logo

القناص


بتاريخ : الخميس ، 1 ذو الحجة ، 1435 الموافق 25 سبتمبر 2014
بقلم : مصطفى كريم
القناص

"سواءً كانت في السماء، أو في الأرض، أو في قصاصة ورق، أو في منظر عابر، أو في خيوط عنكبوت، علينا أن نلتقط ما يفيدنا أينما لاح لنا".

 

بابلو بيكاسو.

كان ديف يعمل محررًا بإحدى المجلات، وهو يحب عمله، إلا أنه كان يود لو أن لديه بعض الوقت؛ ليمارس حبه الأول: الكتابة، وفي عصر أحد الأيام، استدعاه رئيسه إلى مكتبه وأعطاه موضوع قصة جريمة محلية حدثت بالفعل، مضافًا إليه بعض التغييرات؛ لتكسبها عنصر الإثارة والتشويق، وطلب منه أن يكتب تلك القصة.

أخذ ديف القصة إلى مكتبه، وسرعان ما انهمك في قراءتها، إلا أن شعورًا تولد بداخله بأن تلك القصة هي طريق لفرصة سانحة أمامه، وفي تلك الليلة لم يعرف النوم طريقه إلى عيني ديف، الذي بات يتقلب في فراشه مصارعًا أفكاره.

وفي الصباح وبينما ديف يغسل أسنانه، أتته الفكرة واضحة؛ حيث أدرك ديف أن عليه أن يتصل بشخصيات القصة، ويسمع منها ليؤلف كتابًا يتناول تلك الجريمة، ووجد ديف بين يديه موضوعًا لقصة مذهلة، وأدرك أنه يستطيع وضع كتاب رائع عنها، فقد كان ديف على دراية بموهبة الكتابة لديه، ومع أول خطواته في مجال تأليف الكتب عن الجرائم التي حدثت بالفعل، كان متأكدًا من أن العمل في هذا المجال مشروع ناجح تمامًا.

وفي صبيحة اليوم التالي، ذهب ديف إلى رئيسه وأخبره بخطته، وما كان من الرئيس إلا أن سانده في قراره، رغم ما يعنيه هذا من حصول ديف على إجازة بدون مرتب، وبالفعل؛ في غضون ثلاثة أشهر وجد ديف ناشرًا، وها هو الآن يمضي أوقاته في أداء ما يحب؛ ألا وهو الكتابة.

هكذا هي الفرص دائمًا، تكون كالشهاب الذي ما يلبث أن يظهر في الأفق، ثم يشتد ضوءه، ولكنه يخبو سريعًا، فمن كان قوي الملاحظة فإنه سيتمكن من رؤيته، تمامًا كمن كان قناصًا للفرص، فسوف يحوزها إن شاء الله.

بقعة ضوء:

كثيرًا ما تأتي الفرص في ثياب تنكرية، وبوجوه مختلفة، ولذا كان لا بد من إلقاء الضوء على معنى الفرصة ومفهومها.

والفرص ما هي إلا لحظة يظهر فيها أمامك طريق جديد لم تبصره من قبل، وينفتح في وجهك باب كنت تظنه مغلقًا لسنوات طويلة، وبالتالي تقف أمام لحظة اختيار بين المضي في الطريق الذي أنت فيه، أو التحول إلى طريق آخر.

وما أشبه ذلك بما لو كنت سائرًا بسيارتك، وأخبرك أحدهم بوجود طريق مختصر إلى الوجهة التي تريد الذهاب إليها، ولكنه طريق مختلف عن الطريق الذي اعتدت السير فيه، فهل ستسير في نفس الطريق الطويل المعروف لديك؟ أم ستسلك الطريق المختصر المجهول عندك؟

إنها لا تمطر ذهبًا:

وهذه هي القاعدة الذهبية التي يبني عليها الإيجابيين سعيهم في الحياة، واقتناص الفرص فيها، هي تلك القاعدة التي أرساها لنا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما قال: «لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق ويقول: اللهم ارزقني؛ فقد علمتم أن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة».

وحتى لا ننتظر الفرص؛ بل نسعى إلى اقتناصها؛ بل وصناعتها أيضًا، فلا بد لذلك من جملة وصايا، من أهمها ما يلي:

1. كن يقظًا:

فربما تعبر الفرص أمام واحد من الناس فلا يفطن إليها، بينما لا يلبث آخر أن يقتنص تلك الفرصة بمجرد ظهور طرف منها وليس كلها.

