logo

حقوق الأخوة في الإسلام


بتاريخ : الاثنين ، 23 رجب ، 1439 الموافق 09 أبريل 2018
بقلم : تيار الاصلاح
حقوق الأخوة في الإسلام

إن القيام بحق الأخوة عبادة وليست عادة، ولا مجاملة، ولا لمطمع دنيوي؛ بل دين ندين لله به.

وعقد الأخوة رابطة بين الشخصين كعقد النكاح بين الزوجين، ويترتب على هذا العقد حقوق المال والبدن واللسان والقلب، وبمراعاة هذه الحقوق تدوم المودة وتزداد الألفة، ويدخل المتعاقدين في زمرة المتحابين في الله، وينالان من الأجر والثواب، ومن هذه الحقوق:

الحق الأول: المواساة بالمال:

لا شك أن الناس مختلفون، مختلفون في طبقاتهم، والناس بعضهم لبعض خدم؛ الغني يخدم الفقير، والفقير يخدم الغني، من كان ذا جاه فإنه يخدم من كان ليس بِذي جاه، وهكذا، فالناس متنوعون، جعلهم الله جل وعلا كذلك {لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}، هذه سنة الله جل وعلا في خلقه، وسنة الله جل وعلا في تصنيف الناس، وهذا إذا كان كذلك فإن من حق الأخوة:

1- أن تنزله منزلة خادمك، فتقوم بحاجته من فضلة مالك، فإذا سنحت له حاجة وكانت عندك فضلة عن حاجتك أعطيته ابتداءً ولم تحوجه إلى السؤال، فإن أحوجته إلى السؤال فهو غاية التقصير في حق الأخوة.

2- أن تنزله منزلة نفسك، وترضى بمشاركته إياك في مالك، ونزوله منزلتك حتى تسمح بمشاطرته في المال.

3- هي العليا؛ أن تؤثره على نفسك، وتقدم حاجته على حاجتك، وهذه رتبة الصديقين ومنتهى رتبة المتحابين، ومنتهى هذه الرتبة الإيثار بالنفس أيضًا.

وحقيقة الأخوّة أن يؤثر المرء غيره على نفسه، كما وصف الله جل وعلا الذين امتثلوا ذلك بقوله: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر:9]، فالإيثار من حقوق الأخوّة المستحبة، فإذا كان هذا في درجة الإيثار فذاك من الخير؛ لكن نطلب شيئًا أقل من الإيثار.

الحق الثاني: في الإعانة بالنفس:

وذلك في قضاء الحاجات، والقيام بها قبل السؤال، وتقديمها على الحاجات الخاصة، وهذه أيضًا لها درجات؛ فأدناها القيام بالحاجة عند السؤال والقدرة، ولكن مع البشاشة والاستبشار، وإظهار الفرح وقبول المنة، قال بعضهم: «وإذا استقضيت أخاك حاجة فلم يقضها فذكِّرْه ثانية؛ فلعله أن يكون قد نسي، فإن لم يقضها فكبر عليه، واقرأ هذه الآية: {وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُم الله} [الأنعام:36]».

والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من نَفَّس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلم ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه»(1).

والدرجة الثانية في المواساة بالنفس أن تجعل حاجته كحاجتك، وقد كان بعض السلف يتفقد عيال إخوانه بعد موتهم، ويقضي لهم حوائجهم، ويأتيهم كل يوم، ويمونهم من ماله، فكان الأولاد لا يفقدون بموت الأب إلا صورته.

والدرجة الأرقى والأسمى في المواساة بالنفس أن يقدم حاجة أخيه على حاجته؛ ولو أدى ذلك إلى تأخير حوائج نفسه، ولا ينتظر على ذلك مكافأة.

وبالجملة فينبغي أن تكون حاجة أخيك مثل حاجتك أو أهم من حاجتك، وأن تكون متفقدًا لأوقات الحاجة، غير غافل عن أحواله كما لا تغفل عن أحوال نفسك، وتغنيه عن السؤال إلى الاستعانة، ولا ترى لنفسك حقًا بسبب قيامك بها؛ بل تتقلد منة بقبول سعيك في حقه وقيامك بأمره.

وقال عطاء: «تفقدوا إخوانكم بعد ثلاث، فإن كانوا مرضى فعودوهم، أو مشاغيل فأعينوهم، أو كانوا نسوا فذكروهم»، وقال سعيد بن العاص: «لجليسي علي ثلاث: إذا دنا رحبت به، وإذا حدَّث أقبلت عليه، وإذا جلس أوسعت له»(2).

الحق الثالث: في اللسان: وذلك بالسكوت مرة وبالنطق أخرى، فليسكت عن كل كلام يكرهه جملة وتفصيلًا؛ إلا إذا وجب عليه النطق في أمر بمعروف أو نهي عن منكر ولم يجد رخصة في السكوت.

