المثال السابق أن النتيجة التي تم التوصل إليها لم يستخدم فيها إلا قضية واحدة هي التي ساقت إليها، وهذا هو الاستدلال المباشر.
وهذا النوع من الاستدلال لا يقيم حجة عقلية على الكفار، فلو عدنا إلى المثال الذي سبق ذكره، وهو الرد على زعم الكافرين؛ حيث إنه يستدل على كذب الكافرين حتمًا بصدق إخبار النبي صلى الله عليه وسلم حتمًا، ومعلوم أن الكفار لا يعترفون أصلًا برسالة النبي صلى الله عليه وسلم، وبالتالي هم لا يصدقون خبره، فلا يكون عندهم الاستدلال بصدق النبي صلى الله عليه وسلم حجة على كذبهم.
ثانيًا: الاستدلال غير المباشر:
الاستدلال غير المباشر يحتاج فيه لأكثر من قضية، بخلاف المباشر؛ حيث لا يحتاج فيه لأكثر من قضية واحدة.
والاستدلال غير المباشر له ثلاث صور:
أولًا: الاستقراء:
أي تتبع حكم الجزئيات للوصول إلى حكم كُلِّيِّها(19).
وقيل أيضًا: هو قول مؤلف من قضايا تشتمل على الحكم على الجزئيات لإثبات الحكم الكلي، أو بعبارة أخرى هو الحكم على الكلي لوجوده في أكثر جزئياته(20).
فلو تتبعت جزئيات الجسد (الحيوان والنبات والجماد)، لوجدت أن جميع هذه الأجسام ذات حيز، فتحكم من خلالها، بطريق الاستقراء، على قضية كلية؛ وهي أن لكل جسم حيز.
والاستقراء منهج اعتمده القرآن في الاستدلال، وكثيرًا ما كان القرآن الكريم يوجه العقول
إلى تتبع ودراسة أحوال الأمم الماضية، وما حل بها من عذاب ونِقَم؛ للتوصل إلى نتيجة عامة، وهي أن كل أمة لا تستقيم على منهاج ربها وشرعه فستلقى المصير الذي واجهته الأمم السالفة.
اقرأ قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهَى} [طه:128]، وقوله تعالى: {وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِم} [العنكبوت:38]؛ بل إن الله دعا صراحة إلى اتباع هذا المنهج، حيث قال: {أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (19) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)} [العنكبوت:19-20]، وهاتان الآيتان وردتا في سياق إثبات المعاد، الذي ينكره الكفار، بما يشاهدونه في أنفسهم من خلق الله إياهم بعد أن لم يكونوا شيئًا، ثم أرشدهم إلى تتبع آيات الله المشاهدة من خلق الله الأشياء؛ خَلْق السماوات وما فيها من الكواكب، والأرضين وما فيها من سهل وجبل وبحر ونهر وبر وشجر وثمر، كل ذلك دال على حدوثها في أنفسها وعلى وجود صانعها الفاعل المختار، الذي إذا قال لشيء: {كُنْ}
{فَيَكُونُ} [يس:82]، ومن استقرأ خلق هذه الأشياء، التي هي أعظم خلقًا من خلق الإنسان، استدل بذلك على قدرته تعالى على إعادة الخلق؛ بل هو أهون على الله من ابتدائه.
وهنا نلاحظ، بجلاء، توجيه القرآن إلى طريقة الاستقراء؛ إذ إنه يأمر بالسير في الأرض،
الذي هو تتبع ودراسة الجزئيات التكوينية لها، ودراسة نشأتها؛ لاستنتاج القوانين والقواعد
الكلية، التي تبين لهم كيف بدأ الله الخلق، وهذا هو منهج الاستقراء بعينه(21).
ثانيًا: القياس:
والقياس حمل فرع على أصل في بعض أحكامه بمعنى يجمع بينهما(22).
والقياس المنطقي هو صيغة شكلية لإثبات حقائق سبق العلم بها، ولكن حصلت الغفلة عن جوانب منها، فيأتي القياس منبهًا عليها أو ملزمًا للخصم بالتسليم بها إذا هو أنكرها(23).
والقياس حجة في إثبات الأحكام العقلية، وهو طريق من طرقها(24).
والقياس هو أحد طرق الاستدلال غير المباشر، وإنما كان استدلالًا غير مباشر لتوقف تحصيل النتيجة فيه على إدراك مسلم به، مؤلف من قضيتين على أقل تقدير(25).
ومن الأمثلة على القياس في القرآن قياس الإعادة على إخراج النبات، وقياسه على
بدئه، وغيرها كثير.
ثالثًا: التمثيل:
والأمثال هي تشبيه شيء بشيء في حكمه، وتقريب المعقول من المحسوس أو أحد
المحسوسين من الآخر، واعتبار أحدهما بالآخر(26).
والتمثيل عند الأصوليين يعتبر من لواحق القياس، أما عند المتكلمين، وهم علماء العقيدة،
فيطلقون عليه اسم (الاستدلال بالغائب على الشاهد)(27).
والمثل كان إحدى طرق الاستدلال غير المباشر التي اتخذها القرآن وسيلة للاستدلال، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73) مَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ(74)} [الحج:73-74].
إن كل من يستمع لهذا المثل ويتدبره حق تدبره، فإنه يقطع موارد الشرك من قلبه، وذلك أن المعبود أقل درجاته أن يقدر على إيجاد ما ينفع عابده، وإعدام ما يضره، والآلهة التي يعبدها المشركون من دون الله لن تقدر على خلق ذباب، ولو اجتمعوا كلهم لخلقه، فكيف ما هو أكبر منه، فلا هم قادرون على خلق الذباب، الذي هو أضعف الحيوان، ولا على الانتصار منه واسترجاع ما يسلبهم إياه، فلا أعجز من هذه الآلهة ولا أضعف منها، فكيف يستحسن عاقل عبادتها من دون الله، وهذا من أبلغ ما أنزل الله سبحانه في بطلان الشرك، وتجهيل أهله وتقبيح عقولهم(28).
***
________________
(1) الدلالة العقلية في القرآن، ص483.
(2) مناهل العرفان (2/ 314).
(3) المصدر السابق (2/ 315).
(4) تاريخ الجدل، ص60-61.
(5) الصواعق المرسلة (2/ 469).
(6) المصدر السابق (2/ 460).
(7) الإتقان في علوم القرآن (2/ 172).
(8) البرهان في علوم القرآن (2/ 25).
(9) في ظلال القرآن (2/ 436-437).
(10) البرهان في علوم القرآن (2/ 24).
(11) المصدر السابق.
(12) تاريخ الجدل (63-64).
(13) الدلالة العقلية في القرآن، ص5.
(14) تفسير الألوسي (6/ 206).
(15) إرشاد القرآن والسنة إلى طريق المناظرة، ص118.
(16) المصدر السابق، ص102.
(17) أدب الحوار والمناظرة، ص126.
(18) ضوابط المعرفة، ص150.
(19) دستور العلماء (1/ 172).
(20) كشاف اصطلاحات الفنون (3/ 576).
(21) ضوابط المعرفة، ص191.
(22) اللمع في أصول الفقه، ص96.
(23) أدب الحوار والمناظرة، ص128.
(24) اللمع في أصول الفقه، ص96.
(25) ضوابط المعرفة، ص227.
(26) الأمثال في القرآن، ص46.
(27) ضوابط المعرفة، ص227.
(28) الأمثال في القرآن، ص46-47.