وإليك هذه القصة، التي يحكيها لنا روبين سبكيولاند في كتابه (اضغط الزر وانطلق)، فيقول: «تم إرسال بائع أحذية أمريكي في مهمة تستغرق أسبوعين إلى إحدى الدول النامية؛ ليرى إن كانت هناك أي إمكانية لإقامة أعمال فيها.

استقل البائع الطائرة، وجاب الدولة لمدة أسبوعين، ثم عاد ليخبر رئيسه: «أيها الرئيس, لا توجد لنا أي فرصة في هذه الدولة, إنهم لا يرتدون أيَّة أحذية هناك على الإطلاق».

كان الرئيس رجل أعمال ذكيًا, وقرر أن يرسل بائعًا آخر في نفس المهمة لنفس الدولة, استقل البائع الطائرة في رحلة مدتها أسبوعين, وعندما عاد, أسرع من المطار إلى شركته مباشرة ودخل على رئيسه والحماس يملؤه: «أيها الرئيس, لدينا فرصة رائعة لبيع الأحذية في هذه الدولة, فلا يوجد أحد يرتديها بعد».

فانظر إلى يقظة البائع الثاني، واغتنامه تلك الفرصة، التي لم يرَ فيها البائع الأول ثمة نجاح أو فرصة تميز.

2. كن متفائلًا:

ففي كل فرصة جديدة تلوح للبشرية يخرج علينا جمع من الناس؛ ليبعثوا طاقة من التشاؤم، فعندما ظهر جهاز الحاسب الآلي، ادعى البعض أنه سوف يفقد الكثيرون من العمال وظائفهم، وسترتفع معدلات البطالة، ونسوا أن هذا الاختراع الجديد تفرع عنه أنواع مختلفة من الوظائف التي لم تكن معروفة مسبقًا.

وتظهر أهمية التفاؤل أكثر فأكثر، حينما تأتي الفرصة على هيئة مشكلة، لو تمكنت من حلها فسوف تستثمر تلك الفرصة، وحينها عليك أن تتذكر دائمًا أنه لا يمكنك أن تفعل أي شيء لتغيير حقيقة وجود المشكلة، ولكن يمكنك أن تفعل الكثير لتجد الفرصة في هذه المشكلة.

ولكن ذلك لا يتأتى إلا بروح من التفاؤل، ذلك لأن (المتفائل يبحث عن الفرصة التي تشتمل عليها أي صعوبات).

3. كن شجاعًا:

فكل فرصة تحمل من النجاح والتميز مثل ما تحمل من الفشل أو الإحباط، وهنا تكمن أهمية الشجاعة، ودور المخاطرة المحسوبة، ولكن من سيرفض اقتناص الفرص مخافة تحمل المخاطر، فسوف يراوح مكانه، تمامًا كقول الشاعر:

ومن يتهيب صعود الجبال     يعش أبد الدهر بين الحفر

وليكن قدوتنا هؤلاء المزارعون؛ فهم يتكلفون العناء والمشقة والجهد المالي والبدني وبذل الوقت في سبيل حصاد الزروع والثمار، وربما تأتي رياح الطقس بما لا تشتهيه نفوسهم، فتضيع تلك المحاصيل، ويخسرون كل جهد أو وقت أو مال ضاع في سبيلها.

وتذكر دائمًا قول زيج زيجلار: «كلنا مسئولون ونتحمل المخاطرات، ولكن الفيصل هو أن تختار تحمل المخاطرة؛ فتجعل حياتك مثمرة وممتعة ومثيرة ولها مردود كبير».

همسة في أذنك:

لا تضيع حياتك في انتظار فرصة العمر، كما يصفها البعض، وتذكر دائمًا أن الأنهار ما هي إلا قطرات ماء تجمعت وتراكمت، والفرص العظيمة ما هي إلا تجمع لفرص أقل منها، ولكن إن ضيعت الفرصة تلو الأخرى بدعوى أنها فرصة ضئيلة، فلن تصل إلى تلك الفرص التي طالما حلمت بها.

ــــــــــ

أهم المراجع:

1. إذا كان النجاح لعبة فهذه هي قوانينها، د. شيري كارتر سكوت.

2. اضغط الزر وانطلق، روبين سبكيولاند.

3. النجاح للمبتدئين، زيج زيجلار.

4. سلاح اليقظان لطرد الشيطان، عبد العزيز السلمان.

المصدر:

موقع: مفكرة الإسلام.