واعلم أنه لا يتم إيمان المرء ما لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وأقل درجات الأخوة أن يعامل أخاه بما يحب أن يعامله به، ومنشأ التقصير في ستر العورة أو السعي في كشفها الداءُ الدفين، وهو الحقد والحسد، ومن في قلبه سخيمة على مسلم فإيمانه ضعيف، وأمر مخطر، وقلبه خبيث لا يصلح للقاء الله.

والأخوة كما تقتضي السكوت عن المكاره تقتضي أيضًا النطق بالمحاب؛ بل هو أخص بالأخوة؛ لأن من قنع بالسكوت صحب أهل القبور، وإنما يراد الأخوة ليستفاد منهم لا ليتخلص من أذاهم، والسكوت معناه كف الأذى، فعليه أن يتودد إليه بلسانه، ويتفقده في أحواله التي يحب أن يتفقد فيها؛ كالسؤال عن عارض إن عرض، وإظهار شغل القلب بسببه، واستبطاء العافية عنه، وكذا جملة أحواله التي يكرهها ينبغي أن يظهر بلسانه وأفعاله كراهتها، وجملة أحواله التي يسر بها ينبغي أن يظهر بلسانه مشاركته له في السرور بها، فمعنى الأخوة المساهمة في السراء والضراء.

وقد قال عليه السلام: «إذا أحب أحدكم أخاه فليعلمه إياه»(3)، وإنما أمر بالإخبار لأن ذلك يوجب زيادة حب، فإن عرف أنك تحبه أحبك بالطبع لا محالة، فلا يزال الحب يتزايد من الجانبين ويتضاعف، والتحاب بين المؤمنين مطلوب في الشرع، ومحبوب في الدين، ولذلك علم النبي صلى الله عليه وسلم فيه الطريق فقال: «تهادوا تحابوا»(4).

ومن ذلك: التعليم والنصيحة، فليس حاجة أخيه إلى العلم بأقل من حاجته إلى المال، فإن كنت غنيًا بالعلم فعليك مواساته من فضلك، وإرشاده إلى كل ما ينفعه في الدين والدنيا، فإن علمته وأرشدته ولم يعمل بمقتضى العلم فعليك النصيحة، وذلك بأن تذكر آفات ذلك الفعل وفوائد تركه، وتخوفه بما يكرهه في الدنيا والآخرة لينزجر عنه، وتنبهه على عيوبه، ولكن ينبغي أن يكون ذلك في سر لا يطلع عليه أحد، فما كان على الملأ فهو فضيحة، وما كان في السر فهو شفقة ونصيحة، قال ذو النون: «لا تصحب مع الله إلا بالموافقة، ولا مع الخلق إلا بالمناصحة، ولا مع النفس إلا بالمخالفة»(5).

الحق الرابع: العفو عن الزلات والهفوات: هفوة الصديق إن كانت في دينه فلا بد من التلطف في نصحه، فإن أصر فمن السلف من رأى مقاطعته، ومنهم من رأى إدامة حق مودته وبغض عمله، وأما زلته في حقه بما يوجب إيحاشه فلا خلاف في أن الأولى العفو والاحتمال؛ بل كان ما يحتمل تنزيله على وجه حسن، ويتصور تمهيد عذر فيه قريب أو بعيد فهو واجب بحق الأخوة، فقد قيل: ينبغي أن تستنبط لزلة أخيك سبعين عذرًا، فإن لم يقبله قلبك فرد اللوم على نفسك، فتقول لقلبك: ما أقساك! يعتذر إليك أخوك سبعين عذرًا فلا تقبله، فأنت المعيب لا أخوك.

وقال الأحنف: «حق الصديق أن تحتمل منه ثلاثًا: ظلم الغضب، وظلم الدالة، وظلم الهفوة»، ومهما اعتذر إليك أخوك كاذبًا كان أو صادقًا فاقبل عذره، فالمؤمن إن غضب فهو سريع الرضاء(6).

وينبغي ألا يبالغ في البغضة عند الوقيعة، قال تعالى: {عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً} [الممتحنة:7]، وقال عمر رضي الله عنه: «لا يكن حبك كلفًا، ولا بغضك تلفًا»(7).

الحق الخامس: الدعاء للأخ: فتدعو له في حياته ومماته بكل ما يحبه لنفسه ولأهله، وكل متعلق به كما تدعو لنفسك، قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:10].

وقال صلى الله عليه وسلم: «دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به: آمين، ولك بمثل»(8).

وكان أبو الدرداء يقول: «إني لأدعو لسبعين من إخواني في سجودي، أسميهم بأسمائهم»(9).

الحق السادس: الوفاء والإخلاص: ومعنى الوفاءِ الثباتُ على الحب وإدامته إلى الموت معه، وبعد الموت مع أولاده وأصدقائه، فإن الحب إنما يراد للآخرة، فإن انقطع قبل الموت حبط العمل وضاع السعي، وروي أنه صلى الله عليه وسلم أكرم عجوزًا دخلت عليه فقيل له في ذلك فقال: «إنها كانت تأتينا أيام خديجة، وإن كرم العهد من الدين»(10).

يقول الغزالي: «وكان في السلف من يتفقَّد عيال أخيه وأولاده بعد موته أربعين سنة يقوم بحاجتهم، ويتردد كل يوم إليهم، ويمونهم من ماله، فكانوا لا يفقدون من أبيهم إلا عينه؛ بل كانوا يرون منه ما لم يروا من أبيهم في حياتهم، وكان الواحد منهم يتردد إلى باب دار أخيه ويسأل ويقول: هل لكم زيت هل لكم ملح هل لكم حاجة، وكان يقوم بها حيث لا يعرفه أخوه، وبهذا تظهر الشفة والأخوة، فإذا لم تثمر الشفقة حتى يشفق على أخيه كما يشفق على نفسه فلا خير فيها.

وبالجملة فينبغي أن تكون حاجة أخيك مثل حاجتك، أو أهم من حاجتك، وأن تكون متفقدًا لأوقات الحاجة، غير غافل عن أحواله كما لا تغفل عن أحوال نفسك، وتغنيه عن السؤال وإظهار الحاجة إلى الاستعانة؛ بل تقوم بحاجته كأنك لا تدري أنك قمت بها، ولا ترى لنفسك حقًّا بسبب قيامك بها؛ بل تتقلد منة بقبوله سعيك في حقه، وقيامك بأمره، ولا ينبغي أن تقتصر على قضاء الحاجة؛ بل تجتهد في البداية بالإكرام في الزيادة والإيثار»(11).

من آثار الوفاء:

1- ألا يتغير حال الأخ مع أخيه في التواضع وإن ارتفع شأنه:

من الوفاء ألا يتغيَّر حال الأخ مع أخيه في التواضع وإن ارتفع شأنه، فالإنسان في الدنيا قد ينتقل من مكانٍ إلى آخر، من منصب إلى آخر، من عمل إلى آخر، فإذا ارتفع شأنه فمن باب الوفاء مع إخوانه في الله ألا يبتعد عنهم، وألا يزوَّر عنهم، وألا يرى نفسه فوقهم، فمن صفات الكرماء المؤمنين أنه هو هو مع إخوانه، ومن صفات المنقطعين عن الله عز وجل أنه إذا ارتفعت مكانته نسي إخوانه.

فيكاد يكون الوفاء خُلُقَ المؤمن الأول، الوفاء لإخوانه، لمن كانوا معه ساعة العسرة، لمن كانوا معه في ساعة الشدة، ولا يتكبر على أخٍ إذا عَلَت منزلته إلا لئيم، قال الشاعر:

إن الكرام إذا ما أيسروا ذكروا       من كان يألفهم في المنزل الخشن

وأوصى بعض السلف ابنه فقال: «يا بني، لا تصحب من الناس إلا من إذا افتقرت إليه قَرُبَ منك، وإذا استغنيت عنه لم يطمع فيك، وإن عَلَت مرتبته لم يرتفع عليك».

2- ألا توافق أخاك على شيءٍ لا يرضي الله:

ليس من الوفاء أن توافقه على معصية، ليس من الوفاء أن تعرف أن دخله حرام فلا تنصحه، ليس من الوفاء إذا ضَيَّع فرض صلاةٍ أن تسكت عنه، هذه خيانة، من وفائك لأخيك المؤمن أنه إذا انحرف أو أخطأ أو قَصَّر أن تنبِّهه، وأن تُذَكِّره من دون أن يكون هذا أمام ملأ من الناس؛ لأن في هذا تشهيرًا وليس في هذا نصيحة.

قال الأحنف: «الإخاء جوهرة رقيقة، إن لم تحرسها كانت معرَّضةً للآفات، فاحرسها بالكظم حتى تعتذر إلى من ظلمك، وبالرضا حتى لا تستكثر من نفسك الفضل، ولا من أخيك التقصير»(12).

3- أن تكون شديد الجزع من المفارقة:

ومن آثار الوفاء؛ بل من آثار تمام الوفاء، أن تكون شديد الجزع من المفارقة، نفور الطبع عن أسبابها، كما قيل:

وجدت مصيبات الزمان جميعها       سوى فرقة الأحباب هينة الخطب

قال ابن عُيينة: «لقد عهدت أقوامًا فارقتهم منذ ثلاثين سنة، ما يُخَيَّلُ إلي أن حسرتهم ذهبت من قلبي»(13).

4- ألا تصادق عدو صديقك: كما قال الشافعي رحمه الله: «إذا أطاع صديقك عدوك فقد اشتركا في عداوتك».

وقيل في المعنى:

إذا صافى صديقك من تعادي       فقد عاداك وانقطع الكلام

5- التخفيف وترك التكلُّف والتكليف: ذلك بألا يكلِّف أخاه ما يَشق عليه، فالإنسان بين عسر ويسر، بين ضيق وتوسعة.

الحق السابع: الحب في الله والبغض في الله:

المحبة في الله أمرها عظيم، ولن تستكمل إيمانك إلا بها، روى أبو داود في سننه بسنده عن أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله فقد استكمل الإيمان»(14).

فيا ترى صُحبتُنا مع أصحابنا هل هي لله أم لأمور دنيوية ومكاسب شخصية؟، هل هي صحبة للطين أم أنها صحبة للدين؟

ما أحوجنا إلى مراجعة صداقاتنا وتصحيح نياتنا حتى نستكمل إيماننا، وحتى نتشرف بهذا الأجر الكبير؛ وهو أن نكون ممن أستكمل إيمانهم.

الحق الثامن: التناصح: يقول سبحانه في سورة التوبة: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة:71]، أولياء وليسوا أعداءً، نتناصح وندل على الخير وننهى عن الشر، لكن لا يكون هناك غل ولا حقد ولا حسد؛ بل إخوة أحباب في الله.

وتتمة الآية: {يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة:71]، فعليك أن تأمر أخاك بالمعروف وتنهاه عن المنكر لكن بالمعروف.

والنصيحة كانت من بنود مبايعة الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى البخاري في صحيحه بسنده عن جرير بن عبد الله قال: «بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم»(15).

وروى مسلم في صحيحه بسنده عن تميم الداري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الدين النصيحة»، قلنا: «لمن؟»، قال: «لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم»(16).

الله يخاطب نبيه فيقول له: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125]، ما هي الحكمة؟ قال ابن القيم: «الحكمة هي فعل ما ينبغي، على الوجه الذي ينبغي، في الوقت الذي ينبغي...، ولها ثلاثة أركان: العلم والحلم والأناة، وآفاتها وأضدادها: الجهل والطيش والعجلة»(17).

وتأمل معي ماذا قال الله لموسى عليه السلام عندما أرسله إلى فرعون، {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا (44)} [طه:43-44]

تليت هذه الآية عند يحيى بن معاذ فبكى وقال: «هذا رفقك بمن يقول: أنا إله، فكيف بمن قال: أنت الإله، وهذا رفقك بمن قال: أنا ربكم الأعلى، فكيف بمن قال: سبحان ربي الأعلى».

فما أحوجنا، إخوتي، إلى الرفق والرحمة ببعضنا البعض.

الحق التاسع: صفاء القلب لإخوانك المسلمين:

فيجب أن نصفي قلوبنا من الغل والحقد والحسد، روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانًا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره، التقوى هاهنا»، ويشير إلى صدره ثلاث مرات «بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه، وماله، وعرضه»(18).

ولهذا نجد أن من دعاء الصالحين في القرآن الكريم: {ولا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًا لِلَّذِينَ ءَامَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:10]، فلننتبه لقلوبنا، ونطهرها من شوائب الغل والحقد والحسد.

الحق العاشر: الزيارة في الله: روى الإمام مسلم في صحيحه بسنده عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم «أن رجلًا زار أخًا له في قرية أخرى، فأرصد الله له على مدرجته ملَكًا، فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخًا لي في هذه القرية، قال: هل لك عليه من نعمة تَرُبُّهَا؟ قال: لا، غير أني أحببته في الله عز وجل، قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه»(19).

فزار صاحبه لا لمصلحة ولا لتجارة ولا لمصالح دنيوية؛ بل زاره لأنه يحبه في الله، ولم يكن المكان قريبًا؛ بل سافر من قرية إلى قرية، وبهذه الزيارة نال محبة الله.

***

_________________

(1) أخرجه أبو داود (4946).

(2) موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين، ص131.

(3) أخرجه الترمذي (2392).

(4) أخرجه البخاري في الأدب المفرد (594).

(5) روح البيان (2/ 87).

(6) أدب الدنيا والدين، ص338.

(7) إحياء علوم الدين (2/ 186).

(8) أخرجه مسلم (2733).

(9) أخرجه ابن أبي شيبة (8102)

(10) سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/ 426).

(11) إحياء علوم الدين (2/ 176).

(12) المصدر السابق (2/ 188).

(13) أخرجه أبو داود (4681).

(14) أخرجه البخاري (57).

(15) أخرجه مسلم (55).

(16) مدارج السالكين (2/ 449)

(17) أخرجه مسلم (2564).

(18) أخرجه مسلم (2567).